سفر ملوك الثاني – الإصحاح ١٠
إصلاحات ياهو
أولًا. ياهو يعدم بيت أخآب
أ ) الآيات (١-١١): إعدام نسل أخآب في يزرعيل
١وَكَانَ لأَخْآبَ سَبْعُونَ ابْنًا فِي السَّامِرَةِ. فَكَتَبَ يَاهُو رَسَائِلَ وَأَرْسَلَهَا إِلَى السَّامِرَةِ، إِلَى رُؤَسَاءِ يَزْرَعِيلَ الشُّيُوخِ وَإِلَى مُرَبِّي أَخْآبَ قَائِلاً: ٢«فَالآنَ عِنْدَ وُصُولِ هذِهِ الرِّسَالَةِ إِلَيْكُمْ، إِذْ عِنْدَكُمْ بَنُو سَيِّدِكُمْ، وَعِنْدَكُمْ مَرْكَبَاتٌ وَخَيْلٌ وَمَدِينَةٌ مُحَصَّنَةٌ وَسِلاَحٌ، ٣انْظُرُوا الأَفْضَلَ وَالأَصْلَحَ مِنْ بَنِي سَيِّدِكُمْ وَاجْعَلُوهُ عَلَى كُرْسِيِّ أَبِيهِ، وَحَارِبُوا عَنْ بَيْتِ سَيِّدِكُمْ». ٤فَخَافُوا جِدًّا جِدًّا وَقَالُوا: «هُوَذَا مَلِكَانِ لَمْ يَقِفَا أَمَامَهُ، فَكَيْفَ نَقِفُ نَحْنُ؟» ٥فَأَرْسَلَ الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَالَّذِي عَلَى الْمَدِينَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمُرَبُّونَ إِلَى يَاهُو قَائِلِينَ: «عَبِيدُكَ نَحْنُ، وَكُلَّ مَا قُلْتَ لَنَا نَفْعَلُهُ. لاَ نُمَلِّكُ أَحَدًا. مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ فَافْعَلْهُ». ٦فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رِسَالَةً ثَانِيَةً قَائِلاً: «إِنْ كُنْتُمْ لِي وَسَمِعْتُمْ لِقَوْلِي، فَخُذُوا رُؤُوسَ الرِّجَالِ بَنِي سَيِّدِكُمْ، وَتَعَالَوْا إِلَيَّ فِي نَحْوِ هذَا الْوَقْتِ غَدًا إِلَى يَزْرَعِيلَ». وَبَنُو الْمَلِكِ سَبْعُونَ رَجُلاً كَانُوا مَعَ عُظَمَاءِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ رَبَّوْهُمْ. ٧فَلَمَّا وَصَلَتِ الرِّسَالَةُ إِلَيْهِمْ أَخَذُوا بَنِي الْمَلِكِ وَقَتَلُوا سَبْعِينَ رَجُلاً وَوَضَعُوا رُؤُوسَهُمْ فِي سِلاَل وَأَرْسَلُوهَا إِلَيْهِ إِلَى يَزْرَعِيلَ. ٨فَجَاءَ الرَّسُولُ وَأَخْبَرَهُ قَائِلاً: «قَدْ أَتَوْا بِرُؤُوسِ بَنِي الْمَلِكِ». فَقَالَ: «اجْعَلُوهَا كُومَتَيْنِ فِي مَدْخَلِ الْبَابِ إِلَى الصَّبَاحِ». ٩وَفِي الصَّبَاحِ خَرَجَ وَوَقَفَ وَقَالَ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: «أَنْتُمْ أَبْرِيَاءُ. هأَنَذَا قَدْ عَصَيْتُ عَلَى سَيِّدِي وَقَتَلْتُهُ، وَلكِنْ مَنْ قَتَلَ كُلَّ هؤُلاَءِ؟ ١٠فَاعْلَمُوا الآنَ أَنَّهُ لاَ يَسْقُطُ مِنْ كَلاَمِ الرَّبِّ إِلَى الأَرْضِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَلَى بَيْتِ أَخْآبَ، وَقَدْ فَعَلَ الرَّبُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ عَبْدِهِ إِيلِيَّا». ١١وَقَتَلَ يَاهُو كُلَّ الَّذِينَ بَقُوا لِبَيْتِ أَخْآبَ فِي يَزْرَعِيلَ وَكُلَّ عُظَمَائِهِ وَمَعَارِفِهِ وَكَهَنَتِهِ، حَتَّى لَمْ يُبْقِ لَهُ شَارِدًا.
١. وَكَانَ لِأَخْآبَ سَبْعُونَ ٱبْنًا فِي ٱلسَّامِرَة: كان هؤلاء يمثّلون خطرًا كبيرًا على الملك الممسوح ياهو. أولًا، كانوا من نسل أخآب، وكانت لديهم مصلحة في المحاربة من جديد لتسترد سلالة عمري عرش إسرائيل. ثانيًا، كانوا في السامرة، عاصمة إسرائيل، أي أنهم كانوا بعيدين عن ياهو الذي قتل الملك في يزرعيل.
٢. وَحَارِبُوا عَنْ بَيْتِ سَيِّدِكُمْ: تحدّى ياهو أنصار بيت عمري أن يعلنوا عن أنفسهم ويستعدوا للمحاربة من أجل بيت سيدهم.
٣. فَلَمَّا وَصَلَتِ ٱلرِّسَالَةُ إِلَيْهِمْ أَخَذُوا بَنِي ٱلْمَلِكِ وَقَتَلُوا سَبْعِينَ رَجُلًا: أقنعت رسالة ياهو، إضافة إلى إجراءاته الجريئة السابقة المتمثلة في قتل يورام وأخزيا، قادة إسرائيل بإعدام أبناء أخآب نيابة عنه.
٤. وَضَعُوا رُؤُوسَهُمْ فِي سِلَالٍ وَأَرْسَلُوهَا إِلَيْهِ: خاف الأشراف جدًّا من ياهو حتى إنهم أرسلوا إليه الدليل القاتم على طاعتهم.
• “كان تكديس رؤوس المتمردين المقطوعة عند باب المدينة عادة معاصرة شائعة في الشرق القديم، كتحذير من التمرد.” وايزمان (Wiseman)
• كان هذا ملائمًا لخطية أخآب. فقد أرسل في طلب سلال من العنب من كرم نابوت في يزرعيل. وها رؤوس أبنائه تُجلَب إلى هناك في سلال.” تراب (Trapp)
٥. أَنْتُمْ أَبْرِيَاءُ (أبرار): عندما رأى الشعب الرؤوس السبعين المقطوعة من نسل أخآب، خافوا من أنهم غالوا في الدينونة، وأنهم سيعاقَبون على ذلك. ولهذا أكد لهم ياهو أنهم فعلوا الصواب، وأنه ليس من حق أحد أن يتهمهم. فقد فعل ما فعل بأمر من الله.
• “أنتم أبرار في أعينكم، وتنظرون إليّ كخائن ومتمرد وقاتل لأني ثرت على سيدي وقتلته. وهو أمر أُقرّ بأني فعلته. لكن إن كنت أنا مذنبًا، فلستم أبرياء. ولهذا لا يمكنكم أن تتهموني. فقد قتلت شخصًا واحدًا، لكنكم قتلتم عددًا كبيرًا.” بوله (Poole)
ب) الآيات (١٢-١٤): ياهو يلتقي ٤٢ شخصًا من عائلة أخزيا ويعدمهم.
١٢ثُمَّ قَامَ وَجَاءَ سَائِرًا إِلَى السَّامِرَةِ. وَإِذْ كَانَ عِنْدَ بَيْتِ عَقْدِ الرُّعَاةِ فِي الطَّرِيقِ، ١٣صَادَفَ يَاهُو إِخْوَةَ أَخَزْيَا مَلِكِ يَهُوذَا، فَقَالَ: «مَنْ أَنْتُمْ؟» فَقَالُوا: «نَحْنُ إِخْوَةُ أَخَزْيَا، وَنَحْنُ نَازِلُونَ لِنُسَلِّمَ عَلَى بَنِي الْمَلِكِ وَبَنِي الْمَلِكَةِ». ١٤فَقَالَ: «أَمْسِكُوهُمْ أَحْيَاءً». فَأَمْسَكُوهُمْ أَحْيَاءً وَقَتَلُوهُمْ عِنْدَ بِئْرِ بَيْتِ عَقْدٍ، اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ رَجُلاً وَلَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا.
١. صَادَفَ يَاهُو إِخْوَةَ أَخَزْيَا مَلِكِ يَهُوذَا: كان هذا لسوء حظ هؤلاء الرجال. فبما أن ياهو كان مصممًا على إعدام كل المرتبطين ببيت أخآب، كان هؤلاء الرجال أيضًا هدفًا للدينونة. إذ كان من نسل الملك أخآب من أمه (ابنة أخآب وإيزابل). ولذلك، فإن ذِكْرهم للأم الملكة لم يساعدهم.
٢. وَلَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا: كانت هذه سمة من سمات ياهو – طاعة قلبية صادقة وحيوية.
• يعتقد بعضهم أن إعدام عائلة أخزيا مثلٌ لتجاوز ياهو. “كان ينبغي أن يقتصر سيف الدينونة على بيت أخآب، في ضوء قصد الله المعلن. لكن يدًا طائشة مدفوعة بالطموح كانت تحرّكه. فالتهم هذا السيف ما يتجاوز الحدود المسموحة.” ناب (Knapp)
ج) الآيات (١٥-١٧): ياهو يعدم بقية عائلة أخآب في السامرة.
١٥ثُمَّ انْطَلَقَ مِنْ هُنَاكَ فَصَادَفَ يَهُونَادَابَ بْنَ رَكَابٍ يُلاَقِيهِ، فَبَارَكَهُ وَقَالَ لَهُ: «هَلْ قَلْبُكَ مُسْتَقِيمٌ نَظِيرُ قَلْبِي مَعَ قَلْبِكَ؟» فَقَالَ يَهُونَادَابُ: «نَعَمْ وَنَعَمْ». «هَاتِ يَدَكَ». فَأَعْطَاهُ يَدَهُ، فَأَصْعَدَهُ إِلَيْهِ إِلَى الْمَرْكَبَةِ. ١٦ وَقَالَ: «هَلُمَّ مَعِي وَانْظُرْ غَيْرَتِي لِلرَّبِّ». وَأَرْكَبَهُ مَعَهُ فِي مَرْكَبَتِهِ. ١٧ وَجَاءَ إِلَى السَّامِرَةِ، وَقَتَلَ جَمِيعَ الَّذِينَ بَقُوا لأَخْآبَ فِي السَّامِرَةِ حَتَّى أَفْنَاهُ، حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ إِيلِيَّا.
١. فَصَادَفَ يَهُونَادَابَ بْنَ رَكَابٍ: كان هذا هو المؤسس الغامض للركابيين الذين كانوا حركة إصلاحية بين شعب الله في احتجاج على الحياة غير الأخلاقية وغير النقية لكثيرين بين إسرائيل ويهوذا.
• في إرميا ٣٥، استخدم الله الركابيين وذكرى يوناداب كمثل للأمانة والطاعة لتوبيخ شعبه غير المخلصين وغير المطيعين.
• يسجل إرميا أن يهوناداب كان زعيمًا لجماعة زاهدة عاشت حياة البداوة في الصحراء، وامتنعت عن شرب الخمر. وكانت تعتمد في معيشتها على الرب وحده. كانوا انفصاليين حتى النخاع، ووطنيين متحمسين. كان أسلوب حياتهم احتجاجًا على الروح المادية والمساومة الدينية في إسرائيل.” باترسون وأوستيل (Patterson and Austel)
• “يقول يوسيفوس إن ياهو ويوناداب كانا صديقين منذ زمن طويل. وكان كلاهما يمقت حياة الرفاهية المحيطة بالعائلة المالكة.” ديلداي (Dilday)
٢. هَلْ قَلْبُكَ مُسْتَقِيمٌ نَظِيرُ قَلْبِي مَعَ قَلْبِكَ؟: أراد ياهو أن يعرف إن كان يوناداب إلى جانبه. وكان يوناداب متفائلًا بظهور هذا المصلح النشط، بينما كان ياهو توّاقًا إلى موافقة هذا القائد الديني والمصلح الشعبي. ومن المنطقي أن نعتقد أن ياهو أراد أن يستخدم يوناداب لإضفاء شرعية على حُكمه كملك.
• “لا شك أن يوناداب كان رجلًا مكرَّمًا في إسرائيل. ومن خلال اصطحابه معه في مركبته، حاول ياهو أن يكتسب التقدير العام، فيقول الناس: ‘لا بد أن ياهو يتصرف على نحو سليم، لأن يوناداب معه، ويوافقه على تصرفه.’” كلارك (Clarke)
٣. هَلُمَّ مَعِي وَٱنْظُرْ غَيْرَتِي لِلرَّبِّ: لوحظت غيرة ياهو في طاعته التامة والحيوية للرب، متجاهلًا في سبيل ذلك سلامته وراحته. ومع ذلك، تكشف هذه العبارة الجذر الخطِر للكبرياء في ياهو. فهو فخور بغيرته الخاصّة.
• “في حديث ياهو عن خططه ضد عبادة البعل، مثلت كلماته إلى يوناداب (هَلُمَّ مَعِي وَٱنْظُرْ غَيْرَتِي لِلرَّبِّ) في حد ذاتها كشفًا عن روح متفاخرة.” مورجان (Morgan)
• كشف عرضه المتفاخر بغيرته في الإصلاح ضآلة وجود مجد الله في ذهنه في وسط نشاطه المحموم وإلغائه.” ناب (Knapp)
ثانيًا. ياهو يضرب عبادة البعل
أ ) الآيات (١٨-٢٣): ياهو يرتب ذبيحة عظيمة للبعل.
١٨ثُمَّ جَمَعَ يَاهُو كُلَّ الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ أَخْآبَ قَدْ عَبَدَ الْبَعْلَ قَلِيلاً، وَأَمَّا يَاهُو فَإِنَّهُ يَعْبُدُهُ كَثِيرًا. ١٩وَالآنَ فَادْعُوا إِلَيَّ جَمِيعَ أَنْبِيَاءِ الْبَعْلِ وَكُلَّ عَابِدِيهِ وَكُلَّ كَهَنَتِهِ. لاَ يُفْقَدْ أَحَدٌ، لأَنَّ لِي ذَبِيحَةً عَظِيمَةً لِلْبَعْلِ. كُلُّ مَنْ فُقِدَ لاَ يَعِيشُ». وَقَدْ فَعَلَ يَاهُو بِمَكْرٍ لِكَيْ يُفْنِيَ عَبَدَةَ الْبَعْلِ. ٢٠وَقَالَ يَاهُو: «قَدِّسُوا اعْتِكَافًا لِلْبَعْلِ». فَنَادَوْا بِهِ. ٢١وَأَرْسَلَ يَاهُو فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ، فَأَتَى جَمِيعُ عَبَدَةِ الْبَعْلِ وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ أَتَى، وَدَخَلُوا بَيْتَ الْبَعْلِ، فَامْتَلأَ بَيْتُ الْبَعْلِ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ. ٢٢فَقَالَ لِلَّذِي عَلَى الْمَلاَبِسِ: «أَخْرِجْ مَلاَبِسَ لِكُلِّ عَبَدَةِ الْبَعْلِ». فَأَخْرَجَ لَهُمْ مَلاَبِسَ. ٢٣وَدَخَلَ يَاهُو وَيَهُونَادَابُ بْنُ رَكَابٍ إِلَى بَيْتِ الْبَعْلِ. فَقَالَ لِعَبَدَةِ الْبَعْلِ: «فَتِّشُوا وَانْظُرُوا لِئَلاَّ يَكُونَ مَعَكُمْ ههُنَا أَحَدٌ مِنْ عَبِيدِ الرَّبِّ، وَلكِنَّ عَبَدَةَ الْبَعْلِ وَحْدَهُمْ
١. إِنَّ أَخْآبَ قَدْ عَبَدَ ٱلْبَعْلَ قَلِيلًا، وَأَمَّا يَاهُو فَإِنَّهُ يَعْبُدُهُ كَثِيرًا: تظاهر ياهو بإخلاصه للبعل لكي يخدع كهنة البعل وعابديه، ويوقعهم في فخ. فقد تصرّف بشكل مخادع بقصد القضاء على عبدة البعل.
• لِي ذَبِيحَةً عَظِيمَةً لِلْبَعْلِ: “لا يذكر اسم الشخص الذي سيقدم الذبيحة. قد يكون غير محدد… ولا يقول النص إن ياهو سيتصرف ككاهن يقدم ذبائح.” وايزمان (Wiseman)
• صدّق كهنة البعل هذا الخداع. “لقد فرحوا لأن ملكهم الجديد ياهو، وشيخ الركابيين المشهور كانا من بين المتحوّلين البارزين إلى عبادة البعل. وهما ينضمان إلى طقوس ذبائح البعل.” ديلداي (Dilday)
٢. فَتِّشُوا وَٱنْظُرُوا لِئَلَّا يَكُونَ مَعَكُمْ هَهُنَا أَحَدٌ مِنْ عَبِيدِ ٱلرَّبِّ، وَلَكِنَّ عَبَدَةَ ٱلْبَعْلِ وَحْدَهُمْ: أراد ياهو أن يتأكد من أن جميع عبدة الإله الحقيقي قد أُخرِجوا من ذلك المكان.
ب) الآيات (٢٤-٢٨): ياهو يبيد عبادة البعل في إسرائيل.
٢٤وَدَخَلُوا لِيُقَرِّبُوا ذَبَائِحَ وَمُحْرَقَاتٍ. وَأَمَّا يَاهُو فَأَقَامَ خَارِجًا ثَمَانِينَ رَجُلاً وَقَالَ: «الرَّجُلُ الَّذِي يَنْجُو مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ أَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى أَيْدِيكُمْ تَكُونُ أَنْفُسُكُمْ بَدَلَ نَفْسِهِ». ٢٥وَلَمَّا انْتَهَوْا مِنْ تَقْرِيبِ الْمُحْرَقَةِ قَالَ يَاهُو لِلسُّعَاةِ وَالثَّوَالِثِ: «ادْخُلُوا اضْرِبُوهُمْ. لاَ يَخْرُجْ أَحَدٌ». فَضَرَبُوهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَطَرَحَهُمُ السُّعَاةُ وَالثَّوَالِثُ. وَسَارُوا إِلَى مَدِينَةِ بَيْتِ الْبَعْلِ، ٢٦وَأَخْرَجُوا تَمَاثِيلَ بَيْتِ الْبَعْلِ وَأَحْرَقُوهَا، ٢٧وَكَسَّرُوا تِمْثَالَ الْبَعْلِ، وَهَدَمُوا بَيْتَ الْبَعْلِ، وَجَعَلُوهُ مَزْبَلَةً إِلَى هذَا الْيَوْمِ. ٢٨وَاسْتَأْصَلَ يَاهُو الْبَعْلَ مِنْ إِسْرَائِيلَ.
١. وَلَمَّا ٱنْتَهَوْا مِنْ تَقْرِيبِ ٱلْمُحْرَقَةِ: اختار ياهو تقديم الذبيحة للبعل أولًا، ثم الدعوة إلى إعدام عبدة البعل.
٢. وَهَدَمُوا بَيْتَ ٱلْبَعْلِ، وَجَعَلُوهُ مَزْبَلَةً: بنى أخآب هذا المعبد لزوجته إيزابل (١ ملوك ١٦: ٣٢)، فهدمه ياهو. وعمل على محو عبادة البعل من إسرائيل، جاعلًا نفسه ملكًا فريدًا بين حكام المملكة الشمالية الآخرين.
• انزلقت إسرائيل إلى عبادة الأوثان منذ بداية أول ملك لها، يربعام، حيث بدأ بتمثيلات زائفة للإله الحقيقي (العجول الذهبية المذكورة في ١ ملوك ١٢: ٢٥-٣٣). وواصل ملوك إسرائيل المتعاقبون عبادته الوثنية (ناداب، وأيلة، وزمري، وعمري) حتى حكم أخآب. وتحت حكم أخآب، انتقلت إسرائيل من العبادة الزائفة للإله الحقيقي إلى عبادة البعل المدعومة من الدولة (١ ملوك ١٦: ٢٩-٣٤). وواصل يهورام أو يورام بن أخآب هذه الممارسة إلى أن قتله ياهو الذي دمّر البُنْية التحتية لعبادة البعل المدعومة في إسرائيل.
• دمّر المعبد ودنّسه تمامًا. ويعني القول إنهم ’جَعَلُوهُ مَزْبَلَةً‘ أنهم جعلوه مرحاضًا عامًّا…”مكانًا للفضلات البشرية، حتى تفهم كل الترجمات هذا. ولا يوجد ما هو أكثر تحقيرًا من هذا.” كلارك (Clarke)
ج) الآيات (٢٩-٣١): طاعة ياهو غير الكاملة
٢٩وَلكِنَّ خَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ لَمْ يَحِدْ يَاهُو عَنْهَا، أَيْ عُجُولِ الذَّهَبِ الَّتِي فِي بَيْتِ إِيلَ وَالَّتِي فِي دَانَ. ٣٠وَقَالَ الرَّبُّ لِيَاهُو: «مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ أَحْسَنْتَ بِعَمَلِ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيَّ، وَحَسَبَ كُلِّ مَا بِقَلْبِي فَعَلْتَ بِبَيْتِ أَخْآبَ، فَأَبْنَاؤُكَ إِلَى الْجِيلِ الرَّابعِ يَجْلِسُونَ عَلَى كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ». ٣١وَلكِنْ يَاهُو لَمْ يَتَحَفَّظْ لِلسُّلُوكِ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ. لَمْ يَحِدْ عَنْ خَطَايَا يَرُبْعَامَ الَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ.
١. وَلَكِنَّ خَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ ٱلَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ لَمْ يَحِدْ يَاهُو عَنْهَا: عمل ياهو بقوة وعنف على استئصال عبادة البعل في إسرائيل. غير أنه روّج للعبادة الزائفة للإله الحقيقي، على نمط يربعام الذي نصب العجول الذهبية في بيت إيل ودان.
• “لا تكتفِ بأن تكون قويًّا في محاربة الشر. بل اطمح بحماسة إلى الصلاح. فإنه أسهل أن تكون عنيفًا ضد رجاسات الآخرين من أن تحكم على خطاياك السرية وتتخلص منها.” ماير (Meyer)
• “أطاع ياهو الرب بالفعل إلى نقطة ما. فكان مفيدًا له أن يبيد بيت أخاب الملكي، لأنه سيثبّت نفسه على العرش. لكن لم يمسّ أي شيء آخر يَعوُد عليه بالفائدة.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ أَحْسَنْتَ بِعَمَلِ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيَّ: من الواضح أنه كانت هنالك أشياء حسنة كثيرة في عهد ياهو. إذ كان مكرسًا تمامًا لدينونة الله على بيت أخآب وطرد عبادة البعل من إسرائيل، ولهذا سيكافأ بسلالة حاكمة لأربعة أجيال.
• كان هذا مديحًا واضحًا لأعمال ياهو، غير أن هوشع ١: ٤ تدينها.” فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: “ٱدْعُ ٱسْمَهُ يَزْرَعِيلَ، لِأَنَّنِي بَعْدَ قَلِيلٍ أُعَاقِبُ بَيْتَ يَاهُو عَلَى دَمِ يَزْرَعِيلَ، وَأُبِيدُ مَمْلَكَةَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ.” وهكذا نرى أن كلًّا من نصّي ٢ ملوك ١٠: ٣٠ وهوشع ١: ٤ صحيح، حيث كان ياهو صالحًا وسيئًا في الوقت نفسه.
نفّذ ياهو إرادة الله، لكنه غالى في الأمر، فقتل أشخاصًا أكثر مما قصد الله.
نفّذ ياهو إرادة الله، لكنه فعل ذلك من أجل مجده الشخصي وبدافع من كبريائه.
نفّذ ياهو إرادة الله، لكنه فعل ذلك بشكل جزئي. فقد أنهى عبادة البعل، لكنه واصل عبادة يربعام الوثنية الآثمة.
٣. وَلَكِنْ يَاهُو لَمْ يَتَحَفَّظْ لِلسُّلُوكِ فِي شَرِيعَةِ ٱلرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ: ومع ذلك، كان ياهو عاصيًا بشكل واضح. فلم يطع الله أو يخدمه بكل قلبه.
• “هنا ينكشف نفاقه، حيث اتبع الله بقدر ما سمحت به مصلحته الذاتية، لا أكثر.” بوله (Poole)
• ربما نرى ياهو كإسرائيلي وطني عظيم. فقد احتج على يورام وبيت أخآب بسبب الأذى الذي ألحقوه بإسرائيل. وعرف أنه لكي يكون قويًّا، ينبغي تطهير إسرائيل من عبادة البعل. وعرف أن على إسرائيل أن ترجع إلى الإله الحقيقي، لكنه لم يهتم بكيفية ذلك. فبالنسبة له، كان جيدًا أن يُعبد الرب في معبد العجول الذهبية في دان أو بيت إيل. وكان خيرًا لإسرائيل أن تفعل هذا في هذين المكانين بدلًا من أورشليم.
• عندما نقارن ياهو بملوك إسرائيل الآخرين، فإننا نرى أنه كان الأفضل في مجموعة سيئة. إذ لم يحارب أي ملك آخر في إسرائيل عبادة الأوثان كما فعل ياهو. ومن المؤسف أنه لم يفعل هذا بكل قلبه.
• عندما لَمْ يَتَحَفَّظْ ياهو لِلسُّلُوكِ فِي شَرِيعَةِ ٱلرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ، أظهر أنه لم يعش حياة شركة مع الله. فكان ناجحًا من ناحية، لكنه كان فاشلًا ناجحًا! “وتمثل قصة هذا الرجل تحذيرًا رهيبًا. فمن الممكن أن يكون المرء أداة في يد الله من دون أن تكون لديه شركة معه على الإطلاق.” مورجان (Morgan)
• “وعلى نقيض ذلك، فإن غيرة ياهو التهمت ودمرت كل شخص وكل شيء وقف في طريقه، أو في مصلحته، أو عظمته. لكنها لم تمس نفسه. ويبدو أنه كان غريبًا تمامًا عن الممارسة الحقيقية للنفس.” ناب (Knapp)
• “كره خطية وأحب أخرى. وبهذا برهن أن مخافة العلي لم تَسُد في قلبه. كان مجرد خادم مأجور، حيث تلقَّى العرش كأجرة له، لكنه لم يكن قط من أبناء الله.” سبيرجن (Spurgeon)
ثالثًا. ملخص لحكم ياهو
أ ) الآيات (٣٢-٣٣): آرام تستولي على أجزاء كبيرة من أراضي إسرائيل.
٣٢فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ يَقُصُّ إِسْرَائِيلَ، فَضَرَبَهُمْ حَزَائِيلُ فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ ٣٣مِنَ الأُرْدُنِّ لِجِهَةِ مَشْرِقِ الشَّمْسِ، جَمِيعَ أَرْضِ جِلْعَادَ الْجَادِيِّينَ وَالرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَالْمَنَسِّيِّينَ، مِنْ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى وَادِي أَرْنُونَ وَجِلْعَادَ وَبَاشَانَ.
١. فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ ٱبْتَدَأَ ٱلرَّبُّ يَقُصُّ إِسْرَائِيلَ: كان هذا عمل الرب. وقد دفع الله حكام الدول المجاورة إلى فعل ذلك، وأنجحهم في ذلك.
٢. فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْأُرْدُنِّ لِجِهَةِ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ: على مدى مئات السنين، قبل ذلك، منذ دخول بني إسرائيل إلى الأرض الموعودة قبل أكثر من ستة قرون، احتلت إسرائيل أجزاء كبيرة من الأراضي الواقعة على الجانب الشرقي من نهر الأردن. وكانت هذه الأراضي مُلكًا لأسباط جاد ورأوبين ومنسّى. وها قد انتزع أعداء إسرائيل هذه الأرض بسبب خطيتهم وعدم أمانتهم للعهد.
• شمل هذا أراضي جلعاد وباشان الغنية المثمرة.
ب) الآيات (٣٤-٣٦): ملخص حكم ياهو
٣٤وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يَاهُو وَكُلُّ مَا عَمَلَ وَكُلُّ جَبَرُوتِهِ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ؟ ٣٥وَاضْطَجَعَ يَاهُو مَعَ آبَائِهِ فَدَفَنُوهُ فِي السَّامِرَةِ، وَمَلَكَ يَهُوأَحَازُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. ٣٦وَكَانَتِ الأَيَّامُ الَّتِي مَلَكَ فِيهَا يَاهُو عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ ثَمَانِيًا وَعِشْرِينَ سَنَةً.
١. فَدَفَنُوهُ فِي ٱلسَّامِرَةِ: رغم أنه كان غير مكتمل في صلاحه، إلا أنه كان الأفضل بين جماعة سيئة. وكوفئ صلاحه بحكم طويل (ثمانية وعشرين عامًا).
٢. ثَمَانِيًا وَعِشْرِينَ سَنَةً: كان هذا حكمًا طويلًا، لكنه لم يكن بارزًا إلا في بدايته. وكانت لدى ياهو الطاقة والنفوذ لإعادة الأمة إلى الله، لكن تكريسه غير القلبي ترك إمكاناته غير محقَّقة. ويشير هذا إلى افتقار إلى أية علاقة بالله.
• “لا توجد لدينا أية سجلات تاريخية يقال فيها المزيد عن هذا الرجل السيئ. لقد كان حكمه طويلًا – ٢٨ سنة. غير أننا لا نعلم عنها شيئًا سوى البداية.” كلارك (Clarke)
• “إن الدرس العظيم المستفاد من حياة هذا الرجل المذهلة هو أنه ينبغي أن نكون كخدام لله محترسين، لئلا نوجد أننا نقوم بعمله – سواء أكان ذلك في ممارسة التأديب أم في تحقيق الإصلاح – بروح غير منكسرة ومن دون أية ممارسة للقلب والضمير أمام الله، إله الدينونة، والذي يزن أعمالنا.” ناب (Knapp)