إشعياء ١٢
كلمات عابد
أولًا. العابد يكلّم الرب
أ ) الآية (١): تسبيح (حمد) للرب بعد أن عبَرَ غضبه
١وَتَقُولُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ، لأَنَّهُ إِذْ غَضِبْتَ عَلَيَّ ارْتَدَّ غَضَبُكَ فَتُعَزِّينِي.
١. وَتَقُولُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ: تحدَّث إشعياء ١١ عن حكم المسيا كملك على الأرض. ويأتي إصحاح الحمد القصير هذا من قلب استسلم للمسيّا كملك وتمتّع بمزايا حُكمه.
٢. أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ، لِأَنَّهُ إِذْ (رغم أنك) غَضِبْتَ عَلَيَّ: يقرر العابد أن يعبد الرب رغم أنه شعر بغضبه عليه.
• هل يغضب الرب علينا بموجب العهد الجديد؟ يوجد معنى بموجبه أن كل غضب الله علينا سُكب على ابنه على الصليب. وبهذا المعنى، لا يوجد مزيد من الغضب من الله علينا، لأن غضبه قد ’استُنفِد.‘ لكن هنالك أيضًا معنى بموجبه نتلقى تأديبًا من الرب، وقد يُشعرنا هذا بأنه غاضب علينا. ويَظهر هذا التأديب مزعجًا (عبرانيين ١٢: ١١)، لكنه يبيّن حقًّا محبة الله الأبوية، لا كراهيته.
٣. ٱرْتَدَّ غَضَبُكَ: ما أروع أن يرتد غضب الله عنا. وبمعنى أوسع، فإن غضبه يرتد بسبب ما فعله يسوع على الصليب. فقد وضع يسوع نفسه بيننا وبين غضب الله، متلقّيًا غضب الله في نفسه، مُبعدًا بهذا غضب الله عنا.
• بالنظر إلى معنى تأديب الرب في حياتنا، كم هو رائع عندما يصرف غضبه عنا وتتوقف ’الصّفعات.‘
٤. فَتُعَزِّينِي: عندما يعزّينا الله، فإنه يفعل هذا كأب رائع، عالمًا كيف يعزينا بعد أن نتلقّى تأديبه. ونحن نرفض أحيانًا، مثل أبناء متمردين، تعزية الله بعد تأديبه. لكن هذا هو خطؤنا نحن، لا خطؤه.
• “يجرّبنا إبليس بكل الوسائل، ويستخدم كل أدواته ليجبرنا على اليأس. ولهذا ينبغي أن نتحصّن ضد هذه العقيدة (الإستراتيجية). فرغم أننا قد نشعر بغضب الرب، إلاّ أننا نعرف أنّ هذا قصير الأمد، وأننا نتعزى حالما نتأدب.” كالفن (Calvin)
ب) الآية (٢): إعلان شكر لله وثقة به
٢هُوَذَا اللهُ خَلاَصِي فَأَطْمَئِنُّ وَلاَ أَرْتَعِبُ، لأَنَّ يَاهَ يَهْوَهَ قُوَّتِي وَتَرْنِيمَتِي وَقَدْ صَارَ لِي خَلاَصًا.
١. هُوَذَا: يريد العابد أن يرى الآخرون أن ما يقوله صحيح. فهو متحمس وسعيد لما فعله الله في حياته. وهو يدعوهم إلى أن يروا عمل الرب.
٢. ٱللهُ خَلَاصِي: هذا خلاص. وعندما أقول، ’ٱللهُ خَلَاصِي‘ فإني أقول: ’أنا لستُ خلاص نفسي. فأعمالي الصالحة، ونيّاتي الصالحة، وأفكاري الصالحة لا تخلّصني. الله هو خلاصي.‘
• لا يشعر كثيرون بأنهم محتاجون إلى الخلاص على الإطلاق. فهم يعتقدون أن حياتهم على مايرام. وهم يأتون إلى الله من أجل عون قليل عندما يشعرون بهذا. لكنهم لا يرون أنفسهم أبدًا على أنهم غرقى محتاجون إلى الإنقاذ، أو أنهم خطاة محكوم عليهم بالجحيم، وبالتالي محتاجون إلى خلاص.
• العابد منغمس في هذه الفكرة حتى أنه يكررها في الآية نفسها: ٱللهُ خَلَاصِي… وَقَدْ صَارَ لِي خَلَاصًا.
٣. فَأَطْمَئِنُّ (فأتكل) وَلَا أَرْتَعِبُ: يأتي هذا السلام والأمان من معرفة أن اللهُ خَلاَصِي. وعندما نكون خلاص أنفسنا، فإنه يصعب علينا أن نثق بأنفسنا، ولهذا نخاف. لكن عندما يكون الله خلاصنا، يمكننا أن نثق ونطمئن ولا نخاف.
• كرر بولس الفكرة نفسها في رومية ٥: ١ “فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِٱلْإِيمَانِ لَنَا سَلَامٌ مَعَ ٱللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.” ولا يأتي مكان السلام، والاطمئنان، وغياب الخوف إلا من خلال رؤية الله، لا في أنفسنا.
٤. فَأَطْمَئِنُّ وَلَا أَرْتَعِبُ: هذه عبارة واثقة تعكس إرادة العابد. فهو يقرر أن يثق من دون أن يرتعب. هنالك مشاعر ثقة، لكنها مشاعر تختلف عن قرار بالثقة. حيث نقول لأنفسنا بإصرار: فَأَطْمَئِنُّ وَلَا أَرْتَعِبُ.
• “اسمع، يا غير المؤمن، يا من قلت، ’لا أستطيع أن أومن،‘ لكنه أكثر صدقًا أن تقول، ’لا أريد أن أومن.‘ ويكمن الأذى هنا في أن عدم إيمانك هو خطؤك، لا سوء حظك. إنه مرض، لكنه جريمة أيضًا. إنه مصدر تعيس لتعاستك. وهو كذلك بعدل، لأنه إهانة فظيعة لإله الحق.” سبيرجن (Spurgeon)
• “الحديث عن محاولة الإيمان مجرد تظاهر. لكن، سواء أكان ذلك تظاهرًا أم لا، دعني أذكّرك بأنه لا يوجد نص في الكتاب المقدس يقول، ’حاول وستؤمن.‘ لكنه يقول، ’آمِن بالرب يسوع،‘ إنه ابن الله. وقد برهن هذا بمعجزاته. ومات ليخلّص الخطاة. ولهذا ثق به. فهو يستحق اتكالًا صريحًا وثقة كثقة الأطفال. هل سترفض أن تعترف بهذه الحقائق؟ فإن فعلت هذا، فإنك تشوه معدنه الأدبي وتصفه بالكذب.” سبيرجن (Spurgeon)
٥. لِأَنَّ يَاهَ يَهْوَهَ قُوَّتِي وَتَرْنِيمَتِي: ليس الرب خلاص العابد فحسب، بل هو أيضًا قوّته وترنيمته. يجد بعضهم أنه أسهل لهم أن يعدّوا الرب خلاصهم بمعنى مستقبلي بعيد من أن يتخذوه قوة وترنيمة لهم اليوم.
• عندما يكون الرب قوتنا، فإن هذا يعني أنه موردنا وملجؤنا. ونحن نتطلع إليه من أجل احتياجاتنا، ولن نخذل أبدًا. “لا يُدعى الرب جزءًا من عوننا أو قوتنا، لكنه كل قوّتنا. فنحن أقوياء بقدر ما يمدنا بالقوة.” كالفن (Calvin)
• عندما يكون الرب ترنيمتنا، فإنه يعني أنه فرحنا وسعادتنا. ونحن نجد قصدنا وحياتنا فيه، وهو لا يخيّب أملنا أبدًا.
• “يرجح أن الكلمة التي نقرؤها ’يَاهَ‘ هنا خطأ. وقد نشأ هذا عن عادة الكتبة اليهود الذين عندما كانوا يجدون سطرًا أقصر، كانوا يكتبون حروف إضافية ليملأوا السطر، وبعد ذلك، كانوا يبدؤون السطر التالي بالكلمة كاملةً.” كلارك (Clarke)
ج) الآية (٣): نتيجة خلاص الرب
٣فَتَسْتَقُونَ مِيَاهًا بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ.
١. فَتَسْتَقُونَ مِيَاهًا… مِنْ يَنَابِيعِ (آبار) ٱلْخَلَاصِ: وعدنا يسوع في يوحنا ٤: ١٤ “وَلَكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، بَلِ ٱلْمَاءُ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ.” ويمكننا أن نأتي إلى يسوع ونستقي من يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ.
• عندما نتذكر مناخ إسرائيل شبه الجاف، نرى صورة جميلة ترسمها آبار الخلاص. فعندما يندر الماء، تمثّل البئر حياة. ويشكل مورد موثوق لشيء ضروري للغاية (مثل الماء) هبة ثمينة. وهبة خلاص الله ثمينة بهذا المقدار.
• موارد الرب غير محدودة. فلا توجد بئر واحدة فقط للخلاص. إذ هنالك آبار كثيرة للخلاص. ولا يعني هذا أن هنالك طرقًا كثيرة أو مختلفة للخلاص. لكن تستمد كل الآبار مياهها من نفس خزّان الخلاص، يسوع المسيح. وهكذا تجلب آبار كثيرة ماء من مصدر مشترك.
٢. فَتَسْتَقُونَ مِيَاهًا: يعني هذا أن هنالك شيئًا ينبغي أن نفعله. فالله لا يلبّي احتياجنا عندما نجلس في خمول سلبي. إذ يتوجب علينا أن نمد أيدينا ونستقي مما وفّره لنا. وفي الوقت نفسه، فإنه هذا ماؤه، وبئره، وحبْله، ودلْوه الذي نستقي به.
٣. بِفَرَحٍ: لأن هذا كله من الرب، فإننا نستقي من آبار الخلاص بفرح. فلا ينبغي أن تكون هنالك وجوه حزينة عند بئر خلاص الرب. فنحن نستقي بِفَرَحٍ.
• “الفرح هو نصيب الرجل العادل (البار)، ويسوع هو النافورة التي لا تفشل أبدًا، والتي منها يستقي الإيمان الحي دائمًا.” تراب (Trapp)
• “تشدّدوا، يا مخلوعي القلوب جدًّا، وغيّروا نبرتكم. ضعوا في حياتكم ’سِلاه‘ كما فعل داود كثيرًا في مزاميره. وكثيرًا ما كان يضع ’سِلاه‘ ثم كان يغيّر المفتاح بشكل مباشر. وبطريقة مماثلة، قم بتغيير مفتاح ترنيمك. فنغمتك منخفضة جدًا. فشُدَّ أوتار العود قليلًا، ودعنا من هذه النغمات المسطحة الحزينة. أعطِنا مفتاحًا آخر من فضلك، وابدأ بالقول مع النبي إشعياء: ’أَحْمَدُكَ يَارَبُّ، لِأَنَّهُ إِذْ غَضِبْتَ عَلَيَّ ٱرْتَدَّ غَضَبُكَ فَتُعَزِّينِي. هُوَذَا ٱللهُ خَلَاصِي فَأَطْمَئِنُّ وَلَا أَرْتَعِبُ.‘ سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. يعلن العابد عظمة الله للجميع
أ ) الآية (٤): تمجيد الرب بين الشعوب
٤وَتَقُولُونَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «احْمَدُوا الرَّبَّ. ادْعُوا بِاسْمِهِ. عَرِّفُوا بَيْنَ الشُّعُوبِ بِأَفْعَالِهِ. ذَكِّرُوا بِأَنَّ اسْمَهُ قَدْ تَعَالَى.
١. ٱحْمَدُوا ٱلرَّبَّ. ٱدْعُوا بِٱسْمِهِ: هذا حثّ على الحمد، وتشجيع على عبادة الرب والثقة به. لقد استقى العابد من آبار الخلاص، وها هو الماء الحي يتدفق منه، مشجّعًا الآخرين على عبادة الرب والثقة به.
• كان الأمر وكأن مهمة العابد في التسبيح والحمد كبيرة جدًّا عليه، ولهذ احتاج إلى دعوة آخرين لمساعدته. “لا يَقْنع القديسون بحمد الله على عمله العظيم في الخلاص، ولهذا يطالبون بالمساعدة، كل المساعدة الممكنة.” تراب (Trapp)
٢. عَرِّفُوا بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ بِأَفْعَالِهِ. ذَكِّرُوا بِأَنَّ ٱسْمَهُ قَدْ تَعَالَى: لا يستطيع العابد أن يتوقف عن الحديث عن عظمة الله والأشياء العظيمة التي قام بها.
ب) الآيات (٥-٦): الترنم بحمد الرب
٥رَنِّمُوا لِلرَّبِّ لأَنَّهُ قَدْ صَنَعَ مُفْتَخَرًا. لِيَكُنْ هذَا مَعْرُوفًا فِي كُلِّ الأَرْضِ. ٦صَوِّتِي وَاهْتِفِي يَا سَاكِنَةَ صِهْيَوْنَ، لأَنَّ قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ عَظِيمٌ فِي وَسَطِكِ.
١. رَنِّمُوا لِلرَّبِّ: كان الرب ترنيمة العابد في بداية الإصحاح (إشعياء ١٢: ٢). وهو الآن يرنم ترنيمة الرب هذه لكل من هو مستعد للاستماع إليها. فإن كان الرب ترنيمتك، فرنِّمْها.
٢. صَوِّتِي وَٱهْتِفِي: هذا مدح حماسي مبتهج. من الخطأ أن نتلاعب بشعب الله أو أن ندفعه إلى إحساس مصطنع من الحماسة في عبادتهم. لكن غالبًا ما يكون هنالك فرح صادق وملائم وطاقة عندما نعبد الرب. فإن لم نكن نصوّت ونهتف أبدًا في عبادتنا، فإن هنالك شيئًا مفقودًا.
• “لا ينبغي أن نعبد الله بطريقة فاترة، كما لو أن من واجبنا أن نبارك الله، غير أننا أحسسنا بأن هذا عمل مرهق وأن علينا أن ننتهي منه بأسرع وقت ممكن لنتفرغ لشيء أفضل بعد ذلك. لا. لا. ’كل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس.‘ تعال، يا قلبي، واستيقظ واستدعِ كل القوى التي تنتظرك! العبادة الآلية سهلة، لكن لا قيمة لها. تعال وأيقِظ نفسك، يا أخي. أيقظي نفسك، يا نفسي!” سبيرجن (Spurgeon)
٣. لِأَنَّ قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ عَظِيمٌ فِي وَسَطِكِ: يقدم هذا سببين للحمد العظيم. أولًا، بسبب هوية الله – فهو قُدُّوسَ إِسْرَائِيل. وثانيًا، بسبب مكان وجوده – فِي وَسَطِكِ. ويعطي كل واحد منهما سببًا لحمد الله.