إشعياء ٤١
لا تخافوا
أولًا. مجد الله على الأراضي الساحلية
أ ) الآية (١): أمر ودعوة إلى الأراضي الساحلية.
١اُنْصُتِي إِلَيَّ أَيَّتُهَا الْجَزَائِرُ وَلْتُجَدِّدِ الْقَبَائِلُ قُوَّةً. لِيَقْتَرِبُوا ثُمَّ يَتَكَلَّمُوا. لِنَتَقَدَّمْ مَعًا إِلَى الْمُحَاكَمَةِ.
١. اُنْصُتِي إِلَيَّ أَيَّتُهَا ٱلْجَزَائِرُ: الكلمة العبرية المترجمة إلى ’ٱلْجَزَائِرُ‘ هنا مستخدمة في مواضع أخرى مثل إشعياء ١١: ١١ و ٤٠: ١٥ هكذا. وهي تترجم إلى كلمات أوسع مثل ’الساحل،‘ كما في إشعياء ٢٠: ٦، أو ’الأراضي الساحلية،‘ كما في ترجمات أخرى. ولعل أفضل تعبير عن هذه الفكرة هي ’الأراضي البعيدة.‘ فالله يدعو كل الشعوب، حتى الأراضي البعيدة، إلى الصمت أمامه. لماذا؟ لأنها تأتي إلى قاعة محكمة الله – لِنَتَقَدَّمْ مَعًا إِلَى ٱلْمُحَاكَمَةِ.
• يعلّق بولتيما (Bultema) على تعبير ’ٱلْجَزَائِرُ‘ أو الأراضي الساحلية قائلًا: “هذا اسم شعري للشعوب البعيدة الوثنية.” ويقول موتير (Motyer): “يستخدم إشعياء هذا التعبير، ’ٱلْجَزَائِرُ‘ أو الأراضي الساحلية، كاختزال لمناطق بعيدة من الأرض.”
٢. وَلْتُجَدِّدِ ٱلْقَبَائِلُ قُوَّةً: وعدت إشعياء ٤٠: ٣١ بأن منتظري الرب سيجددون قوتهم. لكن هنا، يُنصح الناس – أولئك الذين في الأراضي البعيدة التي لا تعرف الرب – بأن تجدد قوّتها أيضًا عندما تدخل قاعة محكمة الله. فإن كنت ستقارع الله، فإنه يُستحسن أن تكون مستعدًّا.
• المشكلة هي أنه في حين أن أولئك الذين ينتظرون الرب يتمتعون بقوته غير المحدودة، فإنه لا يملك الأشخاص القادمون من الأراضي البعيدة أي إله ليساعدهم. “قد ينطوي تكرار عبارة ’يجدد قوة‘ (انظر إشعياء ٤٠: ٣١) على سخرية. فكما أن المسبيين يجددون قوتهم في إلههم الحقيقي، تُحَثّ الشعوب أيضًا بشكل ساخر على تجديد قوتها – لكن في الآلهة المصنوعة من البشر.” جروجان (Grogan)
٣. لِيَقْتَرِبُوا ثُمَّ يَتَكَلَّمُوا: سيسمح الله لعبّاد الأوثان في العالم بأن يأتوا أمامه ويبرروا وثنيّتهم. وستكون لديهم الفرصة للكلام رغم أنه يتوجب عليهم دخول قاعة محكمته في صمت احترامًا لجلاله.
• هنالك أسباب كثيرة للصمت. فهنالك صمت الخزي، وصمت الانتباه، وصمت الخضوع. وأي سبب واحد منها وجيه للصمت في البداية في حضور الرب.
ب) الآيات (٢-٤): الله يحاجج الأراضي الساحلية.
٢مَنْ أَنْهَضَ مِنَ الْمَشْرِقِ الَّذِي يُلاَقِيهِ النَّصْرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ؟ دَفَعَ أَمَامَهُ أُمَمًا وَعَلَى مُلُوكٍ سَلَّطَهُ. جَعَلَهُمْ كَالتُّرَابِ بِسَيْفِهِ، وَكَالْقَشِّ الْمُنْذَرِي بِقَوْسِهِ. ٣طَرَدَهُمْ. مَرَّ سَالِمًا فِي طَرِيق لَمْ يَسْلُكْهُ بِرِجْلَيْهِ. ٤مَنْ فَعَلَ وَصَنَعَ دَاعِيًا الأَجْيَالَ مِنَ الْبَدْءِ؟ أَنَا الرَّبُّ الأَوَّلُ، وَمَعَ الآخِرِينَ أَنَا هُوَ.
١. مَنْ أَنْهَضَ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ (من أقام ذاك الذي من الشرق): يستجوب الله الوثنيين من الأراضي البعيدة ويسألهم من الذي أطلق هذا الحدث المهم في التاريخ البشري. من أقام ذاك الذي جاء من الشرق؟
• يختلف المفسرون بقوة حول هوية ذاك الذي جاء مِنَ ٱلْمَشْرِقِ. ويعتقد معظمهم إما أن يكون إبراهيم، أبا الشعب اليهودي وأبا المؤمنين، وإما أن يكون كورش، ذلك الملك الذي انضم إلى الماديين والفرس في قوة قتالية غزت بابل. وهذا من ناحية نبوية السياق الزمني الواسع الذي يتعامل معه إشعياء.
• يقول وولف (Wolf) متكلمًا باسم الذين يعتقدون أن الإشارة هي إلى كورش: “وُلد كورش شرق بابل، في ما يُعرف الآن باسم إيران. وسيتحرك من بلد إلى آخر قاهرًا كل ملك أمامه. واستطاع بعد ٥٥٠ قبل الميلاد بقليل من توحيد الماديين والفرس وهزم مملكة ليديا القوية في آسيا الصغرى، ثم اتجه جنوبًا لغزو بابل (٥٣٩ ق. م.).” ويضيف بولتيما (Bultema) حول كورش: “تُقدِّمه الوثائق العلمانية والمقدسة على أنه بار وصالح. ويمكن أن يدعى بارًا، أو عادلًا، كما يقول النص، لأنه نفّذ أعمال الانتقام البارة في بابل وخلاص إسرائيل.”
• يتحدث كلارك (Clarke) باسم الذين يعتقدون أن إبراهيم هو المقصود – مَنْ أَنْهَضَ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ (من أقام ذاك الذي من الشرق). “يشرح بعضهم النص على أنه يشير إلى إبراهيم، وآخرون إلى كورش. وأعتقد أن السابق هو المقصود بسبب الطبيعة الأخلاقية للرجل البار. فالبر ينسجم مع إبراهيم أكثر من كورش.”
• فمن هو؟ هذا قرار صعب. ويمكن أن يكون أيٌّ من الجوابين صحيحًا وفق السياق. وبشكل عام، إنه أفضل لنا أن نرى أن إبراهيم هو الذي أقامه الرب من الشرق بسبب كلمة الرب لاحقًا في إشعياء ٤١: ٢٢ “لِيُقَدِّمُوهَا وَيُخْبِرُونَا بِمَا سَيَعْرِضُ. مَا هِيَ ٱلْأَوَّلِيَّاتُ؟ أَخْبِرُوا فَنَجْعَلَ عَلَيْهَا قُلُوبَنَا وَنَعْرِفَ آخِرَتَهَا، أَوْ أَعْلِمُونَا ٱلْمُسْتَقْبِلَاتِ.” ويناشد الله الأوثان وعبّادها أن تخبر المستقبل والماضي. وبما أن كورش مذكور في إشعياء ٤١: ٢٥ “قَدْ أَنْهَضْتُهُ مِنَ ٱلشَّمَالِ فَأَتَى. مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ،” فإنه يمثّل معرفة الله بالمستقبل، بينما يمثل إبراهيم معرفة الله بالماضي. والماضي والمستقبل – والحاضر محشور بينهما – مُلك للرب إلهنا.
٢. مَن… مَن… مَن…: بينما يدعو الله أولئك الذين من الأراضي البعيدة أن يأتوا ويتحاججوا معه، فإنه يبيّن لهم عظمته على كل الخليقة وعلى كل التاريخ. ويتوجب عليهم أن يسألوا أنفسهم: “من المسيطر على الأحداث البشرية؟” مَنْ فَعَلَ وَصَنَعَ دَاعِيًا الأَجْيَالَ مِنَ الْبَدْءِ؟
• هذا سؤال وثيق الصلة. هل هنالك اتجاه واضح للتاريخ البشري؟ أم أن هذا كله مجرد مزيج عشوائي لا معنى له من الأحداث غير الموجَّهة؟ هل هي دورة محكومة بأن تكرر نفسها إلى ما لا نهاية؟ أم أن هنالك إلهًا في السماء يوجّه الأحداث البشرية متحركًا دائمًا نحو الحل والتحقيق النهائيين؟ ومن شأن الإجابة على هذا السؤال أن يؤثر في كل شيء في حياتنا.
٣. أَنَا ٱلرَّبُّ ٱلْأَوَّلُ، وَمَعَ ٱلْآخِرِينَ أَنَا هُوَ: هنا يعلن الرب، إله إسرائيل، أنه هو الذي فعل هذا، داعيًا الأجيال منذ البداية. وهو يرفع ملوكًا وأممًا ويُنزلها. إنه الأول والآخر. إنه المسند قبل ملحمة التاريخ البشري وبعدها، بادئًا القصة، ومنهيًا إياها، ومحافظًا على القصة كلها معًا.
• إن كان الرب الإله هو الأول والآخر، فإن له سلطانًا على كل شيء بينهما. ويعني هذا أن من المؤكد أن لله خطة للتاريخ البشري، وأنه يوجه مسار الأحداث البشرية نحو التحقيق المقصود. فليست حياتنا بين قدر أعمى أو عشوائي بلا معنى، أو لدوائر لا نهاية ولا قرار لها. لكن الرب الإله الذي هو الأول والآخر يوجّه كل التاريخ البشري، وحتى حياتنا الفردية.
• اتخذ يسوع نفس هذا اللقب، “الأول والآخر” في رؤيا ١: ١٧ و٢٢: ١٣. فإن كان الرب الإله هو الأول والآخر حسب إشعياء ٤١: ٤، وإن كان يسوع الأول والآخر حسب رؤيا ١: ١٧ و٢٢: ١٣، فلا بد أن يسوع هو الرب الإله، حيث لا يمكن أن يكون هنالك أوّلان أو آخران.
ج) الآيات (٥-٧): رد فعل الجزائر.
٥نَظَرَتِ الْجَزَائِرُ فَخَافَتْ. أَطْرَافُ الأَرْضِ ارْتَعَدَتِ. اقْتَرَبَتْ وَجَاءَتْ. ٦كُلُّ وَاحِدٍ يُسَاعِدُ صَاحِبَهُ وَيَقُولُ لأَخِيهِ: «تَشَدَّدْ». ٧فَشَدَّدَ النَّجَّارُ الصَّائِغَ. الصَّاقِلُ بِالْمِطْرَقَةِ الضَّارِبَ عَلَى السَّنْدَانِ، قَائِلًا عَنِ الإِلْحَامِ: «هُوَ جَيِّدٌ». فَمَكَّنَهُ بِمَسَامِيرَ حَتَّى لاَ يَتَقَلْقَلَ.
١. نَظَرَتِ ٱلْجَزَائِرُ فَخَافَتْ: عندما رأى أهل البلاد البعيدة إله كل سلطان وقوة، خافوا، وانخفضت معنوياتهم كثيرًا بهذه المواجهة مع الله حتى أنهم اضطروا إلى أن يشجع بعضهم بعضًا على الصمود (كُلُّ وَاحِدٍ يُسَاعِدُ صَاحِبَهُ وَيَقُولُ لأَخِيهِ: «تَشَدَّدْ»).
• هذا رد منطقي. وهذا نفس نوع رد فعل بطرس عندما رأى قوة يسوع العظيمة (لوقا ٥: ٨).
٢. فَشَدَّدَ النَّجَّارُ الصَّائِغَ: ماذا فعلوا بالخوف الذي أحسوا به بعد لقائهم مع الله؟ لقد تركوا الخوف يبعدهم عن الله، بدلًا من الاستسلام لإله المجد والجلال والقوة هذا. ابتعدوا عن الله وخلقوا لأنفسهم آلهة، أوثانًا من الذهب.
• يستخدم إشعياء سخرية كثيرة. كان يحتاج صُنع إله جيد إلى عمل كثير. إذ احتاج إلى عمال مهرة (النَّجَّارُ … الصَّائِغَ… الصَّاقِلُ بِالْمِطْرَقَةِ… الضَّارِبَ عَلَى السَّنْدَانِ). واحتاج إلى التنسيق والعمل الجماعي (قَائِلًا عَنِ الإِلْحَامِ: «هُوَ جَيِّدٌ»). فإذا لم تقم بعملك جيدًا، فلن يستطيع إلهك أن يصمد (فَمَكَّنَهُ بِمَسَامِيرَ حَتَّى لَا يَتَقَلْقَل).
• يرى الناس شيئًا من مجد الله وقوته. ومع ذلك، يرفضونه ثم يصنعون لهم إلههم الخاص. وهذه هي رسالة بولس في رومية ١: ١٨-٢٥.
ثانيًا. الله يشجع إسرائيل
أ ) الآيات (٨-٩): إسرائيل مختلفة عن كل الذين في البلاد البعيدة.
٨وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِسْرَائِيلُ عَبْدِي، يَا يَعْقُوبُ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِي، ٩الَّذِي أَمْسَكْتُهُ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ، وَمِنْ أَقْطَارِهَا دَعَوْتُهُ، وَقُلْتُ لَكَ: أَنْتَ عَبْدِيَ. اخْتَرْتُكَ وَلَمْ أَرْفُضْكَ.
١. وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِسْرَائِيلُ عَبْدِي: بالمقابلة مع الأشخاص الرافضين للإله الحقيقي والعابدين للأوثان، فإن إِسْرَائِيل – التي يعني اسمها “محكومة من الله” – عبد الرب.
• لا يجعل خادم الرب إلهه على صورته أو وفقًا لفكرته الخاصة. فالعبيد لا يخبرون أسيادهم ما ينبغي أن يفعلوه أو كيف ينبغي أن يكونوا. فالعبيد يعرفون من هو السيد ومن هو العبد.
• “تخاطَب إسرائيل مرتين بصفتها ’عبدي.‘ والعبد شخص بلا مركز أو حقوق. لكن هذا العبد ينتمي إلى سيد عظيم.” موتير (Motyer)
٢. ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ: لئلا تنتفخ إسرائيل بالكبرياء، فإن الله يسارع إلى فقْع انتفاخها. فإذا كانت إسرائيل ’محكومة من الله،‘ فإنها أيضًا يعقوب، ذلك الرجل الماكر المحتال غير الجدير بالثقة. وليس بنو إسرائيل عبيدًا لله إلاّ لأنه اختارهم.
٣. نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِي: أخذت إسرائيل مكانها بسبب علاقتها العائلية بإبراهيم. فلأن إبراهيم كان خليل الله، كانت لدى نسله مكانة خاصة أمام الله أيضًا.
• عرف يهوشافاط أن إبراهيم خليل الله (٢ أخبار ٢٠: ٧). وعرف يعقوب أن إبراهيم خليل الله (يعقوب ٢: ٢٣). ونحن أيضًا خُلّان (أصحاب) الله، لا بسبب علاقتنا بإبراهيم، بل بسبب علاقتنا بابن الله، يسوع. “أَنْتُمْ أَحِبَّائِي إِنْ فَعَلْتُمْ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ. لَا أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا، لِأَنَّ ٱلْعَبْدَ لَا يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ، لَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لِأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي” (يوحنا ١٥: ١٤-١٥).
٤. ٱلَّذِي أَمْسَكْتُهُ مِنْ أَطْرَافِ ٱلْأَرْضِ، وَمِنْ أَقْطَارِهَا دَعَوْتُهُ، وَقُلْتُ لَكَ: أَنْتَ عَبْدِيَ. ٱخْتَرْتُكَ وَلَمْ أَرْفُضْكَ: ومرة أخرى، فإن مكانة إسرائيل الخاصة لدى الله هي بسبب مبادرة الله، لا بسبب إنجاز إسرائيل. وإسرائيل مختلفة عن صانعي الأوثان في البلاد البعيدة بسبب عمل الله فيها، لا بسبب عظمتها الخاصة.
ب) الآيات (١٠-١٣): لا تخف، لأن عون الله حاضر.
١٠لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ. لاَ تَتَلَفَّتْ لأَنِّي إِلهُكَ. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي. ١١إِنَّهُ سَيَخْزَى وَيَخْجَلُ جَمِيعُ الْمُغْتَاظِينَ عَلَيْكَ. يَكُونُ كَلاَ شَيْءٍ مُخَاصِمُوكَ وَيَبِيدُونَ. ١٢تُفَتِّشُ عَلَى مُنَازِعِيكَ وَلاَ تَجِدُهُمْ. يَكُونُ مُحَارِبُوكَ كَلاَ شَيْءٍ وَكَالْعَدَمِ. ١٣لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ، الْقَائِلُ لَكَ: لاَ تَخَفْ. أَنَا أُعِينُكَ.
١. لَا تَخَفْ لِأَنِّي مَعَكَ: هذا أمر ووعد في الوقت نفسه. فإسرائيل مأمورة بأن لا تخاف. فغالبًا ما يكون الخوف، والقلق، والاضطراب خطية. فعندما يخبرنا الله (الذي يسود الشعوب، كما هو مذكور في إشعياء ٤١: ٢-٤، والذي اختارنا وأحبنا، كما هو مذكور في إشعياء ٤١: ٨-٩) ألّا نخاف، ينبغي أن نأخذ الأمر مأخذ الجد. لكن يوجد أيضًا وعد. لا ينبغي أن نخاف لأن الرب قال لنا: “لِأَنِّي مَعَكَ”. فماذا نريد أكثر؟ “إِنْ كَانَ ٱللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟” (رومية ٨: ٣١)
• نكون أكثر عرضة للخوف والإحباط عندما نكون وحدنا. لكننا لسنا وحدنا أبدًا، لأن الله أعلن: لَا تَخَفْ لِأَنِّي مَعَكَ.
٢. لَا تَتَلَفَّتْ لِأَنِّي إِلَهُكَ: إنه كما لو أن الله قال لشعبه: “هل تذكرونني، أنا إله كل مجد وقوة؟ أنه هو كذلك. أنا إلهكم.” قبل سنوات، كتب جي. ب. فيلبس (J.B. Phillips) كتابًا رائعًا بعنوان: إلهك صغير جدًّا. وبيّن في الكتاب كيف أن الناس عندما ينسون عظمة الله، فإنهم يصابون بالفزع بسهولة. لكن الله قال: لَا تَتَلَفَّتْ لِأَنِّي إِلَهُكَ.
٣. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي: تجعل قوة الله ومجده قادرًا على أن يؤيدنا ويعيننا ويعضدنا، لكن محبته هي التي تجعله يقول: سأؤيدك، وأعينك، وسأعضدك.
• تحتاج الأوثان إلى تثبيت بأوتاد لئلا تتزعزع أو تتقلقل (إشعياء ٤١: ٧). فهي تحتاج إلى دعمك لتحملها، وترفعها، وتنصبها. لكن الله هو يدعمنا ويحملنا ويرفعنا (عَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي). لا ينبغي أن يكون لك إله أنت مضطر إلى أن تحمله وترفعه.
• في ضوء معرفتنا بهذا، هل ترى الطبيعة الفظيعة لخوفنا وعدم إيماننا؟ فهما يقولان لله: “لست معي. لستَ إله المجد والقوة. أنت لا تحبني حقًّا.”
• “يشعر كل رجل صادق بأن من حقه أن يصدَّق. وهو يتحدث عن شرف رجل صادق. وإذا قلت له: ’لا أستطيع أن أصدقك،‘ وعبّرت عن أسفك على عدم قدرتك على الثقة به، فسيرتد هذا الكلام عليك أنت، لا على الشخص الذي لا تستطيع أن تثق به. وهل يمكن أن يقول أبناء الله أنفسهم إنهم لا يصدقون إلههم؟ هذه خطية الخطايا! إنها تنزع الألوهة من الله. فإن لم يكن الله صادقًا، فإنه لا يمكن أن يكون الله. وإذا لم يكن لائقًا أن تصدقه، فإنه ليس لائقًا أن يُعبد أيضًا. فأنت لا تستطيع أن تعبد إلهًا لا تثق به.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. إِنَّهُ سَيَخْزَى وَيَخْجَلُ جَمِيعُ ٱلْمُغْتَاظِينَ عَلَيْكَ: سيتولى الله أمر خصومنا إذا حافظنا على ثقتنا به. وهو يعرف أن يجعل أعداءنا – سواء أكانوا بشرًا أم شياطين – يخزون ويخجلون.
• إِنَّهُ سَيَخْزَى وَيَخْجَلُ جَمِيعُ ٱلْمُغْتَاظِينَ عَلَيْكَ. يأتي هذا جزئيًّا كجزء من تطبيق وعد الله لإبراهيم في سفر التكوين ٢: ١٣ “وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلَاعِنَكَ أَلْعَنُهُ.” لقد سحق الله على الدوام الأمم والحركات المعادية للسّامّية. وسيسحقها بشكل كامل في مُلك المسيّا.
٥. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ ٱلْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ، ٱلْقَائِلُ لَكَ: «لَا تَخَفْ. أَنَا أُعِينُكَ»: وعدنا الله في إشعياء ٤١: ١٠ بأن يعضنا بيمين بره. كانت هذه يد الله التي يرفعنا بها. ونحن الآن نرى يد الله وهي تمسك بيميننا، معطيًا إيانا قوة على الخوف، والشك، والأعداء.
ج) الآيات (١٤-١٦): لا تخف، لأنه مع عون الله لا توجد عقبة مستحيلة.
١٤لاَ تَخَفْ يَا دُودَةَ يَعْقُوبَ، يَا شِرْذِمَةَ إِسْرَائِيلَ. أَنَا أُعِينُكَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَفَادِيكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ. ١٥هأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُكَ نَوْرَجًا مُحَدَّدًا جَدِيدًا ذَا أَسْنَانٍ. تَدْرُسُ الْجِبَالَ وَتَسْحَقُهَا، وَتَجْعَلُ الآكَامَ كَالْعُصَافَةِ. ١٦تُذَرِّيهَا فَالرِّيحُ تَحْمِلُهَا وَالْعَاصِفُ تُبَدِّدُهَا، وَأَنْتَ تَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ. بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ تَفْتَخِرُ.
١. لَا تَخَفْ يَا دُودَةَ يَعْقُوبَ، يَا شِرْذِمَة (رجال) إِسْرَائِيلَ: الفكرة هي أن للدودة صلة باسم يعقوب، لكن فكرة الرجال لها صلاة باسم إسرائيل.
• “في التفسير الرّاباني (لمعلمي اليهود) لأسفار موسى الخمسة، يسأل يلاميدينو (Yelamedenu): لماذا يُدعى بنو إسرائيل دودة؟ والجواب هو للدلالة على أن الدودة، رغم أنها لا تضرب أشجار الأرز أو تقضمها، إلا أنها قادرة بفمها الرقيق جدًّا أن تدمر الخشب الصلب. وهكذا، فإن كل قوة الإسرائيليين تكمن في الصلاة التي بها تضرب أشرار العالم مع أنهم أقوياء كأشجار الأرز.” كلارك (Clarke)
• “يشير اسم يعقوب دائمًا، كما هو مطبَّق على إسرائيل هنا، إلى ماضي إسرائيل الوضيع المخادع. فلم يكن هذا يدل على شرف على الإطلاق.” بولتيما (Bultema)
• وَفَادِيكَ: الفادي بالعبرية هو (goel) وهو الوليّ القريب الأقرب الذي يتعهد باحتياجات جماعته كما لو أنها احتياجاته الخاصّة.” موتير (Motyer)
٢. هَأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُكَ نَوْرَجًا مُحَدَّدًا جَدِيدًا ذَا أَسْنَانٍ. تَدْرُسُ ٱلْجِبَالَ وَتَسْحَقُهَا: سيقدم الله لإسرائيل عونًا وسيمكّنها على هدم الجبال كما لو أنها نورج عظيم يزيل الجبال فيتطاير غبارها. والفكرة واضحة: فلا يوجد أي شيء، حتى جبل، يمكن أن يقف في طريقها عندما يعينها الله.
• “لا أعرف أي كائن غير الله نفسه يمكنه أن يأخذ دودة ضعيفة ويجعلها حادّة كالأسنان. فالله يستطيع أن يفعل هذا.” ريدباث (Redpath)
• عبّر يسوع عن الفكرة نفسها في متى ١٧: ٢٠ “لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا ٱلْجَبَلِ: ٱنْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ.”
٣. وَأَنْتَ تَبْتَهِجُ بِٱلرَّبِّ. بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ تَفْتَخِرُ: عندما نتغلب على عوائق عظيمة بعون الرب، فإننا نعرف أن هذا هو عمله. ونحن نبتهج بالرب، لا بأنفسنا. ونحن نفتخر بقدوس إسرائيل، لا بأنفسنا.
د ) الآيات (١٧-٢٠): لا تخف، فلله موارد وفيرة.
١٧اَلْبَائِسُونَ وَالْمَسَاكِينُ طَالِبُونَ مَاءً وَلاَ يُوجَدُ. لِسَانُهُمْ مِنَ الْعَطَشِ قَدْ يَبِسَ. أَنَا الرَّبُّ أَسْتَجِيبُ لَهُمْ. أَنَا إِلهَ إِسْرَائِيلَ لاَ أَتْرُكُهُمْ. ١٨أَفْتَحُ عَلَى الْهِضَابِ أَنْهَارًا، وَفِي وَسَطِ الْبِقَاعِ يَنَابِيعَ. أَجْعَلُ الْقَفْرَ أَجَمَةَ مَاءٍ، وَالأَرْضَ الْيَابِسَةَ مَفَاجِرَ مِيَاهٍ. ١٩أَجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ الأَرْزَ وَالسَّنْطَ وَالآسَ وَشَجَرَةَ الزَّيْتِ. أَضَعُ فِي الْبَادِيَةِ السَّرْوَ وَالسِّنْدِيَانَ وَالشَّرْبِينَ مَعًا. ٢٠لِكَيْ يَنْظُرُوا وَيَعْرِفُوا وَيَتَنَبَّهُوا وَيَتَأَمَّلُوا مَعًا أَنَّ يَدَ الرَّبِّ فَعَلَتْ هذَا وَقُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ أَبْدَعَهُ.
١. أَفْتَحُ عَلَى ٱلْهِضَابِ أَنْهَارًا: استجابة لصراخ البائسين والمساكين الذين يبست ألسنتهم من العطش، سيرسل الله مياهًا بطريقة معجزية. فلله موارده وإمداداته التي لا نعرف عنها شيئًا. وهو يحب أن يزودنا بها من موارده الخفية.
٢. أَجْعَلُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ ٱلْأَرْزَ وَٱلسَّنْطَ: سيجعل الله الأماكن القاحلة مثمرة وممتلئة بالغابات الجميلة. فهو يستطيع أن يأخذ أكثر برية جدبًا ويجعلها غابة.
• “الماء والظل هما الحاجتان الأساسيتان للمسافر في الصحراء. وليست أية شجرة مذكورة هنا مثمرة. فالفكرة هنا هي المأوى، لا القوت.” موتير (Motyer)
٣. أَنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ فَعَلَتْ هَذَا وَقُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ أَبْدَعَهُ: عندما يحدث كل شيء، سيعرف الجميع هذا. فوجود إمدادات معجزية من الماء والغابات في البرية أمر مستحيل من دون الله. ولهذا، فإن الله يحصل على كل المجد عندما يتم العمل.
ثالثًا. محاكمة عبادة الأوثان
أ ) الآية (٢١): يدعو الله الأوثان وعُبّادها إلى المحاكمة.
٢١قَدِّمُوا دَعْوَاكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. أَحْضِرُوا حُجَجَكُمْ، يَقُولُ مَلِكُ يَعْقُوبَ.
١. قَدِّمُوا دَعْوَاكُمْ: الله مُنصف. فلن يدين الأوثان، والآلهة الزائفة، وعابديها من دون محاكمة عادلة. ولهذا دعا الله هذه الأوثان وعابديها إلى تقديم حججهم: “دعنا نسمع وجهة نظركم في هذه المسألة. اجلبوا حججًا قوية. هاتوا أفضل حججكم.”
٢. يَقُولُ مَلِكُ يَعْقُوبَ: هذا هو الموضع الوحيد في الكتاب المقدس الذي يشار فيه إلى الله بهذا اللقب. فنحن لا نجد لقب مَلِكُ يَعْقُوبَ إلا هنا. لكن يُستخدم لقب ملك إسرائيل في الكتاب المقدس ١٣٨ مرة من أشخاص في معظم هذه المرت. وهو مستخدم من الرب الإله في إشعياء ٤٤: ٦، وصفنيا ٣: ١٥، ويسوع في يوحنا ١: ٤٩ و١٢: ١٣.
ب) الآيات (٢٢-٢٤): الله يتفحص المتّهمين – الأوثان وعابديها – في المحاكمة.
٢٢لِيُقَدِّمُوهَا وَيُخْبِرُونَا بِمَا سَيَعْرِضُ. مَا هِيَ الأَوَّلِيَّاتُ؟ أَخْبِرُوا فَنَجْعَلَ عَلَيْهَا قُلُوبَنَا وَنَعْرِفَ آخِرَتَهَا، أَوْ أَعْلِمُونَا الْمُسْتَقْبِلاَتِ. ٢٣أَخْبِرُوا بِالآتِيَاتِ فِيمَا بَعْدُ فَنَعْرِفَ أَنَّكُمْ آلِهَةٌ، وَافْعَلُوا خَيْرًا أَوْ شَرًّا فَنَلْتَفِتَ وَنَنْظُرَ مَعًا. ٢٤هَا أَنْتُمْ مِنْ لاَ شَيْءٍ، وَعَمَلُكُمْ مِنَ الْعَدَمِ. رِجْسٌ هُوَ الَّذِي يَخْتَارُكُمْ.
١. لِيُقَدِّمُوهَا: دعا الله الأوثان إلى أن تعرض دعواها في إشعياء ٤١: ٢١. لكنها لا تعرض شيئًا. وتمثل الكلمات التالية استجواب الله للأوثان. فلماذا لا تعرض الأوثان قضيتها وتدافع عن أنفسها؟ لأنها تماثيل خرساء لا تستطيع الكلام. ولهذا يتواصل الاستجواب، ويتفحّص الله المتهمين.
٢. وَيُخْبِرُونَا بِمَا سَيَعْرِضُ: إن كانت هذه الأوثان آلهة حقًّا، فمن المؤكد أنها تعرف المستقبل والماضي. فلتتكلم ولتخبرنا بما سيحدث. ولتُخبرنا بالأمور الماضية وما حدث. فالآلهة تعرف هذه الأمور. أليس كذلك؟ أخبرونا فَنَعْرِفَ أَنَّكُمْ آلِهَةٌ.
٣. وَٱفْعَلُوا خَيْرًا أَوْ شَرًّا: يبدو الأمر وكأن الله يقف في قاعة محكمة مستجوبًا ألف وثن من أحجام وتصاميم مختلفة. ويصرخ أخيرًا: “افعلوا شيئًا! ٱفْعَلُوا خَيْرًا أَوْ شَرًّا! ألا تستطيعون أن تفعلوا أي شيء؟”
٤. هَا أَنْتُمْ مِنْ لَا شَيْءٍ: لكنها لا تستطيع أن تفعل شيئًا. ولهذا، فإن الاتهام موجه بناء على الأدلة. فعملها لا شيء. ومن يختار أن يعبدها رجس (عَمَلُكُمْ مِنَ ٱلْعَدَمِ. رِجْسٌ هُوَ ٱلَّذِي يَخْتَارُكُمْ).
• وما زالت عبادة الأوثان رجسًا اليوم. ورغم أن قليلين يسجدون للتماثيل، إلا أن كثيرين يصنعون إلهًا من رأيهم، ويقررون أنه الإله الذي يوقّرونه. وحتى كثيرون من مرتادي الكنائس يفعلون هذا. “الصراع الروحي الذي نختبره اليوم هو بالضبط من نفس الطبيعة التي نجدها مصورة هنا. فما زالت القضية غير محسوسة في أذهان البشر رغم أنها كانت محسومة منذ الأزل في ذهن الله. وما زال العالم يبذل قصارى جهده في تقديم أفضل عرض ممكن لعبادته للمخلوق بدلًا من الخالق. وتمثل هذه العبادة مناصرة لقشور الدين بدلًا من السجود في خضوع أمام صليب فارغ (المسيح المقام)، والعرش المحتل، وملك الملوك في مجد.” ريدباث (Redpath)
٥. أَنْتُمْ مِنْ لَا شَيْءٍ، وَعَمَلُكُمْ مِنَ ٱلْعَدَمِ: اقتبس بولس هذه الفكرة في ١ كورنثوس ٨: ٤ عندما كتب: “فَمِنْ جِهَةِ أَكْلِ مَا ذُبِحَ لِلْأَوْثَانِ: نَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِي ٱلْعَالَمِ، وَأَنْ لَيْسَ إِلَهٌ آخَرُ إِلَّا وَاحِدًا.”
ج) الآيات (٢٥-٢٩): خلاصة الرب: الأوثان باطلة، والإنسان محدود.
٢٥قَدْ أَنْهَضْتُهُ مِنَ الشَّمَالِ فَأَتَى. مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ يَدْعُو بِاسْمِي. يَأْتِي عَلَى الْوُلاَةِ كَمَا عَلَى الْمِلاَطِ، وَكَخَزَّافٍ يَدُوسُ الطِّينَ. ٢٦مَنْ أَخْبَرَ مِنَ الْبَدْءِ حَتَّى نَعْرِفَ، وَمِنْ قَبْل حَتَّى نَقُولَ: هُوَ صَادِقٌ؟ لاَ مُخْبِرٌ وَلاَ مُسْمِعٌ وَلاَ سَامِعٌ أَقْوَالَكُمْ. ٢٧أَنَا أَوَّلاً قُلْتُ لِصِهْيَوْنَ: هَا! هَا هُمْ. وَلأُورُشَلِيمَ جَعَلْتُ مُبَشِّرًا. ٢٨وَنَظَرْتُ فَلَيْسَ إِنْسَانٌ، وَمِنْ هؤُلاَءِ فَلَيْسَ مُشِيرٌ حَتَّى أَسْأَلَهُمْ فَيَرُدُّونَ كَلِمَةً. ٢٩هَا كُلُّهُمْ بَاطِلٌ، وَأَعْمَالُهُمْ عَدَمٌ، وَمَسْبُوكَاتُهُمْ رِيحٌ وَخَلاَءٌ.
١. قَدْ أَنْهَضْتُهُ مِنَ ٱلشَّمَالِ فَأَتَى: بالمقابلة مع الأوثان التي لا تعرف شيئًا، فإن الله يعرف بالفعل. فهو يعرف بأنه سيأتي بكورش من الشمال ليغزو البابليين الذين غزوا يهوذا وأورشليم وسبوا أهلها. وسيستخدم الله كورش للسماح باليهود بالعودة من السبي. (عزرا ١)
• “كان كورش يحمل احترامًا كبيرًا لدى الرب كما نقرأ في إعلانه عن تحرير إسرائيل في سفر عزرا الإصحاح الأول. وهو يقول بحق إن الرب أعطاه كل ممالك الأرض.” بولتيما (Bultema)
• “يتم تضمين ’الشمال‘ هنا لأن الفُرس غزوا الأرض إلى شمال بابل قبل غزو حدودها.” وولف (Wolf)
٢. مَنْ أَخْبَرَ مِنَ ٱلْبَدْءِ حَتَّى نَعْرِفَ: ليست الأوثان هي التي أخبرت. فهي لا تعلم شيئًا. وليس الإنسان، لأني نَظَرْتُ فَلَيْسَ إِنْسَانٌ. فمن الذي استطاع أن يجيب عندما سألتُ؟
٣. كُلُّهُمْ بَاطِلٌ، وَأَعْمَالُهُمْ عَدَمٌ: وأخيرًا يُقرأ الحُكم في المحكمة. فبصرف النظر عن الله ومخططه الكبير للأمور، فإن عظمة الإنسان لا قيمة لها، وأعماله العظيمة لا شيء (هَا كُلُّهُمْ بَاطِلٌ، وَأَعْمَالُهُمْ عَدَمٌ). وماذا عن الأوثان؟ إنها مجرد ريح وارتباك (وَمَسْبُوكَاتُهُمْ رِيحٌ وَخَلَاءٌ).
• “يتضمن هذا الإصحاح ما لا يقل عن ١٤ وعد تبدأ بـ ’سأفعل‘ (بالترجمة الإنجليزية) في نطاق هذه الآيات، معبّرًا عن سلطته. ولهذا يُطلق عليه إصحاح ’سأفعل.‘” ريدباث (Redpath). فلنلق نظرة عليها:
قَدْ أَيَّدْتُكَ (سأشددك) – إشعياء ٤١: ١٠.
أَعَنْتُكَ (سأعينك) – إشعياء ٤١: ١٠، ١٣، ١٤.
عَضَدْتُكَ (سأعضدك) بِيَمِينِ بِرِّي: إشعياء ٤١: ١٠.
جَعَلْتُكَ (سأجعلك) نَوْرَجًا مُحَدَّدًا جَدِيدًا ذَا أَسْنَانٍ – إشعياء ٤١: ١٥.
أَفْتَحُ (سأفتح) عَلَى ٱلْهِضَابِ أَنْهَارًا – إشعياء ٤١: ١٨.
أَجْعَلُ (سأجعل) ٱلْقَفْرَ أَجَمَةَ مَاءٍ – إشعياء ٤١: ١٨.
أَجْعَلُ (سأزرع) فِي ٱلْبَرِّيَّةِ ٱلْأَرْزَ وَٱلسَّنْطَ – إشعياء ٤١: ١٩.
أَضَعُ (سأضع) فِي ٱلْبَادِيَةِ ٱلسَّرْوَ – إشعياء ٤١: ١٩.
وَلِأُورُشَلِيمَ جَعَلْتُ (سأجعل) مُبَشِّرًا – إشعياء ٤١: ٢٧.
• هذه مقابلة صارخة مع إشعياء ١٤، ذلك الإصحاح الذي يتكلم فيه إبليس مستخدمًا ’سأفعل.‘ وفي ما يلي هذه العبارات التي نطق بها:
أَصْعَدُ (سأصعد) إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ – إشعياء ١٤: ١٣.
أَرْفَعُ (سأرفع) كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ ٱللهِ – إشعياء ١٤: ١٣.
وَأَجْلِسُ (وسأجلس) عَلَى جَبَلِ ٱلِٱجْتِمَاعِ – إشعياء ١٤: ١٣.
أَصْعَدُ (سأصعد) فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ ٱلسَّحَابِ – إشعياء ١٤: ١٤.
أَصِيرُ (سأصير) مِثْلَ ٱلْعَلِيِّ – إشعياء ١٤: ١٤.
• كانت كل عبارات إبليس البادئة بـ’سأفعل‘ ممتلئة بالكبرياء ومتمحورة حول الذات، بينما كانت عبارات الله البادئة بـ’سأفعل‘ في إشعياء ٤١ هي لمنفعة شعبه وبركتهم. ورغم أن إبليس رفع نفسه في كبرياء معلنًا بـ’سأفعل،‘ فإن أيًّا من تصريحاته لم تتحقق. وأما كل وعود الرب في ’سأفعل‘ تحققت أو ستتحقق.
• عندما يقول الله،’سأفعل‘ فإنه يقولها بكل سلطة قدرته الكلية. فقد رأى مسبقًا كل صعوبة، ودرس كل عقبة يمكن أن تعترض طريقه، وتوَقَّعَ كل حالة طارئة محتملة. وهو يعرف ضعف الذي يقطع له الوعد. ومع ذلك، يقول: ’سأفعل.‘” ريدباث (Redpath)