إشعياء ٥٩
تفَحُّص الواقع
أولًا. الخطية التي يراها الله
أ ) الآية (١): مشكلة شعب الله: ليست المشكلة في الله.
١هَا إِنَّ يَدَ الرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ، وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعَ
١. هَا إِنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ: تساءل شعب الله لماذا بدا أن الله لم ينقذهم من مِحَنهم، وعمّا إذا كانت قوّته ضعُفت إذا كانت يد الرب قَصُرت. ويؤكد النبي لهم أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق.
• يمسّ هذا السؤال واحدة من أعظم المشكلات في اللاهوت العملي. إذ كيف يمكن أن يكون هنالك إله محبة وإله قوة بينما توجد معاناة بشرية؟ فإن كنتَ تحب شخصًا، ولديك القدرة على إنهاء معاناته، أفلا تفعل هذا؟ ويخاطب إشعياء هنا أولئك الذين تساءلوا إن كان الله ليس كلي القدرة، ولهذا تستمر معاناتهم.
• كتب الحاخام هارولد كوشنر في عام ١٩٨١ كتابًا بعنوان ’أشياء سيئة تحدُث لأشخاص صالحين.‘ وقد بيع ما يزيد عن أربعة ملايين نسخة من هذا الكتاب. وكان على رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في صحيفة نيويورك تايمز لمدة عام كامل. وملخص فكرة هذا الكتاب هو أن الله كلي المحبة، لكنه ليس كلي القدرة، وأنه صالح، لكنه غير متسيّد. وهكذا، عندما تحدث أشياء سيئة لأشخاص صالحين، فذلك لأن الأحداث خارجة عن سيطرته. وينصح كوشنر قُرّاءه أن “يتعلموا أن يحبوا الله وأن يغفروا له رغم محدودياته.” ومن المؤكد أن هذا ليس إله الكتاب المقدس – هَا إنّ يَدَ ٱلرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ. وهذا ما قصده إشعياء ببساطة عندما قال: هَا إنّ يَدَ ٱلرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ.
٢. وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعَ: ربما ليست المشكلة هي أن الله لا يفتقر إلى القوة. فربما يفتقر إلى المعرفة بمشكلتنا أو الاهتمام بها. لكن ليس هذا هو واقع الحال على الإطلاق كما يذكّرنا إشعياء. فليست أذن الله ثقيلة. فهو يسمع جيدًا.
ب) الآية (٢): مشكلة شعب الله: المشكلة في الإنسان.
٢بَلْ آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لَا يَسْمَعَ.
١. آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ: لا تكمن المشكلة في قوة الله، أو معرفته، أو اهتمامه. بل تكمن في آثامنا. فالخطية تفصلك عن إلهك.
• بأية طريقة تفصلنا الخطية عن الله؟ لا تفصلنا الخطية بالضرورة عن حضور الله، لأنه موجود في كل مكان (مزمور ١٣٩: ٧)، حتى أن إبليس يمكن أن يدخل محضره (أيوب ١: ٦). ولا تفصلنا الخطية عن محبة الله. فالله يحب الخطاة (رومية ٥: ٨). لكن الخطية تفصل بالفعل.
تفصلنا الخطية عن الشركة مع الله، لأنه على الأقل عند نقطة خطيتنا، لا نعود نفكر حسب تفكيره.
تفصلنا الخطية عن بركة الله، لأنه على الأقل عند نقطة خطيتنا، لا نتكل عليه.
تفصلنا الخطية عن بعض فوائد محبة الله، كما في حالة الابن الضال (لوقا ١٥: ١١-٢٣) الذي كان ما زال محبوبًا من الأب لكنه لم يتمتع بفوائد هذه المحبة عندما كان في الخطية.
تفصلنا الخطية، بطريقة ما، عن حماية الله، لأنه سيسمح بدخول المحن إلى حياتنا لتقويمنا.
• ما أسهل أن نلوم كل شخص وكل شيء على مشاكلنا باستثناء آثامنا! حتى أننا نلوم الله قبل أن ندرك أن المشكلة تكمن فينا! ونحن مستعدون أن ننكر الله وطبيعته قبل أن ندرك أن المشكلة تكمن فينا!
٢. وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ: يفسّر هذا عدم إحساسهم بإشراق وجه الله عليهم (سفر العدد ٦: ٢٥). فكانت المشكلة هي خطاياهم، لا عدم قدرة الله على السمع أو الافتقار إلى الاهتمام بالاستماع إليهم.
• يساعدنا هذا – على الأقل بطريقة بسيطة – على فهم صرخة يسوع على الصليب، “إِلَهِي، إِلَهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟” (متى ٢٧: ٤٦). فعندما وقف يسوع مكان الخطاة المذنبين، كان هنالك معنى بموجبه أن الله أشاح بوجهه عن يسوع، لا بمعنى نهائي، ولن بطريقة أو بأخرى. ولكنّ هذا حدث بسبب خطايانا، لا خطاياه.
ج) الآيات (٣-٨): وصف مُفصل لخطايا الشعب.
٣لأَنَّ أَيْدِيَكُمْ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِالدَّمِ، وَأَصَابِعَكُمْ بِالإِثْمِ. شِفَاهُكُمْ تَكَلَّمَتْ بِالْكَذِبِ، وَلِسَانُكُمْ يَلْهَجُ بِالشَّرِّ. ٤لَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِالْعَدْلِ، وَلَيْسَ مَنْ يُحَاكِمُ بِالْحَقِّ. يَتَّكِلُونَ عَلَى الْبَاطِلِ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِالْكَذِبِ. قَدْ حَبِلُوا بِتَعَبٍ، وَوَلَدُوا إِثْمًا. ٥فَقَسُوا بَيْضَ أَفْعَى، وَنَسَجُوا خُيُوطَ الْعَنْكَبُوتِ. الآكِلُ مِنْ بَيْضِهِمْ يَمُوتُ، وَالَّتِي تُكْسَرُ تُخْرِجُ أَفْعَى. ٦خُيُوطُهُمْ لاَ تَصِيرُ ثَوْبًا، وَلاَ يَكْتَسُونَ بِأَعْمَالِهِمْ. أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالُ إِثْمٍ، وَفَعْلُ الظُّلْمِ فِي أَيْدِيهِمْ. ٧أَرْجُلُهُمْ إِلَى الشَّرِّ تَجْرِي، وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ الزَّكِيِّ. أَفْكَارُهُمْ أَفْكَارُ إِثْمٍ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ. ٨طَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ، وَلَيْسَ فِي مَسَالِكِهِمْ عَدْلٌ. جَعَلُوا لأَنْفُسِهِمْ سُبُلاً مُعْوَجَّةً. كُلُّ مَنْ يَسِيرُ فِيهَا لاَ يَعْرِفُ سَلاَمًا.
١. أَيْدِيَكُمْ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِٱلدَّمِ: لقد مارسوا العنف والقتل وصادقوا عليهما.
٢. شِفَاهُكُمْ تَكَلَّمَتْ بِٱلْكَذِبِ: كانوا يكذبون بسهولة وبانتظام.
٣. لَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِٱلْعَدْلِ: لم يشاركوا قلب الله في ما يتعلق بما هو عادل وصالح. بل كان كل واحد يفكر في مصلحته الخاصة فقط. وكان كل من العدالة والحق مفهومين بعيدين. فبدلًا من العدل، كانت هنالك كلمات فارغة (يَتَّكِلُونَ عَلَى ٱلْبَاطِلِ). وبدلًا من الحق، كانت هنالك أكاذيب.
• يعلّق موتير (Motyer) على كلمة ’الْبَاطِلِ‘ فيقول: “يقوم إشعياء بالتشخيص، لا بالوصف. ربما يعتقدون أنهم يتصرفون بشكل معقول، لكن هذا كله في الواقع هراء.”
٤. قَدْ حَبِلُوا بِتَعَبٍ (بالشر)، وَوَلَدُوا إِثْمًا: كأنهم أفاعٍ تلد أفاعي شريرة لا تجلب إلا الموت (ٱلْآكِلُ مِنْ بَيْضِهِمْ يَمُوتُ) ومزيدًا من الشر (وَٱلَّتِي تُكْسَرُ تُخْرِجُ أَفْعَى).
• يعلّق كلارك (Clarke) على عبارة ’خُيُوطُهُمْ لَا تَصِيرُ ثَوْبًا‘: “قاموا بنسج شباك من خلال مكائدهم. وجدُّوا في نصب الأفخاخ، بكل جهد وحيلة، لكي يورطوا أقرباءهم المساكين في تعقيدات وحيرة ويلتهموهم، كما ينسج العنكبوت شبكته للقبض على الذباب ثم يلتهمها.” لكن شباكهم لن تغطيهم أمام الله: خُيُوطُهُمْ لَا تَصِيرُ ثَوْبًا وَلَا يَكْتَسُونَ بِأَعْمَالِهِمْ.
٥. أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالُ إِثْمٍ، وَفَعْلُ ٱلظُّلْمِ فِي أَيْدِيهِمْ. أَرْجُلُهُمْ إِلَى ٱلشَّرِّ تَجْرِي: أياديهم وأقدامهم مولعة بالخطية. لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد. فأَفْكَارُهُمْ أَفْكَارُ إِثْمٍ.
٦. جَعَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ سُبُلًا مُعْوَجَّةً. كُلُّ مَنْ يَسِيرُ فِيهَا لَا يَعْرِفُ سَلَامًا: اختياراتهم وعواقبها واضحة. فلن تقودهم طرقهم الملتوية إلى السلام بالمعنى الكتابي الكامل.
• اقتبس بولس إشعياء ٥٩: ٧-٨ في رومية ٣: ١٥-١٧، مستخدمًا نصوصًا أخرى ذات صلة من العهد القديم ليبيّن أن الإنسان خاطئ من “هامة رأسه إلى أخمص قدميه.”
• في ضوء كل هذه الخطايا، فإن من المدهش تمامًا أن شعب الله ما زالوا يعتقدون (كما فعلوا في إشعياء ٥٩: ١) أن المشكلة هي مشكلة الله، لا مشكلتهم.
ثانيًا. آثار الخطية التي يراها الشعب
أ ) الآيات (٩-١١): تأتي الظلمة بسبب خطيّتهم.
٩مِنْ أَجْلِ ذلِكَ ابْتَعَدَ الْحَقُّ عَنَّا، وَلَمْ يُدْرِكْنَا الْعَدْلُ. نَنْتَظِرُ نُورًا فَإِذَا ظَلاَمٌ. ضِيَاءً فَنَسِيرُ فِي ظَلاَمٍ دَامِسٍ. ١٠نَتَلَمَّسُ الْحَائِطَ كَعُمْيٍ، وَكَالَّذِي بِلاَ أَعْيُنٍ نَتَجَسَّسُ. قَدْ عَثَرْنَا فِي الظُّهْرِ كَمَا فِي الْعَتَمَةِ، فِي الضَّبَابِ كَمَوْتَى. ١١نَزْأَرُ كُلُّنَا كَدُبَّةٍ، وَكَحَمَامٍ هَدْرًا نَهْدِرُ. نَنْتَظِرُ عَدْلاً وَلَيْسَ هُوَ، وَخَلاَصًا فَيَبْتَعِدُ عَنَّا.
١. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ٱبْتَعَدَ ٱلْحَقُّ عَنَّا، وَلَمْ يُدْرِكْنَا ٱلْعَدْلُ: لم يكن لدى شعب الله اهتمام بالعدالة، ولهذا لم يباركهم الله بها. ولأنهم لم يهتموا بالبر، لم ينعم عليهم به. وهذا هو المبدأ الذي ذكره يسوع في متى ١٣: ١٢ “فَإِنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى وَيُزَادُ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَٱلَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ.”
٢. نَنْتَظِرُ نُورًا فَإِذَا ظَلَامٌ: والآن، وبعد أن أسلموا أنفسهم للظلمة، لم يجدوا نورًا عندما طلبوه. عندما لا يكون لديك إلا النور لتذهب إليه، ربما تحس بأن الظلمة ممتعة. إذ تبدو غامضة وحافلة بالمغامرات. لكن عندما يُنتزع النور، تغمرك الظلمة باليأس.
ب) الآيات (١٢-١٥أ): الاعتراف بخطاياهم والإقرار بذنوبهم.
١٢لأَنَّ مَعَاصِيَنَا كَثُرَتْ أَمَامَكَ، وَخَطَايَانَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا، لأَنَّ مَعَاصِيَنَا مَعَنَا، وَآثَامَنَا نَعْرِفُهَا. ١٣تَعَدَّيْنَا وَكَذِبْنَا عَلَى الرَّبِّ، وَحِدْنَا مِنْ وَرَاءِ إِلهِنَا. تَكَلَّمْنَا بِالظُّلْمِ وَالْمَعْصِيَةِ. حَبِلْنَا وَلَهَجْنَا مِنَ الْقَلْبِ بِكَلاَمِ الْكَذِبِ. ١٤وَقَدِ ارْتَدَّ الْحَقُّ إِلَى الْوَرَاءِ، وَالْعَدْلُ يَقِفُ بَعِيدًا. لأَنَّ الصِّدْقَ سَقَطَ فِي الشَّارِعِ، وَالاسْتِقَامَةَ لاَ تَسْتَطِيعُ الدُّخُولَ. ١٥وَصَارَ الصِّدْقُ مَعْدُومًا، وَالْحَائِدُ عَنِ الشَّرِّ يُسْلَبُ.
١. وَخَطَايَانَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا… وَٱلْعَدْلُ (البر) يَقِفُ بَعِيدًا: والآن، صار شعب الله في مكان أفضل. لقد فحصوا واقعهم، ورأوا الأشياء كما هي. فلن يعودوا يلومون يد الله التي قَصُرت، أو أُذنه الثقيلة. فهم يعرفون الآن أن البر يَقِفُ بَعِيدًا عنهم بسبب خطاياهم.
ثالثًا. الخلاص والفداء اللذان يراهما الرب
ب) الآيات (١٥ب-١٦أ): ما رآه الرب.
١٥… فَرَأَى الرَّبُّ وَسَاءَ فِي عَيْنَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَدْلٌ. ١٦فَرَأَى أَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانٌ، وَتَحَيَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ شَفِيعٌ.
١. فَرَأَى ٱلرَّبُّ وَسَاءَ فِي عَيْنَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَدْلٌ: لم تكن حالة شعب الله لغزًا بالنسبة للرب. إذ صرخوا في إشعياء ٥٩: ١٢-١٥أ مصرّحين بمدى يأس حالتهم. وقد عرف الله هذا طوال الوقت.
٢. فَرَأَى أَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانٌ، وَتَحَيَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ شَفِيعٌ: لم تكن حالة شعب الله سيئة فحسب، لكن لم يأخذ أحدهم زمام المبادرة إلى تصحيح الأمور. فأين هو الإنسان الذي سيقود الشعب بالبر؟ ليس له وجود. وأين هو الشفيع الذي يمكن أن يحمل قضية الله أمام الشعب، ويدعوهم إلى التوبة إلى إلههم؟ ليس له وجود.
ب) الآيات (١٦ب-١٩): ما فعله الرب.
١٦… فَخَلَّصَتْ ذِرَاعُهُ لِنَفْسِهِ، وَبِرُّهُ هُوَ عَضَدَهُ. ١٧فَلَبِسَ الْبِرَّ كَدِرْعٍ، وَخُوذَةَ الْخَلاَصِ عَلَى رَأْسِهِ. وَلَبِسَ ثِيَابَ الانْتِقَامِ كَلِبَاسٍ، وَاكْتَسَى بِالْغَيْرَةِ كَرِدَاءٍ. ١٨حَسَبَ الأَعْمَالِ هكَذَا يُجَازِي مُبْغِضِيهِ سَخَطًا، وَأَعْدَاءَهُ عِقَابًا. جَزَاءً يُجَازِي الْجَزَائِرَ. ١٩فَيَخَافُونَ مِنَ الْمَغْرِبِ اسْمَ الرَّبِّ، وَمِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ مَجْدَهُ. عِنْدَمَا يَأْتِي الْعَدُوُّ كَنَهْرٍ فَنَفْخَةُ الرَّبِّ تَدْفَعُهُ.
١. فَخَلَّصَتْ ذِرَاعُهُ لِنَفْسِهِ: انتظر الله كثيرًا أن ترجع إليه إسرائيل العاصية. وانتظر كثيرًا أن يقودهم إنسان ليرجعهم إلى الرب، أو شفيع يترافع أمامه عنهم. فلم يظهر أحد، ولهذا قام الرب هذا بنفسه. ولو أن إنسانًا أو شفيعًا تَقَدَّم، لخلّص إسرائيل من مصائب كثيرة. لكن غياب إنسان أو شفيع لم يفسد خطة الله. لقد انتظر أن يعمل في شراكة من خلال إنسان، وانتظر أن يعمل في شراكة من خلال شفيع. لكن عمل الله سيُنجز إذا لم يتقدم أحد.
٢. فَلَبِسَ ٱلْبِرَّ كَدِرْعٍ، وَخُوذَةَ ٱلْخَلَاصِ عَلَى رَأْسِهِ: لم يتقدم أحد للعمل مع الرب، ولهذا لَبِسَ ٱلْبِرَّ كَدِرْعٍ، وانطلق ليقضي على أعدائه، ويحمي شعبه، ويمجّد اسمه.
• لا يفطن كثيرون إلى الصلة بين إشعياء ٥٩: ١٧-١٨ وتعليقات بولس حول السلاح الروحي في أفسس ٦: ١٠-١٧. وفي ذلك النص، يدعو هذا السلاح سلاح الله الكامل. وهو سلاح الله بمعنى أنه يخصّه. وهو يستخدمه هنا في إشعياء ٥٩: ١٧-١٨، وهو يسمح لنا باستخدامه للقتال من أجله.
• ربما نرى صلة بينهما. فإذا لم نلبس سلاح الله ونقاتل من أجله، عندئذٍ، سيلبسه الله نفسه ويقاتل من أجل مجده. لكنه يفضّل أن يعمل فينا، ومن خلالنا، ومعنا باستخدام هذا السلاح.
٣. فَيَخَافُونَ مِنَ ٱلْمَغْرِبِ ٱسْمَ ٱلرَّبِّ، وَمِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ مَجْدَهُ: يدل هذا على أن النتيجة النهائية ستكون رائعة. ففي انتصار الله النهائي – الذي يريدنا أن نشترك فيه، لكن سينجزه معنا أو من دوننا – سيُعْرَف مجد الرب ويوقَّر من الشرق إلى الغرب.
٤. عِنْدَمَا يَأْتِي ٱلْعَدُوُّ كَنَهْرٍ فَنَفْخَةُ ٱلرَّبِّ تَدْفَعُهُ: لن ينتصر أعداء الرب عليه أبدًا. فحتى لو جاءوا كنهر أو كطوفان وبدوا أنه لا يمكن صدّهم أو إيقافهم، فإن الرب سيرفع سلاحًا كافيًا لإيقافهم. ويعطي الله شعبه الامتياز المجيد في كونهم أعظم من منتصرين (رومية ٨: ٣٧)، لكن الله سيربح المعركة معنا أو من دوننا.
ج ) الآيات (٢٠-٢١): ما قاله الرب.
٢٠«وَيَأْتِي الْفَادِي إِلَى صِهْيَوْنَ وَإِلَى التَّائِبِينَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فِي يَعْقُوبَ، يَقُولُ الرَّبُّ. ٢١أَمَّا أَنَا فَهذَا عَهْدِي مَعَهُمْ، قَالَ الرَّبُّ: رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ، وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ، قَالَ الرَّبُّ، مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ.
١. وَيَأْتِي ٱلْفَادِي إِلَى صِهْيَوْنَ: بعد أن تكلم الرب بصيغة الغائب من خلال النبي، فإنه يتكلم الآن بصيغة المتكلم. وعندما يتكلم، فإنه يعلن أن ٱلْفَادِي (goel) سيأتي إِلَى صِهْيَوْنَ.
• تترجم الكلمة العبرية أحيانًا إلى الفادي القريب. وهي هنا ’الفادي‘ فحسب. وكان لدى الفادي دور محدد بشكل خاص في الحياة العائلية في إسرائيل. فكان الفادي القريب مسؤولًا عن شراء رفيق إسرائيلي من العبودية (لاويين ٢٥: ٤٨)، وكان مسؤولًا عن الانتقام للدم، أي أن يثأر لمقتل أحد أفراد العائلة (عدد ٣٥: ١٩). وكان مسؤولًا عن شراء أو (فكاك) أرض خسرتها العائلة (تثنية ٢٥: ٥-١٠). ونرى في هذه الأدوار أن الفادي القريب كان مسؤولًا عن حماية الأشخاص والممتلكات والذرية في العائلة.
• تستخدم ترجمة نسخة الملك جيمس حرفً كبيرًا في بداية كلمة فادي، لأن الفادي هو يسوع المسيح. فهو وليّنا القريب، لأنه أضاف ناسوتًا إلى لاهوته. وهو الذي يشترينا من العبودية. وهو الذي ينتقم لنا من الإساءات الموجهة لنا. وهو يحمي ميراثنا، ويبارك ذريتنا ويحرسها. ويمكن إعادة صياغة إشعياء ٥٩: ٢٠ هكذا “سأُرسل مسيّايَ (مسيحي)، فادي كل البشر، يسوع الناصري.”
٢. إِلَى ٱلتَّائِبِينَ عَنِ ٱلْمَعْصِيَةِ: لمن يأتي الفادي؟ يأتي إلى الذين يرجعون عن خطاياهم ويتوبون عن معاصيهم. فالفادي لا يعمل إلا من أجل الذين يطلبون خدماته ويعرفون أنهم محتاجون إليه.
٣. رُوحِي ٱلَّذِي عَلَيْكَ، وَكَلَامِي ٱلَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لَا يَزُولُ مِنْ فَمِكَ… مِنَ ٱلْآنَ وَإِلَى ٱلْأَبَدِ: يَعِد العهد الذي يقطعه الله مع شعبه بإرسال روح دائم وكلمة ثابتة. ويحقق الله في الناس ومن خلال الخليقة قصده بروحه وكلمته معًا.