إشعياء ٤٩
إرسالية المسيّا
هذا الإصحاح ممتلئ بالرب يسوع المسيح. وما كان للكلمات المقتبسة أن تجد تحقيقها التام بأية صورة إلا في مخلّصنا.” – آلان ريدباث (Alan Redpath)
أولًا. المسيّا يصرّح بإرساليته
أ ) الآيات (١-٢): دعوة المسيا والاستعداد لها.
١اِسْمَعِي لِي أَيَّتُهَا الْجَزَائِرُ، وَاصْغَوْا أَيُّهَا الأُمَمُ مِنْ بَعِيدٍ: الرَّبُّ مِنَ الْبَطْنِ دَعَانِي. مِنْ أَحْشَاءِ أُمِّي ذَكَرَ اسْمِي، ٢وَجَعَلَ فَمِي كَسَيْفٍ حَادٍّ. فِي ظِلِّ يَدِهِ خَبَّأَنِي وَجَعَلَنِي سَهْمًا مَبْرِيًّا. فِي كِنَانَتِهِ أَخْفَانِي.
١. اِسْمَعِي لِي أَيَّتُهَا ٱلْجَزَائِرُ: كما سيبيّن السياق، تأتي هذه الكلمات على لسان ’عبد الرب‘ المعلن عنه في الإصحاحات السابقة. وهنا يأمر الجزائر، أو الأراضي الساحلية، أو بلاد الأمم البعيدة، بأن تصغي إليه.
٢. ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلْبَطْنِ دَعَانِي: لقد دُعي المسيّا، الذي أُعلِن عنه لاحقًا أنه يسوع المسيح، من البطن. وفي واقع الأمر، كما تبيّن ميخا ٥: ٢، دُعي يسوع قبل أن يكون في أحشاء مريم. ومع ذلك، يبدأ هنا نقطة يمكن لأي إنسان أن يتعامل معها بسهولة.
٣. مِنْ أَحْشَاءِ أُمِّي ذَكَرَ ٱسْمِي: تحقق هذا في لوقا ١: ٣١ عندما أعلن الرب على لسان الملاك جبرائيل اسم يسوع قبل حبَله في أحشاء مريم.
٤. وَجَعَلَ فَمِي كَسَيْفٍ حَادٍّ: يعني هذا أن كلمات المسيّا نفسها تتمتع بالقوة والسلطان. فبينما يحتاج بعضهم إلى التلويح بسلاح ليُظهر سلطانه، لا يحتاج المسيّا إلاّ إلى أن يتكلم.
٥. فِي ظِلِّ يَدِهِ خَبَّأَنِي وَجَعَلَنِي سَهْمًا مَبْرِيًّا. فِي كِنَانَتِهِ أَخْفَانِي: يعلن المسيّا نبويًّا أنه مثل سهم مصنوع بعناية ومصقول في خدمة الرب، وجاهز للاستخدام في الوقت المناسب. وربما يشير هذا إلى سنوات يسوع “الخفية” عندما عاش كشخص مغمور، كسهم مصقول منتظر في جعبة الرب.
ب) الآيات (٣-٤): ثقة المسيا بالرب.
٣وَقَالَ لِي: «أَنْتَ عَبْدِي إِسْرَائِيلُ الَّذِي بِهِ أَتَمَجَّدُ». ٤أَمَّا أَنَا فَقُلْتُ: « عَبَثًا تَعِبْتُ. بَاطِلاً وَفَارِغًا أَفْنَيْتُ قُدْرَتِي. لكِنَّ حَقِّي عِنْدَ الرَّبِّ، وَعَمَلِي عِنْدَ إِلهِي».
١. أَنْتَ عَبْدِي إِسْرَائِيلُ: بما أن بقية سياق هذا الإصحاح يشير إلى أن هذا النص يتكلم عن المسيّا، فإنه أفضل لنا أن نَعُد تعبير “إسرائيل” هنا إشارة إلى المسيا. فكيف يمكن للرب أن يتحدث عن المسيّا بصفته إسرائيل؟ أولًا، لأن المسيّا يأتي من إسرائيل في الجسد، وهو ممثل للأمّة. ثانيًا، لأن المسيّا يحقق اسم “إسرائيل: التي تعني “المحكوم من الله.”
• “من ناحية ظاهرية، تحدد عبارة ’أَنْتَ عَبْدِي إِسْرَائِيلُ‘ بصراحة أن عبد الرب هو أُمة إسرائيل. لكن لو كان الأمر كذلك، سيَظهر تناقض واضح مع الآيتين ٥-٦، حيث تتمثل مهمة العبد في إعادة إسرائيل إلى الرب وإلى الأرض…. فالقول إن إسرائيل هنا خادم مسياني فردي ينسجم بشكل مُرْضٍ مع النص والسياق.” ليندسي (Lindsey)
٢. عَبَثًا تَعِبْتُ. بَاطِلًا وَفَارِغًا أَفْنَيْتُ قُدْرَتِي. لَكِنَّ حَقِّي عِنْدَ ٱلرَّبِّ، وَعَمَلِي عِنْدَ إِلَهِي: لا يعتقد مترجمو نسخة الملك جيمس الجديدة أن هذه الكلمات تأتي على فم المسيّا. وهم يُظهرون اعتقادهم هذا بعدم استخدام حرف كبير في الضمائر التي تشير إلى إسرائيل. لكن يمكن أن توضع هذه الكلمات على فم المسيّا، لأن من المؤكد أن يسوع جُرِّب بالفكرة المحبطة أن كل عمله كان بَاطِلًا وَفَارِغًا. غير أنه تغلّب على هذه التجربة معلنًا: حَقِّي عِنْدَ ٱلرَّبِّ، وَعَمَلِي عِنْدَ إِلَهِي.
• عندما نضع في اعتبارنا ما كان على الرب يسوع أن يفعله – ومع من كان عليه أن يفعله – فلا بدّ أن واحدة من التجارب العظيمة التي جُرِّب بها هي الإحباط. ويبيّن هذا النص أنه رغم أنه خدم في ظروف صعبة ومثبّطة، إلا أنه لم يستسلم قط للإحباط، بل وضع ثقته في الرب دائمًا.
ج) الآيات (٥-٧): المسيّا يبارك إسرائيل والشعوب.
٥وَالآنَ قَالَ الرَّبُّ جَابِلِي مِنَ الْبَطْنِ عَبْدًا لَهُ، لإِرْجَاعِ يَعْقُوبَ إِلَيْهِ، فَيَنْضَمُّ إِلَيْهِ إِسْرَائِيلُ فَأَتَمَجَّدُ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَإِلهِي يَصِيرُ قُوَّتِي. ٦فَقَالَ: «قَلِيلٌ أَنْ تَكُونَ لِي عَبْدًا لإِقَامَةِ أَسْبَاطِ يَعْقُوبَ، وَرَدِّ مَحْفُوظِي إِسْرَائِيلَ. فَقَدْ جَعَلْتُكَ نُورًا لِلأُمَمِ لِتَكُونَ خَلاَصِي إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ». ٧هكَذَا قَالَ الرَّبُّ فَادِي إِسْرَائِيلَ، قُدُّوسُهُ، لِلْمُهَانِ النَّفْسِ، لِمَكْرُوهِ الأُمَّةِ، لِعَبْدِ الْمُتَسَلِّطِينَ: «يَنْظُرُ مُلُوكٌ فَيَقُومُونَ. رُؤَسَاءُ فَيَسْجُدُونَ. لأَجْلِ الرَّبِّ الَّذِي هُوَ أَمِينٌ، وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي قَدِ اخْتَارَكَ».
١. لِإِرْجَاعِ يَعْقُوبَ إِلَيْهِ: يبيّن هذا أن جانبًا من جوانب إرسالية المسيّا هو أن يُرجع إسرائيل إلى الرب. ويدل هذا على أن لإسرائيل العِرقية مكانة ثابتة في خطة الله. وستتحقق هذه الخطة عندما يخْلُص كل إسرائيل (رومية ١١: ٢٦).
٢. قَلِيلٌ أَنْ تَكُونَ لِي عَبْدًا لِإِقَامَةِ أَسْبَاطِ يَعْقُوبَ… فَقَدْ جَعَلْتُكَ نُورًا لِلْأُمَمِ: رغم أن جزءًا من إرسالية المسيّا موجّه نحو إسرائيل، إلا أن له إرسالية للأمم أيضًا. فماذا سيفعل المسيا للأمم؟ لِتَكُونَ خَلَاصِي إِلَى أَقْصَى ٱلْأَرْضِ. وببساطة، لن يجلب المسيا خلاصًا فحسب، لكنه سيكون نفسه الخلاص إلى أقاصي الأرض.
• “تملك إسرائيل نورًا، لكنها تحتاج إلى استرداده، بينما تحتاج الأمم إلى كل من النور والخلاص.” جروجان (Grogan)
٣. هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ فَادِي إِسْرَائِيلَ، قُدُّوسُهُ، لِلْمُهَانِ ٱلنَّفْسِ، لِمَكْرُوهِ ٱلْأُمَّةِ: الرب يكلم المسيّا ويكشف أنه سيكون المحتقر والمبغوض من شعبه (لِلْمُهَانِ ٱلنَّفْسِ، لِمَكْرُوهِ ٱلْأُمَّةِ). وهذه نبوّة مهمة – لكنها لا تحظى باهتمام كافٍ – عن رفض المسيا من قبل البشر بشكل عام، ومن قبل إسرائيل بشكل خاص.
٤. يَنْظُرُ مُلُوكٌ فَيَقُومُونَ. رُؤَسَاءُ فَيَسْجُدُونَ: ومع ذلك، وفي نهاية الأمر، لن يُحتقَر المسيّا أو يُبغض. بل سينال العبادة والتكريم اللذين يستحقهما، لأنه مختار الرب.
د ) الآيات (٨-١٢): مجد خدمة المسيّا.
٨هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «فِي وَقْتِ الْقُبُولِ اسْتَجَبْتُكَ، وَفِي يَوْمِ الْخَلاَصِ أَعَنْتُكَ. فَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ، لإِقَامَةِ الأَرْضِ، لِتَمْلِيكِ أَمْلاَكِ الْبَرَارِيِّ، ٩قَائِلاً لِلأَسْرَى: اخْرُجُوا. لِلَّذِينَ فِي الظَّلاَمِ: اظْهَرُوا. عَلَى الطُّرُقِ يَرْعَوْنَ وَفِي كُلِّ الْهِضَابِ مَرْعَاهُمْ. ١٠لاَ يَجُوعُونَ وَلاَ يَعْطَشُونَ، وَلاَ يَضْرِبُهُمْ حَرٌّ وَلاَ شَمْسٌ، لأَنَّ الَّذِي يَرْحَمُهُمْ يَهْدِيهِمْ وَإِلَى يَنَابِيعِ الْمِيَاهِ يُورِدُهُمْ. ١١وَأَجْعَلُ كُلَّ جِبَالِي طَرِيقًا، وَمَنَاهِجِي تَرْتَفِعُ. ١٢هؤُلاَءِ مِنْ بَعِيدٍ يَأْتُونَ، وَهؤُلاَءِ مِنَ الشَّمَالِ وَمِنَ الْمَغْرِبِ، وَهؤُلاَءِ مِنْ أَرْضِ سِينِيمَ».
١. فِي وَقْتِ ٱلْقُبُولِ ٱسْتَجَبْتُكَ، وَفِي يَوْمِ ٱلْخَلَاصِ أَعَنْتُكَ. فَأَحْفَظُكَ: قدّم الرب الإله عونه وحِفْظه للمسيّا طوال خدمته الأرضية. ومع ذلك، إذا كان هنالك وقت محدد تحقق فيه هذا الوعد، فقد كان عندما مات على الصليب متكلًا على وعد القيامة.
• إنه لأمر جميل أن نتخيل كيف كان يسوع يعزّي ويقوّي نفسه بهذه الوعود وهو يتوقع ويحتمل محنة الصليب. فكان بإمكانه، بناء على هذا الوعد، أن يثق بأن الرب سيسمعه ويساعده ويحفظه.
٢. وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ: لم يجلب يسوع المسيّا عهدًا فحسب، بل كان هو نفسه عهدًا لشعبه.
٣. قَائِلًا لِلْأَسْرَى: ٱخْرُجُوا: حررت خدمة يسوع كثيرين من العبودية والحبس.
• حرر يسوع المسكون بروح شريرة من السلاسل والتعذيب الشيطاني (مرقس ٥: ١-١٥).
• حرر يسوع المرضى والسُّقَماء من عبودية ضعفهم (لوقا ١٣: ١٦).
• حرّر يسوع الأموات الأبرار المنتظرين في الهاوية من مكانهم (أفسس ٤: ٨).
• يحرر يسوع المستعبدين للخطية والناموس (يوحنا ٨: ٣٣-٣٦؛ غلاطية ٣: ٢٢-٢٣).
٤. ٱلَّذِي يَرْحَمُهُمْ يَهْدِيهِمْ وَإِلَى يَنَابِيعِ ٱلْمِيَاهِ يُورِدُهُمْ: وبمعنى فوري، يشير هذا إلى إمدادات الله وحِفظه للمسبيين العائدين من بابل إلى يهوذا من خلال يد المسيّا غير المنظورة. وبمعنى أوسع، يتكلم هذا عن رحمة الله وتدبيره للشعب عندما يعودون إليه في الأيام الأخيرة، حيث سيأتون من بعيد.
٥. وَأَجْعَلُ كُلَّ جِبَالِي طَرِيقًا: قد يبدو لبعضهم أن الجبال في طريق المسبيين العائدين – سواء أكان هذا في التحقيق القريب أم البعيد – ستحبط قصد الله. لكن هيهات!
• لاحِظْ أنه يقول ’جبالي‘ أو ’كل جبالي.‘ “لا يوجد أي استثناء في هذه الكلمة العظيمة الصغيرة، ’كل.‘ لا يوجد أي شيء في الحياة – لا عائق، أو الإحساس بالوحدة، أو تجربة، أو حزن – يمكن أن يكون عائقًا أمام أغنى بركات الله. لا يوجد أي موقف معقّد، أو أي شيء يمكن أن تتخيله لا يمكن أن يصبح جزءًا من طريق الله، ليجعل من هذا الجبل طريقًا للخلاص.” ريدباث (Redpath)
• لاحِظْ أن النص يقول ’جبالي‘ فما زالت الجبال في الطريق جبال الرب، وهو يسمح بها لغرض. وليس الغرض أن يعذّبك، أو لأنه يبغضك. فهنالك غرض مُحِب حكيم لكل جبل. ويريد الله أن يجعل كل جبل من جباله طريقًا.
• “عندما تكرس حياتك للمسيح، من دون أي تحفّظ، يمكنك أن تقابل جبالك وعوائقك في يسوع – لا لتقابلها خارجه، بل فيه. وإذا فعلتَ هذا، سيصبح الجبل بينك وبين أرض بركة الله الطريق إليها.” ريدباث (Redpath)
٦. وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَرْضِ سِينِيمَ: يرى بعضهم أن سِينِيم مكان في مصر، بينما يربطه آخرون بالصين. والفكرة هي أن الله سيُرجع المسبيين (ولا سيما الذين في بلاد بعيدة جدًّا) من كل مكان تصوُّره.
• “يرجّح أن سِينِيم هي أسوان، وهي مدينة بالقرب من الحدود الجنوبية لمصر. ويفترض هذا أن كلمة سينيم مشتقة من كلمة (sewenim)… وإذا كان النص المازوري صحيحًا، فإن التفسير القائم منذ وقت بعيد يربطها بالصين.” وولف (Wolf)
• يقدّم جروجان (Grogan) منظورًا آخر لكلمة سِينِيم. “يرجّح أن إشعياء كان غامضًا عن قصد. فحتى الأماكن غير المحددة جغرافيًّا معروفة لدى الله، وسيجمع مسبييه منها.”
ثانيًا. أمانة الرب لصهيون
أ ) الآيات (١٣-١٤): حمْد الرب على صلاحه لصهيون – وإثارة اعتراض
١٣تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ، وَابْتَهِجِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ. لِتُشِدِ الْجِبَالُ بِالتَّرَنُّمِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ عَزَّى شَعْبَهُ، وَعَلَى بَائِسِيهِ يَتَرَحَّمُ. ١٤وَقَالَتْ صِهْيَوْنُ: «قَدْ تَرَكَنِي الرَّبُّ، وَسَيِّدِي نَسِيَنِي».
١. تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ… لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ عَزَّى شَعْبَهُ: يُفترض ببساطة أن الذين عزّاهم الرب سيسبحونه. وهنا يدعو الرب الخليقة نفسها إلى إضافة أصواتها في التسبيح والحمد بسبب ما فعله المسيّا.
٢. وَقَالَتْ صِهْيَوْنُ: ’قَدْ تَرَكَنِي ٱلرَّبُّ‘: في وسط هذا المد العظيم للمسيح وعمله الخلاصي، تعترض صهيون – وهذا أعلى جبل ومكان في أورشليم يمكن لشعب الله الارتباط به – وتعتقد صهيون أن الرب هجرها. وَقَالَتْ صِهْيَوْنُ: ’قَدْ تَرَكَنِي ٱلرَّبُّ.‘
• ستجيب بقية إشعياء ٤٩ وإشعياء ٥٠ على هذا السؤال. إذ تتساءل صهيون، بسبب سبيها: هل الله يهتم حقًّا. وسيجيب الله بقوة وببصيرة على هذا السؤال الذي طرحه كثيرون منذ ذلك الوقت.
ب) الآيات (١٥-١٨): الرب مهتم، وهو يعلن محبته وأمانته لصهيون.
١٥«هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ. ١٦هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ. أَسْوَارُكِ أَمَامِي دَائِمًا. ١٧ قَدْ أَسْرَعَ بَنُوكِ. هَادِمُوكِ وَمُخْرِبُوكِ مِنْكِ يَخْرُجُونَ. ١٨اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ حَوَالَيْكِ وَانْظُرِي. كُلُّهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا، أَتَوْا إِلَيْكِ. حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ الرَّبُّ، إِنَّكِ تَلْبَسِينَ كُلَّهُمْ كَحُلِيٍّ، وَتَتَنَطَّقِينَ بِهِمْ كَعَرُوسٍ.
١. هَلْ تَنْسَى ٱلْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا؟: رغم ظهور روايات غريبة عن قسوة لا توصف من وقت إلى آخر، يعلم الجميع أن المرأة لن تنسى رضيعها. غير أن الرب يقول: يمكن أن تنسى المرأة رضيعها، لكني لن أنساك. فمحبة الرب تجاه شعبه أقوى من تكريس المرأة لرضيعها.
٢. هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ: هذا تحقيق واضح وجميل في يدي يسوع اللتين تحملان آثار المسامير. وكما قال يسوع لتوما في أحد ظهوراته بعد القيامة: ’هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ!‘ فعندما نرى يدي يسوع اللتين تحملان آثار المسامير، نرى كيف أنه نقشنا على كفّه. وبمثل هذه المحبة، كيف يمكن لله أن ينسى شعبه؟
٣. أَسْوَارُكِ أَمَامِي دَائِمًا: تشير الأسوار هنا إلى أسوار مدينة أورشليم، والتي تتحدث مجازيًا عن صحة شعب الله، وقوّتهم، وازدهارهم، وأمانهم. والله مهتم دائمًا بحالة شعبه رغم اعتراضات صهيون وشكوكها.
٤. قَدْ أَسْرَعَ بَنُوكِ… إِنَّكِ تَلْبَسِينَ كُلَّهُمْ كَحُلِيٍّ: سيُرجع الله أبناء صهيون المسبيين والمأسورين إلى الأرض الموعودة. وستكون هذه زينة لشعب الله. وتَظهر محبة الله وأمانته أيضًا في وعده لهم بمستقبل مزدهر. فهما لا تظهران من خلال الماضي والحاضر فحسب، بل أيضًا من خلال خططه المستقبلية لهم أيضًا.
• تحقق هذا الوعد جزئيًّا في عودة المسبيين من بابل، لكنه سيتحقق في نهاية الأمر في إعادة لمّ شمل إسرائيل في الأيام الأخيرة.
ج) الآيات (١٩-٢٦): الله مهتم ويَعِد صهيون ببركة مثبّتًا وعده.
١٩إِنَّ خِرَبَكِ وَبَرَارِيَّكِ وَأَرْضَ خَرَابِكِ، إِنَّكِ تَكُونِينَ الآنَ ضَيِّقَةً عَلَى السُّكَّانِ، وَيَتَبَاعَدُ مُبْتَلِعُوكِ. ٢٠يَقُولُ أَيْضًا فِي أُذُنَيْكِ بَنُو ثُكْلِكِ: ضَيِّقٌ عَلَيَّ الْمَكَانُ. وَسِّعِي لِي لأَسْكُنَ. ٢١فَتَقُولِينَ فِي قَلْبِكِ: مَنْ وَلَدَ لِي هؤُلاَءِ وَأَنَا ثَكْلَى، وَعَاقِرٌ مَنْفِيَّةٌ وَمَطْرُودَةٌ؟ وَهؤُلاَءِ مَنْ رَبَّاهُمْ؟ هأَنَذَا كُنْتُ مَتْرُوكَةً وَحْدِي. هؤُلاَءِ أَيْنَ كَانُوا؟». ٢٢هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: «هَا إِنِّي أَرْفَعُ إِلَى الأُمَمِ يَدِي وَإِلَى الشُّعُوبِ أُقِيمُ رَايَتِي، فَيَأْتُونَ بِأَوْلاَدِكِ فِي الأَحْضَانِ، وَبَنَاتُكِ عَلَى الأَكْتَافِ يُحْمَلْنَ. ٢٣وَيَكُونُ الْمُلُوكُ حَاضِنِيكِ وَسَيِّدَاتُهُمْ مُرْضِعَاتِكِ. بِالْوُجُوهِ إِلَى الأَرْضِ يَسْجُدُونَ لَكِ، وَيَلْحَسُونَ غُبَارَ رِجْلَيْكِ، فَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي لاَ يَخْزَى مُنْتَظِرُوهُ». ٢٤هَلْ تُسْلَبُ مِنَ الْجَبَّارِ غَنِيمَةٌ؟ وَهَلْ يُفْلِتُ سَبْيُ الْمَنْصُورِ؟ ٢٥فَإِنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «حَتَّى سَبْيُ الْجَبَّارِ يُسْلَبُ، وَغَنِيمَةُ الْعَاتِي تُفْلِتُ. وَأَنَا أُخَاصِمُ مُخَاصِمَكِ وَأُخَلِّصُ أَوْلاَدَكِ، ٢٦وَأُطْعِمُ ظَالِمِيكِ لَحْمَ أَنْفُسِهِمْ، وَيَسْكَرُونَ بِدَمِهِمْ كَمَا مِنْ سُلاَفٍ، فَيَعْلَمُ كُلُّ بَشَرٍ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُخَلِّصُكِ، وَفَادِيكِ عَزِيزُ يَعْقُوبَ».
١. إِنَّ خِرَبَكِ وَبَرَارِيَّكِ وَأَرْضَ خَرَابِكِ، إِنَّكِ تَكُونِينَ ٱلْآنَ ضَيِّقَةً عَلَى ٱلسُّكَّانِ: عندما يُرجع الرب بني صهيون إلى إسرائيل، سيملأون الأرض بطريقة مجيدة.
٢. هَأَنَذَا كُنْتُ مَتْرُوكَةً وَحْدِي. هَؤُلَاءِ أَيْنَ كَانُوا: ستكون البركة العظيمة المتمثلة في إعادة بني صهيون – في التحقيقين القريب والبعيد معًا – مفاجأة مذهلة. وسيبدو أن بركة الله جاءت فجأة. ورغم أن الوعد يبدو رائعًا جدًّا بحيث يصعب تصديقه، إلا أن الله يثبّته بقسم للشعوب. وسينقذ الله إسرائيل من سبيها الفوري النهائي معًا.
• وَيَكُونُ ٱلْمُلُوكُ حَاضِنِيكِ: “يعتقد كالفن ومعظم المفسرين أن النص يعلّم أنه يومًا ما سيحب العظماء في الشعوب أبناء الكنيسة ويرعونهم. لقد استُخدِم هذا النص كبرهان لشرعية دولة الكنيسة (أو كنيسة الدولة). لكن النبي إشعياء لا يفكر في الكنيسة هنا، بل في مستقبل إسرائيل.” بولتيما (Bultema)
• يعلّق كلارك (Clarke) على عبارة ’بِٱلْوُجُوهِ إِلَى ٱلْأَرْضِ يَسْجُدُونَ لَكِ، وَيَلْحَسُونَ غُبَارَ رِجْلَيْكِ‘: “ليست عبارات النبي هذه سوى صور شعرية مأخوذة من أعراف البلد للدلالة على الاحترام والتقديس العظيمين. لقد هدفت هذه الصور الشعرية الرائعة التي غالبًا ما تظهر في الكتابات النبوية إلى تضخيم عام للموضوع، لا إلى أن تكون نبوة يجب فهمها وتحقيقها بدقة حرفيًّا.”
• “يشير لحْس الغبار إلى الإكرام العظيم الذي سيقدمه عظماء العالم لإسرائيل. وبناء على هذه العبارة بشكل أساسي، نرى ممارسة تقبيل قدمي البابا.” بولتيما (Bultema)
٣. حَتَّى سَبْيُ ٱلْجَبَّارِ يُسْلَبُ: كانت بابل العظيمة قد سبت صهيون، لكنها ستُسبى أيضًا. وسيُري الرب قوته ومحبته لصهيون بإعطاء بابل ما أعطته لصهيون، مع أنها اعتقدت أن هذا غير محتمل، كما يبيّن السؤال في إشعياء ٤٩: ٢٤.
• لقد صحّ هذا بالنسبة لصهيون عندما تحررت من السبي البابلي. وهو يصحّ بشكل أكبر بالنسبة لأولئك الذين تحرروا من أسر إبليس. وتحدث يسوع عن غنْمِ ممتلكات إبليس في لوقا ١١: ٢١-٢٢ “حِينَمَا يَحْفَظُ ٱلْقَوِيُّ دَارَهُ مُتَسَلِّحًا،تَكُونُ أَمْوَالُهُ فِي أَمَانٍ. وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْلِبُهُ، وَيَنْزِعُ سِلَاحَهُ ٱلْكَامِلَ ٱلَّذِي ٱتَّكَلَ عَلَيْهِ، وَيُوَزِّعُ غَنَائِمَهُ.”
• “إن صور أكل اللحم وشرب الدم في ’وَأُطْعِمُ ظَالِمِيكِ لَحْمَ أَنْفُسِهِمْ، وَيَسْكَرُونَ بِدَمِهِمْ‘ مستمدة من أهوال ظروف الحصار. والحقيقة هي أن أولئك الذين يقاومون الرب وشعبه يختبرون الدمار الذاتي للخطية. وهذه سمة متكررة في حروب الرب.” موتير (Motyer)