إشعياء ٧
شآر-ياشوب وعمانوئيل
أولًا. آية شآر- ياشوب
أ ) الآيات (١-٢): تتحد مملكة إسرائيل الشمالية مع آرام لمهاجمة يهوذا.
١وَحَدَثَ فِي أَيَّامِ آحَازَ بْنِ يُوثَامَ بْنِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، أَنَّ رَصِينَ مَلِكَ أَرَامَ صَعِدَ مَعَ فَقَحَ بْنِ رَمَلْيَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِمُحَارَبَتِهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُحَارِبَهَا. ٢وَأُخْبِرَ بَيْتُ دَاوُدَ وَقِيلَ لَهُ: «قَدْ حَلَّتْ أَرَامُ فِي أَفْرَايِمَ». فَرَجَفَ قَلْبُهُ وَقُلُوبُ شَعْبِهِ كَرَجَفَانِ شَجَرِ الْوَعْرِ قُدَّامَ الرِّيحِ.
١. فِي أَيَّامِ آحَازَ بْنِ يُوثَامَ: كان آحَاز، ملك يهوذا، شريرًا حيث كان يعبد آلهة أخرى، حتى أنه قدّم ابنه ذبيحة لمولك (٢ ملوك ١٦: ١-٤). وكانت حسنته الوحيدة هي أنه أنجب حزقيّا الذي صار ملكًا صالحًا على يهوذا.
• “كان حاكمًا جبانًا، ومنافقًا، ومؤمنًا بالخرافات. وكان واحدًا من أسوأ ملوك يهوذا على الإطلاق.” بولتيما (Bultema)
٢. رَصِينَ مَلِكَ أَرَامَ صَعِدَ مَعَ فَقَحَ بْنِ رَمَلْيَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ: وُصف هذا التحالف بين هاتين الدولتين وهجومهما الفاشل على أورشليم في ٢ ملوك ١٦.
• كان الهجوم على أورشليم فاشلًا في نهاية الأمر، لكن الحرب ضد يهوذا أضعفت المملكة الجنوبية كثيرًا. وتوثّق ٢ أخبار ٢٨: ٦ الضرر: “وَقَتَلَ فَقَحُ بْنُ رَمَلْيَا فِي يَهُوذَا مِئَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، ٱلْجَمِيعُ بَنُو بَأْسٍ، لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا ٱلرَّبَّ إِلَهَ آبَائِهِمْ.” وتقول ٢ أخبار ٢٨: ٥ “فَدَفَعَهُ ٱلرَّبُّ إِلَهُهُ لِيَدِ مَلِكِ أَرَامَ، فَضَرَبُوهُ وَسَبَوْا مِنْهُ سَبْيًا عَظِيمًا وَأَتَوْا بِهِمْ إِلَى دِمَشْقَ. وَدُفِعَ أَيْضًا لِيَدِ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً عَظِيمَةً.” وسبى ملك إسرائيل أيضًا مئتي ألف شخص بين رجال ونساء وأطفال من يهوذا، لكنه أرجعهم بأمر من النبي عوبيد (٢ أخبار ٢٨: ٨-١٥).
• وبشكل إجمالي، عندما تتكشف أحداث هذا الإصحاح، نجد أن أمة يهوذا واجهت كارثة مروّعة دمّرت معنوياتها. فعندما اقتربت جيوش إسرائيل وآرام إلى أورشليم، بدا أن كل شيء ضاع. وقُدِّم تحدٍّ لآحاز أن يضع ثقته في الرب عندما ساءت الأمور. بدا أن كل شيء سيضيع – قريبًا جدًّا.
٣. أَنَّ رَصِينَ مَلِكَ أَرَامَ صَعِدَ مَعَ فَقَحَ بْنِ رَمَلْيَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِمُحَارَبَتِهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُحَارِبَهَا: كيف نجا آحاز من هذا الهجوم؟ لقد دخل في حلف شرير مع تغلث فلاسر، ملك أشور، وأعطاه الفضة والذهب التي في بيت الرب كهدية ليحصل على رضاه وحمايته (٢ ملوك ١٦: ٧-٩).
• عندما ذهب آحاز لملاقاة تلغث-فلاسر، سيده الجديد، في دمشق، رأى المعابد والمذابح الوثنية، ونسخ هذه التصاميم، وأعاد تشكيل هيكل الرب في أورشليم على نمط الهيكل الوثني والمذابح في دمشق. ويمثل آحاز مثلًا قويًّا ومتطرّفًا لشخص دخل في تحالف نجس من أجل أسباب ’صالحة،‘ غير أنه صار فاسدًا ومساومًا بشكل كامل (٢ ملوك ١٦: ١٠-١٨).
• من المهم أن نفهم أن أحداث هذا الإصحاح حدثت قبل أن يتخذ آحاز قراره النهائي بأن يضع ثقته في تلغث-فلاسر، ملك أشور. ونحن نخبَر بالنتيجة النهائية للهجوم في إشعياء ٧: ١-٢ (فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُحَارِبَهَا)، إلا أن إشعياء يخبرنا بالنتيجة النهائية قبل أن يذكر نبوته لآحاز. قد يكون هذا التجاهل الترتيبي الزمني محبطًا لنا، لكنه كان طبيعيًّا تمامًا للعقل العبري القديم.
٤. قَدْ حَلَّتْ (انتشرت قوات) أَرَامُ فِي أَفْرَايِمَ: أفرايم لقب آخر لمملكة إسرائيل الشمالية. سمع آحاز أن آرام وإسرائيل اتحدتا معًا لتحاربا يهوذا.
٥. فَرَجَفَ قَلْبُهُ وَقُلُوبُ شَعْبِهِ كَرَجَفَانِ شَجَرِ ٱلْوَعْرِ قُدَّامَ ٱلرِّيحِ: أبدى الملك وشعبه خوفًا كرد فعل لهذا بدلًا من الثقة بالله، حيث رجفت وتزعزعت قلوبهم.
• وفي هذا، كان شعب يهوذا شعب آحاز فعلًا، لا شعب الرب. فلم يهتز الرب أو يقلق بهذا التهديد. ولو أن ملك يهوذا وشعبه وضعوا ثقتهم في الرب، لتمتعوا بسلام في هذا الصراع.
ب) الآيات (٣-٩): كلمة الرب إلى آحاز على يد إشعياء
٣فَقَالَ الرَّبُّ لإِشَعْيَاءَ: «اخْرُجْ لِمُلاَقَاةِ آحَازَ، أَنْتَ وَشَآرَ يَاشُوبَ ابْنُكَ، إِلَى طَرَفِ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا، إِلَى سِكَّةِ حَقْلِ الْقَصَّارِ، ٤وَقُلْ لَهُ: اِحْتَرِزْ وَاهْدَأْ. لاَ تَخَفْ وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكَ مِنْ أَجْلِ ذَنَبَيْ هَاتَيْنِ الشُّعْلَتَيْنِ الْمُدَخِّنَتَيْنِ، بِحُمُوِّ غَضَبِ رَصِينَ وَأَرَامَ وَابْنِ رَمَلْيَا. ٥لأَنَّ أَرَامَ تَآمَرَتْ عَلَيْكَ بِشَرّ مَعَ أَفْرَايِمَ وَابْنِ رَمَلْيَا قَائِلَةً: ٦نَصْعَدُ عَلَى يَهُوذَا وَنُقَوِّضُهَا وَنَسْتَفْتِحُهَا لأَنْفُسِنَا، وَنُمَلِّكُ فِي وَسَطِهَا مَلِكًا، ابْنَ طَبْئِيلَ. ٧هكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لاَ تَقُومُ! لاَ تَكُونُ! ٨لأَنَّ رَأْسَ أَرَامَ دِمَشْقَ، وَرَأْسَ دِمَشْقَ رَصِينُ. وَفِي مُدَّةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً يَنْكَسِرُ أَفْرَايِمُ حَتَّى لاَ يَكُونَ شَعْبًا. ٩وَرَأْسُ أَفْرَايِمَ السَّامِرَةُ، وَرَأْسُ السَّامِرَةِ ابْنُ رَمَلْيَا. إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا فَلاَ تَأْمَنُوا».
١. أَنْتَ وَشَآرَ يَاشُوبَ ٱبْنُكَ: طُلب من إشعياء أن يأخذ ابنه، شآر-ياشوب، ويوصل كلمة من الرب إلى آحاز. وقد جلب إشعياء ابنه كدرس عملي، لأن معنى اسمه “سترجع بقية.”
٢. إِلَى طَرَفِ قَنَاةِ ٱلْبِرْكَةِ ٱلْعُلْيَا، إِلَى سِكَّةِ حَقْلِ ٱلْقَصَّارِ: تشكل هذه التفاصيل التي تبدو غير ذات صلة نقطة مهمة. لقد حدث هذا لأشخاص حقيقيين، في زمن حقيقي، وفي أمكنة حقيقية. فليست هذه حكايات خيالية. بل كانت أمورًا واقعية.
٣. اِحْتَرِزْ وَٱهْدَأْ: يبدو أن آحاز احتاج إلى أن يولي اهتمامًا (اِحْتَرِزْ) ويتوقف عن التحدث عن المشكلة (وَٱهْدَأْ). كان عليه أن يثق بالله ويتشدد في الرب (لَا تَخَفْ وَلَا يَضْعُفْ قَلْبُكَ).
• ربما جعلت الكارثة التي حلت والدمار الذي عصف بيهوذا آحاز يتوقف عن الثقة بالله. وكأنه يقول: “إن كان الله يحبني، فلماذا أنا في هذه الفوضى أصلًا؟ هل أثق به بعد أن سمح بحدوث هذا؟ هل أنت مجنون؟”
٤. لَا تَخَفْ وَلَا يَضْعُفْ قَلْبُكَ: كان صعبًا على آحاز أن يفعل هذا، لأنه لم ينظر إلى الوضع كما رآه الرب. إذ رأى آحاز إسرائيل ويهوذا تهديدًا رهيبًا، بينما نظر إليهما الله على أنهما شعلتان مدخّنتان (هَاتَيْنِ ٱلشُّعْلَتَيْنِ ٱلْمُدَخِّنَتَيْنِ). فكانا بالنسبة للرب دخانًا بلا نار.
• “قد يظن المرء أن لديهما قوة عظيمة تقدر أن تحرق العالم كله. ولكي يخمد الرب الرعب في قلب آحاز، أعلن أن ما تخيّله حرقًا دائمًا ما هو إلا دخان ضعيف قصير الأمد.” كالفن (Calvin)
• “نسمّيهما بازدراء شُعلتين مدخّنتين يمكن أن تُحْدثا ضررًا لكنهما عاجزتان عن فعل هذا، لأن الدخان، أو ذيل الشعلتين المدخنتين – لا الاشتعال – لن يدوم. وسينقرض كليًّا عما قريب. وباختصار، لديهما كبرياء أكثر من القوة، كونهما مجرد ومضة.” تراب (Trapp)
٥. لَا تَقُومُ! لَا تَكُونُ!: من المؤكد أنه كانت لدى ملكي إسرائيل وآرام خططهما. إذ كانا يدبران الشر على يهوذا. أرادا أن يهاجما أورشليم، ويهزما عاصمة يهوذا، بفتح ثغرة في سورها (وَنَسْتَفْتِحُهَا). وعندئذٍ، سيخلعان آحاز وينصّبان ملكًا آخر من اختيارهما. لكن الله لم يقلق بشأن خططهما. بدا تهديدًا كبيرًا ملتهبًا لآحاز، لكن الله نظر إليهما على أنهما شعلتان مدخنتان فحسب. ولن تنجح خِططهما (لَا تَقُومُ! لَا تَكُونُ!)
• لن تنجح خططهما لأن الأمّتين يقودهما رجلان شريران، رَصِينَ وَٱبْنِ رَمَلْيَا، لا الله. وهذا وعد من الرب. فدعا إشعياء آحاز إلى الثقة بالرب ووعده.
٦. إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا فَلَا تَأْمَنُوا (لن تتثبّتوا): هذا هو التحدي أمام آحاز. لقد وعد الله، ويتوجب على الملك أن يؤمن. فإذا لم يؤمن، فلن يؤثر هذا في حصيلة الهجوم على أورشليم. إذ سبق أن قضى الله أن الهجوم لن ينجح. لكن هذا سيؤثر في مسار حياة آحاز وحكمه كملك – فَلَا تَأْمَنُوا (لن تتثبّتوا).
• وكما حدث، لم يؤمن آحاز. لم يضع ثقته في الرب. بل وضعها في أساليب ملك أشور الجسدية. لقد أُنقذت أورشليم. ولا شك أن آحاز اعتقد أنه نجح، وأن خططه سارت على ما يرام. لكن لو وثق بالرب، لنجت أورشليم وبورِك الملك نفسه.
• جلب إشعياء ابنه شآر-ياشوب (إشعياء ٧: ٣) الذي عنى اسمه ’بقية ستعود،‘ إذ أراد الله أن يُعْلم آحاز أنه بسبب ثقته الفاسدة التي وضعها في ملك أشور، ستؤخذ يهوذا في نهاية الأمر إلى السبي، ولن تعود إلا بقية فقط.
ثانيًا. آية عمانوئيل
أ ) الآيات (١٠-١٢): لن يطلب آحاز آية.
١٠ثُمَّ عَادَ الرَّبُّ فَكَلَّمَ آحَازَ قَائِلاً: ١١«اُطْلُبْ لِنَفْسِكَ آيَةً مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ. عَمِّقْ طَلَبَكَ أَوْ رَفِّعْهُ إِلَى فَوْق». ١٢فَقَالَ آحَازُ: «لاَ أَطْلُبُ وَلاَ أُجَرِّبُ الرَّبَّ».
١. اُطْلُبْ لِنَفْسِكَ آيَةً: طلب الله من آحاز، من خلال النبي إشعياء، أن يطلب لنفسه آية. لقد تحدّى الله آحاز أن يؤمن ويبارَك. والآن، يقدّم الله لآحاز أساسًا للإيمان: اُطْلُبْ لِنَفْسِكَ آيَةً.
٢. فَقَالَ آحَازُ: “لَا أَطْلُبُ وَلَا أُجَرِّبُ ٱلرَّبَّ: يبدو أن رد آحاز رد روحي، وكأنه يقول تقريبًا ما قاله المسيح في متى ٤: ٧ “لَا تُجَرِّبِ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ.” ورغم أن الكلمات متشابهة، لكن القلبين متباعدتان. فقد رفض آحاز أن يطلب آية لأنه عندما يتمم الرب تلك الآية، فسيكون آحاز ’ملزمًا‘ بالإيمان. وهو أمر لا يريده.
• لم يكن في هذا تجربة لله بطريقة خطأ. فليس القيام بعمل يطلبه الله تجربة. فإن طلب الرب منا أن نجربه، ينبغي أن نفعل هذا. على سبيل المثال، طلب الله من إسرائيل في ملاخي ٣: ١٠ أن تعطي كما سبق أن أمرها، وبهذا يجرّبونه في العطاء.
• ربما أحس آحاز بالمرارة تجاه الرب بسبب كل الكوارث التي حلت بيهوذا بسبب إسرائيل وآرام. وربما فكّر في نفسه: “لا أريد أن تكون لي أية صلة بهذا الإله الذي سمح بهذا الوضع السيئ.”
• “ألم نكن، بطريقة ما، وإلى حد ما، في نفس حالة آحاز الذهنية؟ ألم نرفض عطايا الله الكريمة المجانية لأسباب سخيفة وغريبة؟ “لينزل كل واحد منا وليغُص إلى أعماق ضميره ليرى إن كان يماثل آحاز في جنونه، أو على الأقل إن كنا اقتربنا كثيرًا من استخدامه غير اللطيف للرب، برفض عروض النعمة الحلوة ومبادرات الرحمة، بالاستهزاء بالفرائض المقدسة، وبآيات البر وأختامه الذي هو بالإيمان.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (١٣-١٦): آية الرب لآحاز هي آية عمانوئيل.
١٣فَقَالَ: «اسْمَعُوا يَا بَيْتَ دَاوُدَ! هَلْ هُوَ قَلِيلٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تُضْجِرُوا النَّاسَ حَتَّى تُضْجِرُوا إِلهِي أَيْضًا؟ ١٤وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ». ١٥زُبْدًا وَعَسَلاً يَأْكُلُ مَتَى عَرَفَ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ. ١٦لأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الصَّبِيُّ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ، تُخْلَى الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ خَاشٍ مِنْ مَلِكَيْهَا».
١. هَلْ هُوَ قَلِيلٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تُضْجِرُوا ٱلنَّاسَ حَتَّى تُضْجِرُوا إِلَهِي أَيْضًا؟: عامل حكام يهوذا الشعب معاملة سيئة، لكنهم عاملوا الرب بشكل أسوأ. ولو أن كثيرين منا عبّروا عن مثل هذا التخوين (رفض الثقة) وسوء المعاملة تجاه آخرين، ربما تلقّوا لكمة على أنوفهم.
• “ما أصدق غضب النبي وما أشدّه! وطوبى لمن يفجر مثل هذا الغضب في هذه الحالة التي تمّت فيها إهانة الله بهذه الشدة! وينبغي أن نكون مثل النبي أيضًا.” تراب (Trapp)
• تحدّث سبيرجن (Spurgeon) عن هذه النقطة بشكل جيد: “قد نسمع شخصًا يقول: ’آه، يا سيدي، كنت أحاول أن أؤمن لسنوات.‘ هذه كلمات فظيعة. فمن يقول هذا يجعل قضيته أسوأ. تخيل أنه بعد أن شاركت شيئًا مع أحدهم، صرح الشخص أنه لم يصدقني. بل قال إنه لم يستطع أن يصدقني رغم أنه يود ذلك. من المؤكد أني سأحزن كثيرًا. ولكن الأمور يمكن أن تسوء إذا أضاف: ’في الواقع، حاولت أن أصدقك لسنوات، لكني لا أستطيع.‘ فما الذي يعنيه بهذا؟ يقصد أن يقول أني رجل زائف بشكل يتعذّر إصلاحي، وأني كذاب بشكل مؤكد بحيث إنه يود أن ينسب لي شيئًا من الفضل، لكنه لا يستطيع ذلك. ومع كل الجهد الذي يمكن أن يبذله لصالحي، وجد أنه لا يسعه أن يصدقني. والآن، فإن الرجل الذي يقول: ’كنت أحاول أن أومن بالله،‘ فإنه في الواقع يقول نفس الكلام لله العلي.”
٢. وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ ٱلسَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْنًا وَتَدْعُو ٱسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»: هذه واحدة من أشهر النبوات المتعلّقة بميلاد يسوع المسيح في الكتاب المقدس. وهي توضح مبدأ من مبادئ النبوّة، وهو أنه قد يكون للنبوة تحقيق قريب وتحقيق بعيد.
• قال سبيرجن (Spurgeon) عن هذا النص: “هذا أحد أكثر النصوص صعوبة في كلمة الله كلها. وقد يكون الأمر كذلك فعلًا. ولكني لم أعتقد ذلك إلى أن قرأت ما قال عنه المفسرون، وصرت مشوّشًا تمامًا.”
• “من سمات النبوة التنبؤية أنها غالبًا ما تخلط أوقاتًا مختلفة معًا في صورة مركبة واحدة.” مارتن (Martin)
٣. لِأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ ٱلصَّبِيُّ أَنْ يَرْفُضَ ٱلشَّرَّ وَيَخْتَارَ ٱلْخَيْرَ، تُخْلَى ٱلْأَرْضُ ٱلَّتِي أَنْتَ خَاشٍ مِنْ مَلِكَيْهَا: تمحور التحقيق القريب لهذه النبوة على آحاز وأورشليم والهجوم عليها من كل من إسرائيل وآرام. فتركزت هذه الآية على هذه الفترة الزمنية. وببساطة، سيعطي الله آحاز آية في غضون عدة سنوات، وهي أن إسرائيل وآرام معًا ستُسحقان. فكانت هذه آية لخلاص لآحاز.
• يعتقد كثيرون أن هذا تَحقق فورًا عندما تزوجت شابة في العائلة الملكية بعد فترة قصيرة، وحبلت بابن أطلقت عليه اسم عمانوئيل. وقبل أن يصل هذا الابن إلى مرحلة تناول طعام صلب، ستكون إسرائيل وآرام قد هُزمتا. ومن الممكن أن الله يشير بشكل مجازي إلى فترة زمنية بين سنة واثنتين.
• “كان الاسم ’عمانوئيل‘ يمثل توبيخًا للملك آحاز. فإن كان الله معنا، فلماذا نخشى من العدو؟” وولف (Wolf)
• “ولهذا كانت آية الطفل تمثل إشارة إلى أن الله كلي السيادة وكلي المعرفة متحكم في الأمور. وهذا توبيخ للملك آحاز المفتقر إلى الإيمان.” جروجان (Grogan)
٤. هَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْنًا: يتجاوز التحقيق النهائي لهذه النبوة آحاز وزمنه للإعلان عن ولادة عذراوية معجزية ليسوع المسيح.
• نحن نعلم أن هذا النص يتحدث عن يسوع المسيح لأن الروح القدس يقول هذا من خلال متى: “هُوَذَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْنًا، وَيَدْعُونَ ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: ٱللهُ مَعَنَا” (متى ١: ٢٣).
• ونحن نعلم أن هذا النص يتحدث عن يسوع المسيح لأن النبوة لا توجَّه إلى آحاز فقط، بل إلى كل بيت داود – ٱسْمَعُوا يَا بَيْتَ دَاوُدَ أيضًا.
• ونحن نعلم أن هذا النص يتحدث عن يسوع المسيح لأنه يقول إن العذراء ستحبل، وأنّ حبَلها سيكون آية لكل بيت داود. يحب الذين ينكرون ميلاد يسوع المعجزي أن يشيروا إلى الكلمة العبرية ’عالْمهْ‘ (Almah) التي تشير إلى ’عذراء‘ في هذا النص، ويقولون إنها يمكن أن تشير أيضًا إلى ’امرأة شابة.‘ ويقولون إن الفكرة هي أن إشعياء كان يقول إن امرأة شابة، لا عذراء، ستلد. وفي حين أن التحقيق القريب قد يشير إلى امرأة شابة، فإن التحقيق النهائي يشير بوضوح إلى حبَل وولادة خارقتين. وهذا واضح جدًّا لأن العهد القديم لا يستخدم هذه الكلمة في سياق آخر غير العذراء، ولأن الترجمة السبعينية تترجم هذه الكلمة بشكل قاطع إلى عذراء (parthenos).
• ونحن نعلم أن هذا النص يتحدث عن يسوع المسيح ويقول إنه سيُعرف بأنه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا. وقد صحَّ هذا عن يسوع، لا كلقب فحسب. فهو يتحدث عن ألوهة يسوع (الله معنا)، وتوحُّده مع الإنسان والقرب منه (الله معنا).
٥. وَتَدْعُو ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ: يسوع هو الله معنا حقًّا. “لم يُدعَ المسيح بهذا الاسم، عمانوئيل، في أي مكان نقرؤه… لكن مضمون هذا الاسم يؤكد ويثبّت أنه ينطبق عليه تمامًا.” تراب (Trapp)
• “وهو لهذا يدل على أن الله معنا، أو الله المتحد بنا، وهو أمر لا يمكن أن ينطبق على شخص غير الله. ولا يدل على قوة الله فحسب، مثل الأسماء التي يتخذها عبيد الله، لكنه يدل على اتحاد يصبح بموجبه المسيح الله – الإنسان.” كالفن (Calvin)
• “فبأي معنى يقال إن المسيح هو ’الله معنا‘؟ يُدعى يسوع عمانوئيل أو ’الله معنا‘ في تجسُّده. وهو الله معنا في تأثيرات روحه القدوس، وفي الفرائض المقدسة، وفي وعظ الكلمة، وفي الصلاة الخاصة. وهو الله معنا في كل عمل من حياتنا نبدأه، ونستمر فيه، وننهيه باسمه. وهو الله معنا ليعزينا وينير أذهاننا ويحمينا ويدافع عنا في كل تجربة ومحنة، وفي ساعة الموت، وفي يوم الدينونة. والله معنا، ونحن معه عبر الأبدية.” كلارك (Clarke)
ج) الآيات (١٧-٢٥): أشور التي وثق بها آحاز ستجلب خرابًا على يهوذا.
١٧يَجْلِبُ الرَّبُّ عَلَيْكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى بَيْتِ أَبِيكَ، أَيَّامًا لَمْ تَأْتِ مُنْذُ يَوْمِ اعْتِزَالِ أَفْرَايِمَ عَنْ يَهُوذَا، أَيْ مَلِكَ أَشُّورَ. ١٨وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الرَّبَّ يَصْفِرُ لِلذُّبَابِ الَّذِي فِي أَقْصَى تُرَعِ مِصْرَ، وَلِلنَّحْلِ الَّذِي فِي أَرْضِ أَشُّورَ، ١٩فَتَأْتِي وَتَحِلُّ جَمِيعُهَا فِي الأَوْدِيَةِ الْخَرِبَةِ وَفِي شُقُوقِ الصُّخُورِ، وَفِي كُلِّ غَابِ الشَّوْكِ، وَفِي كُلِّ الْمَرَاعِي. ٢٠فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَحْلِقُ السَّيِّدُ بِمُوسَى مُسْتَأْجَرَةٍ فِي عَبْرِ النَّهْرِ، بِمَلِكِ أَشُّورَ، الرَّأْسَ وَشَعْرَ الرِّجْلَيْنِ، وَتَنْزِعُ اللِّحْيَةَ أَيْضًا. ٢١وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الإِنْسَانَ يُرَبِّي عِجْلَةَ بَقَرٍ وَشَاتَيْنِ، ٢٢وَيَكُونُ أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ صُنْعِهَا اللَّبَنَ يَأْكُلُ زُبْدًا، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أُبْقِيَ فِي الأَرْضِ يَأْكُلُ زُبْدًا وَعَسَلاً. ٢٣وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ كَانَ فِيهِ أَلْفُ جَفْنَةٍ بِأَلْفٍ مِنَ الْفِضَّةِ، يَكُونُ لِلشَّوْكِ وَالْحَسَكِ. ٢٤بِالسِّهَامِ وَالْقَوْسِ يُؤْتَى إِلَى هُنَاكَ، لأَنَّ كُلَّ الأَرْضِ تَكُونُ شَوْكًا وَحَسَكًا. ٢٥وَجَمِيعُ الْجِبَالِ الَّتِي تُنْقَبُ بِالْمِعْوَلِ، لاَ يُؤْتَى إِلَيْهَا خَوْفًا مِنَ الشَّوْكِ وَالْحَسَكِ، فَتَكُونُ لِسَرْحِ الْبَقَرِ وَلِدَوْسِ الْغَنَمِ.
١. يَجْلِبُ ٱلرَّبُّ عَلَيْكَ مَلِكَ أَشُّورَ: كان هذا خبرًا سيئًا بالنسبة لآحاز الذي وضع في حماقته ثقته في أشور بدلًا من الرب. فكأن الرب يقول: “قد يبدو لك أن الثقة بأشور حركة ذكية، لأن جيشي آرام وإسرائيل هُزما. لكن في نهاية الأمر سترى أشور وهي تغزو يهوذا.”
• “ربما بقيت في بيتك مطمئنًّا، وربما نلت مساعدة من الله، لكنك اخترت أن تدعو الأشوريين. وستجد أنهم أسوأ من أعدائك السابقين.” كالفن (Calvin)
• لو أن آحاز فهم وصدّق ما قاله الرب، لكان هذا أرعبه. فالأشوريون معروفون بقسوتهم المطلقة، وبشكل خاص في معاملتهم مع الشعوب التي يغزونها. فكانوا يتمتعون بتعذيب الأشخاص وإذلالهم (يَحْلِقُ ٱلسَّيِّدُ بِمُوسَى مُسْتَأْجَرَةٍ فِي عَبْرِ ٱلنَّهْرِ، بِمَلِكِ أَشُّورَ، ٱلرَّأْسَ وَشَعْرَ ٱلرِّجْلَيْنِ، وَتَنْزِعُ ٱللِّحْيَةَ أَيْضًا).
• “كان حلق لحية رجل شرقي خزيًا لا يطاق. وكان أيضًا علامة حزن عظيم وحداد، إضافة إلى عبودية مُذِلّة.” بولتيما (Bultema). ونحن نرى هذا المبدأ في تصرفات داود في ٢ صموئيل ١٠: ٤-٥.
٢. أَنَّ ٱلرَّبَّ يَصْفِرُ لِلذُّبَابِ ٱلَّذِي فِي أَقْصَى تُرَعِ مِصْرَ، وَلِلنَّحْلِ ٱلَّذِي فِي أَرْضِ أَشُّورَ، فَتَأْتِي: لن تهاجَم يهوذا من أشور فحسب، بل سيغزوها المصريون أيضًا. وسيضع الله يهوذا بين فكي كماشةّ القوتين العظميين، أشور من الشمال، ومصر من الجنوب.
• ستترك هذه الغزوات يهوذا في حالة متدهورة جدًّا، وبالتالي يأكل من يتبقى في الأرض الخثارة والعسل. وسيُقضى على الزراعة العادية (وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ كَانَ فِيهِ أَلْفُ جَفْنَةٍ بِأَلْفٍ مِنَ ٱلْفِضَّةِ، يَكُونُ لِلشَّوْكِ وَٱلْحَسَكِ). وستكون المزارع السابقة مراعي فقط (فَتَكُونُ لِسَرْحِ ٱلْبَقَرِ وَلِدَوْسِ ٱلْغَنَمِ).