سفر ملوك الثاني – الإصحاح ٨
ملوك جُدد في آرام ويهوذا
أولًا. استرداد أرض الشونمية
أ ) الآيات (١-٣): المرأة الشونمية تعود إلى إسرائيل بعد سبع سنوات.
١وَكَلَّمَ أَلِيشَعُ الْمَرْأَةَ الَّتِي أَحْيَا ابْنَهَا قَائِلاً: «قُومِي وَانْطَلِقِي أَنْتِ وَبَيْتُكِ وَتَغَرَّبِي حَيْثُمَا تَتَغَرَّبِي، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَعَا بِجُوعٍ فَيَأْتِي أَيْضًا عَلَى الأَرْضِ سَبْعَ سِنِينٍ». ٢فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ وَفَعَلَتْ حَسَبَ كَلاَمِ رَجُلِ اللهِ، وَانْطَلَقَتْ هِيَ وَبَيْتُهَا وَتَغَرَّبَتْ فِي أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ سَبْعَ سِنِينٍ. ٣وَفِي نِهَايَةِ السِّنِينِ السَّبْعِ رَجَعَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَخَرَجَتْ لِتَصْرُخَ إِلَى الْمَلِكِ لأَجْلِ بَيْتِهَا وَحَقْلِهَا.
١. وَكَلَّمَ أَلِيشَعُ ٱلْمَرْأَةَ ٱلَّتِي أَحْيَا ٱبْنَهَا: يصف ٢ ملوك ٤ معاملات أليشع السابقة مع هذه المرأة. وكانت هي وزوجها شخصين تقيّين كريمين قاما بمساعدة النبي. ومن خلال صلاة النبي، باركهما الله فرزقهما بابن أعاده الله إلى الحياة بطريقة معجزية.
٢. وَٱنْطَلَقَتْ هِيَ وَبَيْتُهَا وَتَغَرَّبَتْ فِي أَرْضِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ سَبْعَ سِنِينٍ: بناء على نصيحة النبي، تركت المرأة وعائلتها إسرائيل بسبب المجاعة القادمة. وفي أرض الفلسطيين نجت العائلة من ذروة المجاعة.
٣. وَخَرَجَتْ لِتَصْرُخَ إِلَى ٱلْمَلِكِ لِأَجْلِ بَيْتِهَا وَحَقْلِهَا: حُرمت المرأة، عندما تركت إسرائيل وذهبت إلى أرض الفلسطيين، من حقها في أرض أجدادها. فوجهت هذا الالتماس لئلا تكون خاسرة بسبب استماعها لنصيحة نبي الله لإنقاذ عائلتها من المجاعة.
ب) الآيات (٤-٦): ردُّ الأرض لها
٤وَكَلَّمَ الْمَلِكُ جِيحْزِيَ غُلاَمَ رَجُلِ اللهِ قَائِلاً: «قُصَّ عَلَيَّ جَمِيعَ الْعَظَائِمِ الَّتِي فَعَلَهَا أَلِيشَعُ». ٥وَفِيمَا هُوَ يَقُصُّ عَلَى الْمَلِكِ كَيْفَ أَنَّهُ أَحْيَا الْمَيْتَ، إِذَا بِالْمَرْأَةِ الَّتِي أَحْيَا ابْنَهَا تَصْرُخُ إِلَى الْمَلِكِ لأَجْلِ بَيْتِهَا وَحَقْلِهَا. فَقَالَ جِيحْزِي: «يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، هذِهِ هِيَ الْمَرْأَةُ وَهذَا هُوَ ابْنُهَا الَّذِي أَحْيَاهُ أَلِيشَعُ». ٦فَسَأَلَ الْمَلِكُ الْمَرْأَةَ فَقَصَّتْ عَلَيْهِ ذلِكَ، فَأَعْطَاهَا الْمَلِكُ خَصِيًّا قَائِلاً: «أَرْجعْ كُلَّ مَا لَهَا وَجَمِيعَ غَلاَّتِ الْحَقْلِ مِنْ حِينِ تَرَكَتِ الأَرْضَ إِلَى الآنَ».
١. وَكَلَّمَ ٱلْمَلِكُ جِيحْزِيَ: كان هذا خادم أليشع نفسه الذي لُعن بالبرص في ٢ ملوك ٥: ٢٠-٢٧. ويبدو غريبًا أن يكون شخص مصاب ببرص شديد مستشارًا للملك. ولهذا، يبدو أنه حصل على شفاء من البرص، أو أن هذا حدث قبل أحداث ٢ ملوك ٥.
• وبطبيعة الحال، كان ممكنًا أن يُجري الملك هذه المحادثة مع جيحزي عندما كان أبرص تاركًا مسافة آمنة بينهما. “يعتقد بعضهم أن هذه المحادثة جرت بعد إصابة جيحزي بالبرص. فقد تملَّك الملك فضول شديد لمعرفة التاريخ الخاص لرجل فعل هذه الأشياء المذهلة. فمِمّن يمكنه الحصول على هذه المعلومات إلا من خادم النبي المؤتمن؟” كلارك (Clarke)
٢. قُصَّ عَلَيَّ جَمِيعَ ٱلْعَظَائِمِ ٱلَّتِي فَعَلَهَا أَلِيشَعُ: ربما لم يكن دافعه سوى الفضول الشديد، غير أن هذه كانت شهادة مهمة لملك إسرائيل. فقد عرف أن الله كان مع أعمال أليشع التي كانت دليلًا على أن الرب كان مع كلمة النبي.
٣. وَفِيمَا هُوَ يَقُصُّ عَلَى ٱلْمَلِكِ: جاءت المرأة لتقدم التماسها في نفس الوقت الذي كان جيحزي يخبر الملك عن المعجزات المرتبطة بحياتها. فكان هذا توقيتًا رائعًا رتّبه الرب.
٤. أَرْجِعْ كُلَّ مَا لَهَا وَجَمِيعَ غَلَاّتِ ٱلْحَقْلِ مِنْ حِينِ تَرَكَتِ ٱلْأَرْضَ إِلَى ٱلْآنَ: فهِم الملك أنه إذا كان الله يدعم هذه المرأة بهذه الصورة الواضحة، فإن من المنطقي للملك أن يدعمها هو نفسه باستجابة طِلبتها. وفي نهاية الأمر، لم تخسر المرأة بطاعتها لله.
• “كان عمل الملك هذا في تناقض صارخ مع الاستيلاء سيئ السمعة على الأرض الذي قام به أخآب، أبو يهورام.” ديلداي (Dilday)
ثانيًا. ملك جديد في آرام
أ ) الآيات (٧-٩): استجواب أليشع من قبل بنهدد.
٧وَجَاءَ أَلِيشَعُ إِلَى دِمَشْقَ. وَكَانَ بَنْهَدَدُ مَلِكُ أَرَامَ مَرِيضًا، فَأُخْبِرَ وَقِيلَ لَهُ: «قَدْ جَاءَ رَجُلُ اللهِ إِلَى هُنَا». ٨فَقَالَ الْمَلِكُ لِحَزَائِيلَ: «خُذْ بِيَدِكَ هَدِيَّةً وَاذْهَبْ لاسْتِقْبَالِ رَجُلِ اللهِ، وَاسْأَلِ الرَّبَّ بِهِ قَائِلاً: هَلْ أَشْفَى مِنْ مَرَضِي هذَا؟». ٩فَذَهَبَ حَزَائِيلُ لاسْتِقْبَالِهِ وَأَخَذَ هَدِيَّةً بِيَدِهِ، وَمِنْ كُلِّ خَيْرَاتِ دِمَشْقَ حِمْلَ أَرْبَعِينَ جَمَلاً، وَجَاءَ وَوَقَفَ أَمَامَهُ وَقَالَ: «إِنَّ ابْنَكَ بَنْهَدَدَ مَلِكَ أَرَامَ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ قَائِلاً: هَلْ أُشْفَى مِنْ مَرَضِي هذَا؟»
١. قَدْ جَاءَ رَجُلُ ٱللهِ إِلَى هُنَا: حاول قادة آرام ذات يوم أن يأسروا أليشع أو يقتلوه. وبما أن الله أنقذ النبي بشكل معجزي مرات كثيرة، صار الآن محترمًا ومرحبًّا به في بلاط الملك الآرامي. وصار موضع ترحيب خاص بسبب مرض الملك.
٢. خُذْ بِيَدِكَ هَدِيَّةً: أراد الملك أن يعرف حصيلة مرضه الحالي، فسأل النبي، باذلًا كل جهد – مع هدية مُسرِفة – ليحصل على رسالة مواتية له.
• “لا يذكر النص إن كان النبي قد قبِل الهدية أم رفضها. ومن المرجح جدًا أنه لم يقبلها بناءً على ممارسته السابقة في الإصحاح الخامس، لأن الأسباب التي دفعته إلى ذلك هي من نفس القوة.” بوله (Poole)
ب) الآيات (١٠-١٣): إعلان أليشع المُلغِز
١٠فَقَالَ لَهُ أَلِيشَعُ: «اذْهَبْ وَقُلْ لَهُ: شِفَاءً تُشْفَى. وَقَدْ أَرَانِي الرَّبُّ أَنَّهُ يَمُوتُ مَوْتًا». ١١فَجَعَلَ نَظَرَهُ عَلَيْهِ وَثَبَّتَهُ حَتَّى خَجِلَ، فَبَكَى رَجُلُ اللهِ. ١٢فَقَالَ حَزَائِيلُ: «لِمَاذَا يَبْكِي سَيِّدِي؟» فَقَالَ: «لأَنِّي عَلِمْتُ مَا سَتَفْعَلُهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّكَ تُطْلِقُ النَّارَ فِي حُصُونِهِمْ، وَتَقْتُلُ شُبَّانَهُمْ بِالسَّيْفِ، وَتُحَطِّمُ أَطْفَالَهُمْ، وَتَشُقُّ حَوَامِلَهُمْ». ١٣فَقَالَ حَزَائِيلُ: «وَمَنْ هُوَ عَبْدُكَ الْكَلْبُ حَتَّى يَفْعَلَ هذَا الأَمْرَ الْعَظِيمَ؟» فَقَالَ أَلِيشَعُ: «قَدْ أَرَانِي الرَّبُّ إِيَّاكَ مَلِكًا عَلَى أَرَامَ».
١. «اذْهَبْ وَقُلْ لَهُ: شِفَاءً تُشْفَى. وَقَدْ أَرَانِي الرَّبُّ أَنَّهُ يَمُوتُ مَوْتًا»: أعطى الله أليشع بصيرة في ما هو أكثر من مجرد مسألة صحة ملك آرام. فقد رأى أيضًا المكائد السياسية الحتمية التي ستتكشف في نهاية الأمر، حسب قضاء الله.
• قال أليشع بحق إن الملك سيتعافى بالفعل من مرضه (شِفَاءً تُشْفَى). غير أنه رأى أيضًا أن نفس المسؤول الذي كان يتحدث معه في تلك اللحظة سيهندس عملية اغتيال الملك ويغتصب العرش.
• هكذا كانت تصريحات أليشع صحيحة. لقد تعافى الملك بالفعل من مرضه، ومن المؤكد أنه سيموت قريبًا (يَمُوتُ مَوْتًا)، لكن ليس من مرضه.
٢. فَجَعَلَ نَظَرَهُ عَلَيْهِ وَثَبَّتَهُ… لِأَنِّي عَلِمْتُ مَا سَتَفْعَلُهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلشَّرِّ: كانت هذه مواجهة درامية بين هذا النبي والمسؤول الكبير لدى ملك آرام. لقد حدّق أليشع فيه هكذا، لأنه كانت لديه معرفة نبوية بالأحداث المستقبلة، حيث عرف كيف أن هذا الرجل سيسبّب ضيقًا لإسرائيل في المستقبل.
• حدّق النبي طويلًا في عيني حزائيل. ويبدو أنه رأى في روح ذلك الرجل أكثر بكثير مما رآه أي شخص آخر، بل ربما أكثر مما كان يدركه ذلك الرجل نفسه.” مورجان (Morgan)
٣. فَبَكَى رَجُلُ ٱللهِ: أخبر الله أليشع عن الوضع القادم أكثر مما أراد أن يعرفه النبي. فقد أظهر للنبي أن رسول الملك (حزائيل) سينتزع العرش من ملك آرام الحالي، وبعد ذلك سيفعل ٱلشَّرِّ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ.
• كانت دعوة أليشع وموهبته النبوية أحيانًا عبئًا عليه أكثر منها بركة. إذ كان بإمكانه أن يرى بوضوح ما سيحدث لإسرائيل على يد حزائيل، لكنه كان عاجزًا عن منع ذلك.
• “كلما اقتربنا من الله، زدنا استحقاقًا لأن نُعْرَف كرجال (ونساء) الله، وزادت دموعنا انهمارًا على قتلى شعبنا.” ماير (Meyer)
• “كانت دموعه في حد ذاتها علامة على فهم ضرورة دينونات الله التي ستحل بالأُمّة المذنبة، لكنها كانت حصيلة لمحبته العظيمة لشعبه.” مورجان (Morgan)
٤. وَمَنْ هُوَ عَبْدُكَ ٱلْكَلْبُ حَتَّى يَفْعَلَ هَذَا ٱلْأَمْرَ ٱلْعَظِيمَ؟: ربما كان حزائيل قد خطّط لهذا الاغتيال، وقام ببساطة بالتظاهر بعدم عِلمه بهذا الأمر عندما أعلن أليشع ذلك. وربما لم يخطط لذلك بعد، لكنه لم يكن يعرف القدرات الشريرة الكامنة في قلبه.
• وفي كلتا الحالتين، كانت إساءته غير ملائمة. إذ كان عليه أن يتخذ من هذا التحذير فرصة لمواجهة نفسه ولفعل الصواب، بدلًا من أن يقلب الاتهام مرة أخرى نحو أليشع.
• “إنّ جهلنا بفساد قلوبنا حقيقة مروعة. إذ لم يعتقد حزائيل أنه كان سيئًا بما يكفي لفعل الأشياء المتنبّأ بها هنا… وأنا أناشدكم، أيها المؤمنون، رجالًا ونساءً، إذا أخبركم أحدهم أنكم ستحبّون مخلّصكم قليلًا إلى هذه الدرجة كما تفعلون، إذا أخبركم نبي عند تجديدكم أنكم ستخدمونه بشكل أضعف كما تفعلون، فهل كنتم ستصدّقونه؟” سبيرجن (Spurgeon)
٥. قَدْ أَرَانِي ٱلرَّبُّ إِيَّاكَ مَلِكًا عَلَى أَرَامَ: ربما يُطرح سؤال إن كان على أليشع أن يخبر حزائيل بذلك. ربما أطلق أليشع نبوّة ذاتية التحقيق، فألهمتْ حزائيل اغتيال ملك آرام.
• ومع ذلك، هنالك أسباب للاعتقاد أن أليشع فعل الصواب عندما قال هذا لحزائيل.
لم يخبر أليشع حزائيل كيف سيموت الملك. فلم يكشف له أنه سيتم ذلك عن طريق الاغتيال.
لم يخبر أليشع حزائيل كيف سيصبح ملكًا على آرام. لكنه لم يطلب منه أن يغتال الملك.
قاوم أليشع اهتماماته الوجدانية والوطنية في إخبار حزائيل بهذا، ما زاد من احتمال أنه فعل ذلك بناءً على طلب الله.
ربما أمِلَ أليشع أن تلمس هذه النبوة المذهلة قلب حزائيل فتبعده عن الشر الذي سيرتكبه ضد إسرائيل.
• كما تكشفت الأمور، عرف الله تصرفات حزائيل مسبقًا، لكنه لم يجبره على فعلها. “كان متنبَّأ بشكل واضح أن حزائيل سيكون ملك آرام. وعرف النبي هذه الحقيقة جيدًا، ولمّح إلى الوسيلة بوضوح. وإلاّ فلماذا ينظر في وجه حزائيل ويبكي؟ لقد عرف الله مسبقًا الشر الذي سيرتكبه حزائيل للوصول إلى العرش. ومع ذلك، فإن تلك المعرفة المسبقة لم تتدخل في دوره الحر كأداة.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (١٤-١٥): اغتيال ملك آرام
١٤فَانْطَلَقَ مِنْ عِنْدِ أَلِيشَعَ وَدَخَلَ إِلَى سَيِّدِهِ فَقَالَ لَهُ: «مَاذَا قَالَ لَكَ أَلِيشَعُ؟» فَقَالَ: «قَالَ لِي إِنَّكَ تَحْيَا». ١٥وَفِي الْغَدِ أَخَذَ اللِّبْدَةَ وَغَمَسَهَا بِالْمَاءِ، وَنَشَرَهَا عَلَى وَجْهِهِ وَمَاتَ، وَمَلَكَ حَزَائِيلُ عِوَضًا عَنْهُ.
١. قَالَ لِي إِنَّكَ تَحْيَا: لقد شُفي الملك، أو أنه كان من الممكن أن يشفى لو لم يرتكب حزائيل جريمة الاغتيال هذه.
• “إنه يمثّل جواب النبي على نصفين، حيث كانت لديه فرصة أفضل لتنفيذ مخططه المتسم بالخيانة وهو متمتع بأمان سيده.” بوله (Poole)
٢. وَمَاتَ: استمد حزائيل استدلالًا شريرًا من نبوة أليشع، فاستولى على العرش، بينما كان عليه أن يأخذ إعلان النبي كتحذير لفحص قلبه. وبدلًا من ذلك، فعل ذلك الشر. فكان مسؤولًا بالكامل عن أفعاله.
• “لا يلغي قضاء الله المسبق إرادة الإنسان، أو تخفيف مسؤولية الخاطئ. وإنه لأمر صحيح في مسألة الخلاص، عندما يأتي الله ليخلّص، فإن نعمته الحرة تسود على دورنا الحر كأداة، وتقود الإرادة في أسر مجيد إلى طاعة الله. لكن في ارتكاب الخطية، فإن الإنسان حر – حر بالمعنى الواسع للكلمة، من دون أن يجبَر على فعل أي شيء شرير، بل يُترك ليتّبع رغبات قلبه الفاسد المضطربة، وينفّذ ميوله السائدة في طبيعته الفاسدة.” سبيرجن (Spurgeon)
• “يقول نقش أشوري يدعى ’نقش برلين‘: “استولى حزائيل، الذي لم يكن ابن أحد، على العرش.‘ ويشير هذا النقش على أنه مغتصب للعرش من دون أن يكون من سلالة حاكمة.” ديلداي (Dilday)
ثالثًا. ملكان جديدان على يهوذا
أ ) الآيات (١٦-٢٤): حكم يهورام على يهوذا
١٦وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِيُورَامَ بْنِ أَخْآبَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوشَافَاطَ مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ يَهُورَامُ بْنُ يَهُوشَافَاطَ مَلِكِ يَهُوذَا. ١٧كَانَ ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ ثَمَانِي سِنِين فِي أُورُشَلِيمَ. ١٨وَسَارَ فِي طَرِيقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ كَمَا فَعَلَ بَيْتُ أَخْآبَ، لأَنَّ بِنْتَ أَخْآبَ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةً، وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. ١٩وَلَمْ يَشَإِ الرَّبُّ أَنْ يُبِيدَ يَهُوذَا مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِهِ، كَمَا قَالَ إِنَّهُ يُعْطِيهِ سِرَاجًا وَلِبَنِيهِ كُلَّ الأَيَّامِ. ٢٠فِي أَيَّامِهِ عَصَى أَدُومُ مِنْ تَحْتِ يَدِ يَهُوذَا وَمَلَّكُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مَلِكًا. ٢١وَعَبَرَ يُورَامُ إِلَى صَعِيرَ وَجَمِيعُ الْمَرْكَبَاتِ مَعَهُ، وَقَامَ لَيْلاً وَضَرَبَ أَدُومَ الْمُحِيطَ بِهِ وَرُؤَسَاءَ الْمَرْكَبَاتِ. وَهَرَبَ الشَّعْبُ إِلَى خِيَامِهِمْ. ٢٢وَعَصَى أَدُومُ مِنْ تَحْتِ يَدِ يَهُوذَا إِلَى هذَا الْيَوْمِ. حِينَئِذٍ عَصَتْ لِبْنَةُ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ. ٢٣وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يُورَامَ وَكُلُّ مَا صَنَعَ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا؟ ٢٤وَاضْطَجَعَ يُورَامُ مَعَ آبَائِهِ، وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَمَلَكَ أَخَزْيَا ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.
١. مَلَكَ يَهُورَامُ بْنُ يَهُوشَافَاطَ مَلِكِ يَهُوذَا: توقفت قصة ملوك يهوذا لفترة في ١ ملوك ٢٢: ٥٠، حيث أنهى يهوشافاط بن آسا حكمه الذي دام ٢٥ عامًا، وتولّى ابنه يهورام العرش. ونحن الآن نستأنف قصة يهورام ثانية.
• لا ينبغي الخلط بين يهورام ملك يهوذا مع يهورام ملك إسرائيل في ٢ ملوك ٣. إذ يدعى يهورام هذا يُورَامُ في هذا النص وما يليه.
٢. وَسَارَ فِي طَرِيقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ: ليست هذه مجاملة. فبينما كانت مملكة يهوذا الجنوبية مزيجًا من الملوك الصالحين والأشرار، لم يكن لدى مملكة إسرائيل الشمالية إلا ملوك أشرار رافضون لله.
• يضيف كاتب أخبار الأيام أن يهورام جعل كل يهوذا تخطئ حسب ديانة الكنعانيين (٢ أخبار ٢١: ١١).
٣. لِأَنَّ بِنْتَ أَخْآبَ كَانَتْ لَهُ ٱمْرَأَةً: لم يكن إثم يهورام أمرًا مفاجئًا في ضوء سماحه لنفسه بالتأثر ببيت أخآب. ربما كانت هذه المصاهرة منطقية من ناحية سياسية أو اجتماعية، لكنها كانت كارثة روحية ليهوذا.
• رتّب أبوه أن يتزوج يهورام من ابنة أخآب، عثليا. ولكي يدعم عرشه، قتل إخوته الكثيرين مع قادة آخرين (٢ أخبار ٢١: -٦). “ويتوسع يوسيفوس في هذا الأمر مشيرًا إلى أنه ارتكب هذه الجرائم بأمر من عثليا.” ديلداي (Dilday)
• ربما اعتقد بعضهم أن من شأن المصاهرة بين العائلتين المالكتين في يهوذا الجنوبية وإسرائيل الشمالية أن ترفع إسرائيل روحيًّا. فلم تَسِر الأمور هكذا. وبدلًا من ذلك، انحطت يهوذا روحيًّا.
• كان كل هذا نتيجة لتحالفه غير الحكيم مع بيت أخآب الشرير. وقد حصد ما زرعه، على الأقل بالتوقع المخيف. فقد أُجبرت ذريته على حصد ما زرعه بطريقة مروّعة للغاية.” ناب (Knapp)
٤. وَلَمْ يَشَإِ ٱلرَّبُّ أَنْ يُبِيدَ يَهُوذَا مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِهِ: التضمين هنا هو أن شر يهورام كان عظيمًا بما يكفي لتبرير مثل هذه الدينونة، لكن الله امتنع عن تنفيذها وفاءً لداود، سلف هذا الملك.
• “كان المصباح أكثر من رمز للحياة والشهادة. إذ كان يذكّر السامع بالعهد (مزمور ١٣٢: ٧؛ قارن مع ٢ أخبار ٢١: ٧).” وايزمان (Wiseman)
٥. فِي أَيَّامِهِ عَصَى أَدُومُ مِنْ تَحْتِ يَدِ يَهُوذَا: هذا دليل على ضعف يهورام. لقد اعتقد أن مصاهرته لأخآب ومملكة إسرائيل سيقوّي يهوذا، لكن عمل العصيان هذا أضعفها.
٦. وَٱضْطَجَعَ يُورَامُ مَعَ آبَائِهِ: يَسْهُل الخلط بين يورام ويهورام، لكنهما شكلان مختلفان لاسم نفس ملك يهوذا. وقد مات ودُفن في أورشليم، لكن ليس في قبور أسلافه المكرَّمين (٢ أخبار ٢١: ٢٠).
• حسب ٢ أخبار ٢١: ١٢-١٥، كتب إيليا رسالة إلى يهورام دانه فيها على خطاياه، متنبِّئًا بأن الدينونة ستقع عليه وعلى الأمّة. وفي سن الأربعين، أُصيب بمرض معوي قاتل، ومات بألم شديد (٢ أخبار ٢١: ١٩).
• إنه واحد من أكثر ملوك يهوذا مقتًا. وكان يعني اسمه ’معظَّم من الرب،‘ إلا أنه، بسبب شرّه، طُرح في قبر حقير.” ناب (Knapp)
ب) الآيات (٢٥-٢٩): حكم أخزيا على يهوذا
٢٥فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ لِيُورَامَ بْنِ أَخْآبَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، مَلَكَ أَخَزْيَا بْنُ يَهُورَامَ مَلِكِ يَهُوذَا. ٢٦وَكَانَ أَخَزْيَا ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ سَنَةً وَاحِدَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ عَثَلْيَا بِنْتُ عُمْرِي مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. ٢٧وَسَارَ فِي طَرِيقِ بَيْتِ أَخْآبَ، وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ كَبَيْتِ أَخْآبَ، لأَنَّهُ كَانَ صِهْرَ بَيْتِ أَخْآبَ. ٢٨وَانْطَلَقَ مَعَ يُورَامَ بْنِ أَخْآبَ لِمُقَاتَلَةِ حَزَائِيلَ مَلِكِ أَرَامَ فِي رَامُوتِ جِلْعَادَ، فَضَرَبَ الأَرَامِيُّونَ يُورَامَ. ٢٩فَرَجَعَ يُورَامُ الْمَلِكُ لِيَبْرَأَ فِي يَزْرَعِيلَ مِنَ الْجُرُوحِ الَّتِي جَرَحَهُ بِهَا الأَرَامِيُّونَ فِي رَامُوتَ عِنْدَ مُقَاتَلَتِهِ حَزَائِيلَ مَلِكَ أَرَامَ. وَنَزَلَ أَخَزْيَا بْنُ يَهُورَامَ مَلِكُ يَهُوذَا لِيَرَى يُورَامَ بْنَ أَخْآبَ فِي يَزْرَعِيلَ لأَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا.
١. مَلَكَ أَخَزْيَا بْنُ يَهُورَامَ مَلِكِ يَهُوذَا: كان مفترضًا أن تكون حياة يهورام وحكمه (لم يحكم إلا مدة ثماني سنوات، ومات في الأربعين من عمره) تحذيرًا لأخزيا. ويبيّن حكمه القصير (سَنَةً وَاحِدَةً) أنه تمتع ببركة أقل من أبيه يهورام.
• “خلف أخزيا أباه في الحكم في السنة الحرجة ٨٤١ ق. م. ولم يكن لينجو من الموجات الهائلة من الأحداث السياسية التي ستُغرق الشرق الأدنى القديم في ذلك العام. وفي واقع الأمر، تمكن شلمنصر الثالث (٨٥٩-٨٢٤)، ملك أشور، في عام ٨٤١ من تحطيم التحالف الغربي الذي خاض معه في السابق سلسلة من المعارك (٨٥٣، ٨٤٨، ٨٤٥).” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
• وَكَانَ أَخَزْيَا ٱبْنَ ٱثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً: يتعارض هذا مع ٢ أخبار ٢٢: ٢ التي تقول إن أخزيا اعتلى العرش عندما كان ابن ثانية وأربعين سنة. “أنا مقتنع بأن القراءة في ٢ أخبار ٢٢: ٢ خطأ، وأنها ينبغي أن تكون ’ٱبْنَ ٱثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً،‘ كما هي الحال هنا. هل هنالك مؤلف قديم واحد في أي موضوع، لكن بشكل خاص أولئك الذين كتبوا في مسائل التاريخ والتسلسل الزمني، والذين نُقلت أعمالهم إلينا خالية من أخطاء مماثلة، بسبب إهمال النسّاخ؟” كلارك (Clarke)
٢. وَٱنْطَلَقَ مَعَ يُورَامَ بْنِ أَخْآبَ لِمُقَاتَلَةِ حَزَائِيلَ مَلِكِ أَرَامَ: تطوّر ارتباطه الوثيق من أخآب إلى تحالف حرب مع إسرائيل ضد آرام. فقد كانت علاقته بعائلة والدته (ابنة أخآب وإيزابل، ٢ ملوك ١٨: ٨) قوية جدًّا ومتّسمة بالتعاطف لدرجة أنه قام بزيارة ملك إسرائيل الجريح والمريض (يورام).