إشعياء ٥١
استمع واستيقظ
أولًا. استمع لي
أ ) الآيات (١-٣): استمع: أمانة الرب في الماضي وعدٌ ببركة مستقبلة.
١«اِسْمَعُوا لِي أَيُّهَا التَّابِعُونَ الْبِرَّ الطَّالِبُونَ الرَّبَّ: انْظُرُوا إِلَى الصَّخْرِ الَّذِي مِنْهُ قُطِعْتُمْ، وَإِلَى نُقْرَةِ الْجُبِّ الَّتِي مِنْهَا حُفِرْتُمُ. ٢انْظُرُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَبِيكُمْ، وَإِلَى سَارَةَ الَّتِي وَلَدَتْكُمْ. لأَنِّي دَعَوْتُهُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَبَارَكْتُهُ وَأَكْثَرْتُهُ. ٣فَإِنَّ الرَّبَّ قَدْ عَزَّى صِهْيَوْنَ. عَزَّى كُلَّ خِرَبِهَا، وَيَجْعَلُ بَرِّيَّتَهَا كَعَدْنٍ، وَبَادِيَتَهَا كَجَنَّةِ الرَّبِّ. الْفَرَحُ وَالابْتِهَاجُ يُوجَدَانِ فِيهَا. الْحَمْدُ وَصَوْتُ التَّرَنُّمِ.
١. اِسْمَعُوا لِي أَيُّهَا ٱلتَّابِعُونَ ٱلْبِرَّ ٱلطَّالِبُونَ ٱلرَّبَّ: يتكلم الرب إلى شعبه، لكن شعبه يواجهون صعوبة في الاستماع له. ولهذا، تقدَّم في هذا الإصحاح نصيحة ’اِسْمَعُوا لِي‘ ثلاث مرات.
٢. ٱنْظُرُوا إِلَى ٱلصَّخْرِ ٱلَّذِي مِنْهُ قُطِعْتُمْ. ٱنْظُرُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَبِيكُمْ، وَإِلَى سَارَةَ ٱلَّتِي وَلَدَتْكُمْ: ينصح الله شعبه أن ينظروا إلى عمله فيهم في الأيام الخوالي. وهذا هو أحد أمجاد كلمة الله العظيمة لنا. فهي تخبرنا كيف تعامل الله مع شعبه، وتعطينا إيمانًا وإرشادًا لعمله في حياتنا إن كنا مستعدين للاستماع إليه.
• عندما تحدّث إشعياء إلى الشعب هنا، كانوا في وضع محبط. وكانوا يحسون بالهزيمة. فطلب منهم أن ينظروا إلى عمل الله في شعبه ومن خلالهم في الماضي.
• “حالما يُلتهم المؤمن بالإحباط وعدم الإيمان، فإن إخراجه من هذه الحالة يتطلب الكثير. فهذه المشاعر ’ضربة معلم‘ قام بها إبليس. وطالما يحافظ أي ابن لله على نظرة التسبيح والثقة بالرب، يظل غير قابل للقهر. وحالما يحبطه إبليس، فسيتأذّى هذا المسكين كثيرًا.” ريدباث (Redpath)
٣. لِأَنِّي دَعَوْتُهُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَبَارَكْتُهُ وَأَكْثَرْتُهُ: كان إبراهيم رجلًا واحدًا من عائلة واحدة بسيطة. غير أن الله دعاه وأَكْثره. ويذكّر هذا شعبه اليوم أن الله لا يحتاج إلى أشخاص كثيرين للقيام بعمل عظيم. إذ يستطيع الله أن يبارك ويكْثِر رجلًا واحدًا وحده. وأراد إشعياء من شعب الله – في ضوء المسبيين العائدين من بابل، وأولئك الذين سيلم شملهم في نهاية المطاف – ألّا يصابوا بالإحباط بسبب أعدادهم القليلة، بل أن يدركوا أن الله يستطيع أن يقوم بأعمال عظيمة من خلالهم كما فعل مع إبراهيم وسارة.
٤. فَإِنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ عَزَّى صِهْيَوْنَ… وَيَجْعَلُ بَرِّيَّتَهَا كَعَدْنٍ… ٱلْفَرَحُ وَٱلِٱبْتِهَاجُ يُوجَدَانِ فِيهَا: يفترض أن يمنحهم تذكُّرهم لإبراهيم وسارة رجاء في هذا الوعد. وقد يكون الوعد رائعًا جدًّا بحيث يصعب تصديقه. لكن من خلال التذكر الأمين لعمل الله في أشخاص مثل إبراهيم وسارة، سيكون لديهم الإيمان لتصديق وعد الله لهم في وقتهم.
• يبيّن هذا كيف يمكننا أن نستفيد من عمل الله من خلال الآخرين. فعندما نسمع بما فعل في حياة آخرين، فإن من شأن هذا أن يبني إيماننا بعمل الله في حياتنا نحن.
٥. وَيَجْعَلُ بَرِّيَّتَهَا كَعَدْنٍ، وَبَادِيَتَهَا كَجَنَّةِ ٱلرَّبِّ: يذكّرنا هذا بأنه رغم أنه كان لهذه الوعود تحقيق قريب في العودة من السبي في بابل، إلا أن تحقيقها النهائي هو في إعادة لم شمل إسرائيل عندما تبارَك وتخْلص في الحكم الألفي.
ب) الآيات (٤-٦) استمع: خلاص الرب وبرّه هما إلى الأبد.
٤«اُنْصُتُوا إِلَيَّ يَا شَعْبِي، وَيَا أُمَّتِي اصْغِي إِلَيَّ: لأَنَّ شَرِيعَةً مِنْ عِنْدِي تَخْرُجُ، وَحَقِّي أُثَبِّتُهُ نُورًا لِلشُّعُوبِ. ٥قَرِيبٌ بِرِّي. قَدْ بَرَزَ خَلاَصِي، وَذِرَاعَايَ يَقْضِيَانِ لِلشُّعُوبِ. إِيَّايَ تَرْجُو الْجَزَائِرُ وَتَنْتَظِرُ ذِرَاعِي. ٦«اِرْفَعُوا إِلَى السَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ، وَانْظُرُوا إِلَى الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ. فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ كَالدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ، وَالأَرْضَ كَالثَّوْبِ تَبْلَى، وَسُكَّانَهَا كَالْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أَمَّا خَلاَصِي فَإِلَى الأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ.
١. وَحَقِّي أُثَبِّتُهُ نُورًا لِلشُّعُوبِ: عندما يلم شمل إسرائيل ويباركها ويخلّصها في نهاية الأمر، سيضيء بحقّه للعالم كله لإسرائيل (أُمَّتِي) ولكل الأمم (لِلشُّعُوبِ).
٢. فَإِنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ كَٱلدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ، وَٱلْأَرْضَ كَٱلثَّوْبِ تَبْلَى: هذه إشارات إلى الظواهر المحيطة بالمجيء الثاني ليسوع (متى ٢٤: ٣٥؛ ٢ بطرس ٣: ٧-١٠؛ رؤيا ٦: ١٢-١٧). وسيحدث هذا عندما يُظهر الله حقّه لإسرائيل والشعوب.
• ليست دينونة الله ظاهرة في الخليقة فحسب، بل على البشر أيضًا. فالساكنون عليها سيموتون بنفس الطريقة.
٣. أَمَّا خَلَاصِي فَإِلَى ٱلْأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لَا يُنْقَضُ: سيُطرح أولئك المرتبطون بالأرض (لا بالسماء). وحتى الأرض نفسها ستختفي لكن بر الله وخلاصه لن يتلاشيا أبدًا. فهما أكثر ديمومة من السماوات والأرض. ولا داعي للخوف من أن يغيّر الله طبيعته الأدبية (بِرِّي) أو رأيه (خَلَاصِي). وهذا أمر جدير بالاستماع إليه.
ج) (٧-٨) اسمعوا: اتّقوا الله، لا الإنسان.
٧اِسْمَعُوا لِي يَا عَارِفِي الْبِرِّ، الشَّعْبَ الَّذِي شَرِيعَتِي فِي قَلْبِهِ: لاَ تَخَافُوا مِنْ تَعْيِيرِ النَّاسِ، وَمِنْ شَتَائِمِهِمْ لاَ تَرْتَاعُوا، ٨لأَنَّهُ كَالثَّوْبِ يَأْكُلُهُمُ الْعُثُّ، وَكَالصُّوفِ يَأْكُلُهُمُ السُّوسُ. أَمَّا بِرِّي فَإِلَى الأَبَدِ يَكُونُ، وَخَلاَصِي إِلَى دَوْرِ الأَدْوَارِ».
١. اِسْمَعُوا لِي يَا عَارِفِي ٱلْبِرِّ … لَا تَخَافُوا مِنْ تَعْيِيرِ ٱلنَّاسِ: بناءً على معرفتنا بديمومة بر الله وخلاصه، وطبيعة الأشرار الزائلة (لِأَنَّهُ كَٱلثَّوْبِ يَأْكُلُهُمُ ٱلْعُثُّ)، ينبغي لنا أن نستمع إلى الله، ولا نخاف من ٱلنَّاسِ.
• “لا أستطيع أن أصدق رجلًا صادقًا يقول: ’أنا أحب المسيح، لكني لا أريد أن يعرف الناس أني أحبه لئلا يسخروا مني.‘ هذا مدعاة للضحك، بل بالأحرى، للبكاء. هل تخاف من السخرية؟ هذا خوف جبان بالفعل، يا سيدي!” (تشارلز سبيرجن – من كتابه بعنوان: The Secret of Love to God).
• “ومع ذلك، فإنك جبان. ويعني هذا بلغة بسيطة: أنت جبانٌ! فإذا دعاك أحدهم بالجبان، سيحمر وجهك خجلًا. وربما لست جبانًا في ما يتعلق بأي موضوع آخر. فيا له من أمر مخجل أن تكون جريئًا بشأن كل شيء آخر! فأنت جبان بشأن يسوع المسيح. أنت شجاع بالنسبة للعالم، وجبان بالنسبة للمسيح!” (تشارلز سبيرجن – من كتابه بعنوان: Cheer for the Worker, and Hope for London).
٢. أَمَّا بِرِّي فَإِلَى ٱلْأَبَدِ يَكُونُ، وَخَلَاصِي إِلَى دَوْرِ ٱلْأَدْوَارِ: في ضوء معرفتنا بأن بر الله وخلاصه دائمان، وبأن مقاومة الأشرار لنا واستهزاءهم بنا أمر مؤقت، ينبغي أن نتخذ موقفًا صلبًا في الإيمان. وهذا أمر جدير بالاستماع إليه.
ثانيًا. استيقظي! استيقظي!
أ ) الآيات (٩-١٦): استيقظي على قوة الرب وعظمته.
٩اِسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي! الْبَسِي قُوَّةً يَا ذِرَاعَ الرَّبِّ! اسْتَيْقِظِي كَمَا فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ، كَمَا فِي الأَدْوَارِ الْقَدِيمَةِ. أَلَسْتِ أَنْتِ الْقَاطِعَةَ رَهَبَ، الطَّاعِنَةَ التِّنِّينَ؟ ١٠أَلَسْتِ أَنْتِ هِيَ الْمُنَشِّفَةَ الْبَحْرَ، مِيَاهَ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ، الْجَاعِلَةَ أَعْمَاقَ الْبَحْرِ طَرِيقًا لِعُبُورِ الْمَفْدِيِّينَ؟ ١١وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِالتَّرَنُّمِ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ. ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. يَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ. ١٢«أَنَا أَنَا هُوَ مُعَزِّيكُمْ. مَنْ أَنْتِ حَتَّى تَخَافِي مِنْ إِنْسَانٍ يَمُوتُ، وَمِنِ ابْنِ الإِنْسَانِ الَّذِي يُجْعَلُ كَالْعُشْبِ؟ ١٣وَتَنْسَى الرَّبَّ صَانِعَكَ، بَاسِطَ السَّمَاوَاتِ وَمُؤَسِّسَ الأَرْضِ، وَتَفْزَعُ دَائِمًا كُلَّ يَوْمٍ مِنْ غَضَبِ الْمُضَايِقِ عِنْدَمَا هَيَّأَ لِلإِهْلاَكِ. وَأَيْنَ غَضَبُ الْمُضَايِقِ؟ ١٤سَرِيعًا يُطْلَقُ الْمُنْحَنِي، وَلاَ يَمُوتُ فِي الْجُبِّ وَلاَ يُعْدَمُ خُبْزُهُ. ١٥وَأَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ مُزْعِجُ الْبَحْرِ فَتَعِجُّ لُجَجُهُ. رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. ١٦وَقَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ، وَبِظِلِّ يَدِي سَتَرْتُكَ لِغَرْسِ السَّمَاوَاتِ وَتَأْسِيسِ الأَرْضِ، وَلِتَقُولَ لِصِهْيَوْنَ: أَنْتِ شَعْبِي».
١. اِسْتَيْقِظِي، ٱسْتَيْقِظِي! ٱلْبَسِي قُوَّةً يَا ذِرَاعَ ٱلرَّبِّ: هنا يناشد المؤمن الله متطلّعًا إليه من أجل الخلاص. وهو يعرف أعمال الله العظيمة في الماضي (ٱسْتَيْقِظِي كَمَا فِي أَيَّامِ ٱلْقِدَمِ)، لكنه يطلب من الله أن يتصرف من أجله الآن.
• من الغريب أن هذه الآية مصاغة على هذا النحو (بشكل مُحِق). وهي دعوة إلى استيقاظ الإيمان أكثر منها محاولة إيقاظ الرب. وتذكّرنا مزمور ١٢١: ٤ “إِنَّهُ لَا يَنْعَسُ وَلَا يَنَامُ حَافِظُ إِسْرَائِيلَ.” ومع ذلك، فإنه يظل أمرًا رائعًا أن يناشَد الله بهذه الطريقة، لأنه من شأن هذا أن ييقظ إيمانه.
٢. أَلَسْتِ أَنْتِ ٱلْقَاطِعَةَ رَهَبَ، ٱلطَّاعِنَةَ ٱلتِّنِّينَ: من بين أعمال الله العظيمة التي نتذكرها إلحاق الهزيمة برهب. لكن متى قطع الله رهب وطعن الحية (ٱلتِّنِّينَ)؟ تعني كلمة رهب ’كبرياء.‘ وقد ارتبطت الكبرياء بإبليس منذ جنة عدن (تكوين ٣: ١-٦). ويتحدث هذا بلغة شعرية عن انتصار الله على إبليس، كما يفعل في مزمور ٨٩: ١٠.
٣. وَمَفْدِيُّو ٱلرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِٱلتَّرَنُّمِ: مع كل هزيمة عدو، ومع تكَفُّل الله بإزالة كل عائق، يُستَرد شعب الله. وهذا وعد آخر له تحقيق قريب ونهائي معًا.
٤. مَنْ أَنْتِ حَتَّى تَخَافِي مِنْ إِنْسَانٍ يَمُوتُ: مع وعود هذا الإله المجيد القدير، ليس لدينا سبب لنخاف الإنسان. فلا يستطيع إنسان أن يبطل خطة الله من أجل حياتنا. فالبشر بالمقارنة مع قوة الله كالعشب.
٥. وَتَنْسَى ٱلرَّبَّ صَانِعَكَ: هذان الاثنان متلازمان. إذا نسيت الله، فإنك ستَفْزَعُ دَائِمًا كُلَّ يَوْمٍ. وعندما ننسى حبه الحنون واهتمامه بك (وَبِظِلِّ يَدِي سَتَرْتُكَ… وَلِتَقُولَ لِصِهْيَوْنَ: أَنْتِ شَعْبِي). وهذا أمر جدير بأن نستيقظ (ننتبه) له.
• تذكّرنا عبارة ’وَبِظِلِّ يَدِي سَتَرْتُكَ‘ بالكيفية التي غطّى الله موسى بيده عندما اختبأ في الصخرة وعبّر مجده أمامه (خروج ٣٣: ١٧-٢٣).
• يمكن أن يحمي الرب شعبه بنفس الطريقة. فلا شيء يصل إلينا ما لم يمر أولًا عبر مشورته. “اطرح السؤال مرة أخرى: ’أَيْنَ غَضَبُ ٱلْمُضَايِقِ؟‘ ويأتي الجواب: إنه تحت سيطرة الله. فحتى إبليس، أشرس عدو لك، فإنه مخلوق من الله، وهو تحت سيطرته. ويستطيع الله أن يفعل به ما يشاء. وأمّا بالنسبة للفقر الذي تخاف منه، فلن يأتي إلا إذا سمح به الله. وإذا أتى، يستطيع الرب أن يخففه.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (١٧-٢٣): استيقظوا على حقيقة غضب الله.
١٧اِنْهَضِي، انْهَضِي! قُومِي يَا أُورُشَلِيمُ الَّتِي شَرِبْتِ مِنْ يَدِ الرَّبِّ كَأْسَ غَضَبِهِ، ثُفْلَ كَأْسِ التَّرَنُّحِ شَرِبْتِ. مَصَصْتِ. ١٨لَيْسَ لَهَا مَنْ يَقُودُهَا مِنْ جَمِيعِ الْبَنِينَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ، وَلَيْسَ مَنْ يُمْسِكُ بِيَدِهَا مِنْ جَمِيعِ الْبَنِينَ الَّذِينَ رَبَّتْهُمْ. ١٩اِثْنَانِ هُمَا مُلاَقِيَاكِ. مَنْ يَرْثِي لَكِ؟ الْخَرَابُ وَالانْسِحَاقُ وَالْجُوعُ وَالسَّيْفُ. بِمَنْ أُعَزِّيكِ؟ ٢٠بَنُوكِ قَدْ أَعْيَوْا. اضْطَجَعُوا فِي رَأْسِ كُلِّ زُقَاق كَالْوَعْلِ فِي شَبَكَةٍ. الْمَلآنُونَ مِنْ غَضَبِ الرَّبِّ، مِنْ زَجْرَةِ إِلهِكِ. ٢١لِذلِكَ اسْمَعِي هذَا أَيَّتُهَا الْبَائِسَةُ وَالسَّكْرَى وَلَيْسَ بِالْخَمْرِ. ٢٢هكَذَا قَالَ سَيِّدُكِ الرَّبُّ، وَإِلهُكِ الَّذِي يُحَاكِمُ لِشَعْبِهِ: «هأَنَذَا قَدْ أَخَذْتُ مِنْ يَدِكِ كَأْسَ التَّرَنُّحِ، ثُفْلَ كَأْسِ غَضَبِي. لاَ تَعُودِينَ تَشْرَبِينَهَا فِي مَا بَعْدُ. ٢٣وَأَضَعُهَا فِي يَدِ مُعَذِّبِيكِ الَّذِينَ قَالُوا لِنَفْسِكِ: انْحَنِي لِنَعْبُرَ. فَوَضَعْتِ كَالأَرْضِ ظَهْرَكِ وَكَالزُّقَاقِ لِلْعَابِرِينَ».
١. اِنْهَضِي، ٱنْهَضِي! قُومِي يَا أُورُشَلِيمُ: نداء اليقظة هذا موجه إلى أورشليم مباشرة. فأحيانًا ما ’ينام‘ شعب الله، ويحتاجون إلى الاستيقاظ. تقول رومية ١٣: ١١-١٢ ’هَذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ ٱلْوَقْتَ، أَنَّهَا ٱلْآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ ٱلنَّوْمِ، فَإِنَّ خَلَاصَنَا ٱلْآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى ٱللَّيْلُ وَتَقَارَبَ ٱلنَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ ٱلظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ ٱلنُّورِ.‘
٢. ٱلَّتِي شَرِبْتِ مِنْ يَدِ ٱلرَّبِّ كَأْسَ غَضَبِهِ: الصورة الشائعة للدينونة في العهد القديم هي كأس غضب الله أو سخطه. والفكرة هي أن الله يعطي كأسًا ممتلئة من غضبه للذين تحت الدينونة. ولا بد لهم أن يشربوها. وهنا يدعو الله أورشليم إلى التذكر أنها شربت من يد الرب كأس غضبه عندما اختبرت دينونته على أيدي البابليين.
• وهنا يمكن تقوية صورة الدينونة: ’ثُفْلَ كَأْسِ غَضَبِي.‘ فلم تشرب أورشليم الكأس فحسب، بل جفّفتْها. لقد شربتْها حتى الثُّمالة. فقد عانت الخراب، والدمار، والمجاعة، والسيف. فكان هذا كأس الله لها.
• كانت هذه الصورة القوية في ذهن يسوع عندما صلى في الجسيمانية في الليلة السابقة لصلبه. فعندما صلى، “يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ ٱلْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لَا إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ” (لوقا ٢٢: ٤٢)، خطر بباله كأس غضب الله التي كان سيشربها حتى الثمالة على الصليب.
٣. هَأَنَذَا قَدْ أَخَذْتُ مِنْ يَدِكِ كَأْسَ ٱلتَّرَنُّحِ، ثُفْلَ كَأْسِ غَضَبِي. لَا تَعُودِينَ تَشْرَبِينَهَا فِي مَا بَعْدُ: يعرف الرب متى يعطي الكأس، ومتى يأخذها من شعبه. والآن هذا وقت فدائهم ووقت خزي أعدائهم، ولهذا يعِد ’أَضَعُهَا فِي يَدِ مُعَذِّبِيكِ.‘ وينبغي أن نكون يقظين لمسألة توقيت الله ووعوده المُحِبة.
• “عندما يكون الإيمان ضعيفًا، يكون الأشخاص في عجلة مخيفة من أمرهم. لكن الإيمان القوي لا يحكم على الله بأنه يتراخى عن وعده. فبما أن الله ينجز قصده براحة غير محدودة، فإنه يحب إيمانًا صبورًا لا يبحث عن مكافآت في اليوم نفسه أو اليوم التالي. ’مَنْ آمَنَ لَا يَهْرُبُ (لا يتعجل).‘ ويعني هذا أنه لن يخجل أو يرتبك بالمحن، فيدفعه ذلك إلى أعمال عدم إيمان. ويترك الإيمان أوقاتًا ومواسم مع الله للذين ينتمون إليه.” سبيرجن (Spurgeon)
• ٱلَّذِينَ قَالُوا لِنَفْسِكِ: ٱنْحَنِي لِنَعْبُرَ (اضطجعي حتى ندوسك): “هذه الممارسة البربرية موثّقة جيدًا في الشرق الأدنى القديم. وظهرت بشكل خاص، لكن ليس بشكل حصري، في النقوش الأشورية.” جروجان (Grogan) لكن الله سيعطي هذا الذل للذين أذلوا شعبه.