إشعياء ١٦
وحي من جهة موآب (تكملة)
أولًا. مشورة لموآب
أ ) الآيات (١-٢): أرسلوا الحمل
١أَرْسِلُوا خِرْفَانَ حَاكِمِ الأَرْضِ مِنْ سَالِعَ نَحْوَ الْبَرِّيَّةِ إِلَى جَبَلِ ابْنَةِ صِهْيَوْنَ. ٢وَيَحْدُثُ أَنَّهُ كَطَائِرٍ تَائِهٍ، كَفِرَاخٍ مُنَفَّرَةٍ تَكُونُ بَنَاتُ مُوآبَ فِي مَعَابِرِ أَرْنُونَ.
١. أَرْسِلُوا خِرْفَانَ حَاكِمِ ٱلْأَرْضِ: الفكرة من وراء هذا هي أنه ينبغي لموآب أن تستأنف دفع الجزية لأورشليم، فتُخضع نفسها للرب مرة أخرى. ويُذكر هذا النوع من الجزية في ٢ ملوك ٣: ٤-٥، حيث قام ميشع، ملك موآب، بدفع الجزية لإسرائيل ذات يوم، وتوقّف عن فعل هذا عندما مات آخاب، ملك إسرائيل.
٢. كَطَائِرٍ تَائِهٍ، كَفِرَاخٍ مُنَفَّرَةٍ (قُذف به من العش): يرسم إشعياء صورة نابضة بالحياة لحالة موآب العاجزة المرتبكة تحت دينونة الله. فالموآبيون مثل عصفور تائه قُذِف به من عشه مرتبكًا، وضعيفًا، وقابلًا للجرح. وملاذهم الوحيد هو أن يُخضعوا أنفسهم لأورشليم ولملكه مرة أخرى.
ب) الآية (٣): كلمة إشعياء ليهوذا عندما تراقب دينونة موآب
٣هَاتِي مَشُورَةً، اصْنَعِي إِنْصَافًا، اجْعَلِي ظِلَّكِ كَاللَّيْلِ فِي وَسَطِ الظَّهِيرَةِ، اسْتُرِي الْمَطْرُودِينَ، لاَ تُظْهِرِي الْهَارِبِينَ.
١. ٱسْتُرِي ٱلْمَطْرُودِينَ (المنبوذين): في هذه النبوّة، يتوسل إشعياء إلى رؤساء يهوذا أن يستروا المطرودين أو الهاربين من موآب. ومرة أخرى، فإن من المحتمل أن يكون السبب وراء تعاطفه مع موآب صلتها ببيت داود الملكي.
٢. لَا تُظْهِرِي ٱلْهَارِبِينَ: أراد إشعياء أن تكون يهوذا مكان ملجأ وحماية لموآب تحت الدينونة. وهذا هو ما ينبغي أن تفعله الكنيسة عندما يتلقى الناس الدينونة التي تناسب تمردهم على الله. فإذا هربوا بتواضع طالبين ملجأ بين شعب الرب، ينبغي أن تكون الكنيسة مكانًا يستر المنبوذين ويقبل الهاربين من دون أن تطعنهم أو تخونهم.
ج) الآيات (٤-٥): توسُّل مؤآب للملجأ في يوم الملك البار
٤لِيَتَغَرَّبْ عِنْدَكِ مَطْرُودُو مُوآبَ. كُونِي سِتْرًا لَهُمْ مِنْ وَجْهِ الْمُخَرِّبِ، لأَنَّ الظَّالِمَ يَبِيدُ، وَيَنْتَهِي الْخَرَابُ، وَيَفْنَى عَنِ الأَرْضِ الدَّائِسُونَ. ٥فَيُثَبَّتُ الْكُرْسِيُّ بِالرَّحْمَةِ، وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ بِالأَمَانَةِ فِي خَيْمَةِ دَاوُدَ قَاضٍ، وَيَطْلُبُ الْحَقَّ وَيُبَادِرُ بِالْعَدْلِ.
١. يَتَغَرَّبْ عِنْدَكِ مَطْرُودُو مُوآبَ: هذا تغيير مفاجئ وغريب في التركيز. إذ نصح إشعياء يهوذا في إشعياء ١٦: ٣ أن تستقبل مطرودي موآب. وهو الآن يطلب من موآب أن تستقبل مطرودي يهوذا. ويعتقد بولتيما (Bultema) أن إشعياء ١٦: ٤-٥ نبوة تتعلق بآخر الزمان، حيث تكون موآب ملجأ للهاربين من سكان يهوذا من وجه ضد المسيح بعد بناء رجسة الخراب.
• في يوم ما، ستهرب إسرائيل من غضب ضد المسيح، وستجد ملجأ في أماكن مثل موآب (رؤيا ١٢: ٦؛ ١٢: ١٣-١٤). وستتم حمايتهم من وجه ٱلْمُخَرِّبِ إلى أن يتوقف الدمار ويهلك الظالمون ويختفون من الأرض (وَيَنْتَهِي ٱلْخَرَابُ، وَيَفْنَى عَنِ ٱلْأَرْضِ ٱلدَّائِسُونَ).
٢. فَيُثَبَّتُ ٱلْكُرْسِيُّ بِٱلرَّحْمَةِ: في تلك الأيام الأخيرة، سيثبّت عرش المسيّا، وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ بِٱلْأَمَانَةِ فِي خَيْمَةِ دَاوُدَ قَاضٍ. وسيكون حُكمه مثاليًّا، حيث يَطْلُبُ ٱلْحَقَّ وَيُبَادِرُ بِٱلْعَدْلِ.
ثانيًا. ألم النبي
أ ) الآيات (٦-٨): ألم موآب في دينونة الله
٦قَدْ سَمِعْنَا بِكِبْرِيَاءِ مُوآبَ الْمُتَكَبِّرَةِ جِدًّا عَظَمَتِهَا وَكِبْرِيَائِهَا وَصَلَفِهَا بُطْلِ افْتِخَارِهَا. ٧لِذلِكَ تُوَلْوِلُ مُوآبُ. عَلَى مُوآبَ كُلُّهَا يُوَلْوِلُ. تَئِنُّونَ عَلَى أُسُسِ قِيرَ حَارِسَةَ، إِنَّمَا هِيَ مَضْرُوبَةٌ. ٨لأَنَّ حُقُولَ حَشْبُونَ ذَبُلَتْ. كَرْمَةُ سِبْمَةَ كَسَّرَ أُمَرَاءُ الأُمَمِ أَفْضَلَهَا. وَصَلَتْ إِلَى يَعْزِيرَ. تَاهَتْ فِي الْبَرِّيَّةِ، امْتَدَّتْ أَغْصَانُهَا، عَبَرَتِ الْبَحْرَ.
١. قَدْ سَمِعْنَا بِكِبْرِيَاءِ مُوآبَ ٱلْمُتَكَبِّرَةِ جِدًّا: هذا هو المكان الوحيد الذي تُفَصَّل فيه خطية موآب. وإنه لأمر ذو دلالة أن خطيتها كانت الكبرياء، لأنها كانت أمة صغيرة إلى حد ما وغير مهمة. ويمكننا بسهولة أن نفهم كيف يمكن أن تسقط إمبراطوريات عظيمة مثل أشور وبابل بسبب الكبرياء. ويبدو أن صفة الكبرياء قد تستحوذ على الصغير والكبير على حد سواء.
• “كانت موآب، شأنها شأن أشور وبابل، متكبرة للغاية. وقد كوّم إشعياء تعابير فوق تعابير ليبيّن أن عدم أهمية هذه الأمة نسبيًّا لم يجعلها محصَّنة من الكبرياء.” وولف (Wolf)
• يصحّ هذا على حياتنا. فغالبًا لا نرى الكبرياء في ما نعتقد أنه أمر صغير أو تافه. ليس العظماء والمشاهير وحدهم الذين يواجهون خطر الكبرياء.
٢. كِبْرِيَاءِ مُوآبَ: يشار إلى الكبرياء أيضًا في نبوة الدينونة في إرميا ٤٨: ١-١٣. وسيدين الله الأمة المتكبرة حتى تولول موآب على نفسها. لقد افتخر الموآبيون بكرومهم، لكن الله استخدم أسياد الأمم في تدميرها وتدمير كل ما كانت تفتخر به موآب.
• “رغم أن موآب نُصحت بأن تطلب العون من ملك صهيون، إلا أن النبي رأى أن هذه النصيحة في ذلك الوقت ستكون عقيمة بسبب كبرياء موآب. وعندما لا تُكسَر الكبرياء بالتواضع، لا بدّ أن تُكسَر بالعدالة.” بولتيما (Bultema)
ب) الآيات (٩-١٢): حزن إشعياء على موآب
٩لِذلِكَ أَبْكِي بُكَاءَ يَعْزِيرَ عَلَى كَرْمَةِ سِبْمَةَ. أُرْوِيكُمَا بِدُمُوعِي يَا حَشْبُونُ وَأَلْعَالَةُ، لأَنَّهُ عَلَى قِطَافِكِ وَعَلَى حَصَادِكِ قَدْ وَقَعَتْ جَلَبَةٌ. ١٠وَانْتُزِعَ الْفَرَحُ وَالابْتِهَاجُ مِنَ الْبُسْتَانِ، وَلاَ يُغَنَّى فِي الْكُرُومِ وَلاَ يُتَرَنَّمُ، وَلاَ يَدُوسُ دَائِسٌ خَمْرًا فِي الْمَعَاصِرِ. أَبْطَلْتُ الْهُتَافَ. ١١لِذلِكَ تَرِنُّ أَحْشَائِي كَعُودٍ مِنْ أَجْلِ مُوآبَ وَبَطْنِي مِنْ أَجْلِ قِيرَ حَارِسَ. ١٢وَيَكُونُ إِذَا ظَهَرَتْ، إِذَا تَعِبَتْ مُوآبُ عَلَى الْمُرْتَفَعَةِ وَدَخَلَتْ إِلَى مَقْدِسِهَا تُصَلِّي، أَنَّهَا لاَ تَفُوزُ.
١. لِذَلِكَ أَبْكِي بُكَاءَ يَعْزِيرَ عَلَى كَرْمَةِ سِبْمَةَ: لم يكن إشعياء سعيدًا وهو يتنبّأ بمجيء الدينونة على موآب مع أنها كانت أمّة منافسة. وفي ما يتعلق به، ٱنْتُزِعَ ٱلْفَرَحُ وَٱلِٱبْتِهَاجُ مِنَ ٱلْبُسْتَانِ. وفي واقع الأمر لن يدع الآخرين يفرحون في وقت كهذا إذ أَبْطَلْتُ ٱلْهُتَافَ. كان يتألم من أجل موآب حتى أنه قال: “تَرِنُّ أَحْشَائِي كَعُودٍ مِنْ أَجْلِ مُوآبَ.”
٢. وَيَكُونُ إِذَا ظَهَرَتْ، إِذَا تَعِبَتْ مُوآبُ عَلَى ٱلْمُرْتَفَعَةِ وَدَخَلَتْ إِلَى مَقْدِسِهَا تُصَلِّي، أَنَّهَا لَا تَفُوزُ: وفي الوقت نفسه، عرف إشعياء أن موآب تبحث عن أجوبة وحلول في أماكن خطأ. وعرف النبي ألم رؤية المصائب التي تأتي ولجوء الناس إلى أماكن خطأ في وسط الدمار.
• كانت هذه نظرة يسوع عندما بكى على أورشليم: يَا أُورُشَلِيمُ، يا أُورُشَلِيمُ! يا قَاتِلَةَ ٱلْأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلَادَكِ كَمَا تَجْمَعُ ٱلدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا. لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَنِي مِنَ ٱلْآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ ٱلْآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ” (متى ٢٣: ٣٧-٣٩). فعندما رأى يسوع الخراب الآتي على المدينة التي رفضته، لم يبتهج. وعرف أنهم في وسط مصيبتهم، كانوا يلجؤؤن إلى أنفسهم بدلًا من اللجوء إلى الله.
ج) الآيات (١٣-١٤): ثلاث سنوات حتى مجيء الدينونة على موآب
١٣هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ مُوآبَ مُنْذُ زَمَانٍ. ١٤وَالآنَ تَكَلَّمَ الرَّبُّ قَائِلاً: «فِي ثَلاَثِ سِينِينٍَ كَسِنِي الأَجِيرِ يُهَانُ مَجْدُ مُوآبَ بِكُلِّ الْجُمْهُورِ الْعَظِيمِ، وَتَكُونُ الْبَقِيَّةُ قَلِيلَةً صَغِيرَةً لاَ كَبِيرَةً».
١. فِي ثَلَاثِ سِنِينَ: أعلن إشعياء، وهو يتحدث باسم الرب، أن الدينونة ستحل في غضون هذه المدة الزمنية. وستذل الدينونة موآب. وعندئذٍ، يُهَانُ مَجْدُ مُوآبَ.
٢. فِي ثَلَاثِ سِنِينَ: بما أننا لا نعرف التاريخ الدقيق لنبوة إشعياء، من المستحيل علينا أن نتحقق بشكل مستقل من دقة التنبؤ في غضون ثلاث سنوات، لكننا نفهم من عبارة “هَذَا هُوَ ٱلْكَلَامُ ٱلَّذِي كَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ مُوآبَ مُنْذُ زَمَانٍ،” أن معظم إشعياء ١٥-١٦ أُعطي في وقت سابق، وأن تحديد الثلاث سنوات أُضيف في الوقت الملائم في وقت لاحق.
• “على ما يبدو أن الملك سرجون الأشوري قام بعملية عسكرية كبيرة ضد العرب في عام ٧١٥ ق. م. وربما دمّر موآب في طريقه إلى ملاقاة تلك القبائل.” وولف (Wolf)
• نرى أن هذا ينطبق بثلاث طرق على الأقل:
في هذه النبوة، أعلن الله الإطار الزمني لدينونته إنذارًا لموآب، ودعوة إلى التواضع والتوبة. ولم يكن أمرًا مستحيلًا أن تصل هذه النبوة إلى موآب بطريقة ما.
كانت النبوة درسًا لشعب الله حول دينونة الله للمتكبرين.
أكدت النبوة لشعب الله أن الرب سيتعامل مع مزيد من الشعوب الشريرة، كما تعامل مع إسرائيل.