سفر إرميا – الإصحاح ٣٦
تقطيع كلمة الله وحرقها
أولًا. صنع المخطوطة
أ ) الآيات (١-٣): الأمر بأن يجمع إرميا كل نبوّاته في مخطوطة واحدة
١وَكَانَ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، أَنَّ هَذِهِ ٱلْكَلِمَةَ صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ قَائِلَةً: ٢”خُذْ لِنَفْسِكَ دَرْجَ سِفْرٍ، وَٱكْتُبْ فِيهِ كُلَّ ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي كَلَّمْتُكَ بِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَعَلَى يَهُوذَا وَعَلَى كُلِّ ٱلشُّعُوبِ، مِنَ ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي كَلَّمْتُكَ فِيهِ، مِنْ أَيَّامِ يُوشِيَّا إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ. ٣لَعَلَّ بَيْتَ يَهُوذَا يَسْمَعُونَ كُلَّ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي أَنَا مُفَكِّرٌ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيءِ، فَأَغْفِرَ ذَنْبَهُمْ وَخَطِيَّتَهُمْ.”
١. وَكَانَ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا: كان هذا في وقت الغزو البابلي الأول (٦٠٥ ق. م.) أو نحوه، عندما أُخذ دانيال والمسبيون الآخرون إلى بابل.
٢. خُذْ لِنَفْسِكَ دَرْجَ (لفيفة، مخطوطة) سِفْرٍ، وَٱكْتُبْ فِيهِ كُلَّ ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي كَلَّمْتُكَ بِهِ: أمر الله إرميا لا أن يتكلم بنبوّاته فحسب، بل أن يدوّنها أيضًا. وسيشمل هذا كل الأقوال النبوية التي نطق بها حتى تلك النقطة (مِنَ ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي كَلَّمْتُكَ فِيهِ). وربما كانت هذه مكتوبة بالفعل بشكل ما. فأمر الله إرميا بتجميعها.
• “ما دامت حياة إرميا في خطر، وما دام لم يكن هنالك أبناء له يواصلون حمل كلمته (إرميا ١٦: ٢)، وما دامت الأمّة ونسيج المجتمع على وشك الانهيار، فإن من شأن وجود درج (لفيفة، مخطوطة) أن يحفظ الرسالة. وكانت هنالك سابقة عظيمة في المخطوطة المكتشفة في الهيكل في ٦٢١ ق. م.” ثومبسون (Thompson)
• “يبدو أن إرميا لم يكتب نبوّاته، أو لم يكتبها بشكل مقروء وواضح، أو كتبها في أوراق فضفاضة فقط. وها هو الآن يعمل على كتابتها في سفر، بمساعدة من باروخ، كما فعل بولس لاحقًا مع رسائله بمساعدة ترتيوس [رومية ١٦: ٢٢].” تراب (Trapp)
• “قائمة المحتويات الفعلية للوثيقة غير معروفة، رغم أنها تناولت مختارات من المواد التي أعلنها بين ٦٢٦ و٦٠٥ ق. م.” هاريسون (Harrison)
• “تعود الكلمة الإنجليزية Volume (مجلَّد) – وهي مأخوذة من فعل يعني ’يلف‘ – إلى هذا الشكل من السفر (اللفيفة، المخطوطة).” فينبيرغ (Feinberg)
٣. لَعَلَّ بَيْتَ يَهُوذَا يَسْمَعُونَ: أمر الله إرميا بأن يفعل هذا لكي تقدَّم الرسالة بشكل أكثر فاعلية. فإن كانت موجودة في شكل مكتوب، يمكن تذكُّرها بسهولة، والرجوع إليها للتحقق من مضمونها، والتأمل فيها.
• “تساعد هذه الآية على تفسير نبوات إرميا الكثيرة الممتلئة بالدينونة الإلهية الرهيبة. فلم يكن القصد منها هو أن تُرهِب فحسب، بل أن تخلّص أيضًا.” رايكن (Ryken)
• كان هذا قبل حوالي عشرين سنة من غزو أورشليم. فكان ممكنًا أن نرى أنّ الله ما زال يعمل على إنقاذ يهوذا. “ومع ذلك، كان من الممكن تفادي الدينونات التي أعلنها الله عليهم. لكن من أجل ذلك، يتوجب عليهم أن ١. يسمعوا ما قاله الله. ٢. يَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيءِ. ٣. وإن فعلوا هذا، يَعِد الله في كرمه ولطفه أن يغفر ذَنْبَهُمْ وَخَطِيَّتَهُمْ.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٤-٨): باروخ، كاتب إرميا، يقرأ يقرأ المخطوطة في الهيكل.
٤دَعَا إِرْمِيَا بَارُوخَ بْنَ نِيرِيَّا، فَكَتَبَ بَارُوخُ عَنْ فَمِ إِرْمِيَا كُلَّ كَلَامِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي كَلَّمَهُ بِهِ فِي دَرْجِ ٱلسِّفْرِ. ٥وَأَوْصَى إِرْمِيَا بَارُوخَ قَائِلًا: «أَنَا مَحْبُوسٌ لَا أَقْدِرُ أَنْ أَدْخُلَ بَيْتَ ٱلرَّبِّ. ٦فَٱدْخُلْ أَنْتَ وَٱقْرَأْ فِي ٱلدَّرْجِ ٱلَّذِي كَتَبْتَ عَنْ فَمِي كُلَّ كَلَامِ ٱلرَّبِّ فِي آذَانِ ٱلشَّعْبِ، فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ فِي يَوْمِ ٱلصَّوْمِ، وَٱقْرَأْهُ أَيْضًا فِي آذَانِ كُلِّ يَهُوذَا ٱلْقَادِمِينَ مِنْ مُدُنِهِمْ. ٧لَعَلَّ تَضَرُّعَهُمْ يَقَعُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، فَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيءِ، لِأَنَّهُ عَظِيمٌ ٱلْغَضَبُ وَٱلْغَيْظُ ٱللَّذَانِ تَكَلَّمَ بِهِمَا ٱلرَّبُّ عَلَى هَذَا ٱلشَّعْبِ». ٨فَفَعَلَ بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَاهُ بِهِ إِرْمِيَا ٱلنَّبِيُّ، بِقِرَاءَتِهِ فِي ٱلسِّفْرِ كَلَامَ ٱلرَّبِّ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ.
١. فَكَتَبَ بَارُوخُ … فِي دَرْجِ ٱلسِّفْرِ: كان باروخ مساعدًا وسكرتيرًا لإرميا. فطلب النبي منه أن يقوم بالكتابة الفعلية التي تكلم بها الرب لإرميا. فلم يكن النبي محتاجًا إلى كتابة الكلمات بنفسه لتكون كلمة الله.
• كانت هنالك علاقة طويلة الأمد ربطت الكاتب باروخ بالنبي. “بعد سبعة عشر عامًا من عشية السقوط الأخير، عهِد إرميا إلى باروخ صك ملكية الحقل الذي اشتراه في عناثوث (إرميا ٣٢: ١٣، ١٦). وأخيرًا ذهب باروخ مع إرميا إلى مصر (إرميا ٤٣: ٦).” ثومبسون (Thompson)
٢. فَٱدْخُلْ أَنْتَ وَٱقْرَأْ فِي ٱلدَّرْجِ: كان إرميا محجوزًا، لا مسجونًا. لكن من المحتمل أنه كان ممنوعًا من الذهاب إلى منطقة الهيكل، فأرسل باروخ ليقرأ كلمة الله المكتوبة على شعب أورشليم في الهيكل.
• أَنَا مَحْبُوسٌ: “تَرِد الكلمة العبرية المترجمة إلى ’محبوس‘ Asur والتي تصف حظرًا أو حرمانًا رسميًّا مفروضًا على إرميا (إرميا ٣٦: ٥) في ٣٣: ١ و ٣٩: ١٥ بمعنى الاعتقال الجسدي أو السجن. لكن ليس هذا هو المعنى المقصود هنا، لأن الآية ١٩ تبيّن أن إرميا كان حرًّا في الهروب كما يشاء.” هاريسون (Harrison)
• “يظهر أن إرميا كان محرومًا من الوصول إلى الهيكل بسبب تعليقه الصريح الجريء في عظته في الهيكل (إرميا ٥. انظر إرميا ٧: ٢٦). ويمكن أن تشير الكلمة العبرية (التي تترجم في ترجمات أخرى إلى ’محروم‘) إلى نجاسة طقسية. لكن هذا كان في العادة لفترة محدودة.” كندال (Cundall)
• “في الوقت الذي كان فيه إرميا ’محرومًا‘ وغير قادر على الذهاب إلى بيت الرب، طُلب منه أن يكتب. وهذا هو ما فعله بولس برسائل سجنه.” مورجان (Morgan)
• لم يكن النبي محتاجًا إلى تقديم هذه الكلمات بنفسه لكي يكون عمل كلمة الله فعالًا. فلكلمة الله قوتها الخاصة بها.
٣. فِي يَوْمِ ٱلصَّوْمِ: على ما يبدو، حتى عندما كانت قلوب كثيرة في أورشليم ويهوذا بعيدة عن الله، كانوا ما زالوا يراعون أيام الصوم وفقًا لتعليمات شريعة موسى.
• “بعد السبي، تم تحديد أيام الصوم (انظر زكريا ٧: ٣، ٥؛ ٨: ١٩). لكن قبل ذلك، كانوا ينادون بالصوم في وقت الطوارئ (انظر يوئيل ٢: ١٢، ١٥).” فينبيرغ (Feinberg)
٤. لَعَلَّ تَضَرُّعَهُمْ يَقَعُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، فَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيءِ: كانت هذه هي النتيجة المأمولة من وراء إيصال كلمة الله إلى الشعب. إذ كان مأمولًا أن يسمعوا ويصلّوا ويتوبوا، كما ذُكر سابقًا في إرميا ٣٦: ٣.
٥. فَفَعَلَ بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَاهُ بِهِ إِرْمِيَا ٱلنَّبِيُّ: فعل باروخ ما أمره به إرميا، لكن النص لا يذكر شيئًا عن استجابة الشعب.
ثانيًا. قراءة المخطوطة
أ ) الآيات (٩-١٠): باروخ يقرأ المخطوطة ثانية في السنة التالية
٩وَكَانَ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلْخَامِسَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، فِي ٱلشَّهْرِ ٱلتَّاسِعِ، أَنَّهُمْ نَادَوْا لِصَوْمٍ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، كُلَّ ٱلشَّعْبِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَكُلَّ ٱلشَّعْبِ ٱلْقَادِمِينَ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا إِلَى أُورُشَلِيمَ. ١٠فَقَرَأَ بَارُوخُ فِي ٱلسِّفْرِ كَلَامَ إِرْمِيَا فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ فِي مِخْدَعِ جَمَرْيَا بْنِ شَافَانَ ٱلْكَاتِبِ، فِي ٱلدَّارِ ٱلْعُلْيَا، فِي مَدْخَلِ بَابِ بَيْتِ ٱلرَّبِّ ٱلْجَدِيدِ، فِي آذَانِ كُلِّ ٱلشَّعْبِ.
١. وَكَانَ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلْخَامِسَةِ لِيَهُويَاقِيمَ: كانت هذه هي السنة التي أعقبت كتابة المخطوطة المذكورة في الجزء الأول من إرميا ٣٦. ومن الصعب معرفة ما إذا كانت هذه قراءة المخطوطة المشار إليها في إرميا ٣٦: ٨ أو قراءة علنية أخرى لها بعد أسابيع أو شهور من ذلك.
٢. نَادَوْا لِصَوْمٍ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، كُلَّ ٱلشَّعْبِ فِي أُورُشَلِيمَ: مع احتلال البابليين للأمم المحيطة بيهوذا، أحس الشعب بأنه ينبغي اتخاذ كل إجراء ضروري. فدعوا إلى صوم أمام الرب. وفي أفضل الأحوال، يدل هذا على الجدية في طلب الله، وعلى قلوب مستعدة للتوبة. وقد اجتمع أشخاص من مدن أخرى في يهوذا لهذا الصوم المعلن.
• “كان هذا في الشهر التاسع، أي كانون الأول من عام ٦٠٤ ق. م. عندما أطاح البابليون عشقلون في سهل فلسطية. ولعل هذا الحدث هو الذي دفعهم إلى المناداة بالصوم.” هاريسون (Harrison)
• نَادَوْا لِصَوْمٍ: “لاحِظْ أن الشعب – لا الملك – هم الذين نادوا بالصوم.” فينبيرغ (Feinberg)
٣. فَقَرَأَ بَارُوخُ فِي ٱلسِّفْرِ كَلَامَ إِرْمِيَا فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ: قرأ باروخ كلمات نبوة إرميا، داعيًا الشعب إلى التوبة، ومحذرًا إياهم من الدينونة القادمة. وقد فعل ذلك على مسامع كل الشعب.
• فِي مِخْدَعِ جَمَرْيَا: كان جمريا هذا ابنًا لشافان الذي كان كاتبًا في عهد يوشيا (٢ ملوك ٢٢: ٣، ٨). فإذا كان شافان هذا هو نفسه المذكور في إرميا ٢٦: ٢٤، عندئذٍ يكون جمريا أخًا لأخيقام الذي عامل إرميا بلطف.” هاريسون (Harrison)
• “كان شافان أبًا صالحًا وقائدًا صالحًا أيضًا. وكان أبناؤه بين الأبطال المنسيين بين أبطال الكتاب المقدس (إرميا ٢٦: ٢٤).” رايكن (Ryken)
ب) الآيات (١١-١٥): باروخ يجلب المخطوطة إلى رؤساء يهوذا.
١١فَلَمَّا سَمِعَ مِيخَايَا بْنُ جَمَرْيَا بْنِ شَافَانَ كُلَّ كَلَامِ ٱلرَّبِّ مِنَ ٱلسِّفْرِ، ١٢نَزَلَ إِلَى بَيْتِ ٱلْمَلِكِ، إِلَى مِخْدَعِ ٱلْكَاتِبِ، وَإِذَا كُلُّ ٱلرُّؤَسَاءِ جُلُوسٌ هُنَاكَ: أَلِيشَامَاعُ ٱلْكَاتِبُ، وَدَلَايَا بْنُ شِمْعِيَا، وَأَلْنَاثَانُ بْنُ عَكْبُورَ، وَجَمَرْيَا بْنُ شَافَانَ، وَصِدْقِيَّا بْنُ حَنَنِيَّا، وَكُلُّ ٱلرُّؤَسَاءِ. ١٣فَأَخْبَرَهُمْ مِيخَايَا بِكُلِّ ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي سَمِعَهُ عِنْدَمَا قَرَأَ بَارُوخُ ٱلسِّفْرَ فِي آذَانِ ٱلشَّعْبِ. ١٤فَأَرْسَلَ كُلُّ ٱلرُّؤَسَاءِ إِلَى بَارُوخَ يَهُودِيَ بْنَ نَثَنْيَا بْنِ شَلَمْيَا بْنِ كُوشِي قَائِلِينَ: «ٱلدَّرْجُ ٱلَّذِي قَرَأْتَ فِيهِ فِي آذَانِ ٱلشَّعْبِ، خُذْهُ بِيَدِكَ وَتَعَالَ». فَأَخَذَ بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا ٱلدَّرْجَ بِيَدِهِ وَأَتَى إِلَيْهِمْ. ١٥فَقَالُوا لَهُ: «ٱجْلِسْ وَٱقْرَأْهُ فِي آذَانِنَا». فَقَرَأَ بَارُوخُ فِي آذَانِهِمْ.
١. مِيخَايَا بْنُ جَمَرْيَا: كان ميخايا رجلًا تقيًّا، حيث ارتبط بالانتعاش والإصلاحات في عهد يوشيا (٢ ملوك ٢٢: ١٢-١٣). سَمِعَ كُلَّ كَلَامِ ٱلرَّبِّ مِنَ ٱلسِّفْرِ، وعرف شيئًا عن سلطان كلمة الله وقوتها من العمل في أيام يوشيا.
٢. فَأَخْبَرَهُمْ مِيخَايَا بِكُلِّ ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي سَمِعَهُ عِنْدَمَا قَرَأَ بَارُوخُ ٱلسِّفْرَ: أوصل ميخايا السفر إلى رؤساء يهوذا – أبناء النبلاء والعائلة الملكية، والقادة في المملكة.
• بِكُلِّ ٱلْكَلَامِ: قرأوا كل شيء. لم يقرأوا آية أو اثنتين ثم عادوا إلى اليوم التالي ليقرأوا أية أو اثنتين أخريين. لقد سمعوا الكلمة إصحاحًا فإصحاحًا، وآية فآية.
٣. ٱجْلِسْ وَٱقْرَأْهُ فِي آذَانِنَا: لمّا سمع رؤساء يهوذا رسالة سفر إرميا، عرفوا أنه ينبغي للآخرين أن يسمعوها أيضًا. فأرادوا أن تُقرأ مباشرة من ’ٱلدَّرْجَ بِيَدِهِ.‘
• “تشير الكياسة التي عامل بها مسؤولو الدولة باروخ إلى موقفهم الودي، رغم أنه ربما كان باروخ نفسه من أصل نبيل.” ثومبسون (Thompson)
ج) الآيات (١٦-١٩): رؤساء يهوذا من باروخ وإرميا أن يختبئا.
١٦فَكَانَ لَمَّا سَمِعُوا كُلَّ ٱلْكَلَامِ أَنَّهُمْ خَافُوا نَاظِرِينَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَقَالُوا لِبَارُوخَ: «إِخْبَارًا نُخْبِرُ ٱلْمَلِكَ بِكُلِّ هَذَا ٱلْكَلَامِ». ١٧ثُمَّ سَأَلُوا بَارُوخَ قَائِلِينَ: «أَخْبِرْنَا كَيْفَ كَتَبْتَ كُلَّ هَذَا ٱلْكَلَامِ عَنْ فَمِهِ؟» ١٨فَقَالَ لَهُمْ بَارُوخُ: «بِفَمِهِ كَانَ يَقْرَأُ لِي كُلَّ هَذَا ٱلْكَلَامِ، وَأَنَا كُنْتُ أَكْتُبُ فِي ٱلسِّفْرِ بِٱلْحِبْرِ». ١٩فَقَالَ ٱلرُّؤَسَاءُ لِبَارُوخَ: “ٱذْهَبْ وَٱخْتَبِئْ أَنْتَ وَإِرْمِيَا وَلَا يَعْلَمُ إِنْسَانٌ أَيْنَ أَنْتُمَا.”
١. خَافُوا نَاظِرِينَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ: عرف رؤساء يهوذا أن رسالة إرميا هي من الله، وأنها ستجلب متاعب. ورأوا أنه أفضل لهم أن يخبروا الملك بشكل مباشر.
• إِخْبَارًا نُخْبِرُ ٱلْمَلِكَ: “لم يجرؤ على فعل أي شيء غير ذلك، لأنه لو سمع الملك بهذا – ولم يكونوا هم أول من يخبره – ربما سيتعرضون لخطر استيائه.” تراب (Trapp)
٢. بِفَمِهِ كَانَ يَقْرَأُ لِي كُلَّ هَذَا ٱلْكَلَامِ، وَأَنَا كُنْتُ أَكْتُبُ فِي ٱلسِّفْرِ: شرح باروخ كيف كتب المخطوطة. فكان إرميا ينطق بالكلام بينما كان يدونه باروخ. فلم يدّعِ باروخ أنه نبي، بل قال إنه كاتب لدى النبي.
• استمرت هذه الممارسة مع الرسل في أزمنة العهد الجديد. إذ تخبرنا رومية ١٦: ٢٢ كيف أن ترتيوس هو الذي خطَّ رسالة بولس إلى أهل رومية.
• “إن ما هو مثير للإعجاب حول هؤلاء الرجال هو حرصهم على تَقَصِّي طبيعة هذه الوثيقة، إن كانت كل كلمة فيها صحيحة أم لا (إرميا ٣٦: ١٧). وبمجرد اقتناعهم بهذا، عرفوا ما ينبغي أن يفعلوه، وفعلوه بالفعل.” كيدنر (Kidner)
٣. ٱذْهَبْ وَٱخْتَبِئْ أَنْتَ وَإِرْمِيَا وَلَا يَعْلَمُ إِنْسَانٌ أَيْنَ أَنْتُمَا: عرف رؤساء يهوذا أن الملك سيستاء من إرميا وباروخ، وربما سيوجه لهما ضربة قوية بسبب رسالتيهما.
• يصف إرميا ٢٦ وقتًا آخر في عهد يهوياقيم عندما تعرّض النبي للاضطهاد، وربما كان في خطر الموت، إضافة إلى الإشارة إلى النبي أوريا الذي قُتل بالفعل لكونه نبيًّا أمينًا (٢٦: ٢٣). والمعنى هو أنه إذا لم يختبئ النبي وكاتبه، سيُستَشهَدان.
• “حدد التقليد اليهودي مكان الاختباء، وهو ’مغارة إرميا‘ المزعومة، والواقعة خارج باب دمشق [باب العامود]، رغم أن هذا التحديد غير دقيق.” هاريسون (Harrison)
د ) الآيات (٢٠-٢١): إيصال المخطوطة إلى الملك
٢٠ثُمَّ دَخَلُوا إِلَى ٱلْمَلِكِ إِلَى ٱلدَّارِ، وَأَوْدَعُوا ٱلدَّرْجَ فِي مِخْدَعِ أَلِيشَامَاعَ ٱلْكَاتِبِ، وَأَخْبَرُوا فِي أُذُنَيِ ٱلْمَلِكِ بِكُلِّ ٱلْكَلَامِ. ٢١فَأَرْسَلَ ٱلْمَلِكُ يَهُودِيَ لِيَأْخُذَ ٱلدَّرْجَ، فَأَخَذَهُ مِنْ مِخْدَعِ أَلِيشَامَاعَ ٱلْكَاتِبِ، وَقَرَأَهُ يَهُودِيَ فِي أُذُنَيِ ٱلْمَلِكِ، وَفِي آذَانِ كُلِّ ٱلرُّؤَسَاءِ ٱلْوَاقِفِينَ لَدَى ٱلْمَلِكِ.
١. دَخَلُوا إِلَى ٱلْمَلِكِ… وَأَوْدَعُوا ٱلدَّرْجَ: كان رؤساء يهوذا متعاطفين مع إرميا وباروخ ورسالتيهما المتضمَّنة في المخطوطة. وتوقعوا أن يتلقاها الملك بشكل سيئ. ولذلك أودعوها في مخدع أَلِيشَامَاعَ ٱلْكَاتِبِ.
٢. وَأَخْبَرُوا فِي أُذُنَيِ ٱلْمَلِكِ بِكُلِّ ٱلْكَلَامِ: بدأوا بإعطاء يهوياقيم تقريرًا شاملًا عما قاله إرميا وكتبه باروخ. فأمر الملك بإحضار المخطوطة إليه، وأن تُقرأ له مباشرة وعلانية.
هـ) الآيات (٢٢-٢٦): الملك يهوياقيم يحرق مخطوطة إرميا.
٢٢كَانَ ٱلْمَلِكُ جَالِسًا فِي بَيْتِ ٱلشِّتَاءِ فِي ٱلشَّهْرِ ٱلتَّاسِعِ، وَٱلْكَانُونُ قُدَّامَهُ مُتَّقِدٌ. ٢٣وَكَانَ لَمَّا قَرَأَ يَهُودِيُ ثَلَاثَةَ شُطُورٍ أَوْ أَرْبَعَةً أَنَّهُ شَقَّهُ بِمِبْرَاةِ ٱلْكَاتِبِ، وَأَلْقَاهُ إِلَى ٱلنَّارِ ٱلَّتِي فِي ٱلْكَانُونِ، حَتَّى فَنِيَ كُلُّ ٱلدَّرْجِ فِي ٱلنَّارِ ٱلَّتِي فِي ٱلْكَانُونِ. ٢٤وَلَمْ يَخَفِ ٱلْمَلِكُ وَلَا كُلُّ عَبِيدِهِ ٱلسَّامِعِينَ كُلَّ هَذَا ٱلْكَلَامِ، وَلَا شَقَّقُوا ثِيَابَهُمْ. ٢٥وَلَكِنَّ أَلْنَاثَانَ وَدَلَايَا وَجَمَرْيَا تَرَجَّوْا ٱلْمَلِكَ أَنْ لَا يُحْرِقَ ٱلدَّرْجَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمْ. ٢٦بَلْ أَمَرَ ٱلْمَلِكُ يَرْحَمْئِيلَ ٱبْنَ ٱلْمَلِكِ، وَسَرَايَا بْنَ عَزَرْئِيلَ، وَشَلَمْيَا بْنَ عَبْدِئِيلَ، أَنْ يَقْبِضُوا عَلَى بَارُوخَ ٱلْكَاتِبِ وَإِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ، وَلَكِنَّ ٱلرَّبَّ خَبَّأَهُمَا.
١. جَالِسًا فِي بَيْتِ ٱلشِّتَاءِ فِي ٱلشَّهْرِ ٱلتَّاسِعِ: ربما يشير هذا إلى جزء أو أرضية من القصر كانت أكثر راحة في الشتاء، أو أكثر ملاءمة للطقس البارد. جلس يهوياقيم هناك وَٱلْكَانُونُ قُدَّامَهُ مُتَّقِدٌ.
• كان الملك في البيت الشتوي، لا في مسكن منفصل، لكن في شقة دافئة في جزء من القصر يواجه شمس الشتاء (انظر عاموس ٣: ١٥).” فينبيرغ (Feinberg)
• “جلس هناك في قصره الفخم المبني بالإثم [إرميا ٢٢: ١٣-١٤].” تراب (Trapp)
٢. شَقَّهُ بِمِبْرَاةِ ٱلْكَاتِبِ: كان الكتبة يستخدمون مبراة، وهي عبارة عن سكين حادة صغيرة ليقصّوا أقلامهم المصنوعة من أعواد القصب، وليقصوا الرُّقَع حيث الحاجة. عندما استمر يهودي في قراءة كل عامود من المخطوطة، كان يهوياقيم يمزق الجزء المقروء. فكان أول عمل قام به ضد كلمة الله تمزيقها.
• وتستمر ممارسة تمزيق كلمة الله. إذ يريد بعضهم أن يقرروا لأنفسهم ما هو صحيح وخطأ في الكتاب المقدس، وما حدث فعلًا وما هو مجرد حكاية خرافية. ويريد بعضهم أن يقرروا ما هي التعاليم الأخلاقية التي ينبغي الاحتفاظ بها وتلك التي تجاوزناها أو ’تَقَدَّمْنا عليها.‘ يريد بعضهم أن يقطعوا كُتّاب الوحي والأسفار بشكل كامل بحيث لا يوجد بينها اتصال أو انسجام. وهكذا تُقَطَّع كلمة الله قبل أن تحرق الآن كما عندئذٍ.
• “كلنا مجرَّبون باستخدام ’مبراة‘ (مقص) في التعامل مع كلمة الله. فهنالك نصوص لا تعجبنا، تلك التي تناقض أفكارنا وخطايانا التي نعزها. فمن ناحية عملية، نقوم بتحذيفها. لا نقرؤها أبدًا، أو نلتف عليها في تفسيرها، أو نجاهر بالشك في وحيها الإلهي. ماير (Meyer)
• “كانت هذه هي المرة الثانية في حياة إرميا التي يُقرأ فيها جزء من كلمة الله لملك حاكم. لكن يا لاختلاف رد فعل يوشيا (٢ ملوك ٢٢: ١١-٢٠)!” كندال (Cundall))
٣. شَقَّهُ بِمِبْرَاةِ ٱلْكَاتِبِ، وَأَلْقَاهُ إِلَى ٱلنَّارِ ٱلَّتِي فِي ٱلْكَانُونِ: أخذ يهوياقيم المقاطع التي قطّعها وقام بوضعها في النار بانتظام وتكرار في النار التي كانت تسخّن الغرفة. فكانت هذه طريقة متعمدة للتعبير عن رفضه وإهانته للنبي والإله الذي يمثّله.
• ربما ظن يهوياقيم أن هذه ليست كلمات الله، بل كلام إرميا. فشخصية إرميا مطبوعة على كل هذا الكلام. فكان على خطأ فادح. صحيح أنها كانت كلمات إرميا، لكنها كانت كلمات الله أيضًا. إذ كان الله كبيرًا بما يكفي ليعمل من خلال كلمات إرميا.
• لم يكتفِ باحتقار كلمة الله، ولم يستطع أن يتجاهلها فحسب. لكنه أمِل أن يقضي على كلمة الله بقضائه على المخطوطة.
• “جعل تدمير الملك البطيء والمنهجي للمخطوطة، ومواكبته الثابتة للقراءة رفْضه لفتة أكثر توكيدية بكثير لو أنه قام برد فعل سريع بدم حار.” كيدنر (Kidner)
• لم يدرك هذا الفعل التجديفي الجاهل الفرق بين كلمة الله الحية الأبدية ووسائطها، وهي الحبر والرقعة أو البيانات على الشاشة. إذ يمكن أن يحرق الحبر والرقعة، لكن لا يمكن أن يقضي على كلمة الله أبدًا. “يَبِسَ ٱلْعُشْبُ، ذَبُلَ ٱلزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلَهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى ٱلْأَبَدِ” (إشعياء ٤٠: ٨).
• “للمحاولة الأولى المدونة هذه لطمس كلمة الله مذاق مسبق من نوع ما للهجمات التي ستتعرض لها في الأيام التالية: من قبل المشككين، والمضطهِدين، وبالاستخدام المتهور لسكين الباحث، مهما كانت النيّة. وفي هذه المناسبة، كما في مناسبات أخرى قادمة، حرص الله على حفظها وإتمامها.” كيدنر (Kidner)
• في عام ٣٠٠ م. أمر الإمبراطور ديوكليتيان بحرق كل نسخ الكتاب المقدس. فقاموا بحرق نسخ كثيرة منه، حتى أجزاء منه. وكان يمكن للمؤمن بالمسيح أن يُقتل لمجرد امتلاكه نسخة من الكتاب المقدس. ومع ذلك، لم يُجدِ ذلك نفعًا. فقد أمر الإمبراطور الروماني التالي بإعداد خمسين نسخة جديدة من الكتاب المقدس على نفقة الحكومة.
• في أوائل القرن العشرين، تلقّى مريض أرمني في مستشفى أمريكي في تركيا نسخة من الكتاب المقدس. وكانت هذه أول نسخة من الكتاب المقدس يمتلكها. وعندما غادر المستشفى، أخذها إلى قريته بفخر وأراها لأصدقائه هناك. فخطفها منه معلم مسلم الكتاب المقدس، ومزقها من حاشية الغلاف، وألقى بها في الشارع. فقام بقّال بالتقاط الصفحات المتناثرة واستخدمها لتغليف بضائعه. وسرعان ما انتشرت صفحات الكتاب المقدس في أنحاء القرية. وفي وقت لاحق، جاء بائع للكتاب المقدس إلى القرية، ودًهش لوجود مئة شخص متلهفين إلى شراء الكتاب المقدس. فحتى الكتاب المقدس الممزق نجا، وعمل عملًا عظيمًا.
• روى رافي زكريا (Ravi Zacharias) قصة مؤمن فيتنامي اسمه هيين فام عمِل مترجمًا فوريًّا له. ولكونه مؤمنًا بالمسيح ومترجمًا للإرساليات والقوات الأمريكية، تم القبض عليه عندما سقطت فيتنام في أيدي الشيوعيين. واهتز إيمانه تحت الضغط والدعاية الساحقة في معسكر الاعتقال. فقرر ألاّ يصلي أو أن يفكر في إيمانه بعد ذلك. وفي اليوم التالي، كُلِّف بمهمة فظيعة، وهي تنظيف مراحيض السجن. وأثناء تنظيفه علبة من الصفيح ممتلئة بأوراق لأغراض التواليت، وقعت عيناه على ما بدا ورقة عليها كتابة مطبوعة بالإنجليزية. فأمسك بها، وغسّلها. وبعد أن خلد رفاقه إلى النوم، أخرج الورقة، وقرأ منها رومية ٨: “وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ ٱللهَ… فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لَا مَوْتَ وَلَا حَيَاةَ، وَلَا مَلَائِكَةَ وَلَا رُؤَسَاءَ وَلَا قُوَّاتِ، وَلَا أُمُورَ حَاضِرَةً وَلَا مُسْتَقْبَلَةً، وَلَا عُلْوَ وَلَا عُمْقَ، وَلَا خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ ٱللهِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.” بكى هيين مدركًا أن هذه هي كلمة الله له بعد أن قرر في الليلة السابقة التخلي عن الله. وهكذا فإن مسؤول السجن الذي رأى أن الكتاب المقدس لا يصلح إلا لأغراض التواليت أنقذ إيمانه. وبعد أن وجد هيين هذا النص الكتابي، طلب من آمر السجن أن يسمح له بتنظيف المراحيض بانتظام. وكان كل يوم يلتقط جزءًا من كلمة الله، وينظفها، ويضيفها إلى قراءته اليومية.
• “ربما تقتل الخطية الملكات الروحية والأخلاقية إلى درجة أن أشخاصًا يمكن أن يلقوا برسائل الله في النار، ويحكمون على رسله بالموت. لكن مثل هذا العمل لا يقضي على كلمة الله ولا يبطل أحكامها.” مورجان (Morgan)
• “ربما يتخلّص قبطان سفينة من الخارطة التي تشير إلى الصخور التي تعترض سبيلها. لكن ذلك لن يسلبها الأنياب القاسية التي ستخترق خشب سفينته. قد يسخر الناس من الكتاب المقدس، ويدمّرونه. لكن هذا لن يفرغ المستقبل من الجحيم، أو أن يفرغ الجحيم من مرارة الندم.” ماير (Meyer)
• “لم يكن هذا آخر هجوم على كلمة الله. فقد نصّب ملوك وحكومات أنفسهم أعداءً لها. وسعى المشككون والباحثون الليبراليون (المتحررون) إلى تشويه سمعتها وتقطيع أوصالها. لكنها تبقى غير قابلة للتدمير. وأما الإنسان الذي يتصرف كما تصرَّف يهوياقيم، فسيدان.” كندال (Cundall)
٤. وَلَمْ يَخَفِ ٱلْمَلِكُ وَلَا كُلُّ عَبِيدِهِ ٱلسَّامِعِينَ كُلَّ هَذَا ٱلْكَلَامِ، وَلَا شَقَّقُوا ثِيَابَهُمْ: لاحظ إرميا هذه الاستجابة الغريبة. فقد تعرَّض الله وكلمته معًا لإهانة جسيمة أمام أعينهم. ومع ذلك، بدا الأمر صغيرًا بالنسبة لهم. يرجّح أنهم لم يوافقوا على ما فعله الملك قائلين في أنفسهم: ’لن نفعل شيئًا كهذا أبدًا.‘ ومع ذلك، اعتقدوا أنه ليس أمرًا مهمًّا أن يقوم الملك القائم على شعب عهد الله بإحراق نفس كلام إله العهد.
• عندما سمع يوشيا قراءة سفر الشريعة، مزّق ثيابه حزنًا وندبًا على خطية شعبه وقادته وتمردهم (٢ ملوك ٢٢: ١١-٢٠). وفي زمن إرميا، كان للبلاط الملكي رد فعل مختلف. “وقف معظم مسؤولي البلاط موقفًا غير مبالٍ. فشاركوا الملك احتقاره للحق الإلهي.” فينبيرغ (Feinberg)
• “لم يتحرك الملك وخدامه، الذين كانوا طفيليات البلاط الملكي، على الإطلاق لدى رؤيتهم كلمة الله وهي تُلقى في الموقد المتقد. لكنهم تهكموا بدلًا من أن يخافوا.” تراب (Trapp)
٥. وَلَكِنَّ أَلْنَاثَانَ وَدَلَايَا وَجَمَرْيَا تَرَجَّوْا ٱلْمَلِكَ أَنْ لَا يُحْرِقَ ٱلدَّرْجَ: كان هنالك أشخاص قالوا شيئًا للملك على الأقل. غير أن يهوياقيم تجاهلهم، وأمر بإلقاء القبض على إرميا وباروخ، لكن الرب أخفاهما.
• “رغب ثلاثة من الرؤساء أن ينقذوا المخطوطة، فتوسلوا إلى الملك ألّا تُحرق. أرادوا أن ينقذوها من النار، لكن الملك لم يسمح بهذا.” كلارك (Clarke)
• وَلَكِنَّ أَلْنَاثَانَ: “كان نشطًا من قبل في القبض على النبي أوريا لإرضاء الملك [إرميا ٢٦: ٢٢]. وها هو الآن نراه يتأثر بشيء من الندم على وجود يد له في هذا العمل الدموي.” تراب (Trapp)
• “كشفت خطوة يهوياقيم التالية في الأمر بإلقاء القبض على باروخ وإرميا [٣٦: ٢٦) الغضب وربما الخوف المختفي تحت عرض التحدي الهادئ.” كيدنر (Kidner)
و ) الآيات (٢٧-٣١): استجابة الله لحرق المخطوطة
٢٧ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا بَعْدَ إِحْرَاقِ ٱلْمَلِكِ ٱلدَّرْجَ وَٱلْكَلَامَ ٱلَّذِي كَتَبَهُ بَارُوخُ عَنْ فَمِ إِرْمِيَا قَائِلَةً: ٢٨«عُدْ فَخُذْ لِنَفْسِكَ دَرْجًا آخَرَ، وَٱكْتُبْ فِيهِ كُلَّ ٱلْكَلَامِ ٱلْأَوَّلِ ٱلَّذِي كَانَ فِي ٱلدَّرْجِ ٱلْأَوَّلِ ٱلَّذِي أَحْرَقَهُ يَهُويَاقِيمُ مَلِكُ يَهُوذَا، ٢٩وَقُلْ لِيَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: أَنْتَ قَدْ أَحْرَقْتَ ذَلِكَ ٱلدَّرْجَ قَائِلًا: لِمَاذَا كَتَبْتَ فِيهِ قَائِلًا: مَجِيئًا يَجِيءُ مَلِكُ بَابِلَ وَيُهْلِكُ هَذِهِ ٱلْأَرْضَ، وَيُلَاشِي مِنْهَا ٱلْإِنْسَانَ وَٱلْحَيَوَانَ؟ ٣٠لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ عَنْ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: لَا يَكُونُ لَهُ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ، وَتَكُونُ جُثَّتُهُ مَطْرُوحَةً لِلْحَرِّ نَهَارًا، وَلِلْبَرْدِ لَيْلًا. ٣١وَأُعَاقِبُهُ وَنَسْلَهُ وَعَبِيدَهُ عَلَى إِثْمِهِمْ، وَأَجْلِبُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَعَلَى رِجَالِ يَهُوذَا كُلَّ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي كَلَّمْتُهُمْ عَنْهُ وَلَمْ يَسْمَعُوا.
١. عُدْ فَخُذْ لِنَفْسِكَ دَرْجًا آخَرَ، وَٱكْتُبْ فِيهِ كُلَّ ٱلْكَلَامِ ٱلْأَوَّلِ: كانت استجابة الله لقيام الملك يهوياقيم بتقطيع الكلمة المكتوبة وإحراقها هي أن يكتبها ثانية وينشرها ثانية.
• “لا يمكن أن تُحرق كلمة الله كما لا يمكن أن تقيَّد.” تراب (Trapp)
٢. لِمَاذَا كَتَبْتَ فِيهِ قَائِلًا: مَجِيئًا يَجِيءُ مَلِكُ بَابِلَ وَيُهْلِكُ هَذِهِ ٱلْأَرْضَ، وَيُلَاشِي مِنْهَا ٱلْإِنْسَانَ وَٱلْحَيَوَانَ؟: كان هذا هو الجانب من رسالة إرميا الذي أزعج يهوياقيم. إذ لم يُرد الملك أن يسمع أن نبوخذنصر آتٍ ثانية، وأنه سيدمر المدينة في نهاية الأمر.
٣. لَا يَكُونُ لَهُ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ: تسجل إرميا ٢٢: ٢٨-٣٠ وعدًا مقطوعًا لكنياهو، ابن أخي يهوياقيم: هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: “ٱكْتُبُوا هَذَا ٱلرَّجُلَ عَقِيمًا، رَجُلًا لَا يَنْجَحُ فِي أَيَّامِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَنْجَحُ مِنْ نَسْلِهِ أَحَدٌ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَحَاكِمًا بَعْدُ فِي يَهُوذَا”. (إرميا ٢٢: ٣٠). فما صحَّ عن ابن الأخ سيصحّ أيضًا على العم.
• تمثل هذه النبوّات الموازية مشكلة. فقد وعد الله داود بأن يملك نسله على إسرائيل والعالم (٢ صموئيل ٧: ١٦). وبحلول وقت يهوياقيم وكنياهو، لم يكن ذلك النسل قد أتى بعد. وهنا يبدو أن وعد الله بمجيء هذا النسل سيكون مستحيلًا. فإذا كان هنالك أحد من نسل دم داود من خلال يهوياقيم، لا يمكنه أن يجلس على كرسي داود، ليكون الملك والمسيّا بسبب اللعنة المسجّلة في إرميا ٢٢: ٣٠ و ٣٦: ٣٠. لكن إذا كان الملك الموعود لم ينحدر من داود، لا يمكن أن يكون الوريث الشرعي بسبب الوعد المقطوع لداود وطبيعة النسل الملكي.
• وهنا تأتي الاختلافات في سلسلة المواليد في متى ولوقا. فقد دوّن متى نسب يوسف رَجُلَ مَرْيَمَ ٱلَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ (متى ١: ١٦). وقد بدأ بإبراهيم، وتتبّع خط النسل إلى يسوع من خلال يوسف. أما لوقا فتتبّع نسب مريم، لا يوسف (وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ٱبْنَ يُوسُفَ) (لوقا ٣: ٢٣). وبدأ بيسوع وتتبّع خط النسل راجعًا، وصولًا إلى آدم، بدءًا بمريم غير المذكورة.
• “لا تتعارض فترة يهوياكين لثلاثة أشهر (انظر ٢ ملوك ٢٤: ٦، ٨) مع النبوة المتضمَّنة في الآية ٣٠. إذ لم تكن خلافة يهوياكين شرعية، بل رمزية، لأنه حوصر فورًا من نبوخذنصر، واستسلم بعد ثلاثة أشهر، ثم ذهب إلى السبي، حيث مات بعد سنوات كثيرة. ولم يرتقِ أي نسل آخر ليهوياقيم العرش قط.” فينبيرغ (Feinberg)
٤. وَتَكُونُ جُثَّتُهُ مَطْرُوحَةً لِلْحَرِّ نَهَارًا، وَلِلْبَرْدِ لَيْلًا: وفي نهاية المطاف، تعرّض يهوياقيم، لا كلمة الله، إلى الهلاك.
• “لم يسجَّل تحقيق الآية ٣٠ في التاريخ، ولا تقول ٢ ملوك ٢٤: ٦ أي شيء عن ظروف دفنه. كان يهوياقيم، شأنه شأن شعبه، مذنبًا في رفضه لكلمة الله، ومن ثم فإن مصيره يرمز إلى مصير الأمة.” هاريسون (Harrison)
٥. وَأُعَاقِبُهُ وَنَسْلَهُ وَعَبِيدَهُ عَلَى إِثْمِهِمْ: وعد الله بأن يجلب على الملك يهوياقيم الدينونة التي تنبّأ بها إرميا، بما في ذلك العار الذي سيلحق بجثته عند موته. وستشمل كارثة الدينونة شعب أورشليم ويهوذا لأنهم رفضوا كلمة الله التي جلبها إرميا، كما فعل يهوياقيم.
• كُلَّ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي كَلَّمْتُهُمْ عَنْهُ: “لا ينبغي للمغامرات المرتبطة بالمخطوطة أن تلهينا عما كان على المحك في ذلك اليوم المصيري المشؤوم عندما اتخذ الملك والشعب مسارهم نحو احتطام سفينة مملكتهم بعد حوالي عشرين عامًا.” كيدنر (Kidner)
ز ) الآية (٣٢): المخطوطة الثانية لإرميا وباروخ
٣٢فَأَخَذَ إِرْمِيَا دَرْجًا آخَرَ وَدَفَعَهُ لِبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا ٱلْكَاتِبِ، فَكَتَبَ فِيهِ عَنْ فَمِ إِرْمِيَا كُلَّ كَلَامِ ٱلسِّفْرِ ٱلَّذِي أَحْرَقَهُ يَهُويَاقِيمُ مَلِكُ يَهُوذَا بِٱلنَّارِ، وَزِيدَ عَلَيْهِ أَيْضًا كَلَامٌ كَثِيرٌ مِثْلُهُ.
١. فَأَخَذَ إِرْمِيَا دَرْجًا آخَرَ وَدَفَعَهُ لِبَارُوخَ: كان إرميا وباروخ يعملان معًا. فكان النبي يزوّد الكاتب بالكلمات، بينما كان باروخ يجلب الحبر والرُّقع. فنُشرت كلمة الله وحُفظت من خلال تعاونهما.
٢. وَزِيدَ عَلَيْهِ أَيْضًا كَلَامٌ كَثِيرٌ مِثْلُهُ: في واقع الأمر، جعلت مقاومة يهوياقيم قضيته أسوأ، لا أفضل. فكان الله – استجابةً لتقطيع الملك كلمة الرب وحرقها – مصممًا على جلب مزيد من كلمات الدينونة، لا أقل.
• “رغم أنه قطّعها وأحرقها، إلا أنه بهذا لم يستطع أن يلغي العقوبات التي تنبّأت بها، بل أضاف عليها.” ماير (Meyer)