سفر إرميا – الإصحاح ٧
الوعظ عند بوابة الهيكل
أولًا. العظة عند بوابة الهيكل
أ ) الآيات (١-٤): الثقة السطحية بالهيكل والتدين الخارجي
١اَلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ قَائِلًا: ٢«قِفْ فِي بَابِ بَيْتِ ٱلرَّبِّ وَنَادِ هُنَاكَ بِهَذِهِ ٱلْكَلِمَةِ وَقُلْ: اِسْمَعُوا كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ يَا جَمِيعَ يَهُوذَا ٱلدَّاخِلِينَ فِي هَذِهِ ٱلْأَبْوَابِ لِتَسْجُدُوا لِلرَّبِّ. ٣هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: أَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ فَأُسْكِنَكُمْ فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ. ٤لَا تَتَّكِلُوا عَلَى كَلَامِ ٱلْكَذِبِ قَائِلِينَ: هَيْكَلُ ٱلرَّبِّ، هَيْكَلُ ٱلرَّبِّ، هَيْكَلُ ٱلرَّبِّ هُوَ!”
١. قِفْ فِي بَابِ بَيْتِ ٱلرَّبِّ: طلب الله من إرميا أن يعظ علانية بكلمة الرب هذه، وأن يفعل هذا عند بوابة الهيكل. فاحتاج إرميا إلى الكثير من الشجاعة والجرأة للقيام بهذا العمل.
• من السهل أن نتخيل إرميا وهو يتكلم إلى الحشود المزدحمة من الناس والكهنة الذين يدخلون ويخرجون من منطقة الهيكل. وربما توقف كثيرون للاستماع، لكن من الواضح أن أحدًا لم يسمع رسالته من الرب حقًّا.
• “بما أن هذه الرسالة قُدِّمت لكل الشعب. ويرجح أنها أُلقيت أثناء أحد الأعياد الدينية المهمة مثل الفصح أو عيد المظال عندما كانت الأمّة تأتي إلى أورشليم للعبادة.” رايكن (Ryken)
• يتحدث إرميا ٢٦ عن قيام النبي بالوعظ عند بوابة الهيكل في السنة الأولى من حكم يهوياقيم، في عظة تتضمن كثيًرًا من هذه الموضوعات نفسها. ويعتقد بعضهم أن العظة هنا هي نفسها في إرميا ٢٦. ويرى آخرون أنها إلقاء سابق لعظة ممائلة في نفس المكان. وتخبرنا إرميا ٢٦: ٨-١١ أن النبي تعرَّض بعد عظته للهجوم والتهديد بالموت.
٢. أَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ فَأُسْكِنَكُمْ فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ: عرض الله التراجع عن الدينونة الموعودة إذا تابت يهوذا حقًّا، لا بمجرد الكلام، بل في أفعالهم وطرقهم.
٣. لَا تَتَّكِلُوا عَلَى كَلَامِ ٱلْكَذِبِ قَائِلِينَ: هَيْكَلُ ٱلرَّبِّ، هَيْكَلُ ٱلرَّبِّ، هَيْكَلُ ٱلرَّبِّ هُوَ: من الواضح أنه كانت لدى الحشود عند الهيكل ثقة بالهيكل وخدمته. فحذّرهم إرميا من أن هذا الاتكال كان بلا أساس وأنه خطِر. فلن يساعدهم التدين الخارجي والطقوس إذا لم يصلحوا طرقهم وأفعالهم.
• “ولهذا كانت العبادة في الهيكل بالنسبة لهم شيئًا أقرب إلى التعويذة لتجنُّب الشر. وقد خدعوا الناس بإقناعهم بالاتكال على الأبنية المادية.” هاريسون (Harrison)
• يمكننا أن نتخيل كيف أن أحد الأنبياء الكذبة في أيام إرميا قد يلوي كلمة الله لكي “يبرهن” أن الهيكل لن يُغزى أبدًا.
وعد الله بسلالة حاكمة أبدية لداود (٢ صموئيل ٧: ١٢-١٥).
اختار الله صهيون كمقر مبكر له (مزمور ١٣٢: ١٣-١٨).
أُنقِذت أورشليم والهيكل بشكل معجزي من الدمار على أيدي الجيش الأشوري قبل أكثر منة ١٠٠ سنة (٢ ملوك ١٨: ١٣-١٩: ٣٧).
• من المؤكد أن هذا يثبت أن الله لن يسمح أبدًا باحتلال أورشليم أو الهيكل. فكان هذا المنطق خطأ، حتى لو أمْكن لَيّ كلمة الله المقدسة لدعمه. فهذا المنطق يغفل حقيقة أن:
الله يعد الحقيقية الروحية الداخلية دائمًا أهم من الشكل الخارجي.
أي تفكير كتابي مزعوم يعطي غطاء وترخيصًا للخطية وعبادة الأوثان خطأ كبير.
• لا نقول اليوم، ’هَيْكَلُ ٱلرَّبِّ، هَيْكَلُ ٱلرَّبِّ، هَيْكَلُ ٱلرَّبِّ‘ كما كانوا يقولون في أيام إرميا. لكن بعضهم يقول، ’أنا أذهب إلى الكنيسة، أنا أذهب إلى الكنيسة، أنا أذهب إلى الكنيسة،‘ أو ’أنا محافظ، أنا محافظ، أنا محافظ،‘ أو ’كنيستي، كنيستي، كنيستي.‘ ولا يجعل أيُّ منها المرء في علاقة سليمة بالرب بعيدًا عن الإيمان والتوبة الحقيقيين.”
• “يؤدّي الناس أعظم الطقوس قداسة، غير أنهم يواصلون أفظع الجرائم.” ماير (Meyer)
ب) الآيات (٥-٧): التوبة الحقيقية ومكافأتها
٥لِأَنَّكُمْ إِنْ أَصْلَحْتُمْ إِصْلَاحًا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ، إِنْ أَجْرَيْتُمْ عَدْلًا بَيْنَ ٱلْإِنْسَانِ وَصَاحِبِهِ، ٦إِنْ لَمْ تَظْلِمُوا ٱلْغَرِيبَ وَٱلْيَتِيمَ وَٱلْأَرْمَلَةَ، وَلَمْ تَسْفِكُوا دَمًا زَكِيًّا فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ، وَلَمْ تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِأَذَائِكُمْ ٧فَإِنِّي أُسْكِنُكُمْ فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ، فِي ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُ لِآبَائِكُمْ مِنَ ٱلْأَزَلِ وَإِلَى ٱلْأَبَدِ.
١. إِنْ أَصْلَحْتُمْ إِصْلَاحًا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ: شرح الله من خلال إرميا كيف تكون التوبة الحقيقية.
• إِنْ أَجْرَيْتُمْ عَدْلًا بَيْنَ ٱلْإِنْسَانِ وَصَاحِبِهِ: أصبحت محاكم يهوذا القديمة فاسدة، ولا يوجد فيها قضاء عادل.
• إِنْ لَمْ تَظْلِمُوا ٱلْغَرِيبَ وَٱلْيَتِيمَ وَٱلْأَرْمَلَةَ: اهتم الله بكيفية التعامل مع الضعفاء والمساكين في المجتمع، ولاحظ كيف أنهم كانوا يتعرضون للقمع والظلم بدلًا من أن يتلقوا العون.
• وَلَمْ تَسْفِكُوا دَمًا زَكِيًّا فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ: “على ما يبدو أن أشخاصًا كانوا يُقتَلون باسم الدين. “لا يمكن أن يتسامح الرب مع جرائم القتل القضائية التي كانت تحدث من وقت إلى آخر في إسرائيل. ومن الواضح أنها ارتُكبت أيضًا في عهد يهوياقيم (إرميا ٢٦: ٢٣).” ثومبسون (Thompson)
• وَلَمْ تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِأَذَائِكُمْ: كانت عبادة الأوثان خطرًا حتى بالنسبة لأولئك الذين جاءوا للقيام بأعمالهم التجارية. فكان هذا الولاء المشترك (للرب والأوثان) لأذاهم دائمًا.
• نلاحظ أنه من بين هذه الجوانب الأربعة التي تبيّن التوبة، لا نجد إلا واحدًا يتناول علاقة المرء بالله، حيث تتناول الجوانب الثلاثة الأخرى علاقة الإنسان بأخيه الإنسان.
٢. فَإِنِّي أُسْكِنُكُمْ فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ، فِي ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُ لِآبَائِكُمْ مِنَ ٱلْأَزَلِ وَإِلَى ٱلْأَبَدِ: سيوضع التهديد السابق بإرسال جيش من الدينونة والسبي من الأرض جانبًا إذا تابت يهوذا حقًّا، لا بالكلام، بل بالأفعال.
٣. فِي ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُ لِآبَائِكُمْ مِنَ ٱلْأَزَلِ وَإِلَى ٱلْأَبَدِ: على ما يبدو أن الله عدّ وعده بالأرض لإبراهيم ونسله بموجب العهد عطية دائمة على مدى تاريخ إسرائيل.
• هنالك من يقول خطأً إن كلمات يشوع في ٢١: ٤٣، ٤٥ حول وعد الأرض لإسرائيل قد تحقق، وبالتالي فإنه ليس لهم الحق في المطالبة بالأرض بعد ذلك. ومع ذلك، يُظهر نص كهذا – كُتب بعد ٦٠٠ سنة من كلمة ليشوع – أن وعد الله لإسرائيل يستمر إلى الأبد.
ج) الآيات (٨-١١): الثقة بكلمات الكذب في ما يتعلق بهيكل الرب الذي هو وكر للصوص
٨هَا إِنَّكُمْ مُتَّكِلُونَ عَلَى كَلَامِ ٱلْكَذِبِ ٱلَّذِي لَا يَنْفَعُ. ٩أَتَسْرِقُونَ وَتَقْتُلُونَ وَتَزْنُونَ وَتَحْلِفُونَ كَذِبًا وَتُبَخِّرُونَ لِلْبَعْلِ، وَتَسِيرُونَ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا، ١٠ثُمَّ تَأْتُونَ وَتَقِفُونَ أَمَامِي فِي هَذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِي دُعِيَ بِٱسْمِي عَلَيْهِ وَتَقُولُونَ: قَدْ أُنْقِذْنَا. حَتَّى تَعْمَلُوا كُلَّ هَذِهِ ٱلرَّجَاسَاتِ؟ ١١هَلْ صَارَ هَذَا ٱلْبَيْتُ ٱلَّذِي دُعِيَ بِٱسْمِي عَلَيْهِ مَغَارَةَ لُصُوصٍ فِي أَعْيُنِكُمْ؟ هَأَنَذَا أَيْضًا قَدْ رَأَيْتُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. هَا إِنَّكُمْ مُتَّكِلُونَ عَلَى كَلَامِ ٱلْكَذِبِ ٱلَّذِي لَا يَنْفَعُ: كان من الجسارة أن يقول إرميا هذا للحشود عند بوابات الهيكل. لكن كان عليهم أن يعرفوا أنه ليس بوسعهم أن يسرقوا ويقتلوا ويزنوا ويسعوا وراء آلهة أخرى، معتقدين أن مراعاة عادات الهيكل وطقوسه يمكن أن تغطّي على كل ذلك.
٢. ثُمَّ تَأْتُونَ وَتَقِفُونَ أَمَامِي فِي هَذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِي دُعِيَ بِٱسْمِي عَلَيْهِ وَتَقُولُونَ: قَدْ أُنْقِذْنَا: خطَرَ ببال إرميا هنا أولئك الذين اعتقدوا أن مراعاة طقوس الهيكل والوفاء بالتزاماته يعطيهم الإذن بالخطية ويغطّي عليها بهذه الطرق.
• لم تكن هذه نفس ممارسة منح الغفران لاحقًا من قبل الكنيسة الكاثوليكية، لكنها كانت نفس روح تلك الممارسة غير الكتابية.
٣. هَلْ صَارَ هَذَا ٱلْبَيْتُ ٱلَّذِي دُعِيَ بِٱسْمِي عَلَيْهِ مَغَارَةَ لُصُوصٍ فِي أَعْيُنِكُمْ؟: بدلًا من أن يكون الهيكل مكانًا يُطلب فيه الله، وتقدَّم فيه الذبائح بإخلاص، وتَظهر التوبة بصدق، صار وكرًا أو مغارة للصوص، أي تَجَمُّعًا ومخبأ لهم.
• “الهيكل هو بيت الرب الذي يسكن فيه الناس في شركة معه في قوة وراحة إذا كانت طرقهم متوافقة مع إرادته. لكنه ليس ملجأ للرجال الذين يعيشون في عصيان له. إنه يعطي الأمان والراحة للأرواح المطيعة، ولا يوفر أي أمان إذا كانوا يعيشون في الخطية.” مورجان (Morgan)
• “اللصوص وقطّاع الطرق الذين يقومون بالسلب والنهب يؤمِّنون لأنفسهم مخبأ في منطقة معزولة ينسحبون إليها طلبًا للحماية والأمان.” ثومبسون (Thompson)
• اقتبس يسوع تعبير ’مغارة لصوص‘ من إرميا ٧ في متى ٢١: ١٣ (أيضًا في مرقس ١١:١٧ ولوقا ١٩: ٤٦) للإشارة إلى فساد خدمة الهيكل. فكان مغارة للصوص، بينما كان ينبغي أن يكون بيتًا للصلاة لجميع الأمم.
٤. هَأَنَذَا أَيْضًا قَدْ رَأَيْتُ: كانت مغارة اللصوص تعمل في الخفاء عادة. فأراد الله لشعبه أن يعرفوا، من خلال إرميا، أنه رأى خطاياهم الخفية والسرية.
د ) الآيات (١٢-١٥): مثال شيلوه
١٢لَكِنِ ٱذْهَبُوا إِلَى مَوْضِعِي ٱلَّذِي فِي شِيلُوهَ ٱلَّذِي أَسْكَنْتُ فِيهِ ٱسْمِي أَوَّلًا، وَٱنْظُرُوا مَا صَنَعْتُ بِهِ مِنْ أَجْلِ شَرِّ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. ١٣وَٱلْآنَ مِنْ أَجْلِ عَمَلِكُمْ هَذِهِ ٱلْأَعْمَالَ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَقَدْ كَلَّمْتُكُمْ مُبَكِّرًا وَمُكَلِّمًا فَلَمْ تَسْمَعُوا، وَدَعَوْتُكُمْ فَلَمْ تُجِيبُوا، ١٤أَصْنَعُ بِٱلْبَيْتِ ٱلَّذِي دُعِيَ بِٱسْمِي عَلَيْهِ ٱلَّذِي أَنْتُمْ مُتَّكِلُونَ عَلَيْهِ، وَبِالْمَوْضِعِ ٱلَّذِي أَعْطَيْتُكُمْ وَآبَاءَكُمْ إِيَّاهُ، كَمَا صَنَعْتُ بِشِيلُوهَ. ١٥وَأَطْرَحُكُمْ مِنْ أَمَامِي كَمَا طَرَحْتُ كُلَّ إِخْوَتِكُمْ، كُلَّ نَسْلِ أَفْرَايِمَ.
١. لَكِنِ ٱذْهَبُوا إِلَى مَوْضِعِي ٱلَّذِي فِي شِيلُوهَ ٱلَّذِي أَسْكَنْتُ فِيهِ ٱسْمِي أَوَّلًا، وَٱنْظُرُوا مَا صَنَعْتُ بِهِ مِنْ أَجْلِ شَرِّ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ: تحدّث إرميا إلى الجموع عند بوابة الهيكل طالبًا منهم أن يقارنوا أورشليم مع أرض الهيكل في شيلوه في الماضي.
• كانت شيلوه المدينة المركزية في إسرائيل، والمركز الديني لما يقرب من ٤٠٠ سنة. إذ كان المكان الذي بقيت فيه خيمة الاجتماع ومذبح الرب لهذه الفترة الطويلة.
• تمتعت شيلوه بكل هذا المجد لمثات السنين. لكن هذا انتهى فجأة، أولًا عندما اجتاح الفلسطيون شيلوه (١ صموئيل ٤)، ثم عندما غزا الأشوريون مملكة إسرائيل الشمالية بعد ذلك بسنوات كثيرة (مزمور ٧٨: ٥٨-٦٠).
• كانت شيلوه في زمن إرميا في حالة خراب لفترة طويلة. ويبيّن هذا أن استضافة بيت الله أو تابوت العهد لا تعني أن الدينونة مستحيلة. فكما وصلت الدينونة إلى شيلوه، يمكن أن تأتي إلى أورشليم غير التائبة أيضًا.
• “تشير الأدلة الأثرية إلى أن شيلوه دُمِّرت مرتين، مرة على أيدي الفلسطيين، ومرة أخرى على أيدي الأشوريين عندما أخذوا أسباط المملكة الشمالية إلى السبي. وعندما طلب إرميا من الشعب أن يذهبوا إلى شيلوه، فإنه طلب منهم أن يذهبوا إلى مكان لا يوجد فيه الله.” رايكن (Ryken)
٢. كَلَّمْتُكُمْ مُبَكِّرًا وَمُكَلِّمًا فَلَمْ تَسْمَعُوا، وَدَعَوْتُكُمْ فَلَمْ تُجِيبُوا: كانت أعظم خطية ليهوذا هي تجاهل كلمة الله التي جلبها لهم بوضوح ومثابرة. فجعلهم هذا بلا عذر.
٣. أَصْنَعُ بِٱلْبَيْتِ ٱلَّذِي دُعِيَ بِٱسْمِي عَلَيْهِ ٱلَّذِي أَنْتُمْ مُتَّكِلُونَ عَلَيْهِ، وَبِالْمَوْضِعِ ٱلَّذِي أَعْطَيْتُكُمْ وَآبَاءَكُمْ إِيَّاهُ، كَمَا صَنَعْتُ بِشِيلُوهَ: يعد الله هنا بأن يجلب على أورشليم نفس الدينونة التي جاءت على شيلوه.
• يستخدم الله شيلوه كدرس. فهو يقول: “اذهبوا إلى شيلوه، وانظروا إلى مكان كان ذا امتياز روحي ومجد. انظروا إلى حاله بعد أن نسوني. وسيحدث لكم الشيء نفسه إذا لم تتوبوا وتعودوا إليّ.” وتمتلئ مدن كثيرة بالكنائس القديمة الفارغة البالية. فهي مثل شيلوه، حيث كان يُعبّد فيه الله ويُكرم يومًا، لكن ليس بعد.
• يتوجب أن يُختم هذا الدرس في قلوبنا. فبغضّ النظر عن مقدار التقدم الروحي أو الامتياز أو المجد الذي قد يتمتع به المرء، يمكن أن يتحول كل شيء إلى لا شيء إذا توقفنا عن الاستماع إلى الله وتنمية علاقتنا به.
ثانيًا. ثمن استفزازهم للرب الإله
أ ) الآيات (١٦-١٩): لا تصلِّ من أجل الذين يستفزون غضب الرب.
١٦وَأَنْتَ فَلَا تُصَلِّ لِأَجْلِ هَذَا ٱلشَّعْبِ وَلَا تَرْفَعْ لِأَجْلِهِمْ دُعَاءً وَلَا صَلَاةً، وَلَا تُلِحَّ عَلَيَّ لِأَنِّي لَا أَسْمَعُكَ. ١٧أَمَا تَرَى مَاذَا يَعْمَلُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ؟ ١٨ٱلْأَبْنَاءُ يَلْتَقِطُونَ حَطَبًا، وَٱلْآبَاءُ يُوقِدُونَ ٱلنَّارَ، وَٱلنِّسَاءُ يَعْجِنَّ ٱلْعَجِينَ، لِيَصْنَعْنَ كَعْكًا لِمَلِكَةِ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَلِسَكْبِ سَكَائِبَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى لِكَيْ يُغِيظُونِي. ١٩أَفَإِيَّايَ يُغِيظُونَ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ؟ أَلَيْسَ أَنْفُسَهُمْ لِأَجْلِ خِزْيِ وُجُوهِهِمْ.
١. وَأَنْتَ فَلَا تُصَلِّ لِأَجْلِ هَذَا ٱلشَّعْبِ: يبدو أن العظة عند بوابات الهيكل قد انتهت. وها هو الله يكلم إرميا حول الشعب المتقسّي. فلم تعد الصلاة تؤثر فيهم. ولهذا طلب منه الله ألّا يصلي من أجلهم لِأَنِّي لَا أَسْمَعُكَ.
• إنه لأمر ذو دلالة أنه كان على الله أن يطلب من إرميا ألاّ يصلي. والافتراض أنه كان يريد أن يصلي من أجلهم، لكن الله منعه من ذلك. ’لقد مضى يوم نعمتهم، وخطاياهم ممتلئة، وقد صدر القضاء الإلهي، ولا رجوع عنه. ولهذا لا تصلِّ من أجل هذا الشعب البغيض.‘ تراب (Trapp)
• يوجد شيء على هذا المنوال في العهد الجديد في ١ يوحنا ٥: ١٤-١٦، حيث شرح يوحنا أن هنالك أشخاصًا، على الأقل من ناحية نظرية، خارج تأثير الصلاة لأجلهم، ولهذا لا ينبغي الصلاة من أجلهم.
• “لقد ملأوا مكيال إثمهم، ويتوجب أن يكونوا أمثلة لعدل الله. فما أفظع أن يصل الأمر إلى هذه الحالة عندما يرفض الله أن يسكب روح التضرعات على خدامه وشعبه من أجل هذا الأمر.” كلارك (Clarke)
٢. ٱلْأَبْنَاءُ يَلْتَقِطُونَ حَطَبًا، وَٱلْآبَاءُ يُوقِدُونَ ٱلنَّارَ، وَٱلنِّسَاءُ يَعْجِنَّ ٱلْعَجِينَ، لِيَصْنَعْنَ كَعْكًا لِمَلِكَةِ ٱلسَّمَاوَاتِ: كانت عبادة يهوذا الوثنية شأنًا عائليًّا، حيث كان كل عضو في العائلة يلعب دورًا في إكرام الآلهة الوثنية، مثل ملكة السماء.
• “كانت ملكة السماء عشتار البابلية التي وُحِّدت مع كوكب الزهرة (فينوس). ولعل الملك المرتد منسّى هو الذي جلب عبادتها، على غرار الآلهات الكنعانية مثل سارية (أشيرة) وعشتروت وعنات، إلى يهوذا (٢ ملوك ٢١: ٣ فصاعدًا).” كوندال (Cundall)
• “الكلمة المترجمة إلى ’كعك‘ Kawwanim هي من أصل أجنبي. وهي لا ترد ثانية إلا في إرميا ٤٤: ١٩، حيث يتم وصف هذه العبادة الوثنية مرة أخرى.” هاريسون (Harrison) والإلهة (أنثى الإله) أمر غريب عن لاهوت العهد القديم، ولهذا فإن المعنى الضمني هو أن هذه العبادة كانت من أصل غير عبراني.” فينبيرغ (Feinberg)
• “هنالك عبادة للإلهة في الديانة الكاثوليكية الغربية، حيث تُدعى مريم أحيانًا “ملكة السماء”. ويدق هذا اللقب ناقوس الخطر لكل من يعرف سفر إرميا.” رايكن (Ryken)
• “العبادة العائلية أمر مثير للإعجاب وملائم عندما يتم وفق الحق. ومن المؤسف أن عائلات قليلة جدًّا تُظهر هذه الحماسة لعبادة الله، كما فعل الإسرائيليون المرتدون لعبادة أوثانهم.” كلارك (Clarke)
٣. أَفَإِيَّايَ يُغِيظُونَ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ؟ أَلَيْسَ أَنْفُسَهُمْ لِأَجْلِ خِزْيِ وُجُوهِهِمْ: كان صحيحًا أن خطايا يهوذا استفزت غضب الرب، لكنها استفزت الخزي الشديد الذي لفَّهم أيضًا.
ب) الآية (٢٠): جواب الله على استفزاز غضبه
٢٠لذَلِكَ هَكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: هَا غَضَبِي وَغَيْظِي يَنْسَكِبَانِ عَلَى هَذَا ٱلْمَوْضِعِ، عَلَى ٱلنَّاسِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ وَعَلَى شَجَرِ ٱلْحَقْلِ وَعَلَى ثَمَرِ ٱلْأَرْضِ، فَيَتَّقِدَانِ وَلَا يَنْطَفِئَانِ.
١. هَا غَضَبِي وَغَيْظِي يَنْسَكِبَانِ عَلَى هَذَا ٱلْمَوْضِعِ: أغاظت يهوذا الرب، ولهذا كان ملائمًا أن يسكب الله غيظه وغضبه عليهم في نهاية الأمر.
٢. فَيَتَّقِدَانِ وَلَا يَنْطَفِئَانِ: لن يهدأ غضب الرب إلى أن يتحقق قصده الكامل.
ج) الآيات (٢١-٢٦): العصيان والذبائح
٢١هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: ضُمُّوا مُحْرَقَاتِكُمْ إِلَى ذَبَائِحِكُمْ وَكُلُوا لَحْمًا. ٢٢لِأَنِّي لَمْ أُكَلِّمْ آبَاءَكُمْ وَلَا أَوْصَيْتُهُمْ يَوْمَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ جِهَةِ مُحْرَقَةٍ وَذَبِيحَةٍ. ٢٣بَلْ إِنَّمَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهَذَا ٱلْأَمْرِ قَائِلًا: ٱسْمَعُوا صَوْتِي فَأَكُونَ لَكُمْ إِلَهًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي شَعْبًا، وَسِيرُوا فِي كُلِّ ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي أُوصِيكُمْ بِهِ لِيُحْسَنَ إِلَيْكُمْ. ٢٤فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُمِيلُوا أُذْنَهُمْ، بَلْ سَارُوا فِي مَشُورَاتِ وَعِنَادِ قَلْبِهِمِ ٱلشِّرِّيرِ، وَأَعْطَوْا ٱلْقَفَا لَا ٱلْوَجْهَ. ٢٥فَمِنَ ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي خَرَجَ فِيهِ آبَاؤُكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ، أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِي ٱلْأَنْبِيَاءِ، مُبَكِّرًا كُلَّ يَوْمٍ وَمُرْسِلًا. ٢٦فَلَمْ يَسْمَعُوا لِي وَلَمْ يُمِيلُوا أُذُنَهُمْ، بَلْ صَلَّبُوا رِقَابَهُمْ. أَسَاءُوا أَكْثَرَ مِنْ آبَائِهِمْ.
١. ضُمُّوا مُحْرَقَاتِكُمْ إِلَى ذَبَائِحِكُمْ وَكُلُوا لَحْمًا: كان ينبغي أن تُحرق المحرقات بشكل كامل أمام الله. وهنا يقول الله ما مفاده: ’أنتم لا تقدمون هذه الذبائح لي أصلًا. ولذلك يمكنكم أن تأكلوها كما تفعلون مع ذبائحكم الأخرى.‘
• “كانت السمة الأساسية للمحرقة أن تُستهلك بأكملها بالنار (لاويين ١: ٩، ١٣) على نقيض التقدمات الأخرى، حيث يتشارك الكهنة والعابدون في جزء منها على الأقل. ويقول الله ما مفاده: “لا تهمني محرقاتكم. كلوها كلها!” كوندال (Cundall)
٢. لِأَنِّي لَمْ أُكَلِّمْ آبَاءَكُمْ وَلَا أَوْصَيْتُهُمْ يَوْمَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ جِهَةِ مُحْرَقَةٍ وَذَبِيحَةٍ: عندما أعطى الله إسرائيل الوصايا العشر عند جبل سيناء، لم يكن هنالك شيء عن الذبائح أو الكهنة. فقد جاء هذا كله لاحقًا بمجرد قبول إسرائيل للعهد (خروج ٢٤: ١-٨). والنقطة واضحة: كانت أولوية الله الأولى لإسرائيل هي الطاعة، بينما كانت الذبائح والكهنة أمرًا ثانويًّا.
• “أشار إرميا إلى أن ترتيب الوحي الإلهي كان مؤشّرًا على القيمة النسبية للطاعة والطقوس الدينية.” ثومبسون (Thompson)
• “يسمح التعبير العبري بإنكار شيء لتأكيد شيء آخر (انظر لوقا ١٤: ٢٦). فلا يقصد التعبير إنكار التصريح، بل وضعه في مكان ثانوي.” فينبيرغ (Feinberg)
• “لم يكن خطأ أن يقدموا ذبائح، لكن ذبائحهم كانت عبثًا، لأنهم لم يكونوا يسعون إلى القداسة.” رايكن (Ryken)
٣. بَلْ إِنَّمَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهَذَا ٱلْأَمْرِ قَائِلًا: ٱسْمَعُوا صَوْتِي: كان ما لدى الله ليقوله حول الذبائح في العهد القديم قليلًا بالمقارنة مع قاله عن الطاعة البسيطة. كان من الواضح عند بوابات الهيكل أن يهوذا كانت ما زالت تحب جلب الذبائح إلى المذبح. لكن ما أراده الله حقًّا هو أن يطيعوا ويسلكوا في كل الطرق التي أمرهم بها.
• هذه هي تقريبًا نفس الفكرة المتضمَّنة في ١ صموئيل ١٥: ٢٢: فَقَالَ صَمُوئِيلُ: ’هَلْ مَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِٱلْمُحْرَقَاتِ وَٱلذَّبَائِحِ كَمَا بِٱسْتِمَاعِ صَوْتِ ٱلرَّبِّ؟ هُوَذَا ٱلِٱسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ ٱلذَّبِيحَةِ، وَٱلْإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ ٱلْكِبَاشِ.‘
٤. فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُمِيلُوا أُذْنَهُمْ، بَلْ سَارُوا فِي مَشُورَاتِ وَعِنَادِ قَلْبِهِمِ ٱلشِّرِّير، وَأَعْطَوْا ٱلْقَفَا لَا ٱلْوَجْهَ: استمرت الذبائح، لكن الطاعة توقفت. وبدلًا من اتِّباع الله، اتّبعوا مشورة قلوبهم الشريرة. وليس قلب المرء بالضرورة دليلًا جيدًا للسلوك المُرضي لله.
• جعلتْ عقلية ’اتبع قلبك‘ شعب يهوذا يحسون بالرضا عن أنفسهم، لكنها لم تجلب بركة حقيقية ولم تؤدِّ إلى تقدم. إذ تراجعوا بدلًا من ذلك. فجعلهم هذا أسوأ من آبائهم، حيث كانوا من ناحية أخلاقية وروحية في حالة تراجع، بدلًا من التحرك إلى الأمام.
د ) الآية (٢٧): عمل النبي إرميا المحبط
٢٧فَتُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ هَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ وَلَا يَسْمَعُونَ لَكَ، وَتَدْعُوهُمْ وَلَا يُجِيبُونَكَ.
١. فَتُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ هَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ: أعطى الله إرميا أمرًا رسميًّا بالتحدث إلى شعب أورشليم ويهوذا. ولم يكن هذا مطمح إرميا أو رغبته الطبيعية.
٢. وَلَا يَسْمَعُونَ لَكَ، وَتَدْعُوهُمْ وَلَا يُجِيبُونَكَ: تُكرِّر هذه الكلمة إلى إرميا الفكرة السابقة في إرميا ٧: ١٣ “وَٱلْآنَ مِنْ أَجْلِ عَمَلِكُمْ هَذِهِ ٱلْأَعْمَالَ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَقَدْ كَلَّمْتُكُمْ مُبَكِّرًا وَمُكَلِّمًا فَلَمْ تَسْمَعُوا، وَدَعَوْتُكُمْ فَلَمْ تُجِيبُوا.” فكانت كلمة الله من خلال النبي كلمة إلهية، وكان ملائمًا أن يعدّوها كذلك.
هـ) الآيات (٢٨-٣١): شر العبادة الوثنية
٢٨فَتَقُولُ لَهُمْ: هَذِهِ هِيَ ٱلْأُمَّةُ ٱلَّتِي لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِهَا وَلَمْ تَقْبَلْ تَأْدِيبًا. بَادَ ٱلْحَقُّ وَقُطِعَ عَنْ أَفْوَاهِهِمْ. ٢٩جُزِّي شَعْرَكِ وَٱطْرَحِيهِ، وَٱرْفَعِي عَلَى ٱلْهِضَابِ مَرْثَاةً، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ رَفَضَ وَرَذَلَ جِيلَ رِجْزِهِ. ٣٠لِأَنَّ بَنِي يَهُوذَا قَدْ عَمِلُوا ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. وَضَعُوا مَكْرَهَاتِهِمْ فِي ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِي دُعِيَ بِٱسْمِي لِيُنَجِّسُوهُ. ٣١وَبَنَوْا مُرْتَفَعَاتِ تُوفَةَ ٱلَّتِي فِي وَادِي ٱبْنِ هِنُّومَ لِيُحْرِقُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ بِٱلنَّارِ، ٱلَّذِي لَمْ آمُرْ بِهِ وَلَا صَعِدَ عَلَى قَلْبِي.
١. فَتَقُولُ لَهُمْ: في ضوء رفضهم المتقسّي العنيد للرب ولكلمته، كان على إرميا أن ينقل إليهم الرسالة التالية.
٢. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ رَفَضَ وَرَذَلَ جِيلَ رِجْزِهِ: هنالك أسباب عدة جعلت الرب يعاقب يهوذا بهذا الشكل الجذري.
• هَذِهِ هِيَ ٱلْأُمَّةُ ٱلَّتِي لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِهَا: لقد استمروا في طقوسهم السطحية مثل تقديم الذبائح الحيوانية، لكنهم سبق أن تخلوا منذ زمن بعيد عن الطاعة البسيطة.
• وَلَمْ تَقْبَلْ تَأْدِيبًا: كان ما هو أسوأ من عصيانهم هو عجزهم عن قبول التأديب. فلا يمكن مساعدة شعب لا يقبل التقويم.
• بَادَ ٱلْحَقُّ وَقُطِعَ عَنْ أَفْوَاهِهِمْ: ففي رفضهم لحق الله، سلّحوا أنفسهم بالأكاذيب والباطل.
٣. جُزِّي شَعْرَكِ وَٱطْرَحِيهِ، وَٱرْفَعِي عَلَى ٱلْهِضَابِ مَرْثَاةً: كان جز شعر يهوذا تعبيرً إما عن الحداد (كما في أيوب ١: ٢٠ وميخا ١: ١٦) أو عن انتهاء نذر نذير بالنجاسة.
• “كان قص الشعر رمزًا للحزن (كما في أيوب ١: ٢٠ وميخا ١: ١٦). ويقول النص العبري حرفيًا: ’قُصّي تاجك (إكليلك – النذير). إذ كان يُنظر إلى الشعر على أنه بمعنى ما إكليل. فكان قص الشعر بمنزلة إذلال كبرياء إسرائيل.‘ ثومبسون (Thompson)
• “تنبع هذه التهمة من حقيقة أن شعر النذير علامة على فرزه للرب (عدد ٦: ٥). وعندما يتنجس احتفاليًّا، وجب عليه أن يحلق رأسه. ولهذا ينبغي ليهوذا أن تفعل الشيء نفسه بسبب فسادها.” فينبيرغ (Feinberg)
٤. وَضَعُوا مَكْرَهَاتِهِمْ فِي ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِي دُعِيَ بِٱسْمِي لِيُنَجِّسُوهُ: كان شعب الله وكهنته غير حساسين لكرامة الله ومجده ختى إنهم نصبوا أوثانًا في بيت الرب نفسه.
• من المؤكد أنهم لم يضعوا وثنًا في قدس الأقداس، بل في غرفة جانبية من مبنى الهيكل. ورغم هذا، كانت الأوثان مكرهة. “سيكون الأمر مثل إقامة ضريح لشنتو أو فتح مكتبة تجارية تبيع مواد إباحية في قاعة الشركة في الكنيسة. فحتى لو بقي كل شيء آخر – المقاعد، والكتب المقدسة، وكتب الترانيم – على حالها، فسيظل مكان العبادة مدنّسًا.” رايكن (Ryken)
٥. وَبَنَوْا مُرْتَفَعَاتِ تُوفَةَ ٱلَّتِي فِي وَادِي ٱبْنِ هِنُّومَ لِيُحْرِقُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ بِٱلنَّارِ: كان ما هو أسوأ من العبادة الوثنية في الهيكل الذبائح البشرية الفعلية المقدمة في منطقة أورشليم.
• المرتفعات: “لم تكن المرتفعات في الأزمنة الكتابية عالية جدًّا. فهذه المرتفعات المشار إليها هنا، على سبيل المثال، كانت في وادٍ. كان واديًا إلى الجنوب والغرب من أورشليم يتعذر الوصول إليه. لكن ’المرتفع‘ ’مزار‘ أو ’مكان مقدس،‘ أو ’منصة مرتفعة‘ كانت تُبنى من الحجارة لغرض العبادة.” رايكن (Ryken)
• “يرجح أن كلمة توفة Topheth مشتقة من كلمة عبرية تعني ’الموقد‘ (انظر إشعياء ٣٠: ٣٣).” كوندال (Cundall). ويوضح كيدنر (Kidner) أن اسم توفة بالعبرية تحمل نفس الوزن والقافية لكلمة ’بوشيث‘ Bosheth والتي تعني ’الخزي‘ أو ’العار.‘
• يقع وادي ابن هنوم جنوب جبل الهيكل في أورشليم. وقد استُخدم كمكب للنفايات (مع حرائق دائمة الاشتعال) وكمكان لتقديم الأطفال كذبائح.
• يعتقد بعضهم أن التضحية بالأطفال في كنعان القديمة وإسرائيل كانت نادرة، ولم يتم اللجوء إليها إلا في أوقات الأزمات الشديدة. ومن الصعب تحديد مدى شيوعها، لكنها كانت تمارس من قبل ملوك. ’بَلْ سَارَ فِي طَرِيقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، حَتَّى إِنَّهُ عَبَّرَ ٱبْنَهُ فِي ٱلنَّارِ حَسَبَ أَرْجَاسِ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ طَرَدَهُمُ ٱلرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ‘ (٢ ملوك ١٦: ٣). وحدث الأمر نفسه في زمن منسّى عندما كان يُضَحَّى بالأطفال لآلهة كنعان (٢ ملوك ٢١: ٦).” رايكن (Ryken)
• يعطي وادي هنوم فكرة لجهنم Gehenna في العهد الجديد. وهذه الكلمة اليونانية مشتقة من اللغة العبرية. ويتحدث يسوع في مرقس ٩: ٤٣-٤٤ عن الجحيم مشيرًا إلى هذا المكان خارج أسوار أورشليم، والذي دنسته عبادة مولك والذبائح البشرية (٢ أخبار الأيام ٢٨: ١-٣؛ إرميا ٣٢: ٣٥). وكان أيضًا مكبًّا للنفايات التي كانت تُحرق. وجعلت الحرائق المشتعلة المستمرة والديدان المتفيّحة في وادي هنوم صورة فعالة ونابضة للحياة لمصير الملعونين. ويُدعى الجحيم أيضًا بحيرة النار في رؤيا ٢٠: ١٣-١٥ المعدة لإبليس وملائكته (متى ٢٥: ٤١).
٦. ٱلَّذِي لَمْ آمُرْ بِهِ وَلَا صَعِدَ عَلَى قَلْبِي: على نقيض كثيرين من الآلهة الكنعانية، لم يأمر الله بتقديم ذبائح بشرية له قط. بل أمكن له أن يؤكد أن مثل هذا الأمر لم يخطر على باله، حيث إن هذا يتعارض مع طبيعته.
• يوضح بعض الباحثين أن كهنة توفة ربما استخدموا التوراة لتبرير ذبيحة الأطفال، حيث تقول: ’وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ تُعْطِينِي إِيَّاهُ (ابنك)‘ (خروج ٢٢: ٢٩-٣٠). ’فكانوا يُخرجون هذه الآية من سياقها، لأنه لا علاقة لها بالتضحية بالأطفال.‘ رايكن (Ryken)
• كانت ذبيحة إبراهيم لإسحاق التي قطعها الله (تكوين ٢٢) طريقة توكيدية يقول بها الله ما مفاده: ’لا أريد ذبائح بشرية.‘
و ) الآيات (٣٢-٣٤): الموت في وادي ابن هنوم
٣٢لِذَلِكَ هَا هِيَ أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَلَا يُسَمَّى بَعْدُ تُوفَةُ وَلَا وَادِي ٱبْنِ هِنُّومَ، بَلْ وَادِي ٱلْقَتْلِ. وَيَدْفِنُونَ فِي تُوفَةَ حَتَّى لَا يَكُونَ مَوْضِعٌ. ٣٣وَتَصِيرُ جُثَثُ هَذَا ٱلشَّعْبِ أُكْلًا لِطُيُورِ ٱلسَّمَاءِ وَلِوُحُوشِ ٱلْأَرْضِ، وَلَا مُزْعِجَ. ٣٤وَأُبَطِّلُ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا وَمِنْ شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ صَوْتَ ٱلطَّرَبِ وَصَوْتَ ٱلْفَرَحِ، صَوْتَ ٱلْعَرِيسِ وَصَوْتَ ٱلْعَرُوسِ، لِأَنَّ ٱلْأَرْضَ تَصِيرُ خَرَابًا.
١. وَلَا يُسَمَّى بَعْدُ تُوفَةُ وَلَا وَادِي ٱبْنِ هِنُّومَ، بَلْ وَادِي ٱلْقَتْلِ: سيرد الله على عبادة يهوذا الوثنية وممارستها الشائنة في التضحية بالأطفال بدينونة مدمّرة. وستكون هنالك مذبحة بشعة في ذلك الوادي.
• ستوصم هذه الجثث بالعار لأنها لن تُدفن، ولأنها ستكون طعامًا للطيور الجارحة التي لن يكون هنالك من يخيفها ويطردها (وَلَا مُزْعِجَ).
• “كان عدم بقاء الجثث بلا دفن وإتاحتها كطعام للقوارض والطيور الجارحة أمرًا مرعبًا للعبرانيين القدماء. ومن المفارقات أن مقْدِسهم سيصبح مقبرتهم بعد تدمير وطنهم العزيز.” هاريسون (Harrison)
٢. لِأَنَّ ٱلْأَرْضَ تَصِيرُ خَرَابًا: عندما تأتي الدينونة على يهوذا، سيبدو أن كل السعادة والرجاء قد تلاشيا من الأرض. ولن يكون بعد صوت فرح وابتهاج (وَأُبَطِّلُ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا وَمِنْ شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ صَوْتَ ٱلطَّرَبِ وَصَوْتَ ٱلْفَرَحِ).