إشعياء ٣٦
هجوم محبط للإيمان
أولًا. رَبْشَاقَى يتحدث إلى قادة في إدارة الملك حزقيّا.
أ ) الآيات (١-٣): مسؤولون من إدارة الملك حزقيا يلتقون رَبْشَاقَى، قائد جيوش أشور.
١وَكَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا أَنَّ سَنْحَارِيبَ مَلِكَ أَشُّورَ صَعِدَ عَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا الْحَصِينَةِ وَأَخَذَهَا. ٢وَأَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ رَبْشَاقَى مِنْ لاَخِيشَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ، فَوَقَفَ عِنْدَ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا فِي طَرِيقِ حَقْلِ الْقَصَّارِ. ٣فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ، وَشَبْنَةُ الْكَاتِبُ، وَيُوآخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ.
١. وَكَانَ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا: كان هذا حوالي ٧٠٠ قبل الميلاد في عهد حزقيال، ملك يهوذا التقي. وأحداث هذا الإصحاح مدونة أيضًا في ٢ ملوك ١٨: ١٣-٢٧ و ٢ أخبار ٣٢: ١-١٩.
• يبدأ هذا الإصحاح قسمًا من أربعة إصحاحات مختلفًا عن النبوات السابقة أو اللاحقة. إذ يصف إشعياء ٣٦ و٣٧ عمل الرب ضد التهديد الأشوري، ويصف إشعياء ٣٨ و ٣٩ الاستجابة للتهديد البابلي.
• “هذا هو التاريخ في أفضل حالاته. إذ ليس سردًا مملًّا للإحصاءات والتواريخ، لكنه سرد يمكننا من خلاله أن نستشعر الغطرسة الأشورية ومخلب اليأس المخيف في قلوب الإسرائيليين.” جروجان (Grogan)، مقتبسًا كندال (Cundall)
٢. أَنَّ سَنْحَارِيبَ مَلِكَ أَشُّورَ صَعِدَ عَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا ٱلْحَصِينَةِ وَأَخَذَهَا: يشكل هذا الغزو الأشوري الخلفية الواسعة لكثير من نبوات إشعياء في الإصحاحات ١ إلى ٣٥. والآن، يقدّم لنا إشعياء سجلًّا تاريخيًّا لما حدث خلال الوقت الذي تنبّأ عنه.
• اكتسح الجيش الأشوري كل المناطق من الشمال ساحقًا آرام وإسرائيل، كما تنبّأ إشعياء في ٨: ٣-٤ ومواضع أخرى. ثم صعد الأشوريون ليهاجموا مدن يهوذا الحصينة وأخذوها، كما تنبّأ إشعياء في ٧: ١٦-١٧ ومواضع أخرى.
٣. وَأَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ رَبْشَاقَى مِنْ لَاخِيشَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى ٱلْمَلِكِ حَزَقِيَّا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ: حسب إشعياء ٣٦: ١-٣، غزا الجيش الأشوري مملكة آرام ومملكة إسرائيل الشمالية، ودمّر ريف يهوذا ومدنها الحصينة، ولم يتبقَّ إلا مدينة أورشليم. وإذا غزاها الأشوريون، فسيكونون قد دمروا يهوذا كأُمّة، كما حدث مع آرام وإسرائيل. فكانت تلك أوقاتً عصيبة للملك حزقيا.
• من هو رَبْشَاقَى؟ كان ’رَبْشَاقَى‘ لقبًا، لا اسمًا، وهو يشير إلى القائد الميداني للجيش الأشوري الذي مثّل الملك سنحاريب. “ربما دلّ هذا اللقب الأشوري ’رب-شاقى‘ في الأصل على رئيس السُقاة، لكن بحلول هذا الوقت، كان أحد كبار المسؤولين في الدولة.” موتير (Motyer)
• إن ذِكر لاَخِيشَ مهم تاريخيًّا. إذ كانت تبعد ٣٠ ميلًا إلى الجنوب الغربي من أورشليم. وقد اكتشف علماء الآثار حفرة توجد فيها رفات ١٥٠٠ جندي من جنود سنحاريب. ويمكنك أن ترى في المتحف البريطاني المنحوتات الأشورية التي تصوّر حصارها لمدينة لاخيش التي كانت حصنًا مهمًّا ليهوذا.
٤. فَوَقَفَ عِنْدَ قَنَاةِ ٱلْبِرْكَةِ ٱلْعُلْيَا … فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَلِيَاقِيمُ … وَشَبْنَةُ … وَيُوآخُ: يبدو أن ربشاقى متحكم في الموقف بشكل كامل. إذ يمكنه أن يسير مباشرة إلى مدينة أورشليم والوقوف عند مصدر مياهه الحيوي، والذي سيكون شريان الحياة لها عند التعرض لمهاجمتها أو حصارها. وبينما كان يقف هناك، جاء ثلاثة مسؤولين من إدارة الملك لحزقيّا لمقابلته.
ب) الآيات (٤-٦): ربشاقى ينتقد اتكال يهوذا على حِلْفها مع مصر.
٤فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: «قُولُوا لِحَزَقِيَّا: هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ مَلِكُ أَشُّورَ: مَا هُوَ هذَا الاتِّكَالُ الَّذِي اتَّكَلْتَهُ؟ ٥أَقُولُ إِنَّمَا كَلاَمُ الشَّفَتَيْنِ هُوَ مَشُورَةٌ وَبَأْسٌ لِلْحَرْبِ. وَالآنَ عَلَى مَنِ اتَّكَلْتَ حَتَّى عَصَيْتَ عَلَيَّ؟ ٦إِنَّكَ قَدِ اتَّكَلْتَ عَلَى عُكَّازِ هذِهِ الْقَصَبَةِ الْمَرْضُوضَةِ، عَلَى مِصْرَ، الَّتِي إِذَا تَوَكَّأَ أَحَدٌ عَلَيْهَا دَخَلَتْ فِي كَفِّهِ وَثَقَبَتْهَا. هكَذَا فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ لِجَمِيعِ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ.
١. مَا هُوَ هَذَا ٱلِٱتِّكَالُ ٱلَّذِي ٱتَّكَلْتَهُ: من أعظم المعارك التي خاضها الملك حزقيا خلال هذا الوقت إغراء عقد تحالف دفاعي مع مصر التي بدت الدولة الوحيدة القوية بما يكفي لحماية يهوذا من الأشوريين الأقوياء.
• فعل إشعياء كنبي كل ما بوسعه لثني حزقيا وقادة يهوذا عن الاتكال على مصر (إشعياء ١٩: ١١-١٧؛ ٢٠: ١-٦؛ ٣٠: ١-٧). فقد أراد الرب ليهوذا أن تتكل عليه بدلًا من مصر.
• بهذا المعنى، كان ربشاق يقول الحق. فلم يُرِد الله ليهوذا أن تضع ثقتها في مصر على الإطلاق. لكن ربشاقى لم يقل هذا ليوصل يهوذا إلى اتكال ثابت على الرب الإله الذي يستطيع أن يخلّصها من الأشوريين، وسيفعل ذلك. لكن ربشاقى قال هذا لتدمير معنويات يهوذا ودفْعها إلى اليأس.
• يهاجمنا إبليس بنفس الطريقة! فغالبًا حتى عندما يقول الحق (أنت خاطئ نتنٌ جدًّا!)، فإنه لا يفعل هذا ليقودنا إلى اتكال ثابت بالرب إلهنا (“مات يسوع من أجل الخطاة. ولهذا، إذا كنت خاطئًا نتنًا جدًّا، فقد مات يسوع ليغفر لي ويحررني!”) وبدلًا من ذلك، فإن إستراتيجية إبليس – حتى لو أخبرنا الحقيقة – هي أنها دائمًا تدمير معنوياتنا ودفْعنا إلى اليأس.
٢. إِنَّكَ قَدِ ٱتَّكَلْتَ عَلَى عُكَّازِ هَذِهِ ٱلْقَصَبَةِ ٱلْمَرْضُوضَةِ، عَلَى مِصْرَ: من الغريب أن ربشاقى استطاع أن يدرك حقيقة ضعف مصر أكثر من كثيرين من قادة يهوذا.
• “قامت مصر بمحاولتها الوحيدة بالوفاء بوعودها (٢٨: ١٤)، وهُزم جيشها في ’التقيّة.‘ رأى ربشاقى هذا بنفسه، لكن كلماته كانت بعيدة الأثر وبالغة الضرر، فاضحًا بهذا غباء قادة يهوذا. ومن المؤكد أنه عرف أن كل من يتكل على مصر سيُعاني.” موتير (Motyer)
ج) الآية (٧): ينتقد ربشاقى اتكال يهوذا على الله.
٧وَإِذَا قُلْتَ لِي: عَلَى الرَّبِّ إِلهِنَا اتَّكَلْنَا، أَفَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَزَالَ حَزَقِيَّا مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ، وَقَالَ لِيَهُوذَا وَلأُورُشَلِيمَ: أَمَامَ هذَا الْمَذْبَحِ تَسْجُدُونَ.
١. وَإِذَا قُلْتَ لِي: عَلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا ٱتَّكَلْنَا: استبق ربشاقى استجابة قادة يهوذا له: ’يا ربشاقى، أنت تقول إننا لا نستطيع أن نتكل على مصر. حسنًا. لن نتكل عليها. لكن يمكننا أن نتكل على الرب إلهنا.‘
٢. أَفَلَيْسَ هُوَ ٱلَّذِي أَزَالَ حَزَقِيَّا مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ: عرف ربشاقى أن الملك حزقيا قام بإصلاحات واسعة في يهوذا، ربما في ذلك إزالة المرتفعات (٢ ملوك ١٨: ٣-٤).
• كانت المرتفعات أمكنة ’للعبادة الفردية‘ حظرتها شريعة الرب (لاويين ١٧: ١-٤). إذ كانت إسرائيل مأمورة بأن تجلب ذبائحها إلى المركز الرسمي للذبائح (خيمة الاجتماع والهيكل لاحقًا). وفي العالم الوثني في ذلك الوقت، كان من المعتاد تقديم الذبائح حيثما شاء المرء. وكانت تقام عادة مذابح على تلال مرتفعة أو في مناطق غابات أو في أماكن خاصّة.
• ربما كانت هذه الممارسة موجودة في زمن الآباء. لكن الآن، عدَّ الله تقديم ذبائح على المرتفعات إهانة. فكان حزقيا مُحِقًّا في نزع المرتفعات والمذابح، طالبًا من الشعب أن يأتوا إلى أورشليم لتقديم الذبائح.
• تتعارض هذه الوصية مع الطريقة التي يتعامل بها الناس في ثقافتنا. فلدى معظم الأمريكيين طريقتهم الفردية في التعامل مع الله، حيث يضع كل شخص قواعده الخاصة حول التعامل مع الله كما يراه. ففي كتاب ’عادات القلب،‘ أجرى روبرت بيلّا وزملاؤه مقابلة مع شابة تُدعى شيلا لارسون وصفوها بأنها تمثّل خبرة أمريكيين كثيرين وآراءهم حول الدين. تحدّثت شيلا عن إيمانها الخاص وكيف ينعكس على حياتها قائلة: “أنا أومن بالله. لكني لست متعصبة دينيًّا، ولا أتذكر آخر مرة ذهبت فيها إلى الكنيسة. لقد حملني إيماني شوطًا بعيدًا. إنه ’الشيلاوية‘ (حسب اسمها شيلا). إنه مجرد صوتي الخاص الصغير.” يشبه هذا النهج الانتقائي الاختياري ’حسب الصوت الداخلي‘ انتقاءك لمرتفعك الخاص لتذبح لله بدلًا من الطريقة التي يريدك الله أن تتبعها.
٣. أَفَلَيْسَ هُوَ ٱلَّذِي أَزَالَ حَزَقِيَّا مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ: رأى ربشاقى أن إصلاحات حزقيا أغضبت الله حقًّا، ولهذا لا يستطيع أن ينتظر عونًا من إله إسرائيل. إذ يمكن لربشاقى أن يقول: “انظر إلى كل المرتفعات (المهجورة الآن)، والتي كان الناس يعبدون فيها الرب، إله إسرائيل. ولم يعد إلا مكان واحد فقط. فالمزيد هو دائمًا أفضل. فلا بد أن الرب، إله إسرائيل مستاء من حزقيّا!”
• لعدو النفوس طريقة مذهلة في تثبيط طاعتنا. فإن لم يكن حزقيا حريصًا ومتنبّهًا، لبدت حجة ربشاقى منطقية، في حين أنها منطق شيطاني من أولها إلى آخرها.
• “يدل سوء الفهم اللاهوتي الذي أظهره القائد الميداني (ربشاقى) عند هذه النقطة أصالة هذا الخطاب الذي دعاه نقّاد كثيرون خلْقًا حُرًّا من مؤلف النص.” جروجان (Grogan)
د ) الآيات (٨-٩): ربشاقى ينتقد جيش يهوذا.
٨فَالآنَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ، فَأُعْطِيكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهَا رَاكِبِينَ! ٩فَكَيْفَ تَرُدُّ وَجْهَ وَال وَاحِدٍ مِنْ عَبِيدِ سَيِّدِي الصِّغَارِ، وَتَتَّكِلُ عَلَى مِصْرَ لأَجْلِ مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ؟
١. فَٱلْآنَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ: يذكّرنا هذا بإستراتيجية ربشاقى الكاملة، وهي دفع يهوذا إلى الاستسلام. وهذا هو سبب وجوده أصلًا عند القناة وهو يتحدث إلى قادة إدارة حزقيا هؤلاء. كانت لديه جيوش متفوّقة للغاية. وكان بإمكانه أن يهاجم أورشليم من دون هذا الخطاب الصغير. لكن ربشاقى فضّل أن تستسلم يهوذا بدافع من الخوف، أو الإحباط، أو اليأس.
• يستخدم إبليس نفس النهج. يتصور كثيرون أن إبليس متلهف إلى القتال معنا. وهو في واقع الأمر لا يريد أن يخوض معركة معك. بادئ ذي بدء، هنالك فرصة قوية أن تنتصر عليه. ثانيًا، في حالة الفوز أو الخسارة، يمكن أن تقرّبك المعركة إلى الله أكثر. ثالثًا، يمكن أن يكون ما يفعله الله في حياتك أثناء المعركة نعمة لكثيرين. ولهذا، فإن إبليس يفضل كثيرًا ألّا يحاربك على الإطلاق. فهو يحاول إقناعك بالاستسلام.
• نرى نفس الإستراتيجية مستخدمة ضد يسوع أثناء تجربته في البرية. فعندما وعد إبليس يسوع بممالك العالم، مقابل عبادته له، كان يحاول أن يتجنب القتال محاولًا أن يدفع يسوع إلى الاستسلام (لوقا ٤: ٥-٨). ولم ينجح هذا مع يسوع، ولا ينبغي أن ينجح معنا أيضًا.
٢. فَأُعْطِيكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنِ ٱسْتَطَعْتَ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهَا رَاكِبِينَ: هنا يتهكم ربشاقى من جيش يهوذا قائلًا: “فَأُعْطِيكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنِ كان هذا يفيدك.” والفكرة الأساسية هنا هي: “نستطيع أن نغلبكم بيد مربوطة خلف ظهرنا! فَكَيْفَ تَرُدُّ وَجْهَ وَالٍ وَاحِدٍ مِنْ عَبِيدِ سَيِّدِي ٱلصِّغَارِ؟
هـ) الآية (١٠): ربشاقى يخبرهم أن الرب، إله إسرائيل ليس إلى جانبهم.
١٠وَالآنَ هَلْ بِدُونِ الرَّبِّ صَعِدْتُ عَلَى هذِهِ الأَرْضِ لأُخْرِبَهَا؟ الرَّبُّ قَالَ لِي: اصْعَدْ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ وَاخْرِبْهَا.
١. وَٱلْآنَ هَلْ بِدُونِ ٱلرَّبِّ صَعِدْتُ عَلَى هَذِهِ ٱلْأَرْضِ لِأُخْرِبَهَا: احتفظ ربشاقى بأفضل ما لديه للنهاية، وكأنه يقول: “اعترف، يا حزقيا، بأنك تعرف أن إلهك هو إلى جانبي.”
• مثل أي خداع جيد آخر، كان سهلًا على حزقيا ورجاله أن يصدقوا هذا الكلام الماكر. ألم يكن الأشوريون ناجحين بشكل مذهل؟ أليس لديهم أقوى جيش؟ لا بد أن الله معهم.
٢. ٱلرَّبُّ قَالَ لِي: ٱصْعَدْ إِلَى هَذِهِ ٱلْأَرْضِ وَٱخْرِبْهَا: كانت هذه هي الضربة القاضية في هجوم ذكي جدًّا. “يا حزقيا، طلب الرب نفسه مني أن أقضي عليك. فأنا لا أفعل إلا مشيئته. وليس هنالك ما يمكنك أن تفعله لإيقاف ذلك. لهذا يَحْسُن بك أن تستسلم.”
• يمكننا القول إن ربشاقى كان مُحِقًّا جزئيًّا! إذ كان الله معه، وقد حقق خطة الله المتنبّأ بها! لقد فعل الأشوريون إرادة الله في غزوهم لآرام وإسرائيل، وفي دفع يهوذا إلى حافة الهاوية. وقد تنبّأ الله بأن كل هذا سيحدث (إشعياء ٨: ٣-٤؛ ٧: ١٦-١٧ وفي مواضع أخرى في إشعياء. وقد سمح بحدوث ذلك حتى تتحقق خطته المتنبّأ بها.
• ومع ذلك، لا ينبغي لنا أن نعتقد أن الله جرّب رجلًا بريئًا بخطة شريرة. وفي واقع الأمر، رغم أن الله تنبّأ بهذا الغزو وخطّط له، ربما كان ربشاقى كاذبًا عندما قال: ٱلرَّبُّ قَالَ لِي. فلم يضطر الله إلى أن يفعل شيئًا خاصًّا ليوجه الأشوريين المتعطشين لتنفيذ رغبات قلوبهم الشريرة. ولهذا، لم يكن ممكنًا لهم أن يبرروا ما فعلوه بقولهم: “كنا نفعل مشيئة الله،” تمامًا لم يكن بمقدور يهوذا أن يستخدم نفس العذر في ما يتعلق بخيانته الشريرة ليسوع.
ثانيًا. ربشاقى يخاطب سكان أورشليم مباشرة.
أ ) الآيات (١١-١٢): رجال حزقيا يطلبون من ربشاقى أن يوجه كلامه إليهم فقط.
١١فَقَالَ أَلِيَاقِيمُ وَشَبْنَةُ وَيُوآخُ لِرَبْشَاقَى: «كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِالأَرَامِيِّ لأَنَّنَا نَفْهَمُهُ، وَلاَ تُكَلِّمْنَا بِالْيَهُودِيِّ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ الَّذِينَ عَلَى السُّورِ». ١٢فَقَالَ رَبْشَاقَى: «هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَم؟ أَلَيْسَ إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ، لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟».
١. كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِٱلْأَرَامِيِّ لِأَنَّنَا نَفْهَمُهُ: يمكننا تخيُّل مدى صعوبة الأمر بالنسبة لهؤلاء القادة في إدارة حزقيا. لا بد أنهم فكّروا: “إنه أمر سيئ بما يكفي أن نسمع هذا. لكن بما أنه يتحدث بالعبرية فسوف يسمع الجميع، وسرعان ما سيصاب الناس بالإحباط حتى أنهم سيثورون علينا ويجبروننا على الاستسلام.”
٢. هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهَذَا ٱلْكَلَامِ؟ أَلَيْسَ إِلَى ٱلرِّجَالِ ٱلْجَالِسِينَ عَلَى ٱلسُّورِ: قصد ربشاقى أن يسمع المواطنون العاديون ما يقوله لقادة حزقيا رغم اعتراض رجال حزقيا. فكلما انتشر الخوف والإحباط واليأس، كان أفضل.
٣. لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ: أشار ربشاقى إلى ما ستكون عليه الظروف في أورشليم بعد حصار طويل. أراد بهذا أن يثير اشمئزاز كل من يسمعه، وأن يضخم الخوف والإحباط واليأس.
ب) الآيات (١٣-٢٠): خطاب ربشاقى لأهل أورشليم.
١٣ثُمَّ وَقَفَ رَبْشَاقَى وَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِالْيَهُودِيِّ وَقَالَ: «اسْمَعُوا كَلاَمَ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ مَلِكِ أَشُّورَ. ١٤هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ: لاَ يَخْدَعْكُمْ حَزَقِيَّا لأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ، ١٥وَلاَ يَجْعَلْكُمْ حَزَقِيَّا تَتَّكِلُونَ عَلَى الرَّبِّ قَائِلاً: إِنْقَاذًا يُنْقِذُنَا الرَّبُّ. لاَ تُدْفَعُ هذِهِ الْمَدِينَةُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. ١٦لاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا. لأَنَّهُ هكَذَا يَقُولُ مَلِكُ أَشُّورَ: اعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا، وَاخْرُجُوا إِلَيَّ وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِينَتِهِ، وَاشْرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ مَاءَ بِئْرِهِ ١٧حَتَّى آتِيَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ مِثْلِ أَرْضِكُمْ، أَرْضِ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ، أَرْضِ خُبْزٍ وَكُرُومٍ. ١٨لاَ يَغُرَّكُمْ حَزَقِيَّا قَائِلاً: الرَّبُّ يُنْقِذُنَا. هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ الأُمَمِ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْضَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ ١٩أَيْنَ آلِهَةُ حَمَاةَ وَأَرْفَادَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ سَفَرْوَايِمَ؟ هَلْ أَنْقَذُوا السَّامِرَةَ مِنْ يَدِي؟ ٢٠مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ هذِهِ الأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي، حَتَّى يُنْقِذَ الرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي؟».
١. ثُمَّ وَقَفَ رَبْشَاقَى وَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِٱلْيَهُودِيِّ وَقَالَ: كان قول رجال حزقيا لربشاقى ’لا تفعل هذا‘ مثل قول ’لا‘ لطفل شقي. وكان ربشاقى متلهفًّا إلى مخاطبة أهل أورشليم.
٢. ٱسْمَعُوا كَلَامَ ٱلْمَلِكِ ٱلْعَظِيمِ مَلِكِ أَشُّورَ: كان يُقصد بخطابه تمجيد العدو الذي يواجه شعب الله.
٣. لَا يَخْدَعْكُمْ حَزَقِيَّا: كان يُقصد بخطابه تشكيك الشعب في قادتهم.
٤. وَلَا يَجْعَلْكُمْ حَزَقِيَّا تَتَّكِلُونَ عَلَى ٱلرَّبِّ: كان يُقصد بخطابه بناء الخوف وعدم الإيمان في شعب الله.
٥. لِأَنَّهُ هَكَذَا يَقُولُ مَلِكُ أَشُّورَ: ٱعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا، وَٱخْرُجُوا إِلَيَّ وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِينَتِهِ: كان يُقصد بخطابه جعْل الاستسلام خيارًا جذّابًا.
٦. حَتَّى آتِيَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ مِثْلِ أَرْضِكُمْ: يشير ربشاقى إلى سياستَي ’التطهير العرقي‘ و’إعادة التوطين القسري‘ اللتين مارسهما الأشوريون. فعندما كانوا يغزون شعبًا، كانوا يجبرونهم على إعادة التوطين في أماكن بعيدة لإبقاء معنوياته محطمة وفي حالة ضعف. وقصد ربشاقى أن يجعل هذا المصير يبدو جذّابًا.
٧. هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ ٱلْأُمَمِ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْضَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ: قصد ربشاقى في خطابه تدمير ثقتهم بالله. فرسالته بسيطة وماكرة في منطقها الشيطاني: “لم تقدر آلهة الشعوب الأخرى من حمايتها منّا. وإلهكم هو مثل واحد منها. ولن يستطيع أن يحميكم منّا أيضًا.”
• بالنسبة لأي شخص ذي فهم روحي، كان يمكن ليهوذا أن تخطط للنصر في تلك اللحظة. فانتقاد يهوذا، وقادتها، وشعبها شيء، لكن الاستهزاء بالرب، إله إسرائيل والنظر إليه على أنه ’مجرد إله آخر‘ شيء آخر تمامًا.
• على غرار عمل عدو النفوس، كان ربشاقى يبلي بلاء حسنًا إلى أن تجاوز حدوده. فلم تكن هنالك أية فرصة لأن يتركه الله يفلت من مسؤولية ما قاله. فقد أهان الرب الإله بطريقة سيندم عليها سريعًا جدًّا.
ج) الآيات (٢١-٢٢): استجابة القادة في إدارة حزقيا ومواطني أورشليم.
٢١فَسَكَتُوا وَلَمْ يُجِيبُوا بِكَلِمَةٍ لأَنَّ أَمْرَ الْمَلِكِ كَانَ قَائِلاً: «لاَ تُجِيبُوهُ». ٢٢فَجَاءَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَشَبْنَةُ الْكَاتِبُ وَيُوآخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ إِلَى حَزَقِيَّا وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ، فَأَخْبَرُوهُ بِكَلاَمِ رَبْشَاقَى.
١. فَسَكَتُوا وَلَمْ يُجِيبُوا بِكَلِمَةٍ: لم يحاولوا أن يتجادلوا مع ربشاقى. وغالبًا ما يكون عديم الفائدة – إن لم يكن خطرًا – أن تدخل في صدام أو منافسة ذكاء مع مثل هذا المنطق الشيطاني. فكم هو أفضل بكثير أن تلزم الصمت واثقًا بالله من محاولة كسب جدال.
• “الصمت هو أفضل رد لدينا على مزاعم خصومنا وتهكمهم علينا. اهدئي، أيتها النفس المضطهَدة! سلّمي الأمر لله. سلّمي قضيتك له. فمن غير المجدي أن تجادلي، حتى في كثير من الأحيان التي تمتلكين فيها تفسيرات لتقدميها. اهدئي، وسلّمي قضيتك لله.” ماير (Meyer)
٢. لِأَنَّ أَمْرَ ٱلْمَلِكِ كَانَ قَائِلًا: لَا تُجِيبُوهُ: كان حزقيا من الحكمة أنه أمر رجاله هكذا. وكان رجاله من الحكمة أنهم أطاعوه.
٣. جاءَ… إِلَى حَزَقِيَّا وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ: رغم أنهم كانوا صامتين، إلا أنهم تأثّروا بعمق بهذا الهجوم. فلم يتدحرج عن ظهورهم وكأنه لم يكن شيئًا. إذ كانت لديهم نفس الخبرة التي وصفها بولس في ٢ كورنثوس ٤: ٨-٩ “مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لَكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لَكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ. مُضْطَهَدِينَ، لَكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لَكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ.” كانت الأمور صعبة، لكنهم لم يخسروا المعركة بعد.