إشعياء ٥٦
بيت صلاة لكل الشعوب
أولًا. وعد للذين خارج حدود إسرائيل
أ ) الآيات (١-٢): دعوة إلى البر.
١هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «احْفَظُوا الْحَقَّ وَأَجْرُوا الْعَدْلَ. لأَنَّهُ قَرِيبٌ مَجِيءُ خَلاَصِي وَاسْتِعْلاَنُ بِرِّي. ٢طُوبَى لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَعْمَلُ هذَا، وَلابْنِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَتَمَسَّكُ بِهِ، الْحَافِظِ السَّبْتَ لِئَلاَّ يُنَجِّسَهُ، وَالْحَافِظِ يَدَهُ مِنْ كُلِّ عَمَلِ شَرّ».
١. ٱحْفَظُوا ٱلْحَقّ (العدل)َ وَأَجْرُوا ٱلْعَدْلَ (البر). لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مَجِيءُ خَلَاصِي: الكلمة النبوية موجهة إلى شعب الله المحبطين الذين تهاونوا في الطاعة والبر. وهم لا يجدون سببًا للطاعة ما دامت الأمور قاتمة. ويريد الله أن يخلّصهم من هذه الحالة بدعوتهم إلى الحفاظ على العدل وأن يمارسوا البر – ٱحْفَظُوا ٱلْحَقّ وَأَجْرُوا ٱلْعَدْلَ – في توقُّع لما سيفعله.
• إنه مثل الشخص الذي يقول: “يا رب، سأبدأ بالعطاء عندما تبارِك أموري المالية.” لا، ينبغي أن تبدأ بالعطاء الآن استباقًا لما سيفعله الله في مباركة طاعتك حول أمورك المالية.
٢. طُوبَى لِلْإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ هَذَا: هنالك كلٌّ من البركة المتأصلة في الطاعة وبركة العهد القديم للمطيعين.
ب) الآيات (٣-٨): وعد للأجنبي والمنبوذ.
٣فَلاَ يَتَكَلَّمِ ابْنُ الْغَرِيبِ الَّذِي اقْتَرَنَ بِالرَّبِّ قَائِلاً: «إِفْرَازًا أَفْرَزَنِي الرَّبُّ مِنْ شَعْبِهِ». وَلاَ يَقُلِ الْخَصِيُّ: «هَا أَنَا شَجَرَةٌ يَابِسَةٌ». ٤لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِلْخِصْيَانِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ سُبُوتِي، وَيَخْتَارُونَ مَا يَسُرُّنِي، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي: ٥«إِنِّي أُعْطِيهِمْ فِي بَيْتِي وَفِي أَسْوَارِي نُصُبًا وَاسْمًا أَفْضَلَ مِنَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ. أُعْطِيهِمِ اسْمًا أَبَدِيًّا لاَ يَنْقَطِعُ. ٦وَأَبْنَاءُ الْغَرِيبِ الَّذِينَ يَقْتَرِنُونَ بِالرَّبِّ لِيَخْدِمُوهُ وَلِيُحِبُّوا اسْمَ الرَّبِّ لِيَكُونُوا لَهُ عَبِيدًا، كُلُّ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ السَّبْتَ لِئَلاَّ يُنَجِّسُوهُ، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي، ٧آتِي بِهِمْ إِلَى جَبَلِ قُدْسِي، وَأُفَرِّحُهُمْ فِي بَيْتِ صَلاَتِي، وَتَكُونُ مُحْرَقَاتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، لأَنَّ بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى لِكُلِّ الشُّعُوبِ». ٨يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ جَامِعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ: «أَجْمَعُ بَعْدُ إِلَيْهِ، إِلَى مَجْمُوعِيهِ».
١. فَلَا يَتَكَلَّمِ ٱبْنُ ٱلْغَرِيبِ ٱلَّذِي ٱقْتَرَنَ بِٱلرَّبِّ قَائِلًا: «إِفْرَازًا أَفْرَزَنِي الرَّبُّ مِنْ شَعْبِهِ»: لماذا لا ينبغي أن يتكلم ابن الغريب هكذا؟ لأنه غير صحيح. ربما يشعر بأنه مفروز تمامًا من الشعب، لكن الله يؤكد أنه ليس كذلك. ولهذا لا ينبغي أن يتكلم هكذا.
٢. وَلاَ يَقُلِ الْخَصِيُّ: «هَا أَنَا شَجَرَةٌ يَابِسَةٌ»: يُنظر إلى الْخَصِيّ على أنه نموذج للمنبوذين. إذ كان الخصيان محرومين من المشاركة الكاملة في طقوس الهيكل (سفر اللاويين ٢١: ١٧-٢٠). ولم يُرِدهم الله أن يقبلوا مشاعرهم هذه. ربما يشعرون بأنهم منبوذون، إلا أن كلمة الله هي فوق مشاعرهم.
• غالبًا عندما يشعر أشخاص بأنهم غرباء أو منبوذون، تصبح مشاعرهم نبوّة ذاتية التحقيق. ولا يمكن كسر مثل هذه المشاعر إلا برفضها وباختيار الثقة بوعد الله. فإن قال الله إنك تنتمي إليه، فأنت له.
٣. لِلْخِصْيَانِ ٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ سُبُوتِي، وَيَخْتَارُونَ مَا يَسُرُّنِي، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي، أُعْطِيهِمْ فِي بَيْتِي نُصُبًا وَٱسْمًا: هذه دعوة لكل من يشعر بأنه منبوذ. وهو يقول ببساطة: “اسلك باستقامة، وعش في طاعة، وسأكرمك وأباركك. وسأعطيك مكانًا (نُصُبًا) واسمًا في بيتي.”
• بالنسبة لكثيرين، ليس هذا جيدًا بما يكفي. فهم يطالبون باعتراف الرجال وكرامتهم، وليس كافيًا أن يعطيهم الله مكانًا واسمًا في بيته. إذ لا بد أن يكون لهم اسم ومكان بين الناس. إذ عندئذ تصبح الحياة أسهل وأكثر جاذبية. لكن يتوجب علينا أن نكون قادرين على إيجاد القناعة والرضى في إعطاء الله لنا اسمًا ومكانًا في بيته فقط.
• الاسم والمكان اللذان نجدهما عند الله أفضل مما نجده بين الناس. وهو أفضل من الأبناء والبنات. إنه اسم أبدي لا ينقرض.
• يعلّق وولف (Wolf) على ’نُصُبًا وَٱسْمًا‘: “إن أحد التطبيقات المثيرة للاهتمام لهذه الآية هو (Yad vaShem) وهذا مبنى في مدينة القدس – وهو يعني ’نصب واسم‘ – يكرم اليهود الذين ماتوا في المحرقة أثناء الحرب العالمية الثانية، لكن أسماءهم خُلِّدتْ.”
• يتنبّأ هذا أيضًا بزوال هيمنة النظام اللاوي. فمن الواضح أن إعطاء الخصيان مكانًا واسمًا في بيت الله يتعارض مع أمر الله في سفر اللاويين ٢١: ١٧-٢٠. لكن تحت نظام العهد الجديد الآتي، هنالك مبدأ أعلى للعمل من ظلال (رموز) الشريعة اللاوية.
٤. آتِي بِهِمْ إِلَى جَبَلِ قُدْسِي، وَأُفَرِّحُهُمْ فِي بَيْتِ صَلَاتِي: لقد انزلق شعب الله إلى فكرة قبول الله لهم رغم أية اعتبارات أخرى، ورفْض الشعوب الأخرى رغم أية اعتبارات أخرى. ويبيّن الرب هنا أنه عندما يتبعه أجنبي أو خصي ويطيعه حقًّا، فإنه يقبله.
٥. لِأَنَّ بَيْتِي بَيْتَ ٱلصَّلَاةِ يُدْعَى: أراد الله أن يكون الهيكل – بيته – مكانًا للعبادة لا للشعب اليهودي فقط، بل بيتًا للصلاة لجميع الشعوب أيضًا.
• أدى انتهاك هذا المبدأ إلى غضب يسوع. فعندما جاء إلى الهيكل، وجد الساحة الخارجية – وهي المكان الوحيد الذي يمكن أن يصلي فيه الأمميون – أشْبه بسوق في الهواء الطلق أكثر منه بيتًا للصلاة. فقام بطرد الصيارفة والتُجّار (متى ٢١: ١٣).
٦. يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ جَامِعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ: «أَجْمَعُ بَعْدُ إِلَيْهِ، إِلَى مَجْمُوعِيهِ»: بسبب ألم السبي والأسر، أصبحت إسرائيل متمحورة على نفسها بشكل قوي. اعتقدت أن الله يهتم بها حقًّا، بينما الشعوب الأخرى (التي عاملت إسرائيل بقسوة) لا تهم الله. لكن الله أراد أن يوسع رؤية إسرائيل إلى ما وراء حدودها لتعرف أن الله يحب العالم الهالك، وأرادها أن تحبهم أيضًا.
ثانيًا. وعد بإدانة القادة العميان في إسرائيل.
أ ) الآية (٩): كلمة لوحوش الحقل.
٩يَا جَمِيعَ وُحُوشِ ٱلْبَرِّ تَعَالَيْ لِلْأَكْلِ. يَا جَمِيعَ ٱلْوُحُوشِ ٱلَّتِي فِي ٱلْوَعْرِ.
١. يَا جَمِيعَ وُحُوشِ ٱلْبَرِّ تَعَالَيْ لِلْأَكْلِ: دعا الرب وحوش الحقل إلى وليمة عظيمة – لتأكل جثث أعدائه بعد أن انطرحوا أرضًا في ميدان المعركة.
٢. تَعَالَيْ لِلْأَكْلِ: تُستخدم الصورة نفسها في رؤيا ١٩: ١٧-١٨ “وَرَأَيْتُ مَلَاكًا وَاحِدًا وَاقِفًا فِي ٱلشَّمْسِ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا لِجَمِيعِ ٱلطُّيُورِ ٱلطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ ٱلسَّمَاءِ: «هَلُمَّ ٱجْتَمِعِي إِلَى عَشَاءِ ٱلْإِلَهِ ٱلْعَظِيمِ، لِكَيْ تَأْكُلِي لُحُومَ مُلُوكٍ، وَلُحُومَ قُوَّادٍ، وَلُحُومَ أَقْوِيَاءَ، وَلُحُومَ خَيْلٍ وَٱلْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، وَلُحُومَ ٱلْكُلِّ: حُرًّا وَعَبْدًا، صَغِيرًا وَكَبِيرًا.”
ب) الآيات (١٠-١١): كلمة حول قادة يهوذا غير الأمناء.
١٠مُرَاقِبُوهُ عُمْيٌ كُلُّهُمْ. لاَ يَعْرِفُونَ. كُلُّهُمْ كِلاَبٌ بُكْمٌ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَنْبَحَ. حَالِمُونَ مُضْطَجِعُونَ، مُحِبُّو النَّوْمِ. ١١وَالْكِلاَبُ شَرِهَةٌ لاَ تَعْرِفُ الشَّبَعَ. وَهُمْ رُعَاةٌ لاَ يَعْرِفُونَ الْفَهْمَ. الْتَفَتُوا جَمِيعًا إِلَى طُرُقِهِمْ، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى الرِّبْحِ عَنْ أَقْصَى.
١. مُرَاقِبُوهُ عُمْيٌ كُلُّهُمْ: قادة شعب الله عميان، ودينونتهم هي على الأبواب. لكنهم لا يرون هذا، ولا يستطيعون أن يحذروا شعب الله. إنهم لا يحققون قصدهم كمراقبين (كحراس). فهم جهلة مثل كلاب بُكم، فينامون ببساطة.
٢. وَهُمْ رُعَاةٌ لَا يَعْرِفُونَ ٱلْفَهْمَ: يمثل هؤلاء القادة تناقضًا مؤسفًا مع القيادة التقية التي جسّدها الملك داود في إشعياء ٥٥: ٣-٥. إنهم رعاة غير أمناء، ولا يتطلعون إلا إلى تحقيق مكاسبهم الخاصة.
ج) الآية (١٢): كلمة من قادة يهوذا غير الأمناء.
١٢هَلُمُّوا آخُذُ خَمْرًا وَلْنَشْتَفَّ مُسْكِرًا، وَيَكُونُ ٱلْغَدُ كَهَذَا ٱلْيَوْمِ عَظِيمًا بَلْ أَزْيَدَ جِدًّا.
١. هَلُمُّوا آخُذُ خَمْرًا وَلْنَشْتَفَّ مُسْكِرًا: إنهم جهلاء بشكل سلبي وعميان، لكن ما هو أسوأ من ذلك هو أنهم أشرار بشكل نشط. ومع اقتراب الدينونة، فإنهم يشربون ويسكرون.
٢. وَيَكُونُ ٱلْغَدُ كَهَذَا ٱلْيَوْمِ عَظِيمًا بَلْ أَزْيَدَ جِدًّا: لقد حل إيمانهم الأعمى بالتقدم محل إيمان منطقي بالله. وهم جاهزون للدينونة، لكنهم غير مستعدين لها. وبما أن صورة إشعياء ٥٦: ٩ ترتبط بصور من سفر الرؤيا حول مجيء يسوع ثانية، يمكننا أن نرى هذا كصورة لقادة العالم غير المستعدين – وربما الكنيسة غير المستعدة عند عودة يسوع.