إشعياء ٥٤
استرداد إسرائيل، زوجة الرب
“حاول أن تمتص كل الحلاوة التي يمكنك الخروج بها من هذا الإصحاح وأنت تقرؤه. والتطبيق الشخصي على الوعد بالقلب من الروح القدس هو المطلوب. لم يُنر العسل عيني يوناثان في الغابة إلى أن لمس طرف عصاه به وذاقه. فحاول أن تفعل الشيء نفسه. فهذا الإصحاح هو الغابة التي يقطر فيها كل غصن بالعسل البكر. فارتشفه، وذقْه، واشبع.” سبيرجن (Spurgeon)
أولًا. يتحدث الرب إلى إسرائيل بصفتها زوجته
أ ) الآيات (١-٣): ستَرُد إسرائيل كامرأة عاقر تنجب أطفالًا كثيرين.
١«تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا الْعَاقِرُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ. أَشِيدِي بِالتَّرَنُّمِ أَيَّتُهَا الَّتِي لَمْ تَمْخَضْ، لأَنَّ بَنِي الْمُسْتَوْحِشَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي ذَاتِ الْبَعْلِ، قَالَ الرَّبُّ. ٢أَوْسِعِي مَكَانَ خَيْمَتِكِ، وَلْتُبْسَطْ شُقَقُ مَسَاكِنِكِ. لاَ تُمْسِكِي. أَطِيلِي أَطْنَابَكِ وَشَدِّدِي أَوْتَادَكِ، ٣لأَنَّكِ تَمْتَدِّينَ إِلَى الْيَمِينِ وَإِلَى الْيَسَارِ، وَيَرِثُ نَسْلُكِ أُمَمًا، وَيُعْمِرُ مُدُنًا خَرِبَةً.
١. تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا ٱلْعَاقِرُ ٱلَّتِي لَمْ تَلِدْ: كانت المرأة العاقر في إسرائيل القديمة ترزح تحت عبء هائل من الخزي والعار. وهنا، يشبّه الرب إسرائيل المسبية بامرأة عاقر يمكنها أن تترنم الآن، لِأَنَّ بَنِي ٱلْمُسْتَوْحِشَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي ذَاتِ ٱلْبَعْلِ.
• عنى السبي والأسر في بابل أكثر من مجرد الاضطهاد أو القمع لإسرائيل. فقد عنى أيضًا الخزي والعار والذل. ويَعِد الرب بتحرير مجيد، لا من السبي والأسر فحسب، بل من الخزي والعار والذل أيضًا.
• يقتبس بولس هذا النص في غلاطية ٤: ٢٧ في إشارة إلى “الولادة” المعجزية لمن هم تحت نظام العهد الجديد. ويرجح أيضًا أن بولس قصد أن أبناء العهد الجديد سيفوقون أبناء العهد القديم عددًا.
٢. أَوْسِعِي مَكَانَ خَيْمَتِكِ: ستُكسَر لعنة الخزي والعار تمامًا، وستكون إسرائيل مثمرة جدًّا بحيث يتعيّن عليها أن توسع نطاق معيشتها. وسيكون هذا مصدر تعزية خاصة للعائدين من سبي بابل، والذين أحسوا بالضعف وبالصِّغَر من حيث العدد. ومن شأن هذا الوعد أن يقوّيهم.
ب) الآيات (٤-٦): ستُرَد إسرائيل كأرملة تُنقَذ من التعيير.
٤لاَ تَخَافِي لأَنَّكِ لاَ تَخْزَيْنَ، وَلاَ تَخْجَلِي لأَنَّكِ لاَ تَسْتَحِينَ. فَإِنَّكِ تَنْسَيْنَ خِزْيَ صَبَاكِ، وَعَارُ تَرَمُّلِكِ لاَ تَذْكُرِينَهُ بَعْدُ. ٥لأَنَّ بَعْلَكِ هُوَ صَانِعُكِ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ، وَوَلِيُّكِ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ، إِلهَ كُلِّ الأَرْضِ يُدْعَى. ٦لأَنَّهُ كَامْرَأَةٍ مَهْجُورَةٍ وَمَحْزُونَةِ الرُّوحِ دَعَاكِ الرَّبُّ، وَكَزَوْجَةِ الصِّبَا إِذَا رُذِلَتْ، قَالَ إِلهُكِ.
١. وَعَارُ تَرَمُّلِكِ لَا تَذْكُرِينَهُ بَعْدُ: كما شبّه الله عار إسرائيل بخزي العقم، فإنه يشبّه ذلهم بتعيير الترمُّل. وهو هنا يَعِد بإنقاذها من هذا الخزي.
• “يمثل ’الخزي‘ و’العار‘ و’الذل‘ كلمات مترادفة في العبرية. وهي تشترك في الفكرة الأساسية لخيبة الأمل، وإحراج التوقع – حتى الإعلان علنًا – عن شيء، ثمّ جنْي شيء آخر.” موتير (Motyer)
٢. لِأَنَّ بَعْلَكِ هُوَ صَانِعُكِ: ربما يُنظر إلى إسرائيل على أنها متروكة كأرملة، لكن الرب يَعِد بأن يكون لها بمثابة الزوج.
• على مر القرون، أخذت نساء كثيرات متألمات هذا الوعد على أنفسهن. فعندما هجرهن أزواجهن، وجدن تعزية في وعد الله بأنه سيكون بمثابة زوج لهن بينما تركهن الآخرون. والمبدأ صحيح. إذ سيوفر الله احتياجاتنا العاطفية وينقذنا من الخزي والعار عندما يهجرنا الآخرون.
٣. رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ: أراد الله أن يعزي ويقوّي شعبه، فذكّرهم بمدى مجده كمخلص. إنه صانعهم، وهو رب الجنود، ووليّهم (فاديهم)، وهو قدوس إسرائيل. وهو يُدعى إله الأرض كلها. ولا يقدّم الله بعلًا (زوجًا) فحسب، بل بعلًا عظيمًا – نفسه!
• لا يتركنا الوعد بأن الرب سيلبي احتياجاتنا عندما يتخلى عنا الآخرون في مكان “ثاني أفضل خيار.” فالرب الإله يمكن أن يكون زوجًا أعظم من أي رجل آخر. وهذ أمر يتوجب أن تتذكره كل امرأة غير متزوجة، وهو أمر لا ينبغي لأية امرأة متزوجة أن تنساه. فلا يستطيع الزوج الأرضي أن يلبي كل احتياج يستطيع أن يلبيه الزوج السماوي.
ج) الآيات (٧-٨): الله يشرح استرداده لإسرائيل.
٧لُحَيْظَةً تَرَكْتُكِ، وَبِمَرَاحِمَ عَظِيمَةٍ سَأَجْمَعُكِ. ٨بِفَيَضَانِ الْغَضَبِ حَجَبْتُ وَجْهِي عَنْكِ لَحْظَةً، وَبِإِحْسَانٍ أَبَدِيٍّ أَرْحَمُكِ، قَالَ وَلِيُّكِ الرَّبُّ.
١. لُحَيْظَةً تَرَكْتُكِ: لم يترك الله إسرائيل حقًّا، لكنها أحست بأنها قد تُخُلِّيَ عنها. فقال الله: “للحظة فقط سمحت لك بأن تشعري بأني تركتك.”
٢. وَبِمَرَاحِمَ عَظِيمَةٍ سَأَجْمَعُكِ: تأتي فكرة الترك في صيغة المضارع، لكن المراحم العظيمة تأتي في صيغة المستقبل. لكنها حقيقية، وهي تعطي إسرائيل سببًا لتثبّت رجاءها واتكالها على الله رغم شعورها الحالي بالهجر.
٣. حَجَبْتُ وَجْهِي عَنْكِ لَحْظَةً، وَبِإِحْسَانٍ أَبَدِيٍّ أَرْحَمُكِ: المقابلة هنا هي بين لحظة الشعور بالترك والطبيعة الأبدية لمراحم الله التي ستأتي. فعندما نشعر بأننا متعبون ومتروكون، ينبغي أن ندرك أن هذا للحظة، وأن البركة الأبدية ستأتي لا مَحالة.
ثانيًا. تعزية وطمأنة لإسرائيل المسترَدّة
أ ) الآيات (٩-١٠): وعد من الرب ألّا يهجر إسرائيل أبدًا.
٩لأَنَّهُ كَمِيَاهِ نُوحٍ هذِهِ لِي. كَمَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ تَعْبُرَ بَعْدُ مِيَاهُ نُوحٍ عَلَى الأَرْضِ، هكَذَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ أَغْضَبَ عَلَيْكِ وَلاَ أَزْجُرَكِ. ١٠فَإِنَّ الْجِبَالَ تَزُولُ، وَالآكَامَ تَتَزَعْزَعُ، أَمَّا إِحْسَانِي فَلاَ يَزُولُ عَنْكِ، وَعَهْدُ سَلاَمِي لاَ يَتَزَعْزَعُ، قَالَ رَاحِمُكِ الرَّبُّ.
١. كَمِيَاهِ نُوحٍ هَذِهِ لِي: كما أن الله وعد بأن مياه طوفان نوح لن تغرق الأرض ثانية، كذلك يَعِد بأن غضبه على إسرائيل سينحسر.
٢. فَإِنَّ ٱلْجِبَالَ تَزُولُ، وَٱلْآكَامَ تَتَزَعْزَعُ، أَمَّا إِحْسَانِي فَلَا يَزُولُ عَنْكِ: تنحسر مياه الطوفان، لكن الجبال لا تزول. لكن لو زالت الجبال، وتزعزعت الآكام، فإن إحسان الرب لن يزول. فإحسانه أكثر يقينًا من الجبال والتلال، ووعد سلامه أكثر تأكيدًا.
ب) الآيات (١١-١٧): وعود بالازدهار والسلام والحماية.
١١«أَيَّتُهَا الذَّلِيلَةُ الْمُضْطَرِبَةُ غَيْرُ الْمُتَعَزِّيَةِ، هأَنَذَا أَبْنِي بِالأُثْمُدِ حِجَارَتَكِ، وَبِالْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ أُؤَسِّسُكِ، ١٢وَأَجْعَلُ شُرَفَكِ يَاقُوتًا، وَأَبْوَابَكِ حِجَارَةً بَهْرَمَانِيَّةً، وَكُلَّ تُخُومِكِ حِجَارَةً كَرِيمَةً ١٣وَكُلَّ بَنِيكِ تَلاَمِيذَ الرَّبِّ، وَسَلاَمَ بَنِيكِ كَثِيرًا. ١٤بِالْبِرِّ تُثَبَّتِينَ بَعِيدَةً عَنِ الظُّلْمِ فَلاَ تَخَافِينَ، وَعَنِ الارْتِعَابِ فَلاَ يَدْنُو مِنْكِ. ١٥هَا إِنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ اجْتِمَاعًا لَيْسَ مِنْ عِنْدِي. مَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْكِ فَإِلَيْكِ يَسْقُطُ. ١٦هأَنَذَا قَدْ خَلَقْتُ الْحَدَّادَ الَّذِي يَنْفُخُ الْفَحْمَ فِي النَّارِ وَيُخْرِجُ آلَةً لِعَمَلِهِ، وَأَنَا خَلَقْتُ الْمُهْلِكَ لِيَخْرِبَ. ١٧«كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدَّكِ لاَ تَنْجَحُ، وَكُلُّ لِسَانٍ يَقُومُ عَلَيْكِ فِي الْقَضَاءِ تَحْكُمِينَ عَلَيْهِ. هذَا هُوَ مِيرَاثُ عَبِيدِ الرَّبِّ وَبِرُّهُمْ مِنْ عِنْدِي، يَقُولُ الرَّبُّ.
١. أَيَّتُهَا ٱلذَّلِيلَةُ (المنكوبة) ٱلْمُضْطَرِبَةُ غَيْرُ ٱلْمُتَعَزِّيَةِ: يهتم الله بالمنكوب، وهو يهتم بمن تتقاذفه العواصف، وهو يهتم بمن لا عزاء له. وعندما يكون شخص في هذه النقطة، فمن السهل عليه أن يصدق أن الله لا يهتم. لكن الرب يهتم بالفعل، وهو يعطي وعودًا ثمينة ليمنح القوة.
٢. هَأَنَذَا أَبْنِي بِٱلْأُثْمُدِ حِجَارَتَكِ، وَبِٱلْيَاقُوتِ ٱلْأَزْرَقِ أُؤَسِّسُكِ، وَأَجْعَلُ شُرَفَكِ يَاقُوتًا: سيُغدق الله غِنىً على المتألمين والمنكوبين. وعندما يشعر شخص بأنه منكوب، ومضطرب، ولا عزاء له، فإنه يحس بالبؤس والفقر مهما كان رصيده في البنك. ويَعِد الله بأن يجعل المنكوبين أغنياء حقًا.
٣. وَكُلَّ بَنِيكِ تَلَامِيذَ ٱلرَّبِّ، وَسَلَامَ بَنِيكِ كَثِيرًا: عندما نكون منكوبين، ومضطربين، وبلا عزاء، نحس بالضيق لا من أجل أنفسنا فحسب، بل من أجل أبنائنا أيضًا. ويعطي الله تأكيدًا ثمينًا ليس لنا فقط، بل يهدئ مخاوفنا تجاه أبنائنا أيضًا.
٤. بِٱلْبِرِّ تُثَبَّتِينَ… فَلَا تَخَافِينَ… مَنِ ٱجْتَمَعَ عَلَيْكِ فَإِلَيْكِ يَسْقُطُ: يَعِد الله المنكوبين، والمضطربين، والذين بلا عزاء بأنهم سيجدون حماية وأمانًا فيه.
٥. كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدَّكِ لَا تَنْجَحُ: يمتلك الإله المتسيّد – الذي خلق الحداد، والذي خلق المُخرب ليخرب – القوة على الحماية أيضًا. ويستطيع أن يعد أيضًا: كُلُّ آلَةٍ (سلاح) صُوِّرَتْ ضِدَّكِ لَا تَنْجَحُ. ومهما كان السلاح الذي يُرفع ضد شعب الله، فإنه مقدَّر له أن يدمَّر. وسيحمي الله شعبه في النهاية من الانتقاد أيضًا. وبالفعل، “كُلُّ لِسَانٍ يَقُومُ عَلَيْكِ فِي ٱلْقَضَاءِ تَحْكُمِينَ عَلَيْهِ.”
• لن يسمح الله لأي سلاح ضد خدامه بأن ينجح. ويعني هذا أحيانًا أن الرب ينتزع السلام من يد عدو خدامه. ويعني أحيانًا أن الرب يسمح للسلاح بأن يضرِب، لكنه يُخرج منه خيرًا أكبر من الألم الناتج عن الضربة الفورية. وفي سماحه هذا، لا يسمح للسلاح بأن ينجح، بل يحوّل السيف إلى مجرفة لبناء ملكوته.
• يمكن أن يؤذيك اللسان الذي يقوم عليك. “سيعمل إبليس المستحيل ليهاجم كنيسة الله. فهو لا يستخدم اليد فحسب، لكنه في الغالب يستخدم سلاحًا أكثر حدة، وهو اللسان. يمكننا أن نحتمل لكمة أحيانًا، لكننا لا نستطيع أن نحتمل إهانة. وفي اللسان قوة عظيمة. يمكننا أن ننهض من لكمة طرحتنا أرضًا، لكننا لا نتعافى بسهولة من افتراء يشوّه معدن المرء الأخلاقي.” سبيرجن (Spurgeon). غير أنه يمكننا أن نتكل على انتصار الرب. “كلما زاد عدد المتهِمين، زادت أحكام البراءة. وكلما كثر الافتراء، زاد الشرف. فليفترِ علينا العدو كما يشاء.” – سبيرجن
• ليس هذا وعدًا مطلقًا (مثل شيك على بياض) لمرتادي الكنائس. فالرب يقول على نحو محدد إن هَذَا هُوَ مِيرَاثُ عَبِيدِ (خدام) ٱلرَّبِّ. فهل أنت خادم للرب؟ عندئذٍ يمكنك أن تطمئن إلى حمايته الموعودة. ويقول الرب أيضًا إنه وعد لأولئك الذين “بِرُّهُمْ مِنْ عِنْدِي،” أي من الرب نفسه، لا من أنفسهم. وعندما يفهم المؤمنون أن برهم هو من الرب، يكونون أكثر ارتياحًا لترك الله يحمي برهم.