سفر ملوك الثاني – الإصحاح ١٨
حكم حزقيا والتهديد الأشوري
أولًا. حُكم حزقيا البار
أ ) الآيات (١-٢): حُكم حزقيا الممتد إلى ٢٩ سنة
١وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِهُوشَعَ بْنِ أَيْلَةَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ مَلَكَ حَزَقِيَّا بْنُ آحَازَ مَلِكِ يَهُوذَا. ٢كَانَ ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ أَبِي ابْنَةُ زَكَرِيَّا.
١. وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلثَّالِثَةِ لِهُوشَعَ: اعتلى حزقيا عرش يهوذا في نهاية مملكة إسرائيل الشمالية. وبعد ثلاث سنوات من حكمه، فرضت الجيوش الأشورية حصارًا على السامرة. وبعد ثلاث سنوات، غُزيتْ إسرائيل.
• كان مصير المملكة الشمالية المحزن درسًا ثمينًا لحزقيّا. فقد رأى بنفسه ما حدث عندما رفض شعب الله إلههم وكلمته وعبدوا آلهة أخرى.
• “ربما نجد أكثر المشكلات الكتابية الترتيبية الزمنية تعقيدًا في هذا الإصحاح. فرغم المحاولات البارعة لحل هذه الصعوبات، ما زال تنسيق هذه المعطيات يمثل مشكلة شائكة.” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
• وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلثَّالِثَةِ لِهُوشَعَ: “… في سنة ٧٢٩/٨ ق. م. التي صار فيها حزقيا حاكمًا مشاركًا مع آحاز. وبدأ حكمه المنفرد في سنة ٧١٦/٥ ق. م. قارن هذا مع الآية ١٣، حيث يمكن التحقق من أن سنته الرابعة عشرة كحاكم منفرد (٧١٦/٥ -٦٨٧/٦ ق. م.) هي ٧٠١ ق. م. من حوليات سنحاريب.” وايزمان (Wiseman)
٢. وَمَلَكَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ: كان حزقيا من أفضل ملوك يهوذا، فكان حكمه بالتالي طويلًا ومبارَكًا في الغالب.
ب) الآيات (٣-٦): برّ حزقيا
٣وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ دَاوُدُ أَبُوهُ. ٤هُوَ أَزَالَ الْمُرْتَفَعَاتِ، وَكَسَّرَ التَّمَاثِيلَ، وَقَطَّعَ السَّوَارِيَ، وَسَحَقَ حَيَّةَ النُّحَاسِ الَّتِي عَمِلَهَا مُوسَى لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِلَى تِلْكَ الأَيَّامِ يُوقِدُونَ لَهَا وَدَعَوْهَا «نَحُشْتَانَ». ٥عَلَى الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ اتَّكَلَ، وَبَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَلاَ فِي الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ. ٦وَالْتَصَقَ بِالرَّبِّ وَلَمْ يَحِدْ عَنْهُ، بَلْ حَفِظَ وَصَايَاهُ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ مُوسَى
١. وَعَمِلَ ٱلْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ… هُوَ أَزَالَ ٱلْمُرْتَفَعَاتِ: كان حزقيّا من أكثر المصلحين غيرة في يهوذا، حتى إنه منع العبادة في المرتفعات. فقد سبق أن أقيمت هنالك مذابح شعبية للذبائح كما كان يشتهي العابد، لكن ليس وفقًا لتوجيهات الرب.
• “لم تكن هذه الممارسة ترضي الله على الإطلاق. لكن لم يجد أيٌّ من الملوك الصالحين الآخرين الجرأة على منعها. ففعل حزقيا ذلك.” ديلداي (Dilday)
٢. وَسَحَقَ حَيَّةَ ٱلنُّحَاسِ ٱلَّتِي عَمِلَهَا مُوسَى: يصف سفر العدد ٢١: ١-٩ كيف أنه في وقت ضربة الثعابين النارية على الأمة كلها، صنع موسى حية (ثعبانًا) نحاسية حتى يتجنب الناظر إليها الموت من لدغات الأفاعي. وتخبرنا هذه العبارة في ٢ ملوك أنه احتُفِظ بهذه الحية النحاسية لأكثر من ٨٠٠ عام وصارت تُعبَد باسم Nahushtan فقام حزقيا في غيرته بتحطيم هذه القطعة النحاسية، واضعًا بهذا حدًّا للعبادة الوثنية لها.
• كانت هذه الحية النحاسية شيئًا رائعًا، حيث كان ينظر إليها كل مصاب من بني إسرائيل بلدغة من الأفاعي ينجو من الموت. وكانت أيضًا تمثيلًا ليسوع المسيح، كما قال هو نفسه في يوحنا ٣: ١٤-١٥. وفي الوقت نفسه، يمكن للمرء أن يأخذ شيئًا جيدًا، شيئًا استخدمه الله، ويصنع منه وثنًا مدمِّرًا.
• وبنفس الطريقة، تصبح الأشياء الجيدة أحيانًا أصنامًا يتوجب تحطيمها. مثلًا، إذا اكتُشف الصليب الحقيقي ليسوع المسيح، أو قماش الدفن الفعلي، وصار أي منها إلْهاء عن الإيمان الحقيقي، فسيكون أفضل أن يحطَّم. “رغم أنها كانت نصبًا تذكاريًّا مثيرًا للاهتمام، إلا أنه كان يتوجب تحطيمها كليًّا، لأنها مثّلت تجربة بعبادة الأوثان. لم يوجد في هذا العالم أثر مادي من بقايا العصور القديمة بهذه القيمة العالية، أثر لا شك في أصالته، أثر شوهد لمئات السنين، ولم يكن هنالك أي شك على الإطلاق في كونه الحية النحاسية التي صنعها موسى. كان هذا أكثر من مجرد أثر سبق أن امتلك قوة معجزية – حيث كان النظر إليه ينجّي من الموت. ورغم هذا، كان يتوجب تحطيمه، لأن بني إسرائيل أحرقوا البخور له. سبيرجن (Spurgeon)
• وبالطريقة نفسها، يتوجب أن يحترس شعب الله من عبادة الأوثان اليوم. إذ هنالك مخاطر كثيرة من عبادة الأوثان في الكنيسة الحديثة.
جعْل القادة أوثانًا
جعْل التعليم وثنًا
جعْل البلاغة البشرية وثنًا
جعْل الأعراف وعادات الخدمة وثنًا
جعْل أشكال العبادة وثنًا
• تعني التسمية ’ناحُشتان‘ Nahushtan ’قطعة النحاس،‘ وهذه طريقة للتقليل من هذا الشيء الذي جُعل وثنًا. ولهذا أمر حزقيا بتحويله من موضوع لعبادة زائفة إلى خردة من المعادن.” وايزمان (Wiseman)
• “كان هذا سم العبادة الوثنية الإسرائيلية، حتى إن الأفعى النحاسية لسعتهم بشكل أسوأ من النار.” تراب (Trapp)
٣. عَلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ ٱتَّكَلَ، وَبَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ مُلُوكِ يَهُوذَا: كان حزقيا فريدًا في شغفه وطاقته في اتكاله الشخصي على الله وترويج العبادة الحقيقية لله. وهذا أمر أكثر لفتًا للنظر عندما نضع اعتبارنا أن أباه آحاز كان أحد أسوأ ملوك يهوذا (٢ ملوك ١٦: ١٠-٢٠).
• “إنه لأمر لافت للنظر أن يكون رجل مثل حزقيا ابنًا لآحاز. لكن يتوجب علينا أن نتذكر أنه كان طوال حياته تحت تأثير إشعياء.” مورجان (Morgan)
ج) الآيات (٧-٨): إنجازات حزقيا السياسية.
٧وَكَانَ الرَّبُّ مَعَهُ، وَحَيْثُمَا كَانَ يَخْرُجُ كَانَ يَنْجَحُ. وَعَصَى عَلَى مَلِكِ أَشُّورَ وَلَمْ يَتَعَبَّدْ لَهُ. ٨هُوَ ضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ إِلَى غَزَّةَ وَتُخُومِهَا، مِنْ بُرْجِ النَّوَاطِيرِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ.
١. وَكَانَ ٱلرَّبُّ مَعَهُ، وَحَيْثُمَا كَانَ يَخْرُجُ كَانَ يَنْجَحُ: بارك الله حزقيا كثيرًا بسبب ثقته الأمينة بالرب. فكان هذا وفاءً لوعد طويل الأمد لداود ونسله – إذا أطاعوه، فسيظل حكمهم دائمًا وآمِنًا (١ ملوك ٢: ١-٤).
٢. وَعَصَى عَلَى مَلِكِ أَشُّورَ وَلَمْ يَتَعَبَّدْ لَهُ (لم يخدمه): في ذلك الوقت، كانت أشور قوية بما يكفي لتغزو مملكة إسرائيل بأكملها. غير أن مملكة يهوذا صمدت، لأن الله بارك ملكها المطيع المتكل عليه.
• “تخلّص حزقيا من نير القهر والجزية الذي خضع له أبوه بشكل شرير، واستأنف السيادة المستقلة الكاملة التي أقامها الله في بيت داود.” بوله (Poole)
• وفي وقت لاحق، وُبِّخ الملك صدقيا على تمرده على ملك بابل، لكن هذه كانت حالة مختلفة. ويبيّن هذا أن للتمرد ما يبرره أحيانًا، وما لا يبرره أحيانًا أخرى.
٣. هُوَ ضَرَبَ (أخضع) ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ: حقق حزقيا نجاحًا أيضًا في إخضاع الدول المجاورة العدوانية. وقد عمل على جعل يهوذا قوية وحرة ومستقلة.
د ) الآيات (٩-١٢): سقوط إسرائيل في السبي أثناء حكمه.
٩وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا، وَهِيَ السَّنَةُ السَّابِعَةُ لِهُوشَعَ بْنِ أَيْلَةَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، صَعِدَ شَلْمَنْأَسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى السَّامِرَةِ وَحَاصَرَهَا. ١٠وَأَخَذُوهَا فِي نِهَايَةِ ثَلاَثِ سِنِينَ. فَفِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ لِحَزَقِيَّا، وَهِيَ السَّنَةُ التَّاسِعَةُ لِهُوشَعَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، أُخِذَتِ السَّامِرَةُ. ١١وَسَبَى مَلِكُ أَشُّورَ إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ، وَوَضَعَهُمْ فِي حَلَحَ وَخَابُورَ نَهْرِ جُوزَانَ وَفِي مُدُنِ مَادِي، ١٢لأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِهِمْ، بَلْ تَجَاوَزُوا عَهْدَهُ وَكُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ، فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَعْمَلُوا.
١. أُخِذَتِ ٱلسَّامِرَةُ: كانت هذه خبرة مُصَحِّية، بل كان ينبغي أن تكون كذلك، لمملكة يهوذا الجنوبية لتراها وتتعلم منها. إذ أظهر الدمار القاسي الذي جلبه الأشوريون المصائب التي يمكن أن تأتي على شعب الله العصاة.
• “من هذا الوقت فصاعدًا، لن تُعرف المملكة الجنوبية باسم يهوذا فحسب، بل باسمها القديم، إسرائيل، أيضًا.” ديلداي (Dilday)
٢. فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَعْمَلُوا: لم يكن شعب المملكة الشمالية أقل إسرائيليّةً أو أقل انتسابًا إلى إبراهيم من حيث الدم من شعب المملكة الجنوبية. ولذلك، أظهر هذا ليهوذا أنه إذا توقفوا عن سماح وصايا الله والعمل بها، فسيواجهون دينونة أيضًا.
ثانيًا. التهديد الأشوري أثناء حكم حزقيا
أ ) الآيات (١٣-١٦): حزقيا يحاول شراء السلام من الأشوريين.
١٣وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا، صَعِدَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا الْحَصِينَةِ وَأَخَذَهَا. ١٤وَأَرْسَلَ حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ إِلَى لَخِيشَ يَقُولُ: «قَدْ أَخْطَأْتُ. ارْجعْ عَنِّي، وَمَهْمَا جَعَلْتَ عَلَيَّ حَمَلْتُهُ». فَوَضَعَ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا ثَلاَثَ مِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَثَلاَثِينَ وَزْنَةً مِنَ الذَّهَبِ. ١٥فَدَفَعَ حَزَقِيَّا جَمِيعَ الْفِضَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي خَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ. ١٦فِي ذلِكَ الزَّمَانِ قَشَّرَ حَزَقِيَّا الذَّهَبَ عَنْ أَبْوَابِ هَيْكَلِ الرَّبِّ وَالدَّعَائِمِ الَّتِي كَانَ قَدْ غَشَّاهَا حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا، وَدَفَعَهُ لِمَلِكِ أَشُّورَ.
١. وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةَ عَشْرَةَ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا، صَعِدَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا ٱلْحَصِينَةِ وَأَخَذَهَا: كان هذا بعد خمس سنوات من سقوط السامرة. وها قد جلب ملك أشور قواته ضد يهوذا التي نجحت في مقاومته من قبل (٢ ملوك ١٨: ٧). واستولى عَلَى جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا ٱلْحَصِينَةِ، ولم يبقَ له إلا أن يستولي على أورشليم ليكمل غزوه ليهوذا بأكملها.
• إنّ ذِكر لخيش مهم تاريخيًّا. إذ كانت تبعد على بعد ثلاثين ميلًا جنوب غربي أورشليم. ويمكنك أن ترى في المتحف البريطاني منحوتات أشورية تصور حصارهم للخيش التي كانت حصنًا مهمًّا في يهوذا.
• “يحتفظ المتحف البريطاني بنحت جداري مثير للاهتمام مأخوذ من أعمال التنقيب في قصر سنحاريب الملكي في نينوى. وهو يصور الملك الأشوري على عرش محمول في معسكره، وأسرى الحرب يسيرون على أقدامهم، بينما تُعرَض الغنائم المأخوذة من المدينة على عربات تجرها ثيران.” ديلداي (Dilday)
• اكتشف علماء الآثار فيها حفرة ضمّت بقايا ١٥٠٠ ضحية ربما جاءت من هجوم لاحق من نبوخذنصّر بعد حوالي ١٠٠ عام من الهجوم الأشوري.
٢. قَدْ أَخْطَأْتُ. ٱرْجِعْ عَنِّي، وَمَهْمَا جَعَلْتَ عَلَيَّ حَمَلْتُهُ: من الواضح أن هذا كان يعكس افتقارًا إلى الإيمان من جهة حزقيا، مع أن هذا كان أمرًا مفهومًا. فقد أحس بأنه أكثر حكمة له أن يدفع مالًا للملك الأشوري ويصبح خاضعًا له من أن يتكل على الرب في الدفاع عن يهوذا ضد هذا الملك الجبّار.
• يمكننا أن نفترض أن حزقيا اعتقد، بعد احتلال المملكة الشمالية مؤخرًا، وجميع حصون يهوذا للتو، أن الله أظهر أنه لن يتدخل لصالح يهوذا. ولذلك، شعر بأن عليه أن يفعل شيئًا بنفسه.
• ربما تعززت هذه الفكرة لدى حزقيا عندما تذكَّر شر أبيه، آحاز، وعندما وضع في اعتباره خطيتهم السابقة، وهي أن يهوذا استحقت مثل هذه الدينونة.
٣. فَدَفَعَ حَزَقِيَّا جَمِيعَ ٱلْفِضَّةِ ٱلْمَوْجُودَةِ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ وَفِي خَزَائِنِ بَيْتِ ٱلْمَلِكِ: أمِل حزقيا أن تجعل سياسته الاسترضائية يهوذا آمنة، لكنه كان مخطئًا. فلم تسفر سياسته هذه إلا عن إفقار يهوذا والهيكل، وجعْل ملك أشور أكثر جرأة من أي وقت مضى.
ب) الآيات (١٧-٢٠): ربشاقى يحاول إقناع يهوذا بالاستسلام.
١٧وَأَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ تَرْتَانَ وَرَبْسَارِيسَ وَرَبْشَاقَى مِنْ لَخِيشَ إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ، فَصَعِدُوا وَأَتَوْا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا صَعِدُوا جَاءُوا وَوَقَفُوا عِنْدَ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا الَّتِي فِي طَرِيقِ حَقْلِ الْقَصَّارِ. ١٨وَدَعَوْا الْمَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَشِبْنَةُ الْكَاتِبُ وَيُواخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ. ١٩فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: «قُولُوا لِحَزَقِيَّا: هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ مَلِكُ أَشُّورَ: مَا الاتِّكَالُ الَّذِي اتَّكَلْتَ؟ ٢٠قُلْتَ إِنَّمَا كَلاَمُ الشَّفَتَيْنِ هُوَ مَشُورَةٌ وَبَأْسٌ لِلْحَرْبِ. وَالآنَ عَلَى مَنِ اتَّكَلْتَ حَتَّى عَصَيْتَ عَلَيَّ؟
١. رَبْشَاقَى: “من هو ربشاقى؟ كان ’ربشاقى‘ لقبًا، لا اسمًا، وهو يشير إلى القائد الميداني للجيش الأشوري الذي مثّل الملك سنحاريب. ربما دلّ هذا اللقب الأشوري ’رب-شاقي‘ في الأصل على ’رئيس حاملي الكؤوس،‘ لكن بحلول هذا الوقت، كان أحد كبار المسؤولين في الدولة.” (موتير في تفسيره لسفر إشعياء)
٢. وَوَقَفُوا عِنْدَ قَنَاةِ ٱلْبِرْكَةِ ٱلْعُلْيَا… فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَلِيَاقِيمُ… وَشِبْنَةُ… وَيُواخُ: يبدو أن ربشاقى متحكم في الموقف بشكل كامل. إذ يمكنه أن يسير مباشرة إلى مدينة أورشليم والوقوف عند مصدر مياهه الحيوي، والذي سيكون شريان الحياة لها عند التعرض لمهاجمتها أو حصارها. وبينما كان يقف هناك، جاء ثلاثة مسؤولين من إدارة الملك لحزقيّا لمقابلته.
٣. مَا ٱلِٱتِّكَالُ ٱلَّذِي ٱتَّكَلْتَ؟: كنا نتمنى لو أن حزقيا اتكل على الرب ويهزأ به الأشوريون بسبب هذا. وبدلًا من ذلك، وضع آماله في تحالف مع مصر، وأراد الأشوريون أن يهزّوا ثقته بهذا التحالف.
• كانت تجربة عظيمة لحزقيا أثناء ذلك الوقت أن يعقد تحالفًا دفاعيًّا مع مصر، حيث بدت أنها الأمة القوية الوحيدة بما يكفي لحماية يهوذا من الأشوريين الأقوياء. وفعل إشعياء كنبي كل ما بوسعه لثني حزقيا وقادة يهوذا عن وضع ثقتهم في مصر (إشعياء ١٩: ١١-١٧؛ ٢٠: ١-٦؛ ٣٠: ١-٧). إذ أراد الرب أن تتكل يهوذا عليه، لا على مصر.
• بهذا المعنى، كان ربشاقى يقول الحق. فلم يُرِد الله ليهوذا أن تضع ثقتها في مصر على الإطلاق. لكن ربشاقى لم يقل هذا ليوصل يهوذا إلى اتكال ثابت على الرب الإله الذي يستطيع أن يخلّصها من الأشوريين، وسيفعل ذلك. لكن ربشاقى قال هذا لتدمير معنويات يهوذا ودفْعها إلى اليأس.
• يهاجمنا إبليس بنفس الطريقة! فغالبًا حتى عندما يقول الحق (أنت خاطئ نتنٌ جدًّا!)، فإنه لا يفعل هذا ليقودنا إلى اتكال ثابت بالرب إلهنا (“مات يسوع من أجل الخطاة. ولهذا، إذا كنت خاطئًا نتنًا جدًّا، فقد مات يسوع ليغفر لي ويحررني!”) وبدلًا من ذلك، فإن إستراتيجية إبليس – حتى لو أخبرنا الحقيقة – هي أنها دائمًا تدمير معنوياتنا ودفْعنا إلى اليأس.
• من منظور غير المؤمن، طرح سنحاريب سؤالًا مشروعًا: ’وَٱلْآنَ عَلَى مَنِ ٱتَّكَلْتَ حَتَّى عَصَيْتَ عَلَيَّ؟‘ يتوجب أن تكون حياتنا إلى حد بعيد لغزًا. فسلامنا يفوق العقل، ودوافعنا مخفية. يتوجب أن تتملص مصادر إمدادنا، وأساس ثقتنا، وأسباب أفعالنا من الفحص الأكثر دقة من أولئك الذين يقفون خارج دائرة وجه الله السعيدة. ويتوجب أن نكون مستعدين لقبول الانتقاد، لأن سلوكنا تحدده معطيات لا يعرفها رؤساء العالم.” ماير (Meyer)
ج) الآيات (٢١-٢٥): حجج ربشاقى المحبطة للروح المعنوية
٢١فَالآنَ هُوَذَا قَدِ اتَّكَلْتَ عَلَى عُكَّازِ هذِهِ الْقَصَبَةِ الْمَرْضُوضَةِ، عَلَى مِصْرَ، الَّتِي إِذَا تَوَكَّأَ أَحَدٌ عَلَيْهَا، دَخَلَتْ فِي كَفِّهِ وَثَقَبَتْهَا! هكَذَا هُوَ فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ. ٢٢وَإِذَا قُلْتُمْ لِي: عَلَى الرَّبِّ إِلهِنَا اتَّكَلْنَا، أَفَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَزَالَ حَزَقِيَّا مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ، وَقَالَ لِيَهُوذَا وَلأُورُشَلِيمَ: أَمَامَ هذَا الْمَذْبَحِ تَسْجُدُونَ فِي أُورُشَلِيمَ؟ ٢٣وَالآنَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ، فَأُعْطِيَكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنْ كُنْتَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهَا رَاكِبِينَ. ٢٤فَكَيْفَ تَرُدُّ وَجْهَ وَال وَاحِدٍ مِنْ عَبِيدِ سَيِّدِي الصِّغَارِ، وَتَتَّكِلُ عَلَى مِصْرَ لأَجْلِ مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ؟ ٢٥وَالآنَ هَلْ بِدُونِ الرَّبِّ صَعِدْتُ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ لأَخْرِبَهُ؟ اَلرَّبُّ قَالَ لِي اصْعَدْ عَلَى هذِهِ الأَرْضِ وَاخْرِبْهَا».
١. قَدِ ٱتَّكَلْتَ عَلَى عُكَّازِ هَذِهِ ٱلْقَصَبَةِ ٱلْمَرْضُوضَةِ: من الغريب أن ربشاقى استطاع أن يدرك حقيقة ضعف مصر أكثر من كثيرين من قادة يهوذا. وستمثّل سياسة حزقيا في الاتكال على مصر متاعب ليهوذا.
• “قامت مصر بمحاولتها الوحيدة بالوفاء بوعودها (٢٨: ١٤)، وهُزم جيشها في ’التقيّة.‘ رأى ربشاقى هذا بنفسه، لكن كلماته كانت بعيدة الأثر وبالغة الضرر، فاضحًا بهذا غباء قادة يهوذا. ومن المؤكد أنه عرف أن كل من يتكل على مصر سيعاني.” موتير (Motyer) في تفسيره لسفر إشعياء
• “بما أن هذا هو التعبير الذي استخدمه إشعياء كرمز لمصر (إشعياء ٤٢: ٣)، رأى بعضهم أن سنحاريب كان على اطلاع على نبوات إشعياء المقتبسة هنا ليلمّح إلى أنه كان ينفّذ إرادة الرب. ونحن نجد مزيدًا من الدعم لهذا في الآية ٢٥، حيث بدا أن سنحاريب كان مدركًا لعبارة إشعياء التي تقول إن أشور هو القضيب الذي سيستخدمه الرب لمعاقبة يهوذا (إشعياء ١٠: ٥).” ديلداي (Dilday)
٢. وَإِذَا قُلْتُمْ لِي: عَلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا ٱتَّكَلْنَا: استبق ربشاقى استجابة قادة يهوذا له: “يا ربشاقى، أنت تقول إننا لا نستطيع أن نتكل على مصر. حسنًا. لن نتكل عليها. لكن يمكننا أن نتكل على الرب إلهنا.”
٣. أَفَلَيْسَ هُوَ ٱلَّذِي أَزَالَ حَزَقِيَّا مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ: عرف ربشاقى أن الملك حزقيا قام بإصلاحات واسعة في يهوذا، بما في ذلك إزالة المرتفعات (٢ ملوك ١٨: ٣-٤). غير أنه رأى أن إصلاحات حزقيا هذه أغضبت الله، ولهذا لا ينبغي له أن يتوقع عونًا من الرب، إله إسرائيل. فكان لسان حال هذا الأشوري: انظروا إلى كل الأماكن التي عبد فيها الناس الرب، إله إسرائيل. والآن، لا يوجد إلا مكان واحد لعبادته. فالمزيد هو دائمًا أفضل. ولهذا، لا بد أن الرب كان حانقًا على حزقيا.
• يستخدم إبليس نفس النهج. يتصور كثيرون أن إبليس متلهف إلى القتال معنا. وهو في واقع الأمر لا يريد أن يخوض معركة معك. بادئ ذي بدء، هنالك فرصة قوية أن تنتصر عليه. ثانيًا، في حالة الفوز أو الخسارة، يمكن أن تقرّبك المعركة إلى الله أكثر. ثالثًا، يمكن أن يكون ما يفعله الله في حياتك أثناء المعركة نعمة لكثيرين. ولهذا، فإن إبليس يفضل كثيرًا ألّا يحاربك على الإطلاق. فهو يحاول إقناعك بالاستسلام.
• نرى نفس الإستراتيجية مستخدمة ضد يسوع أثناء تجربته في البرية. فعندما وعد إبليس يسوع بممالك العالم، مقابل عبادته له، كان يحاول أن يتجنب القتال محاولًا أن يدفع يسوع إلى الاستسلام (لوقا ٤: ٥-٨). ولم ينجح هذا مع يسوع، ولا ينبغي أن ينجح معنا أيضًا.
٤. وَٱلْآنَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ: يذكّرنا هذا بإستراتيجية ربشاقى الكاملة، وهي دفع يهوذا إلى الاستسلام. وهذا هو سبب وجوده أصلًا عند القناة وهو يتحدث إلى قادة إدارة حزقيا هؤلاء. كانت لديه جيوش متفوّقة للغاية. وكان بإمكانه أن يهاجم أورشليم من دون هذا الخطاب الصغير. لكن ربشاقى فضّل أن تستسلم يهوذا بدافع من الخوف، أو الإحباط، أو اليأس.
• لعدو نفوسنا طريقة مذهلة في تثبيط طاعتنا للرب. فإن لم يكن حزقيا حريصًا ومتيقّظًا، فستبدو حجة ربشاقى منطقية، بينما هي منطق شيطاني من أولها إلى آخرها.
• “يبيّن سوء الفهم اللاهوتي الذي أظهره القائد الميداني (ربشاقى) عند هذه النقطة أصالة هذا الخطاب الذي دعاه نقّاد كثيرون خلْقًا حُرًّا من مؤلف النص.” جروجان (Grogan) في تفسيره لسفر إشعياء
٥. فَأُعْطِيَكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنْ كُنْتَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهَا رَاكِبِينَ: هنا يتهكم ربشاقى من جيش يهوذا قائلًا: “فَأُعْطِيكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنِ كان هذا يفيدك.” والفكرة الأساسية هنا هي: “نستطيع أن نغلبكم بيد مربوطة خلف ظهرنا! فَكَيْفَ تَرُدُّ وَجْهَ وَالٍ وَاحِدٍ مِنْ عَبِيدِ سَيِّدِي ٱلصِّغَارِ؟
٦. وَٱلْآنَ هَلْ بِدُونِ ٱلرَّبِّ صَعِدْتُ عَلَى هَذَا ٱلْمَوْضِعِ لِأَخْرِبَهُ: احتفظ ربشاقى بأفضل ما لديه للنهاية، وكأنه يقول: “اعترف، يا حزقيا، بأنك تعرف أن إلهك هو إلى جانبي.”
• مثل أي خداع جيد آخر، كان سهلًا على حزقيا ورجاله أن يصدقوا هذا الكلام الماكر. ألم يكن الأشوريون ناجحين بشكل مذهل؟ أليس لديهم أقوى جيش؟ لا بد أن الله معهم.
٧. اَلرَّبُّ قَالَ لِي ٱصْعَدْ عَلَى هَذِهِ ٱلْأَرْضِ وَٱخْرِبْهَا: كانت هذه هي الضربة القاضية في هجوم ذكي جدًّا. “يا حزقيا، طلب الرب نفسه مني أن أقضي عليك. فأنا لا أفعل إلا مشيئته. وليس هنالك ما يمكنك أن تفعله لإيقاف ذلك. لهذا يَحْسُن بك أن تستسلم.”
• يمكننا القول إن ربشاقى كان مُحِقًّا جزئيًّا! إذ كان الله معه، وقد حقق خطة الله المتنبّأ بها! لقد فعل الأشوريون إرادة الله في غزوهم لآرام وإسرائيل، وفي دفع يهوذا إلى حافة الهاوية. وقد تنبّأ الله بأن كل هذا سيحدث (إشعياء ٨: ٣-٤؛ ٧: ١٦-١٧، وفي مواضع أخرى في إشعياء). وقد سمح بحدوث ذلك حتى تتحقق خطته المتنبّأ بها.
• ومع ذلك، لا ينبغي لنا أن نعتقد أن الله جرّب رجلًا بريئًا بخطة شريرة. وفي واقع الأمر، رغم أن الله تنبّأ بهذا الغزو وخطّط له، ربما كان ربشاقى كاذبًا عندما قال: اَلرَّبُّ قَالَ لِي. فلم يضطر الله إلى أن يفعل شيئًا خاصًّا ليوجه الأشوريين المتعطشين للدم والغزو إلى الهجوم على آرام وإسرائيل، بل سمح لهم بتنفيذ رغبات قلوبهم الشريرة. ولهذا، لم يكن ممكنًا لهم أن يبرروا ما فعلوه بقولهم: “كنا نفعل مشيئة الله،” تمامًا لم يكن بمقدور يهوذا أن يستخدم نفس العذر في ما يتعلق بخيانته الشريرة ليسوع.
د ) الآيات (٢٦-٢٧): رجال حزقيا يطلبون من ربشاقى أن يوجه كلامه إليهم وحدهم.
٢٦فَقَالَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا وَشِبْنَةُ وَيُواخُ لِرَبْشَاقَى: «كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِالأَرَامِيِّ لأَنَّنَا نَفْهَمُهُ، وَلاَ تُكَلِّمْنَا بِالْيَهُودِيِّ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ الَّذِينَ عَلَى السُّورِ». ٢٧فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: «هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَمِ؟ أَلَيْسَ إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟»
١. كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِٱلْأَرَامِيِّ لِأَنَّنَا نَفْهَمُهُ: يمكننا تخيُّل مدى صعوبة الأمر بالنسبة لهؤلاء القادة في إدارة حزقيا. لا بد أنهم فكّروا: “إنه أمر سيئ بما يكفي أن نسمع هذا. لكن بما أنه يتحدث بالعبرية فسوف يسمع الجميع، وسرعان ما سيصاب الناس بالإحباط حتى إنهم سيثورون علينا ويجبروننا على الاستسلام.”
• “أصبحت الآرامية اللغة الدبلوماسية الشائعة في الشرق الأدنى في الفترة الأشورية الجديدة. ولهذا، فإن قدرة عضو من أعضاء العاملين لدى سنحاريب على التكلم بالآرامية والأكادية معًا لم تعد موضع شك.” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
٢. هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهَذَا ٱلْكَلَامِ؟ أَلَيْسَ إِلَى ٱلرِّجَالِ ٱلْجَالِسِينَ عَلَى ٱلسُّورِ؟: لم يأبه ربشاقى إن كان المواطنون العاديون في أورشليم قادرين على سماعه. بل كان هذا واحدًا من أهدافه. فكلما انتشر الخوف والإحباط واليأس، كان أفضل.
1. لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ: أشار ربشاقى إلى ما ستكون عليه الظروف في أورشليم بعد حصار طويل. أراد بهذا أن يثير اشمئزاز كل من يسمعه، وأن يضخم الخوف والإحباط واليأس لديهم.
هـ) الآيات (٢٨-٣٥): ربشاقى يناشد الشعب مباشرة.
٢٨ثُمَّ وَقَفَ رَبْشَاقَى وَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِالْيَهُودِيِّ وَتَكَلَّمَ قَائِلاً: «اسْمَعُوا كَلاَمَ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ مَلِكِ أَشُّورَ. ٢٩هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ: لاَ يَخْدَعْكُمْ حَزَقِيَّا، لأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِهِ، ٣٠وَلاَ يَجْعَلْكُمْ حَزَقِيَّا تَتَّكِلُونَ عَلَى الرَّبِّ قَائِلاً: إِنْقَاذًا يُنْقِذُنَا الرَّبُّ وَلاَ تُدْفَعُ هذِهِ الْمَدِينَةُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. ٣١لاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا. لأَنَّهُ هكَذَا يَقُولُ مَلِكُ أَشُّورَ: اعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا، وَاخْرُجُوا إِلَيَّ، وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِينَتِهِ، وَاشْرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ مَاءَ بِئْرِهِ ٣٢حَتَّى آتِيَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ كَأَرْضِكُمْ، أَرْضَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ، أَرْضَ خُبْزٍ وَكُرُومٍ، أَرْضَ زَيْتُونٍ وَعَسَل وَاحْيَوْا وَلاَ تَمُوتُوا. وَلاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا لأَنَّهُ يَغُرُّكُمْ قَائِلاً: الرَّبُّ يُنْقِذُنَا. ٣٣هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ الأُمَمِ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْضَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ ٣٤أَيْنَ آلِهَةُ حَمَاةَ وَأَرْفَادَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ سَفَرْوَايِمَ وَهَيْنَعَ وَعِوَّا؟ هَلْ أَنْقَذُوا السَّامِرَةَ مِنْ يَدِي؟ ٣٥مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ الأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي، حَتَّى يُنْقِذَ الرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي؟».
١. ثُمَّ وَقَفَ رَبْشَاقَى وَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِٱلْيَهُودِيِّ: كان قول رجال حزقيا لربشاقى ’لا تفعل هذا‘ مثل قول ’لا‘ لطفل شقي. وكان ربشاقى متلهفًّا إلى مخاطبة أهل أورشليم.
٢. ٱسْمَعُوا كَلَامَ ٱلْمَلِكِ ٱلْعَظِيمِ مَلِكِ أَشُّورَ: قصد ربشاقى بخطابه تمجيد العدو الذي كان يواجه شعب الله.
٣. لَا يَخْدَعْكُمْ حَزَقِيَّا: قصد ربشاقى بخطابه تشكيك الشعب في قادتهم.
٤. وَلَا يَجْعَلْكُمْ حَزَقِيَّا تَتَّكِلُونَ عَلَى ٱلرَّبِّ: قصد ربشاقى بخطابه بثّ الخوف وعدم الإيمان في شعب الله.
٥. لِأَنَّهُ هَكَذَا يَقُولُ مَلِكُ أَشُّورَ: ٱعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا، وَٱخْرُجُوا إِلَيَّ، وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِينَتِهِ: قصد ربشاقى بخطابه جعْل الاستسلام خيارًا جذّابًا.
٦. حَتَّى آتِيَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ كَأَرْضِكُمْ: يشير ربشاقى إلى سياستَي ’التطهير العرقي‘ و’إعادة التوطين القسري‘ اللتين مارسهما الأشوريون. فعندما كانوا يغزون شعبًا، كانوا يجبرونهم على إعادة التوطين في أماكن بعيدة لإبقاء معنوياته محطمة وفي حالة ضعف. وقصد ربشاقى أن يجعل هذا المصير يبدو جذّابًا.
٧. هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ ٱلْأُمَمِ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْضَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟: قصد ربشاقى في خطابه تدمير ثقتهم بالله. فرسالته بسيطة وماكرة في منطقها الشيطاني: “لم تقدر آلهة الشعوب الأخرى من حمايتها منّا. وإلهكم هو مثل واحد منها. ولن يستطيع أن يحميكم منّا أيضًا.”
• بالنسبة لأي شخص ذي فهم روحي، كان يمكن ليهوذا أن تخطط للنصر في تلك اللحظة. فانتقاد يهوذا، وقادتها، وشعبها شيء، لكن الاستهزاء بالرب، إله إسرائيل، والنظر إليه على أنه “مجرد إله آخر” شيء آخر تمامًا.
• على غرار عمل عدو النفوس، كان ربشاقي يبلي بلاء حسنًا إلى أن تجاوز حدوده. فلم تكن هنالك أية فرصة لأن يتركه الله يفلت من مسؤولية ما قاله. فقد أهان الرب الإله بطريقة سيندم عليها سريعًا جدًّا.
و ) الآيات (٣٦-٣٧): استجابة المسؤولين والشعب
٣٦فَسَكَتَ الشَّعْبُ وَلَمْ يُجِيبُوهُ بِكَلِمَةٍ، لأَنَّ أَمْرَ الْمَلِكِ كَانَ قَائِلاً: «لاَ تُجِيبُوهُ». ٣٧فَجَاءَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَشِبْنَةُ الْكَاتِبُ وَيُوَاخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ إِلَى حَزَقِيَّا وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ، فَأَخْبَرُوهُ بِكَلاَمِ رَبْشَاقَى.
١. فَسَكَتَ ٱلشَّعْبُ وَلَمْ يُجِيبُوهُ بِكَلِمَةٍ: لم يحاولوا أن يتجادلوا مع ربشاقى. وغالبًا ما يكون عديم الفائدة – إن لم يكن خطرًا – أن تدخل في صدام أو منافسة ذكاء مع مثل هذا المنطق الشيطاني. فكم هو أفضل بكثير أن تلزم الصمت واثقًا بالله من محاولة كسب جدال!
• “الصمت هو أفضل رد لدينا على مزاعم خصومنا وتهكمهم علينا. اهدئي، أيتها النفس المضطهَدة! سلّمي الأمر لله. سلّمي قضيتك له. فمن غير المجدي أن تجادلي، حتى في كثير من الأحيان التي تمتلكين فيها تفسيرات لتقدميها. اهدئي، وسلّمي قضيتك لله.” ماير في تفسيره لسفر إشعياء (Meyer)
٢. لِأَنَّ أَمْرَ ٱلْمَلِكِ كَانَ قَائِلًا: “لَا تُجِيبُوهُ”: كان حزقيا من الحكمة أنه أمر رجاله هكذا. وكان رجاله من الحكمة أنهم أطاعوه.
٣. فَجَاءَ … إِلَى حَزَقِيَّا وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ: رغم أنهم كانوا صامتين، إلا أنهم تأثّروا بعمق بهذا الهجوم. فلم يتدحرج عن ظهورهم وكأنه لم يكن شيئًا. إذ كانت لديهم نفس الخبرة التي وصفها بولس في ٢ كورنثوس ٤: ٨-٩: “مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لَكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لَكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ. مُضْطَهَدِينَ، لَكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لَكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ.” كانت الأمور صعبة، لكنهم لم يخسروا المعركة بعد.