إشعياء ٩
يولد لنا ولد
أولًا. رجاء لإسرائيل
أ ) الآيات (١-٢): يوم نور لأسباط الشمال
١وَلكِنْ لاَ يَكُونُ ظَلاَمٌ لِلَّتِي عَلَيْهَا ضِيقٌ. كَمَا أَهَانَ الزَّمَانُ الأَوَلُ أَرْضَ زَبُولُونَ وَأَرْضَ نَفْتَالِي، يُكْرِمُ الأَخِيرُ طَرِيقَ الْبَحْرِ، عَبْرَ الأُرْدُنِّ، جَلِيلَ الأُمَمِ. ٢اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ.
١. لَا يَكُونُ ظَلَامٌ: ينتقل الظلام إلى هنا من إشعياء ٨، حيث حذر إشعياء من غزو أشور القادم. قال في إشعياء ٨: ٢٢ “وَيَنْظُرُونَ إِلَى ٱلْأَرْضِ وَإِذَا شِدَّةٌ وَظُلْمَةٌ، قَتَامُ ٱلضِّيقِ، وَإِلَى ٱلظَّلَامِ هُمْ مَطْرُودُونَ.” وسيكون الغزو الأشوري فظيعًا للشعب اليهودي، ولاسيما المناطق الشمالية من الأرض الموعودة، أَرْضَ زَبُولُونَ وَأَرْضَ نَفْتَالِي.
٢. لَا يَكُونُ ظَلَامٌ لِلَّتِي عَلَيْهَا ضِيقٌ: في هذا السياق، فإن الوعد الوارد في إشعياء ٩: ١ يزداد أهمية. فقد تعرضت المناطق الشمالية من أرض الوعد حول بحيرة طبرية (جَلِيلَ الأُمَم) – لدمار شديد للغاية عندما غزاها الأشوريون من الشمال. والوعد هو أن هذه الأرض التي بدا أن الله لم يقدّرها كثيرًا ستحمل ذات يوم بركة خاصة.
٣. اَلشَّعْبُ ٱلسَّالِكُ فِي ٱلظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ: كان أسباط الشمال هم أول من عانى من الغزوات الأشورية. ولهذا، وبرحمة الله، سيكونون أول من يرى نور المسيّا.
• تقتبس متى ٤: ١٣-١٦ هذا النص على أنه تم تحقيقه بوضوح في خدمة يسوع في الجليل. ونظرًا لأن غالبية خدمة يسوع كانت في هذه المنطقة الشمالية من إسرائيل، حول بحيرة طبريا، فمن المؤكد أن الله حمل بركة خاصة لهذه الأرض التي لم تقدَّر كثيرًا في الماضي (كَمَا أَهَانَ الزَّمَانُ الأَوَلُ).
ب) الآيات (٣-٥): فرح في تحرير المسيّا وانتصاره
٣أَكْثَرْتَ الأُمَّةَ. عَظَّمْتَ لَهَا الْفَرَحَ. يَفْرَحُونَ أَمَامَكَ كَالْفَرَحِ فِي الْحَصَادِ. كَالَّذِينَ يَبْتَهِجُونَ عِنْدَمَا يَقْتَسِمُونَ غَنِيمَةً. ٤لأَنَّ نِيرَ ثِقْلِهِ، وَعَصَا كَتِفِهِ، وَقَضِيبَ مُسَخِّرِهِ كَسَّرْتَهُنَّ كَمَا فِي يَوْمِ مِدْيَانَ. ٥لأَنَّ كُلَّ سِلاَحِ الْمُتَسَلِّحِ فِي الْوَغَى وَكُلَّ رِدَاءٍ مُدَحْرَجٍ فِي الدِّمَاءِ، يَكُونُ لِلْحَرِيقِ، مَأْكَلاً لِلنَّارِ.
١. أَكْثَرْتَ ٱلْأُمَّةَ. عَظَّمْتَ لَهَا ٱلْفَرَحَ: ستجلب خدمة المسيّا فرحًا وبهجة لإسرائيل. قال يسوع إن خدمته هي أشبه بحفلة عرس (متى ٩: ١٤-١٥). سيفرحون كَٱلْفَرَحِ فِي ٱلْحَصَادِ في ذلك الوقت الذي يؤتي فيه العمل الجاد ثماره كمكافأة سخية. وسيبتهجون كَٱلَّذِينَ يَبْتَهِجُونَ عِنْدَمَا يَقْتَسِمُونَ غَنِيمَةً. وسيحتفلون كما يحتفل الفريق البطل في غرفة تغيير الملابس.
٢. كَمَا فِي يَوْمِ مِدْيَانَ: يشير هذا إلى انتصار جدعون العظيم على المديانيين في سفر القضاة الإصحاح ٧. وبقدر ما كان انتصار جدعون تامًا ومُبهجًا، سيكون هذا نفس نوع الانتصار الذي سيحرزه ويعطيه المسيّا.
• والانتصار قد تم بالفعل. هنا إشارة إلى كل صندل محارب… وملابسه المخضبة بالدم (كُلَّ سِلاَحِ الْمُتَسَلِّحِ فِي الْوَغَى وَكُلَّ رِدَاءٍ مُدَحْرَجٍ فِي الدِّمَاءِ). فعندما تُحرق هذه الأشياء كوقود للنار، فإن هذا يعني أن المعركة انتهت. وهذا هو ما فعلتم عندما انتهت المعركة وانتصرتم.
٣. لِأَنَّ نِيرَ ثِقْلِهِ كَسَّرْتَ: لكل واحد من هذه الوعود – الإشارة إلى الفرح العظيم، وكسر نير الثِّقْل، وعصا المضطهِد، والانتصار التام على كل هؤلاء الأعداء – تطبيق روحي على عمل يسوع في حياتنا. فهذه الأمور هي لنا في يسوع.
• متى يكون يسوع حزينًا أو قلقًا أو خائفًا؟ متى يئن تحت نِيرَ ثِقْلِهِ؟ متى يحس بلسعة المضطهِد (قَضِيبَ مُسَخِّرِهِ)؟ متى يكون فرح يسوع ناقصًا؟ لن يختبر يسوع المُقام والممجَّد والصاعد أيًّا من هذه الأمور. إذْ “أَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ” (أفسس ٢: ٦). ولأننا في يسوع المسيح، فإننا نشارك انتصاره: “وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ ٱنْتِصَارُنَا بِٱلَّذِي أَحَبَّنَا” (رومية ٨: ٣٧).
ج) الآية (٦): سيملك المسيّا المجيد.
٦لِأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْنًا، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلَهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ ٱلسَّلَامِ.
١. لِأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ: استخدم إشعياء بشكل مباشر وواضح جدًّا أداة التكرار في اللغة العبرية لتوكيد هذه النقطة: لِأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ ونُعْطَى ٱبْنًا. وفي الوقت نفسه، ندرك وجود يد الروح القدس في هذه الصياغة المحددة.
٢. يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ: تذكّر هذه النبوة المجيدة بولادة المسيّا إسرائيل بأن المسيّا الذي سيجلب النصر سيكون إنسانًا. فمن ناحية نظرية، كان يمكن أن يكون ملاكًا، أو الله من دون ناسوت. لكن لم يكن أيٌّ من هذين الخيارين ليؤهل المسيّا ليكون مخلّصنا وكاهننا الأعظم، كما هو يسوع بالفعل. كان لا بد للطفل أن يولد.
• يا له من لغز عجيب! لا يوجد شيء أضعف أو أكثر عجزًا وأكثر اعتمادًا من الطفل. فمن ناحية نظرية، كان بإمكان المسيّا أن يأتي كرجل كامل النضج، مخلوقًا كبالغ مثل آدم. لكن، لكي يتوحد المسيّا بالبشرية بشكل كامل، ولكي يُظهر في حياته طبيعة الخادم في الله، “أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ، وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ، مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ” (فيلبي ٢: ٧).
٣. وَنُعْطَى ٱبْنًا: سيكون المولود إنسانًا، لكن أكثر من مجرد إنسان. فهو الابن الأزلي لله، الأقنوم الثاني في اللاهوت. ومن ناحية نظرية، لم يكن لازمًا أن يكون المسيّا الله. ربما كان ملاكًا بلا خطية، أو مجرد رجل كاملٍ مثل آدم. لكن في واقع الأمر، لم يكن أيٌّ من هذين الخيارين ليؤهله ليكون مخلّصنا وكاهننا الأعظم مثل يسوع. كان لا بد أن يُعطى الابن.
• يا لَها من حقيقة مجيدة! كنا نحتاج إلى كائن كامل غير محدود ليقدم كفارة غير محدودة لخطايانا. احتجنا إلى عمانوئيل، الله معنا (إشعياء ٧: ١٤).
• كان لا بد أن يولد هذا الولد، لأنه كانت لناسوت يسوع نقطة بداية. إذ كان هنالك وقت لم يُضف فيه ناسوته إلى لاهوته. كان لا بد أن يُعطى الابن، لأن الأقنوم الثاني من اللاهوت أزلي، وقد كان موجودًا على الدوام بصفته الابن، حتى قبل أن يضاف الناسوت إلى لاهوته.
• في حين أن إشعياء ربما قصد التكرار من أجل التوكيد فحسب، إلا أني أبتهج في إرشاد الروح القدس له في كل كلمة. فيسوع المسيح هو الله الكامل وإنسان كامل. وكان هنالك وقت أضاف فيه، ابن الله الأزلي والأقنوم الثاني، ناسوتًا إلى ألوهته. فلم يصبح بهذا أقل من الله، لكنه أضاف طبيعة بشرية إلى طبيعته الإلهية. وهكذا أصبح شخصًا واحدًا بطبيعتين مختلفتين تعملان معًا في انسجام تام.
• يخبرنا كون يسوع الله وإنسانًا معًا أن الإنسان خُلق على صورة الله (تكوين ١: ٢٦)، وأن الناسوت الكامل أكثر توافقًا مع الألوهة مما نتخيل. ويخبرنا أيضًا أن مشكلتنا ليست بشريتنا، بل سقوطنا وفسادنا. والقول “أنا مجرد إنسان” خطأ، لأن يسوع كان إنسانًا بشكل كامل، غير أنه كان بلا خطية. وإنه لأكثر دقة أن نقول: “أنا مجرد إنسان ساقط.” لكن تذكّر أن الناسوت الذي أضافه يسوع إلى طبيعته لم يكن الناسوت الآثم الذي نعرفه عمومًا، لكنه ناسوت آدم الكامل قبل السقوط.
• سيبقى يسوع إنسانًا على مدى الأبدية (أعمال الرسل ٧: ٥٥-٥٦، ١ تيموثاوس ٢: ٥). لم يتخلَّ عن ناسوته عند الصعود، لكنه الآن في جسد القيامة، كما سنكون ذات يوم.
• لو لم يكن يسوع إنسانًا بشكل كامل، لما كان بإمكانه أن يقف مكان الإنسان الخاطئ ويكون بديلًا عنه من أجل العقاب الذي يستحقه الإنسان. ولو لم يكن الله بشكل كامل، لكانت ذبيحته غير كافية. ولو لم يكن يسوع الله بشكل كامل وإنسانًا كاملًا، لهلكنا في خطايانا.
٤. وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ: سيتحقق هذا في نهاية الأمر في نهاية الحكم الألفي، عندما يحكم يسوع المسيح على الأرض كملك الملوك ورب الأرباب (رؤيا ٢٠: ٤-٦؛ مزمور ٧٢؛ إشعياء ٢: ١-٤؛ إشعياء ١١؛ إشعياء ٦٥: ١٧-٢٥؛ زكريا ١٤: ٦-٢١).
• ما زال الوفاء النهائي بهذا الوعد في حالة انتظار. لكننا نرى الرياسة على كتفه بطرق كثيرة. ويكتب غيل إروين (Gayle Erwin) عن الرياسة التي يَعِد بها الله في نهاية المطاف والآن معًا.
كيف ستكون طبيعة الرياسة؟ أولًا، ستكون من طبيعة ملكها. يسعى السياسيون في هذا العالم إلى ما يمكنهم الحصول عليه منك. ويسعى يسوع إلى ما يمكن أن يفعله من أجلك.
يحيط قادة اليوم أنفسهم بخدام. ويحيطنا يسوع بروح الخادم.
ويستخدم قادة اليوم نفوذهم لبناء إمبراطورية. ويستخدم يسوع نفوذه ليغسل أقدامنا ويجعلنا طاهرين ومرتاحين.
ويبادل قادة اليوم تأثيرهم بالمال، بينما أحبَّ الله العالم حتى بذل….
يحتاج قادة الجيوش لهذا العالم حروبًا منتظمة للحفاظ على أسلحتهم ومهاراتهم مُحَدَّثَةً لضمان تقدُّمهم. ويجلب يسوع السلام والراحة إلى القلوب.
وكلما ارتفع مستوى الأهمية التي يصل إليها المرء في هذا العالم، صار الوصول إليه أكثر صعوبة. ويسوع هو عمانوئيل، الله معنا.
يستميت قادة هذا اليوم في أن يُرَوا ويُسمعوا. وسعى يسوع إلى أن يكون مغمورًا لكي يكون مفيدًا.
من الواضح أن يسوع لا يتولى مسؤولية قاعات واشنطن، أو لندن، أو موسكو، أو بغداد، أو باريس، أو بون. فكيف يمكننا أن نصدق أن الرياسة يمكن أن تكون على كتفيه؟
في واقع الأمر، تُظهر رياسته تطبيقاتها بطرق عجيبة. فعندما أرى شخصًا يترك حياة المخدرات أو الكحول بشكل معجزي، أستطيع أن أرى أنه محكوم من الله.
وعندما أرى مؤمنين محبّين يهتمون باليتامى والمرفوضين من أسرهم، فإني أعرف أني أشاهد أناسًا يحكمهم الله.
وكلما أرى أشخاصًا يتعلمون الكتاب المقدس بشغف ويسبّحون بفرح، فإني أعرف من هو الرئيس.
وعندما أرى أشخاصًا يتخلّون عن وظائفهم المريحة لمجرد الذهاب ومشاركة أخبار يسوع السارة، فإني أعلم أنهم محكومون من الله.
وعندما أرى الرعاة يعلّمون بعناية ويقودون الرعية التي ائتمنها الرب عليهم، أعرف أنهم يتلقون إشارات من الملك العظيم.
وعندما أرى أشخاصًا يتركون عائلاتهم ليعيشوا ويعلّموا في أراضي بعيدة لأنهم يحبون الأشخاص الذين لم يسمعوا الأخبار السارة، فإني أعلم أن الرب يحكمهم.
وهكذا، فإن الرياسة حية وعاملة بالفعل، وغالبًا ما تجري بصمت أو بشكل غير منظور. يمكننا أن نكون باختيارنا محكومين من الله. ويغطي الرجاء والفرح والسلام والراحة رعاياه. ويتعايش العدل والراحة والنعمة بشكل مذهل. أحب هذا الملكوت. الحدود مفتوحة. فادخل!
٥. وَيُدْعَى ٱسْمُهُ: ليست الفكرة هنا هي أن هذه هي الأسماء الحرفية للمسيا. بل هي جوانب من معدنه الأدبي. فهي تصف هويته وما جاء ليفعله.
• “في الفكر السّامي، لا يحدد الاسم شخصًا أو يميّزه، بل يعبّر عن ذات طبيعة كينونته.” لونجينيكر (Longenecker)
• يعلّق كالفن (Calvin) على عظمة هذه الألقاب: “ينبغي النظر في هذا بعناية أكبر، لأن معظم البشر قانعون بمجرد اسمه، ولا يلاحظون قوته وطاقته، وهي أمور ينبغي وضعها في الاعتبار بشكل رئيسي.”
٦. عَجِيبًا: يفترض أن يملأنا مجد هويته وما فعله بالدهشة والعجب. ولا يمكنك أن تنظر إلى يسوع حقًّا، وأن تعرفه حقًّا، وتحس بالملل. إنه عجيب، وسيملأ قلبك وفكرك بالدهشة.
• وفضلًا عن ذلك، فإن هذا إشارة إلى ألوهة يسوع. “تحمل كلمة ’عجيب‘ دلالة الألوهة.” جروجان (Grogan) ونحن نرى هذا في سفر القضاة ١٣: ١٨.
٧. مُشِيرًا: إنه الشخص الملائم لإرشاد حياتنا. وينبغي أن يكون المورد المباشر للمؤمن كمشير. إذ يستطيع أن يساعدك في مشكلاتك. وقد يستخدم حضور مؤمن آخر وكلماته ليفعل هذا. لكن يسوع هو مشيرنا.
• كيف نحتاج إلى يسوع كمشير لنا؟ “لقد دُمِّر العالم على يد مشير. ألم يتخفَّ إبليس في الحية، وأشار على المرأة بحيله بالغة البراعة أن تأخذ لنفسها ثمر معرفة الخير والشر على أمل أن تكون مثل الله؟ ألم تكن هذه المشورة الشريرة هي التي استفزت أمنا للتمرد على خالقها – ولم تفعل هذا كتأثير للخطية – جالبة إلى هذا العالم الموت وكل ما يترتب عليه من الويلات؟ أيها الأحبة، كان ملائمًا أن يكون لدى العالم مشير لاسترداده، ما دام كان لديه مشير لتدميره.” سبيرجن (Spurgeon)
• يسوع هو مشيرنا، بمعنى أنه بصفته الله الابن يتشاور مع الآب والروح القدس لخيرنا. وقد جلب “المجمع (المشورة) العالي للذات الإلهية” خلاصنا. “ولهذا، فإنك تقرأ في سفر زكريا ٦: ١٣ هذه الكلمات: “وَتَكُونُ مَشُورَةُ ٱلسَّلَامِ بَيْنَهُمَا كِلَيْهِمَا.” رسم ابن الله مع أبيه والروح القدس مشورة السلام. وهكذا تمّ ترتيبها، حيث يتوجب على الابن أن يتألم، وأن يكون البديل، وأن يحمل خطايا شعبه ويعاقَب بدلًا منهم. ويتوجب على الآب أن يقبل بدلية الابن عنا ويسمح لشعبه بأن يُطلق حرًّا، لأن المسيح دفع ديونهم. وعندئذٍ يتوجب على روح الله الحي أن يطهّر الشعب الذي غفر الدم لهم. ولهذا يتوجب أن يُقبلوا أمام محضر الله الآب. كانت هذه نتيجة المشورة العظيمة.” سبيرجن (Spurgeon)
• يرشد المشير العظيم حياتنا. “تذكّرْ أنه لا شيء يحدث في حياتك اليومية لم يكن قد ابتُكر أولًا في الأزل، وأشار به يسوع لمصلحتك وعنك لكي تعمل كل الأشياء معًا من أجل مصلحتك ومنفعتك الدائمة… قد يبدو هذا غريبًا لك ولي! ألا تبدو الرعاية الإلهية وكأنها خط متعرج، تسير بهذه الطريقة وتلك الطريقة، إلى الخلف وإلى الأمام، مثل تجوال بني إسرائيل في البرية؟ لكن بالنسبة لله هي خط مستقيم، أيها الإخوة. يتعامل الله بشكل مباشر مع مخلوقته، لكن يبدو أحيانًا أنه يلف ويدور. فدعنا نتعلم أن نترك الرعاية الإلهية في يد المشير.” سبيرجن (Spurgeon)
• مشورة يسوع مشورة ضرورية، وهي مشورة أمينة من دون أية مصلحة ذاتية. ومشورة يسوع مشورة قلبية. فهي ليست منفصلة عن القلب والعاطفة. ومشورة يسوع مشورة عذبة. “أيها المؤمن، هل تعرف المشورة العذبة؟ لقد ذهبتَ إلى سيدك في يوم ضيقك، وفي سريّة حُجرتك سكبتَ قلبك أمامه. طرحتَ قضيتك أمامه بكل صعوباتها، كما فعل حزقيّا مع رسالة ربشاقي. وشعرتَ أنه رغم أن المسيح لم يكن هنالك في اللحم والجسد، إلا أنه كان موجودًا في الروح، وكان يشير عليك. وشعرتَ بأن هذه المشورة نابعة من أعماق قلبه. لكنه كان أفضل من ذلك. كانت هنالك عذوبة أتت مع مشورته، كإشراق حب، كملء الشركة حتى أنك قلت: ’ليتني أكون في ضيق كل يوم إن كنت سأحصل على مثل هذه المشورة العذبة!‘ المسيح هو المشير الذي أرغب في استشارته كل ساعة. وأود أن أجلس في حجرته السرية طوال النهار وطوال الليل. ويعني طلبُ مشورته الحصول على مشورة عذبة، مشورة قلبية، مشورة حكيمة، كل هذا في الوقت نفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
• “ربما يكون لديك صديق يتحدث بعذوبة معك، فتقول: ’إنه لطيف، وروحه طيبة، لكني لا أستطيع أن أثق بحُكمه.‘ ولديك صديق آخر لديه قدر كبير من الحكمة والتمييز، غير أنك تقول عنه: ’من المؤكد أنه يتفوق على كثيرين في الحكمة، لكني لا ألمس تعاطفه. لا أستطيع الوصول إلى قلبه ما دام بهذه القسوة غير المهذَبة. فربما يكون لديّ قلب كقلبه من دون حكمته، بدلًا من أن يكون لدي حكمة كحكمته من دون قلب كقلبه.‘ لكننا نلجأ إلى المسيح فنحصل على الحكمة، والمحبة، والتعاطف. نحصل على كل شيء ممكن مطلوب في المشير.” سبيرجن (Spurgeon)
٨. إِلَهًا قَدِيرًا: إنه إله كل الخليقة والمجد. إنه الرب الذي يملك في السماء، ذاك المستحق لعبادتنا وتسبيحنا.
• يصعب التفكير في إعلان أكثر وضوحًا ومباشرة عن ألوهة المسيّا. ومع ذلك، تحاول بعض الجماعات (مثل شهود يهوه) التمييز بين الله القدير ’إِلهًا قَدِيرًا‘ (Mighty God) وبين القادر على كل شيء (Almighty God). ومن ناحية كتابية، لا يوجد أي تمييز بينهما، لأنهما لقبان يستخدمهما يسوع ويهوه على وجه التحديد. (يستخدم تعبير القادر على كل شيء (Almighty) في إشارة إلى يسوع في رؤيا ١: ٨).
• في إشعياء ١٠: ٢١، يستخدم النبي نفس التعبير العبري الذي يصف المسيّا للإشارة إلى يهوه: “تَرْجِعُ ٱلْبَقِيَّةُ، بَقِيَّةُ يَعْقُوبَ، إِلَى ٱللهِ ٱلْقَدِيرِ.” ولهذا، فإن هذا بيان واضح بالألوهة المطلقة.
• “وبالفعل، لو لم يكن المسيح هو الله، لكن أمرًا غير مشروع أن نتفاخر به، لأنه مكتوب: ’هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: مَلْعُونٌ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى ٱلْإِنْسَانِ.‘ (إرميا ١٧: ٥).” كالفن (Calvin)
• “نحن نمد يد الشركة إلى كل الذين يحبون الرب يسوع المسيح بإخلاص وحق. لكننا لا نستطيع أن نتبادل تحياتنا المسيحية مع الذين ينكرون أنه ’إله من إله‘ (الله نفسه). ونحن نقول هذا لأن خصومنا يقولون: ’نحن مستعدون لأن نمد يد الشركة لكم. فلماذا لا تفعلون هكذا معنا؟‘ وسنقدم جوابنا باختصار: ’لا يحق لكم أن تشكوا منا، حيث إننا نرى في هذه المسألة أنفسنا في موقف الدفاع. فعندما تعلنون أنكم تؤمنون بأن المسيح ليس ابن الله، فإنكم تتهموننا – وربما لا تدركون ذلك – بأكثر الخطايا قتامة في كل قائمة الجرائم كلها.‘ يتهمنا الموحّدون (شهود يهوه) جميعًا نحن الذين نعبد المسيح بأننا عبدة أوثان. والآن، عبادة الأوثان خطية ذات طبيعة بشعة للغاية. وهي ليست خطية ضد البشر، لكنها إهانة لا تطاق ضد جلالة الله.” سبيرجن (Spurgeon)
• “إن لم يكن المسيح هو ابن الله، فلن يكون موته تكفيرًا للخطايا، بل سيكون موتًا مستحَقًّا ببر وبغنى. كان مجمع السنهدريم الذي حوكم المسيح أمامه الهيئة التشريعية المعترفة بها في البلاد. وقد جُلِب المسيح إلى هذا المجلس بتهمة التجديف، ودِيْنَ وحُكِم بالموت عليه بناء على هذه التهمة، لأنه جعل نفسه ابن الله.” سبيرجن (Spurgeon)
٩. أَبًا أَبَدِيًّا (أبا الأبدية): الفكرة هنا في هذا التعبير العبري هي أن يسوع هو مصدر الأبدية ومنشؤها، وأنه الخالق نفسه. ولا يعني هذا أن يسوع نفسه هو أقنوم الآب في الثالوث.
١٠. رَئِيسَ ٱلسَّلَامِ: هو الذي يجعل السلام ممكنًا، ولا سيما بين الله والإنسان.
• “وباختصار، كلما يَظهر لنا أن كل شيء في حالة خراب، دعونا نتذكر أن المسيح يُدعى ’عجيبًا،‘ لأن لديه أساليب لا يمكن تصوُّرها لمعونتنا، ولأن قدرته أبعد من أن ندركها. وعندما نحتاج إلى مشورته، دعونا نتذكر أنه المشير. وعندما نحتاج إلى قوة، دعونا نتذكر أنه قدير وقوي. وعندما تظهر مخاوف فجأة في كل لحظة، وعندما تهددنا حالات موت كثيرة من جهات مختلفة، دعونا نعتمد على الأبدية التي دُعي، لسبب وجيه، بأنه أبوها (أبو الأبدية). وبنفس التعزية، دعونا نتعلم أن نهدّئ كل ضيقاتنا الزمنية. وعندما تؤرجح العواصف المختلفة داخليًّا، وعندما يحاول إبليس أن يجرب أو يزعج ضمائرنا، دعونا نتذكر أن المسيح هو رئيس السلام، وأن من السهل عليه أن يهدئ كل مشاعرنا المضطربة. وهكذا، فإن هذه الألقاب تثبّتنا أكثر فأكثر في إيمان المسيح، ويحصّنا من إبليس، ومن الجحيم نفسه.” كالفن (Calvin)
د ) الآية (٧): مجد مُلك المسيّا
٧لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلَامِ لَا نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِٱلْحَقِّ وَٱلْبِرِّ، مِنَ ٱلْآنَ إِلَى ٱلْأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ ٱلْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا.
١. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلَامِ لَا نِهَايَةَ… إِلَى ٱلْأَبَدِ: لن يدوم حكم المسيّا ألف سنة فقط رغم أن الحكم الألفي جانب معين من حكمه. فلن تكون هنالك نهاية لحكم المسيح، وسيملك إلى الأبد.
• كان هاندل (Handel) مُحقًّا في قوله في لازمة ’هللويا للمسيّا‘: “سيملك إلى أبد الآبدين.”
٢. عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ: سيملك المسيّا على عرش داود ومملكته (مملكة داود، أي إسرائيل). وهذا إتمام لعهد الله العظيم مع داود في ٢ صموئيل ٧.
٣. غَيْرَةُ رَبِّ ٱلْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا: ربما يكون هذا كله رائعًا بحيث يصعب تصديقه، لكنه سيحدث لأن رب الجنود، رب كل الجيوش السماوية، وعد بأن يتمم هذه الكلمة. وقد تمّ إنجاز جزء منها بالفعل.
• يمكن أن يكون يسوع عجيبًا، مشيرًا، أبًا أبديًّا، رئيس السلام للجميع الآن. وذات يوم، ستُفرض هذه المناصب على العالم كله. وهي في الوقت الحالي حقيقية بالنسبة للذين يقبلون يسوع ويخضعون له.
ثانيًا. الدينونة القادمة على مملكة إسرائيل الشمالية
يقع هذا القسم (إشعياء ٩: ٨-١٠: ٤) في أربعة أجزاء يختتم كل جزء منها بعبارة “مع كُلِّ هَذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ!” ولهذا دعا بعضهم هذا القسم “خطاب اليد الممدودة.”
أ ) الآيات (٨-١٢): بسبب كبرياء إسرائيل، ستُهزم من قِبل أعدائها.
٨أَرْسَلَ الرَّبُّ قَوْلاً فِي يَعْقُوبَ فَوَقَعَ فِي إِسْرَائِيلَ. ٩فَيَعْرِفُ الشَّعْبُ كُلُّهُ، أَفْرَايِمُ وَسُكَّانُ السَّامِرَةِ، الْقَائِلُونَ بِكِبْرِيَاءٍ وَبِعَظَمَةِ قَلْبٍ: ١٠«قَدْ هَبَطَ اللِّبْنُ فَنَبْنِي بِحِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ. قُطِعَ الْجُمَّيْزُ فَنَسْتَخْلِفُهُ بِأَرْزٍ». ١١فَيَرْفَعُ الرَّبُّ أَخْصَامَ رَصِينَ عَلَيْهِ وَيُهَيِّجُ أَعْدَاءَهُ: ١٢الأَرَامِيِّينَ مِنْ قُدَّامُ وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنْ وَرَاءُ، فَيَأْكُلُونَ إِسْرَائِيلَ بِكُلِّ الْفَمِ. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ!
١. أَرْسَلَ ٱلرَّبُّ قَوْلًا فِي يَعْقُوبَ فَوَقَعَ فِي إِسْرَائِيلَ: الفكرة هنا هي أن الرب جلب كلمته ضد كل شعبه (يعقوب). فسجلت هذه الكلمة “ضربة مباشرة” إلى مملكة إسرائيل الشمالية.
٢. أَفْرَايِمُ وَسُكَّانُ ٱلسَّامِرَةِ: كان أفرايم الأكبر والأوسع نفوذًا بين أسباط مملكة إسرائيل الشمالية. ولهذا يشير الرب إلى هذه المملكة باسم أفرايم. وكانت السامرة عاصمتها. ولا شك أن هذه النبوة موجهة إليها.
٣. الْقَائِلُونَ بِكِبْرِيَاءٍ وَبِعَظَمَةِ قَلْبٍ: «قَدْ هَبَطَ اللِّبْنُ فَنَبْنِي بِحِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ. قُطِعَ الْجُمَّيْزُ فَنَسْتَخْلِفُهُ بِأَرْزٍ»: لقد قال قادة مملكة إسرائيل الشمالية في كبريائهم: “نحن لا نهتم إن داننا الرب. فإن هُدم أي شيء، فسنعيد بناءه على نحو أفضل. فليس لدينا ما نخافه مما يمكن أن يجلبه الله علينا.”
• “بدلًا من أن يتواضعوا أمام وجه الله بسبب المصائب الكثيرة التي حلت بهم، ظلوا محتفظين بتفاؤل أرعن حول المستقبل. وقد أظهر هذا التفاؤل نفسه في الشعارات المتداولة على شفاه الجميع في ذلك اليوم.” بولتيما (Bultema)
• “يا لها من صورة نفسية (سيكولوجية) مختصرة لكن عميقة لجيل غير وفيّ يظل يحلم بأوقات قادمة ويتجاهل باستخفاف دينونات الله القاسية.” بولتيما (Bultema)
٤. فَيَرْفَعُ ٱلرَّبُّ أَخْصَامًا: لأنهم اعتقدوا أنهم سيكونون قادرين على الصمود في وجه عاصفة الهجوم وعلى إعادة البناء بعدها، سيرسل الله أمواجًا متلاحقة من الأعداء ضد إسرائيل (ٱلْأَرَامِيِّينَ مِنْ قُدَّامُ وَٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنْ وَرَاءُ). وسيكون الدمار تامًّا، ولن يتمّوا وعدهم المتكبر بإعادة البناء.
٥. مَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ: تُردَّد هذه اللازمة لأول مرة هنا. لم تكن الدينونة على كبرياء إسرائيل كافية. إذ كانت ما زالت خطية تحتاج إلى إدانة. ولم يكن الله مستعدًّا لإيقاف عمله في الدينونة.
• كان بمقدور كالفن (Calvin) أن يصف عصره منذ ما يقرب من ٥٠٠ سنة هكذا: “كم عدد المحن التي ابتُليت بها أوروبا منذ ثلاثين أو أربعين سنة؟ وكم عدد التأديبات التي دُعيتْ بها إلى التوبة؟ ومع ذلك، لا يبدو أن هذه التوبيخات الكثيرة كانت مجدية. وعلى نقيض ذلك، يزداد الترف كل يوم، وتشتعل الرغبات القوية غير المشروعة. ويستمر الناس في جرائمهم وتبذيرهم بلا خجل أكثر من أي وقت مضى. وباختصار، يبدو أن تلك المصائب أثارت كثيرًا من الترف والبذخ. فماذا يمكننا أن نتوقع غير أن تُضرَب بضربات أشد؟”
ب) الآيات (١٣-١٧): لأنهم يرفضون التوبة، سيطيح الله قادتهم.
١٣وَالشَّعْبُ لَمْ يَرْجعْ إِلَى ضَارِبِهِ وَلَمْ يَطْلُبْ رَبَّ الْجُنُودِ. ١٤فَيَقْطَعُ الرَّبُّ مِنْ إِسْرَائِيلَ الرَّأْسَ وَالذَّنَبَ، النَّخْلَ وَالأَسَلَ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. ١٥اَلشَّيْخُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الرَّأْسُ، وَالنَّبِيُّ الَّذِي يُعَلِّمُ بِالْكَذِبِ هُوَ الذَّنَبُ. ١٦وَصَارَ مُرْشِدُو هذَا الشَّعْبِ مُضِلِّينَ، وَمُرْشَدُوهُ مُبْتَلَعِينَ. ١٧لأَجْلِ ذلِكَ لاَ يَفْرَحُ السَّيِّدُ بِفِتْيَانِهِ، وَلاَ يَرْحَمُ يَتَامَاهُ وَأَرَامِلَهُ، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُنَافِقٌ وَفَاعِلُ شَرّ. وَكُلُّ فَمٍ مُتَكَلِّمٌ بِالْحَمَاقَةِ. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ!
١. وَٱلشَّعْبُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى ضَارِبِهِ: كان يعْقُب كل فصل من فصول الدينونة رفض من إسرائيل للرجوع إلى الرب. فكانوا مثل الحيوانات البهيمة التي تظل تقاوم أكثر عندما تُضرَب.
٢. فَيَقْطَعُ ٱلرَّبُّ مِنْ إِسْرَائِيلَ ٱلرَّأْسَ وَٱلذَّنَبَ: سيُقطع الذين يقودون إسرائيل (ٱلرَّأْسَ وَٱلذَّنَبَ، ٱلنَّخْلَ وَٱلْأَسَلَ… وَٱلنَّبِيُّ ٱلَّذِي يُعَلِّمُ بِٱلْكَذِبِ… مُرْشِدُو هَذَا ٱلشَّعْبِ). وغالبًا ما يعني هذا قتْلهم.
• “يعني تعبير ’ٱلنَّخْل وَٱلْأَسَل‘ نفس ما يعنيه تعبير ’ٱلرَّأْس وَٱلذَّنَب.‘ فالنخل ينمو إلى أعلى، وهو بالتالي يشير إلى الأشخاص المهمّين وارتفاعهم. وينمو الأسل في المستنقعات الوحلة، وهو يشير بالتالي إلى أدنى عنصر من السكان، أي الحُثالة.” بولتيما (Bultema)
٣. مَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ: تتكرر اللازمة. لم تكن الدينونة على كبرياء إسرائيل كافية. إذ كانت ما زالت خطية تحتاج إلى إدانة. ولم يكن الله مستعدًّا لإيقاف عمله في الدينونة.
ج) الآيات (١٨-٢١): بسبب انتشار الشر، سيهاجمون إخوتهم.
١٨لأَنَّ الْفُجُورَ يُحْرِقُ كَالنَّارِ، تَأْكُلُ الشَّوْكَ وَالْحَسَكَ، وَتُشْعِلُ غَابَ الْوَعْرِ فَتَلْتَفُّ عَمُودَ دُخَانٍ. ١٩بِسَخَطِ رَبِّ الْجُنُودِ تُحْرَقُ الأَرْضُ، وَيَكُونُ الشَّعْبُ كَمَأْكَل لِلنَّارِ. لاَ يُشْفِقُ الإِنْسَانُ عَلَى أَخِيهِ. ٢٠يَلْتَهِمُ عَلَى الْيَمِينِ فَيَجُوعُ، وَيَأْكُلُ عَلَى الشَّمَالِ فَلاَ يَشْبَعُ. يَأْكُلُونَ كُلُّ وَاحِدٍ لَحْمَ ذِرَاعِهِ: ٢١مَنَسَّى أَفْرَايِمَ، وَأَفْرَايِمُ مَنَسَّى، وَهُمَا مَعًا عَلَى يَهُوذَا. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ!
١. لِأَنَّ ٱلْفُجُورَ يُحْرِقُ كَٱلنَّارِ: يرى النبي شر إسرائيل كحريق هائل متأجج، سريع الانتشار، غير قابل للإيقاف أو التحكم به. وهو يلتهم كل شيء يلمسه.
٢. وَيَكُونُ ٱلشَّعْبُ كَمَأْكَلٍ (كوقود) لِلنَّارِ: يتغذى حريق دينونة الله على الشعب بمعنيين. أولًا، يمثل شرهم وقودًا لنار دينونة الله. فإذا انتُزع الشر، فلن يكون للنار وقود بعد. ثانيًا، إنهم يُحرَقون ويدمَّرون بالنار.
٣. لَا يُشْفِقُ ٱلْإِنْسَانُ عَلَى أَخِيهِ: يتحدث النبي في تفاصيل مروّعة عن المذبحة التي ينفّذها إسرائيلي في آخر. تشتعل دينونة الله، لكنه يكتفي بترك الشر والأهواء البغيضة للبشر تحرقهم. فلم يكن محتاجًا إلى بدء إشعال النار أو تقوية ألسنتها. إذ أزال ببساطة “مثبّط الحريق” الذي سبق أن كبح جماح الرغبات الشريرة القوية الممتلئة بالكراهية بين الناس.
٤. مَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ: تتكرر اللازمة مرة ثالثة . لم تكن الدينونة على كبرياء إسرائيل كافية. إذ كانت ما زالت خطية تحتاج إلى إدانة. ولم يكن الله مستعدًّا لإيقاف عمله في الدينونة.
د ) (الإصحاح ١٠: ١-٤): بسبب الظلم الاجتماعي، سيُسبون ويُقتلون.
١وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَقْضُونَ أَقْضِيَةَ الْبُطْلِ، وَلِلْكَتَبَةِ الَّذِينَ يُسَجِّلُونَ جَوْرًا ٢لِيَصُدُّوا الضُّعَفَاءَ عَنِ الْحُكْمِ، وَيَسْلُبُوا حَقَّ بَائِسِي شَعْبِي، لِتَكُونَ الأَرَامِلُ غَنِيمَتَهُمْ وَيَنْهَبُوا الأَيْتَامَ. ٣وَمَاذَا تَفْعَلُونَ فِي يَوْمِ الْعِقَابِ، حِينَ تَأْتِي التَّهْلُكَةُ مِنْ بَعِيدٍ؟ إِلَى مَنْ تَهْرُبُونَ لِلْمَعُونَةِ، وَأَيْنَ تَتْرُكُونَ مَجْدَكُمْ؟ ٤إِمَّا يَجْثُونَ بَيْنَ الأَسْرَى، وَإِمَّا يَسْقُطُونَ تَحْتَ الْقَتْلَى. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ!
١. وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَقْضُونَ أَقْضِيَةَ ٱلْبُطْلِ… لِيَصُدُّوا ٱلضُّعَفَاءَ عَنِ ٱلْحُكْمِ، وَيَسْلُبُوا حَقَّ بَائِسِي شَعْبِي… لِتَكُونَ ٱلْأَرَامِلُ غَنِيمَتَهُمْ وَيَنْهَبُوا ٱلْأَيْتَامَ: كان قادة إسرائيل ظالمين ويفترسون الضعفاء.
٢. وَمَاذَا تَفْعَلُونَ فِي يَوْمِ ٱلْعِقَابِ؟ إِلَى مَنْ تَهْرُبُونَ لِلْمَعُونَةِ؟: الفكرة هنا هي “عندما تتخلى عن الآخرين في وقت احتياجهم، فإلى من ستذهب في وقت احتياجك؟”
٣. إِمَّا (من دوني) يَجْثُونَ بَيْنَ ٱلْأَسْرَى، وَإِمَّا يَسْقُطُونَ تَحْتَ ٱلْقَتْلَى: كل ما يحتاج الله إليه لينزل دينونة شديدة على إسرائيل هو أن يسحب حمايته لها، فأعلن: “من دوني لا أمل لكم أمام أعدائكم.”
• “كما عاش الشعب حتى الآن من دون أن يعبدوا ويطيعوا الله، كذلك سيعيشون من دون عونه، وسيهلكون في تعدياتهم.” كلارك (Clarke)
٤. إِمَّا (من دوني) يَجْثُونَ: اعتاد الأشوريون لدى غزوهم شعوبًا أخرى أن لا يكتفوا بتسجيل نصر عسكري عليها. إذ كانوا يتلذذون لذة شريرة في إذلالهم وإخضاعهم. وكانوا يفعلون ما بوسعهم لتجريدهم من الإحساس بآدميتهم. قال الله: “لقد رفضتموني، ولهذا، فإنكم من دوني ستجثون في إذلال كبير أمام أعدائكم.”
• من الكلمات العبرية الشائعة المترجمة إلى “يعبد” في العهد القديم كلمة (shachah) وهي تعني الانحناء توقيرًا وتعبيرًا عن الولاء. لكن توجد كلمة عبرية أخرى تدل على الانحناء، وهي كلمة (kara) وهي تعني “يغرق” أو “يسقط” أو “يجثو” أو “يخضع.” ويمكننا القول إنه إما أن ننحني للرب في عبادة، وإما أن يقال عنا: “من دوني ستجثون في معاناة وإذلال.” فأيٌّ منهما سيكون؟
٥. مَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ: وها نحن نسمع اللازمة مرة أخرى . لم تكن الدينونة على كبرياء إسرائيل كافية. إذ كانت ما زالت خطية تحتاج إلى إدانة. ولم يكن الله مستعدًّا لإيقاف عمله في الدينونة.
• يذكّرنا تكرار هذه العبارة بأن دينونة الله مثابرة. وهي تتحرك من مرحلة إلى أخرى إلى أن تجد توبة. ومن المنطقي أن نتوب الآن لأن دينونة الله تثابر عبر الأبدية. “إن كان الموت الجسدي لا يرضي حمو غضب الإله القدوس، فأي عقاب مخيف يكمن وراء القبر؟” جروجان (Grogan)
• من المنطقي أن يأتي نص الدينونة هذا بعد الإعلان عن المسيًّا. لقد أُعلن عن مجيئه، لكن الشعب لم يكن مستعدًّا له. وستأتي الدينونة المتنبّأ بها قبل أن يستعدوا.