إشعياء ٣
خطايا يهوذا
أولًا. صورة لمجتمع تحت الدينونة
أ ) الآيات (١-٧): نقص في الطعام، والماء، والقادة الأكفاء
١فَإِنَّهُ هُوَذَا السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ يَنْزِعُ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَمِنْ يَهُوذَا السَّنَدَ وَالرُّكْنَ، كُلَّ سَنَدِ خُبْزٍ، وَكُلَّ سَنَدِ مَاءٍ. ٢الْجَبَّارَ وَرَجُلَ الْحَرْبِ. الْقَاضِيَ وَالنَّبِيَّ وَالْعَرَّافَ وَالشَّيْخَ. ٣رَئِيسَ الْخَمْسِينَ وَالْمُعْتَبَرَ وَالْمُشِيرَ، وَالْمَاهِرَ بَيْنَ الصُّنَّاعِ، وَالْحَاذِقَ بِالرُّقْيَةِ. ٤وَأَجْعَلُ صُبْيَانًا رُؤَسَاءَ لَهُمْ، وَأَطْفَالاً تَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ. ٥وَيَظْلِمُ الشَّعْبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالرَّجُلُ صَاحِبَهُ. يَتَمَرَّدُ الصَّبِيُّ عَلَى الشَّيْخِ، وَالدَّنِيءُ عَلَى الشَّرِيفِ. ٦إِذَا أَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِأَخِيهِ فِي بَيْتِ أَبِيهِ قَائِلاً: «لَكَ ثَوْبٌ فَتَكُونُ لَنَا رَئِيسًا، وَهذَا الْخَرَابُ تَحْتَ يَدِكَ» ٧يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاً: «لاَ أَكُونُ عَاصِبًا وَفِي بَيْتِي لاَ خُبْزَ وَلاَ ثَوْبَ. لاَ تَجْعَلُونِي رَئِيسَ الشَّعْبِ».
١. فَإِنَّهُ هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ يَنْزِعُ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَمِنْ يَهُوذَا ٱلسَّنَدَ وَٱلرُّكْنَ: تشمل دينونة الله على يهوذا في هذه المرحلة: يَنْزِعُ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَمِنْ يَهُوذَا ٱلسَّنَدَ وَٱلرُّكْنَ والماء.
• إشعياء ٣: ١ مثل جيد للطريقة التي يمكن بها استخدام كلمتين عبرانيتين تترجَم كل واحدة منها إلى ’رَبّ.‘ فالكلمة الأولى المستخدمة هي السيد، وهي ’أدوناي،‘ وهي تعني أيضًا ’المالك‘ أو ’المتسيّد.‘ وهي كلمة واسعة يمكن تطبيقها على سيد بشري، إضافة على الرب الإله، السيد المطلق. والكلمة الثانية هي الرب، وهي مترجمة من الكلمة العبرية ’يهوه.‘ وهذا هو الاسم المقدس للإله ثالوثي الأقانيم. ولهذا أمكن للكتاب المقدس العبري أن يترجم هذا التعبير إلى ’الرب الرب،‘ لكنه يعني ’السيد يهوه.‘ ويظهر هذا التعبير ما يزيد عن ٣٠٠ مرة في العهد القديم. وهو يترجَم في معظم الأحيان إلى الرب الإله في ترجمات كثيرة.
• يستُخدم هذا التعبير الموجود هنا – ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ – ما يزيد عن ١٥ مرة في العهد القديم، وغالبًا في إشعياء (إشعياء ١: ٢٤؛ ٣: ١؛ ٣: ١٥؛ ١: ٢٣-٢٤؛ ١٠: ٣٣؛ ١٩: ٤؛ ٢٢: ٥؛ ٢٢: ١٢؛ ٢٢: ١٤-١٥؛ ٢٨: ٢٢). وهو يؤكد جلالة قوة الله. والفكرة من وراء ’رَبُّ ٱلْجُنُودِ‘ هي أن الله هو القائد الأعلى لجيوش السماء.
• فبعد أن ينتزع سيد الكل، رب جيوش السماء (ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُود) الطعام والماء مِنْ أُورُشَلِيمَ وَمِنْ يَهُوذَا، فإن من الحكمة أن يتوبوا ويصوّبوا أمورهم معه. “هذا هو أيضًا السبب الذي من أجله يدعى الله ’السيد رب الجنود‘ – لكي يرهب أفكارهم الناعسة المتبلدة. فالله لا يحتاج إلى ألقاب. لكن يتوجب توجيه صدمة لجهلنا وغباوتنا بإدراك مجده.” كالفن (Calvin)
٢. ٱلْجَبَّارَ وَرَجُلَ ٱلْحَرْبِ. ٱلْقَاضِيَ وَٱلنَّبِيَّ: الدينونة أسوأ من مجرد نزع الطعام والماء. فقد جلب الله دينونته على أورشليم ويهوذا بحرمانهما من القادة الأتقياء الأكفاء على كل مستوى: ٱلْجَبَّارَ وَرَجُلَ ٱلْحَرْبِ. ٱلْقَاضِيَ وَٱلنَّبِيَّ وَٱلْعَرَّافَ وَٱلشَّيْخَ. رَئِيسَ ٱلْخَمْسِينَ وَٱلْمُعْتَبَرَ وَٱلْمُشِيرَ، وَٱلْمَاهِرَ بَيْنَ ٱلصُّنَّاعِ، وَٱلْحَاذِقَ بِٱلرُّقْيَةِ. وبدلًا من القادة الحكماء والمختصّين، سيعطيهم الله أطفالًا ليكونوا رؤساء عليهم. وسيحكمهم أطفال رُضّع.
• نجد التحقيق النهائي لهذه النبوّة في ٢ ملوك ٢٤: ١٤ “وَسَبَى كُلَّ أُورُشَلِيمَ وَكُلَّ ٱلرُّؤَسَاءِ وَجَمِيعَ جَبَابِرَةِ ٱلْبَأْسِ، عَشْرَةَ آلَافِ مَسْبِيٍّ، وَجَمِيعَ ٱلصُّنَّاعِ وَٱلْأَقْيَانِ. لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا مَسَاكِينُ شَعْبِ ٱلْأَرْضِ.”
• لكن مبدأ دينونة الله هذا ما زال قائمًا حتى يومنا هذا. فإحدى الطرق التي يمكن لله أن يجلب بها دينونة على أمّة هي أن يلعنها بقادة غير أكفاء وأشرار. وغالبًا ما يكون هذا أبسط طريق للدينونة: إعطاء الناس ما تشتهيهم قلوبهم الشريرة. ويمكن أن تحدث أزمة القيادة هذه حتى في أوقات الازدهار الاقتصادي (تمثل إشعياء ٢: ٧ جزءًا من هذه النبوة). وربما لا يُرى هذا التأثير الرهيب لدينونة الله هذه (إعطاء قادة غير أكفاء وأشرار) على الفور. لكن من المؤكد أنه سيظهر، بعيدًا عن توبة أمّة ورحمة الله.
٣. وَيَظْلِمُ ٱلشَّعْبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: يأتي هذا من قيادة شريرة غير كفؤة، وسينتج عن هذا انهيار في نظام المجتمع (يَتَمَرَّدُ ٱلصَّبِيُّ عَلَى ٱلشَّيْخِ، وَٱلدَّنِيءُ عَلَى ٱلشَّرِيفِ).
• “لأنه لا يكاد هنالك أي سلوك أكثر إساءة، أو أكثر ملاءمة لإزعاج قلوبنا مما يحدث عندما يتم عرض أسوأ الأمثلة من كل نوع من قِبل القضاة، بينما لا ينطق أي إنسان بكلمة انتقاد لهم. لكنهم كلهم تقريبًا يبدون موافقتهم.” كالفن (Calvin)
٤. لَكَ ثَوْبٌ فَتَكُونُ لَنَا رَئِيسًا، وَهَذَا ٱلْخَرَابُ تَحْتَ يَدِكَ: ستسوء الأمور كثيرًا لدرجة أن الناس يرون أن أبسط الإنجازات يمكن أن تؤهل أي شخص للقيادة. لكن حتى مثل هذا الرجل يرفض أن يقود. إذ سيحتج: “يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ قَائِلًا: لَا أَكُونُ عَاصِبًا (لا أستطيع أن أحل مشاكلكم) وَفِي بَيْتِي لَا خُبْزَ وَلَا ثَوْبَ. لَا تَجْعَلُونِي رَئِيسَ ٱلشَّعْبِ.”
• “إنه لأمر مذهل كيف أن هذا النبي قادر على أن يصف بشكل واقعي عواقب الانهيار التام للدولة. وسيكون لدى أي شخص يتذكر الأشهر التي أعقبت شهر أيار من عام ١٩٤٥ إحساس بعودة إلى تلك الأيام عندما يقرأ هذا النص.” جروجان، اقتباسًا عن كايزر ((Kaiser, cited in Grogan.
ب) الآيات (٨-١٢): لماذا يهوذا ناضجة للدينونة
٨لأَنَّ أُورُشَلِيمَ عَثَرَتْ، وَيَهُوذَا سَقَطَتْ، لأَنَّ لِسَانَهُمَا وَأَفْعَالَهُمَا ضِدَّ الرَّبِّ لإِغَاظَةِ عَيْنَيْ مَجْدِهِ. ٩نَظَرُ وُجُوهِهِمْ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ يُخْبِرُونَ بِخَطِيَّتِهِمْ كَسَدُومَ. لاَ يُخْفُونَهَا. وَيْلٌ لِنُفُوسِهِمْ لأَنَّهُمْ يَصْنَعُونَ لأَنْفُسِهِمْ شَرًّا. ١٠قُولُوا لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ! لأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ ثَمَرَ أَفْعَالِهِمْ. ١١وَيْلٌ لِلشِّرِّيرِ. شَرٌّ! لأَنَّ مُجَازَاةَ يَدَيْهِ تُعْمَلُ بِهِ. ١٢شَعْبِي ظَالِمُوهُ أَوْلاَدٌ، وَنِسَاءٌ يَتَسَلَّطْنَ عَلَيْهِ. يَا شَعْبِي، مُرْشِدُوكَ مُضِلُّونَ، وَيَبْلَعُونَ طَرِيقَ مَسَالِكِكَ.
١. لِأَنَّ لِسَانَهُمَا وَأَفْعَالَهُمَا ضِدَّ ٱلرَّبِّ: أخطأت أورشليم ويهوذا في ما قالتاه وفعلتاه. وفي واقع الأمر، فإن ما قالتاه وفعلتاه استفز عيني مجد الرب.
• إنه أسهل بكثير أن نعتقد أن ما نفعله مهين لله بدلًا من الاعتقاد أن ما نقوله يستفز عيني مجد الرب. لكننا مأمورون بأن نمجد الله بما نقوله وما نفعله على قدم المساواة. قال يسوع: وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: “إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا ٱلنَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ ٱلدِّينِ. لِأَنَّكَ بِكَلَامِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلَامِكَ تُدَانُ” (متى ١٢: ٣٦-٣٧).
٢. نَظَرُ وُجُوهِهِمْ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ: إن ذات النظرة على وجوههم دليل على ذنبهم. فإما أن يكون على وجوههم الابتسامة المتكلفة للشخص المقدّر عليه بالهلاك، أو النظرة الكئيبة على وجه الذين تحت التبكيت.
• “النزعات غير النقية واضحة بشكل خاص في العيون. فكل من رأى وجه رجل داعر أو عاهرة يعرف هذا. ويمكن أن يقال عن هؤلاء إنهم يرغبون في أن يُظهروا حقيقتهم. فهم يفتخرون بإثمهم. وهذه هي أعلى درجات الفجور.” كلارك (Clarke)
٣. وَهُمْ يُخْبِرُونَ بِخَطِيَّتِهِمْ كَسَدُومَ. لَا يُخْفُونَهَا: يعرضون خطيتهم علانية. إذ ليس لديهم إحساس بالخزي. وربما الديناميكية الثقافية في عصر إشعياء ما زالت قائمة في عصرنا هذا. فقد تمت الموافقة على جميع أنواع الخطايا باسم “الصراحة” و”الصدق،” ولا “يجوز” لأحد أن يعلن معيارًا ما لم يلتزم به بشكل كامل.
• الحشمة الخارجية مهمة. ومن المهم عدم الحديث عن خطايا كثيرة رغم وجودها، ورغم أنها تلمس الكنيسة. فمن خلال هذه الوسائل يعلن شعب الله معيارًا رغم أنهم (أو العالم) لا يرتقون إلى مستواه تمامًا. وأفسس ٥: ١٢ مهمة هنا “لِأَنَّ ٱلْأُمُورَ ٱلْحَادِثَةَ مِنْهُمْ سِرًّا، ذِكْرُهَا أَيْضًا قَبِيحٌ.”
• إن واحدة من أكثر الأكاذيب تدميرًا في زمننا هي أنه خطأ أو أنه من النفاق أن يكون لدينا معيار لا نرتقي إليه. لا يوجد من يقول الصدق دائمًا، غير أن من الصواب والحَسن أن نعلّم أبناءنا “لا تكذب!” وسيكون خطأ ومدمّرًا أن تقول: “لا يمكنك أن تطلب من ابنك ألا يكذب. فقد كذبتَ في الماضي. وأنت منافق.” وتُترجَم هذه النظرة في مجتمعنا إلى نتيجة أكيدة، وهي تخفيض المعايير بالجملة. وفضلًا عن ذلك، فإن تهمة النفاق باطلة. فالنفاق هو عندما نتظاهر بالحفاظ على المعيار بينما لا نفعل ذلك، أو عندما لا نحافظ على المعيار لكننا نعتقد أن على الآخرين أن يفعلوا ذلك.
• “الحفاظ على الحشمة الخارجية هو على الأقل دليل على وجود ضمير غير موسوم كلّيًّا.” جينينغز (Jennings)
٤. وَيْلٌ لِنُفُوسِهِمْ لِأَنَّهُمْ يَصْنَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ شَرًّا: لم يكن الله مضطرًّا إلى فعل أي شيء فريد أو خاص لجلب هذه الدينونة على أورشليم ويهوذا. فكل ما كان عليه أن يفعله هو أن يتركهم وشأنهم، ويدعهم يجلبون الشر على أنفسهم.
• عندما يعطي الرب أمّة القيادة التي يشتهونها ويستحقّونها، فإن هذا يمكن أن يكون بركة أو لعنة. وفي حالة يهوذا، وفي زمن إشعياء، كانت لعنة.
٥. قُولُوا لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ! لِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ ثَمَرَ أَفْعَالِهِمْ: وحتى في وسط الدينونة، يعرف الله كيف يبارك ويحمي شعبه. وأحيانًا لا يُرى هذا إلا من منظور الأبدية. لكن الله يؤكد أن الأبرار لن يشاركوا مصير الأشرار. فقد عرف إبراهيم هذا المبدأ جيدًا عندما قال للرب: “حَاشَا لَكَ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا ٱلْأَمْرِ، أَنْ تُمِيتَ ٱلْبَارَّ مَعَ ٱلْأَثِيمِ، فَيَكُونُ ٱلْبَارُّ كَٱلْأَثِيمِ. حَاشَا لَكَ! أَدَيَّانُ كُلِّ ٱلْأَرْضِ لَا يَصْنَعُ عَدْلًا” (تكوين ١٨: ٢٥).
٦. يَأْكُلُونَ ثَمَرَ أَفْعَالِهِمْ: إذ تُعطى لهم أجرة أيديهم. وسيعطي كلًّا من الأبرار والأشرار ما يستحقونه. وهذه تعزية للصالحين، ولعنة للأشرار.
• علّق سبيرجن (Spurgeon) على عبارة ’وَيْلٌ لِلشِّرِّيرِ. شَرٌّ!‘: “ستكون الأمور سيئة (شرًّا) بالنسبة للأشرار. ولا تسمح لأيٍّ من المظاهر الخارجية الآن أن يقودك إلى الشك في هذا. فالعيون التي لا تنوح أبدًا على الخطية هنا ستنوح في عذاب رهيب إلى الأبد. وسيكون من المفيد لك أن تحس بغضب الله ثقيلًا على روحك الآن، وإلا فسيسحقك بشكل متواصل بلا رجاء في عالم لا نهاية له. وسيكون شرًّا لك.”
٧. شَعْبِي ظَالِمُوهُ أَوْلَادٌ، وَنِسَاءٌ يَتَسَلَّطْنَ عَلَيْهِ: ومرة أخرى، يعلن الرب في حسرة دينونته على يهوذا لأنها أُعطِيتْ قادة أشرارًا وغير أكفاء (مُرْشِدُوكَ مُضِلُّونَ، وَيَبْلَعُونَ طَرِيقَ مَسَالِكِكَ).
• وَنِسَاءٌ يَتَسَلَّطْنَ عَلَيْهِ: كان يُنظَر إلى هذا كلعنة، لا كبركة. ولا شك أن الله قد يقيم نساء معيّنات في أوقات معينة ليكنّ قائدات في مجالات مختلفة. ودبورة (سفر القضاة ٤-٥) وأستير مثلان لهذا. لكن هذا مختلف تمامًا عن المجتمع حيث تسود النساء على الرجال بشكل عام. ومثل هذا المجتمع ملعون، لا مبارَك.
ثانيًا. قضية الله ضد يهوذا
أ ) الآيات (١٣-١٥): معاملتهم السيئة للفقراء
١٣قَدِ انْتَصَبَ الرَّبُّ لِلْمُخَاصَمَةِ، وَهُوَ قَائِمٌ لِدَيْنُونَةِ الشُّعُوبِ. ١٤اَلرَّبُّ يَدْخُلُ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ شُيُوخِ شَعْبِهِ وَرُؤَسَائِهِمْ: «وَأَنْتُمْ قَدْ أَكَلْتُمُ الْكَرْمَ. سَلَبُ الْبَائِسِ فِي بُيُوتِكُمْ. ١٥مَا لَكُمْ تَسْحَقُونَ شَعْبِي، وَتَطْحَنُونَ وُجُوهَ الْبَائِسِينَ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ».
١. قَدِ ٱنْتَصَبَ ٱلرَّبُّ لِلْمُخَاصَمَةِ، وَهُوَ قَائِمٌ لِدَيْنُونَةِ ٱلشُّعُوبِ: الرب هنا هو المدعي العام (الذي يقوم بالمرافعة) وقاضٍ على يهوذا في الوقت نفسه. وعندما تكون في المحكمة، ويكون المدعي العام هو القاضي في الوقت نفسه، فإنك تعرف أنك ستدان.
٢. سَلَبُ ٱلْبَائِسِ فِي بُيُوتِكُمْ. مَا لَكُمْ تَسْحَقُونَ شَعْبِي، وَتَطْحَنُونَ وُجُوهَ ٱلْبَائِسِينَ: ليست التهمة التي وجهها الله إلى شيوخ إسرائيل ورؤسائهم أنهم لم يساعدوا الفقراء، مع أن هذا سيئ في حد ذاته. لكن ما هو أسوأ من ذلك بكثير هو أنهم سلبوا الفقراء واستغلوا فقرهم لإثراء أنفسهم.
ب) الآيات (١٦-٢٣): نساء يهوذا الآثمات ودينونة الله عليهن
١٦وَقَالَ الرَّبُّ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ يَتَشَامَخْنَ، وَيَمْشِينَ مَمْدُودَاتِ الأَعْنَاقِ، وَغَامِزَاتٍ بِعُيُونِهِنَّ، وَخَاطِرَاتٍ فِي مَشْيِهِنَّ، وَيُخَشْخِشْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ، ١٧يُصْلِعُ السَّيِّدُ هَامَةَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَيُعَرِّي الرَّبُّ عَوْرَتَهُنَّ. ١٨يَنْزِعُ السَّيِّدُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ زِينَةَ الْخَلاَخِيلِ وَالضَّفَائِرِ وَالأَهِلَّةِ، ١٩وَالْحَلَقِ وَالأَسَاوِرِ وَالْبَرَاقِعِ ٢٠وَالْعَصَائِبِ وَالسَّلاَسِلِ وَالْمَنَاطِقِ وَحَنَاجِرِ الشَّمَّامَاتِ وَالأَحْرَازِ، ٢١وَالْخَوَاتِمِ وَخَزَائِمِ الأَنْفِ، ٢٢وَالثِّيَابِ الْمُزَخْرَفَةِ وَالْعُطْفِ وَالأَرْدِيَةِ وَالأَكْيَاسِ، ٢٣وَالْمَرَائِي وَالْقُمْصَانِ وَالْعَمَائِمِ وَالأُزُرِ.
١. بَنَاتِ صِهْيَوْنَ يَتَشَامَخْنَ، وَيَمْشِينَ مَمْدُودَاتِ ٱلْأَعْنَاقِ: كانت نساء يهوذا متكبرات ومغرورات بأنفسهن. وكنّ يحسبن أنفسهن أفضل من الآخرين أو الأُخريات (يَتَشَامَخْنَ).
• كان القلب المتكبر الأساس لبقية الخطايا بين بنات صهيون. “لكي يرد على اتهاماتهن التي لا أساس لها، فإنه يكشف عن المرض الداخلي الذي يتجلى في لباسهن الخارجي.” كالفن (Calvin)
• وعلى نقيض ذلك، فإن النساء التقيات في تواضعهن مدعوات إلى أن يحسبن الآخرين (الأخريات) أفضل منهن (أفسس ٢: ٣).
٢. وَغَامِزَاتٍ بِعُيُونِهِنَّ: كانت نساء يهوذا مغويات جنسيًّا ومنحلّات. أردن أن ينظرن إلى الرجال بشعوانية لجذبهم إلى الانحلال الجنسي بالمغازلة والمعابثة.
• “يدل ما يضيفه حول العيون المتجولة على شهوة وقحة. ويعبَّر عن هذا في الغالب من العيون، لأن العيون غير العفيفة رُسُل للقلب غير العفيف. لكن عيون النساء العفيفات متحفظة ولا تتجول ولا تتقلب هنا وهناك.” كالفن (Calvin)
• وعلى نقيض ذلك، فإن النساء التقيات مدعوات إلى أن يكن متحفظات وعفيفات (تيطس ٥: ٢).
٣. وَخَاطِرَاتٍ فِي مَشْيِهِنَّ، وَيُخَشْخِشْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ: كانت نساء يهوذا مهووسات بالزينة، والرفاهية، والإكسسوارات. وقد كرّسن وقتًا كبيرًا زائدًا من حياتهم من أجل مظهرهن وصورتهن.
• أعلن النبي، على سبيل المثال، قائمة من “الإكسسوارات” والأشياء الفاخرة التي كانت نساء يهوذا تتوق إليها، وكرّسن وقتًا زائدًا من حياتهن لها: زِينَةَ ٱلْخَلَاخِيلِ وَٱلضَّفَائِرِ وَٱلْأَهِلَّةِ، وَٱلْحَلَقِ وَٱلْأَسَاوِرِ وَٱلْبَرَاقِعِ وَٱلْعَصَائِبِ وَٱلسَّلَاسِلِ وَٱلْمَنَاطِقِ وَحَنَاجِرِ ٱلشَّمَّامَاتِ وَٱلْأَحْرَازِ، وَٱلْخَوَاتِمِ وَخَزَائِمِ ٱلْأَنْفِ، وَٱلثِّيَابِ ٱلْمُزَخْرَفَةِ وَٱلْعُطْفِ وَٱلْأَرْدِيَةِ وَٱلْأَكْيَاسِ، وَٱلْمَرَائِي وَٱلْقُمْصَانِ وَٱلْعَمَائِمِ وَٱلْأُزُرِ. وعلى ما يبدو أن هذه الأشياء التي يتسوقن لأجلها في أورشليم.
• ليس حب الترف والرفاهية والرغبة في الحصول على كل ذلك حِكرًا على النساء. إذ يواجه رجال كثيرون هذه المشكلة أيضًا. لكن من المؤكد أنها مشكلة بين نساء كثيرات. تحدثت صحيفة آنجلوس تايمز في عام ١٩٩٢ عن ميشيل، وهي كاتبة ناجحة ومحررة، كيف أنها كانت تخشى ذلك اليوم الذي يكتشف فيه زوجها مخبأها السري لبطاقات الائتمان، أو صندوق بريدها السري أو الحيل الأخرى لإخفاء مقدار المال الذي أنفقته على التسوق على نفسها: “أنا أجني نفس مقدار المال الذي يجنيه زوجي… إذا أردتُ بدلة بقيمة ٥٠٠ دولار من محل ’آن تيلور‘ فإني أستحقها، ولا أريد أية مشاحنة حول هذا الأمر. وهكذا، فإن أسهل شيء يمكن لي أن أفعله هو أن أكذب.” وفي السنة الماضية، عندما أجبرها زوجها على إتلاف إحدى بطاقات الائتمان، خرجت وحصلت على بطاقة أخرى من دون أن تخبره. وقالت: “أنا أعيش في خوف بالفعل. فإذا اكتشف بطاقتي الجديدة – فيزا – سيقتلني.”
• وفي المقال نفسه، شرحت معلمة مدرسة المزيد، حيث قالت مازحة: “لا يعرف الرجال أن التسوق هو دواؤنا المفضل.” ومع ذلك، اعترفت بأن راتبها في بعض الشهور يُصرف حاليًا على الحد الأدنى من الرصيف على بطاقات الائتمان. وقالت: “المشي عبر باب ساوث كوست بلازا (مركز تجاري) هو مثل عبر بوابات السماء. لقد صنع الله صناديق السيارات الخلفية لإخفاء أكياس التسوق فيها.” وأوضحت شابة محترفة قائلة: “التسوق هو ترفيهي. إنها طريقة لتدليل نفسي. فعندما تدخل مركزًا تجاريًّا، وترى كل هذه المحلات التجارية، يبدو الأمر وكأن شيئًا يسيطر عليك فتعْلق به.”
• “تجد الإشارة إلى أنه كان للنبي (إشعياء) سبب وجيه لتوبيخ النساء على شغفهن العظيم بالرفاهية واندفاعهن الكبير تجاهها. فمع أنهن يُتهمن برذائل كثيرة، إلا أنهن في الغالب متّقدات بحماسة شديدة لامتلاك ملابس فخمة. فرغم أنهن حسودات بشكل طبيعي، إلا أنهن ما زلن لا يدخرن أية نفقات لارتداء ملابس تجلب الانتباه، حتى أنهن يستخدمن نظامًا غذائيًّا احتياطيًّا، ويحرمن أنفسهن مما تتطلبه الطبيعة حتى تكون ملابسهن أكثر كلفة وأناقة. وهكذا أفسدتهن هذه الرذيلة بشكل مؤلم حتى أنها تتجاوز أية رذيلة أخرى.” كالفن (Calvin)
• “لا شيء يمكن أن يتجاوز الفضول الذي يسكن في النساء. وفي واقع الأمر، لا توجد نهاية لتلك الاختراعات. ولم يكن من دون سبب قيام القدماء بإطلاق مجموعة الحِليّ النسائية “عالَمًا” لأنها لو جُمعت في كومة واحدة، فستكون بنفس عدد أجزاء العالم تقريبًا.” كالفن (Calvin)
• وعلى نقيض ذلك، تُؤمر النساء بما يلي: “وَلَا تَكُنْ زِينَتُكُنَّ ٱلزِّينَةَ ٱلْخَارِجِيَّةَ، مِنْ ضَفْرِ ٱلشَّعْرِ وَٱلتَّحَلِّي بِٱلذَّهَبِ وَلِبْسِ ٱلثِّيَابِ، بَلْ إِنْسَانَ ٱلْقَلْبِ ٱلْخَفِيَّ فِي ٱلْعَدِيمَةِ ٱلْفَسَادِ، زِينَةَ ٱلرُّوحِ ٱلْوَدِيعِ ٱلْهَادِئ، ٱلَّذِي هُوَ قُدَّامَ ٱللهِ كَثِيرُ ٱلثَّمَنِ” (١ بطرس ٣: ٣-٤).
٢. يُصْلِعُ ٱلسَّيِّدُ هَامَةَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَيُعَرِّي ٱلرَّبُّ عَوْرَتَهُنَّ: إن ما جعل بنات صهيون جاهزات للدينونة هو هوسهن بمظهرهن وانحلالهن الجنسي. وسيكون تاجهن جرَبًا أو قرعة. وبدلًا من أن يكنّ مزيّنات بشكل جميل، سيتعرضن للافتضاح والإذلال. وفضلًا عن ذلك، يَنْزِعُ ٱلسَّيِّدُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ زِينَتهن.
• في زمن إشعياء، ارتبطت هذه الدينونات بالغزوات القادمة. فبسبب الندرة والمرض، ستصبح بنات صهيون مريضات وعليلات. وسيغتصبن ويُذللن. وستُنزَع كل الإكسسوارات الجميلة.
• بسبب دور النساء في تنشئة الأطفال، من المهم أن يحيين ويفكرن كنساء تقيات. فعندما تتدهور النساء في ثقافة ما، يزول الأمل في الجيل التالي. لكن عندما تلجأ نساء في ثقافة ما إلى الرب وطرُقه، فإن هنالك رجاءًا عظيمًا لهذه الثقافة.
• “وباختصار، يُطلب من كل من الرجال والنساء أن يستخدموا هباتهم المعطاة من الله، سواء أكان في الطعام والملبس، وفي كل سلوك الحياة، بطريقة رزينة معتدلة. فالرب لا يحتمل الإسراف، ولا بد أنه يُنزِل عقابًا شديدًا بسببه، لأن هذا لا يُكبَح بتأديب أخف.” كالفن (Calvin)
ج) الآيات (٢٤-٢٦): مزيد من دينونة الله على بنات صهيون الآثمات
٢٤فَيَكُونُ عِوَضَ الطِّيبِ عُفُونَةٌ، وَعِوَضَ الْمِنْطَقَةِ حَبْلٌ، وَعِوَضَ الْجَدَائِلِ قَرْعَةٌ، وَعِوَضَ الدِّيبَاجِ زُنَّارُ مِسْحٍ، وَعِوَضَ الْجَمَالِ كَيٌّ! ٢٥رِجَالُكِ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ، وَأَبْطَالُكِ فِي الْحَرْبِ. ٢٦فَتَئِنُّ وَتَنُوحُ أَبْوَابُهَا، وَهِيَ فَارِغَةً تَجْلِسُ عَلَى الأَرْضِ.
١. عِوَضَ… وَعِوَضَ… وَعِوَضَ… وَعِوَضَ… عُفُونَةٌ… حَبْلٌ… قَرْعَةٌ… زُنَّارُ مِسْحٍ… كَيٌّ: سيستبدل الرب زينتهن بعلامات السبي والإذلال. وسيعشن نتانة الحرمان العام للسبي وصلْعته، وكَيَّهُ.
• هل ندرك السرعة التي يمكن بها أن ينتزع الله هذا كله؟ إن هذا مدعاة أكبر إلى إكرام الرب بدلًا من الانغماس في أنفسنا.
• “والآن، لا يمكن أن يصيبنا ما هو أسوأ من التقسّي تجاه التأديب، وعدم الإدراك أن الله يؤدبنا. فعندما نعمل في ظل هذا الغباء، تكون حالتنا ميئوسًا منها تقريبًا.” كالفن (Calvin)
٢. رِجَالُكِ يَسْقُطُونَ بِٱلسَّيْفِ، وَأَبْطَالُكِ فِي ٱلْحَرْبِ: من المؤكد أن أحد الأسباب التي جعلت بنات صهيون يحببن كل هذه الرفاهية والزينة هو أن هذا جعلهن أكثر جاذبية للرجال. فقد شعرن بأن إمكانهن أن “يحصلن” على الرجال بهذه الطريقة. لكن حبهن الفاسد للرفاهية والجمال أدى إلى فقدان رجالهم.
٣. فَارِغَةً تَجْلِسُ عَلَى ٱلْأَرْضِ: تُظهر ميدالية رومانية تمّ صكها بعد سقوط أورشليم امرأة يهودية مهجورة جالسة تحت شجرة نخيل بجانب جندي روماني.