إشعياء ٦٥
الرب يستجيب لصلاة البقية
أولًا. الجواب الفوري: الرب سيبارك خدامه الحقيقيين
أ ) الآيات (١-٧): الرب يرى ضحالة توبتنا.
١«أَصْغَيْتُ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا. وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي. قُلْتُ: هأَنَذَا، هأَنَذَا. لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِاسْمِي. ٢بَسَطْتُ يَدَيَّ طُولَ النَّهَارِ إِلَى شَعْبٍ مُتَمَرِّدٍ سَائِرٍ فِي طَرِيق غَيْرِ صَالِحٍ وَرَاءَ أَفْكَارِهِ. ٣شَعْبٍ يُغِيظُنِي بِوَجْهِي. دَائِمًا يَذْبَحُ فِي الْجَنَّاتِ، وَيُبَخِّرُ عَلَى الآجُرِّ. ٤يَجْلِسُ فِي الْقُبُورِ، وَيَبِيتُ فِي الْمَدَافِنِ. يَأْكُلُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَفِي آنِيَتِهِ مَرَقُ لُحُومٍ نَجِسَةٍ. ٥يَقُولُ: قِفْ عِنْدَكَ. لاَ تَدْنُ مِنِّي لأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ. هؤُلاَءِ دُخَانٌ فِي أَنْفِي، نَارٌ مُتَّقِدَةٌ كُلَّ النَّهَارِ. ٦هَا قَدْ كُتِبَ أَمَامِي. لاَ أَسْكُتُ بَلْ أُجَازِي. أُجَازِي فِي حِضْنِهِمْ، ٧آثَامَكُمْ وَآثَامَ آبَائِكُمْ مَعًا قَالَ الرَّبُّ، الَّذِينَ بَخَّرُوا عَلَى الْجِبَالِ، وَعَيَّرُونِي عَلَى الآكَامِ، فَأَكِيلُ عَمَلَهُمُ الأَوَّلَ فِي حِضْنِهِمْ».
١. وُجِدْتُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي: كان المسبيون اليهود في بابل أمثلة للذين طلبوا الرب حقًّا، لكنهم لم يجدوه، لأن معظمهم لم يطلبوه بإخلاص. ومع ذلك، سيوجد الله من الذين لم يطلبوه، أي الأمم.
• تمثل إشعياء ٦٣: ٧ – ٦٤: ١٢ صلاة البقية التي يعبّر عنها النبي إشعياء. وهي من أجمل الصلوات وأكثرها تأثيرًا في الكتاب المقدس. غير أنها لا تبدو أنها تعكس قلب المسبيين في بابل. وهنا يتكلم الرب إلى هذا القلب الذي يُظهر توبة ضحلة.
• يقتبس بولس هذا النص في رومية ١٠: ٢٠-٢١ “ثُمَّ إِشَعْيَاءُ يَتَجَاسَرُ وَيَقُولُ: وُجِدْتُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي، وَصِرْتُ ظَاهِرًا لِلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِّي. أَمَّا مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ فَيَقُولُ: طُولَ ٱلنَّهَارِ بَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى شَعْبٍ مُعَانِدٍ وَمُقَاوِمٍ.” كانت هذه كلمات تتسم بجسارة كبيرة، “حتى إن أوريجانوس وغيره قالوا إنها وراء قيام رجال من بني جنسه بنشره (حتى الموت).” تراب (Trapp)
٢. بَسَطْتُ يَدَيَّ طُولَ ٱلنَّهَارِ إِلَى شَعْبٍ مُتَمَرِّدٍ: لم يكن الأمر أن الرب تجاهل المسبيين اليهود في بابل أو تجاهل آخرين مثلهم. إذ بسط يديه طُولَ ٱلنَّهَارِ إِلَى شَعْبٍ مُتَمَرِّدٍ. وقد استجاب بعضهم (مثل دانيال أو ذاك الذي يصلّي بشكل نبوي في إشعياء ٦٣: ٧-٦٤: ١٢)، لكن معظمهم كانوا شعبًا متمردًا.
٣. سَائِرٍ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ صَالِحٍ وَرَاءَ أَفْكَارِهِ: هذا هو تعريف الشعب المتمرد. إنه شعب سائر فِي طَرِيقٍ غَيْرِ صَالِحٍ وَرَاءَ أَفْكَارِهِ. وتعني الثقة بحكمتنا الخاصة، وحُكمنا الخاص، وتفكيرنا الخاص أن نكون بين الشعب المتمرد.
• تتكرر هذه الفكرة في عدة مواضع مختلفة في الكتاب المقدس. والعبارة التي يستخدمها سفر القضاة ليصف الشر في عصره هي: “كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ” (قضاة ١٧: ٦؛ ٢٥: ٢١). ويعبّر سفر الأمثال عن هذه الفكرة كما يلي: “تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلْإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ ٱلْمَوْتِ” (أمثال ١٤: ١٢؛ ٢٥: ٢١). قد يبدو لهم العيش وفق أفكارهم حرية، لكنه في الواقع عبودية. والحل الذي يقدّمه الله لمشكلة العيش وراء أفكارنا معلن في رومية ١٢: ٢، وهو أن نتغير بتجديد أذهاننا.
٤. شَعْبٍ يُغِيظُنِي بِوَجْهِي: يعبّر هؤلاء الأشخاص، وفق أفكارهم الخاصة، عن أنفسهم بأكثر الطرق إهانة ونجاسة. فهم يقدمون ذبائح في الحدائق – دَائِمًا يَذْبَحُ فِي ٱلْجَنَّاتِ. ويجلسون بين القبور – يَجْلِسُ فِي ٱلْقُبُورِ. ويكسرون الوصايا التي تحظر الاتصال بالأموات (سفر العدد ١٩: ١١). ويَأْكُلُون لَحْمَ ٱلْخِنْزِيرِ، وَفِي آنِيَتِهِ مَرَقُ لُحُومٍ نَجِسَةٍ.
• كانت كل خطية من تلك الخطايا إهانة صارخة للرب. وإنه لأمر مأساوي، لكنه صحيح، أن السلوك حسب أفكارنا سيقودنا دائمًا إلى معارضة مباشرة وصريحة مع الرب.
٥. قِفْ عِنْدَكَ. لَا تَدْنُ مِنِّي لِأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ: كان بمقدورهم أن يقولوا هذا حتى في وسط هذه الإساءة البالغة الموجهة إلى الرب. فلا عجب أن الله ينظر إليهم على أنهم ’دُخَانٌ فِي أَنْفِي.‘ ولهذا يَعِدهم بالدينونة: لَا أَسْكُتُ بَلْ أُجَازِي. أُجَازِي فِي حِضْنِهِمْ، آثَامَكُمْ وَآثَامَ آبَائِكُمْ مَعًا.
• كيف يمكن لأحد أن يقول، ’أنا أقْدَس منك‘ وهو منغمس في الخطايا الموصوفة في هذا النص؟ وهذا عرْض درامي للعمى الذي تجلبه الكبرياء. كان بإمكانهم أن يقولوا ’أنا أقْدَس منك‘ ويعنون هذا حقًّا بسبب عماهم التام.
• ألقى تشارلز سبيرجن عظة مبنية على هذا النص بعنوان ’البر الذاتي – كومة من القمامة المدخّنة.‘ ووصف فيها مدى خطورة البر الذاتي وإغوائه. “وفضلًا عن ذلك، فإن لدى الأشخاص الأبرار ذاتيًّا حيلًا ومكائد. فهم يدينون في الآخرين ما يعُدّونه أمرًا قابلًا للتبرير في أنفسهم. ويمكنهم أن يصرخوا في الآخرين بسبب عُشْر من الخطية التي يسمحون بها لأنفسهم. إذ تشكل بعض الميول الدستورية، والظروف القاهرة، والبيئات المحيطة المتنوعة اعتذارات وافرة. وإلى جانب هذا، إذا اعترفوا بأنهم مخطئون في بعض النواحي، فإنهم يصرون على أنهم فوق التوبيخ في نواحٍ أخرى. فإن كانوا يتعاطون الخمر، فإنهم لا يشتمون. وإذا كانوا يشتمون، فإنهم لا يسرقون. وهم يعطون أهمية كبيرة جدًّا للسلبيات (الأشياء التي لا يفعلونها). فإن كانوا يسرقون، فإنهم غير جشعين أو بخلاء، لكنهم يُنفقون مكاسبهم بكرم. وإن كانوا يزنون مع أشخاص غير متزوجين، فإنهم لا يزنون مع أشخاص متزوجين. وإذا تكلموا كلام قذارة، فإنهم يباهون بأنهم لا يكذبون. وهم يعدون أنفسهم جيدين لأنهم ليسوا سيئين بشكل شمولي. فهم لا يكسرون كل سياج، وبالتالي فإنهم يحتجون بالقول إنهم ليسوا متعدّين. كما لو أن مدينًا بمئة جنيه يدعي بأنه معذور لأنه غير مدين بمئتي جنيه. أو كما لو أن قاطع طريق قال: ’لم أوقف كل المسافرين في هذا الطريق. لم أسلب إلا شخصًا أو اثنين فقط. ولهذا لا ينبغي أن أُعاقَب.‘ وإذ قام رجل بتحطيم نافذة متجرك عمدًا، فإني أؤكد لك أنه لن يتوسل إليك متخذًا هذا العذر: ’لم أحطم كل نوافذك. إذ لم أحطم إلا لوحًا زجاجيًّا فقط.‘ يعتقدون أن مرافعاتهم هذه غير المقبولة في المحاكم البشرية جيدة بما يكفي لتقديمها لله. فيا لحماقة جنسنا البشري!” سبيرجن (Spurgeon)
• كما ركّز سبيرجن انتباهه على أكثر الأشخاص تدينًا ذاتيًّا. “أولئك الذين يأتون بلغة التوبة من دون روحها هم أحيانًا أكثر الأشخاص برًّا ذاتيًّا، لأنهم يقولون: ’أنا جيد لأني لست بارًّا ذاتيًّا.‘ وهم يصنعون برًّا ذاتيًّا من غياب مفترض للبر الذاتي. يقولون: ’نشكر الله على أننا لسنا مثل الآخرين، ولا حتى مثل هؤلاء الأبرار ذاتيًّا.‘ إنهم منافقون بالكامل.” سبيرجن (Spurgeon)
• الإنسان فاسد جدًّا حتى إنه يمكن أن يكون بارًّا ذاتيًّا في ما يتعلق بأي شيء. “يمكن أن ينمو زوان البر الذاتي هذا على أية كومة روث. فلا توجد كومة من القمامة فاسدة جدًّا بحيث يتعذّر على ضفدع الافتخار بالذات أن ينمو عليها.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٨-١٦): وعد بمباركة خدامه الحقيققين وتأديب خدامه الضحلين أو الزائفين.
٨هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «كَمَا أَنَّ السُّلاَفَ يُوجَدُ فِي الْعُنْقُودِ، فَيَقُولُ قَائِلٌ: لاَ تُهْلِكْهُ لأَنَّ فِيهِ بَرَكَةً. هكَذَا أَعْمَلُ لأَجْلِ عَبِيدِي حَتَّى لاَ أُهْلِكَ الْكُلَّ. ٩بَلْ أُخْرِجُ مِنْ يَعْقُوبَ نَسْلاً وَمِنْ يَهُوذَا وَارِثًا لِجِبَالِي، فَيَرِثُهَا مُخْتَارِيَّ، وَتَسْكُنُ عَبِيدِي هُنَاكَ. ١٠فَيَكُونُ شَارُونُ مَرْعَى غَنَمٍ، وَوَادِي عَخُورَ مَرْبِضَ بَقَرٍ، لِشَعْبِي الَّذِينَ طَلَبُونِي. ١١«أَمَّا أَنْتُمُ الَّذِينَ تَرَكُوا الرَّبَّ وَنَسُوا جَبَلَ قُدْسِي، وَرَتَّبُوا لِلسَّعْدِ الأَكْبَرِ مَائِدَةً، وَمَلأُوا لِلسَّعْدِ الأَصْغَرِ خَمْرًا مَمْزُوجَةً، ١٢فَإِنِّي أُعَيِّنُكُمْ لِلسَّيْفِ، وَتَجْثُونَ كُلُّكُمْ لِلذَّبْحِ، لأَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ تُجِيبُوا، تَكَلَّمْتُ فَلَمْ تَسْمَعُوا، بَلْ عَمِلْتُمُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، وَاخْتَرْتُمْ مَا لَمْ أُسَرَّ بِهِ. ١٣لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هُوَذَا عَبِيدِي يَأْكُلُونَ وَأَنْتُمْ تَجُوعُونَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَشْرَبُونَ وَأَنْتُمْ تَعْطَشُونَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَفْرَحُونَ وَأَنْتُمْ تَخْزَوْنَ. ١٤هُوَذَا عَبِيدِي يَتَرَنَّمُونَ مِنْ طِيبَةِ الْقَلْبِ وَأَنْتُمْ تَصْرُخُونَ مِنْ كآبَةِ الْقَلْبِ، وَمِنِ انْكِسَارِ الرُّوحِ تُوَلْوِلُونَ. ١٥وَتُخْلِفُونَ اسْمَكُمْ لَعْنَةً لِمُخْتَارِيَّ، فَيُمِيتُكَ السَّيِّدُ الرَّبُّ وَيُسَمِّي عَبِيدَهُ اسْمًا آخَرَ. ١٦فَالَّذِي يَتَبَرَّكُ فِي الأَرْضِ يَتَبَرَّكُ بِإِلهِ الْحَقِّ، وَالَّذِي يَحْلِفُ فِي الأَرْضِ يَحْلِفُ بِإِلهِ الْحَقِّ، لأَنَّ الضِّيقَاتِ الأُولَى قَدْ نُسِيَتْ، وَلأَنَّهَا اسْتَتَرَتْ عَنْ عَيْنَيَّ.
١. لَا تُهْلِكْهُ لِأَنَّ فِيهِ بَرَكَةً. هَكَذَا أَعْمَلُ لِأَجْلِ عَبِيدِي: رغم التمرد النجس وكبرياء بعض البقية، ما زال لدى الله خدامه. وسيباركهم ويستردهم. سيلمّ شملهم في أرضي، لأنه يقول: فَيَرِثُهَا مُخْتَارِيَّ، وَتَسْكُنُ عَبِيدِي هُنَاكَ. إذ لديه مكان خاص لشعبه – لِشَعْبِي ٱلَّذِينَ طَلَبُونِي.
• إن الصورة في إشعياء ٦٥: ٨ مذهلة. والفكرة هي أن الله يجد بعض ’العنب الجيد‘ بين عنقود فاسد من شعبه. ومن أجل هؤلاء – لِأَجْلِ عَبِيدِي – سيبارك الرب ويسترِد.
• “تشير كلمة ’يُوجَدُ‘ إلى أن العنب كان ينز أثناء قطافه، وأن هذا كان ثمينًا على نحو خاص. كان هناك بعض العنب الجيد… وإنه لأمر عجيب أن الرب يجد شعبه بركة، وأنه يثمّنهم ويحرسهم.” موتير (Motyer)
• “لو فهمت الكنيسة هذا المثل البسيط، لما تجرأت على تعليم الرفض التام لإسرائيل. فكما كان الرب مستعدًّا لإنقاذ سدوم من أجل خمسة أبرار، فإنه سيعفو عن إسرائيل، كرْمه، من أجل خدامه، عنقود العنب الجيد.” بولتيما (Bultema)
٢. أَمَّا أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ تَرَكُوا ٱلرَّبَّ: ليسوا كلهم معدودين بين عبيد الرب. فهم مقدَّرون للدينونة، لِأَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ تُجِيبُوا، تَكَلَّمْتُ فَلَمْ تَسْمَعُوا، بَلْ عَمِلْتُمُ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، وَٱخْتَرْتُمْ مَا لَمْ أُسَرَّ بِهِ. وفوق كل خطاياهم الأخرى، كانت هنالك خطية رفض الإصغاء إلى تقويم الله.
• الوقوع في الخطية بسبب الضعف شيء أو بسبب الجهل شيء آخر. فخطيئة كهذه خطيئة فعلًا، ولا بد أن يتعامل الرب معها على هذا الأساس. لكن رفض التجاوب مع تبكيت الروح القدس أسوأ بكثير. إنه لأمر سيئ بما يكفي أن تسرع في الطريق السريع. لكن ما هو أسوأ هو أن تتجاهل الأضواء الحمر التي تومض في المرآة الخلفية لسيارتك.
• يعلّق وولف (Wolf) على ’السَّعْدِ الأَكْبَرِ‘ و’السَّعْدِ الأَصْغَرِ‘: “كانوا يقدمون قرابين للإلهين ’الحظ‘ و’المصير،‘ ولهذا فإن مصيرهم هو السيف.”
٣. هُوَذَا عَبِيدِي يَأْكُلُونَ وَأَنْتُمْ تَجُوعُونَ: ولهذا، فإن عبيد الله الحقيقيين بين البقية سيبارَكون. وأما الخدام الزائفون فسيُلعنون. لماذا؟ لأنه أمر ضروري، فَٱلَّذِي يَتَبَرَّكُ فِي ٱلْأَرْضِ يَتَبَرَّكُ بِإِلَهِ ٱلْحَقِّ. فإن لم يكافئ الله عبيده الحقيقيين، ولم يلعن الخدام الزائفين، فإنه لا يُظهر أنه إِلَهِ ٱلْحَقِّ.
• “تعني جملة إِلَهِ ٱلْحَقِّ في النص الأصلي ’إله الآمين.‘ الإله الذي يقول ’آمين‘ لكل وعوده، مثبّتًا حقيقتها وجدارتها بالحفظ.” موتير (Motyer)
ثانيًا. الجواب النهائي: الرب سيفدي ويعيد صنع كل الخليقة
أ ) الآيات (١٧-١٩): وعد السماوات الجديدة والأرض الجديدة.
١٧لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، فَلاَ تُذْكَرُ الأُولَى وَلاَ تَخْطُرُ عَلَى بَال. ١٨بَلِ افْرَحُوا وَابْتَهِجُوا إِلَى الأَبَدِ فِي مَا أَنَا خَالِقٌ، لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وَشَعْبَهَا فَرَحًا. ١٩فَأَبْتَهِجُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَفْرَحُ بِشَعْبِي، وَلاَ يُسْمَعُ بَعْدُ فِيهَا صَوْتُ بُكَاءٍ وَلاَ صَوْتُ صُرَاخٍ.
١. هَأَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً: سيخلق الله سماوات جديدة وأرضًا جديدة كحل نهائي لمشكلة خطية الإنسان. وسيحدث هذا بعد الحكم الألفي، حكم يسوع المجيد لمدة ألف سنة، عندما تُزال هذه السماء وهذه الأرض ليصنع سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً.
• استخدم بطرس هذا الوعد ليشجع المؤمنين على حياة القداسة: وَلَكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً، وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا ٱلْبِرُّ (٢ بطرس ٣: ١٣). وفي سفر الرؤيا، يخبرنا يوحنا بما رأى: ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لِأَنَّ ٱلسَّمَاءَ ٱلْأُولَى وَٱلْأَرْضَ ٱلْأُولَى مَضَتَا، وَٱلْبَحْرُ لَا يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ (رؤيا ٢١: ١).
• من سياق يوحنا، نرى أن هذه السموات الجديدة والأرض الجديدة تأتي بعد دينونة العرش الأبيض العظيم (رؤيا ٢: ١١-١٥)، ولا ترتبط بالأرض الألفية، بل بالحالة الأبدية. لكن إذا لم يكن لدينا إلا نص إشعياء لنقرأه، فسنربط السموات الجديدة والأرض الجديدة بالحكم الألفي بشكل تلقائي، لأننا نجد مباشرة بعد إشعياء ٦٥: ١٧-١٩ وصف الأرض الألفية بوضوح. لكن، بناء على ما نجده في رسالة بطرس الثانية وسفر الرؤيا، يتوجب علينا أن ندرك أن إشعياء معتاد في نبوّاته أن يتحول بشكل سريع من إطار زمني إلى آخر متحدثًا عن الحالة الأبدية في إشعياء ٦٥: ١٧ وعن الأرض الألفية في إشعياء ٦٥: ٢٠-٢٥.
٢. فَلَا تُذْكَرُ ٱلْأُولَى وَلَا تَخْطُرُ عَلَى بَالٍ: هذا مؤشر آخر على أن إشعياء ٦٥: ١٧ لا يتكلم عن الأرض الألفية. وتُظهر نصوص أخرى في الكتاب المقدس تشير إلى الألفية أنه سيكون هنالك تذَكُّر محدد للأزمنة القديمة للأرض. إذ سيكون الهيكل الطقسي بأكمله في الأرض الألفية (حزقيال ٤٠-٤٦) إحياء لذكرى الأيام السابقة للذبائح اللاوية. وستبقى شعوب الأرض السابقة (بعد الدينونة)، وستخدم الرب وإسرائيل (مزمور ٧٢).
٣. هَأَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً: ستكون هنالك أُورُشَلِيم في الحالة الأبدية، في السماوات الجديدة والأرض الجديدة. إذ يصف سفر الرؤيا، في صور مذهلة، نزول أورشليم الجديدة من السماء إلى الأرض الجديدة (رؤيا ٢١: ٢-٢٧). وفي أورشليم هذه، لَا يُسْمَعُ بَعْدُ فِيهَا صَوْتُ بُكَاءٍ وَلَا صَوْتُ صُرَاخٍ.
• يربط يوحنا بوضوح هذا الوعد بأورشليم الجديدة: وَسَيَمْسَحُ ٱللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَٱلْمَوْتُ لَا يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلَا يَكُونُ حُزْنٌ وَلَا صُرَاخٌ وَلَا وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لِأَنَّ ٱلْأُمُورَ ٱلْأُولَى قَدْ مَضَتْ.” (رؤيا ٢١: ٤).
ب) الآيات (٢٠-٢٥): الحالة المباركة للأرض الألفية.
٢٠لاَ يَكُونُ بَعْدُ هُنَاكَ طِفْلُ أَيَّامٍ، وَلاَ شَيْخٌ لَمْ يُكْمِلْ أَيَّامَهُ. لأَنَّ الصَّبِيَّ يَمُوتُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَالْخَاطِئُ يُلْعَنُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ. ٢١وَيَبْنُونَ بُيُوتًا وَيَسْكُنُونَ فِيهَا، وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا وَيَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا. ٢٢لاَ يَبْنُونَ وَآخَرُ يَسْكُنُ، وَلاَ يَغْرِسُونَ وَآخَرُ يَأْكُلُ. لأَنَّهُ كَأَيَّامِ شَجَرَةٍ أَيَّامُ شَعْبِي، وَيَسْتَعْمِلُ مُخْتَارِيَّ عَمَلَ أَيْدِيهِمْ. ٢٣لاَ يَتْعَبُونَ بَاطِلاً وَلاَ يَلِدُونَ لِلرُّعْبِ، لأَنَّهُمْ نَسْلُ مُبَارَكِي الرَّبِّ، وَذُرِّيَّتُهُمْ مَعَهُمْ. ٢٤وَيَكُونُ أَنِّي قَبْلَمَا يَدْعُونَ أَنَا أُجِيبُ، وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ. ٢٥الذِّئْبُ وَالْحَمَلُ يَرْعَيَانِ مَعًا، وَالأَسَدُ يَأْكُلُ التِّبْنَ كَالْبَقَرِ. أَمَّا الْحَيَّةُ فَالتُّرَابُ طَعَامُهَا. لاَ يُؤْذُونَ وَلاَ يُهْلِكُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، قَالَ الرَّبُّ».
١. لَا يَكُونُ بَعْدُ هُنَاكَ طِفْلُ أَيَّامٍ… لِأَنَّ ٱلصَّبِيَّ يَمُوتُ ٱبْنَ مِئَةِ سَنَةٍ: يغيّر إشعياء التروس على نحو سريع، كما هي العادة النبوية، فلا يتحدث الآن عن الحالة الأبدية، بل عن الأرض الألفية. لكن في بيولوجيا وبيئة تغيّرت تحت حكم يسوع المسيح، سيعيش الناس لفترة أطول بشكل مذهل، كما كان الحال قبل الطوفان.
• في الأرض الألفية، سيعيش الناس طويلًا لدرجة أنه إذا مات شخص ما عن مئة عام، فسيعده الناس ملعونًا.
٢. وَيَبْنُونَ بُيُوتًا وَيَسْكُنُونَ فِيهَا، وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا وَيَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا: لن يكون الحكم الألفي ليسوع المسيح وقتًا لتحوُّل بيولوجي فحسب، بل سيكون أيضًا تحوّلًا اجتماعيًّا، حيث تسود العدالة الكاملة على الأرض. ولن يتم سلب ثمار عملهم مرة أخرى. فإذا بنيتَ بيتًا، فلن يسرقه أحد، بل ستسكنه أنت. وإذا زرعت كرومًا، فلن يسرق أحد ثمارها، بل ستأكل أنت منها. إذ يَعِد الرب بشكل مجيد: وَيَسْتَعْمِلُ مُخْتَارِيَّ عَمَلَ أَيْدِيهِمْ.
• ربما لا يبدو هذا شيئًا كثيرًا. لكن بالنسبة للذين يعيشون في أوقات الظلم العميق، تبدو هذه العدالة معجزة.
• إن أحد الأسباب المهمة لوجود مثل هذه العدالة الألفية هو أن إبليس سيبقى مقيّدًا أثناء تلك السنوات الألف، غير قادر على القيام بعمله الشرير على الأرض (رؤيا ٢٠: ١-٣).
٣. لَا يَتْعَبُونَ بَاطِلًا وَلَا يَلِدُونَ لِلرُّعْبِ، لِأَنَّهُمْ نَسْلُ مُبَارَكِي ٱلرَّبِّ، وَذُرِّيَّتُهُمْ مَعَهُمْ: ستكون هنالك ولادة لأطفال وتنشئتهم في الأرض الألفية. وهذا مؤشر على أننا لسنا في الحالة الأبدية. ففي الحالة الأبدية، ’لَا يُزَوِّجُونَ وَلَا يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلَائِكَةِ ٱللهِ فِي ٱلسَّمَاءِ‘ (متى ٢٢: ٣٠). وفي الأرض الألفية، فإن المسموح لهم بالدخول هم نَسْلُ مُبَارَكِي ٱلرَّبِّ، وَذُرِّيَّتُهُمْ مَعَهُمْ.
٤. وَيَكُونُ أَنِّي قَبْلَمَا يَدْعُونَ أَنَا أُجِيبُ، وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ: لن يكون الحكم الألفي ليسوع المسيح وقتًا لتحوُّل بيولوجي واجتماعي فحسب، بل سيكون أيضًا تحوّلًا روحيّا عميقًا وحميمًا. إذ سيكون هنالك إحساس مباشر بحضور الله. وستغطي معرفته الأرض كلها (إشعياء ١١:٩).
• لا يعني هذا أن كل شخص في الأرض الألفية سيخلَّص. لكن الفرصة لمثل هذه العلاقة الوثيقة ستتاح على نطاق واسع. ونحن نعرف أنه لن يتم خلاص الجميع أثناء تلك الفترة للسببين التاليين:
في ختام زمن الأرض الألفية، سيُحَل إبليس من حبسه فترة من الزمن، وسيجد خدّامًا مستعدّين على الأرض (رؤيا ٢٠: ٧-٩)، وسيحشدهم ضد الله لمرة أخيرة، لكن بلا جدوى.
تصف الآيات في سفر زكريا ١٤: ١٦-١٩ ومزمور ٢ الحكم الراسخ للمسيّا أثناء الحكم الألفي، حيث يتعامل بشكل حاسم مع الذين لا يستسلمون لحُكمه، معزِّزًا بهذا البر في الأرض كلها.
• رغم أنه لن يخلص الجميع في الأرض الألفية، يمكننا أن نفترض أن النِّسب ستنقلب. فاليوم لا يَخْلص إلا بقية، لأن كثيرين مدعوون، لكن المختارين قليلون (متى ٢٢: ١٤). “اُدْخُلُوا مِنَ ٱلْبَابِ ٱلضَّيِّقِ، لِأَنَّهُ وَاسِعٌ ٱلْبَابُ وَرَحْبٌ ٱلطَّرِيقُ ٱلَّذِي يُؤَدِّي إِلَى ٱلْهَلَاكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ ٱلَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ! مَا أَضْيَقَ ٱلْبَابَ وَأَكْرَبَ ٱلطَّرِيقَ ٱلَّذِي يُؤَدِّي إِلَى ٱلْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ ٱلَّذِينَ يَجِدُونَهُ” (متى ٧: ١٣-١٤). لكن في الأرض الألفية، سيكون هنالك قليلون يعرفون الرب ولا يَخْلصون.
• إن أحد الأسباب التي تجعل معظم الناس يعرفون الرب ويخْلصون في الأرض الألفية هو أنه لن يسمح للناجين من الضيقة العظيمة كلهم بأن يعيشوا في الأرض الألفية. فبعد الضيقة العظيمة، التي ستقلل سكان الأرض بمقدار الثلث على الأقل (رؤيا ٩: ١٥، ١٨)، سيعود يسوع المسيح إلى الأرض، وسيحدد في دينونة الشعوب من الذي سيُسمح له بأن يسكن الأرض الألفية (متى ٢٥: ٣٢-٣٤). وسيكون سكان الأرض الألفية ’مغربلين‘ حيث لا يكون البر كاملًا، لكن أفضل من الأرض الحاليّة.
٥. ٱلذِّئْبُ وَٱلْحَمَلُ يَرْعَيَانِ مَعًا: ستشهد الأرض تحوّلًا بيئيًّا مذهلًا. فلن تعود الحيوانات المفترسة تلاحق ضحاياها. بل سيتعايش الذئب والحمَل – ٱلذِّئْبُ وَٱلْحَمَلُ يَرْعَيَانِ مَعًا، وَٱلْأَسَدُ يَأْكُلُ ٱلتِّبْنَ كَٱلْبَقَرِ.
٦. لَا يُؤْذُونَ وَلَا يُهْلِكُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي: هذه هي النتيجة المجيدة للتحول الذي يحدث في الأرض أثناء الحكم الألفي. إذ سيكون العالم مختلفًا بيولوجيًّا وروحيًّا واجتماعيًّا وبيئيًّا.
• يتحدث الكتاب المقدس عن جوانب أخرى من الأرض الألفية. وإنه لأمر مأساوي أن الكنيسة عبر التاريخ تجاهلت أو أنكرت وعد الحكم الألفي ليسوع المسيح. إذ كانت الكنيسة الأولى حتى أوغسطين تؤمن بشكل شمولي بحكم تاريخي أرضي ليسوع يبدأ عند عودته. وكان تايكونيوس في أواخر القرن الرابع أول شخص يدافع بشكل مؤثر عن تفسير روحاني، قائلًا إن الألفية هي الآن (أي لا توجد ألفية حرفية). وقد تبنّى وجهة نظره أوغسطين، والكنيسة الكاثوليكية الرومانية، ومعظم اللاهوتيين المصلحين. وقد نشأت عن ’فكرة اللاألفية‘ عقيدة ما بعد ألفية التدبير، والتي تقول إن الحكم الألفي سيحدث في هذا الدهر قبل عودة يسوع، لكن الكنيسة هي التي ستحققه. لكن تعليم الكتاب المقدس الواضح ليس الألفية أو ما بعد ألفية التدبير، بل ما يُدعى قبل ألفية التدبير – وهو التعليم الذي يفيد أن يسوع سيعود قبل الأرض الألفية، وسيرسخها ويحكمها بشكل مباشر. ويوجد ما يزيد على ٤٠٠ آية في ما يزيد عن عشرين نصًّا في العهد القديم تتعامل مع ذلك الوقت عندما يحكم يسوع المسيح ويملك على كوكب الأرض.
سيكون للملك داود مكان بارز في الأرض الألفية (إشعياء ٥٥: ٣-٥؛ إرميا ٣٠: ٤-١١؛ حزقيال ٣٤: ٢٣-٣١؛ حزقيال ٣٧: ٢١-٢٨؛ هوشع ٣: ٥).
ستكون هنالك بركة وأمان لإسرائيل القومية في الأرض الألفية (عاموس ٩: ١١-١٥).
الألفية وقت طهارة وتكريس لله (زكريا ١٣: ١-٩).
ستكون إسرائيل أمة بارزة في الأرض الألفية (حزقيال ١٧: ٢٢-٢٤).
سيعاد بناء الهيكل وتُسترَد خدمته في الأرض الألفية (حزقيال ٤٠-٤٨؛ ٣٧: ٢٦-٢٨؛ عاموس ٩: ١١؛ حزقيال ٢٠: ٣٩-٤٤).
يعِد العهد الجديد على وجه التحديد بمُلْك حقيقي ليسوع (لوقا ١: ٣٢-٣٣).
سيُمنح القديسون في حالتهم المُقامة مسؤولية في الأرض الألفية حسب أمانتهم في الخدمة (لوقا ١٩: ١١-٢٧؛ رؤيا ٢٠: ٤-٦؛ رؤيا ٢: ٢٦-٢٨؛ رؤيا ٣: ١٢؛ رؤيا ٣: ٢١؛ ١ كورنثوس ٦: ٢-٣).