إشعياء ٤٠
راحة وقوة لشعب الله
أولًا. كلمة الرب تُعِد طريق الرب.
أ ) الآيات (١-٢): الراحة لشعب الله المُبتلين.
١عَزُّوا، عَزُّوا شَعْبِي، يَقُولُ إِلهُكُمْ. ٢طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ وَنَادُوهَا بِأَنَّ جِهَادَهَا قَدْ كَمُلَ، أَنَّ إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ، أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ مِنْ يَدِ الرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا.
١. عَزُّوا عَزُّوا شَعْبِي يَقُولُ إِلَهُكُمْ: من المؤكد أن الإصحاحات التسعة والثلاثين السابقة احتوت على نصوص تعزية ورجاء. لكن كانت هنالك نغمة دينونة وتحذير على مدى هذا القسم. والآن، وبدءًا يإشعياء ٤٠، تنتقل النغمة في غالبيتها إلى الامتلاء بالتعزية، والبركة، ومجد الرب.
• لنتذكرْ كيف انتهى إشعياء ٣٩، حيث أعلن عن الغزو البابلي لأورشليم وسبي الأُمة. “كان الإعلان عن أن البابليين سيحتلون أورشليم ذات يوم ويسبون الشعب بمثابة ضربة موجعة. فكيف يمكن ليهوذا أن تحتفل بسقوط أشور عندما تعرف أن غازيًا أكثر قوة في الطريق إليها؟” وولف (Wolf)
• يتكون سفر إشعياء من ثلاثة أقسام رئيسية: الإصحاحات ١-٣٥ نبوية وموضوعها الإدانة. والإصحاحات ٣٦-٣٩ تاريخية، وموضوعها المصادرة. والإصحاحات ٤٠-٦٦ مسيّانية، وموضوعها التعزية.
٢. عَزُّوا عَزُّوا شَعْبِي: عرف إشعياء ما يعنيه تحذير شعب الله وإرشادهم. لكن الرب أراد لشعبه أن يتلقى تعزية. وتتحدث ٢ كورنثوس ١: ٣ عن ربنا الذي هو إله كل تعزية. ويريد الله من رُسله أن يكلموا شعبه كلام تعزية.
• في أية مجموعة تنتظر سماع كلمة الله، هنالك عدد كبير من القلوب الخفية المتألمة. ومن المهم لأصحاب هذه القلوب المتألمة أن يسمعوا كلمة تعزية من رسول الله. وكما قال أحد الوعاظ: “اكرزوا للقلوب الكسيرة، ولن تفتقروا إلى جمهور.”
٣. طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ (بالتعزية): يعني هذا أن أورشليم احتاجت إلى كلمة تعزية، وأن لدى الله تعزية يريد أن يعطيها لها. وليست تعزية الله ’تفكيرًا إيجابيًّا‘ فارغًا كالقول إن وراء كل غيمة بطانة فضية. فالله يعطي شعبه دائمًا أسبابًا للتعزية.
• تأتي التعزية بكلمات رقيقة تخاطب القلب. والنص العبري قريب جدًّا من الترجمة العربية ’طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ.‘ “أي كلّموا قلب أورشليم، كما يتودد الشاب إلى فتاته (تكوين ٣٤: ٣).” موتير (Motyer) فمن المهم أن يكلم رسل الله القلوب.
٤. بِأَنَّ جِهَادَهَا قَدْ كَمِلَ (حربها انتهت): في اللحظة التي تكلم فيها إشعياء عن هذا الأمر، ربما كانت المعركة ما زالت تلوح في الأفق. وربما كانت هذه كلمة نبوية. ومع أنه كان هنالك جيش كبير ضدها، إلا أن الله يرى أن حربها قد انتهت. فكان هذا سببًا للتعزية.
• وبهذا المعنى، يخاطبنا الله ويخبرنا أنه “لَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ ٱنْتِصَارُنَا بِٱلَّذِي أَحَبَّنَا” (رومية ٨: ٣٧). ما زالت المعركة تلوح في الأفق، لكن بالنسبة للمؤمن بالمسيح، فإن جهاده قد كمل. “أَنْتُمْ مِنَ ٱللهِ أَيُّهَا ٱلْأَوْلَادُ، وَقَدْ غَلَبْتُمُوهُمْ لِأَنَّ ٱلَّذِي فِيكُمْ أَعْظَمُ مِنَ ٱلَّذِي فِي ٱلْعَالَمِ (١ يوحنا ٤: ٤).
٥. أَنَّ إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ: في اللحظة التي قال فيها إشعياء هذا، كانت أورشليم مدركة لخطيتها. فقد أعلنها إشعياء لها. لكن النبي يتحدث عن يوم تقدَّم فيه التعزية لأن إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ. وهذه تعزية حقيقية: أن يُعترَف المرء كخاطئ، كشخص لديه إثم، ومع هذا يعرف أن إثمه قد غُفِر. فكان هذا سببًا للتعزية.
٦. أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ مِنْ يَدِ الرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا: يبيّن هذا أساس غفران الإثم. لقد دُفع ثمن الخطية كاملًا. يتحدث إشعياء بلغة العهد القديم عن تحمُّل أورشليم لعنة العصيان الموصوفة في نصوص مثل لاويين ٢٦ وتثنية ٢٨. لكن المبدأ نفسه ينطبق على المؤمن تحت نظام العهد الجديد. لأن إثمنا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ، لأنه دُفِع ثمنه. وهذا سبب للتعزية.
• هل يبدو من غير الإنصاف أن يضاعف ثمن الخطية؟ “تعني ’المضاعفة‘: ’الطيّ، الطيّ إلى النصف‘ (خروج ٢٦: ٩). وعندما يُطوى شيء، فإن كل نصف يتوافق تمامًا مع النصف الآخر. ويؤدي هذا إلى فكرة التطابق الدقيق بين الخطية وثمنها.” موتير (Motyer) لقد دُفع ثمن، وكان هو الثمن المطلوب تمامًا.
• لا يتم العفو عن إثمنا لأن الله قرر ببساطة أن ’يفلتنا من مأزقنا.‘ إذ من شأن ذلك أن يجعله قاضيًا شريرًا غير بار. وهو أمر لا يمكن أن يكون أبدًا. لكن تحت نظام العهد الجديد، لسنا نحن الذين أخذنا مِنْ يَدِ الرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا، بل مخلصنا يسوع المسيح، الذي حامل خطايانا وأخذ كأس الغضب من يد الله ضِعْفَيْنِ على خطايانا.
ب) الآيات (٣-٥): صوت من البرية يُعِد طريق الرب.
٣صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: «أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا. ٤كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَل وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ الْمُعْوَجُّ مُسْتَقِيمًا، وَالْعَرَاقِيبُ سَهْلاً. ٥فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ».
١. صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: يتحدث إشعياء هنا عن رسول الرب الذي ينادي في أماكن قاحلة.
٢. أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ: الفكرة هنا هي أن الرب آتٍ إلى شعبه كملك منتصر، وقد أُعِد الطريق أمامه حتى يتمكن من السفر بمجد وسهولة. ولهذا ينبغي إزالة كل العوائق من الطريق: كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ وَيَصِيرُ الْمُعَوَّجُ مُسْتَقِيمًا وَالْعَرَاقِيبُ سَهْلًا.
• كان ينبغي تقويم كل اعوجاج في الطريق. ولم تكن المشكلات هي نفسها في كل مكان. ففي أحيان، كان لا بد من رفع الوادي. وفي أحيان أخرى، كان لا بد من شق ممر في الجبال.
• إن فكرة إعداد الطريق صورة كلاميّة، لأن الإعداد الحقيقي يتوجب أن يحدث في قلوبنا. ويشبه بناء طريق إلى حد بعيد الإعداد الذي لا بد لله أن يفعله في قلوبنا. فكلاهما مكلف. ولا بد لكليهما أن يتعامل مع مشكلات وبيئات مختلفة. ويحتاج كلاهما إلى مهندس خبير.
٣. فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ: يعلن مجده في القلوب المُعَدّة الموصوفة في الآيات السابقة. وهو يُعلن بغضِّ النظر عن الجنسية. إذ يَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا. فلا يُعلن مجد الرب هذا لأورشليم أو ليهوذا فحسب، بل لكل قلب مُعَد. ويقين هذه الكلمة مؤكد لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ.
٤. أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ: لهذا النص (إشعياء ٤٠: ٣-٥) تحقيق مباشر في العهد الجديد في شخص يوحنا المعمدان وخدمته. وقد عرِف زكريا أبو يوحنا المعمدان ذلك عند ولادة ابنه (لوقا ٧٦: ١). وتربط ثلاثة أناجيل هذا النص بخدمة يوحنا مباشرة (متى ٣: ٣؛ مرقس ١: ٣؛ لوقا ٣: ٣-٦).
• كان يسوع هو المسيّا والملك الآتي. وكانت خدمة يوحنا المعمدان هي أن يكون ذاك الصارخ في البرية، وأن يعد طريق الرب من خلال رسالة التوبة. غالبًا ما نفشل في تقدير أهمية العمل التحضيري للرب. إذ يبدأ أي عمل عظيم من أعمال الرب بإعداد عظيم. وقد حقق يوحنا المعمدان هذه الخدمة بشكل رائع.
ج) الآيات (٦-٨): رسالة الصوت في البرية.
٦صَوْتُ قَائِل: «نَادِ». فَقَالَ: «بِمَاذَا أُنَادِي؟» «كُلُّ جَسَدٍ عُشْبٌ، وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهْرِ الْحَقْلِ. ٧يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ، لأَنَّ نَفْخَةَ الرَّبِّ هَبَّتْ عَلَيْهِ. حَقًّا الشَّعْبُ عُشْبٌ! ٨يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ».
١. بِمَاذَا أُنَادِي؟: عرف الصوت الصارخ في البرية أن لديه عملًا مهمًّا، لكنه أراد أن يعرف بدقة أكبر ما ينبغي أن تكون رسالته.
٢. كُلُّ جَسَدٍ عُشْبٌ: الرسالة هي ضُعف الإنسان. إذ يتذكر إشعياء العشب الأخضر الجميل الذي يغطي تلال يهوذا بعد هطول أمطار الشتاء، ومدى سرعة موت العشب، حيث تُترك التلال قاحلة. فهكذا يكون ضعف الإنسان. فحتى جمال الإنسان زائل. وهو يزول بسرعة مثل الأزهار البرية في الربيع. وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهْرِ الْحَقْلِ.
• لأَنَّ نَفْخَةَ الرَّبِّ هَبَّتْ عَلَيْهِ: الإنسان في هذه الحالة الواهنة حسب رضا الله. فإنه لمجد الله، وحسب تصميمه أن يكون الإنسان ضعيفًا، وأن يكون مجد الإنسان زائلًا.
٣. كَلِمَةُ إِلَهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ: الرسالة هنا هي ديمومة الله وكلمته. ففي مقابلة مع ضعف الإنسان وزوال مجده (يَبِسَ الْعُشْبُ ذَبُلَ الزَّهْرُ)، فإن كَلِمَةُ إِلَهِنَا تدوم وتَثبُت.
• من المؤكد أن كلمة الله ثبَتَت وصمدت. وقد بقيت بعد قرون من النسخ اليدوي، والاضطهاد، والفلسفات المتغيرة باستمرار، وجميع أنواع النقاد، والإهمال من كل من المنبر والمقصورة، والشك وعدم الإيمان. فرغم ذلك كله: كَلِمَةُ إِلَهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ.
• “كُتبت على مواد قابلة للتلف، وكان لا بد من نسخها وإعادة نسخها مئات المرات قبل اختراع المطبعة. ولم تفقد أسلوبها أو صحتها أو وجودها. ويحتوي الكتاب المقدس، بالمقارنة مع الكتابات القديمة الأخرى، على أدلة مخطوطية أكثر من عشرة مؤلفات أدبية كلاسيكية معًا.” جوش ماكدويل (Josh McDowell) من كتابه بعنوان: برهان يتطلب قرارًا.
• في عام ٣٠٣ م. أمر الإمبراطور الروماني ديوكليتيان بحرق كل الأسفار الكتابية، وفشل في ذلك. وبعد ٢٥ سنة من ذلك، كلّف الإمبراطور قسطنطين باحثًا اسمه يوسيبيوس بإعداد خمسين نسخة من الكتاب المقدس على نفقة الحكومة.
• قال المشكك والملحد الفرنسي فولتير الذي توفي في عام ١٧٧٨ إنه بعد مئة عام من زمانه، ستختفي المسيحية وتصبح شيئًا من التاريخ، وأن الكتاب المقدس سيكون كتابًا منسيًّا. وبعد عدة سنوات من وفاة فولتير، استخدمت جمعية الكتاب المقدس في جنيف مطبعته ومنزله لإنتاج أكوام من الكتب المقدسة.
• “عمل الملحدون على دحض هذا الكتاب المقدس وإسقاطه، غير أنه يقف اليوم صامدًا صلبًا كصخرة. وتداولُه في ازدياد، وهو محبوب ومقدَّر ومقروء أكثر من أي وقت مضى. ولا يترك الملحدون – مع كل هجوماتهم – انطباعًا حول هذا الكتاب بقدر ما يتركه رجل بمطرقة على أهرامات مصر. عندما اقترح العاهل الفرنسي اضطهاد المسيحيين في مملكته، قال له رجل دولة ومحارب قديم عجوز: “يا سيدي، إن كنيسة الله سندان أتلف مطارق كثيرة.” وهكذا كانت مطارق الملحدين تنقر على هذا الكتاب لعصور، لكن المطارق اهترأت، وما زال السندان قائمًا. ولو لم يكن هذا الكتاب كتاب الله، لتمكن البشر من القضاء عليه منذ زمن طويل. لقد جرب الأباطرة والبابوات والملوك والكهنة والرؤساء والحكام ما بيدهم. وهم يموتون، ويبقى الكتاب المقدس حيًّا!” ماكدويل (McDowell)، نقلًا عن هيستينغز (Hastings).
• “دُقَّ ناقوس موت الكتاب المقدس ألف مرة، وتشكلت مواكب الجنازات ألف مرة، ونُقشت الكتابة على شاهد القبر ألف مرة، وقُرئت التعهدات ألف مرة. لكن بطريقة ما، لم تظهر الجثة بعد.” برنارد رام (Bernard Ramm)، كتابه بعنوان: الأدلة المسيحية البروتستانتية.
٤. كَلِمَةُ إِلَهِنَا: كانت الرسالة التي نادى بها الصوت في البرية تهدف إلى إعداد القلوب لمجيء الرب بقيادتهم إلى التوبة. ويفترض أن فهمنا لضعفنا ومجدنا العابر، بالمقابلة مع الله الأزلي وكلمته الدائمة الثابتة، أن تدفعنا إلى التواضع في توبة أمامه. ومن المؤكد أن هذا نجح في خدمة يوحنا المعمدان (لوقا ٣: ٧-١٨).
٥. كَلِمَةُ إِلَهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ: قدم بطرس إشارة وتطبيقًا رائعين لهذا النص في ١ بطرس ١: ٢٢-٢٥.
• تُقدم رسالة بطرس الأولى دعوة إلى المحبة بين المؤمنين: “طَهِّرُوا نُفُوسَكُمْ فِي طَاعَةِ ٱلْحَقِّ بِٱلرُّوحِ لِلْمَحَبَّةِ ٱلْأَخَوِيَّةِ ٱلْعَدِيمَةِ ٱلرِّيَاءِ، فَأَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ” (١ بطرس ١: ٢٢).
• وبعد ذلك، باستخدام نص إشعياء ٤٠: ٨، يخبرنا بطرس لماذا ينبغي أن يحب بعضنا بعضًا: “مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، لَا مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لَا يَفْنَى، بِكَلِمَةِ ٱللهِ ٱلْحَيَّةِ ٱلْبَاقِيَةِ إِلَى ٱلْأَبَدِ. لِأَنَّ: «كُلَّ جَسَدٍ كَعُشْبٍ، وَكُلَّ مَجْدِ إِنْسَانٍ كَزَهْرِ عُشْبٍ. ٱلْعُشْبُ يَبِسَ وَزَهْرُهُ سَقَطَ، وَأَمَّا كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى ٱلْأَبَدِ». وَهَذِهِ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي بُشِّرْتُمْ بِهَا.” (١ بطرس ١: ٢٣-٢٥).
• يقدّم بطرس ربطًا جميلًا، مبيّنًا أن الكلمة الثابتة التي تكلم عنها إشعياء هي نفس كلمة الإنجيل الذي يُكرَز ويُؤمَن به، جالبًا الخلاص.
• يقدّم بطرس تطبيقًا جميلًا آخر. فبما أن هذه البذرة الأبدية التي تحمل إمكانات الثمر موجودة فينا، فإن لدينا التكريس والقدرة على أن نحب الإخوة محبة طاهرة خالصة. وربما يمكننا القول إنه إذا احتجنا إلى أن نحب الآخرين أكثر، فإن هذا يبدأ بامتلاك المزيد من هذه البذرة غير القابلة للفساد الموضوعة في قلوبنا والقابلة للنمو.
ثانيًا. «هُوَذَا إِلَهُكِ!»
أ ) الآية (٩): دعوة إلى رؤية إلهكم.
٩عَلَى جَبَل عَال اصْعَدِي، يَا مُبَشِّرَةَ صِهْيَوْنَ. ارْفَعِي صَوْتَكِ بِقُوَّةٍ، يَا مُبَشِّرَةَ أُورُشَلِيمَ. ارْفَعِي لاَ تَخَافِي. قُولِي لِمُدُنِ يَهُوذَا: هُوَذَا إِلهُكِ.
١. عَلَى جَبَلٍ عَالٍ اصْعَدِي يَا مُبَشِّرَةَ صِهْيَوْنَ: يتحدث إشعياء عن رسالة عظيمة، بشارة رائعة جدًّا حتى أنه يتوجب نشرها على أوسع نطاق ممكن. ويستطيع الرسول من فوق قمة الجبل العالي أن ينادي بهذه الرسالة العظيمة لأكبر عدد ممكن من الناس. إنها رسالة ينبغي أن تقدَّم بعُلُوّ الصوت. ولهذا يقال للرسول: ارْفع صَوْتَك بِقُوَّةٍ.
٢. قُولِي لِمُدُنِ يَهُوذَا: «هُوَذَا إِلَهُكِ!»: ما هي الرسالة العظيمة التي ينبغي أن تُقدَّم بصوت عالٍ؟ إنها دعوة لرؤية إلهنا: «هُوَذَا إِلَهُكِ!» ولا يوجد ما هو أعظم للمؤمن أن يفعله من أن يدرس ويعرف إلهه.
• ليست الرسالة هي إلقاء نظرة عابرة على الله. لا، فإننا مدعوون إلى أن نتأمل إلهنا ونتمعن فيه. ويشير هذا إلى دراسة، إلى مهمة طويلة الأمد من معرفة عظمة إلهنا وطبيعته. ويبيّن هذا أيضًا مدى أهمية تركيز الواعظ على الله. إذ ينبغي للواعظ أن يسأل نفسه بعد كل عظة: “هل ساعدتُ الناس على رؤية إلههم؟”
• كتب فيلسوف عظيم اسمه ألكزاندر بوب (Alexander Pope): “فاعرف نفسك أيها الإنسان، ولا تفترض أنك تتفحّص الله. فالإنسان هو الدراسة الملائمة للجنس البشري.” وردَّ سبيرجن (Spurgeon) على هذه المقولة في عظة من عظاته: “قال أحدهم إن الإنسان هو الدراسة الملائمة للجنس البشري. وأنا لن أعترض على هذه الفكرة، لكني أعتقد أيضًا أنه صحيح بنفس المقدار أن الدراسة الملائمة لمختاري الله هي الله. والدراسة الملائمة للمؤمن بالمسيح هي الذات الإلهية. وأعلى علم، وأسمى تفكُّر، وأقوى فلسفة يمكن أن تشغل أنتباه أي ابن لله هو الإله العظيم، واسمه، وطبيعته، وشخصه، وعمله، وأفعاله، ووجوده – هذا الإله الذي يدعوه أباه السماوي.”
ب) الآية (١٠): هوذا الرب العائد.
١٠هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ بِقُوَّةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ. هُوَذَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَعُمْلَتُهُ قُدَّامَهُ.
١. هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ بِقُوَّةٍ يَأْتِي: إن أحد جوانب إلهنا التي ينبغي أن يراها هو حقيقة عودته. إذ سيعود إلهنا إلى هذه الأرض، وسيأتي بقوة (بِقُوَّةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ).
٢. هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ… يَأْتِي. هُوَذَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ: عندما يعود الرب، فإنه يأتي ليكافئ شعبه (أُجْرَتُهُ مَعَهُ). وهو يأتي ليتفحّص عمله (وَعُمْلَتُهُ قُدَّامَهُ). وهذا أمر مهم أن نعرفه عن إلهنا.
ج) الآية (١١): هوذا الراعي المحب.
١١كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ. بِذِرَاعِهِ يَجْمَعُ الْحُمْلاَنَ، وَفِي حِضْنِهِ يَحْمِلُهَا، وَيَقُودُ الْمُرْضِعَاتِ.
١. كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ: هنالك جانب آخر من إلهنا ينبغي أن نراه، وهو رعايته المُحِبّة كراعٍ. وأول ما يتوجب على الراعي أن يفعله لخرافه هو رعايتها. والرب يطعمنا كما يطعم الراعي قطيعه.
• يتوجب توجيه الخراف إلى المرعى الجيد ونقْلها إلى مرعى جديد عندما يُستهلك العشب من المرعى الأول. ونحن نحتاج بنفس المقدار إلى توجيهنا إلى طعامنا مثل الخراف. “الخراف أقل المخلوقات قدرة على رعاية نفسها. فحتى النملة الصغيرة ببصيرتها يمكن أن تدبّر وتوفر ليوم الشر. لكن تتوجب رعاية هذه الخراف المسكينة من الإنسان، وإلاّ هلكت.” سبيرجن (Spurgeon)
• يحب الله أن يتعاطف مع الراعي. وقد كان كثيرون من أعظم الرجال في الكتاب المقدس رعاة، وتشير طبيعتهم الأدبية إلى يسوع المسيح.
كان هابيل صورة ليسوع، الراعي المذبوح.
كان يعقوب صورة ليسوع، الراعي العامل.
كان يوسف صورة ليسوع، الراعي المضطهَد والممجَّد.
كان موسى صورة ليسوع، الراعي المدعو من مصر.
كان داود صورة ليسوع، الراعي الملك.
٢. بِذِرَاعِهِ يَجْمَعُ ٱلْحُمْلَانَ: يبدي الرب اهتمامًا خاصًّا للحملان. فليس الأصغر والأضعف محتقرًا لديه. وهو يعطي الحملان رعاية خاصة، حيث يجمعها أولًا، ثم يحملها في حضنه. وهو لا يُلقي الحملان الضعيفة عن كتفه كما يمكن أن يفعل راعٍ. بل يحتضنها بمحبة قريبًا من قلبه. وهذا مكان آمن ورقيق.
• “يدل الحمْل على اللطف، لكن الحمْل في الحضن يدل على محبة ورحمة. والكتفان للقوة، والظهر هو للقدرة، لكن الحضن هو مقر المحبة” سبيرجن (Spurgeon)
• “أرى رب الملائكة يتنازل ليقوم بالعمل الشخصي. ويسوع المسيح نفسه يجمع بذراعه ويحمل في حضنه الحملان في قطيعه. وهو لا يكلف الملائكة بهذا العمل، ولا يتركه لخدامه. لكنه، بروحه يتولى الأمر بنفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَيَقُودُ ٱلْمُرْضِعَاتِ: يحمل الراعي عصا وعكازًا ويعرف كيف يستخدمهما. لكنه يعرف أيضًا كيف يقود الصغار. وهو يعرف متى يكون لطيفًا، ومتى يجب استخدام إرشادات أكثر صرامة.
٤. كَرَاعٍ: يُعطى يسوع ثلاثة ألقاب عظيمة حسب عمله كراعٍ.
• يسوع الراعي الصالح (يوحنا ١٠: ١١-١٥). وهو صالح في رعايته وتضحيته من أجل قطيعه.
• يسوع الراعي العظيم (عبرانيين ١٣: ٢٠). هو عظيم في انتصاره المجيد على كل أعدائه.
• يسوع هو رئيس الرعاة (١ بطرس ٥: ٤). إنه رئيس الرعاة على كل شعبه في عودته. فعند عودة يسوع، سيمارس جانبًا آخر من دوره كراعٍ. فهو يميز الخراف من الجداء (متى ٢٥: ٣١-٣٣). “هل لاحظت يومًا أن نفس الراعي الذي يخلّص النفوس هو نفسه الذي سيلعن غير التائبين في نهاية الأمر؟ ’فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ. فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ… ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ.‘ أية شفاه تنطق بهذه الكلمات المروّعة؟ إنها شفتا الراعي.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآية (١٢): انظر الإله المسيطر على كل خليقة.
١٢مَنْ كَالَ بِكَفِّهِ الْمِيَاهَ، وَقَاسَ السَّمَاوَاتِ بِالشِّبْرِ، وَكَالَ بِالْكَيْلِ تُرَابَ الأَرْضِ، وَوَزَنَ الْجِبَالَ بِالْقَبَّانِ، وَالآكَامَ بِالْمِيزَانِ؟
١. مَنْ كَالَ بِكَفِّهِ ٱلْمِيَاهَ: هنالك جانب آخر من الله ينبغي أن نراه، وهو سلطته على كل الخليقة. إلهنا عظيم جدًّا ومهيمن جدًّا على كل الخليقة حتى أنه كال المياه بيده، وَقَاسَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِٱلشِّبْرِ.
• هذا مثل آخر لما ندعوه التجسيم، أي وصف الله بتعابير بشرية لكي نفهم جزئيًّا طبيعته وما يفعله. فليس الله كائنًا بجسد عملاق من الضخامة بحيث تَعْلَق كل مياه الأرض بيده. إذ يخبرنا الكتاب المقدس أن الله روح ولا يملك جسدًا كما نعرف الجسد (يوحنا ٤: ٢٤). لكننا نفهم بالضبط ما يقوله الرب لنا من خلال النبي إشعياء – إن الله عظيم جدًّا ومسيطر جدًّا على كل الخليقة. ولهذا ينبغي أن نقف في خشوع ورهبة أمام قوته ومجده.
• ذات يوم ناقشتُ مع ابني الأصغر من هو الأكبر (الأضخم) في عائلتي. فلاحظنا أن أخاه أكبر منه، وأن أخته أكبر من أخيه، وأن أمه أكبر من أخته، وأني أكبر من أمه. ثم نظر ابني إليّ وقال: “لكنك لست أكبر من الله.” وهذا شيء ينبغي أن يتذكره الجميع.
٢. وَكَالَ بِٱلْكَيْلِ تُرَابَ ٱلْأَرْضِ: ليس الأمر مجرد حجم فحسب. بل يتعلق بالذكاء أيضًا. فالله عظيم في حكمته وذكائه حتى أنه كَالَ بِٱلْكَيْلِ تُرَابَ ٱلْأَرْضِ. ويعرف الله عدد حبّات الغبار الموجودة على الأرض. وحتى لو عرف إنسان عدد شعر رأسه (كما يعرف الله ذلك حسب لوقا ١٢: ٧)، فإنه لا يستطيع أن يحسب حبّات الغبار في بيته، ناهيك عن تُرَابَ ٱلْأَرْضِ.
• وأكثر من ذلك، يعرف الله وزن الجبال (وَوَزَنَ ٱلْجِبَالَ بِٱلْقَبَّانِ)، والهضاب (وَٱلْآكَامَ بِٱلْمِيزَانِ).
هـ) الآيات (١٣-١٤): هوذا إله الحكمة.
١٣مَنْ قَاسَ رُوحَ الرَّبِّ، وَمَنْ مُشِيرُهُ يُعَلِّمُهُ؟ ١٤مَنِ اسْتَشَارَهُ فَأَفْهَمَهُ وَعَلَّمَهُ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ، وَعَلَّمَهُ مَعْرِفَةً وَعَرَّفَهُ سَبِيلَ الْفَهْمِ؟
١. مَنْ قَاسَ (وجّه) رُوحَ ٱلرَّبِّ، وَمَنْ مُشِيرُهُ يُعَلِّمُهُ؟: هنالك جانب آخر لله ينبغي رؤيته، وهو حكمته العظيمة. يمتلك الله الذكاء الصافي ليعرف عدد حبات الغبار في الأرض، ووزن الجبال والآكام. لكن أكثر من ذلك، فإن لديه الحكمة لاستخدام هذه المعرفة. والله حكيم حتى أنه لم يوجِّه أحد روحه، ولا يوجد مشير له فيعلّمه.
• في الترجمة السبعينية (الترجمة اليونانية للعهد القديم التي استُخدمت في أيام يسوع والتلاميذ) تُرجمت هذه العبارة إلى : «لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟». وقد اقتبس بولس هذا السطر في رومية ١١: ٣٤.
٢. مَنِ ٱسْتَشَارَهُ: لا يحتاج الله إلى مشورة أو إرشاد أو معلم. ولا يوجد من يبيّن له طريق الفهم.
ثالثًا. عظمة الله تقاس بالمقارنة مع الآخرين.
أ ) الآيات (١٥-١٧): عظمة الله تفوق كل الشعوب.
١٥هُوَذَا الأُمَمُ كَنُقْطَةٍ مِنْ دَلْوٍ، وَكَغُبَارِ الْمِيزَانِ تُحْسَبُ. هُوَذَا الْجَزَائِرُ يَرْفَعُهَا كَدُقَّةٍ! ١٦وَلُبْنَانُ لَيْسَ كَافِيًا لِلإِيقَادِ، وَحَيَوَانُهُ لَيْسَ كَافِيًا لِمُحْرَقَةٍ. ١٧كُلُّ الأُمَمِ كَلاَ شَيْءٍ قُدَّامَهُ. مِنَ الْعَدَمِ وَالْبَاطِلِ تُحْسَبُ عِنْدَهُ.
١. هُوَذَا ٱلْأُمَمُ كَنُقْطَةٍ مِنْ دَلْوٍ: إن مجد الأُمّة القوية أمر يستحق المشاهدة. ونحن نفكّر في عرض عسكري يعرض قوة الأُمّة. لكن هذا، بالمقارنة مع الله، لا شيء. فأعظم مجد لأعظم أُمّة كَنُقْطَةٍ مِنْ دَلْوٍ لا أكثر بالمقارنة مع الرب وقوّته ومجده.
٢. وَلُبْنَانُ لَيْسَ كَافِيًا لِلْإِيقَادِ، وَحَيَوَانُهُ لَيْسَ كَافِيًا لِمُحْرَقَةٍ: لو أخذ الإنسان كل خشب غابات لبنان العظيمة واستخدمه ليقدم كل حيوانات الأرض محرقة، فلن يكفي هذا لإرضاء الله. فلا يمكن لأفضل جهود الإنسان أن ترضي كرامة الله ومجده.
٣. مِنَ ٱلْعَدَمِ وَٱلْبَاطِلِ تُحْسَبُ عِنْدَهُ: يعلن الله في هذا الإصحاح عظمته على كل الخليقة، لكنه لا يقول أبدًا أن الخليقة لا قيمة لها. لكن لدى الأمم غطرسة وكبرياء ضد الله تجعلها أدنى من الخليقة نفسها. وهو يعدها لا شيء ولا قيمة لها (مِنَ ٱلْعَدَمِ وَٱلْبَاطِلِ تُحْسَبُ عِنْدَهُ).
ب) الآيات (١٨-٢٠): عظمة الله تتفوق على كل الأصنام.
١٨فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟ ١٩اَلصَّنَمُ يَسْبِكُهُ الصَّانِعُ، وَالصَّائِغُ يُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ وَيَصُوغُ سَلاَسِلَ فِضَّةٍ. ٢٠الْفَقِيرُ عَنِ التَّقْدِمَةِ يَنْتَخِبُ خَشَبًا لاَ يُسَوِّسُ، يَطْلُبُ لَهُ صَانِعًا مَاهِرًا لِيَنْصُبَ صَنَمًا لاَ يَتَزَعْزَعُ!
١. فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ ٱللهَ؟ هنالك صور وتماثيل وأصنام تمثل آلهة الأمم. لكن ما هي بالمقارنة مع الله؟ إنها لا تقارن به على الإطلاق، لأنها مجرد صنعة الأيدي (اَلصَّنَمُ يَسْبِكُهُ ٱلصَّانِعُ).
• “ربما لسنا بفظاظة الإسرائيليين القدماء، رغم أن بعض الأمم كذلك. غير أنه يوجد أشخاص يعبدون صليبًا، وآخرون يعبدون الكنيسة، أو يؤلهون الواعظ. ويسجد بعضهم أمام آلهة المادية، والطموح والجنس، وحتى البيت، والأحباء. وهم مستعدون أن يستبدلوا أي شيء للهروب من الوصول إلى الحاجة الأساسية لمواجهة اعتقادهم أن الله لا يرشد أو ينقذ.” ريدباث (Redpath)
٢. لِيَنْصُبَ صَنَمًا لَا يَتَزَعْزَعُ: التماثيل الباطلة التي تمثل أصنام الأمم تافهة لدرجة أنها يجب صنعها بحيث لا تتزعزع أو تترنح. فهي لا تستطيع الوقوف بمفردها! أمّا الله فلا يوجد منافسون له.
• انظر إلى العناية التي ينبغي لك أن توليها لأوثانك. أولًا، ينبغي أن تختار خشبًا جيدًا. فمن يرغب في أن يعبد إلهًا متعفنًا؟ ثم يتوجب عليك أن تختار صانعًا ماهرًا، لأنه من يرغب في أن يعبد إلهًا سيئ الصنع؟ وبعد ذلك، ينبغي أن تكون حسنة التصميم، لأنه من يرغب في أن يعبد إلهًا يستمر في الوقوع؟ “كلما تحدَّث إشعياء عن عبادة الأوثان، فإنه لا يملك إلّا أن يستخدم السخرية اللاذعة.” بولتيما (Bultema)
ج) الآيات (٢١-٢٦): عظمة الله واضحة لأنه الخالق.
٢١أَلاَ تَعْلَمُونَ؟ أَلاَ تَسْمَعُونَ؟ أَلَمْ تُخْبَرُوا مِنَ الْبَدَاءَةِ؟ أَلَمْ تَفْهَمُوا مِنْ أَسَاسَاتِ الأَرْضِ؟ ٢٢الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الأَرْضِ وَسُكَّانُهَا كَالْجُنْدُبِ. الَّذِي يَنْشُرُ السَّمَاوَاتِ كَسَرَادِقَ، وَيَبْسُطُهَا كَخَيْمَةٍ لِلسَّكَنِ. ٢٣الَّذِي يَجْعَلُ الْعُظَمَاءَ لاَ شَيْئًا، وَيُصَيِّرُ قُضَاةَ الأَرْضِ كَالْبَاطِلِ. ٢٤لَمْ يُغْرَسُوا بَلْ لَمْ يُزْرَعُوا وَلَمْ يَتَأَصَّلْ فِي الأَرْضِ سَاقُهُمْ. فَنَفَخَ أَيْضًا عَلَيْهِمْ فَجَفُّوا، وَالْعَاصِفُ كَالْعَصْفِ يَحْمِلُهُمْ. ٢٥«فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟» يَقُولُ الْقُدُّوسُ. ٢٦ارْفَعُوا إِلَى الْعَلاَءِ عُيُونَكُمْ وَانْظُرُوا، مَنْ خَلَقَ هذِهِ؟ مَنِ الَّذِي يُخْرِجُ بِعَدَدٍ جُنْدَهَا، يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ؟ لِكَثْرَةِ الْقُوَّةِ وَكَوْنِهِ شَدِيدَ الْقُدْرَةِ لاَ يُفْقَدُ أَحَدٌ.
١. أَلَا تَعْلَمُونَ؟ أَلَا تَسْمَعُونَ؟ لا يستطيع إشعياء أن يصدّق أنه يمكن لأي إنسان أن يشك في عظمة الله عندما يرى مجد خليقته. أولًا، هو يجلس فوق كل خليقة (ٱلْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ ٱلْأَرْضِ). ثانيًا، خلق الكل (ٱلَّذِي يَنْشُرُ ٱلسَّمَاوَاتِ كَسَرَادِقَ – أي كَحِجَابٍ).
• إن ذهول إشعياء في مكانه. فكيف يمكن لأي شخص ينظر إلى المجد والتصميم الواضحين في الخليقة ولا يفهم أنه لا بد أن يكون هنالك مصمم مجيد وراء مثل هذا التصميم؟
• “هذا واحد من النصوص المركزية في العهد القديم التي تتناول عقيدة الخلق. وهو يعلِّم أن النسيج المادي للخليقة هو صُنعٌ مباشر من الخالق.” موتير (Motyer)
• يستخدم إشعياء عبارة مثيرة للاهتمام عندما يصف الله بأنه ٱلْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ ٱلْأَرْضِ. فكيف أَمْكن لإشعياء أن يعرف أن شكل الأرض كروي؟ ربما لم يكن يعلم، لكن الرب الذي تكلّم من خلال إشعياء كان يعلم.
• يتحدث النقّاد غير المتعلّمين بين الحين والآخر كما لو أن الأشخاص المؤمنين بالكتاب المقدس أعضاء في ’جمعية الأرض المسطّحة،‘ أشخاص لا صلة لهم بالعلم الحقيقي ويصرون على أن الأرض مسطّحة. وردًّا على ذلك، ينبغي أن نتذكر أن أوغسطين، أعظم آباء الكنيسة، والذي عاش قبل حوالي ألف عام من كولومبوس جاهر بإيمانه بأن الأرض كروية، لا مسطّحة. وفضلًا عن ذلك، لاحظ توما الإكويني، أكثر علماء اللاهوت في العصور الوسيطة عمقًا وغزارة في الإنتاج، أنه يمكن إثبات كروية الأرض تجريبيًّا. فكان هذا منسجمًا مع ما قاله إشعياء: ٱلْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ ٱلْأَرْضِ.
٢. ٱلَّذِي يَجْعَلُ ٱلْعُظَمَاءَ لَا شَيْئًا، وَيُصَيِّرُ قُضَاةَ ٱلْأَرْضِ كَٱلْبَاطِلِ: لا تتعظم قوة الله ومجده على الخليقة الجامدة فحسب، بل على البشر ذوي السلطة والقوة على الأرض أيضًا. فعندما يمتلك أشخاص قوة سياسية (ٱلْعُظَمَاءَ) أو سلطة شرعية (قُضَاةَ)، فإن من السهل أن نفكر فيهم كآلهة. وهنا، ومن خلال رسالة إشعياء، يضبط الله الأمور ويصحح المفاهيم. وكل ما يحتاج الله أن يفعله هو أن ينفخ عليهم ليذبلوا (فَنَفَخَ أَيْضًا عَلَيْهِمْ فَجَفُّوا).
٣. مَنِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ بِعَدَدٍ جُنْدَهَا، يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ؟ تظهر سيطرة الله على كل الخليقة في حقيقة أنه يُخرِج كل النجوم بالعدد ويدعوها بأسماء. ومع البلايين والبلايين من النجوم التي لا تُحصى، فإن من المذهل أن نعرف أن الله يستطيع أن يحصيها ويسمّيها كلها.
• “ما زال علماء الفلك منشغلين بعدِّ النجوم وتصنيفها. لكن المسيح صنعها، وعدَّها، ورتّبها بالفعل.” بولتيما (Bultema)
رابعًا. تطبيق معرفة عظمة الله
أ ) الآيات (٢٧-٢٨): الثقة بقوة الله وحكمته.
٢٧لِمَاذَا تَقُولُ يَا يَعْقُوبُ وَتَتَكَلَّمُ يَا إِسْرَائِيلُ: «قَدِ اخْتَفَتْ طَرِيقِي عَنِ الرَّبِّ وَفَاتَ حَقِّي إِلهِي»؟ ٢٨أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ؟ إِلهُ الدَّهْرِ الرَّبُّ خَالِقُ أَطْرَافِ الأَرْضِ لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا. لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ.
١. لِمَاذَا تَقُولُ: بعد أن أمضى الإصحاح الأربعون كله من إشعياء في إظهار عظمة الله ومجده، يبيّن لنا كيف أن فهم هذا الأمر ينبغي أن يُحدث فرقًا في حياتنا، علاوة على اضطرارنا الواضح إلى الشعور بضرورة تكريم هذا الإله العظيم وعبادته.
٢. لِمَاذَا تَقُولُ يَا يَعْقُوبُ وَتَتَكَلَّمُ يَا إِسْرَائِيلُ: «قَدِ اخْتَفَتْ طَرِيقِي عَنِ الرَّبِّ وَفَاتَ حَقِّي إِلهِي»؟: تقنعنا عظمة الله ومجده بأنه لا يوجد أي شيء في حياتنا مخفي عنه، أو يغفل عنه.
٣. أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ: سأل الشعب هذا السؤال في إشعياء ٤٠: ٢١ مشككين في أن هنالك إلهًا خلق الكل. ويبدو أن الأشخاص الذين طرحوا نفس السؤال في هذه الآية يعرفون أن هنالك خالقًا، لكنهم يعيشون كملحدين عمليًّا. ولا يبدو أنهم يفهمون أن حقيقة وجود إله للخليقة كلها تُحدث فرقًا في الحياة اليومية.
• “إنه لأمر سهل جدًّا أن نؤمن بقوة الله اللامحدودة وأن نحس في الوقت نفسه بأنه غير قابل على تلبية احتياجاتنا الشخصية.” وولف (Wolf)
٤. أَمْ لَمْ تَسْمَعْ: يحتاج هؤلاء الملحدون عمليًّا إلى أن يسمعوا ما يعرفونه بالفعل – أنه إِلَهُ ٱلدَّهْرِ ٱلرَّبُّ خَالِقُ أَطْرَافِ ٱلْأَرْضِ. ثم عليهم أن يسمعوا عن الخالق – أنه لَا يَكِلُّ وَلَا يَعْيَا. لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ. فعلى الذين يؤمنون بهذه الحقائق عن الله أن يعيشوا وفق هذه الحقائق، في ضوء وجود الله الفعلي.
ب) الآيات (٢٩-٣١): قبول قوة الرب.
٢٩يُعْطِي الْمُعْيِيَ قُدْرَةً، وَلِعَدِيمِ الْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً. ٣٠اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّرًا. ٣١وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ.
١. يُعْطِي ٱلْمُعْيِيَ قُدْرَةً: بعد أن شرح إشعياء عن عظمة الله ومجده، فإنه يشرح الآن فائدة يمكننا الحصول عليها من إلهنا، وهي أنه يعطينا قدرة منه.
• لاحظ مَن الذين يعطيهم الله قدرة أو قوة. إنه يعطيها للمُعْيِي وَلِعَدِيمِ ٱلْقُوَّةِ. وأما المتكبرون والواثقون بحكمتهم وقدرتهم، فلن يجدوا أية قوة من الله.
٢. اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ: يجد أولئك الذين يظنون أنفسهم أقوياء أنهم ضعفاء. فقوة الله محفوظة للذين يعرفون أنهم ضعفاء ويعرفون أنه ليست لديهم قدرة أو شدة.
٣. وَأَمَّا مُنْتَظِرُو ٱلرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً: كيف ننال القوة هذه من الرب؟ نحن ننالها عندما ننتظره. وليست فكرة انتظار الرب هي أن نجلس مكتوفي اليدين إلى أن يفعل الله شيئًا. غير أن الله يعطي قوة، لكن لا نتوقع أن يسكبها فينا ونحن جالسون بشكل سلبي. فهو يأتي بها إلينا عندما نطلبه ونسعى إليه معتمدين عليه، بدلًا من الاعتماد على قوتنا. وإن كنا ضعفاء، فذلك لأننا لا ننتظره.
• يقال لنا إننا سنجدد قوة. إنها القوة التي نلناها ذات يوم عندما جئنا إلى الرب في ضعف، لا في قوة. ونجدد قوة عندما ننتظر الرب. “وكلمة يجدد هنا مأخوذة من كلمة تعني ’يغيّر.‘ وهي تعني ’يرتدي من جديد.‘ وتشير هنا إلى الاستمرار في ارتداء قوة جديدة.” موتير (Motyer)
٤. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَٱلنُّسُورِ: هذا هو مقياس القوة التي يعطينا الله إياها. إنها قوة للارتفاع فوق كل شيء آخر.
٥. يَرْكُضُونَ وَلَا يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلَا يُعْيُونَ: هذا هو غرض القوة التي يعطينا الله إياها. إنها قوة للتحرك والتقدم من أجله. إنها ليست قوة للاستعراض والتباهي، بل قوة للمضيّ قُدُمًا.
• التعبيران ’المُعيي‘ و’عديم القوة‘ ترجمة لكلمة واحدة في العبرية. وهي تعني ’فقدان القوة الكامنة.‘ وأما الكلمة المستخدمة في الآية ٣٠ فهي كلمة مختلفة، وهي تعني “الإنهاك بسبب قساوة الحياة.” موتير (Motyer). فإذا أُنهِكنا لأيٍّ من السببين، فإن الله موجود ليعطينا قوة – إذا انتظرناه.
• لاحظ الترتيب، لأنه يبدو غريبًا. أولًا، نرفع أجنحة كالنسور، ثم نركض، وأخيرًا نمشي. هل يبدو هذا الترتيب منطقيًّا؟ لا، على الإطلاق. أولًا، ندرك أننا نرتفع إلى السماويات في يسوع المسيح (أفسس ٢: ٦)، ثم نضع أنفسنا على مسار السباق (عبرانيين ١٢: ١). وعندئذ نكون في مكان جيد للمسير أو السلوك (كولوسي ٢: ٦).