إشعياء ٣٤
سخط الله على كل الشعوب
أولًا. سخط الله على الأمم والشعوب
أ ) الآيات (١-٤): غضب الرب واكتمال الدينونة
١اِقْتَرِبُوا أَيُّهَا الأُمَمُ لِتَسْمَعُوا، وَأَيُّهَا الشُّعُوبُ اصْغَوْا. لِتَسْمَعِ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ وَكُلُّ نَتَائِجِهَا. ٢لأَنَّ لِلرَّبِّ سَخَطًا عَلَى كُلِّ الأُمَمِ، وَحُمُوًّا عَلَى كُلِّ جَيْشِهِمْ. قَدْ حَرَّمَهُمْ، دَفَعَهُمْ إِلَى الذَّبْحِ. ٣فَقَتْلاَهُمْ تُطْرَحُ، وَجِيَفُهُمْ تَصْعَدُ نَتَانَتُهَا، وَتَسِيلُ الْجِبَالُ بِدِمَائِهِمْ. ٤وَيَفْنَى كُلُّ جُنْدِ السَّمَاوَاتِ، وَتَلْتَفُّ السَّمَاوَاتُ كَدَرْجٍ، وَكُلُّ جُنْدِهَا يَنْتَثِرُ كَانْتِثَارِ الْوَرَقِ مِنَ الْكَرْمَةِ وَالسُّقَاطِ مِنَ التِّينَةِ.
١. لِأَنَّ لِلرَّبِّ سَخَطًا: يواصل إشعياء في السياق الفوري فكرة الدينونة القادمة على الأشوريين. لكن في السياق الأوسع، يمكننا أن نرى هذا الإصحاح كإعلان للدينونة القادمة على الشعوب أثناء الضيقة العظيمة.
• لقد أخبرنا يسوع وأنبياء كثيرون من العهد القديم عن وقت قادم يدعى الضيقة العظيمة (متى ٢٤: ٢١)، حيث تتدهور الأحوال على الأرض لتكون أسوأ ما شهدته البشرية في التاريخ على الإطلاق. وتصف الإصحاحات ٦، ٨-٩، ١٦-١٨ من سفر الرؤيا هذا الوقت الرهيب عندما تنتشر كوارث بيئية واقتصادية وكونية وإنسانية على مستوى لم تعرفه البشرية في التاريخ.
• تعود فكرة ارتباط هذا الإصحاح بالأزمنة الأخيرة إلى وقت بعيد بين المعلمين المسيحيين. “يريدنا يوسيبيوس، إضافة إلى قدماء كثيرين، أن نفهم أن هذا الإصحاح يتعلق بنهاية العالم والدينونة الأخيرة.” تراب (Trapp)
٢. اِقْتَرِبُوا أَيُّهَا ٱلْأُمَمُ لِتَسْمَعُوا: كان أمرًا منطقيًّا بالنسبة لإشعياء أن يخاطب الأمم. ففي ضوء الضيقة العظيمة القادمة، عندما نضع في اعتبارنا أن النبوة قد تحققت، وكيف أن المسرح مهيّأ الآن لمزيد من تحقيق النبوة، ينبغي أن نسمع ونعي.
• المسرح مهيّأ لإعادة هيكل سليمان ليلعب دورًا في الأيام الأخيرة. وهو ضروري لتحقيق النبوات حول رجسة الخراب (متى ٢٤: ١٥؛ مرقس ١٣: ١٤؛ ٢ تسالونيكي ٢: ٣-٤).
• المسرح مهيّأ لظهور نوع من اتحاد كونفدرالي مهيمن على العالم، كوريث للإمبراطورية الرومانية (دانيال ٢: ٣٦-٤٥؛ رؤيا ١٣: ١-٨؛ ١٧: ١٠-١٤).
• المسرح مهيّأ لظهور ’رجل خارق‘ سياسي واقتصادي كزعيم سياسي فردي يقود هذه الكونفدرالية المهيمنة على العالم (٢ تسالونيكي ٢: ٣-١٢؛ رؤيا ١٣: ٤-٧).
• المسرح مهيّأ لظهور نوع من الدين المزيف الذي يقول الكتاب المقدس إنه سيميّز الأيام الأخيرة (٢ تسالونيكي ٢: ٤، ٩-١٢؛ رؤيا ١٣: ١١-١٥؛ ١٧: ١-٦).
• المسرح مهيّأ لظهور النظام الاقتصادي المتوقع في الأيام الأخيرة (رؤيا ١٣: ١٥-١٧).
• المسرح مهيّأ لظهور سيناريو نهاية الزمان الذي يقول الكتاب المقدس إنه سيحدث بين روسيا وإسرائيل في حزقيال ٣٨-٣٩.
٣. لِأَنَّ لِلرَّبِّ سَخَطًا عَلَى كُلِّ ٱلْأُمَمِ: ليس التحذير بشأن سخط الله موجهًا نحو شعب الله، بل إلى الأمم. ولهذا فإن شعب الله سينجو من أهوال الضيقة العظيمة، رغم أنهم قد يختبرون مشقات عظيمة في الزمن الذي يسبق ذلك. وقد قال يسوع إنه ينبغي أن نصلي أن نُحسَب مستحقين للنجاة من زمن الأهوال هذا (لوقا ٢١: ٣٦) وأن نؤخذ إلى السماء في اختطاف الكنيسة (١ تسالونيكي ٤: ١٦-١٨).
ب) الآيات (٥-٧): سفك دم عظيم عند دينونة الرب.
٥لأَنَّهُ قَدْ رَوِيَ فِي السَّمَاوَاتِ سَيْفِي. هُوَذَا عَلَى أَدُومَ يَنْزِلُ، وَعَلَى شَعْبٍ حَرَّمْتُهُ لِلدَّيْنُونَةِ. ٦لِلرَّبِّ سَيْفٌ قَدِ امْتَلأَ دَمًا، اطَّلَى بِشَحْمٍ، بِدَمِ خِرَافٍ وَتُيُوسٍ، بِشَحْمِ كُلَى كِبَاشٍ. لأَنَّ لِلرَّبِّ ذَبِيحَةً فِي بُصْرَةَ وَذَبْحًا عَظِيمًا فِي أَرْضِ أَدُومَ. ٧وَيَسْقُطُ الْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ مَعَهَا وَالْعُجُولُ مَعَ الثِّيرَانِ، وَتَرْوَى أَرْضُهُمْ مِنَ الدَّمِ، وَتُرَابُهُمْ مِنَ الشَّحْمِ يُسَمَّنُ.
١. هُوَذَا عَلَى أَدُومَ يَنْزِلُ: كان الأدوميون جيرانًا قريبين لإسرائيل. وكانوا في الغالب أعداء ألدّاء. وكانوا يبتهجون كلما أصابت إسرائيل أو يهوذا محنة. ولهذا ركز إشعياء على الدينونة التي ستنزل على أدوم، مستخدمًا إياهم كمثل وحيد كموضوع لدينونة الله التي ستنزل على جميع الأمم (كما في إشعياء ٣٤: ١-٢).
• “كانت أدوم أُمّة شقيقة لإسرائيل، لكنها أبغضتها أكثر من أية أُمّة أخرى. وعلى مدى كل التاريخ، نرى كراهية شديدة من أدوم لإسرائيل. ولهذا تقدَّم أدوم في الغالب كممثلة للشعوب التي تبغض اليهود.” بولتيما (Bultema)
• “سخرت أدوم من إسرائيل وهاجمتها لقرون. لكن الله سينتقم الآن من هذه النظرة البغيضة التي تميز طرق العالم.” وولف (Wolf)
٢. لِلرَّبِّ سَيْفٌ قَدِ ٱمْتَلَأَ… وَتَرْوَى أَرْضُهُمْ مِنَ ٱلدَّمِ: يجد سخط الرب تحقيقه النهائي في معركة أرمجدون التي ستكون شأنًا دمويًّا رهيبًا (رؤيا ١٤: ٢٠).
٣. ٱطَّلَى بِشَحْمٍ، بِدَمِ خِرَافٍ وَتُيُوسٍ، بِشَحْمِ كُلَى كِبَاشٍ. لِأَنَّ لِلرَّبِّ ذَبِيحَةً فِي بُصْرَةَ وَذَبْحًا عَظِيمًا: يربط إشعياء زمن الدينونة هذا بصورة الذبيحة، ويخبرنا أن هذا هو ثمن جزاء الخطية. فكما كانت تدفع ذبيحة حيوانية ثمن خطية من يقرّبها كذبيحة، كذلك ستكون الدينونة الدموية في أرمجدون ثمنًا لعقوبة الخطية. وسيكون الثمن ناقصًا بطبيعة الحال، لكنه سيكون نوعًا من الثمن.
• “يُقصد بذكر الحيوانات الذبيحة بشكل رئيسي إلى الإشارة إلى ذبح الناس.” وولف (Wolf)
٤. وَيَسْقُطُ ٱلْبَقَرُ ٱلْوَحْشِيُّ مَعَهَا وَٱلْعُجُولُ مَعَ ٱلثِّيرَانِ: تشير بعض الترجمات هنا إلى ’وحيد القرن،‘ لكن ’البقر الوحشي‘ (كا هو في الترجمة العربية) أفضل ترجمة.
• “كان هنالك اختلاف كبير في الرأي في ما يتعلق بوحيد القرن. لكن الرأي السائد الآن هو أنه ليس الكركدن، بل الثور البري أو البقر الوحشي. وحسب سفر التثنية ٣٣: ١٧، لم يكن لهذا الحيوان قرن واحد، بل اثنان.” بولتيما (Bultema)
• “لم يكن يُستخدم البقر الوحشي في الذبائح، ولهذا فإن من المحتمل أن إشعياء يستخدم استعارات حيوانية للإشارة إلى أشخاص وقادة مهمّين في أدوم.” موتير (Motyer)
ثانيًا. سخط الرب على أرض الشعوب
أ ) الآيات (٨-١٠): الأرض تُخرَب.
٨لأَنَّ لِلرَّبِّ يَوْمَ انْتِقَامٍ، سَنَةَ جَزَاءٍ مِنْ أَجْلِ دَعْوَى صِهْيَوْنَ. ٩وَتَتَحَوَّلُ أَنْهَارُهَا زِفْتًا، وَتُرَابُهَا كِبْرِيتًا، وَتَصِيرُ أَرْضُهَا زِفْتًا مُشْتَعِلاً. ١٠لَيْلاً وَنَهَارًا لاَ تَنْطَفِئُ. إِلَى الأَبَدِ يَصْعَدُ دُخَانُهَا. مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ تُخْرَبُ. إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ لاَ يَكُونُ مَنْ يَجْتَازُ فِيهَا.
١. وَتَتَحَوَّلُ أَنْهَارُهَا زِفْتًا، وَتُرَابُهَا كِبْرِيتًا، وَتَصِيرُ أَرْضُهَا زِفْتًا مُشْتَعِلًا: في يوم انتقام الرب المعروف باسم الضيقة العظيمة، ستكون هنالك كارثة بيئية لا مثيل لها. إذ سيُقضى على ثلث نباتات الأرض، وثلث الحيوانات البحرية في المحيطات، وثلث المياه العذبة، وتصبح غير قابلة للاستخدام (رؤيا ٨ و ١٦).
ب) الآيات (١١-١٥): الأرض لا يسكنها غير الحيوانات البرية.
١١وَيَرِثُهَا الْقُوقُ وَالْقُنْفُذُ، وَالْكَرْكِيُّ وَالْغُرَابُ يَسْكُنَانِ فِيهَا، وَيُمَدُّ عَلَيْهَا خَيْطُ الْخَرَابِ وَمِطْمَارُ الْخَلاَءِ. ١٢أَشْرَافُهَا لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَدْعُونَهُ لِلْمُلْكِ، وَكُلُّ رُؤَسَائِهَا يَكُونُونَ عَدَمًا. ١٣وَيَطْلَعُ فِي قُصُورِهَا الشَّوْكُ. الْقَرِيصُ وَالْعَوْسَجُ فِي حُصُونِهَا. فَتَكُونُ مَسْكِنًا لِلذِّئَابِ وَدَارًا لِبَنَاتِ النَّعَامِ. ١٤وَتُلاَقِي وُحُوشُ الْقَفْرِ بَنَاتِ آوَى، وَمَعْزُ الْوَحْشِ يَدْعُو صَاحِبَهُ. هُنَاكَ يَسْتَقِرُّ اللَّيْلُ وَيَجِدُ لِنَفْسِهِ مَحَّلاً. ١٥هُنَاكَ تُحْجِرُ النَّكَّازَةُ وَتَبِيضُ وَتُفْرِخُ وَتُرَبِّي تَحْتَ ظِلِّهَا. وَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ الشَّوَاهِينُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ.
١. وَيَرِثُهَا ٱلْقُوقُ وَٱلْقُنْفُذُ: سيُقضى على قدر كبير من الأرض حتى أنه ستكون أماكن كثيرة لا يسكنها إلا حيوانات برية.
٢. وَمَعْزُ ٱلْوَحْشِ يَدْعُو صَاحِبَهُ: تترجم نسخة الملك جيمس هذا الحيوان على أنه ساتير (satyr)، وهو مخلوق شيطاني أسطوري. لكن الكلمة العبرية المستخدمة هي (sair) وهي صفة تعني ’مكسو بالشَّعر‘ (تكوين ٣٧: ٣١ ولاويين ٤: ٢٣). ومن الممكن أن إشعياء قصَد أن التيوس البرية ستسكن مناطق أدوم الخربة، أو أنها ستكون مسكنًا للأرواح الشريرة.
• يقترح بولتيما (Bultema) أن أفضل ترجمة هي: “ساتيرس أو أرواح شريرة أو شياطين الحقول.”
٣. هُنَاكَ يَسْتَقِرُّ ٱللَّيْلُ (الحيوانات الليلية) وَيَجِدُ لِنَفْسِهِ مَحَّلًا: الكلمة العبرية للمخلوقات الليلية في العبرية هي (lilith) وهي صيغة المؤنث لليل (أي ليلة). وتقول خرافات يهودية قديمة إن ليليث كانت شيطانة ليلية جميلة أغوت رجالًا وقتلت أطفالًا. ومن الممكن أن إشعياء استخدم هذا التعبير كوصف لسكنى الأرواح الشريرة في أدوم بعد دينونة الله.
ج) الآيات (١٦-١٧): تأكيد دينونات الرب.
١٦فَتِّشُوا فِي سِفْرِ الرَّبِّ وَاقْرَأُوا. وَاحِدَةٌ مِنْ هذِهِ لاَ تُفْقَدُ. لاَ يُغَادِرُ شَيْءٌ صَاحِبَهُ، لأَنَّ فَمَهُ هُوَ قَدْ أَمَرَ، وَرُوحَهُ هُوَ جَمَعَهَا. ١٧وَهُوَ قَدْ أَلْقَى لَهَا قُرْعَةً، وَيَدُهُ قَسَمَتْهَا لَهَا بِالْخَيْطِ. إِلَى الأَبَدِ تَرِثُهَا. إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ تَسْكُنُ فِيهَا.
١. فَتِّشُوا فِي سِفْرِ ٱلرَّبِّ وَٱقْرَأُوا. وَاحِدَةٌ مِنْ هَذِهِ لَا تُفْقَدُ: يخبرنا هذا التصريح المذهل أن إشعياء فهم أن كلماته هذه كانت كلام الله. ويخبرنا أيضًا أن إشعياء عنى أن تُفهم نبوته حرفيًّا كشعر، لا حرفيًّا (كصور واستعارات شعرية). ويعني هذا أن إشعياء تحدى المشككين أن يتأملوا ويفهموا حالما تتحقق النبوة.
• “بعد أن تصبح أدوم أرضًا قاحلة، سيُخرج الناس المخطوطة ويتحققون من أن نبوات إشعياء كانت صحيحة.” وولف (Wolf)
٢. فَتِّشُوا فِي سِفْرِ ٱلرَّبِّ وَٱقْرَأُوا. وَاحِدَةٌ مِنْ هَذِهِ لَا تُفْقَدُ: من المؤكد أن هذا الوقت من الضيقة العظيمة آتٍ على الأرض. فلا يوجد أي شك في هذا. وليس دورنا هو أن نجلبه أو أن نمنعه، بل أن نكون مستعدين له، وأن نصلي دائمًا أن نكون مستحقين للنجاة من هذه الأمور التي ستحدث، وأن نقف أمام ابن الإنسان (لوقا ٢١: ٣٦).