سفر إرميا – الإصحاح ٣١
مجد العهد الجديد
أولًا. محبة الرب الأبدية لإسرائيل
أ ) الآيات (١-٢): الخلاص لإسرائيل في الأيام الأخيرة
١فِي ذَلِكَ ٱلزَّمَانِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، أَكُونُ إِلَهًا لِكُلِّ عَشَائِرِ إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. ٢هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: قَدْ وَجَدَ نِعْمَةً فِي ٱلْبَرِّيَّةِ، ٱلشَّعْبُ ٱلْبَاقِي عَنِ ٱلسَّيْفِ، إِسْرَائِيلُ حِينَ سِرْتُ لِأُرِيحَهُ.
١. فِي ذَلِكَ ٱلزَّمَانِ: حددت الآيات الأخيرة من الإصحاح السابق هذا الوقت على أنه آخر الأيام (إرميا ٣٠: ٢٤).
٢. أَكُونُ إِلَهًا لِكُلِّ عَشَائِرِ إِسْرَائِيلَ: قدّم إرميا وصفًا رباعيًّا للتحول العظيم إلى الله والمسيّا في آخر الأيام. وكما كتب بولس: ’وَهَكَذَا سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ‘ (رومية ١١: ٢٦).
٣. قَدْ وَجَدَ نِعْمَةً فِي ٱلْبَرِّيَّةِ، ٱلشَّعْبُ ٱلْبَاقِي عَنِ ٱلسَّيْفِ: سيؤثر الاضطهاد العظيم للشعب اليهودي في وقت الضيق على يعقوب (رومية ٣٠: ٧؛ رؤيا ١٢) في كثيرين، لكن لا ينجو الجميع. ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من الذين نجوا ستنال نعمة الله وراحته في مسيّاهم، يسوع المسيح.
ب) الآيات (٣-٦): أساس أمانة الله لإسرائيل: محبته الأبدية
٣تَرَاءَى لِي ٱلرَّبُّ مِنْ بَعِيدٍ: “وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَدَمْتُ لَكِ ٱلرَّحْمَةَ. ٤سَأَبْنِيكِ بَعْدُ، فَتُبْنَيْنَ يَا عَذْرَاءَ إِسْرَائِيلَ. تَتَزَيَّنِينَ بَعْدُ بِدُفُوفِكِ، وَتَخْرُجِينَ فِي رَقْصِ ٱللَّاعِبِينَ. ٥تَغْرِسِينَ بَعْدُ كُرُومًا فِي جِبَالِ ٱلسَّامِرَةِ. يَغْرِسُ ٱلْغَارِسُونَ وَيَبْتَكِرُونَ. ٦لِأَنَّهُ يَكُونُ يَوْمٌ يُنَادِي فِيهِ ٱلنَّوَاطِيرُ فِي جِبَالِ أَفْرَايِمَ: قُومُوا فَنَصْعَدَ إِلَى صِهْيَوْنَ، إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا.”
١. تَرَاءَى لِي ٱلرَّبُّ مِنْ بَعِيدٍ (من القِدم): حرص إرميا على أن يضع الكلمات التالية في سياقها. فقد جاءت من ظهور إلهي، ظهور متجذر في الأزل (مِنْ بَعِيدٍ).
٢. وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ: كانت رسالة الله العظيمة لإسرائيل تأكيدًا لمحبته. لقد امتدت محبته المتجذرة في الأزل إلى الأبد. فكانت محبة سرمدية.
• طمأن الله إسرائيل على هذا بطريقة توكيدية في النص العبري (تستخدم الترجمة الإنجليزية في بداية العبارة كلمة ’نعم‘ أو ’حقًّا‘ للتوكيد). ومن اللافت للنظر أن بعض المؤمنين يعتقدون أن الله قال “لا” للمحبة الأبدية لإسرائيل كإسرائيل، وأنه ينبغي أن يَعُدوا الآن الشعب المختار على أنه لم يعد مختارًا.
• “لا يقول ’أشفقت عليك،‘ أو ’فكرتُ فيك،‘ بل ’أحببتك.‘ فمحبة الله هي معك.” سبيرجن (Spurgeon)
• “أحببتك بالمحبة القديمة التي أحببتك بها. وكما يقول بلايني: ’أحببتك محبة مزمنة، محبة طويلة الأمد.‘ ويقول داهلر (Dahler): ’لكني أحبك دائمًا.‘ ما زلت أحمل للشعب اليهودي تلك المحبة التي أظهرتها لآبائهم في مصر، وفي البرية، وفي الأرض الموعودة.” كلارك (Clarke)
• قيلت هذه العبارة في إسرائيل، لكن المحبة الموصوفة هنا هي محبة الله لكل مؤمن. إذ يتوجب عليك أن تعود إلى ما قبل ولادتك، إلى ما قبل الجلجثة وبيت لحم، وإلى ما قبل جنة عدن. وبينما تقف وتنظر إلى عظمة الأزل، تجاسر على التصديق أن الله أحبك واختارك في المسيح، والذي هو موضوع اهتمام الله وحنانه العظيمين.” ماير (Meyer)
٣. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَدَمْتُ لَكِ ٱلرَّحْمَةَ (جذبتك بمراحمي): بسبب محبة الله الأبدية، يبقى وعده بأن يجذب إسرئيل بمراحمه، hesed بمحبته العهدية.
• تجذب محبة (مراحم) الله إسرائيل. فهو لا يجبر شعبه، بل يجذبهم في محبة ورأفة. وفي الصورة الأكبر لخطة الله الافتدائية، يمكننا القول إن لطف الله أو كرمه يقتاد إسرائيل إلى التوبة في وقت الضيق على يعقوب.
• “ليست الجاذبية الرئيسية لرسالة الإنجيل هي الخوف، بل المحبة. فالتائبون يُجذَبون إلى المسيح بدلًا من أن يُدفعوا دفعًا إلى ذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
• “تترجم كلمة hesed إلى ’محبة‘ أو ’مراحم‘ أو ’أمانة‘ أو ’اهتمام دائم.‘ لكن من المستحيل ترجمتها بكلمة واحدة، غير أنها تعبر عن طبيعة الله كما تجسدت في العهد السيناوي.” هاريسون (Harrison)
٤. سَأَبْنِيكِ بَعْدُ: تعني محبة الله الأمينة لإسرائيل أنه سيستردهم وسيبنيهم. وهو أمر مؤكد (سَأَبْنِيكِ بَعْدُ). ويعني استرداد إسرائيل الفرح والرقص والوفرة. ولن يحتاج حراس إسرائيل إلى التحذير من اقتراب الأعداء، بل سيرحبون بالحجاج القادمين ’إِلَى صِهْيَوْنَ، إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا.‘
• كان الحراس ينتشرون في مواقع عالية في أوقات الحرب للتحذير من اقتراب العدو (انظر إرميا ٦: ١٧). لكن دعوة الحراس هنا هي أنبل، لأنها الدعوة إلى الصعود ’إِلَى صِهْيَوْنَ، إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا.‘ ثومبسون (Thompson)
ج) الآيات (٧-٩): الاسترداد الفرِح
٧ لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: رَنِّمُوا لِيَعْقُوبَ فَرَحًا، وَٱهْتِفُوا بِرَأْسِ ٱلشُّعُوبِ. سَمِّعُوا، سَبِّحُوا، وَقُولُوا: خَلِّصْ يَا رَبُّ شَعْبَكَ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ. ٨هَأَنَذَا آتِي بِهِمْ مِنْ أَرْضِ ٱلشِّمَالِ، وَأَجْمَعُهُمْ مِنْ أَطْرَافِ ٱلْأَرْضِ. بَيْنَهُمُ ٱلْأَعْمَى وَٱلْأَعْرَجُ، ٱلْحُبْلَى وَٱلْمَاخِضُ مَعًا. جَمْعٌ عَظِيمٌ يَرْجِعُ إِلَى هُنَا. ٩بِٱلْبُكَاءِ يَأْتُونَ، وَبِٱلتَّضَرُّعَاتِ أَقُودُهُمْ. أُسَيِّرُهُمْ إِلَى أَنْهَارِ مَاءٍ فِي طَرِيقٍ مُسْتَقِيمَةٍ لَا يَعْثُرُونَ فِيهَا. لِأَنِّي صِرْتُ لِإِسْرَائِيلَ أَبًا، وَأَفْرَايِمُ هُوَ بِكْرِي.
١. رَنِّمُوا لِيَعْقُوبَ فَرَحًا وَٱهْتِفُوا بِرَأْسِ ٱلشُّعُوبِ: كان هذا خبرًا سارًّا جدًّا لدرجة أنه لا ينبغي سماعه في إسرائيل وحدها. إذ ينبغي أن تسمع الأرض كلها عن خلاص الله لإسرائيل لتمجده.
٢. هَأَنَذَا آتِي بِهِمْ: وعد الله بأن يجمع الشعب اليهودي من جميع أنحاء الأرض، وهو تجمُّع تام حتى إن العُمي والعُرج يأتون. وهكذا يأتي حشد كبير جدًّا. وهم لا يرجعون إلى الرب فحسب، بل إلى الأرض أيضًا. فالوعد بالأرض باقٍ لإسرائيل.
• حدثت معجزة عظيمة في ١٩٤٨ عندما وُلدت إسرائيل مرة أخرى كدولة على أرضها القديمة. وبقدر ما كان ذلك رائعًا ومعجزيًّا، إلا أن هذا لا يحقق مجد هذا الوعد. فقد تجمعت إسرائيل الآن في عدم إيمان. ولن يتحقق هذا بشكل كامل إلا عندما تأتي إسرائيل إلى الإيمان بالرب ومسيّاه.
٣. بِٱلْبُكَاءِ يَأْتُونَ: في هذا الاسترداد العظيم في آخر الأيام (إرميا ٣٠: ٢٤)، ستعود إسرائيل إلى الرب بدموع وتضرعات. وكما كتب أحد أنبياء الآخرين: (وَأُفِيضُ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ رُوحَ ٱلنِّعْمَةِ وَٱلتَّضَرُّعَاتِ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، ٱلَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ، وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ هُوَ فِي مَرَارَةٍ عَلَى بِكْرِهِ” (زكريا ١٢: ١٠).
• “أؤمن باسترداد اليهود إلى أرضهم في آخر الأيام. وأنا من أشد المؤمنين بلمّ شمل اليهود في المستقبل. وقبل أن يأتي يسوع المسيح إلى هذه الأرض مرة أخرى سيُسمح لهم بالذهاب إليها إلى فلسطينهم الحبيبة.” تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) في عظة ألقاها في عام ١٨٥٥
٤. وَأَفْرَايِمُ هُوَ بِكْرِي: يمثّل أفرايم إسرائيل ككل كما في السطر السابق. ومع ذلك، فإنه لأمر ذو دلالة أن أفرايم لم يكن بكر يعقوب، غير أن الله عدّه بكرًا. ويدل هذا على أن البكر يشير إلى ما هو أكثر من ترتيب الولادة. بل يوصل مفهوم التفوق.
• “ستكون أفرايم في حالة بركة دائمة، لأن تضليل يربعام لهم، وإبعادهم عن مقْدِس الرب، سيكون شيئًا من الماضي عندما يرجعون إلى صهيون. وسيشفى الخرق الذي دام قرونًا طويلة في النهاية.” فينبيرغ (Feinberg)
د ) الآيات (١٠-١٢): جمع القطيع المشتت
١٠اِسْمَعُوا كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ أَيُّهَا ٱلْأُمَمُ، وَأَخْبِرُوا فِي ٱلْجَزَائِرِ ٱلْبَعِيدَةِ، وَقُولُوا: مُبَدِّدُ إِسْرَائِيلَ يَجْمَعُهُ وَيَحْرُسُهُ كَرَاعٍ قَطِيعَهُ. ١١لِأَنَّ ٱلرَّبَّ فَدَى يَعْقُوبَ وَفَكَّهُ مِنْ يَدِ ٱلَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْهُ. ١٢فَيَأْتُونَ وَيُرَنِّمُونَ فِي مُرْتَفَعِ صِهْيَوْنَ، وَيَجْرُونَ إِلَى جُودِ ٱلرَّبِّ عَلَى ٱلْحِنْطَةِ وَعَلَى ٱلْخَمْرِ وَعَلَى ٱلزَّيْتِ وَعَلَى أَبْنَاءِ ٱلْغَنَمِ وَٱلْبَقَرِ. وَتَكُونُ نَفْسُهُمْ كَجَنَّةٍ رَيَّا، وَلَا يَعُودُونَ يَذُوبُونَ بَعْدُ.
١. وَأَخْبِرُوا فِي ٱلْجَزَائِرِ ٱلْبَعِيدَةِ: ومرة أخرى، أكد الله أنه يتوجب إعلان بشرى استرداد الله لكل الشعب إلى أقصى أجزاء الأرض.
• “اسمعوا واشهدوا على الوعود الكريمة التي قطعها لشعبي، لأني سأجعلهم ينتبهون ويلاحظون.” تراب (Trapp)
٢. مُبَدِّدُ إِسْرَائِيلَ يَجْمَعُهُ: تُكرَّر هذه الموضوعات لغرض التوكيد. ولن ينتهي الله مع إسرائيل إلى أن يلم شملهم في آخر الأيام.
٣. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ فَدَى يَعْقُوبَ وَفَكَّهُ مِنْ يَدِ ٱلَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْهُ: وعد الله بأن ينقذ الشعب اليهودي من السبي ومن الذين استعبدوهم، والذين كانوا أقوى منهم بمعنى طبيعي وروحي معًا.
• فَدَى يَعْقُوبَ وَفَكَّهُ: “يعني الفعل ’يفدي‘ في بعض السياقات الحرية بعد ثمن الفدية. وهو في الأصل مصطلح في القانون التجاري. وأما الفعل ’يفك‘ فيُستخدم في الغالب في سياقات الالتزامات العائلية. فكان الولي القريب يفك ممتلكات عضو في العائلة، وينتقم لمقتله.” ثومبسون (Thompson)
٤. فَيَأْتُونَ وَيُرَنِّمُونَ فِي مُرْتَفَعِ صِهْيَوْنَ: صوّر إرميا شعب إسرائيل مجتمعين ومستردّين وهم يتدفقون على أورشليم. وسيكونون أغنياء بوفرة من تدبير الله ماديًّا وروحيًّا معًا (وَتَكُونُ نَفْسُهُمْ كَجَنَّةٍ رَيَّا).
هـ) الآيات (١٣-١٤): الاستجابة الفرِحة
١٣حِينَئِذٍ تَفْرَحُ ٱلْعَذْرَاءُ بِٱلرَّقْصِ، وَٱلشُّبَّانُ وَٱلشُّيُوخُ مَعًا. وَأُحَوِّلُ نَوْحَهُمْ إِلَى طَرَبٍ، وَأُعَزِّيهِمْ وَأُفَرِّحُهُمْ مِنْ حُزْنِهِمْ. ١٤وَأُرْوِي نَفْسَ ٱلْكَهَنَةِ مِنَ ٱلدَّسَمِ، وَيَشْبَعُ شَعْبِي مِنْ جُودِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. وَأُحَوِّلُ نَوْحَهُمْ إِلَى طَرَبٍ: ناحت إسرائيل تحت محنة الأسر والسبي، لكن الله وعد بأن يحول نواحهم إلى فرح. فمع تعزية الله، سيبتهج الجميع معًا.
٢. وَأُرْوِي نَفْسَ ٱلْكَهَنَةِ مِنَ ٱلدَّسَمِ: الفكرة هي أنه ستكون لدى الكهنة وفرة لأن الشعب قد بوركوا كثيرًا بالفعل. فكان الشعب يدفعون العشور بأمانة وسخاء بسبب بركة الرب عليهم.
• “ستعكس التقدمات الوفيرة إنتاجية الأرض.” هاريسون (Harrison)
و ) الآيات (١٥-١٧): بكاء راحيل
١٥هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: صَوْتٌ سُمِعَ فِي ٱلرَّامَةِ، نَوْحٌ، بُكَاءٌ مُرٌّ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلَادِهَا، وَتَأْبَى أَنْ تَتَعَزَّى عَنْ أَوْلَادِهَا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ. ١٦هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: ٱمْنَعِي صَوْتَكِ عَنِ ٱلْبُكَاءِ، وَعَيْنَيْكِ عَنِ ٱلدُّمُوعِ، لِأَنَّهُ يُوجَدُ جَزَاءٌ لِعَمَلِكِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. فَيَرْجِعُونَ مِنْ أَرْضِ ٱلْعَدُوِّ. ١٧وَيُوجَدُ رَجَاءٌ لِآخِرَتِكِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. فَيَرْجِعُ ٱلْأَبْنَاءُ إِلَى تُخُمِهِمْ.
١. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلَادِهَا: يتكلم الرب من خلال صورة شعرية مصوّرًا راحيل (أم يوسف وبنيامين، وهما سلفان بارزان لأسباط إسرائيل) وهي تبكي على أولادها. وهي تفعل هذا من الرامة قرب مكان دفنها (١ صموئيل ١٠: ٢).
• “تصوّر راحيل، أم يوسف وبنيامين، على أنها تبكي بيأس على الأسباط المسبيين. ويطمئنها الله على أن أبناءها سيعودون إليها بشكل معجزي.” كندال (Cundall)
٢. لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ: في هذه الصورة الشعرية، تقوم راحيل من قبرها لتروا أن أنسالها قد أُسِروا وسبوا. وهي حزينة تأبى أن تتعزّى.
• فهم كاتب الإنجيل حسب متى هذا على أنه نوع (رمز) أو صورة رمزية لمذبحة أطفال بيت لحم والمناطق المجاورة بسبب الخوف من ولادة ملك اليهود (متى ٢: ١٦-١٨).
• “انظروا متى ٢: ١٨ حيث تُقتبس فيها هذه الكلمات، لا كنبوة، بل كنوع (رمز) مرتبط بقتل الأطفال الرضّع على يد الملك هيرودس.” هاريسون (Harrison)
٣. ٱمْنَعِي صَوْتَكِ عَنِ ٱلْبُكَاءِ، وَعَيْنَيْكِ عَنِ ٱلدُّمُوعِ: قدّم الله كلمة رائعة شعرية لراحيل، حيث أمر بتعزية من تأبى التعزية.
• “ليست الكلمة الأخيرة للحزن والأسى، سواء أكان ذلك في إرميا أم في متى. فالأم هنا ترفض أن تتعزى، غير أن الرب يعزّيها.” رايكن (Ryken)
٤. لِأَنَّهُ يُوجَدُ جَزَاءٌ لِعَمَلِكِ: لم تكن تعزية الله لراحيل جوفاء. إذ يمكن أن تتعزى لأن هنالك مكافأة واستردادًا. فَيَرْجِعُونَ (أبناؤها) مِنْ أَرْضِ ٱلْعَدُوِّ. وعنى وعد الاسترداد أنه يُوجَدُ رَجَاءٌ لِآخِرَتِكِ.
ز ) الآيات (١٨-٢٠): الله يقبل إسرائيل التائبة
١٨سَمْعًا سَمِعْتُ أَفْرَايِمَ يَنْتَحِبُ: أَدَّبْتَنِي فَتَأَدَّبْتُ كَعِجْلٍ غَيْرِ مَرُوضٍ. تَوِّبْنِي فَأَتُوبَ، لِأَنَّكَ أَنْتَ ٱلرَّبُّ إِلَهِي. ١٩لِأَنِّي بَعْدَ رُجُوعِي نَدِمْتُ، وَبَعْدَ تَعَلُّمِي صَفَقْتُ عَلَى فَخْذِي. خَزِيتُ وَخَجِلْتُ لِأَنِّي قَدْ حَمَلْتُ عَارَ صِبَايَ. ٢٠هَلْ أَفْرَايِمُ ٱبْنٌ عَزِيزٌ لَدَيَّ، أَوْ وَلَدٌ مُسِرٌّ؟ لِأَنِّي كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ بِهِ أَذْكُرُهُ بَعْدُ ذِكْرًا. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَنَّتْ أَحْشَائِي إِلَيْهِ. رَحْمَةً أَرْحَمُهُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. سَمْعًا سَمِعْتُ أَفْرَايِمَ يَنْتَحِبُ: ومرة أخرى، يُستخدم أفرايم كرمز لإسرائيل ككل. ويقول الله إنه سمع شعبه وهم يتكلمون بتواضع وتوبة.
• سَمْعًا سَمِعْتُ: “يقول النص العبري، كما في الترجمة العربية أيضًا، ’سَمْعًا سَمِعْتُ.‘ لقد رنّت أنّاتهم ومراثيهم في أذنيّ.” تراب (Trapp)
• “بإمكان راحيل أن تجفف دموعها لسبب ممتاز (في رؤيا النبي)، وهو أن أفرايم بدأ على الأقل يبكي لا على مصيره، بل على خطاياه.” كيدنر (Kidner)
٢. أَدَّبْتَنِي فَتَأَدَّبْتُ: أدرك شعب إسرائيل أن مصائبهم لم تكن صدفة أو بسبب قدر أعمى، بل كانت تأديبًا من الرب. وها هم يقبلونه الآن بتواضع، كما لو أن ثورًا غير مروض يحتاج، بطريقة ما، إلى ترويض وإخضاع.
٣. تَوِّبْنِي فَأَتُوبَ (أعِدْني فأعود): أدركوا في اعتمادهم الكلي على الله أنهم لا يستطيعون العودة إلى الله من دون عمله الاستردادي. فطلبوا منه بتواضع أن يستردهم لكي يعودوا.
٤. بَعْدَ رُجُوعِي نَدِمْتُ: عندما رجعوا إلى الله، فهموا أنه ينبغي لهم أن يغيّروا سلوكهم. ويعني هذا التوبة.
٥. خَزِيتُ وَخَجِلْتُ: بعد رجوعهم إلى الله، خجلوا من خطيتهم وتمردهم في السابق، من آثام شبابهم. فضربوا أنفسهم على أفخاذهم ندمًا، كما يفعل شخص انزعج بشدة.
• صَفَقْتُ عَلَى فَخْذِي: “تعمَّق حزني أكثر فأكثر، فضربت نفسي على فخذي بسبب أقصى ضيقي. كانت هذه علامة على محنة عظيمة. انظر حزقيال ٢١: ١٢.” كلارك (Clarke)
٦. أَفْرَايِمُ ٱبْنٌ عَزِيزٌ لَدَيَّ: سجّل إرميا استجابة الله الرائعة وهو يقبل ويحتضن إسرائيل كابن عزيز عليه، كما فعل الابن الضال في لوقا ١٥: ٢٠.
• ٱبْنٌ عَزِيزٌ: “ابني العزيز، ابني الذي أُسَر به، أو طفلي الحبيب. لا يستطيع الرب أن ينطق باسم ابنه (كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ بِهِ) من دون أن يتذكره بشكل نابض بالحياة.” ثومبسون (Thompson)
• أَوْ وَلَدٌ مُسِرٌّ؟: “هذا أمر مؤكد. وهو عزيز ومُسِر أكثر من أي وقت مضى عندما يَنشج هكذا.” تراب (Trapp)
٧. حَنَّتْ أَحْشَائِي إِلَيْهِ: هذه هي المحبة الأبدية، والمراحم التي تكلم عنها في الإصحاح (إرميا ٣١: ٣).
• حَنَّتْ أَحْشَائِي إِلَيْهِ: يقول النص العبري حرفيًّا: ’أحشائي تكركر له.‘ لكن ينبغي أن تكون الترجمة هي ’قلبي يتوق إليه.‘ ويصوّر هذا التجسيم الحي للغاية معِدة الله وهي تغلي شوقًا إلى ابنه.” ثومبسون (Thompson)
ثانيًا. جمع إسرائيل المستردة وزرعها في الأرض
أ ) الآيات (٢١-٢٢): السبيل الواضح للاسترداد
٢١اِنْصِبِي لِنَفْسِكِ صُوًى. ٱجْعَلِي لِنَفْسِكِ أَنْصَابًا. ٱجْعَلِي قَلْبَكِ نَحْوَ ٱلسِّكَّةِ، ٱلطَّرِيقِ ٱلَّتِي ذَهَبْتِ فِيهَا. ٱرْجِعِي يَا عَذْرَاءَ إِسْرَائِيلَ. ٱرْجِعِي إِلَى مُدُنِكِ هَذِهِ. ٢٢حَتَّى مَتَى تَطُوفِينَ أَيَّتُهَا ٱلْبِنْتُ ٱلْمُرْتَدَّةُ؟ لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ خَلَقَ شَيْئًا حَدِيثًا فِي ٱلْأَرْضِ. أُنْثَى تُحِيطُ بِرَجُلٍ.
١. ٱجْعَلِي قَلْبَكِ نَحْوَ ٱلسِّكَّةِ: صوّر إرميا طريقًا ذا لافتات ومعالم تهدي شعب إسرائيل في عودتهم إلى الأرض مستردّين علاقتهم بإله عهدهم. وسيعود الشعب إلى العلاقة التي ربطتهم ذات يوم (ٱلطَّرِيقِ ٱلَّتِي ذَهَبْتِ فِيهَا) بمحبتهم الأولى لله.
• “يخاطب إرميا الآن مسبيي المملكة الشمالية العائدين. وينبغي لهم أن يقوموا بإعداد وافٍ لرحلتهم إلى وطنهم.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. حَتَّى مَتَى تَطُوفِينَ أَيَّتُهَا ٱلْبِنْتُ ٱلْمُرْتَدَّةُ: في ضوء محبة الله واسترداده العظيمين، لم يكن من المنطقي أن يبقى شعب إسرائيل في حالة ارتدادها لحظة أخرى. فإذا وعد الله بهذا الاسترداد، ينبغي أن يقبلوا هذا الوعد بالإيمان على الفور بدلًا من الانتظار لوقت غير محدد في المستقبل للعودة.
٣. أُنْثَى تُحِيطُ بِرَجُلٍ: إن أفضل معنى لهذه العبارة الصعبة هو أنها وعد بأن إسرائيل ستكون مباركة وآمنة للغاية في استرداد الله لها حتى إن النساء فيها يمكن أن تحمي الرجال والشعب ككل.
• “إن أفضل تفسير للإشارة في الآية ٢٢ هو أننا نجد وضعًا جديدًا، حيث امرأة تحيط برجل لحمايته. ويدل هذا على الأمان المطلق الذي ستتمتع إسرائيل به. إذ سيتمكن الرجال من التفرغ للقيام بعملهم، لأن خطر الهجوم سيكون ضئيلًا للغاية، يحيث تُترك مسألة الأمن والسلامة للجنس الأضعف.” كندال (Cundall)
• “أعتقد أنه من المحتمل أنهم في ظروفهم الحالية المحزنة يمثَّلون في صورة امرأة ضعيفة عاجزة Hbqn nekebal بينما كان يمثَّل الكلدانيون في صورة رجل قوي شرس Rbg gaber تغلَّب على هذه المرأة وقمعها. لكن رغم التفاوت بينهما، سيجعل الله المرأة – اليهود الضعفاء العُزّل – تحيط بالرجل القوي – البابليين الأقوياء – تتغلب عليه. ويقول النبي إن هذا سيكون شيئًا جديدًا في الأرض. ففي مثل هذه الحالة، يأخذ الأعرج فريسة.” كلارك (Clarke)
• يحاول بعضهم أن يحوّلوا كلمات إرميا ٣١: ٢٢ إلى نبوة لولادة من عذراء. لكن النص لا يدعم هذا.
ب) الآيات (٢٣-٢٥): إعلان البركة على إسرائيل
٢٣هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: سَيَقُولُونَ بَعْدُ هَذِهِ ٱلْكَلِمَةَ فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي مُدُنِهَا، عِنْدَمَا أَرُدُّ سَبْيَهُمْ: يُبَارِكُكَ ٱلرَّبُّ يَا مَسْكِنَ ٱلْبِرِّ، يَا أَيُّهَا ٱلْجَبَلُ ٱلْمُقَدَّسُ. ٢٤فَيَسْكُنُ فِيهِ يَهُوذَا وَكُلُّ مُدُنِهِ مَعًا، ٱلْفَّلَاحُونَ وَٱلَّذِينَ يُسَرِّحُونَ ٱلْقُطْعَانَ. ٢٥لِأَنِّي أَرْوَيْتُ ٱلنَّفْسَ ٱلْمُعْيِيَةَ، وَمَلَأْتُ كُلَّ نَفْسٍ ذَائِبَةٍ.
١. يُبَارِكُكَ ٱلرَّبُّ يَا مَسْكِنَ ٱلْبِرِّ، يَا أَيُّهَا ٱلْجَبَلُ ٱلْمُقَدَّسُ: تكلم الرب عن يوم قادم تُطلق فيه هذه البركة من قبل الشعب اليهودي وهم راجعون إلى صهيون وقادمين إلى أورشليم كحجاج. وتشير هذه البركة إلى أن حكومة إسرائيل التي تحولت بشكل جذري صارت تدار من المسيّا الذي يجعل أورشليم بيتًا للعدالة وجبلًا للقداسة.
• “عندما تُسترد المملكة الجنوبية ومدنها، ستُسمع من جديد تحية أولئك الذين يزورون أورشليم.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. فَيَسْكُنُ فِيهِ يَهُوذَا وَكُلُّ مُدُنِهِ مَعًا، ٱلْفَّلَاحُونَ وَٱلَّذِينَ يُسَرِّحُونَ ٱلْقُطْعَانَ: في ذلك اليوم، لن يبارَك الشعب اليهودي روحيًّا فحسب، بل ماديًّا أيضًا. وسيُسترَد في كل من المدينة والريف.
٣. أَرْوَيْتُ ٱلنَّفْسَ ٱلْمُعْيِيَةَ، وَمَلَأْتُ كُلَّ نَفْسٍ ذَائِبَةٍ: وعد الرب بالوفرة وإشباع النفس الفارغة المتعَبَة. فالنفس الممتلئة بالحزن ستمتلئ بالرجاء والسلام.
ج) الآيات (٢٦-٣٠): الرد على مثل غير صحيح
٢٦عَلَى ذَلِكَ ٱسْتَيْقَظْتُ وَنَظَرْتُ وَلَذَّ لِي نَوْمِي. ٢٧هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَأَزْرَعُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتَ يَهُوذَا بِزَرْعِ إِنْسَانٍ وَزَرْعِ حَيَوَانٍ. ٢٨وَيَكُونُ كَمَا سَهِرْتُ عَلَيْهِمْ لِلِٱقْتِلَاعِ وَٱلْهَدْمِ وَٱلْقَرْضِ وَٱلْإِهْلَاكِ وَٱلْأَذَى، كَذَلِكَ أَسْهَرُ عَلَيْهِمْ لِلْبِنَاءِ وَٱلْغَرْسِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. ٢٩فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ لَا يَقُولُونَ بَعْدُ: ٱلْآبَاءُ أَكَلُوا حِصْرِمًا، وَأَسْنَانُ ٱلْأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ. ٣٠بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. كُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ ٱلْحِصْرِمَ تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ.
١. ٱسْتَيْقَظْتُ وَنَظَرْتُ: من الواضح أن قدْرًا كبيرًا من النبوة السابقة جاء إلى إرميا وهو نائم نومًا عذبًا، وربما جاء في حلم.
٢. وَأَزْرَعُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ: وعد الله بأن يسترد الشعب اليهودي ويباركه، فتتكاثر أبناؤهم ومواشيهم.
٣. أَسْهَرُ عَلَيْهِمْ لِلْبِنَاءِ وَٱلْغَرْسِ: في مرحلة مبكرة من سفر إرميا، أعطى الله النبي مأمورية ’لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ‘ (إرميا ١: ١٠). وتناول قدْر كبير من سفر إرميا حتى هذه اللحظة مسألة القلع والهدم. غير أن الرب وعد بأن يبني ويغرس أيضًا.
٤. لَا يَقُولُونَ بَعْدُ: اقتبس إرميا على ما يبدو مثلًا شائعًا في أيامه يروّج لفكرة أن الله كان يعاقب شعب يهوذا على خطايا آبائهم، وأنهم كانوا أبرياء نسبيًّا. فأنكر الله هذا بوضوح، مبيّنًا أنه سيدين الأفراد على خطاياهم (زكريا ١٨: ١-٣).
• “يَرِد المثل المقتبس هنا في حزقيال ١٨: ٢ أيضًا. ويبدو أنه ساد الشعور بأن الأمّة كانت تعاقَب على خطايا الأجيال السابقة، وأن الرب غير عادل في هذا.” ثومبسون (Thompson)
• “لن يتحمل ابن عقابًا إلهيًّا على خطية أبيه. ولا يمكن القول إنه يتحمل خطايا أبويه إلا بقدر ما يتصرف بنفس طريقتهما.” كلارك (Clarke)
ثالثًا. العهد الجديد
أ ) الآيات (٣١-٣٤): الوعد المجيد بالعهد الجديد المجيد
٣١هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا. ٣٢لَيْسَ كَٱلْعَهْدِ ٱلَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لِأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، حِينَ نَقَضُوا عَهْدِي فَرَفَضْتُهُمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. ٣٣بَلْ هَذَا هُوَ ٱلْعَهْدُ ٱلَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. ٣٤وَلَا يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ، قَائِلِينَ: ٱعْرِفُوا ٱلرَّبَّ، لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، لِأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلَا أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ.
١. هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ: لم يكن ما تنبّأ به إرميا باعتباره رسول الله الأمين موجودًا في أيامه.
٢. وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا: أعلن الله أنه سيقطع عهدًا جديدًا في زمن لاحق لزمن إرميا. وسيكون هذا العهد مع إسرائيل أيضًا، لكنه لَيْسَ كَٱلْعَهْدِ ٱلَّذِي قَطَعْتُهُ (في صحراء سيناء) مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لِأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ.
• كشف الله عبر الكتاب المقدس خطته الفدائية عبر سلسلة من العهود. فبعد القصّة الممتدة لسقوط البشرية وخرابها في تكوين ١-١١، تبدأ قصة العهود.
وعد العهد الإبراهيمي المقطوع لإبراهيم ونسل عهده بأرض وأمّة وبركة تمتد إلى كل الشعوب (تكوين ١٢: ١-٣).
أعطى العهد الموسوي أو السيناوي إسرائيل الشريعة والذبائح والاختيار بين البركة واللعنة (خروج ١٩).
العهد الداودي الذي وعد بسلالة حاكمة دائمة، وحاكم كامل، وبالمسيّا الموعود (٢ صموئيل ٧).
تتم خطة الله الفدائية من خلال العهود، وتكمَّل في العهد الجديد. فمن خلال نصوص العهد القديم كلها التي تعلن العهد الجديد (وبشكل خاص حزقيال ١١: ١٦-٢٠؛ ٣٦: ١٦-٢٨؛ ٣٧: ٢١-٢٨)، نرى وعود لمّ شمل إسرائيل، ووعد التطهير، والتحويل الروحي، وحكم المسيّا.
• “العهد مرتبط بعهد جديد، وهو تنبؤ بتغيير جذري في معاملات الله مع البشر.” فينبيرغ (Feinberg)
• أسّس يسوع هذا العهد الجديد بشكل محدد بموته على الصليب، وأسّس الاعتراف به وتذكُّره بالخبز وكأس الشركة (متى ٢٦: ٢٨؛ مرقس ١٤: ٢٤؛ لوقا ٢٢: ٢٠). كان هذا مستقبلًا بالنسبة لزمن إرميا، لكن السيد المسيح فعَّله من خلال عمله الكفاري بتقديم ذبيحة نفسه على الصليب.
• يقتبس كاتب الرسالة إلى العبرانيين هذا النص ويطوّر فكرة العهد الجديد، وبشكل خاص بالمقارنة مع العهد القديم (عبرانيين ٨: ٨؛ ٨: ١٣؛ ٩: ١٥؛ ١٢: ١٤).
٣. حِينَ نَقَضُوا عَهْدِي: وعد الله بوعد جديد، لأنه كانت هنالك حاجة إليه، لأن إسرائيل لم تحفظ، بل لم تقدر أن تحفظ العهد الذي قطعه الله معها في سيناء. ولم يصمَّم ذلك العهد ليكون كافيًا، بل ليكون إعدادًا للعهد الجديد الآتي.
• “حصل العهد القديم على فرصة للنمو في أيام إرميا المبكرة عندما تم العثور على ’سفر العهد،‘ وقراءته، وكتابته، وإعادة توكيده، ليصبح المخطط الأساسي لإصلاحات يوشيا المستمرة. غير أن ما قرأناه في إرميا يؤكد أن الناموس لم يكمِّلْ شيئًا”، لأن التجاوب معه كان سطحيًّا للغاية، وقد مات بموت يشوع.” كيدنر (Kidner)
٤. أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ: يجلب العهد الجديد تحوّلًا داخليًا. فلم تعد شريعة الله خارجية فحسب. إذ سيغيّر الله أفكار الناس وقلوبهم عندما يأتون إليه بموجب العهد الجديد.
• لا يلغي العهد الجديد الناموس أو يتنكر له، بل يجعله أقرب وأهم من خلال وضعه في القلب والعقل، بدلًا من وضعها على لوح حجري أو صفحة ورقية. “لن يكون مثل الناموس الخارجي الذي أعطاه الله للآباء بموجب العهد القديم. بل سيكون روحيًّا، وداخليًّا، ومبنيًّا على معرفة حميمة بالرب.” مورجان (Morgan)
• “ليست طاعة الشريعة شرطًا مسبقًا للدخول في العهد الجديد. بل هذه إحدى البركات الموعودة للعهد الجديد.” رايكن (Ryken)
• “يمنح الإنجيل الأمور التي تشترطها الشريعة. فالله يطالب بالطاعة بموجب الشريعة، ويعمل الله الطاعة بموجب الإنجيل. وتشترط الشريعة القداسة، ويأتي الإنجيل ليصنع القداسة فينا.” سبيرجن (Spurgeon)
• هنا يُكتَب على القلب بشكل إيجابي وجيد. “تتحدث إرميا ١٧: ١ عن القلب كمادة للكتابة في علاقتها بالخطية.” ثومبسون (Thompson)
٥. وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا: يجلب العهد الجديد علاقة جديدة بالله. فأولئك المرتبطون بالله بموجب العهد الجديد يمتلكون علاقة شخصية حميمة بالله لم يتمتعوا بها في السابق – لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ.
• من الجدير بالذكر أن لهذه العلاقة جانبًا شخصيّا (لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ). “لعل أهم مساهمة قدّمها حزقيال للفكر الديني تتمثل في إصراره على أن العهد الجديد يتضمن علاقة بالروح على مستوى فردي. فعندما افتُتِح العهد الجديد بعمل يسوع المسيح الكفاري على الجلجثة، أصبح هذا التطور المهم في الإيمان والروحانية حقيقة بالنسبة للجنس البشري كله. ومن الآن فصاعدًا، يمكن لأي شخص يسلّم نفسه بوعي في إيمان للمسيح كمخلص ورب له أن ينال العضوية في كنيسة الله.” هاريسون (Harrison)
٦. لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلَا أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ: يجلب العهد الجديد تطهيرًا حقيقيًّا من الخطية. وأما نظام الذبائح بموجب العهد القديم، فلم يكن يقدر إلا على تغطية الخطية وذنبها. لكن العهد الجديد يجلب غفرانًا كاملًا بحيث يمكن لله أن يقول إنه لا يتذكر بعد خطايا الذين ارتبطوا به من خلال العهد الجديد.
• “لا يتصور العهد الجديد الخلو من الخطية، بل غفرانًا للخطية يؤدي إلى استعادة الشركة مع الله.” فينبيرغ (Feinberg)
ب) الآيات (٣٥-٣٧): محبة الله الأبدية لإسرائيل
٣٥هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ ٱلْجَاعِلُ ٱلشَّمْسَ لِلْإِضَاءَةِ نَهَارًا، وَفَرَائِضَ ٱلْقَمَرِ وَٱلنُّجُومِ لِلْإِضَاءَةِ لَيْلًا، ٱلزَّاجِرُ ٱلْبَحْرَ حِينَ تَعِجُّ أَمْوَاجُهُ، رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ: ٣٦إِنْ كَانَتْ هَذِهِ ٱلْفَرَائِضُ تَزُولُ مِنْ أَمَامِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، فَإِنَّ نَسْلَ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا يَكُفُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أُمَّةً أَمَامِي كُلَّ ٱلْأَيَّامِ. ٣٧هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: إِنْ كَانَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ تُقَاسُ مِنْ فَوْقُ وَتُفْحَصُ أَسَاسَاتُ ٱلْأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ، فَإِنِّي أَنَا أَيْضًا أَرْفُضُ كُلَّ نَسْلِ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَجْلِ كُلِّ مَا عَمِلُوا، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: يقدّم الله نفسه بأوصاف متطرفة لقدرته التي لا تضاهى. فهو الذي يعطي النور والنباتات والنجوم، ويتحكم بالعواصف والبحار، ويأمر الجيوش السماوية (رب الجنود). ومن الواضح أن هذا التصريح يقدَّم بجدية لافتة للنظر.
• ٱلْجَاعِلُ ٱلشَّمْسَ: “هذا الانتظام هو نتيجة للإرادة الإلهية المتسيّدة. فليست هذه نواميس الطبيعة، بل نواميس إلهية.” ماكلارين (Maclaren)
٢. إِنْ كَانَتْ هَذِهِ ٱلْفَرَائِضُ تَزُولُ مِنْ أَمَامِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، فَإِنَّ نَسْلَ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا يَكُفُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أُمَّةً أَمَامِي كُلَّ ٱلْأَيَّامِ: رسالة الله قوية وواضحة معًا. إذ سيتوقف الله عن تفكيره بإسرائيل كاُمّة والتعامل معها عندما يتوقف نور الشمس والقمر والنجوم، وعندما يتوقف البحر عن زمجرته. فطالما استمرت هذه الأمور، سيعُد الله إسرائيل أمامه إلى الأبد.
٣. إِنْ كَانَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ تُقَاسُ مِنْ فَوْقُ وَتُفْحَصُ أَسَاسَاتُ ٱلْأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ، فَإِنِّي أَنَا أَيْضًا أَرْفُضُ كُلَّ نَسْلِ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَجْلِ كُلِّ مَا عَمِلُوا: يقدّم الله، لغرض التوكيد، إعلانًا قويًّا آخر وواضحًا عن دوام الشعب اليهودي في خطته المتكشّفة عبر العصور. فبما أن من المستحيل قياس السماوات واستقصاء أساسات الأرض، لن ينبذ الله أبدًا نسل إسرائيل – حتى مع وضع كل ما فعلوه في الاعتبار.
• قدّم العهد الجديد لاحقًا فكرة إسرائيل الروحية. وهو مفهوم مهم. فليس كل الذين من نسل إسرائيل هم إسرائيل. ’لَيْسَ جَمِيعُ الَّذِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ‘ (رومية ٩: ٦). وفكرة إسرائيل الروحية مهمة وذات دلالة،، لكنها لم تُطرح في نبوة إرميا. وأما الادعاء أن الله قصد لإرميا أو أي شخص آخر أن يفهم ذلك في ذلك الزمن في ما يتعلق بإسرائيل الأمة وليس بإسرائيل الجينية، فإنه تَجَنٍّ كبير على النص والسياق.
• من المستحيل أن نتصور أن الله يمكن أن يصرح بهذا المبدأ بأية طريقة أقوى من ذلك. إذ لنسل إبراهيم، وإسحق، ويعقوب دور دائم في خطة الله للعصور حتى آخر الدهر.
ج) الآيات (٣٨-٤٠): استرداد أورشليم الحرفية
٣٨هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَتُبْنَى ٱلْمَدِينَةُ لِلرَّبِّ مِنْ بُرْجِ حَنَنْئِيلَ إِلَى بَابِ ٱلزَّاوِيَةِ، ٣٩وَيَخْرُجُ بَعْدُ خَيْطُ ٱلْقِيَاسِ مُقَابِلَهُ عَلَى أَكَمَةِ جَارِبَ، وَيَسْتَدِيرُ إِلَى جَوْعَةَ، ٤٠وَيَكُونُ كُلُّ وَادِي ٱلْجُثَثِ وَٱلرَّمَادِ، وَكُلُّ ٱلْحُقُولِ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ إِلَى زَاوِيَةِ بَابِ ٱلْخَيْلِ شَرْقًا، قُدْسًا لِلرَّبِّ. لَا تُقْلَعُ وَلَا تُهْدَمُ إِلَى ٱلْأَبَدِ.
١. وَتُبْنَى ٱلْمَدِينَةُ لِلرَّبِّ: أعلن الله أنه سيعاد بناء مدينة أورشليم الفعلية، مستخدمًا معالم جغرافية معينة ليشرح أنه قصد أورشليم الفعلية المادية، لا أورشليم الرمزية أو الروحية أو السماوية. وسيكون هذا كله قُدْسًا لِلرَّبِّ.
• “بما أنه لا بد لأية أمة فعلية موقع جغرافي فعلي لتقيم فيه، يعلن الله الآن أن العاصمة، أورشليم، ستُبنى من جديد، وسيتم توسيعها. نعم، إنها نفس المدينة التي دمرها الكلدانيون قبل فترة طويلة.” فينبيرغ (Feinberg)
• “كان برج حننئيل الزاوية الشمالية الشرقية للمدينة. ويرجح أن باب الزاوية يشير إلى الباب الموجود في الزاوية الشمالية الغربية من سور المدينة.” فينبيرغ (Feinberg)
• موقعا جارب وجوعة مجهولان، لكن يبدو أن الآية تشير إلى امتداد حدود أورشليم إلى الجانب الغربي.” هاريسون (Harrison)
• “في السياق الأوسع للنبوة، لا يسمح هذا النص بتفسير يطبَّق على أورشليم الروحية أو السماوية أو الرمزية. فإذا كان هذا ممكنًا، فلماذا يزخر النص بكل هذه التفاصيل الحرفية؟” فينبيرغ (Feinberg)
٢. لَا تُقْلَعُ وَلَا تُهْدَمُ إِلَى ٱلْأَبَدِ: ليس الاسترداد الموعود لإسرائيل روحيًّا فحسب، بل هو مادي أيضًا يمتد إلى المدينة نفسها وديمومتها.
• “لا يمكن أن يعني هذا المدينة التي بُنيت بعد العودة من بابل لسببين: ١. إنها أكبر بكثير في مداها. ٢. هي دائمة لا يمكن أن تُقْلَعُ وَلَا تُهْدَمُ إِلَى ٱلْأَبَدِ (إرميا ٣١: ٤٠). ولهذا لا بد أن تعني، إذا تناولناها حرفيًّا، المدينة التي سيتم بناؤها منهم عندما يُجلَبون إلى الأرض مع ملء الأمم.” كلارك (Clarke)