إشعياء ٢٧
ترتيب ملكوت الله
أولًا. الله يبارك إسرائيل في ملكوته
أ ) الآية (١): في ملكوت الرب يُهزَم لوياثان
١فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُعَاقِبُ الرَّبُّ بِسَيْفِهِ الْقَاسِي الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْمُتَحَوِّيَةَ، وَيَقْتُلُ التِّنِّينَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ.
١. فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ: يعيدنا هذا إلى فكرة إشعياء في الإصحاحات ٢٤–٢٧ بشكل عام، أي اليوم الذي ينتصر فيه ملكوت الله ويسود.
٢. يُعَاقِبُ ٱلرَّبُّ بِسَيْفِهِ ٱلْقَاسِي ٱلْعَظِيمِ ٱلشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، ٱلْحَيَّةَ ٱلْهَارِبَةَ: يعبّر هذا عن الانتصار النهائي للرب في يوم المسيّا على لوياثان الحية الهاربة.
• يربط بعضهم لَوِيَاثَان بأساطير قديمة لأمم قريبة من إسرائيل. “اللغة المستخدمة هنا مستمدة من الأساطير، لكن لا ينبغي لهذا أن يسبب لنا مشكلة كبيرة. فغالبًا ما يستخدم الكُتّاب، سواء أكانوا كُتّاب وحي أم غير ذلك، موادَّ توضيحية مستمدة من مجموعة متنوعة من المصادر – الطبيعة، أو التاريخ، أو الأساطير، أو الأدب. ويُظهر استخدام الأساطير هنا أن إشعياء وقرّاءه كانوا يعرفون القصص الأسطورية تلك، لكنهم لم يؤمنوا بها. فإذا أشار مؤرخ حديث إلى أمة شرسة عدوانية على أنها ’تنّين عظيم،‘ فهل يفترض قراؤه أنه كان يؤمن بوجود موضوعي لمثل تلك المخلوقات؟ بالتأكيد لا!” مورجان (Grogan)
• “التعبير، كما هو مستخدم هنا، مرتبط بلوتان الأوغارتي (Ugaritic Lotan)، وحش الفوضى الذي قضى عليه البعل في أسطورة الخلق الكنعانية… ويمكن أن يُستخدم بشكل مجازي للإشارة إلى أعداء متوحشين لإسرائيل ولله.” جروجان (Grogan)
• بينما يوجد عنصر توضيحي هنا، ربما يكون إشعياء أكثر حرفية مما يود كثيرون الاعتراف به. فإن كان إبليس قادرًا على أن يُظهر نفسه كحية لحوّاء في جنة عدن، فلماذا لا يُظهر نفسه كتنّين بحري عظيم؟
٣. لَوِيَاثَانَ ٱلْحَيَّةَ ٱلْمُتَحَوِّيَةَ: ما الذي نعرفه عن لَوِيَاثَان من هذا النص؟ نعرف أنه مرتبط بالحية. ونعرف أن لوياثان يقاوم الله (ٱلْحَيَّةَ ٱلْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ ٱلْحَيَّةَ ٱلْمُتَحَوِّيَةَ). ونحن نعرف أن لوياثان مرتبط بالبحر، وأن مصيره هو أن يُقضى عليه من الرب (وَيَقْتُلُ ٱلتِّنِّينَ ٱلَّذِي فِي ٱلْبَحْرِ).
• ماذا نعرف عن لَوِيَاثَان من نصوص كتابية أخرى؟ يشار إلى لوياثان في نصوص مثل أيوب ٣: ٨؛ أيوب ٤١؛ مزمور ٧٤: ١٤؛ مزمور ١٠٤: ٢٦. ونعرف من هذه النصوص فكرة لوياثان باعتباره مخلوقًا جبّارًا يشبه الحية، مرتبطًا بالبحر. وهو يقاوم الله، وسيسحقه الرب.
• الإشارة إلى إبليس كحية أمر مألوف لنا (تكوين ٣: ١-٥)، لكن الصورة هنا هي لِحيّة بحرية أو ربما لما نعرفه على أنه تنين. ربما تكون هذه الإشارة حرفية. وفي مرحلة ما من التاريخ، إما في الماضي أو في الوقت الحالي، قد يُظهر إبليس نفسه كوحش مرتبط بالبحر. ومن المؤكد أن سفر الرؤيا يستخدم هذه الصورة في وصف ظهور ضد المسيح (رؤيا ١٣: ١-٤).
٤. وَيَقْتُلُ ٱلتِّنِّينَ ٱلَّذِي فِي ٱلْبَحْرِ: يتنبّأ إشعياء بشكل أساسي بهزيمة إبليس النهائية عندما ينتصر ملكوته على جميع أعدائه (وَيَقْتُلُ ٱلتِّنِّينَ ٱلَّذِي فِي ٱلْبَحْرِ).
ب) الآيات (٢-٦): في ملكوت الله تتبرعم إسرائيل
٢فِي ذلِكَ الْيَوْمِ غَنُّوا لِلْكَرْمَةِ الْمُشَتَهَاةِ: ٣«أَنَا الرَّبُّ حَارِسُهَا. أَسْقِيهَا كُلَّ لَحْظَةٍ. لِئَلاَّ يُوقَعَ بِهَا أَحْرُسُهَا لَيْلاً وَنَهَارًا. ٤لَيْسَ لِي غَيْظٌ. لَيْتَ عَلَيَّ الشَّوْكَ وَالْحَسَكَ فِي الْقِتَالِ فَأَهْجُمَ عَلَيْهَا وَأَحْرِقَهَا مَعًا. ٥أَوْ يَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي فَيَصْنَعُ صُلْحًا مَعِي. صُلْحًا يَصْنَعُ مَعِي». ٦فِي الْمُسْتَقْبِلِ يَتَأَصَّلُ يَعْقُوبُ. يُزْهِرُ وَيُفْرِعُ إِسْرَائِيلُ، وَيَمْلأُونَ وَجْهَ الْمَسْكُونَةِ ثِمَارًا.
١. لِلْكَرْمَةِ ٱلْمُشَتَهَاةِ (ذات النبيذ الأحمر)… أَنَا ٱلرَّبُّ حَارِسُهَا: في أيام ملكوت المسيّا، سيحافظ الرب على كرم إسرائيل بعناية خاصة. وسيسقيها (أَسْقِيهَا كُلَّ لَحْظَةٍ)، وسيحميها (لِئَلَّا يُوقَعَ بِهَا) وسيحرسها (أَحْرُسُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا) من كل الأعداء، مجبرًا إياهم على صنع سلام معه ومع كرْمه.
٢. يَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي (بقوتي): لا يمكننا أن نثمر إلا عندما نتمسك بقوة الرب. وطالما نحن متمسكون بقوته، فإن ما نملكه هو الضعف.
• يعلّق بوله (Poole) على عبارة ’يَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي‘ قائلًا: “هذا تلميح إلى تاريخ مصارعة يعقوب مع ملاك الله. وهو أمر لا يمكن أن يحدث إلا بقوّة من الله.”
• “الآية ٥ وعد مهمل في العهد القديم بمغفرة التائبين. وفي الآية ٤، يسير إله المعارك ضد الأشواك والحسك بشعلة ملتهبة في يده. وهو على وشك أن يشعل النار في هذه الأشجار المتشابكة. لكن قبل أن يفعل هذا، يعلن عن بديل السلام.” جروجان (Grogan)
٣. يُزْهِرُ وَيُفْرِعُ إِسْرَائِيلُ، وَيَمْلَأُونَ وَجْهَ ٱلْمَسْكُونَةِ ثِمَارًا: النتيجة هي بركة لكرم الرب. وسيتحقق هذا بشكل نهائي في ملكوت المسيّا. لكن إذا استسلمنا لرعاية الرب، فسيهتم بنا الآن ككرم ثمين له. وسنتمتع ببركة هذه الرعاية (يوحنا ١٥: ١-٨).
• “في حين أن الأشواك اجتاحت الكرم في الإصحاح الخامس، لا يوجد أي شوك أو حسك في هذا الكرم.” وولف (Wolf)
ج) الآيات (٧-٩): في ملكوت المسيّا تنال إسرائيل رحمة.
٧هَلْ ضَرَبَهُ كَضَرْبَةِ ضَارِبِيهِ، أَوْ قُتِلَ كَقَتْلِ قَتْلاَهُ؟ ٨بِزَجْرٍ إِذْ طَلَّقْتَهَا خَاصَمْتَهَا. أَزَالَهَا بِرِيحِهِ الْعَاصِفَةِ فِي يَوْمِ الشَّرْقِيَّةِ. ٩لِذلِكَ بِهذَا يُكَفَّرُ إِثْمُ يَعْقُوبَ. وَهذَا كُلُّ الثَّمَرِ نَزْعُ خَطِيَّتِهِ: فِي جَعْلِهِ كُلَّ حِجَارَةِ الْمَذْبَحِ كَحِجَارَةِ كِلْسٍ مُكَسَّرَةٍ. لاَ تَقُومُ السَّوَارِي وَلاَ الشَّمْسَاتُ.
١. هَلْ ضَرَبَهُ كَضَرْبَةِ ضَارِبِيهِ؟ يُظهر الرب رحمة لإسرائيل. فرغم أنه ضربها عندما انحرفت وضلّت، إلا أنه لم يضربها بنفس الشدة التي ضرب بها الشعوب الأخرى عندما انحرفت وضلّت.
٢. بِهَذَا يُكَفَّرُ إِثْمُ يَعْقُوبَ: سيُظهر الرب رحمة لإسرائيل في أنه سيكفر عن خطيتها. وسيتحقق هذا بشكل نهائي في ملكوت المسيّا عندما تُخلَّص كل إسرائيل (رومية ١١: ٢٦).
٣. فِي جَعْلِهِ كُلَّ حِجَارَةِ ٱلْمَذْبَحِ كَحِجَارَةِ كِلْسٍ مُكَسَّرَةٍ: سيُظهر الرب رحمة لإسرائيل في أنه سيقضي على المذابح الوثنية والتماثيل، مجبرًا إياها على عبادة الرب وحده.
ثانيًا. في ملكوت الله، يُخضع الرب الأمم له.
أ ) الآيات (١٠-١١): في ملكوت الله، تُترك مدينة الإنسان خربة.
١٠لأَنَّ الْمَدِينَةَ الْحَصِينَةَ مُتَوَحِّدَةٌ. الْمَسْكَنُ مَهْجُورٌ وَمَتْرُوكٌ كَالْقَفْرِ. هُنَاكَ يَرْعَى الْعِجْلُ، وَهُنَاكَ يَرْبِضُ وَيُتْلِفُ أَغْصَانَهَا. ١١حِينَمَا تَيْبَسُ أَغْصَانُهَا تَتَكَسَّرُ، فَتَأْتِي نِسَاءٌ وَتُوقِدُهَا. لأَنَّهُ لَيْسَ شَعْبًا ذَا فَهْمٍ، لِذلِكَ لاَ يَرْحَمُهُ صَانِعُهُ وَلاَ يَتَرَأَّفُ عَلَيْهِ جَابِلُهُ.
١. لِأَنَّ ٱلْمَدِينَةَ ٱلْحَصِينَةَ مُتَوَحِّدَةٌ: ستكون مدينة الإنسان، التي تمثل النظام العالمي، خربة بقضاء الرب. وفي ضوء معرفتنا بهذا، ما الذي يجعلنا نضع آمالنا وثقتنا وتوقعاتنا في النظام العالمي؟
٢. ٱلْمَسْكَنُ مَهْجُورٌ وَمَتْرُوكٌ كَٱلْقَفْرِ: ستكون مدينة الإنسان، التي تمثل النظام العالمي، خربة بحيث تشبه قفرًا أو برية بأغصان عارية لا تصلح إلا للنار.
• “في إشعياء ١٠: ٣٣-٣٤، يحارب الله الأشجار العظيمة قاطعًا الأغصان بفأسه. وهنا تشعر الشجيرات بحرارة غضبه.” جروجان (Grogan)
٣. لَا يَرْحَمُهُ صَانِعُهُ وَلَا يَتَرَأَّفُ عَلَيْهِ جَابِلُهُ: هذه دينونة رهيبة على مدينة الإنسان التي تمثل النظام العالمي. ونحن نريد رحمة (نعمة) الرب ونتوق إليها. لكن نظام العالم ومواطني مدينة الإنسان لن يروا رحمة أو نعمة.
ب) الآيات (١٢-١٣): في ملكوت المسيّا، يُعبد الرب في أورشليم.
١٢وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الرَّبَّ يَجْنِي مِنْ مَجْرَى النَّهْرِ إِلَى وَادِي مِصْرَ، وَأَنْتُمْ تُلْقَطُونَ وَاحِدًا وَاحِدًا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. ١٣وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ يُضْرَبُ بِبُوق عَظِيمٍ، فَيَأْتِي التَّائِهُونَ فِي أَرْضِ أَشُّورَ، وَالْمَنْفِيُّونَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَيَسْجُدُونَ لِلرَّبِّ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ فِي أُورُشَلِيمَ.
١. وَأَنْتُمْ تُلْقَطُونَ وَاحِدًا وَاحِدًا يَا بَنِي: سيُعبد الرب من قبل شعبه الذي تمّ لمّ شمله. سيأتون من الأمم (أَرْضِ أَشُّورَ… أَرْضِ مِصْرَ)، وَيَسْجُدُونَ لِلرَّبِّ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ فِي أُورُشَلِيمَ.