إشعياء ٨
آية مَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَز
أولًا. مجيء الغزو الأشوري على آرام وإسرائيل
أ ) الآيات (١-٤): يعلَن الغزو بتسمية ابن إشعياء
١وَقَالَ لِي الرَّبُّ: «خُذْ لِنَفْسِكَ لَوْحًا كَبِيرًا، وَاكْتُبْ عَلَيْهِ بِقَلَمِ إِنْسَانٍ: لِمَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَزَ. ٢وَأَنْ أُشْهِدَ لِنَفْسِي شَاهِدَيْنِ أَمِينَيْنِ: أُورِيَّا الْكَاهِنَ، وَزكَرِيَّا بْنَ يَبْرَخْيَا». ٣فَاقْتَرَبْتُ إِلَى النَّبِيَّةِ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ابْنًا. فَقَالَ لِي الرَّبُّ: «ادْعُ اسْمَهُ مَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَزَ. ٤لأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الصَّبِيُّ أَنْ يَدْعُوَ: يَا أَبِي وَيَا أُمِّي، تُحْمَلُ ثَرْوَةُ دِمَشْقَ وَغَنِيمَةُ السَّامِرَةِ قُدَّامَ مَلِكِ أَشُّورَ».
١. وَقَالَ لِي ٱلرَّبُّ: هذا استمرار للنبوة التي بدأت في الإصحاح السابع، حيث أكد الله لآحاز، ملك يهوذا أن قوات إسرائيل وآرام المشتركة لن تقضي عليه. فقد أعلن الله دينونته على إسرائيل وآرام مؤكدًا أن هذا الهجوم ضد يهوذا لن ينجح (لَا تَقُومُ! لَا تَكُونُ! وَفِي مُدَّةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً يَنْكَسِرُ أَفْرَايِمُ حَتَّى لَا يَكُونَ شَعْبًا.) وهنا يعطي الله إشارة يشرح بها المزيد عن قُرب هزيمة إسرائيل وآرام القادمة.
٢. خُذْ لِنَفْسِكَ لَوْحًا كَبِيرًا: لا يُؤمر الأنبياء كثيرًا بالكتابة، وهذا مثل لهذا. سيكتب إشعياء عن مَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَزَ الذي يعني ’أَسرعْ إلى الغنيمة! عجِّلْ إلى النهب!‘
٣. وَٱكْتُبْ عَلَيْهِ بِقَلَمِ إِنْسَانٍ: كان مقصودًا أن تكون رسالة إشعياء عامّة، وأن يكون مستواها على أي إنسان عادي ليقرأها ويفهمها.
• بِقَلَمِ إِنْسَانٍ: “يدل هذا على أي رجل عادي. والمعنى هنا هو أنه حتى الأشخاص الأكثر جهلًا والأقل تعليمًا سيكونون قادرين على قراءة هذه الرسالة.” كالفن (Calvin)
٤. وَأَنْ أُشْهِدَ لِنَفْسِي شَاهِدَيْنِ أَمِينَيْنِ: عيّن الرب شَاهِدَيْن ليثبّت صحّة هذه الكلمة أو الرسالة: “عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ عَلَى فَمِ ثَلَاثَةِ شُهُودٍ يَقُومُ ٱلْأَمْرُ” (تثنية ١٩: ١٥).
٥. فَٱقْتَرَبْتُ إِلَى ٱلنَّبِيَّةِ: يشير هذا إلى زوجة إشعياء. وهي تدعى نبية رغم أنها يمكن أن تكون هذه مجرد إشارة إلى زوجة النبي. ومع ذلك، جلبت نبوة في مناسبة واحدة على الأقل. إذ كانت ولادة ابنها وتسميته مَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَزَ كلمة من الله، ولهذا ’جلبت‘ النبوّة على نحو أكيد.
• هنالك أمثلة كثيرة لنبيّات في الكتاب المقدس: مريم (خروج ١٥: ٢٠)، ودبورة (قضاة ٤: ٤)، وخلدة (٢ ملوك ٢٢: ١٤)، ونودية (نحميا ٦: ١٤)، وحنة (لوقا ٢: ٣٦)، وبنات فيلبس الأربع (أعمال الرسل ٢١: ٨-٩). وربما كانت لزوجة إشعياء خدمة نبوية مستقلة، لكن ربما كانت مجرد زوجة النبي، وكانت نبوّتها إنجاب مَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَزَ.
٦. قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ ٱلصَّبِيُّ أَنْ يَدْعُوَ يَا أَبِي وَيَا أُمِّي: من خلال ولادة ابن إشعياء وتسميته مَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَزَ، يعطي الرب إطارًا لغزو أشور الذي سيعاقب إسرائيل وآرام.
• هذا هو في الأساس نفس المعنى القريب لآية عمانوئيل في إشعياء (٧: ١٠-١٧)، لكن هذه الآية كانت أكثر وضوحًا وعمومًا.
ب) الآيات (٥-١٠): ستُبتلى يهوذا أيضًا.
٥ثُمَّ عَادَ الرَّبُّ يُكَلِّمُنِي أَيْضًا قَائِلاً: ٦«لأَنَّ هذَا الشَّعْبَ رَذَلَ مِيَاهَ شِيلُوهَ الْجَارِيَةَ بِسُكُوتٍ، وَسُرَّ بِرَصِينَ وَابْنِ رَمَلْيَا. ٧لِذلِكَ هُوَذَا السَّيِّدُ يُصْعِدُ عَلَيْهِمْ مِيَاهَ النَّهْرِ الْقَوِيَّةَ وَالْكَثِيرَةَ، مَلِكَ أَشُّورَ وَكُلَّ مَجْدِهِ، فَيَصْعَدُ فَوْقَ جَمِيعِ مَجَارِيهِ وَيَجْرِي فَوْقَ جَمِيعِ شُطُوطِهِ، ٨وَيَنْدَفِقُ إِلَى يَهُوذَا. يَفِيضُ وَيَعْبُرُ. يَبْلُغُ الْعُنُقَ. وَيَكُونُ بَسْطُ جَنَاحَيْهِ مِلْءَ عَرْضِ بِلاَدِكَ يَا عِمَّانُوئِيلُ». ٩هِيجُوا أَيُّهَا الشُّعُوبُ وَانْكَسِرُوا، وَأَصْغِي يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ. احْتَزِمُوا وَانْكَسِرُوا! احْتَزِمُوا وَانْكَسِرُوا! ١٠تَشَاوَرُوا مَشُورَةً فَتَبْطُلَ. تَكَلَّمُوا كَلِمَةً فَلاَ تَقُومُ، لأَنَّ اللهَ مَعَنَا.
١. لأَنَّ هذَا الشَّعْبَ رَذَلَ مِيَاهَ شِيلُوهَ الْجَارِيَةَ بِسُكُوتٍ (بهدوء): لم يقدِّر شعب مملكة إسرائيل الشمالية جداولها المتواضعة (مِيَاهَ شِيلُوهَ). وبدلًا من ذلك، ابتهجوا بقادة أشرار (رَصِينَ وَابْنِ رَمَلْيَا). ولهذا، سيعطيهم الله نوعًا مختلفًا من الأنهار، مِيَاهَ النَّهْرِ الْقَوِيَّةَ وَالْكَثِيرَةَ.
• “نبَعَ جدول شيلوه من جبل صهيون على الجانب الجنوبي الغربي من أورشليم. وكان يتدفق بهدوء من دون خرير عالٍ. وكان وجود أورشليم واستمرارها يعتمد عليه.” بولتيما (Bultema)
• كانت نينوى هي عاصمة الإمبراطورية الأشورية. وقد أُقيمت نينوى على نهر عظيم، هو دجلة. وارتكزت الإمبراطورية الأشورية على نهر عظيم آخر، هو الفرات. ولم يكن في كل أرض إسرائيل نهر مثل دجلة والفرات. واستخدم الله الفرق بين مياه إسرائيل القليلة المتواضعة، لكن الكافية، ليبيّن نقطة. فكأن الله يقول: “ألا يعجبكم ما أعطيتكم؟ هل تصرون على رفض ما وهبتكم؟ حسنًا، سأعطيكم شيئًا مختلفًا، لكنه لن يعجبكم أيضًا.”
• “يفترض أن تكون المياه الصغيرة والهادئة أكثر قيمة بكثير من الأنهار الكبيرة السريعة لكل الأمم. فلا ينبغي أن نحسد الأشرار على قوتهم الجبارة.” كالفن (Calvin)
٢. فَيَصْعَدُ فَوْقَ جَمِيعِ مَجَارِيهِ وَيَجْرِي فَوْقَ جَمِيعِ شُطُوطِهِ: سيأتي الجيش الأشوري كنهر كبير في حالة فيضان، ولن يبقى محصورًا عند ’ضفافه‘ (شُطُوطِهِ). بل سيتدفق ويفيض هجومه على آرام وإسرائيل، وسيغمر يهوذا بالعنف والدمار وَيَعْبُرُ يهوذا (وَيَنْدَفِقُ إِلَى يَهُوذَا).
٣. يَبْلُغُ ٱلْعُنُق: ستغزو أشور مملكة إسرائيل الشمالية. ولن يكون الأسباط العشرة شعبًا بعد الغزو الأشوري هذا. لكن الأشوريين لن يغزو دولة يهوذا الجنوبية. بل سيغرقونها (مِلْءَ عَرْضِ بِلَادِكَ) وسيبلغون العُنُق، لكن ليس فوق رؤوسهم. ستنجو من الغزو الأشوري، لكنها ستعاني كثيرًا من الدمار الذي سيلحقه بها هذا الهجوم.
• وبالفعل، تصف ٢ ملوك ١٨: ١٣ مدى الغزو الأشوري ليهوذا: “فِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةَ عَشْرَةَ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا، صَعِدَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا ٱلْحَصِينَةِ وَأَخَذَهَا.” غير أن حزقيا كان قادرًا على إبعاد ملك أشور عن أورشليم، وبالكاد كان قادرًا على البقاء حيًّا بشراء رضاه بثروات من الهيكل – حتى بتجريد الذهب من أبواب الهيكل لإرضاء الملك الوثني.
• “يؤكد لنا التاريخ المقدس أن هذه الأمور تحققت، لأن الأشوريين الذين استنجد بهم اليهود قاموا بتدميرهم. فكان هذا عقابًا عادلًا لتخوينهم لله. ونحن نرى في هذا مثلًا صارخًا لجشع البشر الشرير الذين لا يقْنعون بوعد الله وعونه.” كالفن (Calvin)
٤. بِلَادِكَ يَا عِمَّانُوئِيلُ: يشير هذا إلى نبوّة عمانوئيل في إشعياء ٧: ١٤. ولا تخص الأراضي التي سيغزوها الأشوريون يهوذا أو الملك آحاز. بل تخص الرب الإله، المسيّا الآتي، عِمَّانُوئِيل.
٥. هِيجُوا (تماسكوا) أَيُّهَا ٱلشُّعُوبُ وَٱنْكَسِرُوا، تَكَلَّمُوا كَلِمَةً فَلَا تَقُومُ، لِأَنَّ ٱللهَ مَعَنَا: يمكن لضحايا الغزو الأشوري (آرام وإسرائيل ويهوذا) أن يستعدوا للغزو كما يريدون، لكن استعداداتهم كلها لن تحميهم (وَٱنْكَسِرُوا). يمكنهم أن يتشاوروا، لكن هذا لن يوصلهم إلى أي شيء. فكل أفكارهم وخططهم لن تقوم، لِأَنَّ ٱللهَ مَعَنَا، وستتحقق مشيئته رغم كل ما يمكن أن تفعله آرام وإسرائيل ويهوذا ضدها.
• من ’نحن‘ في كلمة: ’معنا؟‘ بمعنى ما، فإن الجيش الأشوري هو المقصود، لأن الله سيستخدمه كأداة دينونة على آرام وإسرائيل ويهوذا. فلا شيء يستطيع أن يوقف الجيش الأشوري. فحتى لو كانت قلوبهم خطأ في هذه المسألة، سيستخدمهم الله. لكن الضمير المتصل ’نا‘ هنا يشير إلى النبي نفسه أيضًا. فستتحقق كلمته كرسول من الله، بغضّ النظر عمّا فعلته الدول الثلاثة للاستعداد ضدها.
• تلمّح ’ٱللهَ مَعَنَا‘ إلى نبوّة عِمَّانُوئِيل أيضًا، لأن معنى عِمَّانُوئِيل هو ’الله معنا.‘
ثانيًا. كيف يمكن ليهوذا أن تستعد لهذا الغزو
أ ) الآيات (١١-١٥): استعدِوا بخوف الله، لا بالخوف من أشور.
١١فَإِنَّهُ هكَذَا قَالَ لِي الرَّبُّ بِشِدَّةِ الْيَدِ، وَأَنْذَرَنِي أَنْ لاَ أَسْلُكَ فِي طَرِيقِ هذَا الشَّعْبِ قَائِلاً: ١٢«لاَ تَقُولُوا: فِتْنَةً لِكُلِّ مَا يَقُولُ لَهُ هذَا الشَّعْبُ فِتْنَةً، وَلاَ تَخَافُوا خَوْفَهُ وَلاَ تَرْهَبُوا. ١٣قَدِّسُوا رَبَّ الْجُنُودِ فَهُوَ خَوْفُكُمْ وَهُوَ رَهْبَتُكُمْ. ١٤وَيَكُونُ مَقْدِسًا وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ لِبَيْتَيْ إِسْرَائِيلَ، وَفَخًّا وَشَرَكًا لِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ. ١٥فَيَعْثُرُ بِهَا كَثِيرُونَ وَيَسْقُطُونَ، فَيَنْكَسِرُونَ وَيَعْلَقُونَ فَيُلْقَطُونَ».
١. لَا تَقُولُوا: فِتْنَةً (مؤامرة) وَلَا تَخَافُوا خَوْفَهُ: جُرِّب إشعياء وكل شعب يهوذا بأن يستسلموا للخوف والفزع، عالمين الخطر المُحدق. وفي وقت هذه النبوة، سبق أن دمر جيشا آرام وإسرائيل قدرًا كبيرًا من يهوذا. وكانا إما يحاصران أورشليم أو في الطريق إلى ذلك. خططت الدولتان بإسقاط الملك آحاز وتنصيب رجل مُوالٍ لهما على العرش (إشعياء ٧: ٦). والآن، أعلنت نبوة إشعياء أن جيشي آرام وإسرائيل لن ينجحا في غزو يهوذا. لكن الأشوريين (الذين وثقوا بمساعدتهم) سيهاجمونها وسيُلحقون بها أضرارًا كبيرة. وفي خضم هذا كله، سيكون من السهل أن يجرَّب المرء بأن ينشغل قلبه وفكره بالمؤامرات والتهديدات. لكن الله يطلب منهم ألا يفعلوا هذا.
٢. قَدِّسُوا رَبَّ ٱلْجُنُودِ فَهُوَ خَوْفُكُمْ وَهُوَ رَهْبَتُكُمْ: بدلًا من أن تخاف من المؤامرات والتهديدات، خَفِ الله. لا تنظر إلى نفسك على أنك تحت رحمة جيوش معادية. فأنت في يد الله. فاقلق على مكانك مع الرب، لا على أعدائك.
٣. وَيَكُونُ مَقْدِسًا: سيكون الرب مكاننا المقدس، ومكان حمايتنا. وهو سُيبقينا آمِنين من أعدائنا.
٤. وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ: سيكون الرب مقْدِسًا للذين يثقون به. أما الذين لا يتوكلون عليه فسيكون حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ. وبدلًا من أن يجدوا حماية من الرب، سيعثُرون به وسيسقطون ويهلكون. فَيَعْثُرُ بِهَا كَثِيرُونَ وَيَسْقُطُونَ، فَيَنْكَسِرُونَ وَيَعْلَقُونَ فَيُلْقَطُونَ.
• نحب أن نرنم ’يا ترى أي صديق مثل فادينا الحبيب.‘ فكل بيت من هذه الترنيمة صحيح. لكن بالنسبة للذين يرفضون الرب، يمكنهم أن يرنموا ’يا ترى أي عدوٍّ مثل بارينا الإلهِ.‘ فبدلًا من أن يكون مقْدِسًا لهم، سيكون فَخًّا وَشَرَكًا. وبدلًا من الحصول على حماية منه، سيسقطون ويُكْسَرون. فلا عجب أن مزمور ٢: ١٢ تقول “قَبِّلُوا ٱلِٱبْنَ لِئَلَّا يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ ٱلطَّرِيقِ. لِأَنَّهُ عَنْ قَلِيلٍ يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ ٱلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ.”
• ونحن نعلم أن يسوع هو حَجَرُ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةُ عَثْرَةٍ (١ بطرس ٢: ٦-٨). وهذا تصريح قوي عن ألوهة يسوع، لأنه من الواضح في إشعياء ٨: ١٣-١٤ أن رب الجنود هو الحجر. ومن الواضح أن المسيح هو الحجر في ١ بطرس ٢: ٦-٨.
• وهذه الفكرة نفسها هي وراء عبارة سمعان الشيخ الذي رأى الطفل يسوع كما هو مدون في لوقا ٢: ٣٤ “هَا إِنَّ هَذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلَامَةٍ تُقَاوَمُ.”
ب) الآيات (١٦-١٨): استعِدّوا بانتظاركم للرب.
١٦صُرَّ الشِّهَادَةَ. اخْتِمِ الشَّرِيعَةَ بِتَلاَمِيذِي. ١٧فَأَصْطَبِرُ لِلرَّبِّ السَّاتِرِ وَجْهَهُ عَنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ وَأَنْتَظِرُهُ. ١٨هأَنَذَا وَالأَوْلاَدُ الَّذِينَ أَعْطَانِيهِمُ الرَّبُّ آيَاتٍ، وَعَجَائِبَ فِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْجُنُودِ السَّاكِنِ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ.
١. فَأَصْطَبِرُ لِلرَّبِّ (أنتظر الرب): ليس انتظار الرب خمولًا سلبيًّا. فأنت تنتظر الرب كما ينتظر النادل على مائدة ويقوم على خدمتها. ويعني هذا انتباهًا كليًّا إلى الرب، والتركيز على كل حركة من حركاته، والتجاوب مع كل رغبة من رغباته. وقد يعني أحيانًا خمولًا، لكن حتى هذا خمول نشط، حيث نقف أمام الرب، مركّزين عليه بشكل كامل، منتظرين ما يريده بعد ذلك.
• في الوقت الذي تكلم فيه إشعياء، كان قادة يهوذا وشعبها يتعرضون إلى هجوم. وعندما كانوا يسمعون عن خطر الأشوريين، كانوا يجرَّبون بوضع تركيزهم عليهم. فكان تركيزهم على هذه الجيوش، لا على الرب. يقول إشعياء: “حاربوا آرام وإسرائيل بتركيزكم على الرب. واستعدوا لهجوم أشور القادم بانتظار الرب، بدلًا من التركيز على أعدائكم.”
٢. صُرَّ (اربط) ٱلشِّهَادَةَ. ٱخْتِمِ ٱلشَّرِيعَةَ بِتَلَامِيذِي: انتظار الرب مرتبط بكلمته. إذ يمكننا أن ننتظر الرب ونحن ندرس كلمته.
٣. هَأَنَذَا وَٱلْأَوْلَادُ ٱلَّذِينَ أَعْطَانِيهِمُ ٱلرَّبُّ آيَاتٍ، وَعَجَائِبَ فِي إِسْرَائِيلَ: دُعي إشعياء إلى التنبؤ واستخدام أبنائه في رسائله النبوية (إشعياء ٧: ٣؛ ٨: ٣)، ولهذا قال: “هَأَنَذَا وَٱلْأَوْلَادُ ٱلَّذِينَ أَعْطَانِيهِمُ ٱلرَّبُّ آيَاتٍ.” وكأنه يقول: “انظروا إلينا. نحن الرسالة.”
• يعني اسم مهير شلال حاش بز “أَسرعْ إلى الغنيمة. عجِّل إلى النهب.” ويتحدث هذا عن هجوم أشور على آرام وإسرائيل ويهوذا. ويعني اسم شآر-ياشوب “بقية سترجع.” ويتحدث هذا عن الاسترداد الذي سيجلبه الله في نهاية الأمر. ويعني اسم إشعياء “خلاص الرب.” ويتحدث هذا عن النظرة والرجاء اللذين احتاجت يهوذا إلى التحلّي بهما.
• نحن أيضًا أبناء الله، ونحن رسالته. تقتبس عبرانيين هذا النص لإيصال هذا الحق: “لِأَنَّ ٱلْمُقَدِّسَ وَٱلْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا ٱلسَّبَبِ لَا يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً، قَائِلًا… هَا أَنَا وَٱلْأَوْلَادُ ٱلَّذِينَ أَعْطَانِيهِمِ ٱللهُ.” بقدر ما كان أبناء إشعياء شهودًا أحياء لحق كلمة الله، كذلك نحن أبناء الله.
ج) الآيات (١٩-٢٢): استعِدوا بطلب نوره وكلمته، لا ظلمة العبادات الوثنية.
١٩وَإِذَا قَالُوا لَكُمُ: «اطْلُبُوا إِلَى أَصْحَابِ التَّوَابعِ وَالْعَرَّافِينَ الْمُشَقْشِقِينَ وَالْهَامِسِينَ». «أَلاَ يَسْأَلُ شَعْبٌ إِلهَهُ؟ أَيُسْأَلُ الْمَوْتَى لأَجْلِ الأَحْيَاءِ؟» ٢٠إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ! ٢١فَيَعْبُرُونَ فِيهَا مُضَايَقِينَ وَجَائِعِينَ. وَيَكُونُ حِينَمَا يَجُوعُونَ أَنَّهُمْ يَحْنَقُونَ وَيَسُبُّونَ مَلِكَهُمْ وَإِلهَهُمْ وَيَلْتَفِتُونَ إِلَى فَوْقُ. ٢٢وَيَنْظُرُونَ إِلَى الأَرْضِ وَإِذَا شِدَّةٌ وَظُلْمَةٌ، قَتَامُ الضِّيقِ، وَإِلَى الظَّلاَمِ هُمْ مَطْرُودُونَ.
١. ٱطْلُبُوا إِلَى أَصْحَابِ ٱلتَّوَابِعِ وَٱلْعَرَّافِينَ: في الخطر الحالي من آرام وإسرائيل، وفي الخطر القادم من أشور، ستجرَّب يهوذا بطلب إرشاد وتشجيع من ٱلتَّوَابِعِ وَٱلْعَرَّافِينَ. ويفضح إشعياء حمق هذا الأمر عندما يقول: أَلَا يَسْأَلُ شَعْبٌ إِلَهَهُ؟ أَيُسْأَلُ ٱلْمَوْتَى لِأَجْلِ ٱلْأَحْيَاءِ؟
• عندما تكون في ضيق، ألا ينبغي أن تطلب إلهك؟ فإن كنت لا تعتمد على إلهك في ضيقك، فما الفائدة منه؟ عندما تفعل هذا أنت تحرم نفسك من عونه.
• ما معنى أن نطلب الأموات لأجل الأحياء (أَيُسْأَلُ ٱلْمَوْتَى لِأَجْلِ ٱلْأَحْيَاءِ)؟ فالأموات أموات، والأحياء أحياء. ويتكلم الله الحي من خلال كلمته الحية وشعبه الحي ليرشدنا. ولا يوجد سبب لطلب الأموات.
• يفضح هذا النص حمق الصلاة إلى القديسين الأموات. إذ ينبغي طرح السؤال نفسه: أَيُسْأَلُ ٱلْمَوْتَى لِأَجْلِ ٱلْأَحْيَاءِ؟
٢. إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ وَإِلَى ٱلشَّهَادَةِ: انسَ أمر التوابع، والعرّافين، والأموات. وبدلًا من كل هذا الخداع والحمق. إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ وَإِلَى ٱلشَّهَادَةِ! اذهب إلى كلمة الله.
• تشير كل من ٱلشَّرِيعَةِ وٱلشَّهَادَةِ إلى كلمة الله. يمكننا القول إن الشريعة تشير إلى وصايا الله المقدسة، بينما تشير شهاداته إلى معاملاته مع شعبه كما هي مدوّنة في كلمته. لكن ربما لا يكون هذا التمييز بينهما دقيقًا دائمًا. فغالبًا ما نجد تعابير مشابهة أو مترادفات تشير إلى كلمة الله، لا من أجل التمييز، بل من أجل التوكيد.
• ينبغي أن يُعلَن هذا لوعاظنا اليوم: إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ وَإِلَى ٱلشَّهَادَةِ! إذ يكفي الإفراط في استخدام النوادر والنكات. ويكفي التوكيد على التسلية والقصص غزيرة النسغ. ويكفي تقديم مواد وأفكار تحك الآذان. ويكفي الانشغال في موضوعات مفضلة وإرضاء المتذمرين. إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ وَإِلَى ٱلشَّهَادَةِ!
• “دعونا نتذكر، كخدام للإنجيل، ما قاله ماشين (M’Cheyne) بشكل جميل: ’تأكد أن كلمة الله، لا تفسيرها أو التعليق عليها، هي التي تخلّص النفوس.‘ وقد أشرت إلى أنه إذا حدث أي تجديد، ففي تسعة وتسعين من المئة من الحالات، يمكن إرجاعه إلى النص أو إلى شاهد كتابي اقتبسه الواعظ، لا إلى كلام مبتذل أو كلام أصلي قاله الواعظ. فكلمة الله هي التي تكسّر القيود وتطلق الأسرى. كلمة الله هي التي تخلّص النفوس بشكل فعّال. ولهذا نجلب كل شيء إلى هذا المحك.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا ٱلْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ: إن كان هنالك خلاف بين كلمة الله وكلمة الرسول (أو الواعظ)، فليس صعبًا أن تعرف من هو المخطئ. فالرسول مخطئ. فالكلمة تحكم على الرسول، ولا يحكم الرسول على الكلمة.
٤. وَإِلَى ٱلظَّلَامِ هُمْ مَطْرُودُونَ: عندما يتركون كلمة الله، ويثقون بالتوابع والعرّافين والأموات، فإنهم يغازلون الظلمة، لا النور.