سفر إرميا – الإصحاح ٢٩
رسالة إلى المسبيين
أولًا. مستقبل ورجاء
أ ) الآيات (١-٤): رسالة من أورشليم إلى المسبيين
١هَذَا كَلَامُ ٱلرِّسَالَةِ ٱلَّتِي أَرْسَلَهَا إِرْمِيَا ٱلنَّبِيُّ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَقِيَّةِ شُيُوخِ ٱلسَّبْيِ، وَإِلَى ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْأَنْبِيَاءِ، وَإِلَى كُلِّ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ سَبَاهُمْ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَابِلَ، ٢بَعْدَ خُرُوجِ يَكُنْيَا ٱلْمَلِكِ وَٱلْمَلِكَةِ وَٱلْخِصْيَانِ وَرُؤَسَاءِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ وَٱلنَّجَّارِينَ وَٱلْحَدَّادِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ، ٣بِيَدِ أَلْعَاسَةَ بْنِ شَافَانَ، وَجَمَرْيَا بْنِ حِلْقِيَّا، ٱللَّذَيْنِ أَرْسَلَهُمَا صِدْقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ إِلَى بَابِلَ قَائِلًا: ٤هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ لِكُلِّ ٱلسَّبْيِ ٱلَّذِي سَبَيْتُهُ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَابِلَ.
١. هَذَا كَلَامُ ٱلرِّسَالَةِ ٱلَّتِي أَرْسَلَهَا إِرْمِيَا ٱلنَّبِيُّ مِنْ أُورُشَلِيمَ: يحتوي سفر إرميا على ٢٩ رسالة من إرميا (مكتوبة بصفته نبي الرب) إلى المسبيين في بابل. وكانت موجهة على نحو خاص إلى قادة (بقية قادة) المجتمع اليهودي هناك.
٢. بَعْدَ خُرُوجِ يَكُنْيَا: سُبيَ يكنيا في عام ٥٩٨ ق. م. وبحلول ذلك الوقت، كانت بابل قد غزت يهوذا وأورشليم مرتين (٦٠٥ ق. م. و٥٩٨ ق. م.). وفي كل مرة أخذت أسرى. وكان ما زال هنالك عدد لا بأس به من السكان في أورشليم ويهوذا. لكن سرعان ما سيتم غزوهم وترحيلهم في سبي قسري.
• ٱلرِّسَالَةِ ٱلَّتِي أَرْسَلَهَا … بِيَدِ أَلْعَاسَةَ: “كانت المراسلات الدبلوماسية بين السادة والأتباع شائعة في الألفية الثانية ق. م. كما تشير رسائل تل العمارنة من فلسطين إلى الفرعون.” ثومبسون (Thompson)
٣. هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ لِكُلِّ ٱلسَّبْيِ: كانت هذه الرسالة تعبيرًا مشروعًا وصحيحًا عن منصب إرميا النبوي، رغم أنها جاءت على كلمات مكتوبة لا منطوقة.
ب) الآيات (٥-٩): ارتاحوا في بابل وكونوا صالحين هناك
٥اِبْنُوا بُيُوتًا وَٱسْكُنُوا، وَٱغْرِسُوا جَنَّاتٍ وَكُلُوا ثَمَرَهَا. ٦خُذُوا نِسَاءً وَلِدُوا بَنِينَ وَبَنَاتٍ وَخُذُوا لِبَنِيكُمْ نِسَاءً وَأَعْطُوا بَنَاتِكُمْ لِرِجَالٍ فَيَلِدْنَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، وَٱكْثُرُوا هُنَاكَ وَلَا تَقِلُّوا. ٧وَٱطْلُبُوا سَلَامَ ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي سَبَيْتُكُمْ إِلَيْهَا، وَصَلُّوا لِأَجْلِهَا إِلَى ٱلرَّبِّ، لِأَنَّهُ بِسَلَامِهَا يَكُونُ لَكُمْ سَلَامٌ. ٨لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: لَا تَغُشَّكُمْ أَنْبِيَاؤُكُمُ ٱلَّذِينَ فِي وَسَطِكُمْ وَعَرَّافُوكُمْ، وَلَا تَسْمَعُوا لِأَحْلَامِكُمُ ٱلَّتِي تَتَحَلَّمُونَهَا. ٩لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِٱسْمِي بِٱلْكَذِبِ. أَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.”
١. اِبْنُوا بُيُوتًا وَٱسْكُنُوا: كان الشعب اليهودي في بابل بمشيئة الله، حيث إنه جلب دينونته على يهوذا بسبب تمردهم عليه على مدى أجيال. وحسب خطة الله، سيبقون في بابل فترة طويلة. ولذلك، فإنه أفضل لهم أن يستقروا فيها، وأن يعملوا أفضل ما يمكن لهم ولعائلاتهم هناك.
• “يرجح أنهم كانوا قلقين، توقُّعًا منهم لفترة قصيرة من التغرب في السبي، من مسألة اقتناء بيوت وأراضٍ، وحتى إنجاب أبناء. فقد تشكل هذه عوائق في حالة العودة إلى أورشليم.” كندال (Cundall)
• “توحي الحرية المسموحة لهم هناك بأنهم لم يكونوا عبيدًا أو سجناء في أرضهم الجديدة.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. وَٱكْثُرُوا هُنَاكَ وَلَا تَقِلُّوا: “أراد الله للشعب اليهودي أن يتكاثر في بابل كما تكاثروا في مصر. فلم يعنِ السبي أن الله نسيهم أو أنه أراد القضاء عليهم.
٣. وَٱطْلُبُوا سَلَامَ ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي سَبَيْتُكُمْ إِلَيْهَا: أرادهم الله أن يفعلوا الخير والصلاح في مجتمعاتهم، وأن يكونوا بركة لجيرانهم البابليين. ففي التحليل النهائي، كان الله نفسه هو الذي أرسلهم ليكونوا في بابل. وينبغي أن يكونوا بركة حيثما وُضِعوا.
• وَصَلُّوا لِأَجْلِهَا إِلَى ٱلرَّبِّ: “كان أمرًا فريدًا في الأدب القديم أن يأمرهم إرميا بأن يصلّوا من أجل الوثنيين الذين سبوهم.” (فينبيرغ (Feinberg)
• الصلاة والأعمال الصالحة جزء من طلب سلام المدينة. “لا يمكن لأعمال اللطف العشوائية أن تجلب السلام الدائم. فالأساس الوحيد للسلام الحقيقي الدائم هو عمل يسوع المسيح على الصليب.” رايكن (Ryken)
• “سبق أن تنبّأ إرميا بإطاحة بابل بطريقة مؤكدة. ولا يمكن أن يرقى أي شك إلى هذا الأمر. لكن، ما دامت بابل باقية، وكانوا مسبيين فيها حسب مشيئة الله، كان عليهم أن يعملوا على تأمين السلام لأنفسهم بطلب سلام المدينة عن طريق الصلاة.” مورجان (Morgan)
• “أينما تجد نفسك، اطلب سلامة الذين حولك وراحتهم.” ماير (Meyer)
٤. لَا تَغُشَّكُمْ أَنْبِيَاؤُكُمُ ٱلَّذِينَ فِي وَسَطِكُمْ وَعَرَّافُوكُمْ: كان هنالك أنبياء كذبة في أورشليم وفي بابل. ومن المحتمل أن هؤلاء الأنبياء الكذبة والعرّافين أخبروا اليهود في بابل أنه سيُسمح لهم بالعودة إلى يهوذا قريبًا، ولهذا لا ينبغي لهم أن يخططوا لحياتهم في بابل. فقال الله: إِنَّمَا يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِٱسْمِي بِٱلْكَذِبِ. أَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
• “كانت هنالك فترة من الاضطرابات في جميع أنحاء الإمبراطورية البابلية، وكان الأنبياء في كل من أورشليم وبابل يعلنون نهاية وشيكة للسبي، معتقدين أن بابل كانت على وشك الانهيار. ويلمّح السجل البابلي إلى اضطرابات داخلية في بابل في ٥٩٥/٤ ق. م. ويبدو أن بعض اليهود المرحَّلين قد تورّطوا فيها.” ثومبسون (Thompson)
ج) الآيات (١٠-١٤): الوعد بإرجاعهم إلى الأرض
١٠لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: إِنِّي عِنْدَ تَمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً لِبَابِلَ، أَتَعَهَّدُكُمْ وَأُقِيمُ لَكُمْ كَلَامِي ٱلصَّالِحَ، بِرَدِّكُمْ إِلَى هَذَا ٱلْمَوْضِعِ. ١١لِأَنِّي عَرَفْتُ ٱلْأَفْكَارَ ٱلَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلَامٍ لَا شَرٍّ، لِأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً. ١٢فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. ١٣وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ. ١٤أُوجَدُ لَكُمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَأَرُدُّ سَبْيَكُمْ وَأَجْمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ ٱلْأُمَمِ وَمِنْ كُلِّ ٱلْمَوَاضِعِ ٱلَّتِي طَرَدْتُكُمْ إِلَيْهَا، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَأَرُدُّكُمْ إِلَى ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي سَبَيْتُكُمْ مِنْهُ.
١. إِنِّي عِنْدَ تَمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً لِبَابِلَ، أَتَعَهَّدُكُمْ: كما سبق أن وعد إرميا بأن السبي البابلي لن يتجاوز سبعين سنة. إذ عيّن الله نهاية له. لكنه سيكون موسمًا طويلًا في السبي قبل أن يرجعهم إِلَى هَذَا ٱلْمَوْضِعِ.
• وَأُقِيمُ لَكُمْ كَلَامِي ٱلصَّالِحَ، بِرَدِّكُمْ إِلَى هَذَا ٱلْمَوْضِعِ: وعد الأنبياء الكذبة بعودة سريعة من السبي. فقد أخبر الله شعبه هناك، من خلال إرميا، أنه لن تكون هنالك عودة سريعة، لكن ستكون عودة. ففي الوقت المناسب، سيفتقدهم الله وسيقيم لهم كلامه الصالح بردّهم إِلَى هَذَا ٱلْمَوْضِعِ. فكانت لدى الله رسالة صالحة للمسبيين، ولم تكن تلك الرسالة التي جلبها الأنبياء الكذبة.
• “كان لدى النبي إرميا واجب مزدوج في إسقاط آمالهم الزائفة، والحفاظ على توقعاتهم الصحيحة. فحذّرهم بوضوح من توقع أكثر مما وعد به الله. ودفعهم إلى البحث عن تحقيق ما سبق أن وعد به.” سبيرجن (Spurgeon)
• “دام السبي سبعين ٧٠ سنة حقًّا. ويحسب هاريسون ٧٠ سنة من الانتصار البابلي في كركميش عام ٦٠٥ ق. م. حتى عودة أول المسبيين في عام ٥٣٦ ق. م.” رايكن (Ryken)
٢. أَفْكَارَ سَلَامٍ لَا شَرٍّ، لِأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً: عرف الله أفكاره نحو هؤلاء اليهود المسبيين في بابل. ولم يعرفوا أو لم يتذكروا أفكاره نحوهم. ولهذا أراد الله أن يذكرها لهم كتابةً من خلال رسالة إرميا.
• يفكر الله فينا. وفي المزمور ٤٠، يتأمل داود أفكار الله نحو شعبه: “كَثِيرًا مَا جَعَلْتَ أَنْتَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ إِلَهِي عَجَائِبَكَ وَأَفْكَارَكَ مِنْ جِهَتِنَا. لَا تُقَوَّمُ لَدَيْكَ. لَأُخْبِرَنَّ وَأَتَكَلَّمَنَّ بِهَا. زَادَتْ عَنْ أَنْ تُعَدَّ” (مزمور ٤٠: ٥؛ انظر أيضًا ١٣٩: ١٧-١٨).
• آخِرَةً وَرَجَاءً: “تدور أفكار الله حول أبنائه، ولاسيما أبناء الضيق، كما يفعل الأب الصالح مع أبنائه الأعزاء.” تراب (Trapp)
• لكن ما قاله الله للمسبيين من خلال إرميا كان أفضل. فالله لا يفكر في شعبه فحسب، بل أفكاره متجهة نحوهم. “لا يفكر الرب فيك فحسب، بل كل أفكاره تجري في طريقك.” سبيرجن (Spurgeon)
• وفضلًا عن ذلك، لا نعرف أفكار الله، لكنه يقول: ِأَنِّي عَرَفْتُ ٱلْأَفْكَارَ ٱلَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ. “أيها الإخوة، عندما لا نستطيع أن نعرف أفكار الرب لأنها عالية جدًّا عن مداركنا، أو أعمق من أن نفهمها، قلنتذكر أن الله يعرفها.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ: عاش اليهود المسبيون خبرة دينونة الله على أمتهم. فكان سهلًا أن يعتقدوا أن الله كان ضدهم، وأنه كان ينوي الشر لهم. فأكد الرب لهم، من خلال إرميا، أن أفكاره نحوهم هي أفكار سلام، وأن مستقبلهم ورجاءهم هما في قلبه وعقله.
• قُدم هذا الوعد لليهود القدامى في السبي البابلي. لكنها تعبّر عن قلب الله الثابت نحو شعبه. وبالفعل، كانت هذه أفكار الله نحو إسرائيل تحت العهد القديم. ولا ينبغي أن نجرؤ على الاعتقاد أنه أقل تفضيلًا لأولئك الذين يأتون إليه بالإيمان من خلال المسيّا في العهد الجديد.
• لدى الله مستقبل ورجاء لشعبه، حتى عندما يعانون في السبي ويتألمون تحت التأديب المستحق أو الدينونة العادلة. ويحاول إبليس أن يخدعهم فيسلبهم إحساسهم بمستقبل الله ورجائه لهم.
• لم يعبَّر عن المستقبل والرجاء في العودة من السبي فحسب. “إذ كان لدى الله قصد من وراء انتشار المجامع والعهد القديم استعدادًا للإنجيل.” ماير (Meyer)
• “الكلمتان المترجمتان إلى ’آخرة (نهاية) ورجاء‘ (كما في الترجمة العربية) صياغة أدبية خاصة تسمّى Hendiadys تعبَّر عن الفكرة في كلمتين مرتبطتين بأداة وصل مناسبة. وهنا يعني هذا التعبير ’نهاية أو آخرة تبعث على الرجاء أو الأمل.‘ فينبيرغ (Feinberg)
٤. وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ: يساعد هذا على تحديد المستقبل والرجاء اللذين لدى الله لشعبه المسبي. فرغم أنهم لم يكونوا في أورشليم، وكانوا غير قادرين على أداء شعائر الهيكل المعيّنة، إلا أن الله سيستمع إليهم عندما يصلّون. فكانت صلاتهم واستجابة الله لها جزءًا من مستقبلهم ورجائهم.
• رغم أنهم كانوا في السبي، إلا أنهم لم يكونوا من دون الله أو من دون الذين أرسلهم الله ليخدموهم. إذ “سيخدمهم حزقيال، كما فعل أنبياء آخرون.” ثومبسون (Thompson)
٥. وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ: لن يختبئ الله عن شعبه عندما يطلبونه، ولن يعانوا من شعور قاتم بأنه لا يمكنهم أن يجدوه. لكن طلبهم لله، وإعلان الله لهم، جزء من مستقبلهم ورجائهم.
٦. وَأَرُدُّ سَبْيَكُمْ: كان هذا جانبًا آخر من مستقبلهم ورجائهم. فلن يباركهم الله في بابل فحسب، بل سيسمح لشعبه في نهاية الأمر بالرجوع إلى أرضه وأرضهم الموعودة.
د ) الآيات (١٥-٢٠): استياء الله من الذين بقوا في أورشليم ويهوذا
١٥لِأَنَّكُمْ قُلْتُمْ: قَدْ أَقَامَ لَنَا ٱلرَّبُّ نَبِيِّينَ فِي بَابِلَ، ١٦فَهَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ لِلْمَلِكِ ٱلْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ، وَلِكُلِّ ٱلشَّعْبِ ٱلْجَالِسِ فِي هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ، إِخْوَتِكُمُ ٱلَّذِينَ لَمْ يَخْرُجُوا مَعَكُمْ فِي ٱلسَّبْيِ: ١٧هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: هَأَنَذَا أُرْسِلُ عَلَيْهِمِ ٱلسَّيْفَ وَٱلْجُوعَ وَٱلْوَبَأَ، وَأَجْعَلُهُمْ كَتِينٍ رَدِيءٍ لَا يُؤْكَلُ مِنَ ٱلرَّدَاءَةِ. ١٨وَأُلْحِقُهُمْ بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ وَٱلْوَبَإِ، وَأَجْعَلُهُمْ قَلَقًا لِكُلِّ مَمَالِكِ ٱلْأَرْضِ، حِلْفًا وَدَهَشًا وَصَفِيرًا وَعَارًا فِي جَمِيعِ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ طَرَدْتُهُمْ إِلَيْهِمْ، ١٩مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِكَلَامِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، إِذْ أَرْسَلْتُ إِلَيْهِمْ عَبِيدِي ٱلْأَنْبِيَاءَ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلًا وَلَمْ تَسْمَعُوا، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. ٢٠وَأَنْتُمْ فَٱسْمَعُوا كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ يَا جَمِيعَ ٱلسَّبْيِ ٱلَّذِينَ أَرْسَلْتُهُمْ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَابِلَ.
١. وَلِكُلِّ ٱلشَّعْبِ ٱلْجَالِسِ فِي هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ، إِخْوَتِكُمُ ٱلَّذِينَ لَمْ يَخْرُجُوا مَعَكُمْ فِي ٱلسَّبْيِ: اعتقد مسبيون كثيرون في بابل أن أولئك الذين لم يتم سبيهم بعد بطريقة ما كانوا أفضل من الذين حُملوا للسبي. وربما كان هنالك أنبياء زائفون شجعوا على مثل هذا التفكير. فأخبر الله المسبيين أن أولئك الذين بقوا في الأرض سيواجهون دينونة قاسية.
٢. وَأَجْعَلُهُمْ كَتِينٍ رَدِيءٍ لَا يُؤْكَلُ مِنَ ٱلرَّدَاءَةِ: تحدث إرميا ٢٤ عن سلّتي تين. وهنا تتكرر الصورة. فالذين بقوا في أورشليم ويهوذا كانوا مثل التين الرديء، لا التين الجيد. وسيكون مصيرهم صعبًا (وَأَجْعَلُهُمْ قَلَقًا لِكُلِّ مَمَالِكِ ٱلْأَرْضِ، حِلْفًا وَدَهَشًا وَصَفِيرًا وَعَارًا فِي جَمِيعِ ٱلْأُمَمِ).
• “لا تحسدوا صدقيا الملك على عرش يهوذا، ولا تحسدوا الناس الذين هم الآن في الأرض التي سُبيتم منها.” كلارك (Clarke)
٣. مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِكَلَامِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ… وَلَمْ تَسْمَعُوا: ليس الأمر كما لو أن أولئك الذين أُخذوا للسبي كانوا أبرارًا بينما كان الباقون في الأرض أكثر إثمًا بكثير. ويبدو أن أكثر ما اعترض عليه الله هو الشعور بالتفوق والتفضيل الذي تمسّك به الذين بقوا في أورشليم ويهوذا.
ثانيًا. الرسالة إلى أفراد معينين في بابل
أ ) الآيات (٢١-٢٣): الرسالة إلى النبيين أخْآب وصدقيا
٢١هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَخْآبَ بْنِ قُولَايَا، وَعَنْ صِدْقِيَّا بْنِ مَعْسِيَّا، ٱللَّذَيْنِ يَتَنَبَّآنِ لَكُمْ بِٱسْمِي بِٱلْكَذِبِ: هَأَنَذَا أَدْفَعُهُمَا لِيَدِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ فَيَقْتُلُهُمَا أَمَامَ عُيُونِكُمْ. ٢٢وَتُؤْخَذُ مِنْهُمَا لَعْنَةٌ لِكُلِّ سَبْيِ يَهُوذَا ٱلَّذِينَ فِي بَابِلَ، فَيُقَالُ: يَجْعَلُكَ ٱلرَّبُّ مِثْلَ صِدْقِيَّا وَمِثْلَ أَخْآبَ ٱللَّذَيْنِ قَلَاهُمَا مَلِكُ بَابِلَ بِٱلنَّارِ. ٢٣مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا عَمِلَا قَبِيحًا فِي إِسْرَائِيلَ، وَزَنَيَا بِنِسَاءِ أَصْحَابِهِمَا، وَتَكَلَّمَا بِٱسْمِي كَلَامًا كَاذِبًا لَمْ أُوصِهِمَا بِهِ، وَأَنَا ٱلْعَارِفُ وَٱلشَّاهِدُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. عَنْ أَخْآبَ بْنِ قُولَايَا، وَعَنْ صِدْقِيَّا بْنِ مَعْسِيَّا: خاطب الله في رسالته، من خلال إرميا، بعض الأفراد المعينين. وهنا يتكلم إلى أخآب وصدقيا – رجلين كانا يُعَدّان نبيين. وكان اسم الأول على اسم ملك شرير من ملوك إسرائيل، بينما كان اسم الثاني على اسم ملك شرير من ملوك يهوذا.
٢. هَأَنَذَا أَدْفَعُهُمَا لِيَدِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ فَيَقْتُلُهُمَا: على ما يبدو أن أخآب وصدقيا كانا بين الأنبياء الذين كذبوا على شعب الله عندما تحدثا عن ضعف نبوخذنصّر، والعودة الوشيكة لليهود إلى يهوذا. فلم يكونا مخطئين بشكل عام فحسب. بل كانا مخطئين أيضًا في ما يتعلق بنفسيهما شخصيًّا. وسرعان ما سيعدمهما الملك الذي قالا عنه إن قوته ونفوذه كانا يتلاشيان.
٣. يَجْعَلُكَ ٱلرَّبُّ مِثْلَ صِدْقِيَّا وَمِثْلَ أَخْآبَ: سيصبح هذا قولًا مأثورًا بين اليهود في السبي البابلي. إذ سيموت هذان الرجلان ميتة رهيبة، حيث سيُقليان بالنار (ٱللَّذَيْنِ قَلَاهُمَا مَلِكُ بَابِلَ بِٱلنَّارِ)، بحيث يمكن للمرء أن يلعن آخرين بأن يتمنى لهم مصير هذين الرجلين.
• “يقول النص العبري (كما هو في الترجمة العربية) إن نبوخذنصّر قلاهما بالنار. وكان هذا عقابًا ملائمًا للخيانة حسب قانون حمورابي.” رايكن (Ryken)
٤. عَمِلَا قَبِيحًا فِي إِسْرَائِيلَ، وَزَنَيَا بِنِسَاءِ أَصْحَابِهِمَا وَتَكَلَّمَا بِٱسْمِي كَلَامًا كَاذِبًا: كان هؤلاء غير أمينين في حياتهما وأقوالهما. ورغم أن عدم أمانتهما لم تكن معروفة بين عامة الناس، إلا أن الله كان شاهدًا على كل شيء، وسيحاسبهما.
ب) الآيات (٢٤-٢٨): رسالة إلى شمعيا
٢٤وَكَلِّمْ شِمْعِيَا ٱلنِّحْلَامِيِّ قَائِلًا: ٢٥هَكَذَا تَكَلَّمَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ أَرْسَلْتَ رَسَائِلَ بِٱسْمِكَ إِلَى كُلِّ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ، وَإِلَى صَفَنْيَا بْنِ مَعْسِيَّا ٱلْكَاهِنِ، وَإِلَى كُلِّ ٱلْكَهَنَةِ قَائِلًا: ٢٦قَدْ جَعَلَكَ ٱلرَّبُّ كَاهِنًا عِوَضًا عَنْ يَهُويَادَاعَ ٱلْكَاهِنِ، لِتَكُونُوا وُكَلَاءَ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ لِكُلِّ رَجُلٍ مَجْنُونٍ وَمُتَنَبِّئٍ، فَتَدْفَعُهُ إِلَى ٱلْمِقْطَرَةِ وَٱلْقُيُودِ. ٢٧وَٱلْآنَ لِمَاذَا لَمْ تَزْجُرْ إِرْمِيَا ٱلْعَنَاثُوثِيَّ ٱلْمُتَنَبِّئَ لَكُمْ. ٢٨لِأَنَّهُ لِذَلِكَ أَرْسَلَ إِلَيْنَا إِلَى بَابِلَ قَائِلًا: إِنَّهَا مُسْتَطِيلَةٌ. ٱبْنُوا بُيُوتًا وَٱسْكُنُوا، وَٱغْرِسُوا جَنَّاتٍ وَكُلُوا ثَمَرَهَا.
١. قَدْ جَعَلَكَ ٱلرَّبُّ كَاهِنًا: كانت الرسالة الثانية موجهة إلى شِمْعِيَا ٱلنِّحْلَامِيِّ الذي أرسل رسائل إلى رئيس الكهنة، صفنيا، طالبًا منه أن يوقف ويعاقب كل رَجُلٍ مَجْنُونٍ وَمُتَنَبِّئٍ، قاصدًا بهذا إرميا (وربما آخرين أيضًا.)
• مَجْنُونٍ: “بالعبرية Meshuga في نشوة الطرب، كما بدا على الأنبياء سواء أكانوا صادقين أم كاذبين، عندما يكونون تحت تأثير الله (بالنسبة للنبي الصادق) أو تحت تأثير روح شرير (بالنسبة للنبي الزائف). انظر ٢ ملوك ٩: ١١؛ هوشع ٩: ٧).” كلارك (Clarke)
• كان صفنيا كاهنًا بعد رئيس الكهنة الصالح التقي، يهوياداع (٢ أخبار الأيام ٢٣-٢٤).
• “كان عليه أن يعرف أن المقطرة لم تخرس إرميا من قبل، كما أن إضافة طوق من الحديد لن ينجز هذا أيضًا.” كيدنر (Kidner)
٢. وَٱلْآنَ لِمَاذَا لَمْ تَزْجُرْ إِرْمِيَا ٱلْعَنَاثُوثِيَّ: أراد شمعيا من صفنيا أن يفعل ما بوسعه في مقاومة إرميا وتشويه سمعته، منكرًا رسالته التي تقول إنهم سيبقون في السبي فترة طويلة، وأن عليهم أن يستغلوها أفضل استغلال.
ج) الآيات (٢٩-٣٢): الدينونة القادمة على شمعيا
٢٩فَقَرَأَ صَفَنْيَا ٱلْكَاهِنُ هَذِهِ ٱلرِّسَالَةَ فِي أُذُنَيْ إِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ. ٣٠ثُمَّ صَارَ كَلَامُ ٱلرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا قَائِلًا: ٣١”أَرْسِلْ إِلَى كُلِّ ٱلسَّبْيِ قَائِلًا: هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ لِشِمْعِيَا ٱلنِّحْلَامِيِّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ شِمْعِيَا قَدْ تَنَبَّأَ لَكُمْ وَأَنَا لَمْ أُرْسِلْهُ، وَجَعَلَكُمْ تَتَّكِلُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ. ٣٢لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: هَأَنَذَا أُعَاقِبُ شِمْعِيَا ٱلنِّحْلَامِيَّ وَنَسْلَهُ. لَا يَكُونُ لَهُ إِنْسَانٌ يَجْلِسُ فِي وَسْطِ هَذَا ٱلشَّعْبِ، وَلَا يَرَى ٱلْخَيْرَ ٱلَّذِي سَأَصْنَعُهُ لِشَعْبِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِعِصْيَانٍ عَلَى ٱلرَّبِّ.”
١. فَقَرَأَ صَفَنْيَا ٱلْكَاهِنُ هَذِهِ ٱلرِّسَالَةَ فِي أُذُنَيْ إِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ: وصلت الرسالة التي أرسلها شمعيا إلى أورشليم وصفنيا. وقد سمع إرميا مضمونها الذي يمجّد شمعيا وينتقده ويحرّض عليه.
٢. هَأَنَذَا أُعَاقِبُ شِمْعِيَا: أوعز الله لإرميا أن يستجيب بإعلان نبوي ضد شمعيا. وبموجب هذا الإعلان، سيعاقب الله شمعيا وعائلته. وسيموتون بلا نسل، ولن يروا ’ٱلْخَيْرَ ٱلَّذِي سَأَصْنَعُهُ لِشَعْبِي.‘
• إن أحد أسباب الحفاظ على أولئك الأوفياء لله عبر صعوبات الحياة هو ببساطة أن يكونوا موجودين عندما يصنع الله خيرًا لشعبه.