إشعياء ١٠
دينونة أشور
بما أن إشعياء ١٠: ١-٤ مرتبطة بإشعياء ٩، فقد تعاملنا معها في الفصل السابق.
أولًا. دينونة الله على أشور المتغطرسة
أ ) الآيات (٥-٧): أشور، الأداة غير المتعمّدة في يد الرب
٥وَيْلٌ لأَشُّورَ قَضِيبِ غَضَبِي، وَالْعَصَا فِي يَدِهِمْ هِيَ سَخَطِي. ٦عَلَى أُمَّةٍ مُنَافِقَةٍ أُرْسِلُهُ، وَعَلَى شَعْبِ سَخَطِي أُوصِيهِ، لِيَغْتَنِمَ غَنِيمَةً وَيَنْهَبَ نَهْبًا، وَيَجْعَلَهُمْ مَدُوسِينَ كَطِينِ الأَزِقَّةِ. ٧أَمَّا هُوَ فَلاَ يَفْتَكِرُ هكَذَا، وَلاَ يَحْسِبُ قَلْبُهُ هكَذَا. بَلْ فِي قَلْبِهِ أَنْ يُبِيدَ وَيَقْرِضَ أُمَمًا لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ.
١. وَيْلٌ لِأَشُّورَ قَضِيبِ غَضَبِي: في القسم السابق (إشعياء ٧: ١-١٠: ٤)، كشف الرب أنه سيستخدم أشور كأداة دينونة على آرام وإسرائيل ويهوذا. لكن ماذا عن أشور؟ ألم يفوقوا تلك الشعوب الثلاثة شرًّا؟ نعم، كانوا أشرارًا. ومع ذلك، كان بإمكانه أن يستخدمهم كقضيب غضبه. وفي الوقت نفسه، لا يقدّم هذا عذرًا لجرائم أشور، ولهذا يقول: وَيْلٌ لِأَشُّورَ!
• “حدث تحوُّل مماثل في الدينونة الإلهية في حالة البابليين. لقد أقام الله الجيوش البابلية بين ٦٨٦ – ٦٠٥ ق. م. لمعاقبة يهوذا (حبقوق ١: ٦-١١)، ثم أعلن الدينونة على بابل (حبقوق ٢: ٦-١٧؛ إشعياء ١٤: ٥).” وولف (Wolf)
٢. قَضِيبِ غَضَبِي، وَٱلْعَصَا فِي يَدِهِمْ هِيَ سَخَطِي: كان القضيب والعصا (العكاز) عصوين يستخدمهما الراعي في توجيه خرافه. ويقول الله إن أشور كانت كعصا في يده ليؤدب بها آرام وإسرائيل ويهوذا.
٣. عَلَى أُمَّةٍ مُنَافِقَةٍ أُرْسِلُهُ، وَعَلَى شَعْبِ سَخَطِي أُوصِيهِ: وبهذ المعنى، كان الأشوريون في مهمة من الله. فكانوا يفعلون إرادته في هجومهم على آرام وإسرائيل ويهوذا. لقد أعطاهم الله إذنًا (أُوصِيهِ لِيَغْتَنِمَ غَنِيمَةً وَيَنْهَبَ نَهْبًا، وَيَجْعَلَهُمْ مَدُوسِينَ كَطِينِ ٱلْأَزِقَّةِ).
٤. أَمَّا هُوَ فَلَا يَفْتَكِرُ هَكَذَا، وَلَا يَحْسِبُ قَلْبُهُ هَكَذَا: بما أن أشور كانت أداة في يد الله، وبما أنها كانت تفعل إرادة الله، ألا يبرر هذا هجومهم على آرام وإسرائيل ويهوذا؟ لا، على الإطلاق. رغم أن الأشوريين كانوا أداة في يد الله، إلا أنهم لم يقصدوا أن يكونوا كذلك. لم يهتموا بإرادة الله أو مجده في هذه المسألة (فِي قَلْبِهِ أَنْ يُبِيدَ وَيَقْرِضَ أُمَمًا لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ). لقد أرادوا أن يقضوا على أمم كثيرة ويقطعوها من دون الالتفات إلى مشيئته ومجده.
• تقول الآية في مزمور ٧٦: ١٠ “لِأَنَّ غَضَبَ ٱلْإِنْسَانِ يَحْمَدُكَ.” يستطيع الله أن يستخدم شر الإنسان وجسديته لتعزيز إرادته من دون المصادقة على الشر أو الرغبات الجسدية. وفي واقع الأمر، كان الله مبررًا في الحكم على ذات الشر والجسدية اللذين استخدمهما.
• يتكرر هذا النمط كثيرًا عبر الكتاب المقدس. لقد أخطأ إخوة يوسف إلى الله، لكن الله استخدم هذا لقصده، وأدّب إخوة يوسف. وأخطأ شاول ضد داود، لكن الله استخدم هذا لقصده ودان شاول. وأخطأ يهوذا إلى يسوع، لكن الله استخدم هذا لقصده ودان يهوذا.
• يفترض أن يساعد هذا في الإجابة على أسئلة تزعج كثيرين. السؤال الأول هو: “كيف يمكن أن يجلب الله أي خير من خلال شر فُعِل بي؟” لا نستطيع في الغالب أن نعرف مسبقًا بالضبط كيف سيجلب الله الخير. لكن يمكننا أن نثق بأنه سيفعل هذا ونحن نواصل الخضوع له والسعي إلى طلبه. والسؤال الثاني هو: “ألا يهتم الله بما فعلوه بي؟” إنه مهتم بالفعل، وسيجلب التقويم أو الدينونة وفقًا لإرادته الكاملة وتوقيته.
ب) الآيات (٨-١٤): غطرسة أشور
٨فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَلَيْسَتْ رُؤَسَائِي جَمِيعًا مُلُوكًا؟ ٩أَلَيْسَتْ كَلْنُو مِثْلَ كَرْكَمِيشَ؟ أَلَيْسَتْ حَمَاةُ مِثْلَ أَرْفَادَ؟ أَلَيْسَتِ السَّامِرَةُ مِثْلَ دِمَشْقَ؟ ١٠كَمَا أَصَابَتْ يَدِي مَمَالِكَ الأَوْثَانِ، وَأَصْنَامُهَا الْمَنْحُوتَةُ هِيَ أَكْثَرُ مِنَ الَّتِي لأُورُشَلِيمَ وَلِلسَّامِرَةِ، ١١أَفَلَيْسَ كَمَا صَنَعْتُ بِالسَّامِرَةِ وَبِأَوْثَانِهَا أَصْنَعُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَصْنَامِهَا؟». ١٢فَيَكُونُ مَتَى أَكْمَلَ السَّيِّدُ كُلَّ عَمَلِهِ بِجَبَلِ صِهْيَوْنَ وَبِأُورُشَلِيمَ، أَنِّي أُعَاقِبُ ثَمَرَ عَظَمَةِ قَلْبِ مَلِكِ أَشُّورَ وَفَخْرَ رِفْعَةِ عَيْنَيْهِ. ١٣لأَنَّهُ قَالَ: «بِقُدْرَةِ يَدِي صَنَعْتُ، وَبِحِكْمَتِي. لأَنِّي فَهِيمٌ. وَنَقَلْتُ تُخُومَ شُعُوبٍ، وَنَهَبْتُ ذَخَائِرَهُمْ، وَحَطَطْتُ الْمُلُوكَ كَبَطَل. ١٤فَأَصَابَتْ يَدِي ثَرْوَةَ الشُّعُوبِ كَعُشٍّ، وَكَمَا يُجْمَعُ بَيْضٌ مَهْجُورٌ، جَمَعْتُ أَنَا كُلَّ الأَرْضِ، وَلَمْ يَكُنْ مُرَفْرِفُ جَنَاحٍ وَلاَ فَاتِحُ فَمٍ وَلاَ مُصَفْصِفٌ».
١. أَلَيْسَتْ رُؤَسَائِي جَمِيعًا مُلُوكًا؟: كان لدى الأشوريين نظرة متضخمة إلى أنفسهم حتى أنهم عدّوا رؤساءهم على مستوى ملوك الشعوب الأخرى.
٢. أَفَلَيْسَ كَمَا صَنَعْتُ بِٱلسَّامِرَةِ وَبِأَوْثَانِهَا أَصْنَعُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَصْنَامِهَا: يصف الرب هنا قلب الأشوريين المتكبر المتغطرس. كانت السامرة عاصمة مملكة إسرائيل الشمالية التي أولعت بعبادة الأوثان. وكانت أورشليم، عاصمة مملكة يهوذا، تحتفظ بشيء من عبادة الرب الإله. وظن الأشوريون في كبريائهم أن الرب لم يكن إلا واحدًا من هذه الأوثان التي قهروها في السامرة أو في مدن أخرى كثيرة. فكانوا يحتاجون إلى صيحة مدويّة لكي يستيقظوا.
• “خضعت المدن المذكورة في الآيتين ٩ و ١٠ لسيطرة الأشوريين بين ٧٤٠ – ٧٢١ ق. م. ولم يقدم أيٌّ من آلهة تلك المناطق أدنى مساعدة. وكان من المفترض أن الأوثان (الآية ١٠) في أورشليم كانت عاجزة بنفس المقدار.” وولف (Wolf)
٣. أَنِّي أُعَاقِبُ ثَمَرَ عَظَمَةِ قَلْبِ مَلِكِ أَشُّورَ وَفَخْرَ رِفْعَةِ عَيْنَيْهِ: كان كبرياء أشور وملكها في القلب المتغطرس، وعكست نظراته المتعالية قدرًا كبيرًا من الكبرياء.
• يصف الكتاب المقدس رأي الله في النظرات المتغطرسة. “طُمُوحُ ٱلْعَيْنَيْنِ وَٱنْتِفَاخُ ٱلْقَلْبِ، نُورُ ٱلْأَشْرَارِ خَطِيَّةٌ” (أمثال ٢١: ٤). “مُسْتَكْبِرُ ٱلْعَيْنِ وَمُنْتَفِخُ ٱلْقَلْبِ لَا أَحْتَمِلُهُ” (مزمور ١٠١: ٥). “لِأَنَّكَ أَنْتَ تُخَلِّصُ ٱلشَّعْبَ ٱلْبَائِسَ، وَٱلْأَعْيُنُ ٱلْمُرْتَفِعَةُ تَضَعُهَا” (مزمور ١٨: ٢٧).
٤. بِقُدْرَةِ يَدِي صَنَعْتُ: ومرة أخرى، يكشف الرب قلب الأشوريين. كانوا يفتخرون بقوّتهم وحكمتهم (وَبِحِكْمَتِي. لِأَنِّي فَهِيمٌ)، وكانوا يبالغون في قوتهم (جَمَعْتُ أَنَا كُلَّ ٱلْأَرْضِ).
كان لدى يوليوس قيصر هذا القلب المتكبّر عندما قال عن غزواته العسكرية: (Veni, vidi, vici) أي “ذهبت، رأيت، غزوت.” لكن كان لتشارلز الخامس قلب أفضل عندما قال عن غزواته العسكرية: (Veni, vidi, sed Christus vicit) أي “ذهبت، رأيت، لكن المسيح هو الذي غزا.”
ج) الآيات (١٥-١٩): الله يقيّم غطرسة أشور
١٥هَلْ تَفْتَخِرُ الْفَأْسُ عَلَى الْقَاطِعِ بِهَا، أَوْ يَتَكَبَّرُ الْمِنْشَارُ عَلَى مُرَدِّدِهِ؟ كَأَنَّ الْقَضِيبَ يُحَرِّكُ رَافِعَهُ! كَأَنَّ الْعَصَا تَرْفَعُ مَنْ لَيْسَ هُوَ عُودًا! ١٦لِذلِكَ يُرْسِلُ السَّيِّدُ، سَيِّدُ الْجُنُودِ، عَلَى سِمَانِهِ هُزَالاً، وَيُوقِدُ تَحْتَ مَجْدِهِ وَقِيدًا كَوَقِيدِ النَّارِ. ١٧وَيَصِيرُ نُورُ إِسْرَائِيلَ نَارًا وَقُدُّوسُهُ لَهِيبًا، فَيُحْرِقُ وَيَأْكُلُ حَسَكَهُ وَشَوْكَهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، ١٨وَيُفْنِي مَجْدَ وَعْرِهِ وَبُسْتَانِهِ، النَّفْسَ وَالْجَسَدَ جَمِيعًا. فَيَكُونُ كَذَوَبَانِ الْمَرِيضِ. ١٩وَبَقِيَّةُ أَشْجَارِ وَعْرِهِ تَكُونُ قَلِيلَةً حَتَّى يَكْتُبَهَا صَبِيٌّ.
١. هَلْ تَفْتَخِرُ ٱلْفَأْسُ عَلَى ٱلْقَاطِعِ بِهَا؟: يستخدم الرب صور الفأس، والمنشار، والقضيب، والعصيب لتوضيح نقطة مفادها أن الأداة أو الوسيلة لا يمكن أن تأخذ فضل الذي يستخدمها. ولا يمكن للمشرط أن ينسب لنفسه فضل ما يفعله الجرّاح. فالقوة والمهارة متضمنتان في المستخدِم، لا في الأداة.
• إن كان سهلًا لأداة الله التي لا تعرف شيئًا أن تتفاخر، فإنه أمر سهل أيضًا أن تتكبر أداة راغبة من أدوات الله. طلب منا يسوع أن نتحلى بنظرة مختلفة: “كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ، لِأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا.” (لوقا ١٧: ١٠). بقدر ما هو رائع أن تكون أداة في يد الله، فإن الأداة لا تستحق مجدًا خاصًا.
٢. لِذَلِكَ يُرْسِلُ ٱلسَّيِّدُ، سَيِّدُ ٱلْجُنُودِ، عَلَى سِمَانِهِ هُزَالًا: كانت أشور تجلس سعيدة منتفخة مرتفعة. لكن الله سوف “يُرْسِلُ عَلَى سِمَانِهِ هُزَالًا.” وستشبه دينونتها حريقًا بينها يحرق غابتها (وَيُوقِدُ تَحْتَ مَجْدِهِ وَقِيدًا كَوَقِيدِ ٱلنَّارِ) وحقولها المثمرة (وَيُفْنِي مَجْدَ وَعْرِهِ وَبُسْتَانِهِ). سيترك الرب أشور مجرد ظل لما كانت عليه في السابق.
• يعلّق بولتيما (Bultema) على استخدام تعبير ’ٱلنَّفْس وَٱلْجَسَد‘ كالتالي: “حذّر كالفن (Calvin) من الاستنتاج من هذا أن الروح ليست خالدة. والمقصود حسب هذا المفسر المدقق هو أن روح هذا الطاغية ستدفع ثمن أفعاله الشريرة على الأرض بعد هلاك جسده.”
ثانيًا. رغم هجوم الأشوريين، إلا أن الله سيحافظ على بقية من إسرائيل
أ ) الآيات (٢٠-٢٧): يطلب الله من شعبه ألا يخافوا من الأشوريين.
٢٠وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ وَالنَّاجِينَ مِنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ لاَ يَعُودُونَ يَتَوَكَّلُونَ أَيْضًا عَلَى ضَارِبِهِمْ، بَلْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى الرَّبِّ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ بِالْحَقِّ. ٢١تَرْجعُ الْبَقِيَّةُ، بَقِيَّةُ يَعْقُوبَ، إِلَى اللهِ الْقَدِيرِ. ٢٢لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَعْبُكَ يَا إِسْرَائِيلُ كَرَمْلِ الْبَحْرِ تَرْجعُ بَقِيَّةٌ مِنْهُ. قَدْ قُضِيَ بِفَنَاءٍ فَائِضٍ بِالْعَدْلِ. ٢٣لأَنَّ السَّيِّدَ رَبَّ الْجُنُودِ يَصْنَعُ فَنَاءً وَقَضَاءً فِي كُلِّ الأَرْضِ. ٢٤وَلكِنْ هكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ: «لاَ تَخَفْ مِنْ أَشُّورَ يَا شَعْبِي السَّاكِنُ فِي صِهْيَوْنَ. يَضْرِبُكَ بِالْقَضِيبِ، وَيَرْفَعُ عَصَاهُ عَلَيْكَ عَلَى أُسْلُوبِ مِصْرَ. ٢٥لأَنَّهُ بَعْدَ قَلِيل جِدًّا يَتِمُّ السَّخَطُ وَغَضَبِي فِي إِبَادَتِهِمْ». ٢٦وَيُقِيمُ عَلَيْهِ رَبُّ الْجُنُودِ سَوْطًا، كَضَرْبَةِ مِدْيَانَ عِنْدَ صَخْرَةِ غُرَابَ، وَعَصَاهُ عَلَى الْبَحْرِ، وَيَرْفَعُهَا عَلَى أُسْلُوبِ مِصْرَ. ٢٧وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ حِمْلَهُ يَزُولُ عَنْ كَتِفِكَ، وَنِيرَهُ عَنْ عُنُقِكَ، وَيَتْلَفُ النِّيرُ بِسَبَبِ السَّمَانَةِ.
١. وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ: طلب الرب من يهوذا ألاّ تتكل على أشور كمحرر لها من هجوم آرام وإسرائيل (إشعياء ٧). ووعد بأنه سينقذهم من آرام وإسرائيل، وأنهم غير مضطرين إلى اللجوء إلى الأشوريين. لكن آحاز، ملك يهوذا، لم يقبل نصيحة الرب. وعندما يستخدم الرب الأشوريين في هزيمة آرام وإسرائيل، سيستخدمهم في الحكم على يهوذا. والآن، يريد الرب أن تستعد يهوذا لهجوم أشور مذكّرًا إياها بأنه ما زال المتحكم في الأمور، وأنها يمكن أن تثق به.
• يُظهر هذا نعمة الله المذهلة وطول أناته. ما كان لنا أن ننتقد الله لو أنه قال: “هل تريدون الاتكال على أشور؟ حسنًا، أنتم الآن وحدكم. حظًّا سعيدًا.” لكن في وسط الدينونة المستحقة التي سيجلبها من خلال الأشوريين، أراد أن يعطي شعبه تعزية ورجاء.
٢. بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ وَٱلنَّاجِينَ مِنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ لَا يَعُودُونَ يَتَوَكَّلُونَ أَيْضًا عَلَى ضَارِبِهِمْ، بَلْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى ٱلرَّبِّ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ بِٱلْحَقّ: يَعِد الرب شعبه: “أنتم تعانون من هذا لأنكم لا تثقون بي. لكني سأغيركم حتى تثقوا بي مرة أخرى، وستتكلون عليّ مرة أخرى.”
٣. تَرْجِعُ ٱلْبَقِيَّةُ: ستُشعرهم معاناة شعب الله على أيدي الأشوريين وغيرهم كما لو أنهم سيدمَّرون بشكل كلي على نحو أكيد. ويطمئنهم الرب أن الأمر ليس هكذا. إذ سيحافظ دائمًا على بقية.
٤. قَدْ قُضِيَ بِفَنَاءٍ فَائِضٍ بِٱلْعَدْلِ: عندما يسمح الرب بالدمار، سواء أكان هذا في دينونة صريحة أم تقويم مُحب، فإنه يفعل هذا ببر، وليس في هذا ظلم. وفي واقع الأمر، فإن دينونته تفيض بالبر.
٥. لِأَنَّ ٱلسَّيِّدَ رَبَّ ٱلْجُنُودِ يَصْنَعُ فَنَاءً وَقَضَاءً (سيحدد النهاية): نهاية أي شيء؟ إنها نهاية ثقة يهوذا بشعوب مثل أشور. ولن يعتمدوا مرة أخرى على من غزاهم.
٦. لَا تَخَفْ مِنْ أَشُّورَ يَا شَعْبِي: يقول الرب لشعبه: “الدينونة والتصحيح قادمان، وسيؤلمان. لكن لديّ خطة. فلا تخافوا.” هذه كلمة يصعب تصديقها، لأن الدينونة والتقويم بطبيعتيهما مؤلمان، غير أنه يمكننا أن نقرر ألاّ نخاف وأن نتكل على الرب، حتى عندما يكون هذا مؤلمًا.
• يَضْرِبُكَ بِٱلْقَضِيبِ: سيضربكم بالعصا، لكن لا تخافوا. سيرفع عصاه عليكم، لكن لا تخافوا. فلماذا لا ينبغي أن تخافوا؟ لأن الأشوريين ليسوا متحكمين في الأمر. فالرب هو المسيطر. وبَعْدَ قَلِيلٍ جِدًّا يَتِمُّ ٱلسَّخَطُ وَغَضَبِي. يمكننا أن نتعزى دائمًا بحقيقة أن الله لن يترك شعبه لرحمة أعدائهم. وحتى عندما يستخدم الرب الأشوريين في جلب الدينونة والتقويم، فإنه ما زال هو المتحكم.
٧. وَيُقِيمُ عَلَيْهِ رَبُّ ٱلْجُنُودِ سَوْطًا، كَضَرْبَةِ مِدْيَانَ: ينبغي ليهوذا أن تتكل على الرب، لأنه سيتكفل بأمر الأشوريين. وسيفعل هذا كما فعل بمديان (كَضَرْبَةِ مِدْيَانَ عِنْدَ صَخْرَةِ غُرَابَ)، وسيضرب الرب أشور كما لو أن عَصَاهُ عَلَى ٱلْبَحْرِ.
• تصف الآية في سفر القضاة ٧: ٢٥ انتصار جدعون على المديانيين عِنْدَ صَخْرَةِ غُرَابَ. وبقدر ما كان انتصار جدعون كاملًا ومعجزيًّا، سيكون هذا مدى إعجاز دينونة الله بشكل كامل. وكما حدث بالفعل، كان هذا هو الحال بالضبط. إذ تذكر ٢ ملوك ١٩: ٣٥ كيف أن الله أرسل ملاك الرب وقتل ١٨٥.٠٠٠ أشوري في ليلة واحدة. وعندما صحا الشعب، رأوا ١٨٥.٠٠٠ جندي أشوري أمواتًا.
• تصف الآية في سفر الخروج ١٤: ١٦ كيف أن الرب استخدم عصا موسى في شقّ البحر الأحمر. وبنفس الطريقة، يمكن أن يفعل شيئًا معجزيًّا ضد أشور.
• تعامل الرب مع ملك أشور حسب عدله. إذ تذكر ٢ ملوك ١٩: ٣٦-٣٧ أنه عندما عاد الملك الأشوري إلى بلده بعد هجومه على يهوذا، قتله أبناؤه وهو يعبد في هيكل إلهه، نسروخ.
٨. وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ حِمْلَهُ يَزُولُ عَنْ كَتِفِكَ، وَنِيرَهُ عَنْ عُنُقِكَ، وَيَتْلَفُ ٱلنِّيرُ بِسَبَبِ ٱلسَّمَانَةِ (زيت المسحة): سيزعج الأشوريون يهوذا ويقمعونها، لكن ليس إلى الأبد. وبدلًا من ذلك، سيُكسر النير بسبب زيت المسحة (ٱلسَّمَانَةِ). فبسبب حضور الروح القدس وقوّته (الممثّلين في زيت المسحة)، سيُكسر نير العبودية.
• يرى بولتما (Bultema) أنه بسبب ذكر زيت المسحة هنا، فإن هذه إشارة إلى ذاك المسّيا، ذلك الممسوح، يسوع المسيح. فهو مصدر انتصارنا وحريتنا من نير العبودية.
ب) الآيات (٢٨-٣٢): وصف نبوي لوصول جيش الأشوريين
٢٨قَدْ جَاءَ إِلَى عَيَّاثَ. عَبَرَ بِمِجْرُونَ. وَضَعَ فِي مِخْمَاشَ أَمْتِعَتَهُ. ٢٩عَبَرُوا الْمَعْبَرَ. بَاتُوا فِي جَبَعَ. ارْتَعَدَتِ الرَّامَةُ. هَرَبَتْ جِبْعَةُ شَاوُلَ. ٣٠اِصْهِلِي بِصَوْتِكِ يَا بِنْتَ جَلِّيمَ. اسْمَعِي يَا لَيْشَةُ. مِسْكِينَةٌ هِيَ عَنَاثُوثُ. ٣١هَرَبَتْ مَدْمِينَةُ. احْتَمَى سُكَّانُ جِيبِيمَ. ٣٢الْيَوْمَ يَقِفُ فِي نُوبَ. يَهُزُّ يَدَهُ عَلَى جَبَلِ بِنْتِ صِهْيَوْنَ، أَكَمَةِ أُورُشَلِيمَ.
١. قَدْ جَاءَ إِلَى عَيَّاثَ: بسبب كلمة التعزية والتشجيع المذكورة في القسم السابق، قد تظن يهوذا أن الله لن يرسل دينونة أبدًا. ولهذا يذكر هذا القسم مدنًا كثيرة في يهوذا بالاسم ليبيّن أن الله سمح بالفعل بالغزو الأشوري، مع أنه سيسترد يهوذا بعد الهجوم.
٢. عَيَّاثَ… مِجْرُونَ… مِخْمَاشَ… جَبَعَ… نُوْبَ: تُذكر أسماء هذه المدن من الشمال إلى الجنوب، واصفًا بهذا مسار الغزو الأشوري. وتقع نُوْب في ضواحي أورشليم، وهذا هو الحد الذي وصل الأشوريون إليه في غزوهم ليهوذا. وقد توقّف تحرُّكهم عندما قتل ملاك الرب ١٨٥.٠٠٠ جندي أشوري في ليلة واحدة.
• “بلمسة شعرية بارعة، يروي إشعياء كيف أن العدو تحرّك عبر اثني عشر موقعًا مختلفًا، مقتربًا أكثر فأكثر من العاصمة.” وولف (Wolf)
ج ) الآيات (٣٣-٣٤): الرب يذل المتكبرين بين شعب يهوذا.
٣٣هُوَذَا السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ يَقْضِبُ الأَغْصَانَ بِرُعْبٍ، وَالْمُرْتَفِعُو الْقَامَةِ يُقْطَعُونَ، وَالْمُتَشَامِخُونَ يَنْخَفِضُونَ. ٣٤وَيُقْطَعُ غَابُ الْوَعْرِ بِالْحَدِيدِ، وَيَسْقُطُ لُبْنَانُ بِقَدِيرٍ.
١. الْمُرْتَفِعُو الْقَامَةِ يُقْطَعُونَ: يؤكد الرب أن الدينونة ستمتد إلى أصحاب المكانة العالية (الْمُرْتَفِعُو الْقَامَةِ). قد تبدو الغابة العظيمة وكأنها لا تُقهر، وكأنها ستدوم إلى الأبد. لكن الرب سيقطعها. هكذا سيقطع الرب المتكبرين وذوي القامة بين يهوذا (ٱلْمُرْتَفِعُو ٱلْقَامَةِ يُقْطَعُونَ). ولن يُترك في الغابة التي كانت عظيمة ذات يوم إلا جذوع.
٢. وَيَسْقُطُ لُبْنَانُ بِقَدِيرٍ: كانت غابات لُبْنَان مشهورة بأشجار الأرز الكبيرة القوية. وسيحكم الله على المتكبرين بين يهوذا – وجميع الشعوب المتكبرة أيضًا – وسيترك ما كان ذات يوم غابات عظيمة مجرد جذوع. فكلما ارتفع المتكبرون، زاد سقوطهم قسوة.