إشعياء ٢٦
ترنيمة مملكة يهوذا لله
أولًا. مدينة الله ومدينة الإنسان
أ ) الآيات (١-٢): قوة مدينة الله
١فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُغَنَّى بِهذِهِ الأُغْنِيَّةِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا: لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ. يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَارًا وَمَتْرَسَةً. ٢اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ الأُمَّةُ الْبَارَّةُ الْحَافِظَةُ الأَمَانَةَ.
١. فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ: يشير السياق من إشعياء ٢٤ و٢٥ إلى يوم انتصار المسيّا النهائي، اليوم الذي يملك فيه المسيّا على إسرائيل وعلى العالم كله. فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْم، سترنَّم ترانيم فرِحة كثيرة كهذه الترنيمة فِي أَرْضِ يَهُوذَا.
٢. لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ: منذ أن ظهرت المدن بعد سقوط الإنسان في تكوين ٣، لم يعرف الجنس البشري مدينة تقية حقًّا، مدينة الله على الأرض. فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْم، سيعرف الجميع قوة مدينة الله ومجدها.
• في القرن الخامس الميلادي، غزت قبائل أقل تحضُّرًا من شمال أوروبا مدينة روما. وفي الغرب، لم تعد الإمبراطورية الرومانية العظيمة موجودة. ولام كثيرون المسيحية – التي تبنّتها الإمبراطورية رسميًا على مدى القرن الماضي – على سقوط روما. وفي ذلك الوقت الممتلئ بالتشويش والارتباك، كتب أعظم لاهوتي مسيحي في ذلك العصر، أوغسطين، كتابًا بعنوان ’مدينة الله.‘ وحاول في كتابه أن يشرح ارتباط سقوط الإمبراطورية الرومانية بملكوت الله. وقام بالمقابلة بين مدينة الإنسان (التي كانت تمثلها روما والإمبراطورية الرومانية الجبارة) ومدينة الله (ملكوت الله). وأشار أوغسطين إلى أنه رغم أن سقوط روما كان مأساويًّا لمدينة الإنسان، إلا أن هذا عزّز قدوم مدينة الله. وكتب إشعياء، بلغة أوغسطين، عن مدينة الله عندما قال: “لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ.” والمدينة القوية هي ملكوت الله، بينما مدينة الإنسان هي النظام العالمي.
• هذه فكرة مهمة وغالبًا ما يتم تجاهلها. فغالبًا ما تُرفَض فكرة المدينة، وتُرسَم صورة رومانسية لفكرة عزلة الإنسان في إطار ريفي أو بدائي. لكن في ملكوت يسوع المسيح على هذه الأرض، ستكون هنالك مدن، لكنها ستكون مدنًا مفدية، مجتمعات مجيدة منظمة في ظل قوة الرب وخلاصه وبره وحقّه. وليس مثال الله الأعلى هو الهروب من كل مجتمع والعزلة في أحضان الطبيعة، بل سيتحقق ملكوت الله في مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ.
٣. يَجْعَلُ ٱلْخَلَاصَ أَسْوَارًا وَمَتْرَسَةً: تدور فكرة مدينة الله، من البداية إلى النهاية، حول ٱلْخَلَاصَ. فحتى الأسوار والمتاريس مخلَّصة.
٤. اِفْتَحُوا ٱلْأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ ٱلْأُمَّةُ ٱلْبَارَّةُ ٱلْحَافِظَةُ ٱلْأَمَانَةَ: إن مدينة الله، بكل ما فيها من قوة وخلاص، هي للأبرار فقط، للذين يحفظون الحق. وبنفس المبدأ، فإن أورشليم الجديدة مدينة ممتلئة مجدًا، وهي تستثني الأشرار (رؤيا ٢١: ٢٢-٢٧).
• ينبغي أن نفرّق بين ملكوت المسيا، الحكم الألفي ليسوع (الموصوف هنا في إشعياء ٢٦)، وبين مجيء أورشليم المجيدة (التي تأتي بعد زوال الأرض، رؤيا ٢١: ١-٢). والمدينتان متشابهتان، لأنهما من الرب. غير أنهما تأتيان في وقتين مختلفين من خطة الله للدهور.
ب) الآيات (٣-٤): الرب مصدر قوتنا.
٣ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِمًا سَالِمًا، لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ. ٤تَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّ فِي يَاهَ الرَّبِّ صَخْرَ الدُّهُورِ.
١. تَحْفَظُهُ سَالِمًا سَالِمًا: هذا وعد رائع بسلام كامل (سَالِمًا سَالِمًا). إذ يعد الله بأنه يمكننا الحصول على سلام كامل، بل يمكننا أن نبقى في هذه الحالة من السلام الكامل.
• وفي العبرية (كما في النص العربي)، يستخدم النبي تكرارًا لكلمة سلام (شالوم، شالوم). ويفيد التكرار تكثيف المعنى. فهو ليس مجرد سلام، بل هو سلام كامل.
• “افهمي، أيتها النفس العزيزة، أن لديك امتيازًا للحياة داخل أبواب مزدوجة لرعاية الرب المُحِبة. فهو يقول لكِ: سَالِمًا سَالِمًا. فإذا لم يكن توكيد واحد كافيًا، فسيُتْبِعه بثانٍ وثالث.” ماير (Meyer)
• يستطيع بعضهم أن يحصلوا على هذا السلام الكامل، لكنه سريع الزوال، ولا يمكن الحفاظ عليه هنا. ويمكن أن يُحفَظ آخرون في سلام، لكنه لن يكون سلامًا كاملًا. إنه سلام الأشرار، سلام النوم الروحي والدمار النهائي. لكن يوجد سلام كامل يحفظنا فيه الرب.
٢. ذُو ٱلرَّأْيِ ٱلْمُمَكَّنِ (من يركز فكره عليك): هذا هو مكان السلام الكامل ومصدره. فعندما نثبّت عقولنا على الرب نفسه بشكل راسخ، عندئذٍ يمكننا أن نُحفَظ في سلام كامل.
• الاحتفاظ بسلام كامل مسألة ذهنية. وهي ليست مسألة تتعلق بروحنا أو نفسنا أو قلبنا بقدر ما تتعلق بالعقل. وينبغي أن نحب الرب إلهنا من كل عقلنا وفكرنا (متى ٢٢: ٣٧). ونحن نتغير بتجديد أذهاننا (رومية ١٢: ٢). ويمكننا أن نحصل على فكر المسيح (١ كورنثوس ٢: ١٦؛ فيلبي ٢: ٥). ولا ينبغي أن نركز فكرنا على أمور أرضية (فيلبي ٣: ١٩)، بل على ما هو فوق (كولوسي ٣: ٢). وليست الحياة المسيحية حياة تخلو من تفكير أو فعل أو اختبار. لكنها تتسم بهذه كلها. لكن المكان الذي نضع عليه تركيزنا أمر جوهري في مسيرتنا مع الرب.
• لكي نُحفَظ في سلام كامل، ينبغي لأذهاننا أن تحافظ على تركيزها. يقول قاموس سترونج إن الكلمة العبرية المستخدمة هنا مستمدة من جذر كلمة يعني ’يدعم.‘ وهي تحمل فكرة الاتّكاء على شيء أو التمسك به، أو الصمود، أو الرسوخ، أو الاستناد إلى شيء، أو التمسك به، أو الاضطجاع بقوة، أو إراحة النفس، أو تثبيتها، أو تعزيزها. وتترجَم الكلمة نفسها في مواضع أخرى إلى ’يعضد‘ (تكوين ٢٧: ٣٧؛ مزمور ٣: ٥)، أو عندما يضع الكاهن يديه على رأس الذبيحة (خروج ٢٩: ١٠، ١٥، ١٩)، أو عندما توضع الأيادي في ظروف أخرى (سفر العدد ٢٧: ١٨)، أو عند الدعم (مزمور ٧١: ٦)، أو عند الصمود (مزمور ١١١: ٨)، أو عند الترسيخ (مزمور ١١٢: ٨)، أو الاتكاء (إشعياء ٣٦: ٦؛ ٤٨: ٢). فهل من الإنصاف أن نسأل تلاميذ يسوع المسيح: ما الذي يدعم عقلك؟ ما الذي تركز عليه بفكرك؟ ما الذي يعضد عقلك؟ على أي شيء يصمد فكرك؟ ما الذي يتثبّت فكرك عليه؟ ما الذي يستند إليه عقلك؟ لكي تحصل على هذا السلام الكامل، لا يمكن لعقلك أن يأتي من حين إلى آخر ليتكئ على الرب، بل ينبغي أن يبقى مركزًا عليه طوال الوقت.
• لكي نُحفَظ في هذا السلام الكامل، يتوجب أن تبقى أذهاننا مثبّتة على الرب. فإن كان عقلنا مركَّزًا على أنفسنا، أو على مشكلاتنا، أو مشكلات الذين حولنا، فلن نستطيع أن نتمتع بهذا السلام الكامل. إنه القلب الذي يقول مع الرسول بولس ’لِأَعْرِفَهُ‘ (فيلبي ٣: ١٠). ويحب إبليس في هجماته الروحية علينا أن يشغل أذهاننا بكل شيء ما عدا الرب.
٣. لِأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ: هذه طريقة أخرى للتعبير عن إبقاء عقولنا مثبّتة عليه. فأنت تُبقي عقلك دائمًا تقريبًا على كل ما تتكل عليه. وعندما نثق بالرب، فإننا نُبقي عقلنا مثبّتًا عليه.
• تعبّر الآية في سفر الأمثال ٣: ٥ عن الفكرة نفسها: “تَوَكَّلْ عَلَى ٱلرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لَا تَعْتَمِدْ (لا تتكئ).” وكلمة ’تعتمد‘ (تتكئ) مأخوذة من الكلمة المستخدمة في إشعياء ٢٦: ٣، ’مُتَوَكِّلٌ.‘ فعندما نتوكل على الرب، واثقين به، فإننا لا نتكئ على فهمنا. فالاتكاء على الرب يعني الثقة به. وأن نُحفظ من الرب يعني الثقة به. وأن نتثبّت منه وفيه يعني الثقة به، وأن نُعضَد منه يعني الثقة به.
• تبدأ معركة الثقة في حياتنا في أذهاننا. فإن كنا نثق بالرب متوكلين عليه، فإن هذا سيظهر في أفعالنا، لكن منشأه الأصلي هو في عقلنا.
٤. تَوَكَّلُوا عَلَى ٱلرَّبِّ إِلَى ٱلْأَبَدِ: بسبب الوعد المقطوع في إشعياء ٢٦: ٣، تشجعنا كلمة الله على الثقة بالله إِلَى ٱلْأَبَدِ. وبهذا نحصل على بركة الوعد – السلام الكامل.
٥. لِأَنَّ فِي يَاهَ ٱلرَّبِّ صَخْرَ ٱلدُّهُورِ (قوة أبدية): إن كان الرب يدعونا إلى الاعتماد عليه بعقلنا، فإنه يحتكم إلى عقلنا الذي يفترض أن يقرر سبب اتكالنا عليه، وهو أنه قوة أبدية (صخر الدهور). فليس الأمر يمتلك قوة أبدية، بل هو نفسه قوة أبدية.
• ينطبق هنا تعليق كلارك (Clarke) على إشعياء ١٢: ٢ “يرجح أن الكلمة التي نقرؤها ’ياه‘ هنا خطأ. وقد نشأ هذا عن عادة الكتبة اليهود الذين عندما كانوا يجدون سطرًا أقصر من أن يتسع لكلمة، كانوا يكتبون أكبر عدد ممكن من حروفها ليملأوا السطر، وبعد ذلك، كانوا يبدؤون السطر التالي بالكلمة كاملةً.”
ج) الآيات (٥-٦): مصير مدينة الإنسان
٥لأَنَّهُ يَخْفِضُ سُكَّانَ الْعَلاَءِ، يَضَعُ الْقَرْيَةَ الْمُرْتَفِعَةَ. يَضَعُهَا إِلَى الأَرْضِ. يُلْصِقُهَا بِالتُّرَابِ. ٦تَدُوسُهَا الرِّجْلُ، رِجْلاَ الْبَائِسِ، أَقْدَامُ الْمَسَاكِينِ.
١. لِأَنَّهُ يَخْفِضُ سُكَّانَ ٱلْعَلَاءِ، يَضَعُ ٱلْقَرْيَةَ ٱلْمُرْتَفِعَةَ: مدينة الإنسان مرتفعة شامخة، ويعيش المعظَّمون فيها في العلاء. لكن الرب سيُنزِلهم. وليست مدينة الإنسان، النظام العالمي، شيئًا بالنسبة لله، وسيضعها.
٢. يُلْصِقُهَا بِٱلتُّرَابِ: ترتكز مدينة الإنسان، النظام العالمي، على القوة والهيبة. وهي مبنية على ظهور الضعفاء والمساكين. لكن عندما يُنزل الرب مدينة الإنسان ويُلْصِقُهَا بِٱلتُّرَابِ، فإنه يقلب الأمور رأسًا على عقِب، حيث تَدُوسُهَا ٱلرِّجْلُ، رِجْلَا ٱلْبَائِسِ، أَقْدَامُ ٱلْمَسَاكِينِ.
• عبّر يسوع عن نفس المبدأ في متى ٥: ٥ “طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ ٱلْأَرْضَ.” طلب منا المسيح أن نقاوم تفكير العالم في القوة والهيبة، وأن نحيا بتفكير ملكوت الله الآن (متى ٢٠: ٢٥-٢٨).
د ) الآيات (٧-٩): طريق المستقيمين
٧طَرِيقُ الصِّدِّيقِ اسْتِقَامَةٌ. تُمَهِّدُ أَيُّهَا الْمُسْتَقِيمُ سَبِيلَ الصِّدِّيقِ. ٨فَفِي طَرِيقِ أَحْكَامِكَ يَا رَبُّ انْتَظَرْنَاكَ. إِلَى اسْمِكَ وَإِلَى ذِكْرِكَ شَهْوَةُ النَّفْسِ. ٩بِنَفْسِي اشْتَهَيْتُكَ فِي اللَّيْلِ. أَيْضًا بِرُوحِي فِي دَاخِلِي إِلَيْكَ أَبْتَكِرُ. لأَنَّهُ حِينَمَا تَكُونُ أَحْكَامُكَ فِي الأَرْضِ يَتَعَلَّمُ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ الْعَدْلَ.
١. طَرِيقُ ٱلصِّدِّيقِ ٱسْتِقَامَةٌ: في ملكوت الله، يسلك الصديقون في طريق الاستقامة. ويقدم إشعياء المعنى بدقة من حيث ترتيب الأمور. فالله يجعل شعبه أبرارًا من خلال علاقة إيمان وثقة به، وبعد ذلك يسلكون في طريق الاستقامة.
• هم يسلكون باستقامة لأنهم يخدمون الرب الإله الذي هو مستقيم للغاية. وعندما يتكلون عليه (يؤمنون به)، ويُعلَنون أبرارًا، من الرب، فإنهم يسلكون في طريقه.
• تُمَهِّدُ (تزن) أَيُّهَا ٱلْمُسْتَقِيمُ سَبِيلَ ٱلصِّدِّيقِ: ينظر الرب إلى شعبه الأبرار، ويقيّم سبيلهم. فالرب مهتم بسلوك أبراره.
٢. إِلَى ٱسْمِكَ وَإِلَى ذِكْرِكَ شَهْوَةُ ٱلنَّفْسِ: في ملكوت الله، فإن شعبه الأبرار يشتهونه.
• تظهر هذه الشهوة في الانتظار – يَا رَبُّ ٱنْتَظَرْنَاكَ. وعندما ترغب في شخص أو تشتهي شيئًا، فإنك مستعد لانتظاره. وأنت تفعل هذا بسرور بسبب رغبتك.
• تظهر هذه الشهوة أو الرغبة في السعي والطلب: بِنَفْسِي ٱشْتَهَيْتُكَ فِي ٱللَّيْلِ. أَيْضًا بِرُوحِي فِي دَاخِلِي إِلَيْكَ أَبْتَكِرُ. فعندما تشتاق إلى شخص أو شيء، فإنك تسعى إليه طوال الوقت.
٣. يَتَعَلَّمُ سُكَّانُ ٱلْمَسْكُونَةِ ٱلْعَدْلَ: طريق المستقيم سيُبرر في يوم من الأيام.
هـ) الآيات (١٠-١١): طرق الأشرار
١٠يُرْحَمُ الْمُنَافِقُ وَلاَ يَتَعَلَّمُ الْعَدْلَ. فِي أَرْضِ الاسْتِقَامَةِ يَصْنَعُ شَرًّا وَلاَ يَرَى جَلاَلَ الرَّبِّ. ١١يَا رَبُّ، ارْتَفَعَتْ يَدُكَ وَلاَ يَرَوْنَ. يَرَوْنَ وَيَخْزَوْنَ مِنَ الْغَيْرَةِ عَلَى الشَّعْبِ وَتَأْكُلُهُمْ نَارُ أَعْدَائِكَ.
١. يُرْحَمُ ٱلْمُنَافِقُ وَلَا يَتَعَلَّمُ ٱلْعَدْلَ: الأشرر جاحدون لجميل الله ولصلاحه معهم.
٢. وَلَا يَرَى جَلَالَ ٱلرَّبِّ… يَرَوْنَ وَيَخْزَوْنَ… وَتَأْكُلُهُمْ نَارُ أَعْدَائِكَ: نهاية الأشرار كارثة.
ثانيًا. وعود مقدمة للقلب المتواضع
أ ) الآيات (١٢-١٨): صلاة القلب المتواضع
١٢يَا رَبُّ، تَجْعَلُ لَنَا سَلاَمًا لأَنَّكَ كُلَّ أَعْمَالِنَا صَنَعْتَهَا لَنَا. ١٣أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ. بِكَ وَحْدَكَ نَذْكُرُ اسْمَكَ. ١٤هُمْ أَمْوَاتٌ لاَ يَحْيَوْنَ. أَخْيِلَةٌ لاَ تَقُومُ. لِذلِكَ عَاقَبْتَ وَأَهْلَكْتَهُمْ وَأَبَدْتَ كُلَّ ذِكْرِهِمْ. ١٥زِدْتَ الأُمَّةَ يَا رَبُّ، زِدْتَ الأُمَّةَ. تَمَجَّدْتَ. وَسَّعْتَ كُلَّ أَطْرَافِ الأَرْضِ. ١٦يَا رَبُّ فِي الضِّيقِ طَلَبُوكَ. سَكَبُوا مُخَافَتَةً عِنْدَ تَأْدِيبِكَ إِيَّاهُمْ. ١٧كَمَا أَنَّ الْحُبْلَى الَّتِي تُقَارِبُ الْوِلاَدَةَ تَتَلَوَّى وَتَصْرُخُ فِي مَخَاضِهَا، هكَذَا كُنَّا قُدَّامَكَ يَا رَبُّ. ١٨حَبِلْنَا تَلَوَّيْنَا كَأَنَّنَا وَلَدْنَا رِيحًا. لَمْ نَصْنَعْ خَلاَصًا فِي الأَرْضِ، وَلَمْ يَسْقُطْ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ.
١. لِأَنَّكَ كُلَّ أَعْمَالِنَا صَنَعْتَهَا لَنَا: رغم أن الروح القدس تكلم من خلال الرسول بولس بعد ما يزيد عن ٥٠٠ سنة من زمن إشعياء، يحس المرء كأنّ إشعياء قرأ أفسس ٢: ٨-١٠ “لِأَنَّكُمْ بِٱلنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِٱلْإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ ٱللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلَا يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لِأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ ٱللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا.” حتى أعمالنا الصالحة أعمال قد سبق الله فأعدها لنا (لِأَنَّكَ كُلَّ أَعْمَالِنَا صَنَعْتَهَا لَنَا).
٢. قَدِ ٱسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ. بِكَ وَحْدَكَ نَذْكُرُ ٱسْمَكَ: يتوب القلب المتواضع عن عبادة الأوثان في الماضي، ويبتهج في الحرية الحالية في الرب.
• يرى القلب المتواضع حماقة عبادة الأوثان في الماضي (هُمْ أَمْوَاتٌ لَا يَحْيَوْنَ)، ويرى انتصار الرب على كل الأوثان (عَاقَبْتَ وَأَهْلَكْتَهُمْ وَأَبَدْتَ كُلَّ ذِكْرِهِمْ). “من الواضح أن هذه الآية لا تشير إلى وجود حقيقي لأسياد أخرى كآلهة (سَادَةٌ سِوَاكَ)، لكن ببساطة كان يُعتقد أنهم موجودون، وأن حُكمهم أمر كان يقر به بشكل آثم من الناس في أزمنة غابرة.” جروجان (Grogan)
• الكلمة العبرية التي تدل على الهيمنة هي ’بعل.‘ وهي يمكن أن تعني ’السيد‘ أو ’الزوج.‘ وبطبيعة الحال، كان البعل الإله الرئيسي للكنعانيين ووثنًا معبودًا مغريًا لإسرائيل. وتقول يهوذا في هذه الصلاة ما مفاده: “أيها الرب الإله، سادَنا أسياد غيرك.”
٣. كَمَا أَنَّ ٱلْحُبْلَى ٱلَّتِي تُقَارِبُ ٱلْوِلَادَةَ تَتَلَوَّى وَتَصْرُخُ فِي مَخَاضِهَا… كَأَنَّنَا وَلَدْنَا رِيحًا: يعرف القلب المتواضع عُقم العمل بعيدًا عن توجيه الرب وبركته.
• “لقد تعذّبنا عذاب امرأة في الإنجاب، لكن من دون تعزية ولادة ابن حي، لأننا لم نلد إلا الريح. فكانت كل جهودنا وآمالنا عبثًا وفشلًا.” بوله (Poole)
٤. زِدْتَ ٱلْأُمَّةَ: يعرف القلب المتواضع أن الرب مسؤول عن الزيادة والبركة.
٥. يَا رَبُّ فِي ٱلضِّيقِ طَلَبُوكَ: يعتمد القلب المتواضع على الرب في أوقات الضيق والعقم.
ب) الآية (١٩): وعد القيامة
١٩تَحْيَا أَمْوَاتُكَ، تَقُومُ الْجُثَثُ. اسْتَيْقِظُوا، تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ التُّرَابِ. لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ، وَالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَةَ.
١. تَحْيَا أَمْوَاتُكَ: قدّم العهد القديم فهمًا مضبّبًا للحياة الآتية. “وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ ٱلْآنَ (أسرار الحياة الآتية) بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي أَبْطَلَ ٱلْمَوْتَ وَأَنَارَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ ٱلْإِنْجِيلِ” (٢ تيموثاوس ١: ١٠). لكننا نجد هنا في العهد القديم مثلًا لتوقُّع واثق بالقيامة والمجد لأبرار الرب.
ج) الآيات (٢٠-٢١): وعد بالملجأ في زمن السخط العظيم
٢٠هَلُمَّ يَا شَعْبِي ادْخُلْ مَخَادِعَكَ، وَأَغْلِقْ أَبْوَابَكَ خَلْفَكَ. اخْتَبِئْ نَحْوَ لُحَيْظَةٍ حَتَّى يَعْبُرَ الْغَضَبُ. ٢١لأَنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُعَاقِبَ إِثْمَ سُكَّانِ الأَرْضِ فِيهِمْ، فَتَكْشِفُ الأَرْضُ دِمَاءَهَا وَلاَ تُغَطِّي قَتْلاَهَا فِي مَا بَعْدُ.
١. هَلُمَّ يَا شَعْبِي ٱدْخُلْ مَخَادِعَكَ: هنا يتحدث إشعياء بلسان الرب فيتنبّأ بوقت عندما يدعو فيه شعبه إلى أن يأتوا ويجدوا ملجأ حَتَّى يَعْبُرَ الْغَضَبُ.
• الملجأ آمِن، وشعب الله آمنون في مخادعهم مع إغلاق الأبواب خلفهم. إنهم مختبئون بأمان.
٢. ٱلرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُعَاقِبَ إِثْمَ سُكَّانِ ٱلْأَرْضِ فِيهِمْ: الغضب الذي يختبئ منه شعب الله هو من الرب نفسه. فليس اضطهادًا من الأشرار، بل دينونة محلية، لكنه أمر يجلبه الرب على سكان الأرض بشكل عام.
• يشاهَد الدمار الذي يجلبه غضب الرب في جميع أنحاء العالم. فَتَكْشِفُ الأَرْضُ دِمَاءَهَا وَلاَ تُغَطِّي قَتْلاَهَا فِي مَا بَعْدُ.
٣. ٱخْتَبِئْ نَحْوَ لُحَيْظَةٍ: متى يكون هذا الوقت الذي يُحمل فيه شعب الله بعيدين، مختبئين بأمان من غضب شديد يجلبه الله على الأرض؟ ربما يشير هذا إلى خلاص الشعب اليهودي من غضب ضد المسيح في رؤيا ١٢: ٦ و١٢: ١٣-١٦. لكن الأكثر احتمالًا هو أنه يتحدث عن ملجأ وأمان وأمن لشعب الله عندما يُخطف مع الرب في الهواء (١ تسالونيكي ١٦: ٤-١٧)، وينجون من غضب الرب العظيم الذي يسكبه على العالم كله في الضيقة العظيمة (متى ٢٤: ٢١-٢٢؛ رؤيا ٩: ١٥-٢١) التي ستسبق مباشرة مجيء يسوع الثاني (متى ٢٤: ٢٩-٣٠).
• إذا نظرنا إلى هذا النص الكتابي هكذا، فإنه نص قوي يدعم التعليم الذي يفيد أن الاختطاف يسبق الضيقة العظيمة، حيث يرفع يسوع المسيح شعبه من هذه الأرض التي تأتي مباشرة ليجنّبهم هذه الضيقة التي تسبق مباشرة عودته النهائية.