سفر ملوك الثاني – الإصحاح ١٩
الله ينقذ أورشليم من أشور
أولًا. صلاة حزقيا وتهديدات سنحاريب
أ ) الآيات (١-٥): حزقيا يلجأ إلى إشعياء في وقت ضيق عظيم
١فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ حَزَقِيَّا ذلِكَ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَدَخَلَ بَيْتَ الرَّبِّ. ٢وَأَرْسَلَ أَلِيَاقِيمَ الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَشِبْنَةَ الْكَاتِبَ وَشُيُوخَ الْكَهَنَةِ مُتَغَطِّينَ بِمِسْحٍ إِلَى إِشَعْيَا النَّبِيِّ ابْنِ آمُوصَ، ٣فَقَالُوا لَهُ: «هكَذَا يَقُولُ حَزَقِيَّا: هذَا الْيَوْمُ يَوْمُ شِدَّةٍ وَتَأْدِيبٍ وَإِهَانَةٍ، لأَنَّ الأَجِنَّةَ قَدْ دَنَتْ إِلَى الْمَوْلِدِ وَلاَ قُوَّةَ لِلْوِلاَدَةِ. ٤لَعَلَّ الرَّبَّ إِلهَكَ يَسْمَعُ جَمِيعَ كَلاَمِ رَبْشَاقَى الَّذِي أَرْسَلَهُ مَلِكُ أَشُّورَ سَيِّدُهُ لِيُعَيِّرَ الإِلهَ الْحَيَّ، فَيُوَبِّخَ عَلَى الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعَهُ الرَّبُّ إِلهُكَ. فَارْفَعْ صَلاَةً مِنْ أَجْلِ الْبَقِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ». ٥فَجَاءَ عَبِيدُ الْمَلِكِ حَزَقِيَّا إِلَى إِشَعْيَا،
١. فَلَمَّا سَمِعَ ٱلْمَلِكُ حَزَقِيَّا ذَلِكَ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ: كان تمزيق الثياب والتغطي بالمسوح (الخيش الخشن) تعبيرًا عن الحزن العميق. وعادة ما يكون ذلك بسبب موت أحد الأحباء. لقد أخذ حزقيا هذا الخبر عن ربشاقى مأخذ الجد مدركًا تصميمه على غزو أورشليم بشكل تام.
• كان رد فعل حزقيّا الأولي جيدًا. فقد رأى الوضع كما هو. فغالبًا عندما ما نكون في محنة ما، فإننا نتعامل بشكل سيئ، لأننا لا نرى الوضع بشكل دقيق. ووضع أورشليم يائس تمامًا، ويعرف حزقيا هذا.
• كان هنالك سبب وجيه لأن يتواضع حزقيا أمام الرب. “فقد سقطت مدينة بعد أخرى في يد سنحاريب. وبدأت صفوف طويلة من المرحَّلين تشق طريقها المرير إلى السبي. وكان هذا كله خطأ حزقيا! فقد اتّبع سياسة التمرد الجنونية مسحورًا بوعود مصر، حتى إنه كان بإمكانه أن يبيع شعبه! لكن حتى عندما يكون الخطأ خطأنا، ما زال بإمكاننا أن نصلي حول الأمر. ويمكننا دائمًا أن نثق بأن الرب سيشفق على شعبه.” موتير(Motyer) في تفسيره لسفر إرميا
٢. وَدَخَلَ بَيْتَ ٱلرَّبِّ: كان رد فعل حزقيا الثاني أفضل. فلم يسمح لحزنه بأن يدفعه إلى رفض قوة الله وعونه. فقد عرف أن هذا هو أكثر الأوقات حيوية لطلب الرب.
• عندما يقول النص إن حزقيا ’دخل بيت الرب،‘ لا ينبغي أن نعتقد أنه دخل ’القُدْس‘ الذي كان ممنوعًا للجميع ما عدا الكهنة. بل يعني ببساطة أنه ذهب إلى ساحة بيت الرب ليطلب الله في المكان المتاح له كرجل إسرائيلي.
• رأى ملك سابق من ملوك يهوذا، وهو عزيا، حياته محطمة بشكل مأساوي عندما خالف أمر الرب بعدم دخول “القدس” في الهيكل. تقول ٢ أخبار الأيام ٢٦: ١٦: “وَلَمَّا تَشَدَّدَ ٱرْتَفَعَ قَلْبُهُ إِلَى ٱلْهَلَاكِ وَخَانَ ٱلرَّبَّ إِلَهَهُ، وَدَخَلَ هَيْكَلَ ٱلرَّبِّ لِيُوقِدَ عَلَى مَذْبَحِ ٱلْبَخُورِ.” ونتيجة لذلك، ضربه الرب بالبرص، فبقي أبرص معزولًا حتى موته.
٣. وَأَرْسَلَ أَلِيَاقِيمَ .. وَشِبْنَةَ ٱلْكَاتِبَ وَشُيُوخَ ٱلْكَهَنَةِ … إِلَى إِشَعْيَا ٱلنَّبِيِّ: كان الشيء الثالث الذي فعله حزقيا جيدًا أيضًا. إذ طلب حكمة من الرب من خلال نبيّه.
٤. لِأَنَّ ٱلْأَجِنَّةَ قَدْ دَنَتْ إِلَى ٱلْمَوْلِدِ وَلَا قُوَّةَ لِلْوِلَادَةِ: وضع حزقيا هذه الكلمات على فم رسله إلى إشعياء للتعبير عن الوضع الكارثي الكامل. كان قولًا يُضرب به المثل تعبيرًا عن كارثة – امرأة أنهكها المخاض لدرجة أنها لم تستطع أن تكمل الإنجاب. ولذلك، فإن من المحتمل أن تموت المرأة ومولودها معًا.
٥. لَعَلَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ يَسْمَعُ جَمِيعَ كَلَامِ رَبْشَاقَى: عرف إشعياء أن رجاءهم الوحيد هو أن يَعُد الله تجاديف ربشاقى إهانة له فيثور عليه.
• “هذا التجديف الوقح في هذا الخطاب بلا نظير. وقد تعامل معه حزقيا كما ينبغي – لا كتجديف على حزقيا نفسه، بل بشكل ملائم على الرب نفسه. ولهذا أحال المسألة كلها إلى الرب نفسه الذي يعاقب هذا التجديف بأشد أسلوب ممكن.” كلارك (Clarke)
٦. فَٱرْفَعْ صَلَاةً مِنْ أَجْلِ ٱلْبَقِيَّةِ ٱلْمَوْجُودَةِ: كأنّ حزقيا يقول: “صلِّ من أجلنا، يا إشعياء. لقد دمّر هذا الغزو الأشوري أُمّتنا، وبقيت أورشليم وحدها قائمة. فصلِّ من أجل البقية الباقية.”
ب) الآيات (٦-٧): كلمة طمأنة من الله إلى حزقيا
٦فَقَالَ لَهُمْ إِشَعْيَا: «هكَذَا تَقُولُونَ لِسَيِّدِكُمْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ تَخَفْ بِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعْتَهُ، الَّذِي جَدَّفَ عَلَيَّ بِهِ غِلْمَانُ مَلِكِ أَشُّورَ. ٧هأَنَذَا أَجْعَلُ فِيهِ رُوحًا فَيَسْمَعُ خَبَرًا وَيَرْجعُ إِلَى أَرْضِهِ، وَأُسْقِطُهُ بِالسَّيْفِ فِي أَرْضِهِ».
١. هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: كان إشعياء مدركًا أنه كان يتكلم كنبي لله. ومن دون أي تردد، بدأ يتكلم باسم الرب، إله السماء. ويمكننا أن نتأكد من أن إشعياء لم يأخذ الأمر باستخفاف. فمصير الأمة ومصداقيته الكاملة كنبي يعتمدان على ما يقوله.
• كان إشعياء، وهو يتحدث باسم الرب، على وشك أن يطلق نبوة جريئة. وستكون نبوته قابلة للإثبات. فإما أن تتم أو لا تتم. وسرعان ما سيُعرَف إن كان نبيًّا حقيقيًّا أم زائفًا.
٢. لَا تَخَفْ بِسَبَبِ ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي سَمِعْتَهُ: ربما يمكننا أن نستشعر توبيخًا لطيفًا جدًّا في كلمات الرب هذه: “حسنٌ لك أن تطلبني بقوة، يا حزقيا. لكن كلمات ربشاقى مجرد كلمات، فلا تخف منها.”
٣. ٱلَّذِي جَدَّفَ عَلَيَّ بِهِ غِلْمَانُ مَلِكِ أَشُّورَ: لا بد أن هذه الكلمات شجعت حزقيا كثيرًا. فقبل ذلك، أمِلَ حزقيا أن يسمع الرب كلام ربشاقى الذي يعيّر الإله الحي (إشعياء ٣٧: ٤). وهنا تكلم الرب على لسان النبي إشعياء قائلًا إنه سمع هذه الكلمات بالفعل وإنه سيأخذ الأمر على محمل شخصي.
• غِلْمَانُ مَلِكِ أَشُّورَ: “هذا تعبير استخفافي متعمّد. إنهم صبيان الملك.” موتير (Motyer) في تفسيره لسفر إشعياء “يسمّي الرب ربشاقى ومسؤولي الملك الأشوري الآخرين غلمانًا أو أولادًا عبيدًا عند الملك – ويمكننا القول إنهم أولاد يقومون بمهمات لملك أشور.” بولتيما (Bultema) في تفسيره لسفر إشعياء
٤. هَأَنَذَا أَجْعَلُ فِيهِ رُوحًا فَيَسْمَعُ خَبَرًا وَيَرْجِعُ إِلَى أَرْضِهِ: هنا يؤكد الرب لحزقيا أنه سيتعامل مع ربشاقى فعلًا. فقد سمع تجديفه، وسيجلب دينونته عليه.
• إنه لأمر مثير للاهتمام أن الرسالة الأولية من الرب لا تشير إلى إنقاذ أورشليم أو هزيمة الجيش الأشوري. فالله يركز في هذه الرسالة على ربشاقى شخصيًّا.
• “كانت الإشاعة هي أن ترهاقة غزا أشور. فكان هذا هو الانفجار الذي قتل ١٨٥.٠٠٠ جندي منهم في ليلة واحدة. انظر الآية ٣٥.” كلارك (Clarke)
ج) الآيات (٨-١٣): استجابة ربشاقى للملك حزقيا وأورشليم.
٨فَرَجَعَ رَبْشَاقَى وَوَجَدَ مَلِكَ أَشُّورَ يُحَارِبُ لِبْنَةَ، لأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُ ارْتَحَلَ عَنْ لَخِيشَ. ٩وَسَمِعَ عَنْ تُرْهَاقَةَ مَلِكِ كُوشٍ قَوْلاً: «قَدْ خَرَجَ لِيُحَارِبَكَ». فَعَادَ وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى حَزَقِيَّا قَائِلاً: ١٠«هكَذَا تُكَلِّمُونَ حَزَقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا قَائِلِينَ: لاَ يَخْدَعْكَ إِلهُكَ الَّذِي أَنْتَ مُتَّكِلٌ عَلَيْهِ قَائِلاً: لاَ تُدْفَعُ أُورُشَلِيمُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. ١١إِنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ مَا فَعَلَ مُلُوكُ أَشُّورَ بِجَمِيعِ الأَرَاضِي لإِهْلاَكِهَا، وَهَلْ تَنْجُو أَنْتَ؟ ١٢هَلْ أَنْقَذَتْ آلِهَةُ الأُمَمِ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ آبَائِي، جُوزَانَ وَحَارَانَ وَرَصْفَ وَبَنِي عَدَنَ الَّذِينَ فِي تَلاَسَّارَ؟ ١٣أَيْنَ مَلِكُ حَمَاةَ وَمَلِكُ أَرْفَادَ وَمَلِكُ مَدِينَةِ سَفْرَوَايِمَ وَهَيْنَعَ وَعِوَّا؟».
١. فَرَجَعَ رَبْشَاقَى وَوَجَدَ مَلِكَ أَشُّورَ يُحَارِبُ لِبْنَةَ: لا بدّ أن هذا بدا لحزقيا تحقيقًا لوعد الرب على لسان إشعياء. ترك ربشاقى أورشليم، ولا بد أن حزقيا فكّر أن هذا القائد الأشوري سيعود إلى أرضه ويُقتل حسب كلام الرب. “هذا خلاص عظيم! شكرًا، يا رب!”
٢. وَسَمِعَ عَنْ تُرْهَاقَةَ مَلِكِ كُوشٍ قَوْلاً: «قَدْ خَرَجَ لِيُحَارِبَكَ»: بينما كان ربشاقى بعيدًا، علم الأشوريون أن القوات المصرية (بقيادة ملك كوش – الحبشة) كانت تتقدم من الجنوب. وسيكون هذا هو التدخل الذي خشيته أشور، والذي اتكل عليه كثيرون في يهوذا. لكن، كما تنبّأ إشعياء، لن يكون شيئًا (إشعياء ٢٠: ١-٦؛ ٣٠: ١-٧).
• “في واقع الأمر، لم يكن تُرْهَاقَة سوى أمير في ذلك الوقت. لكن لأنه تولى العرش في عام ٦٩٠ قبل الميلاد، فإن لقب الملك استُخدِم بناء على ما سيكون (سلفًا).” وولف (Wolf)
٣. لَا يَخْدَعْكَ إِلَهُكَ ٱلَّذِي أَنْتَ مُتَّكِلٌ عَلَيْهِ: لم يكن ربشاقى في أورشليم، لكن هذا لم يمنعه من محاولة بناء الخوف والإحباط واليأس في قلب حزقيا. فأرسل رسالة إلى ملك يهوذا آملًا أن يهزمه من بعيد.
٤. هَلْ أَنْقَذَتْ آلِهَةُ ٱلْأُمَمِ هَؤُلَاءِ: إذا قُرئت هذه الكلمات بعين الإيمان، لا بد أنها كانت تبني الإيمان في حزقيا. لكن عندما وضع ربشاقى الرب إله إسرائيل بين آلهة الشعوب، فقد جدّف جالبًا الدينونة على نفسه.
• أدرج ربشاقى مدنًا كثيرة غزاها وأهلكها الجيش الآشوري. “تُذَكِّر الولايات-المدن التي قام الأشوريون بإهلاكها أو تحريمها (بالعبرية Herem وهي تعني الإبادة أو التدمير الكامل) القارئ بأن إسرائيل لم تكن هي الوحيدة التي استخدمت هذا الأسلوب الحربي (انظر عدد ٢١: ٢-٣؛ يشوع ٦: ٢١).” وايزمان (Wiseman)
د ) الآيات (١٤-١٩): صلاة حزقيال
١٤فَأَخَذَ حَزَقِيَّا الرَّسَائِلَ مِنْ أَيْدِي الرُّسُلِ وَقَرَأَهَا، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ، وَنَشَرَهَا حَزَقِيَّا أَمَامَ الرَّبِّ. ١٥وَصَلَّى حَزَقِيَّا أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، الْجَالِسُ فَوْقَ الْكَرُوبِيمَ، أَنْتَ هُوَ الإِلهُ وَحْدَكَ لِكُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. ١٦أَمِلْ يَا رَبُّ أُذُنَكَ وَاسْمَعْ. اِفْتَحْ يَا رَبُّ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ، وَاسْمَعْ كَلاَمَ سَنْحَارِيبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ لِيُعَيِّرَ اللهَ الْحَيَّ. ١٧حَقًّا يَا رَبُّ إِنَّ مُلُوكَ أَشُّورَ قَدْ خَرَّبُوا الأُمَمَ وَأَرَاضِيَهُمْ، ١٨وَدَفَعُوا آلِهَتَهُمْ إِلَى النَّارِ. وَلأَنَّهُمْ لَيْسُوا آلِهَةً، بَلْ صَنْعَةُ أَيْدِي النَّاسِ: خَشَبٌ وَحَجَرٌ، فَأَبَادُوهُمْ. ١٩وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا خَلِّصْنَا مِنْ يَدِهِ، فَتَعْلَمَ مَمَالِكُ الأَرْضِ كُلُّهَا أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ الإِلهُ وَحْدَكَ».
١. ثُمَّ صَعِدَ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ، وَنَشَرَهَا حَزَقِيَّا أَمَامَ ٱلرَّبِّ: فعل حزقيا تمامًا ما ينبغي أن يفعله كل ابن لله بمثل هذه الرسالة. لقد أخذها إلى بيت الرب (الساحة الخارجية، لا القُدس) ونشرها أمام الرب هناك. وبهذا حقق حزقيا بجرأة وفاعلية الوصية اللاحقة في ١ بطرس ٥: ٧ “مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ.”
• “كما يُحضر طفل صغير لعبته المكسورة إلى أبيه ليصلحها، كذلك طرح حزقيا المشكلات أمام الله ليحلّها.” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
• “في الآية ١٤، كان رد فعل حزقيا للرسالة الثانية مختلفًا. فلم يلجأ إلى إشعياء، بل ذهب بنفسه إلى الهيكل، وصلّى وحده، مقدِّمًا هذا التضرع إلى الرب مباشرة. وكلا نوعي الصلاة ملائم في مواجهة الأزمات.” ديلداي (Dilday)
• “عندما تصل إليك رسائل من أشخاص مجهولين أو غير مجهولين ممتلئة بالتعيير المُر، وعندما تُروى قصص بشعة أو خبيثة عنك، وعندما يُفقَد كل رجاء في البشر، خذ شكواك – هذه الرسالة، أو هذا المقال، أو الخطاب، أو الإشاعة – وضعها أمام الرب، وعرِّفْهُ بطلبتك.” ماير (Meyer)
• تلقّى واعظ قديم رسالة لا تتضمن اسم المرسل أو عنوانه. وعندما فتح المغلف، قرأ رسالة من كلمة واحدة – غبي! وأخذها في يوم الأحد التالي إلى المنبر، وقال: “تلقيت رسالة غير معتادة هذا الأسبوع. لم أتلقَّ من قبل رسالة موقَّعة من كاتب نسي أن يكتب فيها أي شيء آخر!”
٢. إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: يذكّر هذا اللقب الإلهي – والرب أيضًا، حسب طريقتنا البشرية في الفهم – بأن الرب هو إله عهد إسرائيل، وأنه لا ينبغي أن يترك شعبه.
• كما في إشعياء ٣٧: ١٦، استخدم حزقيا لقبًا آخر خاطب به الله، وهو ’رب الجنود.‘ يعني هذا اللقب الإلهي ’رب جيوش السماء.‘ كان حزقيا في أزمة ذات طبيعة عسكرية في المقام الأول، لذلك كان من المنطقي له أن يخاطب الرب حسب طبيعته التي كان الملك في أمَسِّ الحاجة إليها، وكأنه يقول: “يا رب جيوش السماء، أرسلْ بعضًا من قواتك السماوية لتساعدنا.”
٣. ٱلْجَالِسُ فَوْقَ ٱلْكَرُوبِيمَ: هنا يرى حزقيا عِظَم جلال الرب. فمن المؤكد أن ذاك الجالس فوق الكروبيم لن يسمح بأن يمر تجديف ربشاقى بلا عقاب.
• “إنه قاضينا (ديّاننا)، ومعطي الشريعة لنا، وملكنا. ولهذا فإنه ملزم بأكبر قدر من الالتزام بتخليصنا، وإلا فسيتشوه اسمه.” ماير (Meyer)
٤. أَنْتَ هُوَ ٱلْإِلَهُ وَحْدَكَ: ’الله‘ لقب بسيط للرب، لكن ربما يكون اللقب الأقوى. فإن كان هو الأعلى، فما الذي لا يستطيع أن يفعله؟ وإن كان الله، فما الذي يمكن أن يخرج عن سيطرته؟ أدرك حزقيا الحقيقة الأساسية لكل علم اللاهوت: الله هو الله. ولسنا نحن الله! وليس ربشاقى (أو الأشوريون) الله!
٥. أَنْتَ صَنَعْتَ ٱلسَّمَاءَ وَٱلْأَرْضَ: في إدراك حزقيا كون الله خالقًا، رأى أن لدى الرب كل القوة وكل الحقوق على كل شيء مخلوق ويمكننا أن نستشعر ارتفاع منسوب الإيمان لدى حزقيا وهو يصلّي هذا.
٦. أَمِلْ يَا رَبُّ أُذُنَكَ وَٱسْمَعْ. اِفْتَحْ يَارَبُّ عَيْنَيْكَ وَٱنْظُرْ: عرف حزقيا فعلًا أن الرب سمع تجديفات ربشاقى. وهذه طريقة شعرية للطلب من الله أن يتصرف وفق ما رآه وسمعه. فما دام الله قد رأى وسمع مثل هذه الأمور، فمن المؤكد أنه سيتصرف.
٧. وَٱنْظُرْ، وَٱسْمَعْ كَلَامَ سَنْحَارِيبَ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ لِيُعَيِّرَ ٱللهَ ٱلْحَيَّ: يرسم الملك حزقيا مقابلة بين الإله الحي وآلهة الشعوب الزائفة التي غزاها الأشوريون بالفعل. لم تكن آلهة حقيقية، بَلْ صَنْعَةُ أَيْدِي ٱلنَّاسِ، خَشَبٌ وَحَجَرٌ. ولهذا لم تقدر أن تحمي تلك الشعوب من الأشوريين. لكن حزقيا يصلي بثقة إلى الإله الحي الذي يقدر أن يخلصهم، فَتَعْلَمَ مَمَالِكُ ٱلْأَرْضِ كُلِّهَا أَنَّكَ أَنْتَ ٱلرَّبُّ وَحْدَكَ.
رابعًأ. الله يتحدث عن الموقف
أ ) الآيات (٢٠-٢١): سنحاريب مستحق للاستهزاء به، لا الخوف والارتعاد منه.
٢٠فَأَرْسَلَ إِشَعْيَا بْنُ آمُوصَ إِلَى حَزَقِيَّا قَائِلاً: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي صَلَّيْتَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ سَنْحَارِيبَ مَلِكِ أَشُّورَ: قَدْ سَمِعْتُ. ٢١هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَلَيْهِ: احْتَقَرَتْكَ وَاسْتَهْزَأَتْ بِكَ الْعَذْرَاءُ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ، وَنَحْوَكَ أَنْغَضَتِ ابْنَةُ أُورُشَلِيمَ رَأْسَهَا.
١. ٱلَّذِي صَلَّيْتَ إِلَيْهِ: جاء الجواب المجيد الذي يملأ بقية هذا الإصحاح لأن حزقيا صلى. فماذا لو لم يصلِّ؟ يفترض أن نفكر أنه لو لم يصلِّ، لما جاء إليه جواب. عندئذٍ نتوقع أنه ما كان سيأتي الجواب، ولتمَّ غزو أورشليم. فقد كانت صلاة حزقيا مهمة وذات تأثير.
• كم من بركات كثيرة تنتظر، وكم من انتصارات كثيرة لم تتحقق بعد، وكم من نفوس لم تُخلَّص بعد من أجل مجد يسوع إلى أن يقول الرب: ’هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي صَلَّيْتَ إِلَيْهِ؟‘
٢. ٱحْتَقَرَتْكَ وَٱسْتَهْزَأَتْ بِكَ ٱلْعَذْرَاءُ ٱبْنَةُ صِهْيَوْنَ: الفكرة هنا هي أن الأشوريين جاءوا لكي يغتصبوا ابنة صهيون، مدينة أورشليم، لكن الله لن يسمح بهذا. “تُمَثَّل أورشليم كشابّة ترفض بازدراء مغازلات غير مرغوب فيها من رجل فظّ لئيم الروح.” جروجان (Grogan) في تفسيره لسفر إشعياء
• سُمِّيت أورشليم ابنة صهيون لعدة أسباب:
كانت غير ملوثة بالعبادة الوثنية الفاضحة.
سيدافع عنها الله من الاغتصاب الذي ينويه سنحاريب والأشوريون.
لم يسبق لها أن غُزيت أو احتُلَّت منذ أيام داود.
ب) الآيات (٢٢-٢٨): كلمة الله إلى ملك أشور وممثّليه.
٢٢مَنْ عَيَّرْتَ وَجَدَّفْتَ؟ وَعَلَى مَنْ عَلَّيْتَ صَوْتًا؟ وَقَدْ رَفَعْتَ إِلَى الْعَلاَءِ عَيْنَيْكَ عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ! ٢٣عَلَى يَدِ رُسُلِكَ عَيَّرْتَ السَّيِّدَ، وَقُلْتَ: بِكَثْرَةِ مَرْكَبَاتِي قَدْ صَعِدْتُ إِلَى عُلْوِ الْجِبَالِ، إِلَى عِقَابِ لُبْنَانَ وَأَقْطَعُ أَرْزَهُ الطَّوِيلَ وَأَفْضَلَ سَرْوِهِ، وَأَدْخُلُ أَقْصَى عُلْوِهِ، وَعْرَ كَرْمَلِهِ. ٢٤أَنَا قَدْ حَفَرْتُ وَشَرِبْتُ مِيَاهًا غَرِيبَةً، وَأُنَشِّفُ بِأَسْفَلِ قَدَمَيَّ جَمِيعَ خُلْجَانِ مِصْرَ. ٢٥أَلَمْ تَسْمَعْ؟ مُنْذُ الْبَعِيدِ صَنَعْتُهُ، مُنْذُ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ صَوَّرْتُهُ. الآنَ أَتَيْتُ بِهِ. فَتَكُونُ لِتَخْرِيبِ مُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ حَتَّى تَصِيرَ رَوَابِيَ خَرِبَةً. ٢٦فَسُكَّانُهَا قِصَارُ الأَيْدِي قَدِ ارْتَاعُوا وَخَجِلُوا، صَارُوا كَعُشْبِ الْحَقْلِ وَكَالنَّبَاتِ الأَخْضَرِ، كَحَشِيشِ السُّطُوحِ وَكَمَلْفُوحٍ قَبْلَ نُمُوِّهِ. ٢٧وَلكِنِّي عَالِمٌ بِجُلُوسِكَ وَخُرُوجِكَ وَدُخُولِكَ وَهَيَجَانِكَ عَلَيَّ. ٢٨لأَنَّ هَيَجَانَكَ عَلَيَّ وَعَجْرَفَتَكَ قَدْ صَعِدَا إِلَى أُذُنَيَّ، أَضَعُ خِزَامَتِي فِي أَنْفِكَ وَلِجَامِي فِي شَفَتَيْكَ، وَأَرُدُّكَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جِئْتَ فِيهِ.
١. مَنْ عَيَّرْتَ وَجَدَّفْتَ؟ وَعَلَى مَنْ عَلَّيْتَ صَوْتًا؟ وَقَدْ رَفَعْتَ إِلَى ٱلْعَلَاءِ عَيْنَيْكَ عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ: يقول الرب هنا على لسان النبي إشعياء ما مفاده: “هل تعلم من الذي تتعامل معه؟” ومن الواضح أن ربشاقى لم يكن يعرف ذلك.
• من الغريب أن هذه الرسالة ربما لم تصل إلى أذني ربشاقى. فلم تكن لديه إمكانية للوصول إليها. لكن ربما قبل نهايته الرهيبة، وجد الله طريقة لإيصالها إليه. أو ربما وضعها الله كرسالة خاصة في الجحيم لهذا المجدّف. وعلى أقل تقدير، كانت هذه النبوة مشجعة لحزقيا وكل يهوذا، حتى لو لم يسمعها ربشاقى على الأرض.
• يتكلم الله أحيانًا مع العدو من أجل شعبه أكثر مما يتكلم معه من أجل هذا العدو نفسه.
٢. بِكَثْرَةِ مَرْكَبَاتِي قَدْ صَعِدْتُ إِلَى عُلْوِ ٱلْجِبَالِ: يصف الرب هنا افتخار الأشوريين بغزواتهم. لكنهم نسوا أن الله متحكم في الأمور (ٱلْآنَ أَتَيْتُ بِهِ. فَتَكُونُ لِتَخْرِيبِ مُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ حَتَّى تَصِيرَ رَوَابِيَ خَرِبَةً. فَسُكَّانُهَا قِصَارُ ٱلْأَيْدِي). وحتى لو لم يعرفوا الأشوريون ذلك، فإنهم مدينون بنجاحهم للرب.
• “ثم قام الله بمواجهة سنحاريب بما لم يفكر فيه على ما يبدو. فقد سبق أن قضى الله بنجاحات سنحاريب… فلا ينبغي لسنحاريب أن يتفاخر كما لو أن ما فعله كان مُوَلَّدًا ذاتيًّا أو من تحقيق ذاتي.” باترسون (Patterson) واوستيل (Austel)
• كان هذا أمرًا مُذلًّا للأشوريين. فقد ظنوا طوال الوقت أن قوتهم الجبارة كانت سر إنجازاتهم كلها. لكن الله يوضح هنا أن قوته هي التي فعلت كل هذا.
• تفاخر سنحاريب بأنه أمر جنودًا كثيرين، عندما ساروا عبر أحواض الأنهار، جففوها، لكن بباطن قدمي.” ديلداي (Dilday)
٣. وَلَكِنِّي عَالِمٌ بِجُلُوسِكَ وَخُرُوجِكَ وَدُخُولِكَ: عرف الله كل شيء عن هذا العدو. ولأن أشور تمادت كثيرًا في التجديف على ذاك الذي جعل كل نجاح لها ممكنًا، أَضَعُ خِزَامَتِي فِي أَنْفِكَ وَشَكِيمَتِي فِي شَفَتَيْكَ، وَأَرُدُّكَ فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي جِئْتَ فِيهِ. فكان هذا تصريحً مثيرًا للغاية، لأن هذه تمامًا الكيفية التي كان الأشوريون يسيّرون بقسوة الذين كانوا يجبرونهم على الانتقال من أراضيهم التي احتلوها. كانوا يصفّون الأسرى، ويدخلون خطّافًا (خزامة) كبيرًا من خلال شفة كل أسير أو أنفه، ويربطونهم معًا ويقودونهم كالقطيع. فقال الله لأشور: ’سأفعل الشيء نفسه بك.‘
• “تصوَّر الممارسة الأشورية لقيادة الرؤساء المسبيين الأجانب بحلقة أو خطاف في أنوفهم على مسلّة أسرحدون في زنجيرلي وهو يظهر ممسكًا بترهاقة، ملك مصر، وبعالو، ملك صور.” وايزمان (Wiseman)
ج) الآيات (٢٩-٣١): الله سيُنجِح يهوذا المجروحة.
٢٩«وَهذِهِ لَكَ عَلاَمَةٌ: تَأْكُلُونَ هذِهِ السَّنَةَ زِرِّيعًا، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ خِلْفَةً. وَأَمَّا السَّنَةُ الثَّالِثَةُ فَفِيهَا تَزْرَعُونَ وَتَحْصِدُونَ وَتَغْرِسُونَ كُرُومًا وَتَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا. ٣٠وَيَعُودُ النَّاجُونَ مِنْ بَيْتِ يَهُوذَا، الْبَاقُونَ، يَتَأَصَّلُونَ إِلَى أَسْفَل وَيَصْنَعُونَ ثَمَرًا إِلَى مَا فَوْقُ. ٣١لأَنَّهُ مِنْ أُورُشَلِيمَ تَخْرُجُ الْبَقِيَّةُ، وَالنَّاجُونَ مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هذَا.
١. تَأْكُلُونَ هَذِهِ ٱلسَّنَةَ زِرِّيعًا: “منَعَ الغزو الزراعة في عام ٧٠٢ ق. م. لكن عندما انتهى التهديد في عام ٧٠١، وجدوا نموًّا كافيًا للحفاظ على الحياة. وفي عام ٧٠١ كان الأشوريون المنسحبون ما زالوا يعيقون الزراعة. ومع ذلك، سيكون هنالك ما يكفي من فرص النمو. وهنا يؤكد الرب بشكل رجعي أن يده هي التي بددت التهديد.” موتير (Motyer) في تفسيره لسفر إشعياء.
• “عندما يأكل الناس بوفرة في حصاد السنة الثالثة، سيتيقنّون تمامًا من أن الله كان في الأزمة كلها.” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
٢. مِنْ أُورُشَلِيمَ تَخْرُجُ ٱلْبَقِيَّةُ: بقدر ما يرغب الأشوريون في سحق أورشليم ويهوذا، لن يكونوا قادرين على فعل هذا. لأن الله سيحفظ البقية التي تخصّه.
• “بيَّنَ إشعياء، من خلال اسم ابنه وشآر ياشوب الذي يعني ’البقية سترجع‘ (إشعياء ٧: ٣؛ ٣٧: ٣٠-٣٢)، عقيدة البقية التي تركتها نعمة الله عبر أوقات التجربة. لقد هرب إسرائيليون إلى يهوذا لكي تضم يهوذا، بمعنى ما، بقية إسرائيل لتستمر في حمل اسم الله وعمله.” وايزمان (Wiseman)
د ) الآيات (٣٢-٣٤): الله يدافع عن يهوذا لأجله.
٣٢«لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ مَلِكِ أَشُّورَ: لاَ يَدْخُلُ هذِهِ الْمَدِينَةَ، وَلاَ يَرْمِي هُنَاكَ سَهْمًا، وَلاَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا بِتُرْسٍ، وَلاَ يُقِيمُ عَلَيْهَا مِتْرَسَةً. ٣٣فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ يَرْجعُ، وَإِلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ لاَ يَدْخُلُ، يَقُولُ الرَّبُّ. ٣٤ وَأُحَامِي عَنْ هذِهِ الْمَدِينَةِ لأُخَلِّصَهَا مِنْ أَجْلِ نَفْسِي وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي».
١. لَا يَدْخُلُ هَذِهِ ٱلْمَدِينَةَ، وَلَا يَرْمِي هُنَاكَ سَهْمًا… وَأُحَامِي عَنْ هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ لِأُخَلِّصَهَا: يرسم الله خطًّا واضحًا تمامًا. فرغم الآلة العسكرية الأشورية المتأهبّة لفرض حصار على أورشليم وسحْقها في نهاية المطاف، إلا أنها لن تفعل هذا. فلن يدخل الملك هذه المدينة لأن الله يحامي عنها.
• يصعب على المعاصرين أن يفهموا الرعب المرتبط بالحصار القديم، عندما تحاط مدينة بجيش معاد واقعة في شرك مجاعة بطيئة مؤلمة. وقد عاش الملك حزقيا وسكان أورشليم تحت ظل هذا التهديد. لكن وعد الله لهم على لسان النبي إشعياء أكد لهم أن سنحاريب والجيش الأشوري لن يفشلوا في الاستيلاء على المدينة فحسب، بل لن يرموا سهمًا واحدًا أو أن يبنوا تلّة حصار واحدة ضد أورشليم. بل وعدهم بأن الأشوريين لن يبدأوا حصارًا.
٢. مِنْ أَجْلِ نَفْسِي وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي: يشرح هذا سبب قيام الرب عن أورشليم. سيحامي الله عنها من أجل مجده. وغالبًا ما نعتقد بلا داعٍ أنه يتوجب علينا أن نحامي عن مجد الرب. لكن ليس هذا هو الحال بالفعل. فالله قادر تمامًا على الدفاع عن مجده.
• لماذا يحامي الله عن المدينة؟ مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي. مات الملك داود قبل ٣٠٠ عام من ذلك الوقت. لكن الله ما زال يكرم وعده لداود (٢ صموئيل ٧: ١٠-١٧). لن يدافع الله عن المدينة من أجل المدينة نفسها. فأورشليم تستحق الدينونة. لكنه يفعل هذا من أجله ومن أجل داود. وبنفس الطريقة، يدافع الله الآب عنا ويباركنا، لا من أجلنا – فغالبًا ما نستحق دينونته – لكنه يفعل ذلك من أجله ومن أجل يسوع المسيح، ربنا.
• وَأُحَامِي عَنْ هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ لِأُخَلِّصَهَا مِنْ أَجْلِ نَفْسِي وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي: “قال إرميا لاحقًا إن الذين فهموا هذه النبوة على أن الهيكل في أورشليم لن يؤخذ يومًا كانوا يؤمنون بخرافات وافتراضات تجاسُرية على الله (إرميا ٧: ١-١٥).” وايزمان (Wiseman)
ثالثًا. الله يدافع عن أورشليم
أ ) الآية (٣٥): الله يضرب جيش آشور القوي.
٣٥كَانَ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ أَنَّ مَلَاكَ ٱلرَّبِّ خَرَجَ وَضَرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا. وَلَمَّا بَكَّرُوا صَبَاحًا إِذَا هُمْ جَمِيعًا جُثَثٌ مَيْتَةٌ.
١. أَنَّ مَلَاكَ ٱلرَّبِّ خَرَجَ: بكل بساطة وقوة، دمّر الله هذه الأمّة العظيمة في ليلة واحدة، حيث مات ١٨٥.٠٠٠ جندي أشوري على يد ملاك الرب. فرغم كل الصعاب، وعلى نقيض كل التوقعات غير توقعات الإيمان، تمّ صد الجيش الأشوري وإرجاعه من دون أن يرمي سهمًا واحدًا على أورشليم. لقد تم إيقاف من لا يمكن إيقافه، وتمت هزيمة من لا يُهزَم!
• قدّم النبي هوشع نفس النبوة: “وَأَمَّا بَيْتُ يَهُوذَا فَأَرْحَمُهُمْ وَأُخَلِّصُهُمْ بِٱلرَّبِّ إِلَهِهِمْ، وَلَا أُخَلِّصُهُمْ بِقَوْسٍ وَبِسَيْفٍ وَبِحَرْبٍ وَبِخَيْلٍ وَبِفُرْسَانٍ” (هوشع ١: ٧).
• “سجّل المؤرخ هيرودتس أنه في إحدى الليالي، امتلأ معسكر سنحاريب بالفئران (أو الجرذان) التي دمرت سهام الجنود ودروعهم. وربما حصل هذا المؤرخ على هذا التقليد من مصادر مصرية. ويمكن أن تكون هذه رواية مشوّشة إلى حد ما لما هو مسجل هنا.” جروجان (Grogan)
٢. إِذَا هُمْ جَمِيعًا جُثَثٌ مَيْتَةٌ: لم يكن هذا صعبًا أن يفعله الله. لكن ما كان أصعب على الله هو الحصول على قلوب شعبه وعقولهم في المكان الصحيح. وحالما وصلوا إلى هذه النقطة، لم يكن شيئًا كثيرًا أن يرسل الله ملاكًا واحدًا ليقوم بهذا العمل.
• تكَهّن بعضهم أن ملاك الله استخدم وسيلة طبيعية. “اعتقد بعضهم أنه الزحار العصوي الذي تمتد فترة حضانته إلى ثلاثة أيام.” وايزمان (Wiseman)
ب) الآيات (٣٦-٣٧): دينونة سنحاريب المهزوم في نينوى.
٣٦فَانْصَرَفَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ وَذَهَبَ رَاجِعًا وَأَقَامَ فِي نِينَوَى. ٣٧وَفِيمَا هُوَ سَاجِدٌ فِي بَيْتِ نِسْرُوخَ إِلهِهِ، ضَرَبَهُ أَدْرَمَّلَكُ وَشَرَآصَرُ ابْنَاهُ بِالسَّيْفِ، وَنَجَوَا إِلَى أَرْضِ أَرَارَاطَ. وَمَلَكَ آسَرْحَدُّونُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.
١. فَٱنْصَرَفَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ وَذَهَبَ: هذا هو تمامًا ما قال الله إنه سيحدث. لكن سنحاريب انصرف وهو ممتلئ بالكبرياء. فبعد انسحابه من يهوذا، أمر بتسجيل سجل في حوليّاته (منشور تايلور)، ويمكن رؤيته في المتحف البريطاني. ويبيّن السجل كيف أن قلبه ما زال ممتلئًا بالكبرياء حتى لو لم يحتل أورشليم.
• “هاجمتُ حزقيا، ملك يهوذا الذي لم يخضع لي، وأخذت منه ٤٦ حصنًا وقلعة ومدنًا صغيرة. وحملت ٢٠٠.١٥٠ أسير، كبارًا وصغارًا، إناثًا وذكورًا، مع خيول، وعجول، وحمير، وجمال، وثيران كثيرة. وحبست حزقيا نفسه في أورشليم كطائر في قفص. ووضعت ركامًا ضد المدينة. وفصلتُ مدنه التي أخذت أهلها أسرى من مملكته وأعطيتها للملك ميتينيتي، ملك أشدود، وبادي ملك عقرون، وزيبل ملك غزة، وبالتالي تضاءل بلده. وأضفت ضريبة إلى تلك التي سبق أن فرضتها عليه.” اقتبسها بولتيما (Bultema) في تفسيره لإشعياء.
• “تختتم الرواية الكتابية بالبيان المختلف عليه أن الجيش الأشوري ضُرب بطريقة ما أثناء الليل مع خسائر كثيرة في الأرواح. وبعد ذلك، أُلغي الحصار. وتتفق الحوليات الأشورية ضمنيًّا مع الرواية الكتابية من حيث عدم الادعاء بأن أورشليم سقطت. بل تذكر جزية من حزقيا.” ت. سي. ميتشيل (Mitchell) – الكتاب المقدس في المتحف البريطاني.
• “عفا الله عن سنحاريب، لا في رحمة منه، بل في غضب عليه، حافظًا له ميتة أكثر بشاعة وخزيًا على يد ابنيه.” بوله (Poole)
٢. وَفِيمَا هُوَ…: مرت سنوات بين إشعياء ٣٧: ٣٧ و٣٧: ٣٨. ربما فكّر سنحاريب أنه أفلت من دينونة الله، لكنه لم يفعل. فقد قابل نهاية موت مريرة على يدي ابنيه بالسيف.
• تتحدث أسطورة يهودية (وهي مجرد أسطورة) كيف أن ابنَي سنحاريب قتلاه. لقد انزعج سنحاريب كيف أن الله بارك اليهود كثيرًا، وحاول أن يعرف السبب. فأخبره أحدهم أن السبب هو إبراهيم الذي أحب الله حتى أنه كان مستعدًّا لتقديم ابنه ذبيحة له. فاعتقد سنحاريب أنه سيكون في موضع أكثر تفضيلًا لدى الله من إبراهيم ونسله لو أنه قدّم اثنين من أبنائه للرب كذبيحة. لكن ابنيه عرفا بخطته فقتلاه قبل أن يقتلهما، وبذلك تحقق كلام الرب.