إشعياء ٤٣
لا تخفْ
أولًا. أسباب لعدم الخوف
أ ) الآية (١): لا تخف، عالمًا أنك تخص الرب.
١وَالآنَ هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ، خَالِقُكَ يَا يَعْقُوبُ وَجَابِلُكَ يَا إِسْرَائِيلُ: «لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي.
١. يَقُولُ ٱلرَّبُّ، خَالِقُكَ… وَجَابِلُكَ: يتحدث الرب إلى شعبه بصفته خالقهم. ولله حق خاص وفريد علينا لأنه صانعنا. وعندما ينسى الناس الله أو يرفضونه كخالق، فإنهم يفشلون في أهم واجباتهم الأساسية تجاهه.
٢. لَا تَخَفْ: هذا أمر مصحوب بوعود. وحسب الظروف الخارجية، كان لدى شعب يهوذا سبب للخوف من الجيش البابلي والسبي. وهنا يوجههم الله إلى ما وراء الظروف الحالية إلى كل من هذا الأمر والوعد.
٣. فَدَيْتُكَ: لم يكن لإسرائيل التزام تجاه الله بصفته خالقًا فحسب، بل بصفته فاديًا لها أيضًا. فهو الذي أخرجها من السبي الفعلي والعبودية الروحية.
• كان الفادي يشتري أقرباءه غير المحظوظين من عبوديتهم وديونهم. فكان ينقذهم، ويدفع ثمن العبد أو الدَّين الذي لم يكونوا قادرين على دفعه. وعندما يدعو الله نفسه فادينا، فإنه يشير إلى الثمن الذي يتوجب دفعه من أجل خلاصنا.
٤. دَعَوْتُكَ بِٱسْمِكَ. أَنْتَ لِي: يملك الله شعبه مرتين. فله حق الملكية لشعبه كخالق وفادٍ لهم. ومُلكيته لهم شخصية لأنه يقول: دَعَوْتُكَ بِٱسْمِكَ. ومُلكيته مؤكدة لأنه ختمها بالقول: أَنْتَ لِي.
• إن معرفتنا بأننا نخص الله ردٌّ رائع على الخوف. يمكننا أن نعرف أنه يمسك بنا، ويحمينا، ويحرسنا، ويهتم بنا. ويمكننا أن نعرف أنه ما كان له أن يخلقنا ويفدينا ويدعونا ما لم يقصد أن يكمل عمله فينا. فكيف يمكننا أن نخاف عندما نعرف أن الله هو إلى جانبنا وأنه يسعى إلى مصلحتنا؟
ب) الآيات (٢-٧): لا تخف، عالمًا أن الرب معك.
٢إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ. ٣لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ، مُخَلِّصُكَ. جَعَلْتُ مِصْرَ فِدْيَتَكَ، كُوشَ وَسَبَا عِوَضَكَ. ٤إِذْ صِرْتَ عَزِيزًا فِي عَيْنَيَّ مُكَرَّمًا، وَأَنَا قَدْ أَحْبَبْتُكَ. أُعْطِي أُنَاسًا عِوَضَكَ وَشُعُوبًا عِوَضَ نَفْسِكَ. ٥لاَ تَخَفْ فَإِنِّي مَعَكَ. مِنَ الْمَشْرِقِ آتِي بِنَسْلِكَ، وَمِنَ الْمَغْرِبِ أَجْمَعُكَ. ٦أَقُولُ لِلشَّمَالِ: أَعْطِ، وَلِلْجَنُوبِ: لاَ تَمْنَعْ. اِيتِ بِبَنِيَّ مِنْ بَعِيدٍ، وَبِبَنَاتِي مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. ٧بِكُلِّ مَنْ دُعِيَ بِاسْمِي وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ.
١. إِذَا ٱجْتَزْتَ فِي ٱلْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ: سيكون الله معنا من خلال أية عقبة محتملة. فإن كان في المياه العميقة، فسيكون معك. وإذا اضطررت إلى المشي عبر النار، فلن تحرقك. فعندما يكون الله معنا، فإنه يكون إلى جانبنا. وعندئذٍ، من يمكن أن يكون علينا؟
• إن كانت لإسرائيل محنها وتجاربها، فإن لدينا محننا وتجاربنا أيضًا. والمحن والتجارب أمر لا مفر منه. يقول النص الإنجليزي، “عندما تجتاز في المياه،” لا “إِذَا ٱجْتَزْتَ فِي ٱلْمِيَاهِ،” حسب الترجمة العربية. ولا يقول النص، “إذا سرت على سجادة فاخرة مبطّنة، سأكون معك.” بل يقول إن الله معنا في أصعب الظروف. والمحن متنوعة. ونحن نواجه أحيانًا مياهًا، وأحيانًا أنهارًا، وأحيانًا حرائق. والفيضانات تطغى، والحرائق تلتهم.
• يذكّرنا حضور الرب وحمايته في النار بقصة أبناء يهوذا الذين أُلقوا في أتون بابلي لأنهم لم يسجدوا في عبادة لوثن. وقد حفظهم الله بحضوره (دانيال ٣: ١٩-٢٥).
• هذا النص زاخر بصور من الخروج من مصر. “تُذكّر عبارة ’أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ‘ كل يهودي قرأ خروج ٢٠، حيث يتبع هذا الوصف الإلهي كلام الرب ’ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ‘ (خروج ٢٠: ٢). وهكذا، فإن من شأن تعلُّمهم من هذا الحدث الماضي أن يجعلهم مرتاحين في وعده بإعادتهم إلى أرضهم.” جروجان (Grogan)
• “إسرائيل غير قابلة للتدمير، شأنها شأن كلمة الله وعهده. فمن يقدر أن يقضي على إسرائيل يقدر أن يفعل أكثر مما فعله إبليس وكل قوى الجحيم في العصور الماضية. ومع ذلك، فإن ما يصح على إسرائيل يصح على الكنيسة أيضًا. لقد اشتعلت النيران وغليت المياه ضدها، لكن الرب كان معها حسب وعده.” بولتيما (Bultema)
٢. إِذَا مَشَيْتَ فِي ٱلنَّارِ: يمكننا أن نفعل هذا بعون الرب. فلا داعي للذعر أو الخوف. ولسنا مضطرين إلى الهروب كما لو أننا لا نثق بالله. فهو يستطيع أن يقوّينا في محننا لكي نمشي في النار.
• “المشي هو السرعة التي نسير بها عندما لا نكون في عجلة من أمرنا، وعندما لا نكون قلقين أو منزعجين. فعندما لا تكون مثقلًا بالهموم أو مضطربًا، فإنك تمشي. ’مَنْ آمَنَ لَا يَهْرُبُ (لا يتعجّل)‘ (إشعياء ٢٨: ١٦).” ريدباث (Redpath)
٣. إِذْ صِرْتَ عَزِيزًا فِي عَيْنَيَّ مُكَرَّمًا: يصرّح الله هنا عن دافعه وراء عمله الفدائي. فهو يحبنا. ونحن ثمينون لديه. وهذا مثل من العهد القديم لحقيقة يوحنا ٣: ١٦ “لِأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ ٱللهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ.”
• “كان الله، في رغبته في إثبات محبته لشعبه، مستعدًّا لأن يعطي مصر، وكوش، وسبا فدية عن إسرائيل. قد ترمز هذه الشعوب الثلاثة إلى قيمة إسرائيل العظيمة، أو ربما سُمّيت توقُّعًا للغزوات الفارسية اللاحقة.” وولف (Wolf)
٤. وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ: سيظهر حضور الله وبركته مع إسرائيل أيضًا من خلال فكّ أغلال سبيهم. ويمكنهم أن يأملوا في مستقبل مشرق لأنهم دُعُوا باسم الرب وأنهم خُلِقوا لمجده.
• يعني ’وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ‘ أن الله لم يخلقنا فحسب، بل فعل ذلك لقصد. فإذا لم يكن لدينا خالق، فلا قصد لنا. لكن الله خلقنا، وقد فعل هذا لغرض، حيث خلقنا لمجده. ويعني هذا أنه عندما تمجد الله، فإننا نحقق القصد الذي خلقنا من أجله، ونكون بالتالي أكثر سعادة وتحقيقًا.
ثانيًا. شهود على عمل الرب
أ ) الآيات (٨-٩): تُدعى الشعوب وإسرائيل إلى إثبات دعواها أو قبول دعوى الله.
٨أَخْرِجِ الشَّعْبَ الأَعْمَى وَلَهُ عُيُونٌ، وَالأَصَمَّ وَلَهُ آذَانٌ. ٩«اِجْتَمِعُوا يَا كُلَّ الأُمَمِ مَعًا وَلْتَلْتَئِمِ الْقَبَائِلُ. مَنْ مِنْهُمْ يُخْبِرُ بِهذَا وَيُعْلِمُنَا بِالأَوَّلِيَّاتِ؟ لِيُقَدِّمُوا شُهُودَهُمْ وَيَتَبَرَّرُوا. أَوْ لِيَسْمَعُوا فَيَقُولُوا: صِدْقٌ.
١. أَخْرِجِ ٱلشَّعْبَ ٱلْأَعْمَى وَلَهُ عُيُونٌ: سبق أن تكلم الرب في إشعياء ٤٢: ١٩ مع عبيده العميان والصُّم الذين أغمضوا عيونهم وآذانهم عن طيب خاطر عن حقه وطُرُقه. وهو الآن يطلب منهم أن يخرجوا مع كل الشعوب التي ستجتمع معًا.
٢. مَنْ مِنْهُمْ يُخْبِرُ بِهَذَا وَيُعْلِمُنَا بِٱلْأَوَّلِيَّاتِ؟ لِيُقَدِّمُوا شُهُودَهُمْ وَيَتَبَرَّرُوا: يدعو الله شعبه (العميان والصُّم) والشعوب إلى الشهادة ليبرهنوا أنه على خطأ، أو أنهم مبررَّون في رفضهم له. فكأنّ الله يقول: “أنتم اخترتم أن تعبدوا وتكرموا آلهة أخرى. فتعالوا الآن وبرِّروا موقفكم، جالبين شهودًا كثيرين.”
• “لا يتوجب علينا أن نفوّت الموقف الذي يدعو إلى الرثاء. تخيّل أي خصم يعتمد على عميان للشهادة على ما رأوه، وعلى صُمّ ليشهدوا على ما سمعوه!” موتير (Motyer)
ب) الآيات (١٠-١٣): الرب يفوّض شهوده.
١٠أَنْتُمْ شُهُودِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَعَبْدِي الَّذِي اخْتَرْتُهُ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا بِي وَتَفْهَمُوا أَنِّي أَنَا هُوَ. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ. ١١أَنَا أَنَا الرَّبُّ، وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ. ١٢أَنَا أَخْبَرْتُ وَخَلَّصْتُ وَأَعْلَمْتُ وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ. وَأَنْتُمْ شُهُودِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَنَا اللهُ. ١٣أَيْضًا مِنَ الْيَوْمِ أَنَا هُوَ، وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِي. أَفْعَلُ، وَمَنْ يَرُدُّ؟».
١. أَنْتُمْ شُهُودِي: لقد شهد شعب الله عظمته. ولو أن إسرائيل تذكرت الأشياء العظيمة التي فعلها الله بينها، لرأت أن كل عمل عجيب قام به شاهد على أنه الإله الحقيقي الوحيد.
• ليس لدى عابدي الأوثان ما يقولونه كشهود، لأن آلهتهم لا تقدر أن تفعل شيئًا. لكن شعب الله شهود على عظمته. فقد رأوا قوته واختبروها.
٢. وَعَبْدِي ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا بِي: الشاهد مراقب سلبي لما يفعله شخص ما. وسبق أن رأت إسرائيل أعمال الله العظيمة. لكنها كانت أكثر من مجرد شاهدة. إذ دعا الله بني إسرائيل أن يكونوا عبيدًا له. ولهذا تم اختيارهم – ليس للجلوس مكتوفي الأيدي يتفاخرون لأنهم شعب الله المختار، بل ليخدموا الرب ويعرفوه ويؤمنوا به في كل شيء.
٣. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلَهٌ وَبَعْدِي لَا يَكُونُ: يقول الله في كلمات واضحة أنه وحده الإله العليّ، وأنه لا يوجد أي إله آخر معه. لا توجد “آلهة صغيرة”، أو “آلهة من الدرجة الثانية.” فلم يصوَّر إله قبل الرب، ولن يكون هنالك إله بعده.
• ماذا عن النصوص الكتابية التي يعتقد بعضهم أنها تشير إلى آلهة أخرى؟ فعلى سبيل المثال، يقتبس يسوع في يوحنا ١٠: ٣٤ مزمور ٨٢: ٦-٧ التي تخاطب القضاة: ’أنتم آلهة،‘ لأنهم في منصبهم يقررون مصير الناس الآخرين. وأيضًا في خروج ٢١: ٦ و ٢٢: ٨-٩، يتحدث الله إلى قضاة الأرض تحت كلمة ’إيلوهيم‘ (آلهة). وفي يوحنا ١٠، يقول يسوع ما مفاده: “إن كان الله أعطى هؤلاء القضاة الظالمين لقب ’آلهة‘ بسبب منصبهم، فلماذا تَعُدّون تجديفًا أن أدعو نفسي ’ابن الله‘ في ضوء شهادتي وأعمالي؟” لم يأخذ يسوع عبارة ’أنتم آلهة‘ في مزمور ٨٢، مطبّقًا إياها على كل البشرية أو على كل المؤمنين. فاستخدام كلمة آلهة هنا هي مجرد استعارة، لا أكثر.
• وفي ٢ كورنثوس ٤: ٤، يدعو بولس إبليس إله هذا الدهر. ومن المؤكد أنه لا يعني أن إبليس إله حقيقي، أو أنه منافس للرب الإله. لكنه يُدعى إله هذا الدهر لأن كثيرين يعُدّونه إلهًا. وأوضح بولس في ١ كورنثوس ٨: ٤-٥ أن الأوثان التي تعبدها الشعوب آلهة مزعومة، وأنه لا يوجد إلاّ إله واحد.
• هذه نقطة مهمة، لأن بعضهم – مثل شهود يهوه – يتبنّون الرأي أن يسوع إله فعلًا، لكنه ’إله من مستوى أدنى‘ أو ’إله صغير.‘ وهم يسمحون بالقول إنه إله جبّار (إشعياء ٩: ٦)، لكنه ليس الإله القدير. لكن عندما يقول الرب على لسان إشعياء: قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلَهٌ وَبَعْدِي لَا يَكُونُ، فإن هذا يبيّن أن هنالك إلهًا حقيقيًّا واحدًا. هنالك آلهة مجازية، مثل استخدام كلمة ’إله‘ كاستعارة، مثل استخدامها للإشارة إلى القضاة في مزمور ٨٢. وهنالك آلهة زائفة مثل إبليس وأوثان الشعوب. لكن لا توجد آلهة حقيقية بعيدًا عن الرب يهوه الذي هو الإله الواحد في ثلاثة أقانيم. ومن المفارقات أن شهود يهوه يأخذون اسمهم من هذا النص بالذات الذي يبرهن أن عقيدتهم حول يسوع خطأ.
٤. وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ: الرب هو المخلّص الوحيد. وهو وحده الذي أعلن هذا، وهو الذي خلّص – أَنَا أَخْبَرْتُ وَخَلَّصْتُ وَأَعْلَمْتُ وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ. الرب هو عوننا ودعمنا. ومن المؤسف أننا لا نلجأ إلى مخلّصنا الوحيد إلاّ كملاذ أخير بدلًا من أن يكون موردنا الأول.
• بما أنه أمر واضح أن يسوع هو مخلّصنا (فيلبي ٣: ٢٠؛ ٢ تيموثاوس ١: ١٠)، وأنه لا يوجد مخلّص غير الرب، فلا بد أن يسوع هو الرب. فالرب يهوه إله واحد في ثلاثة أقانيم.
٥. وَأَنْتُمْ شُهُودِي: لو أنّ إسرائيل تذكرت أن الرب خلقها، لما أسرعت إلى اللجوء إلى آلهة أخرى ولما ابتعدت عن الرب. وينبغي أن نكون شهودًا جميعًا على عمل الرب في الخلاص والإنقاذ والشفاء.
٦. أَيْضًا مِنَ ٱلْيَوْمِ أَنَا هُوَ: تتجاوز أوراق الله الثبوتية عمله الخلاصي من أجل شعبه. فقد جاء قبل الزمن. فقبل أن يكون هنالك أي يوم، كان الله موجودًا. ولهذا، فإن قوته أكبر بلا حد من قوة أي كائن آخر. ولهذا يمكنه أن يقول بحق: وَلَا مُنْقِذَ مِنْ يَدِي. فإن فعل شيئًا، فلا يوجد من يبطله (أَفْعَلُ، وَمَنْ يَرُدُّ؟).
ثالثًا. الرب يفدي شعبًا قاسي القلب.
أ ) الآيات (١٤-١٧): وعد بإدانة بابل.
١٤هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ فَادِيكُمْ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: «لأَجْلِكُمْ أَرْسَلْتُ إِلَى بَابِلَ وَأَلْقَيْتُ الْمَغَالِيقَ كُلَّهَا وَالْكَلْدَانِيِّينَ فِي سُفُنِ تَرَنُّمِهِمْ. ١٥أَنَا الرَّبُّ قُدُّوسُكُمْ، خَالِقُ إِسْرَائِيلَ، مَلِكُكُمْ. ١٦هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الْجَاعِلُ فِي الْبَحْرِ طَرِيقًا وَفِي الْمِيَاهِ الْقَوِيَّةِ مَسْلَكًا. ١٧الْمُخْرِجُ الْمَرْكَبَةَ وَالْفَرَسَ، الْجَيْشَ وَالْعِزَّ. يَضْطَجِعُونَ مَعًا لاَ يَقُومُونَ. قَدْ خَمِدُوا. كَفَتِيلَةٍ انْطَفَأُوا.
١. لِأَجْلِكُمْ أَرْسَلْتُ إِلَى بَابِلَ: تنبّأ إشعياء قبل الغزو البابلي وإرسال الأُمّة إلى السبي مدة سبعين سنة. غير أنه تنبّأ لا بالسبي القادم فحسب، بل أيضًا بعده إلى الدينونة النهائية على بابل بسبب ما ستفعله بيهوذا.
٢. هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْجَاعِلُ فِي ٱلْبَحْرِ طَرِيقًا: في الوقت الذي تنبّأ فيه إشعياء، كانت بابل قوة عالمية صاعدة قادمة. وقبل أن تدان، ستكون قوة عظمى تهيمن على العالم، كيف يمكن لإسرائيل بأن تكون واثقة بأن الله على مستوى مهمة إنقاذهم وإدانة بابل؟ كان كل ما عليها أن تفعله هو أن تنظر إلى عمل الله العظيم في الماضي عندما صنع طريقًا في البحر – عندما شقّ البحر الأحمر ليتمكن بنو إسرائيل من الهروب من الجيوش المصرية (خروج ١٤). ويستحضر إشعياء هذه الصور بقوة عندما يتكلم عن المركبة والفَرَس، وعن جيش أعداء شعب الله وقوتهم، وكيف أنهم سيُطرَحون معًا أمواتًا (يَضْطَجِعُونَ مَعًا لَا يَقُومُونَ). فكما سحق الله الجيوش المصرية التي استعبدت شعبه، كذلك سيدين البابليين أيضًا.
• يعلّمنا هذا أنه يمكننا دائمًا أن نبرر ثقتنا بالله الآن بتذكُّر الأشياء العظيمة التي قام بها.
• يعلّمنا هذ أنه لا ينبغي أن نقاوم الرب أو شعبه.
٣. أَنَا ٱلرَّبُّ قُدُّوسُكُمْ، خَالِقُ إِسْرَائِيلَ، مَلِكُكُمْ: انظر إلى ألقاب الله المجيدة في هذه الآيات القليلة. وفي هذا النص الذي يُقصد به تعزية إسرائيل في وسط سبيها في بابل، يقدّم الله صورة لقدرته وقوته.
ب) الآيات (١٨-٢١): يَعِد الله شعبه بعمل جديد.
١٨«لاَ تَذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ، وَالْقَدِيمَاتُ لاَ تَتَأَمَّلُوا بِهَا. ١٩هأَنَذَا صَانِعٌ أَمْرًا جَدِيدًا. الآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقًا، فِي الْقَفْرِ أَنْهَارًا. ٢٠يُمَجِّدُنِي حَيَوَانُ الصَّحْرَاءِ، الذِّئَابُ وَبَنَاتُ النَّعَامِ، لأَنِّي جَعَلْتُ فِي الْبَرِّيَّةِ مَاءً، أَنْهَارًا فِي الْقَفْرِ، لأَسْقِيَ شَعْبِي مُخْتَارِي. ٢١هذَا الشَّعْبُ جَبَلْتُهُ لِنَفْسِي. يُحَدِّثُ بِتَسْبِيحِي.
١. لا تَذْكُرُوا ٱلْأَوَّلِيَّاتِ: بينما كان إشعياء يكتب نبويًّا لإسرائيل، كانت غارقة في ظروف يائسة من السبي والنفي. وأراد الله منها أن تركز عينيها على العمل الجديد الذي سيقوم به. ولهذا بدأ بالتنبيه إلى عدم تذكُّر الأمور الماضية – لا تَذْكُرُوا ٱلْأَوَّلِيَّاتِ. فإذا كانت عالقة في الفشل والخطية وإحباطات الماضي، فلن تتقدم أبدًا إلى الشيء الجديد الذي كان يعده لهم.
• هذه نقلة مذهلة ومفيدة بين إشعياء ٤٣: ١٦-١٧ وإشعياء ٤٣: ١٨. ففي إشعياء ٤٣: ١٦-١٧ طلب الله من إسرائيل أن تنظر إلى الماضي لتتذكر الأشياء العظيمة التي فعلها الرب من أجلها في البحر الأحمر. لكن في إشعياء ٤٣: ١٨، طلب منها ألاّ تتذكر الأوليات (وَٱلْقَدِيمَاتُ لَا تَتَأَمَّلُوا بِهَا). ويبيّن هذا أنه يوجد معنى بموجبه يتوجب علينا أن نتذكر الماضي المتعلق بعمل الله العظيم من أجلنا. ويوجد أيضًا معنى بموجبه يتوجب علينا أن ننسى الماضي بكل إحباطاته وهزائمه لنتحرك إلى ما يحمله الله لنا في المستقبل.
٢. هَأَنَذَا صَانِعٌ أَمْرًا جَدِيدًا: إذا عَلِقْنا في الماضي، يمكن لهذا أن يبعدنا عن الشيء الجديد الذي يريده الله لنا. فإذا علِقت إسرائيل في إحباطات بابل وإغراءاتها، فلن تتطلع أبدًا إلى الشيء الجديد، وهو الإطلاق من السبي.
• يمكننا أن نصنع من ’الجديد‘ وثنًا. ويمكن أن نخطئ كما أخطأ أهل أثينا الذين كانوا يتفرغون كليًّا لسماع كل جديد (أعمال ١٧: ٢١). ويمكن أن تتقاذفنا كل ريح عقيدة أو تعليم. لكن يمكننا أن نخطئ أيضًا في الجانب الآخر من الميزان فنعمل ضد كل جديد يأتي به الله.
• أَلَا تَعْرِفُونَهُ؟ يطرح الله السؤال نفسه اليوم: “هل ستواكب روحي؟ عندما يقودك الله إلى شيء جديد، هل ستميزه؟ هل ستعرفه؟”
٣. أَجْعَلُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ طَرِيقًا: كانت هنالك مئات من الأميال من البرية بين السبي في بابل والعودة إلى إسرائيل. ولم يكن هنالك داعٍ للخوف لأن الله سيصنع طريقًا في البرية، ويوفر أنهارًا في الصحراء، وسيحمي شعبه من الحيوانات البرية، لأنه يُمَجِّدُنِي حَيَوَانُ ٱلصَّحْرَاءِ، قال الرب.
• عندما يقطع الله وعدًا، غالبًا ما نقلق حول التفاصيل أو العوائق أمام تحقيقه. ويجيب الله: “لا تقلقوا بشأن هذا الأمر على الإطلاق. سوف أَجْعَلُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ طَرِيقًا. إذ لديّ موارد وخطط لا تعرفون شيئًا عنها. فاتركوا تلك المشكلات لي.”
٤. يُحَدِّثُ بِتَسْبِيحِي: هذا جزء من تحقيق القصد الذي خلقنا الله لأجله، كما هو مذكور في إشعياء ٤٣: ٧ (لمجدي خلقته). وعندما نُحَدِّث بتسبيح الله، فإننا نمجده، محقّقين بهذا واحدًا من المقاصد التي خلقنا لأجلها.
• يتطلع هذا النص إلى خلاص إسرائيل المتنبّأ به من بابل. لكنه يتطلع إلى ما هو أكثر من ذلك. فهو يتطلع أيضًا إلى الخلاص النهائي الذي سيجلبه المسيّا.
• “من كل النصوص التي وُضِعت معًا هنا، يبدو أن هذا الخلاص الأخير، بالمقارنة مع التحرير من مصر، لا يقتصر على حريتهم من السبي البابلي، بل يمتد إلى نتائجه، ولاسيما فداء المسيح، لأنه بخلاف ذلك سيكون التحرير من مصر أَمْجَد وأروع من نواحٍ كثيرة من التحرير البابلي.” بوله (Poole)
ج) الآيات (٢٢-٢٤): قساوة قلب شعب الله.
٢٢«وَأَنْتَ لَمْ تَدْعُنِي يَا يَعْقُوبُ، حَتَّى تَتْعَبَ مِنْ أَجْلِي يَا إِسْرَائِيلُ. ٢٣لَمْ تُحْضِرْ لِي شَاةَ مُحْرَقَتِكَ، وَبِذَبَائِحِكَ لَمْ تُكْرِمْنِي. لَمْ أَسْتَخْدِمْكَ بِتَقْدِمَةٍ وَلاَ أَتْعَبْتُكَ بِلُبَانٍ. ٢٤لَمْ تَشْتَرِ لِي بِفِضَّةٍ قَصَبًا، وَبِشَحْمِ ذَبَائِحِكَ لَمْ تُرْوِنِي. لكِنِ اسْتَخْدَمْتَنِي بِخَطَايَاكَ وَأَتْعَبْتَنِي بِآثَامِكَ.
١. وَأَنْتَ لَمْ تَدْعُنِي يَا يَعْقُوبُ: لمن يتحدث إشعياء هنا؟ ربما خرج النبي من المستقبل النبوي إلى الحاضر النبوي ليتحدث إلى شعب يهوذا في أيامه. وربما يتحدث في المستقبل النبوي موبّخًا كثيرين من المسبيين قساة القلب في بابل، والراضين عن أنفسهم، وغير المهتمين بالعودة إلى أرض الموعد.
٢. حَتَّى تَتْعَبَ مِنْ أَجْلِي: عندما نكون في الجسد، نَعُد أحيانًا خدمة الله وطاعته أمرًا متعبًا، شاعرين أن خدمته عبء كبير. ونعتقد أننا أسوأ حالًا عندما نتبع طرقه شاعرين بأننا مبتلون ومقموعون. ويقول الناس أحيانًا: “أنا محتاج إلى أخذ قسط من الراحة،” وهم يعنون بهذا أنهم يحتاجون إلى إجازة وراحة من الرب.
• عندما نحس هكذا، فإن هذا دليل أكيد على أننا لا نواكب يسوع وطبيعته الحقيقية. قال متى: “تَعَالَوْا إِلَيَّ يا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلْأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لِأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لِأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ” (متى ١١: ٢٨-٣٠). فإذا بدا لك دائمًا أن اتِّباع الرب عبء كبير مرهق، فإنك لا تتبعه حقًّا.
٣. لَمْ تُحْضِرْ لِي شَاةَ مُحْرَقَتِكَ: عندما نتعب من الرب هكذا، فإن هذا يَظهر في الغالب في عطائنا وفي انحلالنا الأخلاقي (أَتْعَبْتَنِي بِآثَامِكَ).
• “ربما لم يكن الإسرائيليون مخلْصين في عبادتهم. فعندما كانوا يأتون بالتقدمات، كانوا ببساطة يقدمون حركات العبادة الآلية. ولهذا لم يَعُد ذبائحهم الفارغة ذبائح حقيقية على الإطلاق.” وولف (Wolf)
٤. ٱسْتَخْدَمْتَنِي بِخَطَايَاكَ وَأَتْعَبْتَنِي بِآثَامِكَ: تحدّث إشعياء إلى شعب الله الذين استنفدوا كل طاقتهم، وأحسوا بأنهم مرهقون بأعباء الرب. فأجابهم الرب: “هل تحسون بأنكم مرهقون ومتعَبون؟ فماذا عني أنا؟ لقد أتعبتموني بخطاياكم وآثامكم.”
د ) الآيات (٢٥-٢٨): رحمة الله تجاه شعب قاسي القلب.
٢٥أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا». ٢٦«ذَكِّرْنِي فَنَتَحَاكَمَ مَعًا. حَدِّثْ لِكَيْ تَتَبَرَّرَ. ٢٧أَبُوكَ الأَوَّلُ أَخْطَأَ، وَوُسَطَاؤُكَ عَصَوْا عَلَيَّ. ٢٨فَدَنَّسْتُ رُؤَسَاءَ الْقُدْسِ، وَدَفَعْتُ يَعْقُوبَ إِلَى اللَّعْنِ، وَإِسْرَائِيلَ إِلَى الشَّتَائِمِ.
١. أَنَا أَنَا هُوَ ٱلْمَاحِي ذُنُوبَكَ لِأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لَا أَذْكُرُهَا: ماذا سيفعل الله بمثل هذا الشعب قاسي القلب؟ سيغفر لهم في أقرب فرصة. وسينسى خطاياهم. فرغم كل خطيتهم واستخفافهم بالرب، ما زال الرب يحب شعبه ويتوق إلى عودتهم إليه بتواضع.
• قصة الابن الضال التي رواها يسوع مثل توضيحي لهذا المبدأ: أحس الابن الضال أن الأب كان عبئًا مرهقًا عليه ينبغي التخلص منه، ولهذا مضى في طريقه. لكن الأب ظل على حبه له، وكان مستعدًّا لنسيان كل خطاياه بمجرد عودته بتواضع.
• وَخَطَايَاكَ لَا أَذْكُرُهَا: كيف يمكن لله أن ينسى؟ إنه يفعل هذا باختياره أن لا يتذكر. لقد نسي الله خطايانا، لأن المسيح دفع ثمنها كاملًا على الصليب. ويمكننا أن ننسى خطيتنا أيضًا ونضعها بعيدًا عنّا.
٢. ذَكِّرْنِي فَنَتَحَاكَمَ مَعًا. حَدِّثْ لِكَيْ تَتَبَرَّرَ: يقول الله لشعبه: “هل تريدون أن تبرروا أنفسكم؟ هيا افعلوا هذا، وقدموا أفضل دعوى لكم.” لكن مهما قالوا في مصلحتهم، فإن لدى الله حجة أقوى: أَبُوكَ ٱلْأَوَّلُ أَخْطَأَ. أنت ابن لآدم، وقد أصابت عدوى خطيته كل الجنس البشري، بمن في ذلك أنت. فأنت خاطئ منذ الولادة. فتوقف عن تبرير نفسك، وتطلَّعْ إلى الخلاص.
٣. وَوُسَطَاؤُكَ عَصَوْا عَلَيَّ: لم تقتصر مشكلتهم في أنهم وُلدوا من آدم في الخطية مثلنا. لكنهم اتكلوا أيضًا على وسطاء خطاة مثلهم ليخلّصوهم أمام الرب. فكان هذا الاتكال خطأ. فلا يخلّصنا إلا التطلع إلى وسيط خالٍ من الخطية. “لِأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ ٱللهِ وَٱلنَّاسِ: ٱلْإِنْسَانُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ” (١ تيموثاوس ٢: ٥).
٤. وَدَفَعْتُ يَعْقُوبَ إِلَى ٱللَّعْنِ: بسبب إثمهم العميق هذا، وعدم تطلّعهم إلى الحل الإلهي للخطية، لم يعد هنالك إلا لعنة ليعقوب. ولأننا مولودون في الخطية، عندما نرفض وسيط الله، فإنه لا يتبقى لنا إلاّ اللعنة والتوبيخ.