سفر ملوك الثاني – الإصحاح ٢٥
سقوط أورشليم وسبي يهوذا
أولًا. غزو أورشليم
أ ) الآيات (١-٣): أورشليم تحت الحصار.
١وَفِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِمُلْكِهِ، فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ فِي عَاشِرِ الشَّهْرِ، جَاءَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ عَلَى أُورُشَلِيمَ وَنَزَلَ عَلَيْهَا، وَبَنَوْا عَلَيْهَا أَبْرَاجًا حَوْلَهَا. ٢وَدَخَلَتِ الْمَدِينَةُ تَحْتَ الْحِصَارِ إِلَى السَّنَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ صِدْقِيَّا. ٣فِي تَاسِعِ الشَّهْرِ اشْتَدَّ الْجُوعُ فِي الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ خُبْزٌ لِشَعْبِ الأَرْضِ
١. وَبَنَوْا عَلَيْهَا أَبْرَاجًا حَوْلَهَا: استخدم نبوخذنصّر الطريقة الشائعة في تلك الأيام للهجوم على المدن المحصّنة بالأسوار، وهي الحصار. فكانت المدينة المحصَّنة تُحاصَر لمنع كل تجارة أو عمل من الدخول إلى تلك المدينة أو الخروج منها، ما يؤدي في نهاية الأمر إلى تجويع السكّان حتى الاستسلام.
• “اعتمد البابليون في البداية على السيطرة المشدَّدة باستخدام أبراج مراقبة بدلًا من أعمال (بناء) حصار، سامحين بهذا لأولئك الراغبين في المغادرة بفعل ذلك (انظر ٢ ملوك ٢٥: ١١؛ إرميا ٣٨: ١٩، ٣٩: ٩)، لكن مع تجويع المدينة (إرميا ٣٨: ٢-٩).” وايزمان (Wiseman)
• وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلتَّاسِعَةِ لِمُلْكِهِ: “هذه هي المرة الأولى في سفر الملوك التي يؤرَّخ فيها حدثٌ في تاريخ إسرائيل بحقبة أجنبية.” ديلداي (Dilday)
٢. ٱشْتَدَّ ٱلْجُوعُ فِي ٱلْمَدِينَةِ: كان هذا هو الهدف المقصود من الحصار. ويشير هذا إلى أن نبوخذنصّر والبابليين كانوا على وشك الانتصار على أورشليم.
• “قد يكون الحصار الذي دام سنة ونصف السنة للسببين التاليين: (١) غياب نبوخذنصّر في ربله وانشغاله باحتواء الموانئ البحرية الفينيقية. (٢) تَحَرُّسُه من تدخُّلٍ مصري محتمل لمصلحة صدقيا (إرميا ٣٧: ٥، ١١).” وايزمان (Wiseman)
ب) الآيات (٤-٧): أسْر صدقيا وإعدامه.
٤فَثُغِرَتِ الْمَدِينَةُ، وَهَرَبَ جَمِيعُ رِجَالِ الْقِتَالِ لَيْلاً مِنْ طَرِيقِ الْبَابِ بَيْنَ السُّورَيْنِ اللَّذَيْنِ نَحْوَ جَنَّةِ الْمَلِكِ. وَكَانَ الْكِلْدَانِيُّونَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ مُسْتَدِيرِينَ. فَذَهَبُوا فِي طَرِيقِ الْبَرِّيَّةِ. ٥فَتَبِعَتْ جُيُوشُ الْكِلْدَانِيِّينَ الْمَلِكَ فَأَدْرَكُوهُ فِي بَرِّيَّةِ أَرِيحَا، وَتَفَرَّقَتْ جَمِيعُ جُيُوشِهِ عَنْهُ. ٦فَأَخَذُوا الْمَلِكَ وَأَصْعَدُوهُ إِلَى مَلِكِ بَابِلَ إِلَى رَبْلَةَ وَكَلَّمُوهُ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ. ٧وَقَتَلُوا بَنِي صِدْقِيَّا أَمَامَ عَيْنَيْهِ، وَقَلَعُوا عَيْنَيْ صِدْقِيَّا وَقَيَّدُوهُ بِسِلْسِلَتَيْنِ مِنْ نُحَاسٍ، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى بَابِلَ
١. فَثُغِرَتِ ٱلْمَدِينَةُ: في هذه النقطة اليائسة ليهوذا عند حصار أورشليم، بذل صدقيا محاولة أخيرة شبه ناجحة للإفلات من قبضة الحصار. فقد خطّط لاختراق سري عبر أسوار المدينة وخطوط الحصار البابلي، مستخدمًا تكتيكًا لتشتيت الانتباه.
• “يبدو أن الجيش تَفَرَّق لتجنُّب الأسر. ويربط بعضهم نبوة عوبديا ١: ٢-١٤ حول أدوم بهذا الوقت. وايزمان (Wiseman)
٢. فَتَبِعَتْ جُيُوشُ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ ٱلْمَلِكَ فَأَدْرَكُوهُ فِي بَرِّيَّةِ أَرِيحَا: كانت هذه مسافة لا بأس بها من أورشليم. ويرجح أنه اعتقد أن إستراتيجيته نجحت، وأنه أفلت من الدينونة التي تنبّأ بها أنبياء مثل إرميا. غير أنه ثبتت صحة كلمة الله، حيث أُسر الملك في سهول أريحا.
• “يبدو أن من المفارقات أنه في نفس المكان الذي وطأت فيه قدم إسرائيل أرض الموعد لأول مرة، يتم القبض على آخر ملك داودي، وتُنزع منه مملكته. وكان المكان الذي اختبرت فيه إسرائيل أول انتصار، عندما سقطت أسوار أريحا أمام رجال عُزَّل متكلين على الله، مسرح آخر هزيمة لها.” ديلداي (Dilday)
٣. وَقَتَلُوا بَنِي صِدْقِيَّا أَمَامَ عَيْنَيْهِ، وَقَلَعُوا عَيْنَيْ صِدْقِيَّا: لم يكن البابليون معروفين بنفس وحشية الأشوريين الذين سبق أن غزوا مملكة إسرائيل الشمالية قبل حوالي ١٥٠ عامًا، لكنهم كانوا خبراء في القسوة في حد ذاتهم. فعملوا على التأكد من أن آخر منظر يشهده صدقيا هو ذبح أولاده، وبعد ذلك سيمضي بقية حياته في الظلمة.
• كان هذا تحقيقًا للوعد الغامض الذي قدّمه الله على لسان حزقيال بشأن صدقيا قبل وقت قصير من سقوط أورشليم: “وَأَبْسُطُ شَبَكَتِي عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ فِي شَرَكِي، وَآتِي بِهِ إِلَى بَابِلَ إِلَى أَرْضِ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ، وَلَكِنْ لَا يَرَاهَا وَهُنَاكَ يَمُوتُ.” (حزقيال ١٢: ١٣)
• “يحقق هذا نبوّة حزقيال بأن صدقيا سيؤخذ إلى بابل من دون أن يراها (حزقيال ١٢: ١٣). كان قلع عيون السجناء أمرًا نادر الحدوث (انظر قضاة ١٦: ٢١)، لأنه ستُفرض عليهم أعمال ليقوموا بها. ولو راعى صدقيا كلمة النبي، لكان قد خلّص أورشليم ونفسه (إرميا ٣٨: ١٤-٢٨)، لأنه سيموت في بابل (حزقيال ١٢: ١٤).” وايزمان (Wiseman)
• “مع قلع عينيه، وتقييده بسلاسل، حُمل إلى بلاط الإمبراطور، كان رمزًا للشعب الذي سبق أن تمرد على الله وحُطِّم إلى أشلاء.” مورجان (Morgan)
• “لقد عميت عينا عقله قبل وقت طويل، وإلا لكان أمكنه أن يتوقع هذا الشر ويمنعه، لأن الرؤية المسبقة أفضل وسيلة للوقاية، لو أنه استمع إلى التحذيرات التي تنبّأ بها إرميا.” تراب (Trapp)
• “يقول يوسيفوس (Antiquities x.8.8) إن نبوخذنصّر ’أبقى صدقيا في السجن حتى مات، ورتّب له دفنًا رائعًا.‘ ويتفق هذا مع إرميا ٣٤: ٥.” ناب (Knapp)
ج) الآيات (٨-١٠): دمار أورشليم.
٨وَفِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ، فِي سَابِعِ الشَّهْرِ، وَهِيَ السَّنَةُ التَّاسِعَةَ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، جَاءَ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ عَبْدُ مَلِكِ بَابِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، ٩وَأَحْرَقَ بَيْتَ الرَّبِّ وَبَيْتَ الْمَلِكِ، وَكُلَّ بُيُوتِ أُورُشَلِيمَ، وَكُلَّ بُيُوتِ الْعُظَمَاءِ أَحْرَقَهَا بِالنَّارِ. ١٠وَجَمِيعُ أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ مُسْتَدِيرًا هَدَمَهَا كُلُّ جُيُوشِ الْكِلْدَانِيِّينَ الَّذِينَ مَعَ رَئِيسِ الشُّرَطِ.
١. وَأَحْرَقَ بَيْتَ ٱلرَّبِّ: كانت هذه نهاية هيكل سليمان العظيم. إذ تحوّل ذلك الهيكل إلى خراب الآن. وسيبقى كذلك لسنوات طويلة إلى أن يعاد بناؤه في شكل متواضع على أيدي المسبيين العائدين في أيام عزرا.
• “يعلن التلمود أنه عندما دخل البابليون الهيكل، أقاموا هنالك وليمة مدة يومين لتدنيسه. وبعد ذلك، في اليوم الثالث، أشعلوا النار فيه. ويضيف التلموذ أن النار اشتعلت طوال ذلك اليوم واليوم الذي تلاه.” ديلداي (Dilday)
• هكذا دُمِّر الهيكل في السنة الحادية عشرة لصدقيا، والتاسعة عشرة من حكم نبوخذنصر، وفي الأول من الأولمبياد الثامن والأربعين، وفي السنة المئة والستين الحالية من حقبة نبونصّر، وبعد أربع مئة وأربع وعشرين سنة وثلاثة أشهر وثمانية أيام من الوقت الذي وضع فيه سليمان حجر الأساس.” كلارك (Clarke)
٢. وَجَمِيعُ أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ مُسْتَدِيرًا هَدَمَهَا: والآن هُدمت أسوار أورشليم التي مثّلت أمانها المادي. فلم تعد المدينة مكانًا للأمان والطمأنينة. وستبقى الأسوار هكذا إلى أن يعيد المسبيون العائدون بناءها في أيام نحميا.
• نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ ٱلشُّرَطِ: “هذا اللقب بالعبرية حرفيًّا هو ’الجلّاد الرئيسي‘ (رئيس الجلادين)، أو ’الذّبّاح‘ (الجزّار). وقد شرع بشكل منهجي في هدم المدينة الجميلة، وحرق القصور، والمباني الرئيسية، وهدم الأسوار، وتدمير الهيكل.” ديلداي (Dilday)
د ) الآيات (١١-١٧): البقية تؤخذ وتُنهَب.
١١وَبَقِيَّةُ الشَّعْبِ الَّذِينَ بَقُوا فِي الْمَدِينَةِ، وَالْهَارِبُونَ الَّذِينَ هَرَبُوا إِلَى مَلِكِ بَابِلَ، وَبَقِيَّةُ الْجُمْهُورِ سَبَاهُمْ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ. ١٢وَلكِنَّ رَئِيسَ الشُّرَطِ أَبْقَى مِنْ مَسَاكِينِ الأَرْضِ كَرَّامِينَ وَفَلاَّحِينَ. ١٣وَأَعْمِدَةَ النُّحَاسِ الَّتِي فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَالْقَوَاعِدَ وَبَحْرَ النُّحَاسِ الَّذِي فِي بَيْتِ الرَّبِّ كَسَّرَهَا الْكِلْدَانِيُّونَ، وَحَمَلُوا نُحَاسَهَا إِلَى بَابِلَ. ١٤وَالْقُدُورَ وَالرُّفُوشَ وَالْمَقَاصَّ وَالصُّحُونَ وَجَمِيعَ آنِيَةِ النُّحَاسِ الَّتِي كَانُوا يَخْدِمُونَ بِهَا، أَخَذُوهَا. ١٥وَالْمَجَامِرَ وَالْمَنَاضِحَ. مَا كَانَ مِنْ ذَهَبٍ فَالذَّهَبُ، وَمَا كَانَ مِنْ فِضَّةٍ فَالْفِضَّةُ، أَخَذَهَا رَئِيسُ الشُّرَطِ. ١٦وَالْعَمُودَانِ وَالْبَحْرُ الْوَاحِدُ وَالْقَوَاعِدُ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ لِبَيْتِ الرَّبِّ، لَمْ يَكُنْ وَزْنٌ لِنُحَاسِ كُلِّ هذِهِ الأَدَوَاتِ. ١٧ثَمَانِي عَشَرَةَ ذِرَاعًا ارْتِفَاعُ الْعَمُودِ الْوَاحِدِ، وَعَلَيْهِ تَاجٌ مِنْ نُحَاسٍ، وَارْتِفَاعُ التَّاجِ ثَلاَثُ أَذْرُعٍ، وَالشَّبَكَةُ وَالرُّمَّانَاتُ الَّتِي عَلَى التَّاجِ مُسْتَدِيرَةً جَمِيعُهَا مِنْ نُحَاسٍ. وَكَانَ لِلْعَمُودِ الثَّانِي مِثْلُ هذِهِ عَلَى الشَّبَكَةِ.
١. وَبَقِيَّةُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ بَقُوا فِي ٱلْمَدِينَةِ: كانت هذه هي الموجة الرئيسية الثالثة للسبي التي أخذت بقية الشعب باستثناء جزء من فُقَرَاءِ ٱلشَّعْبِ.
• “لم يبقَ من رجال أورشليم البارزين إلا إرميا وجدليا (٢ ملوك ٢٥: ٢٢؛ انظر إرميا ٣٩: ١١-١٤). ولا شك أن موقف إرميا من المسألة البابلية كان معروفًا تمامًا.” ديلداي (Dilday)
• “في النص العبري، تشكل أول اثنتي عشرة آية جملة واحدة طويلة تبدأ كل آية منها بحرف الواو (و)، حيث تتراكم العبارات في نغمة ختامية، كما لو أن كل واحدة منها دقة أخرى في عد تنازلي لساعات أورشليم الأخيرة.” ديلداي (Dilday)
٢. وَحَمَلُوا نُحَاسَهَا إِلَى بَابِلَ… مَا كَانَ مِنْ ذَهَبٍ فَٱلذَّهَبُ، وَمَا كَانَ مِنْ فِضَّةٍ فَٱلْفِضَّةُ، أَخَذَهَا رَئِيسُ ٱلشُّرَطِ: كما أُخذت بقية الشعب إلى بابل، كذلك أُخذت الأشياء الثمينة المتبقية من الهيكل. فتُركت أورشليم مقفرة منهوبة بالكامل تحت دينونة الله.
• تمثل إرميا ٥٢: ١٧-٢٣ جردًا مفصَّلًا بكل ما نهبه البابليون من الهيكل.
هـ) الآيات (١٨-٢١): سيطرة نبوخنصر على أورشليم ويهوذا.
١٨وَأَخَذَ رَئِيسُ الشُّرَطِ سَرَايَا الْكَاهِنَ الرَّئِيسَ، وَصَفَنْيَا الْكَاهِنَ الثَّانِي، وَحَارِسِي الْبَابِ الثَّلاَثَةَ. ١٩وَمِنَ الْمَدِينَةِ أَخَذَ خَصِيًّا وَاحِدًا كَانَ وَكِيلاً عَلَى رِجَالِ الْحَرْبِ، وَخَمْسَةَ رِجَال مِنَ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ وَجْهَ الْمَلِكِ الَّذِينَ وُجِدُوا فِي الْمَدِينَةِ، وَكَاتِبَ رَئِيسِ الْجُنْدِ الَّذِي كَانَ يَجْمَعُ شَعْبَ الأَرْضِ، وَسِتِّينَ رَجُلاً مِنْ شَعْبِ الأَرْضِ الْمَوْجُودِينَ فِي الْمَدِينَةِ ٢٠وَأَخَذَهُمْ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ وَسَارَ بِهِمْ إِلَى مَلِكِ بَابِلَ إِلَى رَبْلَةَ. ٢١فَضَرَبَهُمْ مَلِكُ بَابِلَ وَقَتَلَهُمْ فِي رَبْلَةَ فِي أَرْضِ حَمَاةَ. فَسُبِيَ يَهُوذَا مِنْ أَرْضِهِ.
١. فَضَرَبَهُمْ مَلِكُ بَابِلَ وَقَتَلَهُمْ: أسر البابليون آخر قادة أورشليم ويهوذا وقتلوهم. وقد صار لملك بابل سيطرة تامة على مملكة يهوذا السابقة.
٢. فَسُبِيَ يَهُوذَا مِنْ أَرْضِهِ: كانت هذه هي الأرض التي أعطاها الله لشعبه، أسباط إسرائيل. فقد امتلكوا تلك الأرض حوالي ٨٦٠ سنة، حيث أخذوها بالإيمان والطاعة، لكنهم أضاعوها من خلال عبادة الأوثان والخطية.
• “لا يسع المرء إلا أن يُذهل للنبرة القاسية للسرد في هذا الإصحاح. فلا يُظهر الكاتب عواطفه ولو مرة واحدة، رغم أنه يصف سقوط بلده المأساوي. وعلينا أن نلجأ إلى سفر مراثي إرميا للبحث عن البكاء والأنين.” ديلداي (Dilday)
• “وهكذا صارت الأُمّة التي دُعيت إلى مكانة مميزة من الكرامة مشتتة ومجردة، حيث خسرت كل امتيازاتها بسبب عدم إيفائها بمسؤوليتها.” مورجان (Morgan)
• “أرادت إسرائيل أن تكون مثل الأمم المحيطة بها، فتقلّدها في تنظيمها، وتتحالف مع أُمة، ثم مع أخرى. ونتيجة لذلك، جُرفت إلى السبي من نفس الأُمة التي تأثرت بطرقها وعاداتها أكثر من أية أُمة أخرى.” (إشعياء ٣٩).” ماير (Meyer)
• “وهكذا حُملت يهوذا من أرضها بعد ٤٦٨ سنة من بدء حكم داود عليها، وبعد ٣٨٨ سنة من تقسيم الأسباط العشرة، وبعد ١٣٤ سنة من دمار مملكة إسرائيل الشمالية، وقبل ٥٩٠ سنة من المسيح.” كلارك (Clarke)
ثانيًا. يهوذا وأورشليم تحت سيطرة البابليين
أ ) الآيات (٢٢-٢٤): تعيين جدليا واليًا.
٢٢وَأَمَّا الشَّعْبُ الَّذِي بَقِيَ فِي أَرْضِ يَهُوذَا، الَّذِينَ أَبْقَاهُمْ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ، فَوَكَّلَ عَلَيْهِمْ جَدَلْيَا بْنَ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ. ٢٣وَلَمَّا سَمِعَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْجُيُوشِ هُمْ وَرِجَالُهُمْ أَنَّ مَلِكَ بَابِلَ قَدْ وَكَّلَ جَدَلْيَا أَتَوْا إِلَى جَدَلْيَا إِلَى الْمِصْفَاةِ، وَهُمْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا، وَيُوحَنَانُ بْنُ قَارِيحَ، وَسَرَايَا بْنُ تَنْحُومَثَ النَّطُوفَاتِيِّ، وَيَازَنْيَا ابْنُ الْمَعْكِيِّ، هُمْ وَرِجَالُهُمْ. ٢٤وَحَلَفَ جَدَلْيَا لَهُمْ وَلِرِجَالِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَخَافُوا مِنْ عَبِيدِ الْكِلْدَانِيِّينَ. اسْكُنُوا الأَرْضَ وَتَعَبَّدُوا لِمَلِكِ بَابِلَ فَيَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ»
١. أَنَّ مَلِكَ بَابِلَ قَدْ وَكَّلَ جَدَلْيَا: يبدو أن جدليا كان رجلًا صالحًا وتقيًّا وصديقًا للنبي إرميا (إرميا ٢٦: ٢٤؛ ٣٩: ١٤).
• “يقول يوسيفوس إن جدليا اشتهر باللطف والكرم، وقد تلاعب أعداؤه بهاتين الصفتين.” وايزمان (Wiseman)
٢. ٱسْكُنُوا ٱلْأَرْضَ وَتَعَبَّدُوا لِمَلِكِ بَابِلَ فَيَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ: بدا هذا الكلام غير وطني ولا ينمّ عن التقوى، لكنه كان الشيء الصواب الذي ينبغي أن يفعلوه. فإن أفضل ما يمكن أن يفعلوه في ظروف الدينونة المستحَقة هذه وغير القابلة للإيقاف هو أن يقبلوا ذلك من يد الله، وأن يفعلوا الصواب تحت حكم البابليين.
• كان هذا هو الشيء الصواب الذي ينبغي فِعْله، لأنه، رغم صعوبة قبول ذلك، كان صحيحًا أن البابليين كانوا يقومون بعمل الله في جلب الدينونة على مملكة يهوذا المستحقة. وفي هذا الوضع، فإن مقاومة البابليين هي بمنزلة مقاومة الله. وإنه لأفضل للمرء أن يتضع ويخضع لدينونة الله التي جلبها على يد البابليين.
• كان هذا هو السؤال الذي أزعج حبقوق كثيرًا. فرغم شرّ يهوذا واستحقاقها للدينونة، كيف يمكن لله أن يستخدم مملكة أكثر شرًّا مثل بابل لجلب الدينونة؟ وقد تناول حبقوق هذه المسألة الصعبة في حبقوق ١: ٥-٢: ٨).
ب) الآيات (٢٥-٢٦): اغتيال جدليا.
٢٥وَفِي الشَّهْرِ السَّابعِ جَاءَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا بْنِ أَلِيشَمَعَ مِنَ النَّسْلِ الْمَلِكِيِّ، وَعَشَرَةُ رِجَال مَعَهُ وَضَرَبُوا جَدَلْيَا فَمَاتَ، وَأَيْضًا الْيَهُودُ وَالْكِلْدَانِيِّينَ الَّذِينَ مَعَهُ فِي الْمِصْفَاةِ. ٢٦فَقَامَ جَمِيعُ الشَّعْبِ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ وَرُؤَسَاءُ الْجُيُوشِ وَجَاءُوا إِلَى مِصْرَ، لأَنَّهُمْ خَافُوا مِنَ الْكِلْدَانِيِّينَ.
١. جَاءَ إِسْمَاعِيلُ… وَعَشْرَةُ رِجَالٍ مَعَهُ وَضَرَبُوا جَدَلْيَا فَمَاتَ: لأن جدليا قاد بقية شعب الله إلى الخضوع إلى البابليين (الكلدانيين)، اغتيل كخائن لحركة المقاومة ضد البابلييين.
٢. فَقَامَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ… وَجَاءُوا إِلَى مِصْرَ: فعلوا هذا لأنهم خافوا مما يمكن أن يفعله البابليون في ضوء اغتيال الوالي جدليا المعيَّن منهم. فكان الذهاب إلى مصر أسوأ من الخضوع لدينونة الله التي أتى بها على يد البابليين.
• “تشهد أوراق بُردي أليفانتاين على وجود اليهود في مصر في القرن الخامس قبل الميلاد.” ديلداي (Dilday)
ج) الآيات (٢٧-٣٠): تحسُّن وضع يهوياكين في بابل.
٢٧وَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلاَثِينَ لِسَبْيِ يَهُويَاكِينَ مَلِكِ يَهُوذَا، فِي الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ فِي السَّابعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ، رَفَعَ أَوِيلُ مَرُودَخُ مَلِكُ بَابِلَ، فِي سَنَةِ تَمَلُّكِهِ، رَأْسَ يَهُويَاكِينَ مَلِكِ يَهُوذَا مِنَ السِّجْنِ ٢٨وَكَلَّمَهُ بِخَيْرٍ، وَجَعَلَ كُرْسِيَّهُ فَوْقَ كَرَاسِيِّ الْمُلُوكِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي بَابِلَ. ٢٩وَغَيَّرَ ثِيَابَ سِجْنِهِ. وَكَانَ يَأْكُلُ دَائِمًا الْخُبْزَ أَمَامَهُ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ. ٣٠وَوَظِيفَتُهُ وَظِيفَةٌ دَائِمَةٌ تُعْطَى لَهُ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ، أَمْرُ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ.
١. وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلسَّابِعَةِ وَٱلثَّلَاثِينَ لِسَبْيِ يَهُويَاكِينَ مَلِكِ يَهُوذَا: لم يكن يهوياكين آخر ملوك يهوذا. إذ خلفه صدقيا. لكنه أُخذ إلى بابل في قيود نحاسية (٢ ملوك ٢٤: ١٠-١٢). وحدثت هذه الرواية عندما مضت سنوات كثيرة على سبي يهوياكين.
• “لأن أهل يهوذا عدّوا يهوياكين آخر ملك شرعي على يهوذا، ستكون أخبار حالته اللاحقة ذات أهمية لهم.” ديلداي (Dilday)
٢. رَفَعَ أَوِيلُ مَرُودَخُ… رَأْسَ يَهُويَاكِينَ مَلِكِ يَهُوذَا مِنَ ٱلسِّجْنِ وَكَلَّمَهُ بِخَيْر: هذا وصف لكرم قليل وبركات صغيرة تعطى في أسوأ الظروف. إذ كانت يهوذا خالية من السكان، حيث كان الشعب مسبيين، وكان ملك يهوذا أسيرًا في بابل. غير أن المؤرخ الإلهي (النبي) في بحثه عن إشارات إلى عودة نعمة الله وفضله، لاحظ أن الملك يهوياكين بدأ يتلقى معاملة أفضل في بابل.
• “نتج هذا عن اتفاق (يقول النص العبري “كلمه بخير”، كما هو في الترجمة العربية)، لا مجرد كلام ودي معه بشكل عام.” وايزمان (Wiseman)
• “يخبرنا معلمو الشريعة اليهود أنه عندما عاد أبوه (نبوخذنصر) إلى رشده بعد أن كان يرعي مع وحوش الحقل سبع سنوات، ألقى بأويل مردوخ في نفس السجن مع يهوياكين الذي أخبره عن قضيته. ولهذا وجد نعمة في عينيه.” تراب (Trapp)
• “يُضاف الملحق الثاني لتذكير القارئ بأنه بينما كان يهوياكين ما زال في بابل كممثل لسلالة داود، كان الله يحفظ شعبه. ويرى بعضهم أن هذا يهدف إلى إنهاء هذا التاريخ بنبرة مفعمة بالرجاء، حتى “بانتعاش مسيّاني”. وايزمان (Wiseman)
• كان هذا شيئًا صغيرًا، غير أنه كان دليلًا على أن الله لم ينتهِ من مباركة شعبه واستردادهم. فهذه صورة رمزية مسبقة لبركة واسترداد أعظم قادمين.
• “هل من المعقول أن يوْلي ملك بابل بيهوياكين اهتمامًا أكبر من اهتمام الله بنا؟” ماير (Meyer)