سفر ملوك الثاني – الإصحاح ٦
حماية الله لأليشع
أولًا. استرداد رأس الفأس
أ ) الآيات (١-٣): رغبة أبناء الأنبياء في التوسع.
وَقَالَ بَنُو الأَنْبِيَاءِ لأَلِيشَعَ: «هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي نَحْنُ مُقِيمُونَ فِيهِ أَمَامَكَ ضَيِّقٌ عَلَيْنَا. فَلْنَذْهَبْ إِلَى الأُرْدُنِّ وَنَأْخُذْ مِنْ هُنَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ خَشَبَةً، وَنَعْمَلْ لأَنْفُسِنَا هُنَاكَ مَوْضِعًا لِنُقِيمَ فِيهِ». فَقَالَ: «اذْهَبُوا». فَقَالَ وَاحِدٌ: «اقْبَلْ وَاذْهَبْ مَعَ عَبِيدِكَ». فَقَالَ: «إِنِّي أَذْهَبُ».
١. هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي نَحْنُ مُقِيمُونَ فِيهِ أَمَامَكَ ضَيِّقٌ عَلَيْنَا: يشير هذا إلى أنه في ذلك الوقت كان لأليشع تأثير كبير في الأُمّة. إذ لم تكن المنشأة المستخدمة لإسكان بني الأنبياء (الْمَوْضِعُ الَّذِي نَحْنُ مُقِيمُونَ فِيهِ) واسعة بما يكفي لاحتياجات كل من أراد أن يتدرب في تلك الخدمة.
٢. «اقْبَلْ وَاذْهَبْ مَعَ عَبِيدِكَ»: لم يبدأ أو يَقُدْ أليشع هذا العمل على بناء مركز جديد لتدريب الأنبياء، لكن ما أمكن أن يحدث ذلك من دون موافقته وبركته.
ب) الآيات (٤-٧): استرداد رأس الفأس – معجزة تدبير أخرى.
فَانْطَلَقَ مَعَهُمْ. وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الأُرْدُنِّ قَطَعُوا خَشَبًا. وَإِذْ كَانَ وَاحِدٌ يَقْطَعُ خَشَبَةً، وَقَعَ الْحَدِيدُ فِي الْمَاءِ. فَصَرَخَ وَقَالَ: «آهِ يَا سَيِّدِي! لأَنَّهُ عَارِيَةٌ». فَقَالَ رَجُلُ اللهِ: «أَيْنَ سَقَطَ؟» فَأَرَاهُ الْمَوْضِعَ، فَقَطَعَ عُودًا وَأَلْقَاهُ هُنَاكَ، فَطَفَا الْحَدِيدُ. فَقَالَ: «ارْفَعْهُ لِنَفْسِكَ». فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهُ.
١. وَقَعَ الْحَدِيدُ فِي الْمَاءِ (انفَلَتَ رَأسُ الفأسِ وَوَقَعَ فِي المَاءِ): من المؤكد أن الحديد كان موجودًا في إسرائيل في ذلك الوقت، لكنه لم يكن شائعًا بما يكفي ليكون رخيصًا.
٢. آهِ يَا سَيِّدِي! لأَنَّهُ عَارِيَةٌ (مُسْتَعَار): كان الرجل الذي أضاع رأس الفأس حساسًا بحق لحقيقة أنه أضاع شيئًا يخص شخصًا آخر، ما زاد من حدة الخسارة.
• “لقد طُلِب رأس الحديد (أو ’الحديد‘ كما في الأصل العبري وفي الترجمة العربية)، أي تُوسِّل أو صُلِّي من أجله، وليس مستعارًا بالضرورة.” وايزمان (Wiseman)
٣. فَقَطَعَ عُودًا وَأَلْقَاهُ هُنَاكَ، فَطَفَا الْحَدِيدُ: كانت هذه معجزة واضحة وفريدة من نوعها. فلم تكن هنالك أية حيلة في الطريقة التي وضع بها أليشع العود في الماء. فقد كان ببساطة تعبيرًا عن إيمانه الذي أكرمه الله.
• “يستطيع الله أن يفعل كل شيء. وهو يستطيع أن يجعل الحديد يطفو، بينما لا نستطيع نحن أن نفعل هذا. ومع هذا، فإنك ترى أن النبي فعل ذلك. وقد فعله باستخدام عود (فَقَطَعَ عُودًا). فهل كانت هنالك أية علاقة بين العود والحديد؟ لا أرى أية علاقة بينهما، لكن الله يستطيع أن يستخدم وسائل، وسيطلب منا أن نستخدم وسائل.” سبيرجن (Spurgeon)
• “تكمن القيمة الرئيسية للقصة في كشفها عن مدى تأثير أليشع في الأُمّة. إذ كان نمو مدرسة الأنبياء أمرًا لافتًا جدًّا للنظر.” مورجان (Morgan)
٤. «ارْفَعْهُ لِنَفْسِكَ»: يمكننا أن نتصور أنه كان بإمكان الله أن يرتّب طريقة لظهور رأس الحديد في يد الرجل مباشرة من دون أن يُضطر إلى بذل جهد من جانبه. لكن هذه المعجزة عملت بطريقة مألوفة. إذ قام الله بالجزء الذي لا يستطيع أن يفعله غيره، تاركًا للإنسان الجزء الذي يستطيع أن يفعله.
• “تَسَبَّب أليشع في دفع رأس الفأس المغمور إلى السطح، وأمر تلميذه بأن يلتقط الفأس. وهكذا سيشارك في المعجزة بشكل شخصي.” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
ثانيًا. الرب يحمي أليشع من الآراميين
أ ) الآيات (٨-١٣): ملك أرام يخطط للقبض على أليشع.
وَأَمَّا مَلِكُ أَرَامَ فَكَانَ يُحَارِبُ إِسْرَائِيلَ، وَتَآمَرَ مَعَ عَبِيدِهِ قَائِلاً: «فِي الْمَكَانِ الْفُلاَنِيِّ تَكُونُ مَحَلَّتِي». فَأَرْسَلَ رَجُلُ اللهِ إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: «احْذَرْ مِنْ أَنْ تَعْبُرَ بِهذَا الْمَوْضِعِ، لأَنَّ الأَرَامِيِّينَ حَالُّونَ هُنَاكَ». فَأَرْسَلَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ عَنْهُ رَجُلُ اللهِ وَحَذَّرَهُ مِنْهُ وَتَحَفَّظَ هُنَاكَ، لاَ مَرَّةً وَلاَ مَرَّتَيْنِ. فَاضْطَرَبَ قَلْبُ مَلِكِ أَرَامَ مِنْ هذَا الأَمْرِ، وَدَعَا عَبِيدَهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَمَا تُخْبِرُونَنِي مَنْ مِنَّا هُوَ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ؟» فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِهِ: «لَيْسَ هكَذَا يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ. وَلكِنَّ أَلِيشَعَ النَّبِيَّ الَّذِي فِي إِسْرَائِيلَ، يُخْبِرُ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ بِالأُمُورِ الَّتِي تَتَكَلَّمُ بِهَا فِي مُخْدَعِ مِضْطَجَعِكَ». فَقَالَ: «اذْهَبُوا وَانْظُرُوا أَيْنَ هُوَ، فَأُرْسِلَ وَآخُذَهُ». فَأُخْبِرَ وَقِيلَ لَهُ: «هُوَذَا هُوَ فِي دُوثَانَ».
١. فَأَرْسَلَ رَجُلُ اللهِ إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ: لم يدعم أليشع ملوك إسرائيل الفاسدين، لكنه عرف أن الأمور ستكون أسوأ بكثير في حالة تمكُّن آرام من غزو إسرائيل وإخضاعها لها. ولهذا قدم لملك إسرائيل معلومات موحى بها من الله، وكأنها تجسُّس إلهي.
• “يجلس الآن على عرش أخآب ملك أكثر عقلانية، وهو يهورام. ولم يعد نبي الرب خصمًا مخيفًا للملك، بل مستشارًا موثوقًا له. لقد كان إيليا هاربًا باستمرار من ملك غاضب، لكن أليشع صار الآن زائرًا مُرَحبًا به في بلاط يهورام.” ديلداي (Dilday)
٢. «أَمَا تُخْبِرُونَنِي مَنْ مِنَّا هُوَ (جاسوس) لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ؟»: بطبيعة الحال، كان ملك آرام محتارًا من الطريقة التي كان بها يعرف ملك إسرائيل جميع خطط آرام مسبقًا. فكان مقتنعًا بوجود خائن بينهم، إلى أن كشف أحد خدامه أن أليشع، النبي في إسرائيل، هو الذي كان يعرف تلك الأمور ويكشفها للملك.
ب) الآيات (١٤-١٧): يرى أليشع الحماية الإلهية غير المنظورة.
فَأَرْسَلَ إِلَى هُنَاكَ خَيْلاً وَمَرْكَبَاتٍ وَجَيْشًا ثَقِيلاً، وَجَاءُوا لَيْلاً وَأَحَاطُوا بِالْمَدِينَةِ. فَبَكَّرَ خَادِمُ رَجُلِ اللهِ وَقَامَ وَخَرَجَ، وَإِذَا جَيْشٌ مُحِيطٌ بِالْمَدِينَةِ وَخَيْلٌ وَمَرْكَبَاتٌ. فَقَالَ غُلاَمُهُ لَهُ: «آهِ يَا سَيِّدِي! كَيْفَ نَعْمَلُ؟» فَقَالَ: «لاَ تَخَفْ، لأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ». وَصَلَّى أَلِيشَعُ وَقَالَ: «يَا رَبُّ، افْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ». فَفَتَحَ الرَّبُّ عَيْنَيِ الْغُلاَمِ فَأَبْصَرَ، وَإِذَا الْجَبَلُ مَمْلُوءٌ خَيْلاً وَمَرْكَبَاتِ نَارٍ حَوْلَ أَلِيشَعَ.
١. «آهِ يَا سَيِّدِي! كَيْفَ نَعْمَلُ؟»: عندما رأى خادم أليشع خَيْلاً وَمَرْكَبَاتٍ وَجَيْشًا ثَقِيلاً تحيط بالمدينة، كان من الطبيعي أن يخاف. إذ عرف أن فرصة النجاة أو الهروب ضئيلة جدًّا في ضوء هجوم يشنه هذا العدد الكبير.
٢. «لاَ تَخَفْ، لأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ»: بدأ هذا شيئًا غير قابل للتصديق لخادم أليشع. إذ رأى خَيْلاً وَمَرْكَبَاتٍ وَجَيْشًا ثَقِيلاً تحيط بالمدينة، ولم يستطع أن يرى أي شخص مع أليشع أو معه.
• نحن نلاحظ أيضًا أن أليشع قدّم لخادمه سببًا لعدم الخوف. فلم يكن أملًا فارغًا أو تمنّيًا بلا أساس. بل كان سببًا حقيقيًّا للثقة، حتى لو لم يستطع الخادم أن يراه.
٣. «يَا رَبُّ، افْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ»: لم يصلِّ أليشع أن يغيّر الله أي شيء في الوضع. بل كانت طلبته الوحيدة هي أن يتمكن خادمه من أن يرى حقيقة الموقف حقًّا. ومع ذلك، لم يحاول أليشع أيضًا أن يقنع خادمه بحقيقة الذين معهما. فلم يكن ممكنًا أن يُشرَح هذا له أو أن يُقنع به. بل كان عليه أن يراه بعينيه.
٤. فَفَتَحَ الرَّبُّ عَيْنَيِ الْغُلاَمِ فَأَبْصَرَ: استجاب الله لصلاة أليشع. فعندما يكون المرء أعمى عن الواقع الروحي، فإن الله وحده هو القادر على فتح عينيه. وقد يفعل هذا من خلال الكلمات التي يتكلم بها شخص ما، لكن عمل فتح العيون عمل روحي يخص الله وحده.
٥. وَإِذَا الْجَبَلُ مَمْلُوءٌ خَيْلاً وَمَرْكَبَاتِ نَارٍ حَوْلَ أَلِيشَعَ: عندما انفتحت عينا الخادم، رأى الواقع الذي لم يستطع أن يراه من قبل. إذ رأى أن من معه ومع أليشع أكثر بكثير من المجتمعين ضدهما.
• لم يجعل الافتقار السابق إلى الإدراك من جانب خادم أليشع حقيقة الجيش الروحي أقل واقعية. فإذا كان هنالك خمسون شخصًا لا يرون شيئًا، فإن هذا لا يبطل إدراك شخص يراه.
• “ليس الإيمان هو تخيل أشياء غير واقعية على الإطلاق. لكنه التمسك بأشياء لا يمكن للحواس أن تثبتها، لكنها حقيقية. فكانت الخيول ومركبات النار حقيقية.” مورجان (Morgan)
• “إن لم تكن قد أدركت أن الأشياء الروحية حقيقية، فليس هذا دليلًا على أنه لا توجد أشياء روحية يمكن أن تُدرَك. والقضية كلها شبيهة بقضية ذلك الآيرلندي الذي حاول أن يقوّض الأدلة على جريمته بإثبات غياب الأدلة. فقد رآه أربعة أشخاص وهو يرتكب جريمة قتل. ودافع عن نفسه بأنه بريء، وأراد أن يُسمح له بجلب أربعين شخصًا لم يروه وهو يرتكب الجريمة! فما هي الفائدة التي كان يمكن أن تُجنى من ذلك؟ فإذا صرّح ٤٠ شخصًا أن قوة الروح القدس غير موجودة في الكلمة، فإنما يعني هذا أن الأشخاص الأربعين لا يعرفون ما يعرفه الآخرون.” (تشارلز سبيرجن – من عظة بعنوان: ثلاثة مشاهد تستحق المشاهدة‘)
• كانت الخيول والمركبات أكثر الأدوات العسكرية تطوّرًا وقوة في ذلك الوقت. لكن كان لدى جيش الله غير المنظور قوة نيران أكبر من خيول الآراميين ومركباتهم. فكان أليشع محاطًا من كل جهة بجيش روحي من مركبات نارية.
• “لو كانت عيوننا مفتوحة حقًّا، لكان مفترضًا أن نرى جند الملائكة سياجًا ناريًّا يطوّقنا. لكن سواء أرأيناهم أم لم نرَهم، فهم موجودون بالفعل.” ماير (Meyer)
ج) الآيات (١٨-٢٣): الآراميون العُمي يُقادون إلى السامرة.
وَلَمَّا نَزَلُوا إِلَيْهِ صَلَّى أَلِيشَعُ إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: «اضْرِبْ هؤُلاَءِ الأُمَمَ بِالْعَمَى». فَضَرَبَهُمْ بِالْعَمَى كَقَوْلِ أَلِيشَعَ. فَقَالَ لَهُمْ أَلِيشَعُ: «لَيْسَتْ هذِهِ هِيَ الطَّرِيقَ، وَلاَ هذِهِ هِيَ الْمَدِينَةَ. اتْبَعُونِي فَأَسِيرَ بِكُمْ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي تُفَتِّشُونَ عَلَيْهِ». فَسَارَ بِهِمْ إِلَى السَّامِرَةِ. فَلَمَّا دَخَلُوا السَّامِرَةَ قَالَ أَلِيشَعُ: «يَا رَبُّ افْتَحْ أَعْيُنَ هؤُلاَءِ فَيُبْصِرُوا». فَفَتَحَ الرَّبُّ أَعْيُنَهُمْ فَأَبْصَرُوا وَإِذَا هُمْ فِي وَسَطِ السَّامِرَةِ. فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لأَلِيشَعَ لَمَّا رَآهُمْ: «هَلْ أَضْرِبُ؟ هَلْ أَضْرِبُ يَا أَبِي؟» فَقَالَ: «لاَ تَضْرِبْ. تَضْرِبُ الَّذِينَ سَبَيْتَهُمْ بِسَيْفِكَ وَبِقَوْسِكَ. ضَعْ خُبْزًا وَمَاءً أَمَامَهُمْ فَيَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا، ثُمَّ يَنْطَلِقُوا إِلَى سَيِّدِهِمْ». فَأَوْلَمَ لَهُمْ وَلِيمَةً عَظِيمَةً فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا، ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ فَانْطَلَقُوا إِلَى سَيِّدِهِمْ. وَلَمْ تَعُدْ أَيْضًا جُيُوشُ أَرَامَ تَدْخُلُ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ.
١. «اضْرِبْ هؤُلاَءِ الأُمَمَ بِالْعَمَى»: لم يستطع الجنود الآراميون أن يروا الجيش الروحي، ولهذا لم يترددوا في الاقتراب من أليشع. لكن، كما سبق أن صلّى النبي أن يُبصر خادمه، كذلك طلب من الله أن يضرب هؤُلاَءِ الأُمَمَ بِالْعَمَى. فاستجاب الله لهذه الصلاة، كما سبق أن استجاب لطلبته أن يرى الخادم.
• يبيّن هذا أن الله قد يمنح البصر أو يرسل العمى، حسب حكمته واستجابته لصلوات شعبه.
• “لم يضربهم بعمى كلي بحيث لا يتمكنون من رؤية أي شيء، وإلاّ لما تبعوه. لكن الله ضربهم بعمى جزئي بحيث لا يستطيعون تمييز الرجل الذي كانوا يبحثون عنه. وربما فعل هذا بإجراء بعض التغييرات في مخّهم أو في الهواء.” بوله (Poole)
٢. اتْبَعُونِي فَأَسِيرَ بِكُمْ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي تُفَتِّشُونَ عَلَيْه: هنا قال أليشع حقيقة تقنية، لكن من المؤكد أنه قصد خداعهم. وقد أحضرهم بالفعل إلى الرجل الذي كانوا يبحثون عنه. (عندما فُتحت عيونهم، كان أليشع معهم). غير أنه قادهم إلى السامرة، عاصمة مملكة إسرائيل، وهو مكان غير ودي لمجموعة من الجنود الآراميين.
• غير أن خداع أليشع اللطيف يُظهر مبدأ، وهو أن العُمي يمكن أن يُخدعوا بسهولة. ويفترض في العميان روحيًّا أن يقدّروا حقيقة أنه يمكنهم أن يُخدعوا بشأن الأمور الروحية.
٣. لاَ تَضْرِبْ (لَا تَقْتُلْهُمْ): وبدلًا من قتل هؤلاء الجنود الأعداء، طلب أليشع من ملك إسرائيل أن يعاملهم باللطف والكرم. وقد نجحت هذه الممارسة المتمثلة في الرد على الشر بالخير في تغيير سياسة المغيرين الآراميين على أراضي إسرائيل بين الفترة والأخرى. (وَلَمْ تَعُدْ أَيْضًا جُيُوشُ أَرَامَ تَدْخُلُ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ).
ثالثًا. حصار مدينة السامرة
أ ) الآيات (٢٤-٢٩): مجاعة شديدة في السامرة المحاصرة.
وَكَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّ بَنْهَدَدَ مَلِكَ أَرَامَ جَمَعَ كُلَّ جَيْشِهِ وَصَعِدَ فَحَاصَرَ السَّامِرَةَ. وَكَانَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي السَّامِرَةِ. وَهُمْ حَاصَرُوهَا حَتَّى صَارَ رَأْسُ الْحِمَارِ بِثَمَانِينَ مِنَ الْفِضَّةِ، وَرُبْعُ الْقَابِ مِنْ زِبْلِ الْحَمَامِ بِخَمْسٍ مِنَ الْفِضَّةِ. وَبَيْنَمَا كَانَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ جَائِزًا عَلَى السُّورِ صَرَخَتِ امْرَأَةٌ إِلَيْهِ: «خَلِّصْ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ». فَقَالَ: «لاَ! يُخَلِّصْكِ الرَّبُّ. مِنْ أَيْنَ أُخَلِّصُكِ؟ أَمِنَ الْبَيْدَرِ أَوْ مِنَ الْمِعْصَرَةِ؟» ثُمَّ قَالَ لَهَا الْمَلِكُ: «مَا لَكِ؟» فَقَالَتْ: «إِنَّ هذِهِ الْمَرْأَةُ قَدْ قَالَتْ لِي: هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ الْيَوْمَ ثُمَّ، نَأْكُلَ ابْنِي غَدًا. فَسَلَقْنَا ابْنِي وَأَكَلْنَاهُ. ثُمَّ قُلْتُ لَهَا فِي الْيَوْمِ الآخَرِ: هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ فَخَبَّأَتِ ابْنَهَا».
١. وَكَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّ بَنْهَدَدَ مَلِكَ أَرَامَ جَمَعَ كُلَّ جَيْشِهِ وَصَعِدَ فَحَاصَرَ السَّامِرَةَ: رغم أن لطف أليشع وملك إسرائيل غيّر قلب المُغيرين الآراميين، إلا أنه لم يغيّر قلب ملك آرام الذي شن هجومً كبيرًا واسع النطاق على مملكة إسرائيل الجارة إلى الجنوب.
• استخدم الملك الأسلوب الشائع للهجوم في تلك الأيام على المدن المسوّرة الحصينة، وهو فرْض الحصار عليها. وكان الهدف هو تطويق المدينة، ومنع كل الأعمال التجارية من دخول المدينة أو مغادرتها، ما يؤدي في نهاية الأمر إلى تجويع السكان ودفعهم إلى الاستسلام.
٢. وَكَانَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي السَّامِرَةِ: نجحت إستراتيجية الحصار في تجويع السامرة. إذ ساءت المجاعة حتى إن رأس الحمار أو زِبل الحمام صار من الغلاء بحيث لا يستطيع أن يشتريه إلا الأغنياء.
• يقول وايزمان (Wiseman) إنه يفضَّل أن تترجم ’زِبْلِ الْحَمَامِ‘ إلى ’حبوب الخروب.‘ ويقول إن خمسة شواقل من الفضة كانت تساوي أكثر من أجر عامل في الشهر.
• ومع ذلك، يكتب بوله (Poole): “رغم أن زبل الحمام أكثر سخونة من المعتاد، إلا أنه يمكن أن يكون أكثر ملاءمة للتغذية من غيره، حيث يحتوي على أفضل الحبوب وأنقاها، وفيه بعض الرطوبة.”
• “عندما حاصر حنيبعل كاسلين، كان الفأر الواحد يباع بمئتي قرش (بنس). وكانت الحلوى المصنوعة من أحشاء الكلاب عزيزة عندما كانت تباع عند حصار سكودا.” تراب (Trapp)
٣. هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ: يبيّن هذا مدى فظاعة المجاعة. إذ كانت الأمهات جائعات لدرجة أنهن كن يلجأن إلى أكل أبنائهن.
• تشتمل تثنية ٢٨ على شرح مفصل لتحذيرات الله لشعب إسرائيل من اللعنات التي ستصيبهم إن رفضوا العهد الذي قطعه الرب معهم. ويصف جزء من هذا الإصحاح الأهوال التي تحققت في هذا الإصحاح (٢ ملوك ٧): “وَتُحَاصِرُكَ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِكَ حَتَّى تَهْبِطَ أَسْوَارُكَ الشَّامِخَةُ الْحَصِينَةُ الَّتِي أَنْتَ تَثِقُ بِهَا فِي كُلِّ أَرْضِكَ. تُحَاصِرُكَ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِكَ، فِي كُلِّ أَرْضِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. فَتَأْكُلُ ثَمَرَةَ بَطْنِكَ، لَحْمَ بَنِيكَ وَبَنَاتِكَ الَّذِينَ أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فِي الْحِصَارِ وَالضِّيقَةِ الَّتِي يُضَايِقُكَ بِهَا عَدُوُّكَ.” (تثنية ٢٨: ٥٢-٥٣)
• جاءت هذه الأهوال على إسرائيل لأنهم عصوا الله ورفضوه، وهجروا العهد الذي قطعه معهم.
ب) الآيات (٣٠-٣٣): غضب ملك أرام على أليشع.
فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ الْمَرْأَةِ مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَهُوَ مُجْتَازٌ عَلَى السُّورِ، فَنَظَرَ الشَّعْبُ وَإِذَا مِسْحٌ مِنْ دَاخِل عَلَى جَسَدِهِ. فَقَالَ: «هكَذَا يَصْنَعُ لِي اللهُ وَهكَذَا يَزِيدُ، إِنْ قَامَ رَأْسُ أَلِيشَعَ بْنِ شَافَاطَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ». وَكَانَ أَلِيشَعُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ وَالشُّيُوخُ جُلُوسًا عِنْدَهُ. فَأَرْسَلَ رَجُلاً مِنْ أَمَامِهِ. وَقَبْلَمَا أَتَى الرَّسُولُ إِلَيْهِ قَالَ لِلشُّيُوخِ: «هَلْ رَأَيْتُمْ أَنَّ ابْنَ الْقَاتِلِ هذَا قَدْ أَرْسَلَ لِيَقْطَعَ رَأْسِي؟ انْظُرُوا! إِذَا جَاءَ الرَّسُولُ فَأَغْلِقُوا الْبَابَ وَاحْصُرُوهُ عِنْدَ الْبَابِ. أَلَيْسَ صَوْتُ قَدَمَيْ سَيِّدِهِ وَرَاءَهُ؟». وَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُمْ إِذَا بِالرَّسُولِ نَازِلٌ إِلَيْهِ. فَقَالَ: «هُوَذَا هذَا الشَّرُّ هُوَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. مَاذَا أَنْتَظِرُ مِنَ الرَّبِّ بَعْدُ؟».
١. هكَذَا يَصْنَعُ لِي اللهُ وَهكَذَا يَزِيدُ: حزن الملك بعمق، وغضب للغاية، لا من نفسه، أو من إسرائيل، أو من خطيتها. بل غضب على نبي الله.
٢. «هُوَذَا هذَا الشَّرُّ هُوَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. مَاذَا أَنْتَظِرُ مِنَ الرَّبِّ بَعْدُ؟»: كان ملك إسرائيل أمينًا بما يكفي للاعتراف بأن غضبه الحقيقي كان على الرب.