إشعياء ٤٤
الرب فاديك
أولًا. وعد بسكب الروح القدس
أ ) الآيات (١-٤): لا تخف، عالمًا بوعد سكب الروح
١وَالآنَ اسْمَعْ يَا يَعْقُوبُ عَبْدِي، وَإِسْرَائِيلُ الَّذِي اخْتَرْتُهُ. ٢هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ صَانِعُكَ وَجَابِلُكَ مِنَ الرَّحِمِ، مُعِينُكَ: لاَ تَخَفْ يَا عَبْدِي يَعْقُوبُ، وَيَا يَشُورُونُ الَّذِي اخْتَرْتُهُ. ٣لأَنِّي أَسْكُبُ مَاءً عَلَى الْعَطْشَانِ، وَسُيُولاً عَلَى الْيَابِسَةِ. أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى نَسْلِكَ وَبَرَكَتِي عَلَى ذُرِّيَّتِكَ. ٤فَيَنْبُتُونَ بَيْنَ الْعُشْبِ مِثْلَ الصَّفْصَافِ عَلَى مَجَارِي الْمِيَاهِ.
١. وَٱلْآنَ ٱسْمَعْ: رغم أن إشعياء ٤٣ انتهى بتحذير من دينونة، فإن هذا لم يعنِ أن الله سيتراجع عن وعده بالرجاء والاسترداد. وستعرف إسرائيل صلاح الرب عندما ترجع إليه.
٢. هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ صَانِعُكَ: يذكّرنا هذا بأن الله ما زال نشطًا في خليقته ومسؤول عنها. فلم يخلق الله آدم وحواء وترك الأمور تمضي وحدها بعد ذلك. وهنالك معنى بموجبه خلق الله كل واحد منا، ولهذا فإن لدينا التزامًا نحوه كخالق.
٣. وَيَا يَشُورُونُ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ: يعني اسم يَشُورُون ’المستقيم،‘ وهو يُستخدم كمقابلة لاسم يَعْقُوب رغم أن كلمة إسرائيل تُستخدم أحيانًا للمقابلة مع يَعْقُوب.
• “يَظهر اسم يشورون في ثلاثة مواضع فقط في العهد القديم: تثنية ٣٢: ١٥؛ ٣٣: ٥، ٦. وهو يشير في الحالات كلها إلى إسرائيل… وهو يوحي بعجب النعمة، لأنه يدعو الخاطئين بعمق محبوبين ومستقيمين.” بولتيما (Bultema)
٤. لَا تَخَفْ… لِأَنِّي أَسْكُبُ مَاءً عَلَى ٱلْعَطْشَانِ… أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى نَسْلِكَ: هذا وعد مجيد لإسرائيل العائدة المتواضعة. فلن يمنحهم الروح القدس فحسب، بل سيسكبه عليهم سكبًا، كما يُسكب الماء.
• هذا سخاء في إعطاء الروح، وتدفُّق في إعطاء الحياة. هذه وفرة في إعطاء الروح، وإعطاء واضح للروح القدس. يريد الله أن يسكب روحه على شعبه. فإن كنت تختبر قطرات قليلة، فإنه يريد أن يعطيك سكبًا. وإذا جفّت عظامك، فإنه يريد أن يعطيك سكيبه. وإذا كنت تختبر هذا السكيب، فإن الله يريد لهذا السكيب أن يستمر. ويتوجب علينا أن نتوقف عن القول ’متى‘ عندما يسكب الله روحه.
• “من دون روح الله لا نستطيع أن نفعل شيئًا. إذ عندئذٍ نكون كسفن بلا ريح، أو مركبات بلا خيول، أو كأغصان ذابلة بلا نَسَغ فيها، أو كجمرات عديمة الفائدة بلا نار، أو كذبيحة غير مقبولة من دون شعلة ذبيحية. وأنا أرغب في أن أحس بهذه الحقيقة وأجاهر بها معًا كلما حاولت أن أعظ. ولا أرغب في الابتعاد عنه أو إخفائه. بل لا أستطيع ذلك، لأني غالبًا ما أشعر بأن هذا يجعل روحي متواضعة.” سبيرجن (Spurgeon)
• “أعتقد في هذه اللحظة أن على شعب الله أن يصرخ إلى الله ليل نهار لكي تكون هنالك معمودية جديدة في الروح القدس. هنالك أشياء كثيرة مرغوبة لكنيسة المسيح، لكن هنالك حاجة ماسّة إلى شيء واحد، وهو قوة الروح القدس في شعبه.” سبيرجن (Spurgeon)
• من ينال هذه الهبة؟ لِأَنِّي أَسْكُبُ مَاءً عَلَى ٱلْعَطْشَانِ. فعندما نكون عطشانين لسكب الروح، ونطلبه ونقبله بالإيمان، فإننا نتوقع أن يُسكب علينا. فالله يبحث عن أرض يابسة ليسكب فيضانه عليها.
٥. وَبَرَكَتِي عَلَى ذُرِّيَّتِكَ: لا يريد الله أن يسكب روحه فحسب، بل يريد أن يسكب بركته علينا وعلى ذريتنا أيضًا.
• فكما تقول الترنيمة: “نحتاج إلى زخّات من البركة. تتساقط من حولنا قطرات من الرحمة، لكننا نصرخ من أجل زخّات.”
٦. فَيَنْبُتُونَ بَيْنَ ٱلْعُشْبِ مِثْلَ ٱلصَّفْصَافِ: تأثير روح الله المنسكب هو حياة. فالحياة تنبت وتنمو حيث يُسكب روح الله.
ب) الآية (٥): الوعد بأنهم يخصّون الرب
٥هذَا يَقُولُ: أَنَا لِلرَّبِّ، وَهذَا يُكَنِّي بِاسْمِ يَعْقُوبَ، وَهذَا يَكْتُبُ بِيَدِهِ: لِلرَّبِّ، وَبِاسْمِ إِسْرَائِيلَ يُلَقِّبُ.
١. هَذَا يَقُولُ: أَنَا لِلرَّبِّ: هنالك تأثير أو نتيجة لسكب الروح، حيث يحددنا هذا على أننا نخص الرب. فعندما يُسكب الروح القدس علينا، فإننا نعرف أننا ننتمي إلى الرب، ولا نخشى أن نجاهر بهذا. والروح القدس خِتمٌ مميِّز للمؤمن (أفسس ١: ١٣).
٢. وَهَذَا يَكْتُبُ بِيَدِهِ لِلرَّبِّ (يُوسَم على يده): عندما يُسكب الروح القدس علينا، نريد أن نأخذ اسم الرب، ونريد أن يعرف الجميع أننا نخصه وأنه يخصّنا.
• يعلّق سبيرجن (Spurgeon) على عبارة: وَهَذَا يَكْتُبُ بِيَدِهِ: لِلرَّبِّ: “قد تكون للنص ترجمة أخرى. فحرف الجر ’الباء‘ في ’بيده‘ مطبوع بخط مائل، وهو غير موجود في النص الأصلي. وقد أضافه المترجمون. ويمكن أن تترجم العبارة هكذا: “يُكتب (يوسم) على يده اسم الرب.” ويشير هذا إلى عادة ما زالت قائمة لكنها كانت أكثر شيوعًا في تلك الأيام، حيث كان يوضع وسمٌ باسم السيد على يد عبده كتحديد لمالكه. ويشير بولس إلى هذا الأمر عندما كتب: ’فِي مَا بَعْدُ لَا يَجْلِبُ أَحَدٌ عَلَيَّ أَتْعَابًا، لِأَنِّي حَامِلٌ فِي جَسَدِي سِمَاتِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ‘ (غلاطية ٦: ١٧). فهو يقول هنا: ’أنا للمسيح، ووسْمه ظاهر عليّ.‘”
ثانيًا. الرب وحده هو الله
أ ) الآيات (٦-٨): الرب يعلن للشهود أنه وحده الله.
٦هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ، رَبُّ الْجُنُودِ: «أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ، وَلاَ إِلهَ غَيْرِي. ٧وَمَنْ مِثْلِي؟ يُنَادِي، فَلْيُخْبِرْ بِهِ وَيَعْرِضْهُ لِي مُنْذُ وَضَعْتُ الشَّعْبَ الْقَدِيمَ. وَالْمُسْتَقْبِلاَتُ وَمَا سَيَأْتِي لِيُخْبِرُوهُمْ بِهَا. ٨لاَ تَرْتَعِبُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا. أَمَا أَعْلَمْتُكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ وَأَخْبَرْتُكَ؟ فَأَنْتُمْ شُهُودِي. هَلْ يُوجَدُ إِلهٌ غَيْرِي؟ وَلاَ صَخْرَةَ لاَ أَعْلَمُ بِهَا؟»
١. أَنَا ٱلْأَوَّلُ وَأَنَا ٱلْآخِرُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرِي: اتخذ الرب هذا اللقب الفريد في إشعياء ٤١: ٤ في سياق إعلان مجده على خلفية الآلهة الزائفة الضعيفة. ولا يمكن لوثن أن يكون الأول، لأنه يحتاج إلى من يصنعه. ولا يمكن أن يكون الآخر، لأنه يَبْلى وينكسر. لكن الرب إله إسرائيل هو الأول والآخر، ولا يوجد إله غيره.
• “لأنه (الرب) لا يستمد كينونته من آخر، لكنه ذاتي الوجود. وبصفته الآخر، يبقى هو الأعلى في النهاية.” موتير (Motyer)
• اتخذ يسوع نفس هذا اللقب، ’الأول والآخر‘ في سفر الرؤيا ١: ١٧ و٢٢: ١٣. فإن كان الرب الإله هو الأول والآخر حسب إشعياء ٤١: ٤، وإن كان يسوع الأول والآخر حسب سفر الرؤيا ١: ١٧ و٢٢: ١٣، فلا بد أن يسوع هو الرب الإله، حيث لا يمكن أن يكون هنالك أوّلان أو آخران.
٢. وَمَنْ مِثْلِي يُنَادِي؟: لأن الله هو الأول والآخر، فإنه يحيا خارج نطاقنا الزمني، ويستطيع أن يخبر بأشياء قبل أن تحدث. ويستطيع أن يخبر بأشياء قادمة ستحدث. ويبيّن هذا أن الله هو حقًّا من يقول عن نفسه، وأنه يراقب ويوجه موكب التاريخ البشري والكوني ليتخذ مساره في طريقه المعيّن له.
٣. لَا تَرْتَعِبُوا وَلَا تَرْتَاعُوا: ليست معرفة هذه الحقائق المتعلقة بالله أمرًا جيدًا في الفوز في المسابقات اللاهوتية فحسب. فعندما نعرف هوية الله وطبيعته حقًا، وحكمته العظيمة، وسلطانه على كل شيء، فإن ذلك يمحو كل خوف من حياتنا.
٤. فَأَنْتُمْ شُهُودِي: كما لو أن الله يقول لشعبه هنا: “أنتم شهودي على هذه الحقائق. فأخبروني أنتم: هل يوجد إله غيري؟”
• لأنه لا يوجد أي إله آخر غير الرب، فإن هذا يعني أن الله الآب هو الرب، وأن الله الابن هو الرب، وأن الروح القدس هو الرب. والرب يهوه هو الإله ثالوثي الأقانيم – إله واحد في ثلاثة أقانيم. ولا توجد ’درجات‘ أو ’مرْتَبات‘ في الألوهة الحقيقية. توجد آلهة زائفة، وآلهة رمزية، والإله الحقيقي الوحيد هو الرب يهوه.
٥. هَلْ يُوجَدُ إِلَهٌ غَيْرِي؟ وَلَا صَخْرَةَ لَا أَعْلَمُ بِهَا؟: بما أن الله هو الإله الحقيقي، فإنه الأرض الصلبة الوحيدة التي ينبغي أن نبني عليها حياتنا.
ب) الآيات (٩-٢٠): حماقة صنع الأوثان
كتب آدم كلارك عن هذا النص: “كاتبو الوحي بشكل عام بليغون في موضوع عبادة الأوثان. وهم يتعاملون معه بصرامة شديدة، ويوضحون عبثيّته بأقوى صورة. لكن هذا النص الذي كتبه إشعياء يتجاوز بكثير أي نص كُتب عن هذا الموضوع، من حيث قوة الحجة، وطاقة التعبير، وأناقة الصياغة.”
٩الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ صَنَمًا كُلُّهُمْ بَاطِلٌ، وَمُشْتَهَيَاتُهُمْ لاَ تَنْفَعُ، وَشُهُودُهُمْ هِيَ. لاَ تُبْصِرُ وَلاَ تَعْرِفُ حَتَّى تَخْزَى. ١٠مَنْ صَوَّرَ إِلهًا وَسَبَكَ صَنَمًا لِغَيْرِ نَفْعٍ؟ ١١هَا كُلُّ أَصْحَابِهِ يَخْزَوْنَ وَالصُّنَّاعُ هُمْ مِنَ النَّاسِ. يَجْتَمِعُونَ كُلُّهُمْ، يَقِفُونَ يَرْتَعِبُونَ وَيَخْزَوْنَ مَعًا. ١٢طَبَعَ الْحَدِيدَ قَدُومًا، وَعَمِلَ فِي الْفَحْمِ، وَبِالْمَطَارِقِ يُصَوِّرُهُ فَيَصْنَعُهُ بِذِرَاعِ قُوَّتِهِ. يَجُوعُ أَيْضًا فَلَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ. لَمْ يَشْرَبْ مَاءً وَقَدْ تَعِبَ. ١٣نَجَّرَ خَشَبًا. مَدَّ الْخَيْطَ. بِالْمِخْرَزِ يُعَلِّمُهُ، يَصْنَعُهُ بِالأَزَامِيلِ، وَبِالدَّوَّارَةِ يَرْسُمُهُ. فَيَصْنَعُهُ كَشَبَهِ رَجُل، كَجَمَالِ إِنْسَانٍ، لِيَسْكُنَ فِي الْبَيْتِ! ١٤قَطَعَ لِنَفْسِهِ أَرْزًا وَأَخَذَ سِنْدِيَانًا وَبَلُّوطًا، وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ مِنْ أَشْجَارِ الْوَعْرِ. غَرَسَ سَنُوبَرًا وَالْمَطَرُ يُنْمِيهِ. ١٥فَيَصِيرُ لِلنَّاسِ لِلإِيقَادِ. وَيَأْخُذُ مِنْهُ وَيَتَدَفَّأُ. يُشْعِلُ أَيْضًا وَيَخْبِزُ خُبْزًا، ثُمَّ يَصْنَعُ إِلهًا فَيَسْجُدُ! قَدْ صَنَعَهُ صَنَمًا وَخَرَّ لَهُ. ١٦نِصْفُهُ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ. عَلَى نِصْفِهِ يَأْكُلُ لَحْمًا. يَشْوِي مَشْوِيًّا وَيَشْبَعُ! يَتَدَفَّأُ أَيْضًا وَيَقُولُ: «بَخْ! قَدْ تَدَفَّأْتُ. رَأَيْتُ نَارًا». ١٧وَبَقِيَّتُهُ قَدْ صَنَعَهَا إِلهًا، صَنَمًا لِنَفْسِهِ! يَخُرُّ لَهُ وَيَسْجُدُ، وَيُصَلِّي إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «نَجِّنِي لأَنَّكَ أَنْتَ إِلهِي». ١٨لاَ يَعْرِفُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ لأَنَّهُ قَدْ طُمِسَتْ عُيُونُهُمْ عَنِ الإِبْصَارِ، وَقُلُوبُهُمْ عَنِ التَّعَقُّلِ. ١٩وَلاَ يُرَدِّدُ فِي قَلْبِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَلاَ فَهْمٌ حَتَّى يَقُولَ: «نِصْفَهُ قَدْ أَحْرَقْتُ بِالنَّارِ، وَخَبَزْتُ أَيْضًا عَلَى جَمْرِهِ خُبْزًا، شَوَيْتُ لَحْمًا وَأَكَلْتُ. أَفَأَصْنَعُ بَقِيَّتَهُ رِجْسًا، وَلِسَاقِ شَجَرَةٍ أَخُرُّ؟» ٢٠يَرْعَى رَمَادًا. قَلْبٌ مَخْدُوعٌ قَدْ أَضَلَّهُ فَلاَ يُنَجِّي نَفْسَهُ وَلاَ يَقُولُ: «أَلَيْسَ كَذِبٌ فِي يَمِينِي؟».
١. ٱلَّذِينَ يُصَوِّرُونَ صَنَمًا كُلُّهُمْ بَاطِلٌ: يبيّن إشعياء ببراعة حماقة صانعي الأوثان. فمن شأن إلقاء نظرة سريعة على كيفية صنع هذه الأوثان أن يبيّن مدى سخافة اعتبارها آلهة. ولهذا، فإن صانعي الأوثان أنفسهم شهود ضد أنفسهم.
٢. وَٱلصُّنَّاعُ هُمْ مِنَ ٱلنَّاسِ: نظر إشعياء إلى صانعي الأوثان، فلاحظ أنهم مجرد أناس ضعفاء. فالحداد يجوع وتخور قّوته. ويعمل الصنّاع بِجِد على الخشب، لكنه مجرد خشب. ويحوّل نصف الشجرة إلى موضوع للعبادة والاتكال، بينما يُحرق النصف الثاني للدفء وطهو الطعام.
٣. لَا يَعْرِفُونَ وَلَا يَفْهَمُونَ لِأَنَّهُ قَدْ طَمَسَتْ عُيُونُهُمْ عَنِ ٱلْإِبْصَارِ: كيف لا يدرك صانعو الأوثان ما هو واضح حول غباوة عبادة الأوثان؟ لقد أغمضوا عيونهم وأغلقوا قلوبهم.
• هل هذا ظُلم من الله؟ هل يدين الله شخصًا على شيء هو مسؤول عنه؟ لا، على الإطلاق. فقد أحبوا الظلمة أولًا، واختاروا العمى، ثم أعطاهم الرب ما أرادوا. ويشير إشعياء إلى هذا عندما يكتب: وَلَا يُرَدِّدُ فِي قَلْبِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَلَا فَهْمٌ حَتَّى يَقُولَ… قَلْبٌ مَخْدُوعٌ قَدْ أَضَلَّهُ.
• إنها نفس الطريقة التي قسّى بها فرعون قلبه (خروج ٤: ٢١). يقول الكتاب أحيانًا إن فرعون قسّى قلبه (خروج ٨: ١٥)، ويقول أحيانًا إن قلب فرعون تقسّى من دون أن يصرح عمّن فعل هذا (خروج ٧: ١٣). فمن الذي فعل هذا حقًّا؟ عندما نتأمل المرات التي قسّى فيها الله قلب فرعون، لا ينبغي أن نعتقد أن الله فعل ذلك رغم إرادة فرعون. لم تكن قضية فرعون هكذا: “أريد أن أفعل ما هو حسن وصالح. أريد أن أبارك شعب إسرائيل هؤلاء،” غير أن الله يعترض عليه قائلًا: “لا. سأقسّي قلبك عليهم!” فعندما قسّى الله قلب فرعون، فإنه كان يسمح له بأن يفعل ما أراد أن يفعله، أي أن الله أسلم فرعون إلى خطيته (رومية ١: ١٨-٣٢).
• “اختار عابد الوثن الخداع، فصار مخدوعًا.” موتير (Motyer)
٤. يَرْعَى رَمَادًا (يقتات على الرماد): الأوثان الخشبية من متجر الحرفيين مفيدة لصنع نار للدفء، إلى أن تصبح رمادًا. وتحمل عبادة وثن (أو أي إله زائف) أو خدمته نفس حكمة التغذّي على الرماد. فلا يمكن أن نشبع أنفسنا إلا في الله.
٥. فَلاَ يُنَجِّي نَفْسَهُ وَلاَ يَقُولُ: «أَلَيْسَ كَذِبٌ فِي يَمِينِي؟»: الشخص المولع بإله زائف مفتون جدًّا بهذه الكذبة إلى درجة العبودية. فهو يحمل الوثن بيمينه، يمين القوة والسلطة، غير أنه لا يرى أن هذه كذبة.
• “يمسك عابد الوثن بالتمثال بيده رافعًا إياه. لكن الواقع هو أن التمثال هو الذي يمسك به. فهو مقيَّد بكذبة.” موتير (Motyer)
• “تضاف نصوص كهذه لتقدم وصفًا لجنون الخطاة المذهل هنا. وكما يغمضون عيونهم بإرادتهم ويقسّون قلوبهم، كذلك يعميهم ويقسّيهم الله قضائيًّا، ويُسلمهم ليصدّقوا الأكاذيب. وبعد ذلك، لا عجب أنهم يسقطون في مثل هذه التخاريف.” بوله (Poole)
ج) الآيات (٢١-٢٣): تذكُّر عظمة الإله الحقيقي ومجده وتسبيحه
٢١اُذْكُرْ هذِهِ يَا يَعْقُوبُ، يَا إِسْرَائِيلُ، فَإِنَّكَ أَنْتَ عَبْدِي. قَدْ جَبَلْتُكَ. عَبْدٌ لِي أَنْتَ. يَا إِسْرَائِيلُ لاَ تُنْسَيِ مِنِّي. ٢٢قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ. اِرْجِعْ إِلَيَّ لأَنِّي فَدَيْتُكَ». ٢٣تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَعَلَ. اِهْتِفِي يَا أَسَافِلَ الأَرْضِ. أَشِيدِي أَيَّتُهَا الْجِبَالُ تَرَنُّمًا، الْوَعْرُ وَكُلُّ شَجَرَةٍ فِيهِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَدَى يَعْقُوبَ، وَفِي إِسْرَائِيلَ تَمَجَّدَ.
١. اُذْكُرْ هَذِهِ يَا يَعْقُوبُ: عندما تتذكر إسرائيل حماقة صنع الأوثان وعبادتها، يفترض أن يوحي ذلك بثقة أكبر بالرب واتكال أعظم عليه. وعندما تفكر في بدائل اتِّباع الرب، يفترض أن يدفعها هذا إلى اتِّباعه عن قرب.
• كما قال بطرس ليسوع: “يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلَامُ ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ” (يوحنا ٦: ٦٨).
٢. اُذْكُرْ هَذِهِ يَا يَعْقُوبُ: إن لم تكن حماقة البديل كافية، فالله يعطي شعبه أسبابًا أكثر للثقة به ولمحبته… قَدْ جَبَلْتُكَ. عَبْدٌ لِي أَنْتَ. يَا إِسْرَائِيلُ لَا تُنْسَيِ مِنِّي. قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ. اِرْجِعْ إِلَيَّ لِأَنِّي فَدَيْتُكَ. سيكون أيٌّ من هذه الأسباب كافية، لكنها، مجتمعةً، هائلة.
٣. تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ فَعَلَ: هذا هو رد الفعل المنطقي الوحيد لمعرفة هوية الله وطبيعته وأعماله. وإذا لم يفعل شعب الله هذا، عندئذٍ، ستفعل الخليقة نفسها هذا… اِهْتِفِي يَا أَسَافِلَ ٱلْأَرْضِ. أَشِيدِي أَيَّتُهَا ٱلْجِبَالُ تَرَنُّمًا، ٱلْوَعْرُ وَكُلُّ شَجَرَةٍ فِيهِ.
٤. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ فَدَى يَعْقُوبَ، وَفِي إِسْرَائِيلَ تَمَجَّدَ: تبتهج الخليقة عندما يخلّص الله شعبه ويمجّد نفسه فيه. وقد طوّر بولس هذه الفكرة في رومية ٨: ١٩-٢٢.
د ) الآيات (٢٤-٢٨): يبرهن الرب أنه الإله الحقيقي بالتنبؤ بمخلّص مستقبلي لإسرائيل.
٢٤هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ فَادِيكَ وَجَابِلُكَ مِنَ الْبَطْنِ: «أَنَا الرَّبُّ صَانِعٌ كُلَّ شَيْءٍ، نَاشِرٌ السَّمَاوَاتِ وَحْدِي، بَاسِطٌ الأَرْضَ. مَنْ مَعِي؟ ٢٥مُبَطِّلٌ آيَاتِ الْمُخَادِعِينَ وَمُحَمِّقٌ الْعَرَّافِينَ. مُرَجِّعٌ الْحُكَمَاءَ إِلَى الْوَرَاءِ، وَمُجَهِّلٌ مَعْرِفَتَهُمْ. ٢٦مُقِيمٌ كَلِمَةَ عَبْدِهِ، وَمُتَمِّمٌ رَأْيَ رُسُلِهِ. الْقَائِلُ عَنْ أُورُشَلِيمَ: سَتُعْمَرُ، وَلِمُدُنِ يَهُوذَا: سَتُبْنَيْنَ، وَخِرَبَهَا أُقِيمُ. ٢٧الْقَائِلُ لِلُّجَّةِ: انْشَفِي، وَأَنْهَارَكِ أُجَفِّفُ. ٢٨الْقَائِلُ عَنْ كُورَشَ: رَاعِيَّ، فَكُلَّ مَسَرَّتِي يُتَمِّمُ. وَيَقُولُ عَنْ أُورُشَلِيمَ: سَتُبْنَى، وَلِلْهَيْكَلِ: سَتُؤَسَّسُ».
١. هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: يقدم الرب تصريحات مذهلة عبر هذا النص كله وفي هذه الآيات. فهو يصرح أنه فاديهم وخالق كل إنسان (فَادِيكَ وَجَابِلُكَ مِنَ ٱلْبَطْنِ)، وخالق كل الأشياء (صَانِعٌ كُلَّ شَيْءٍ)، وأحكم من الجميع (مُبَطِّلٌ آيَاتِ ٱلْمُخَادِعِينَ)، وداعم خاصّته (مُقِيمٌ كَلِمَةَ عَبْدِهِ)، ومقيم المدن الميّتة (ٱلْقَائِلُ عَنْ أُورُشَلِيمَ: سَتُعْمَرُ)، وصاحب السلطان على كل الخليقة (ٱلْقَائِلُ لِلُّجَّةِ: ٱنْشَفِي). فكيف يمكن للرب أن يدعم هذه التصريحات؟
٢. ٱلْقَائِلُ عَنْ كُورَشَ: يبرهن الله أنه هو الذي يصرح بهذه التصريحات بإعلان عن اسم المحرر الذي سيحرر مسبيي إسرائيل لدى بابل. وقد كتب هذا قبل ما يزيد عن ٢٠٠ عام من تحقيق كورش لهذه النبوة.
• ألمح النبي إلى الملك الذي سيخرج إسرائيل من السبي في إشعياء ٤١: ٢. لكنه في النص يذكره بشكل مذهل بالاسم. “قد يكون ذِكر اسم كورش الذي يعيّنه باسمه الصحيح قبل ٢٠٠ عام من ولادته دليلًا لا يُدحض على يقين علم الله المسبق ودقّته، وحجة مقنعة، ولهذا فإنه ملائم لإنهاء الخلاف بين الله والأوثان.” بوله (Poole)
• “اجتذب هذا النص العظيم الذي يتضمن إشارتين صريحتين إلى كورش نقاشًا أكاديميًّا كثيرًا. وهو يمثّل لباحثين حديثين كثيرين حجة قوية على وجود كاتب آخر (إشعياء آخر كتب هذا النص بعد تحقيق النبوة)، لأنهم لا يتصورون تحقيق نبوة خارقة مفصّلة بهذه الطريقة.” جروجان (Grogan)
• يعتقد بعضهم أن إشعياء كتب قدرًا كبيرًا من هذا، لكن شخصًا ما قام، بعد تحقُّق الأحداث، بإضافة اسم كورش. لكن هذه الحجة لا تصمد، لأن القسم كله كُتب بعناية لكشف اسم كورش بشكل درامي. فلا يمكن كتابة اسم فقط لاحقًا.
• “بطبيعة الحال، يمكننا أن نختار ألاّ نصدق ما يقوله النص، لكن لا يجب أن نعدّل شهادته لتناسب الأعراف، أو الأذواق، أو الأحكام المسبقة الحديثة. ودليل العهد القديم، كما هو في العهد الجديد، هو أن معرفة الأسماء الشخصية تعطى عندما يستدعي الموقف ذلك، بغض النظر عن السبب (قارن ١ ملوك ١٣: ٢ مع ٢ ملوك ٢٣: ١٥-١٧؛ أعمال الرسل ٩: ١٢). وهذا البعد الخاص للتنبؤ متوافق تمامًا مع إشعياء الذي يجعل – أكثر من أي نبي آخر – النبوة وتحقيقها حجر الأساس في برهان أن الرب هو الإله الوحيد.” موتير (Motyer)
• “إذا قُبلت حقيقة النبوة التوقعية، فإننا لسنا في وضع يسمح لنا بوضع حدود لممارستها. فبما أن العهد القديم لا يسمح لنا بمعرفة أسرار آليّات الوحي أو ’سيكولوجيته،‘ فإننا لا نملك القرائن اللازمة لتقرير ما هو ممكن أو ما هو مستحيل. وضمن السياق الكتابي الكلي، فإن كشف الأسماء أمر متوافق تمامًا (انظر مثلًا تكوين ١٦: ١١؛ متى ١: ٢١؛ لوقا ١: ١٣.)” موتير (Motyer)
• “يروي يوسيفوس في كتابه ’الآثار‘ أنه عندما وجد كورش اسمه مذكورًا في هذا الموضع في إشعياء قبل ٢٢٠ سنة من ولادته، تملّكته رغبة مقدسة في تحقيق ما هو مكتوب عنه.” بولتيما (Bultema)
٣. رَاعِيَّ: كان كورش راعيًا بمعنى أن الرب استخدمه ليفعل شيئًا صالحًا ومفيدًا لإسرائيل.
• “كان على هذه الخراف الضائعة أن تُجمع وتعاد إلى حظيرتها الحقيقية في يهوذا على يد هذا الغريب… ويعطي هذا الإعلان الإلهي أول إشارة صريحة في سفر إشعياء إلى خطة الله في إعادة بناء المدينة.” جروجان (Grogan)
• “كان الملوك يُدعون ’رعاة‘ باعتبارهم أوصياء على شعبهم وقائمين على رعاية مصالحهم (٥٦: ١١؛ ٢ صموئيل ٢٤: ١٧؛ ١ ملوك ٢٢: ١٧؛ إرميا ٢: ٨). ويدل هذا اللقب هنا على أن الغازي القادم هو الراعي المعيّن من الرب – تمامًا كما يمكن أن يقود راعٍ خرافه إلى مراعٍ ملائمة.” موتير (Motyer)
٤. فَكُلَّ مَسَرَّتِي يُتَمِّمُ: كان كورش أداة خاصة في يد الله من أجل عمله. إذ سيعمل عمل الرب ويفتح الباب أمام إعادة بناء أورشليم والهيكل بعد أن دمرهما البابليون.
• نجد إعلانات كورش الملكية التي تحقق هذه النبوّة في عزرا ١: ٢ و٢ أخبار ٣٦: ٢٣.
٥. ٱلْقَائِلُ لِلُّجَّةِ: ٱنْشَفِي: يوصف العمل المحدد المكلّف من كورش بالتفصيل، بما في ذلك تجفيف المياه، ووضع أساسات للهيكل (سَتُؤَسَّسُ).
• يعلّق تراب (Trapp) على عبارة ’ٱلْقَائِلُ لِلُّجَّةِ: ٱنْشَفِي‘: “سيوضع في قلب كورش أن يجفف مياه الفرات، وبهذا سيحتل بابل.”
• سَتُؤَسَّسُ: “من المثير للاهتمام، كما يكتب عزرا (٣: ١٠-١٣؛ ٥: ١٦) في أيام كورش أن العمل على إعادة بناء الهيكل لم يتعدَّ وضع الأساسات.” موتير (Motyer)
• مع هذه التصريحات المحددة بشكل مذهل، لا عجب أن يثبت الله هويته من خلال إطلاق النبوة وتحقيقها. وكما قال بطرس: “وَعِنْدَنَا ٱلْكَلِمَةُ ٱلنَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، ٱلَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ ٱنْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ ٱلنَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ ٱلصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ، عَالِمِينَ هَذَا أَوَّلًا: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ ٱلْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لِأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ ٱللهِ ٱلْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ” (٢ بطرس ١: ١٩-٢١).