إشعياء ٣٠
اتّكلوا على الرب، لا على مصر
أولًا. توبيخ ليهوذا التي تطلّعت إلى مصر من أجل الإنقاذ
أ ) الآيات (١-٢): الله يفضح خطية أولئك المتّكلين على مصر
١«وَيْلٌ لِلْبَنِينَ الْمُتَمَرِّدِينَ، يَقُولُ الرَّبُّ، حَتَّى أَنَّهُمْ يُجْرُونَ رَأْيًا وَلَيْسَ مِنِّي، وَيَسْكُبُونَ سَكِيبًا وَلَيْسَ بِرُوحِي، لِيَزِيدُوا خَطِيئَةً عَلَى خَطِيئَةٍ. ٢الَّذِينَ يَذْهَبُونَ لِيَنْزِلُوا إِلَى مِصْرَ وَلَمْ يَسْأَلُوا فَمِي، لِيَلْتَجِئُوا إِلَى حِصْنِ فِرْعَوْنَ وَيَحْتَمُوا بِظِلِّ مِصْرَ.
١. ٱلَّذِينَ يَذْهَبُونَ لِيَنْزِلُوا إِلَى مِصْرَ… لِيَلْتَجِئُوا إِلَى حِصْنِ فِرْعَوْنَ: أُعطيتْ هذه النبوّة في وقت كان فيه الجيش الأشوري يهاجم مملكة إسرائيل الشمالية ويهوذا. وسرعان ما ستُقهَر مملكة إسرائيل الشمالية من أشور، وسيؤخذ شعبها إلى السبي. وبعد ذلك ستتفرغ أشور لمهاجمة مملكة يهوذا. وبسبب هذا التهديد، تَطَلَّع قادة يهوذا إلى مصر للحماية من الغزو الأشوري.
٢. يُجْرُونَ رَأْيًا وَلَيْسَ مِنِّي، وَيَسْكُبُونَ سَكِيبًا وَلَيْسَ بِرُوحِي: في تَطَلُّع يهوذا إلى مصر للحماية، هجرت الرب. وبمعنى ما، كان أمرًا حسنًا وحكيمًا أن تفهم أنها كانت محتاجة إلى عون، وأنها على استعداد للبحث عن عون خارجي. وبمعنى أوسع، كان من الحمق والشر أن تتطلع يهوذا إلى آخرين، ولاسيما مصر، من أجل العون، بدلًا من التطلع إلى الرب.
• أي أنهم يأخذون مشورة، لكن ليس من الرب. ويضعون خططًا، لكنها ليست من روح الله. إنها خطية أن يُرفَض الرب، وإنها خطية أخرى أن تتكل على شخص بشكل كلي. ولهذا، فإن ما فعلته يهوذا في هذا الوضع هو أنها أضافت خطية إلى أخرى.
ب) الآيات (٣-٥): حماقة الاتكال على مصر
٣فَيَصِيرُ لَكُمْ حِصْنُ فِرْعَوْنَ خَجَلاً، وَالاحْتِمَاءُ بِظِلِّ مِصْرَ خِزْيًا. ٤لأَنَّ رُؤَسَاءَهُ صَارُوا فِي صُوعَنَ، وَبَلَغَ رُسُلُهُ إِلَى حَانِيسَ. ٥قَدْ خَجِلَ الْجَمِيعُ مِنْ شَعْبٍ لاَ يَنْفَعُهُمْ. لَيْسَ لِلْمَعُونَةِ وَلاَ لِلْمَنْفَعَةِ، بَلْ لِلْخَجَلِ وَلِلْخِزْيِ».
١. فَيَصِيرُ لَكُمْ حِصْنُ (قوة، حماية) فِرْعَوْنَ خَجَلًا، وَٱلِٱحْتِمَاءُ بِظِلِّ مِصْرَ خِزْيًا: لم تكن قوة مصر، من منظور السماء شيئًا. فعندما نظر الرب إليها، رأى أنها لا تمتلك جوهرًا محسوسًا، بل كانت مجرد ظل.
٢. قَدْ خَجِلَ ٱلْجَمِيعُ مِنْ شَعْبٍ لَا يَنْفَعُهُمْ: جاء سفراء مصر إلى يهوذا ورأوا أنه ليس لدى يهوذا شيء ينفعهم. فكان من الحماقة أن يتكل قادة يهوذا على أُمّة نظرت إليها بهذه الطريقة.
ثانيًا. وحيٌ من جهة يهوذا لأنها وضعت ثقتها بمصر
أ ) الآيات (٦-٧): اتكالها على مصر لن ينفعها شيئًا.
٦وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَهَائِمِ الْجَنُوبِ: فِي أَرْضِ شِدَّةٍ وَضِيقَةٍ، مِنْهَا اللَّبْوَةُ وَالأَسَدُ، الأَفْعَى وَالثُّعْبَانُ السَّامُّ الطَّيَّارُ، يَحْمِلُونَ عَلَى أَكْتَافِ الْحَمِيرِ ثَرْوَتَهُمْ، وَعَلَى أَسْنِمَةِ الْجِمَالِ كُنُوزَهُمْ، إِلَى شَعْبٍ لاَ يَنْفَعُ. ٧فَإِنَّ مِصْرَ تُعِينُ بَاطِلاً وَعَبَثًا، لِذلِكَ دَعَوْتُهَا «رَهَبَ الْجُلُوسِ».
١. وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَهَائِمِ ٱلْجَنُوبِ: أعلن إشعياء عبئًا (وحْيًا) على قطيع من حيوانات يهوذا ستحمل ثروات يهوذا إلى مصر عبر البرية، في محاولة حمقاء لشراء حماية المصريين من الأشوريين.
٢. فَإِنَّ مِصْرَ تُعِينُ بَاطِلًا وَعَبَثًا: لا عجب أن إشعياء أحسّ بالأسف على الحمير التي ستحمل كنوز يهوذا إلى مصر. فرغم كل الثروات التي سيحملها قطيع الحيوانات عبر الصحراء، إلا أن مصر لن تساعد يهوذا على الإطلاق. ولهذا، يمكن للمرء أن يدعو مصر “رهب الجالسة مكتوفة اليدين،” أو “رهب اللاشيء.” وكلمة رهب اسم، لكنها كلمة عبرية تعني “كبرياء،” وهي تُستخدم أحيانًا كلقب لمصر (مزمور ٨٧: ٤). وستجلس مصر مكتوفة اليدين بينما تضايق أشور يهوذا.
• “كل هذا بلا فائدة. فلن يجلب هذا عونًا أو ميزة. ربما كان بإمكان إشعياء أن يقول: ’هذا طبيعي!‘ كانوا بسبب خوفهم من الأُمة القاتلة المخيفة (أشور) يسعون إلى عون من القاتل المزَكَّى الأكيد (مصر)!” موتير (Motyer)
ب) الآيات (٨-١١): الرب يوثّق رفض يهوذا لرسالته.
٨تَعَالَ الآنَ اكْتُبْ هذَا عِنْدَهُمْ عَلَى لَوْحٍ وَارْسُمْهُ فِي سِفْرٍ، لِيَكُونَ لِزَمَنٍ آتٍ لِلأَبَدِ إِلَى الدُّهُورِ. ٩لأَنَّهُ شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ، أَوْلاَدٌ كَذَبَةٌ، أَوْلاَدٌ لَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْمَعُوا شَرِيعَةَ الرَّبِّ. ١٠الَّذِينَ يَقُولُونَ لِلرَّائِينَ: «لاَ تَرَوْا»، وَلِلنَّاظِرِينَ: «لاَ تَنْظُرُوا لَنَا مُسْتَقِيمَاتٍ. كَلِّمُونَا بِالنَّاعِمَاتِ. انْظُرُوا مُخَادِعَاتٍ. ١١حِيدُوا عَنِ الطَّرِيقِ. مِيلُوا عَنِ السَّبِيلِ. اعْزِلُوا مِنْ أَمَامِنَا قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ».
١. تَعَالَ ٱلْآنَ ٱكْتُبْ هَذَا عِنْدَهُمْ عَلَى لَوْحٍ وَٱرْسُمْهُ فِي سِفْرٍ، لِيَكُونَ لِزَمَنٍ آتٍ لِلْأَبَدِ إِلَى ٱلدُّهُور: أخبر الله يهوذا كل هذا قبل حصوله، وأراد أن يكون كلامه موثَّقًا. وقد فعل هذا حتى عندما يحدث كل شيء كما قال الرب، ستكون ليهوذا ثقة أكبر بالرب.
٢. لِأَنَّهُ شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ، أَوْلَادٌ كَذَبَةٌ، أَوْلَادٌ لَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْمَعُوا شَرِيعَةَ ٱلرَّبِّ. ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لِلرَّائِينَ: «لاَ تَرَوْا»: أراد الرب توثيق رفض يهوذا لرسالته ولرسله. أرادت أن تسمع يهوذا لأنبياء الله ورسله، لكنها لم تُرِد أن تسمع الحق منهم. إذ أرادوا الدين، لكنهم لم يريدوا أن يكون للإله الحي، إله السماء، وجود حقيقي في حياتهم – ٱعْزِلُوا مِنْ أَمَامِنَا قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ.
• لم تنتهِ المشكلة التي واجهتها يهوذا في يومها. إذ وصف الرسول بولس نفس نوع القلب في ٢ تيموثاوس ٤: ٣-٤: “لِأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لَا يَحْتَمِلُونَ فِيهِ ٱلتَّعْلِيمَ ٱلصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ ٱلْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ، فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ ٱلْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى ٱلْخُرَافَاتِ.”
ج) الآيات (١٢-١٤): الدينونة القادمة على يهوذا بسبب اتكالها على مصر ورفْضها لرسالة الله
١٢لِذلِكَ هكَذَا يَقُولُ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: «لأَنَّكُمْ رَفَضْتُمْ هذَا الْقَوْلَ وَتَوَكَّلْتُمْ عَلَى الظُّلْمِ وَالاعْوِجَاجِ وَاسْتَنَدْتُمْ عَلَيْهِمَا، ١٣لِذلِكَ يَكُونُ لَكُمْ هذَا الإِثْمُ كَصَدْعٍ مُنْقَضٍّ نَاتِئٍ فِي جِدَارٍ مُرْتَفِعٍ، يَأْتِي هدُّهُ بَغْتَةً فِي لَحْظَةٍ. ١٤وَيُكْسَرُ كَكَسْرِ إِنَاءِ الْخَزَّافِينَ، مَسْحُوقًا بِلاَ شَفَقَةٍ، حَتَّى لاَ يُوجَدُ فِي مَسْحُوقِهِ شَقَفَةٌ لأَخْذِ نَارٍ مِنَ الْمَوْقَدَةِ، أَوْ لِغَرْفِ مَاءٍ مِنَ الْجُبِّ».
١. لِأَنَّكُمْ رَفَضْتُمْ هَذَا ٱلْقَوْلَ… لِذَلِكَ يَكُونُ لَكُمْ هَذَا ٱلْإِثْمُ كَصَدْعٍ مُنْقَضٍّ نَاتِئٍ فِي جِدَارٍ مُرْتَفِعٍ: أكد الله أنه بسبب اتكال يهوذا على مصر، بدلًا من اتكالها على الله، سينهار كل شيء. وستكون يهوذا كجدار منهار (كَصَدْعٍ مُنْقَضٍّ نَاتِئٍ فِي جِدَارٍ مُرْتَفِعٍ). وسيأتي كسره فجأة (يَأْتِي هَدُّهُ بَغْتَةً فِي لَحْظَةٍ). وستكون يهوذا كإناء خزفي مكسور ومسحوق (وَيُكْسَرُ كَكَسْرِ إِنَاءِ ٱلْخَزَّافِينَ، مَسْحُوقًا).
د ) الآيات (١٥-١٧): ستُذل يهوذا بسبب اعتمادها على نفسها ورفْضها لرسالة الله.
١٥لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: «بِالرُّجُوعِ وَالسُّكُونِ تَخْلُصُونَ. بِالْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ». فَلَمْ تَشَاءُوا. ١٦وَقُلْتُمْ: «لاَ بَلْ عَلَى خَيْل نَهْرُبُ». لِذلِكَ تَهْرُبُونَ. «وَعَلَى خَيْل سَرِيعَةٍ نَرْكَبُ». لِذلِكَ يُسْرُعُ طَارِدُوكُمْ. ١٧يَهْرُبُ أَلْفٌ مِنْ زَجْرَةِ وَاحِدٍ. مِنْ زَجْرَةِ خَمْسَةٍ تَهْرُبُونَ، حَتَّى أَنَّكُمْ تَبْقُونَ كَسَارِيَةٍ عَلَى رَأْسِ جَبَل، وَكَرَايَةٍ عَلَى أَكَمَةٍ.
١. بِٱلرُّجُوعِ وَٱلسُّكُونِ تَخْلُصُونَ. بِٱلْهُدُوءِ وَٱلطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ: قدّم الله ليهوذا وعد الحماية من أشور، فلم تكن محتاجة إلى التطلع إلى مصر للحماية على الإطلاق. إذْ كان بإمكانها الثقة بوعد الله.
• يعني الاتكال على وعد الله الرجوع. فإن كان هنالك عصيان ظاهر في حياتنا، يتوجب علينا أن نرجع إلى طرق الرب. ولا يتفق العصيان الصريح مع الثقة بوعد الله. ويعني الرجوع أيضًا فكرة الاقتراب إلى الله.
• يعني الاتكال على وعد الله الراحة. فعندما نتكل على الله، فلسنا مضطرين إلى أن نجهد أنفسنا من أجل أنفسنا. فلسنا ملزمين ببذل جهدنا في المحاججة للدفاع عن أنفسنا. إذ لدينا أفضل محامٍ وأفضل حارس في الله. ولهذا يمكننا أن نرتاح فيه. وعندما نفعل هذا، فإننا نبيّن أننا نتكل على وعده حقًّا.
• يعني الاتكال على وعد الله الهدوء. فلست محتاجًا إلى التفتيش هنا وهناك عن حجج للدفاع عن قضيتك عندما يكون الله إلى جانبك. فاهدأ أمام الله والآخرين. ومن شأن هذا أن يبيّن أنك تثق به فعلًا.
• يعني الاتكال على وعد الله الثقة. فلا تكون بهذا مستسلمًا لليأس أو الخوف، لأنك تثق بوعد الرب. فأنت تعرف أنه أمين وسيفي بوعده، ولهذا لديك ثقة عميقة بالإله الذي يحبك.
• تعني هذه كلها ثقة حقيقية بوعد الله. وهي تعني أننا سنُنقَذ، وأننا سنجد قوة. فلا يوجد على وجه الأرض من هو أقوى من ابنٍ لله يضع ثقته في وعد الإله الحي بشكل صحيح.
٢. فَلَمْ تَشَاءُوا. وَقُلْتُمْ: «لَا بَلْ عَلَى خَيْلٍ نَهْرُبُ». لِذَلِكَ تَهْرُبُونَ: لأن يهوذا رفضت وعد الرب، واتكلت على الخيل وأشياء أخرى، فإنها تحتاج إلى الهروب! ولو أنها وثقت بوعد الله بدلًا من ذلك، لما كان لديها سبب للهروب، ولكانت رأت خلاص الرب وقوته.
٣. يَهْرُبُ أَلْفٌ مِنْ زَجْرَةِ وَاحِدٍ: هذا نقيض للوعد الموجود في سفر اللاويين ٢٦: ٨ وتحقيق للعنة الموجودة في سفر اللاويين ٢٦: ١٧: “وَأَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّكُمْ فَتَنْهَزِمُونَ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ، وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ مُبْغِضُوكُمْ، وَتَهْرُبُونَ وَلَيْسَ مَنْ يَطْرُدُكُمْ.”
ثالثًا. بركة استرداد يهوذا
أ ) الآية (١٨): دعوة إلى الثقة بتوقيت الله
١٨وَلِذلِكَ يَنْتَظِرُ الرَّبُّ لِيَتَرَاءَفَ عَلَيْكُمْ. وَلِذلِكَ يَقُومُ لِيَرْحَمَكُمْ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهُ حَقّ. طُوبَى لِجَمِيعِ مُنْتَظِرِيهِ.
١. وَلِذَلِكَ يَنْتَظِرُ ٱلرَّبُّ لِيَتَرَاءَفَ عَلَيْكُمْ: غالبًا ما نتساءل لماذا ينتظر الرب حتى يفعل أشياء في حياتنا. يخبرنا إشعياء بوضوح أنه يفعل هذا لكي يتراءف علينا. وعندما ينتظر الرب، أو يبدو أنه يتأخر، فإن هنالك دائمًا قصدًا مُحِبًّا وراء ذلك. ويمكننا أن نثق به حتى لو لم نفهم.
٢. وَلِذَلِكَ يَقُومُ لِيَرْحَمَكُمْ (ترجمة أخرى: سيتعظم الله عندما يرحمكم): عندما يرحمنا الله، فإن هذا يعظّمه. فالرحمة لا تأتي لتعظّم ذاك الذي ينال رحمة. إذ تدرك الرحمة ذنب ذاك الذي يستحق العقاب. لكن الرحمة تعظّم ذاك الذي يقدّمها، وهي تبيّن أنه محب ورؤوف ورحيم.
٣. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلَهُ حَقٍّ (عدل): قد يبدو على السطح أن الرحمة تناقِض الحق (العدل). فإذا مَثُلَ مجرم مذنب أمام قاضٍ، فإنّ لدى القاضي الخيار أن يُظهر الرحمة أو العدالة. لكن الله عظيم جدًّا، وهو يستطيع أن يُظهر الاثنين معًا.
• ظهر هذا عند الصليب. فقد أخذ يسوع العقاب الذي نستحقه، فأرضى بهذا عدالة الله. وفي الوقت نفسه، فإن الله يُظهر رحمة من خلال تقديم عمل يسوع لنا كثمن لخطايانا. فالله وحده يستطيع أن يوفق بين الرحمة والعدالة “لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلْإِيمَانِ بِيَسُوعَ” (رومية ٣: ٢٦).
٤. طُوبَى لِجَمِيعِ مُنْتَظِرِيهِ: لأن الله عظيم جدًّا، فإنّ هنالك بركة مدمجة للذين ينتظرونه. ولا يقصد إشعياء بالانتظار مجرد سماح مرور وقت. بل يقصد الانتظار الصبور لوعد الله والاتكال عليه.
• “من المؤكد أن بعضًا من شعب الله في ضيق ومحنة، وهم يتوقون إلى الإنقاذ الفوري، ولا يستطيعون أن ينتظروا الله أو يمارسوا الخضوع لإرادته. ومن المؤكد أنه سينقذهم في الوقت الملائم، لكنهم لا يستطيعون انتظار تلك الساعة. فهم كالأطفال، يخطفون الثمرة غير الناضجة. لكن ’لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ (قصْد) تَحْتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَقْتٌ.‘ لكنّ وقتهم هو الحاضر، ولا يريدون الانتظار. إذ تتوجب تحقيق رغباتهم فورًا، وإلا فإنهم مستعدون لاتخاذ وسائل خطأ لتحقيقها. فإن كانوا في فقر، فإنهم يتعجّلون الإثراء، ولن يبقوا أبرياء طويلًا. وإن كانوا تحت التوبيخ، فإن قلوبهم تختمر نحو الانتقام. وسرعان ما يندفعون بتوجيه من إبليس إلى سياسة مشكوك فيها، بدلًا من التحلّي بثقة الأطفال تجاه الرب وفِعْل الخير. ولا ينبغي أن يكون الحال هذا حالكم، أيها الإخوة. إذ يتوجب عليكم أن تتعلموا طريقة أفضل.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) (١٩) الله يَعِد بمباركة شعبه بالاستجابة لصراخهم.
١٩لأَنَّ الشَّعْبَ فِي صِهْيَوْنَ يَسْكُنُ فِي أُورُشَلِيمَ. لاَ تَبْكِي بُكَاءً. يَتَرَاءَفُ عَلَيْكَ عِنْدَ صَوْتِ صُرَاخِكَ. حِينَمَا يَسْمَعُ يَسْتَجِيبُ لَكَ.
١. لَا تَبْكِي بُكَاءً. يَتَرَاءَفُ عَلَيْكَ عِنْدَ صَوْتِ صُرَاخِكَ: عندما ينتظر الشعب إلى الله، ويتكلون بصبر على وعده، فإنه يسكب نعمته عند سماع صراخ قلوبهم (حِينَمَا يَسْمَعُ يَسْتَجِيبُ لَكَ). وحتى لو أحسوا بأن الله بعيد، فإنه يسمع ويَعِد بالاستجابة.
ج) الآيات (٢٠-٢١): الله يعد شعبه بالإرشاد.
٢٠وَيُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ خُبْزًا فِي الضِّيقِ وَمَاءً فِي الشِّدَّةِ. لاَ يَخْتَبِئُ مُعَلِّمُوكَ بَعْدُ، بَلْ تَكُونُ عَيْنَاكَ تَرَيَانِ مُعَلِّمِيكَ، ٢١وَأُذُنَاكَ تَسْمَعَانِ كَلِمَةً خَلْفَكَ قَائِلَةً: «هذِهِ هِيَ الطَّرِيقُ. اسْلُكُوا فِيهَا». حِينَمَا تَمِيلُونَ إِلَى الْيَمِينِ وَحِينَمَا تَمِيلُونَ إِلَى الْيَسَارِ.
١. وَيُعْطِيكُمُ ٱلسَّيِّدُ خُبْزًا فِي ٱلضِّيقِ وَمَاءً فِي ٱلشِّدَّةِ… عَيْنَاكَ تَرَيَانِ مُعَلِّمِيكَ: عندما كانت يهوذا مزدهرة ومرتاحة، لم تشأ أن تسمع صوت الله. والآن، أعطاهم الله خُبْزًا فِي ٱلضِّيقِ وَمَاءً فِي ٱلشِّدَّةِ، لكنهم استطاعوا أن يسمعوا الله ويقادوا منه. وإنه أفضل دائمًا أن نكون غير مرتاحين وفي انسجام مع طرق الرب ونحن معه، من أن نكون مرتاحين وبعيدين عنه.
د ) الآية (٢٢): يَعِد الله بمباركة شعبه برغبة في الطهارة.
٢٢وَتُنَجِّسُونَ صَفَائِحَ تَمَاثِيلِ فِضَّتِكُمُ الْمَنْحُوتَةِ، وَغِشَاءَ تِمْثَالِ ذَهَبِكُمُ الْمَسْبُوكِ. تَطْرَحُهَا مِثْلَ فِرْصَةِ حَائِضٍ. تَقُولُ لَهَا: «اخْرُجِي».
١. وَتُنَجِّسُونَ صَفَائِحَ تَمَاثِيلِ فِضَّتِكُمُ ٱلْمَنْحُوتَةِ: احتفظ سكان يهوذا بأوثان بيتية لإكرام آلهة أخرى وعبادتها. ويَعِد الرب بيوم فيه ينجّسون تلك الأوثان ويلقون بها كشيء نجس كريه. ويا له من أمر رائع أن يقول شعب الله للأشياء الشريرة والوثنية، «اخْرُجِي».
٢. تَطْرَحُهَا مِثْلَ فِرْصَةِ حَائِضٍ: الترجمة العربية هنا مطابقة للنص العبري في إشارتها إلى قطع قماش للحيض. إذ توجد ترجمات أخرى تستخدم عبارات ألطف للإشارة إلى هذا المعنى. والمعنى هنا هو أن شعب الله سيبغضون أوثانهم ويتقززون منها ويلقون بها فورًا كقطعة قماش كريهة جدًّا.
هـ) الآيات (٢٣-٢٦): يَعِد الله بمباركة الطبيعة بالوفرة.
٢٣ثُمَّ يُعْطِي مَطَرَ زَرْعِكَ الَّذِي تَزْرَعُ الأَرْضَ بِهِ، وَخُبْزَ غَلَّةِ الأَرْضِ، فَيَكُونُ دَسَمًا وَسَمِينًا، وَتَرْعَى مَاشِيَتُكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ فِي مَرْعًى وَاسِعٍ. ٢٤وَالأَبْقَارُ وَالْحَمِيرُ الَّتِي تَعْمَلُ الأَرْضَ تَأْكُلُ عَلَفًا مُمَلَّحًا مُذَرَّى بِالْمِنْسَفِ وَالْمِذْرَاةِ. ٢٥وَيَكُونُ عَلَى كُلِّ جَبَل عَال وَعَلَى كُلِّ أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ سَوَاق وَمَجَارِي مِيَاهٍ فِي يَوْمِ الْمَقْتَلَةِ الْعَظِيمَةِ، حِينَمَا تَسْقُطُ الأَبْرَاجُ. ٢٦وَيَكُونُ نُورُ الْقَمَرِ كَنُورِ الشَّمْسِ، وَنُورُ الشَّمْسِ يَكُونُ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ كَنُورِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فِي يَوْمٍ يَجْبُرُ الرَّبُّ كَسْرَ شَعْبِهِ وَيَشْفِي رَضَّ ضَرْبِهِ.
١. ثُمَّ يُعْطِي مَطَرَ زَرْعِكَ ٱلَّذِي تَزْرَعُ ٱلْأَرْضَ بِه: عندما تنزع يهوذا أوثانها، وتتكل بجسارة على وعد الله، سيرسل الله بركات مادية إليها. فبالنسبة لأمّة من المزارعين، كان وعدًا رائعًا أن يجعلهم الله دسمين وسمينين (فَيَكُونُ دَسَمًا وَسَمِينًا). وفي أرض جافة طبيعيًّا، كان وعدًا رائعًا بإعطاء وفرة من الأنهار وجداول المياه (وَيَكُونُ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ عَالٍ وَعَلَى كُلِّ أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ سَوَاقٍ وَمَجَارِي مِيَاهٍ).
٢. فِي يَوْمٍ يَجْبُرُ ٱلرَّبُّ كَسْرَ شَعْبِهِ وَيَشْفِي رَضَّ ضَرْبِهِ: رعاية الله المُحِبة أفضل من كل بركاته المادية.
و ) الآيات (٢٧-٢٩): الرب يَعِد شعبه بفرح يوم الدينونة.
٢٧هُوَذَا اسْمُ الرَّبِّ يَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ. غَضَبُهُ مُشْتَعِلٌ وَالْحَرِيقُ عَظِيمٌ. شَفَتَاهُ مُمْتَلِئَتَانِ سَخَطًا، وَلِسَانُهُ كَنَارٍ آكِلَةٍ، ٢٨وَنَفْخَتُهُ كَنَهْرٍ غَامِرٍ يَبْلُغُ إِلَى الرَّقَبَةِ. لِغَرْبَلَةِ الأُمَمِ بِغُرْبَالِ السُّوءِ، وَعَلَى فُكُوكِ الشُّعُوبِ رَسَنٌ مُضِلٌّ. ٢٩تَكُونُ لَكُمْ أُغْنِيَّةٌ كَلَيْلَةِ تَقْدِيسِ عِيدٍ، وَفَرَحُ قَلْبٍ كَالسَّائِرِ بِالنَّايِ، لِيَأْتِيَ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، إِلَى صَخْرِ إِسْرَائِيلَ.
١. هُوَذَا ٱسْمُ ٱلرَّبِّ يَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ. غَضَبُهُ مُشْتَعِلٌ: يرى إشعياء دينونة الله آتية مسرعة لِغَرْبَلَةِ ٱلْأُمَمِ بِغُرْبَالِ ٱلسُّوءِ. غير أنه لا يحتاج شعب الله إلى الخوف. إذ ستكون لديهم أغنية (تَكُونُ لَكُمْ أُغْنِيَّةٌ كَلَيْلَةِ تَقْدِيسِ عِيدٍ، وَفَرَحُ قَلْبٍ كَٱلسَّائِرِ بِٱلنَّايِ، لِيَأْتِيَ إِلَى جَبَلِ ٱلرَّبِّ). فيا لَلمقابلة!
• “واقع الأمر أن شعب الله يصوَّرون هنا فرحين بالدينونة على الخطية، لأنه يتوجب عليهم أن يأخذوا نظرة الرب إلى كل شيء، ولأن هذه الدينونة هي خلاصهم في الوقت نفسه.” جروجان (Grogan)
٢. تَكُونُ لَكُمْ أُغْنِيَّةٌ: تعبّر ١ يوحنا ٤: ١٧ عن الفكرة نفسها: “بِهَذَا تَكَمَّلَتِ ٱلْمَحَبَّةُ فِينَا: أَنْ يَكُونَ لَنَا ثِقَةٌ فِي يَوْمِ ٱلدِّينِ، لِأَنَّهُ كَمَا هُوَ فِي هَذَا ٱلْعَالَمِ، هَكَذَا نَحْنُ أَيْضًا.” فالثقة والفرح في يوم الدينونة هبتان ثمينتان من الله.
ز ) الآيات (٣٠-٣٣): مجد دينونة الرب
٣٠وَيُسَمِّعُ الرَّبُّ جَلاَلَ صَوْتِهِ، وَيُرِي نُزُولَ ذِرَاعِهِ بِهَيَجَانِ غَضَبٍ وَلَهِيبِ نَارٍ آكِلَةٍ، نَوْءٍ وَسَيْل وَحِجَارَةِ بَرَدٍ. ٣١لأَنَّهُ مِنْ صَوْتِ الرَّبِّ يَرْتَاعُ أَشُّورُ. بِالْقَضِيبِ يَضْرِبُ. ٣٢وَيَكُونُ كُلُّ مُرُورِ عَصَا الْقَضَاءِ الَّتِي يُنْزِلُهَا الرَّبُّ عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ وَالْعِيدَانِ. وَبِحُرُوبٍ ثَائِرَةٍ يُحَارِبُهُ. ٣٣لأَنَّ «تُفْتَةَ» مُرَتَّبَةٌ مُنْذُ الأَمْسِ، مُهَيَّأَةٌ هِيَ أَيْضًا لِلْمَلِكِ، عَمِيقَةٌ وَاسِعَةٌ، كُومَتُهَا نَارٌ وَحَطَبٌ بِكَثْرَةٍ. نَفْخَةُ الرَّبِّ كَنَهْرِ كِبْرِيتٍ تُوقِدُهَا.
١. وَيُسَمِّعُ ٱلرَّبُّ جَلَالَ صَوْتِهِ: أراد إشعياء لشعب الله أن يروا مجد دينونات الرب. فعندما نفهم أن دينونات الله تعظّم عدالته وبرّه، فإننا نرى مجد دينونته.
٢. يَرْتَاعُ أَشُّورُ. بِٱلْقَضِيبِ يَضْرِبُ: رأى إشعياء في المنظور القريب دينونة الرب على أشور. ولم يكن على يهوذا أن تتكل على مصر في مدّها بالعون ضد الأشوريين. لكن كان عليها أن تتكل على الرب، بدلًا من ذلك، لأن الرب سيتكفل بالأشوريين.
• “وبالفعل، حدث كما قال الرب بالضبط. إذ تصف ٢ ملوك ١٩: ٣٥ كيف أن الرب أرسل ملاكه، فقتل ١٨٥.٠٠٠ جندي أشوري في ليلة واحدة. وعندما استيقظ الشعب، رأوا ١٨٥.٠٠٠ جندي أشوري أمواتًا.
٣. لِأَنَّ «تُفْتَةَ» مُرَتَّبَةٌ مُنْذُ ٱلْأَمْسِ، مُهَيَّأَةٌ هِيَ أَيْضًا لِلْمَلِكِ: كان التُفتة مكانًا في وادي هنوم خارج أسوار أورشليم (إرميا ٧: ٣١). وكان وادي هنوم كمزبلة لأورشليم، حيث كانت تُحرق فيه نفايات المدينة. وكانت توليفة القاذورات المقززة والحرائف المشتعلة هي التي جعلتها صورة لجهنم. والكلمة العبرية “جهنم” مأخوذة من اسم وادي هنوم. ولهذا يقول الله إن لديه مكانًا خاصًّا في جهنم للملك الأشوري.
• تعليق تراب (Trapp) على «تُفْتَةَ»: “ولهذا تُستخدم هذه الكلمة للإشارة إلى الجحيم بأبديته الفظيعة التي سيتحملها الملعونون هناك. وقد هُدِّد الأشوريون بهذا – هدد الأشوريين بملكهم الذي لم تكن نجاته من ضربة ملاك الرب إلا حفظًا له لمصير أسوأ هنا وفي الآخرة.”
• كان لله مكان أبدي للملك الأشوري الذي هاجم يهوذا وأورشليم (لِأَنَّ «تُفْتَةَ» مُرَتَّبَةٌ مُنْذُ ٱلْأَمْسِ، مُهَيَّأَةٌ هِيَ أَيْضًا لِلْمَلِكِ، عَمِيقَةٌ وَاسِعَةٌ، كُومَتُهَا نَارٌ وَحَطَبٌ بِكَثْرَةٍ). لكن كانت لديه دينونة خاصة لذلك الملك على الأرض. إذ تصف ٢ ملوك ١٩: ٣٦-٣٧ كيف أنه عند رجوع الملك الأشوري إلى وطنه، قتله أبناؤه وهو يعبد إلهه نسروخ في معبده. “سيعّذَّب الرجال العِظام، إن لم يكونوا صالحين، عذابًا عظيمًا. وكلما كان لديهم دهن أكثر على الأرض، زاد التأكد من أنهم سيُقْلَون في الجحيم.” تراب (Trapp)
• “يبدأ إشعياء بيوم الرب ’الحقيقي.‘ إنه رب كل الشعوب. (وبالتضمين، ما هي أشور بالمقارنة مع مثل هذا الإله!) وسيكون شعب الرب آمنين في ذلك اليوم. وسيكون دورهم هو أن يرنموا وسط أحكام الله ودينوناته. ولهذا، في ما يتعلق بأشور هنا والآن، ستتحطم، وسترنّم يهوذا. والمحرقة الجنائزية جاهزة. والنار كذلك.” موتير (Motyer)