سفر ملوك الثاني – الإصحاح ٥
نُعْمَان الأبرص
أولًا. نُعْمَان يلجأ إلى أليشع
أ ) الآية (١): مشكلة نُعْمَان
وَكَانَ نُعْمَانُ رَئِيسُ جَيْشِ مَلِكِ أَرَامَ رَجُلاً عَظِيمًا عِنْدَ سَيِّدِهِ مَرْفُوعَ الْوَجْهِ، لأَنَّهُ عَنْ يَدِهِ أَعْطَى الرَّبُّ خَلاَصًا لأَرَامَ. وَكَانَ الرَّجُلُ جَبَّارَ بَأْسٍ، أَبْرَصَ.
١. وَكَانَ نُعْمَانُ رَئِيسُ جَيْشِ مَلِكِ أَرَامَ رَجُلاً عَظِيمًا: كان نعمان الآمِر (القائد) العسكري الرئيسي لعدو دائم لكل من إسرائيل ويهوذا. وقبل وقت قريب جدًّا، في أيام أخآب ويهوشافاط، كانت آرام قد حاربت إسرائيل وانتصرت عليها (١ ملوك ٢٢: ٣٥-٣٦). فجعله منصبه ونجاحه رَجُلاً عَظِيمًا ومكرَّمًا عند ملكه (مَرْفُوعَ الْوَجْهِ). وكان هو شخصيًّا جَبَّارَ بَأْسٍ.
• طُبِّق هذا اللقب على جدعون (قضاة ٦: ١٢)، ويفتاح (قضاة ١١: ١)، وداود (١ صموئيل ١٦: ١٨)، ويربعام (١ ملوك ١١: ٢٨)، وألياداع (٢ أخبار ١٧: ١٧). ويبدو أن هذه هي الحالة الوحيدة التي يُذكّر فيها أن رجلًا أمميًّا كان جَبَّارَ بَأْسٍ.
• “حسب الأساطير اليهودية، يخبرنا معلمو الشريعة اليهود، أن نعمان هو الذي أطلق السهم الذي أصاب أخآب فقتله.” تراب (Trapp)
٢. أَبْرَصَ: تمتَّع نعمان بميزات كثيرة ترفع قدره، لكن ما كان ضده كان مدمِّرًا. فقد كان مصابًا بمرض فظيع لا شفاء منه، مرضٍ يؤدي به إلى موت بطيء. فبغضّ النظر عن مدى صلاحه ونجاح كل أمور حياته، إلا أنه كان أَبْرَصَ.
• “كانت هنالك ضريبة باهظة على عظمته وأُبّهته. فقد كان مصابًا بخلل هو الأكثر مَقْتًا وإذلالًا للمرء، حيث يُلحق به العار والخزي.” كلارك (Clarke)
• كان البرص القديم (الجُذام) يبدأ كبقع صغيرة حُمْر على الجلد. وبعد مضي وقت غير طويل، تكبر البقع، وتبدأ بالتحول إلى اللون الأبيض مع مظهر لامع أو متقشر. وسرعان ما تنتشر البقع على الجسد كله، ويبدأ الشعر بالتساقط، أولًا من الرأس، ثم من الحاجبين. ومع تدهور الأمور، تصبح أظافر اليدين والقدمين رخوة، وتأخذ بالتعفن، لتسقط في نهاية الأمر. ثم تبدأ مفاصل اليدين والقدمين بالتعفن واحدًا تلو الآخر. وتبدأ اللثة بالتقلص إلى أن تصبح غير قادرة على الإمساك بالأسنان، ولهذا تُفقد الأسنان كلها. ويستمر البرص في التهام الوجه حتى يتعفن الأنف، والحنك، وحتى العينان. وتتلاشى الضحية حتى الموت.
ب) الآيات (٢-٣): شهادة الخادمة الصغيرة.
وَكَانَ الأَرَامِيُّونَ قَدْ خَرَجُوا غُزَاةً فَسَبَوْا مِنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ فَتَاةً صَغِيرَةً، فَكَانَتْ بَيْنَ يَدَيِ امْرَأَةِ نُعْمَانَ. فَقَالَتْ لِمَوْلاَتِهَا: «يَا لَيْتَ سَيِّدِي أَمَامَ النَّبِيِّ الَّذِي فِي السَّامِرَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَشْفِيهِ مِنْ بَرَصِهِ».
١. فَسَبَوْا مِنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ فَتَاةً صَغِيرَةً: كانت هذه الفتاة مرسَلة رغم أنفها، حيث سُبيت من إسرائيل، وهي الآن في آرام. غير أن الله سمح بمأساة سبيها من أجل تحقيق خير أعظم.
• توضح قصة الفتاة الصغيرة هذه الطرق الغامضة التي يعمل بها الله. ويرجح أنها نشأت في بيت تقي، لكن سُبيت في سن مبكرة. فكانت خسارة لا يمكن تعويضها بالنسبة لأبويها. ولا شك أنهما كانا يتفجّعان على غيابها كل يوم. لكن الله استخدمها بشكل عظيم بطريقة بسيطة.
٢. يَا لَيْتَ سَيِّدِي أَمَامَ النَّبِيِّ الَّذِي فِي السَّامِرَةِ: كانت هذه الفتاة الصغيرة مثالًا متميزًا لشاهدة أمينة في ظروفها الحالية. فقد اهتمت بما يكفي لتتكلم. وكان لديها إيمان كافٍ لأن تؤمن بأن أليشع سيشفيه من مرضه.
• “انظر مزايا التعليم الديني! فلولا أن هذه الخادمة الصغيرة جلبت معرفة الإله الحقيقي، لما كانت أداة خلاص عظيم كهذا.” كلارك (Clarke)
ج) الآيات (٤-٧): نعمان يلجأ إلى ملك إسرائيل باحثًا عن الشفاء.
فَدَخَلَ وَأَخْبَرَ سَيِّدَهُ قَائِلاً: «كَذَا وَكَذَا قَالَتِ الْجَارِيَةُ الَّتِي مِنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ». فَقَالَ مَلِكُ أَرَامَ: «انْطَلِقْ ذَاهِبًا، فَأُرْسِلَ كِتَابًا إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ». فَذَهَبَ وَأَخَذَ بِيَدِهِ عَشَرَ وَزَنَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَسِتَّةَ آلاَفِ شَاقِل مِنَ الذَّهَبِ، وَعَشَرَ حُلَل مِنَ الثِّيَابِ. وَأَتَى بِالْكِتَابِ إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ فِيهِ: «فَالآنَ عِنْدَ وُصُولِ هذَا الْكِتَابِ إِلَيْكَ، هُوَذَا قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ نُعْمَانَ عَبْدِي فَاشْفِهِ مِنْ بَرَصِهِ». فَلَمَّا قَرَأَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَقَالَ: «هَلْ أَنَا اللهُ لِكَيْ أُمِيتَ وَأُحْيِيَ، حَتَّى إِنَّ هذَا يُرْسِلُ إِلَيَّ أَنْ أَشْفِيَ رَجُلاً مِنْ بَرَصِهِ؟ فَاعْلَمُوا وَانْظُرُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَعَرَّضُ لِي».
١. انْطَلِقْ ذَاهِبًا، فَأُرْسِلَ كِتَابًا إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ: في ضوء سجل الحروب بين إسرائيل وآرام في الإصحاحات السابقة، يبدو غريبًا أن يرسل ملك آرام رسالة توصية مع قائد جيشه إلى ملك إسرائيل. ويبدو أن سفر ملوك الثاني غير مرتب زمنيًّا بالضرورة. ولهذا، يرجح أن هذا حدث أثناء فترة انخفض فيها التوتر بين إسرائيل وآرام.
• وَأَخَذَ بِيَدِهِ عَشَرَ وَزَنَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ: قدّر ديلداي، حسب قيمة الفضة في زمنه، أن نعمان أخذ ما يزيد عن ١.٢.٠٠٠.٠٠٠ دولار معه إلى إسرائيل. ويُظهر هذا مدى يأس حالته، ومدى استماتة ملك آرام في مساعدته.
٢. هُوَذَا قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ نُعْمَانَ عَبْدِي فَاشْفِهِ مِنْ بَرَصِهِ: عندما قرأ ملك إسرائيل، يهورام، الرسالة، انزعج على نحو مفهوم. أولًا، كان شفاء برص نعمان خارج قدرته. ثانيًا، لم تكن له علاقة بنبي الله الذي كانت لديه القدرة على الشفاء. ولهذا ظن أن ملك آرام كان يفتعل شجارًا معه (فَاعْلَمُوا وَانْظُرُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَعَرَّضُ لِي).
• افترض ملك آرام أن ملك إسرائيل كان على علاقة بأليشع أفضل مما كانت عليه بالفعل. ويَسْهُل على الآخرين أن يفترضوا أن علاقتنا بالله أفضل مما هي بالفعل.
د ) الآيات (٨-٩): ذهاب نُعمان إلى بيت أليشع.
وَلَمَّا سَمِعَ أَلِيشَعُ رَجُلُ اللهِ أَنَّ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ قَدْ مَزَّقَ ثِيَابَهُ، أَرْسَلَ إِلَى الْمَلِكِ يَقُولُ: «لِمَاذَا مَزَّقْتَ ثِيَابَكَ؟ لِيَأْتِ إِلَيَّ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ يُوجَدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ». فَجَاءَ نُعْمَانُ بِخَيْلِهِ وَمَرْكَبَاتِهِ وَوَقَفَ عِنْدَ بَابِ بَيْتِ أَلِيشَعَ.
١. لِمَاذَا مَزَّقْتَ ثِيَابَكَ؟: وجّه أليشع توبيخًا لطيفًا إلى ملك إسرائيل. فكان لسان حاله هو: “هذه أزمة لك، لأنه لا علاقة لك بالإله الذي يستطيع أن يشفي البُرْص. وهي أزمة لا داعي لها، لأنه يمكن أن تكون لديك علاقة بهذا الإله.”
٢. لِيَأْتِ إِلَيَّ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ يُوجَدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ: لن يعرف نعمان أبدًا أن هنالك نبيًّا في إسرائيل بالتسكع حول القصر الملكي. إذ لم يكن النبي الحقيقي في إسرائيل مرحَّبًا به في القصر.
ثانيًا. شفاء نُعمان
أ ) الآيات (١٠-١٢): غضب نعمان على تعليمات أليشع.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَلِيشَعُ رَسُولاً يَقُولُ: «اذْهَبْ وَاغْتَسِلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الأُرْدُنِّ، فَيَرْجعَ لَحْمُكَ إِلَيْكَ وَتَطْهُرَ». فَغَضِبَ نُعْمَانُ وَمَضَى وَقَالَ: «هُوَذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَيَّ، وَيَقِفُ وَيَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَيُرَدِّدُ يَدَهُ فَوْقَ الْمَوْضِعِ فَيَشْفِي الأَبْرَصَ. أَلَيْسَ أَبَانَةُ وَفَرْفَرُ نَهْرَا دِمَشْقَ أَحْسَنَ مِنْ جَمِيعِ مِيَاهِ إِسْرَائِيلَ؟ أَمَا كُنْتُ أَغْتَسِلُ بِهِمَا فَأَطْهُرَ؟» وَرَجَعَ وَمَضَى بِغَيْظٍ.
١. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَلِيشَعُ رَسُولًا: تَحمَّلَ نعمان مشقة المجيء إلى بيت أليشع، لكن النبي لم يشأ أن يستقبله شخصيًّا. بل أرسل إليه رَسُولًا. فكانت هذه بمثابة إهانة لنعمان الذي اعتاد التكريم.
٢. اذْهَبْ وَاغْتَسِلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الأُرْدُنِّ، فَيَرْجعَ لَحْمُكَ إِلَيْكَ وَتَطْهُرَ: كانت هذه تعليمات بسيطة بعيدة عن التعقيد. غير أنها كانت تعليمات تنطوي على إذلال، كما يظهر من رد فعل نعمان.
٣. هُوَذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَيَّ، وَيَقِفُ وَيَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَيُرَدِّدُ يَدَهُ فَوْقَ الْمَوْضِعِ فَيَشْفِي الأَبْرَصَ: حسِبَ نعمان كل الأمور بنفسه، وفهمها على طريقته. ففي احتياجه العظيم، توقَّع أن يعمل الله بطريقة محددة في ذهنه. وأحس بالإهانة عندما لم يتبع الله تلك الطريقة.
٤. وَرَجَعَ وَمَضَى بِغَيْظٍ: تحطمت توقعات نعمان حول كيفية عمل الله، ولهذا أراد التحلل من أي شيء له علاقة بنبي هذا الإله. فإن كان الجواب يكمن في الاغتسال في نهر، فقد كان نعمان يعرف أنهارًا أفضل في وطنه.
ب) الآية (١٣): نصيحة عبيد نُعمان الصالحة.
فَتَقَدَّمَ عَبِيدُهُ وَكَلَّمُوهُ وَقَالُوا: «يَا أَبَانَا، لَوْ قَالَ لَكَ النَّبِيُّ أَمْرًا عَظِيمًا، أَمَا كُنْتَ تَعْمَلُهُ؟ فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِذْ قَالَ لَكَ: اغْتَسِلْ وَاطْهُرْ؟».
١. فَتَقَدَّمَ عَبِيدُهُ وَكَلَّمُوهُ: نشكر الله على المرؤوسين المستعدين لمصارحة رؤسائهم بمثل هذه الطريقة. فقد كان نعمان مغتاظًا، غير أن عبيده كانوا جسورين بما يكفي لإسداء نصيحة جيدة له كان محتاجًا إلى سماعها.
٢. لَوْ قَالَ لَكَ النَّبِيُّ أَمْرًا عَظِيمًا، أَمَا كُنْتَ تَعْمَلُهُ؟: استخدم عبيد نعمان نهجًا منطقيًّا بارعًا. فلو طلب النبي من نعمان أن يقدم مئة أو ألف ذبيحة حيوانية لإله إسرائيل، لما تردد نعمان لحظة في فعل ذلك. ومع ذلك، رفض نعمان في بداية الأمر، لأن طِلْبته كانت سهلة ومنطوية على إذلال.
ج) الآية (١٤): شفاء نُعمان.
فَنَزَلَ وَغَطَسَ فِي الأُرْدُنِّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، حَسَبَ قَوْلِ رَجُلِ اللهِ، فَرَجَعَ لَحْمُهُ كَلَحْمِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ وَطَهُرَ.
١. حَسَبَ قَوْلِ رَجُلِ اللهِ: فعل نعمان تمامًا ما طلب منه أليشع أن يفعله. ولهذا يمكننا القول إن كل تغطيس له في نهر الأردن كان خطوة إيمان متّكلًا على كلمة الله على لسان نبيّه.
• كتب وايزمان (Wiseman) تعليقًا على الكلمة العبرية المترجمة إلى ’غطس‘: “لقد غاص نعمان في نهر الأردن. ويدل هذا على طاعة كاملة للكلمة الإلهية.”
• رأى سبيرجن (Spurgeon) أن عدوّين هجما على نعمان: ’الاعتداد بالنفس،‘ الذي طالب داخليًّا بأن يخرج أليشع ويراه، و’التساؤل الشرير‘ الذي دفعه إلى التساؤل ما الذي يدفعه إلى الاغتسال في نهر الأردن في حين أنه كانت هنالك أنهار أفضل في وطنه. وقد تغلّب نعمان على هذين العدوّين، وفعل كل ما أمر به الله.
٢. فَرَجَعَ لَحْمُهُ كَلَحْمِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ وَطَهُرَ: استجاب نعمان بإيمان، فكوفئ بسخاء. إذ كافأ الله إيمانه بشفاء تام ومعجزي.
• “نسَبَ هذا الأسلوب البسيط للمعجزة، حيث تمت من دون حضور النبي، الفضل لله. فقد كان واضحًا أن الشفاء جاء من الرب، لا من أي نوع من التعاويذ السحرية التي توقّعها نعمان.” ديلداي (Dilday)
د ) الآيات (١٥-١٦): نعمان يعرض مكافأة وأليشع يرفض.
فَرَجَعَ إِلَى رَجُلِ اللهِ هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ وَدَخَلَ وَوَقَفَ أَمَامَهُ وَقَالَ: «هُوَذَا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلهٌ فِي كُلِّ الأَرْضِ إِلاَّ فِي إِسْرَائِيلَ، وَالآنَ فَخُذْ بَرَكَةً مِنْ عَبْدِكَ». فَقَالَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَنَا وَاقِفٌ أَمَامَهُ، إِنِّي لاَ آخُذُ». وَأَلَحَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ فَأَبَى.
١. فَرَجَعَ إِلَى رَجُلِ اللهِ: كان هذا عرضًا رائعًا للامتنان. فكان نعمان مثل الأبرص الذي كان ضمن العشرة بُرص الذين شفاهم يسوع ورجع ليشكر يسوع (لوقا ١٧: ١٢-١٩). وكان نعمان أجنبيًّا، مثل الأبرص في لوقا ١٧.
• في المرة الأولى، توقّع نعمان أن يأتي النبي إليه. وها هو يرجع إلى رجل الله ويقف أمامه.
• غالبًا ما يكون الذين يمتلكون الأقل لتقدير أنفسهم به متكبرين ومتغطرسين، بينما أكثر الناس امتيازًا في الأرض هم الأكثر تواضعًا، عارفين أنهم لا يملكون شيئًا في أنفسهم، وأن كل ما لديهم إنما أشياء تلقّوها. فكان نعمان الأبرص أكثر تكبُّرًا واستبدادًا قبل أن يطهر من برصه.” كلارك (Clarke)
٢. هُوَذَا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلهٌ فِي كُلِّ الأَرْضِ إِلاَّ فِي إِسْرَائِيلَ: لم يكن الشفاء وحده هو الذي أقنع نعمان بهذا، بل الشفاء المرتبط بكلمة النبي. فكان الشفاء وكلمة النبي معًا دليلًا مقنعًا لنعمان بأن الله الذي مثّله أليشع هو الإله الحقيقي فِي كُلِّ الأَرْضِ.
٣. وَالآنَ فَخُذْ بَرَكَةً مِنْ عَبْدِكَ: يمكننا القول إن بادرة نعمان انطوت على نيّة حسنة محضة. إذ شعر بأن من المناسب أن يدعم خدمة رجل الله الذي استخدمه الرب بقوة لجلب الشفاء. غير أن أليشع أصرّ بثبات على أن لا يأخذ شيئًا من نعمان.
هـ) الآيات (١٧-١٩): إيمان نُعمان الجديد.
فَقَالَ نُعْمَانُ: «أَمَا يُعْطَى لِعَبْدِكَ حِمْلُ بَغْلَيْنِ مِنَ التُّرَابِ، لأَنَّهُ لاَ يُقَرِّبُ بَعْدُ عَبْدُكَ مُحْرَقَةً وَلاَ ذَبِيحَةً لآلِهَةٍ أُخْرَى بَلْ لِلرَّبِّ. عَنْ هذَا الأَمْرِ يَصْفَحُ الرَّبُّ لِعَبْدِكَ: عِنْدَ دُخُولِ سَيِّدِي إِلَى بَيْتِ رِمُّونَ لِيَسْجُدَ هُنَاكَ، وَيَسْتَنِدُ عَلَى يَدِي فَأَسْجُدُ فِي بَيْتِ رِمُّونَ، فَعِنْدَ سُجُودِي فِي بَيْتِ رِمُّونَ يَصْفَحُ الرَّبُّ لِعَبْدِكَ عَنْ هذَا الأَمْرِ». فَقَالَ لَهُ: «امْضِ بِسَلاَمٍ».
١. أَمَا يُعْطَى لِعَبْدِكَ حِمْلُ بَغْلَيْنِ مِنَ التُّرَابِ: كان إيمان نعمان، شأنه شأن إيمان مؤمنين جدد كثيرين، مختلطًا بالخزعبلات. إذ اعتقد، مثل الناس في العالم القديم، أن آلهة معينة تسيطر على أماكن معينة. فرأى أنه إذا أخذ قطعة من إسرائيل معه إلى آرام، يمكنه أن يعبد إله إسرائيل على نحو أفضل.
• “كان نقل التربة المقدسة عادة شائعة. وما زال نعمان محتاجًا إلى تثقيف لكي يتخلص من الخزعبلات. ومع حاجته الشخصية إلى اتِّباع عبادة الدولة علنًا، ربما شعر أليشع بأن توفُّر تربة من إسرائيل قد يعطي نعمان بعض التذكير الملموس بتطهيره وعلاقته الجديدة بالله.” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
٢. فَعِنْدَ سُجُودِي فِي بَيْتِ رِمُّونَ يَصْفَحُ الرَّبُّ لِعَبْدِكَ عَنْ هذَا الأَمْرِ: كان متوقَّعًا من نعمان كمسؤول في حكومة آرام أن يشارك في عبادة الآلهة الآرامية. فطلب من أليشع السماح له بأن يوجّه قلبه إلى الرب عندما يكون في معبد رِمُّونَ.
• “لا يعني التعبير العبري ’يستند على يدي‘ الدعم الجسمي، بل يشير إلى أن نعمان كان يد الملك اليمنى، أي مساعده الأول (انظر ٢ ملوك ٧: ٢، ١٧).” وايزمان (Wiseman)
٣. «امْضِ بِسَلاَمٍ»: بموافقة أليشع العامة، من دون أن يقول ’نعم‘ أو ’لا‘ بشكل محدد، يبدو أنه ترك المسألة لنعمان والرب. فربما كان واثقًا بأن الله سيبكّت نعمان على ذلك، وسيعطيه النزاهة والاستقامة لتجنُّب عبادة الأوثان.
• يعتقد بعض المفسرين (مثل كلارك وتراب) أن نعمان طلب الغفران على ممارسته السابقة لعبادة الأوثان في بَيْتِ رِمُّونَ، بدلًا من أن يطلب السماح بهذا في مناسبات مستقبلة. وعلى ما يبدو، فإن النص العبري يسمح بهذه الترجمة، رغم أنها ليست الطريقة الأكثر طبيعية لفهم النص.
• غير أن من المؤكد أننا نستطيع أن نتفق مع تطبيق تراب (Trapp): “لا ينبغي لأحد، حسب مثال نعمان، أن يطلب روحًا مستقيمة في جسم منبطح لوثن.”
ثالثًا. جشع جيحزي
أ ) الآيات (٢٠-٢٤): جيحزي يتبع نُعمان.
قَالَ جِيحْزِي غُلاَمُ أَلِيشَعَ رَجُلِ اللهِ: «هُوَذَا سَيِّدِي قَدِ امْتَنَعَ عَنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ يَدِ نُعْمَانَ الأَرَامِيِّ هذَا مَا أَحْضَرَهُ. حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنِّي أَجْرِي وَرَاءَهُ وَآخُذُ مِنْهُ شَيْئًا». فَسَارَ جِيحْزِي وَرَاءَ نُعْمَانَ. وَلَمَّا رَآهُ نُعْمَانُ رَاكِضًا وَرَاءَهُ نَزَلَ عَنِ الْمَرْكَبَةِ لِلِقَائِهِ وَقَالَ: «أَسَلاَمٌ؟». فَقَالَ: «سَلاَمٌ. إِنَّ سَيِّدِي قَدْ أَرْسَلَنِي قَائِلاً: هُوَذَا فِي هذَا الْوَقْتِ قَدْ جَاءَ إِلَيَّ غُلاَمَانِ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ مِنْ بَنِي الأَنْبِيَاءِ، فَأَعْطِهِمَا وَزْنَةَ فِضَّةٍ وَحُلَّتَيْ ثِيَابٍ». فَقَالَ نُعْمَانُ: «اقْبَلْ وَخُذْ وَزْنَتَيْنِ». وَأَلَحَّ عَلَيْهِ، وَصَرَّ وَزْنَتَيْ فِضَّةٍ فِي كِيسَيْنِ، وَحُلَّتَيِ الثِّيَابِ، وَدَفَعَهَا لِغُلاَمَيْهِ فَحَمَلاَهَا قُدَّامَهُ. وَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الأَكَمَةِ أَخَذَهَا مِنْ أَيْدِيهِمَا وَأَوْدَعَهَا فِي الْبَيْتِ وَأَطْلَقَ الرَّجُلَيْنِ فَانْطَلَقَا.
١. إِنِّي أَجْرِي وَرَاءَهُ وَآخُذُ مِنْهُ شَيْئًا: عندما سمع جيحزي نعمان وأليشع يتحدثان، صُدم لرفض سيده قبول أي شيء من هذا الرجل الثري المتنفّذ والممتنّ. وتصوَّر أنه ينبغي لأحد أن يستفيد من مثل هذه الفرصة، فأخذ زمام المبادرة إلى الركض وراء نعمان ليأخذ منه شيئًا.
• اعتقد جيحزي أن أليشع كان يستحق مكافأة (هُوَذَا سَيِّدِي قَدِ امْتَنَعَ عَنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ يَدِ نُعْمَانَ)، وصار ما تجنَّب أن يكونه أليشع، وهو أن يكون شخْصًا آخِذًا (وَآخُذُ مِنْهُ شَيْئًا).
٢. «اقْبَلْ وَخُذْ وَزْنَتَيْنِ»: ربما اعتقد جيحزي أن الرب بارك مشروعه. إذ طلب وزنة واحدة من الفضة، فكان نعمان سعيدًا بمنحه وزنتين.
• تدل حقيقة أن نعمان ’دَفَعَهَا لِغُلاَمَيْهِ فَحَمَلاَهَا قُدَّامَهُ‘ أن الفضّة كانت كثيرة جدًّا. “لقد تطلَّب الأمر عبدين لحمل هاتين الوزنتين، لأنه حسب الحساب أعلاه، كان وزن كل وزنة حوالي ١٢٠ رطلًا أمريكيًّا.” كلارك (Clarke)
٣. وَأَوْدَعَهَا فِي الْبَيْتِ: خبّأ جيحزي الفضّة عمدًا عن أليشع. إذ كان يعرف أنه ارتكب خطأ.
ب) الآيات (٢٥-٢٧): مكافأة جيحزي
وَأَمَّا هُوَ فَدَخَلَ وَوَقَفَ أَمَامَ سَيِّدِهِ. فَقَالَ لَهُ أَلِيشَعُ: «مِنْ أَيْنَ يَا جِيحْزِي؟» فَقَالَ: «لَمْ يَذْهَبْ عَبْدُكَ إِلَى هُنَا أَوْ هُنَاكَ». فَقَالَ لَهُ: «أَلَمْ يَذْهَبْ قَلْبِي حِينَ رَجَعَ الرَّجُلُ مِنْ مَرْكَبَتِهِ لِلِقَائِكَ؟ أَهُوَ وَقْتٌ لأَخْذِ الْفِضَّةِ وَلأَخْذِ ثِيَابٍ وَزَيْتُونٍ وَكُرُومٍ وَغَنَمٍ وَبَقَرٍ وَعَبِيدٍ وَجَوَارٍ؟ فَبَرَصُ نُعْمَانَ يَلْصَقُ بِكَ وَبِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ». فَخَرَجَ مِنْ أَمَامِهِ أَبْرَصَ كَالثَّلْجِ.
١. أَلَمْ يَذْهَبْ قَلْبِي: لا نعرف إن كانت هذه معرفة خارقة أم ملاحظة اكتسبها أليشع بالملاحظة في معرفته بمعدن جيحزي الأخلاقي. وعلى أية حال، عرف أليشع بطريقة أو أخرى. فباءت محاولة أليشع للتستّر على خطيته بالفشل.
٢. أَهُوَ وَقْتٌ لأَخْذِ الْفِضَّةِ: يبدو أنه لم يكن لدى أليشع قانون مطلق يمنعه من تلقّي دعم من أولئك الذي تأثروا بخدمته. ورغم ذلك، كان واضحًا روحيًّا لأليشع، وكان ينبغي أن يكون واضحًا لجيحزي أيضًا، أن هذا لم يكن ملائمًا في هذا الوقت أو تحت هذه الظروف.
• فِضَّةِ… ثِيَابٍ… وَزَيْتُونٍ وَكُرُومٍ وَغَنَمٍ وَبَقَرٍ وَعَبِيدٍ وَجَوَارٍ: من الواضح أن جيحزي لم يُحضر إلى بيته كل الأشياء التي حصل عليها من نعمان. غير أنه أراد كل تلك الأشياء، ففضح أليشع قلبه.
• “كان أعمق خطأ في عمل جيحزي هو أنه تضمَّن الشاهدة التقية التي حُملت إلى نعمان الآرامي، وعمل هذه الخادمة الصغيرة في بيته، وشهادة النبي أليشع. كانت أفعالهما (الخادمة الصغيرة وأليشع) خاليتين من الغرض الذاتي. إذ كانت من أجل مجد الله.” مورجان (Morgan)
٣. فَبَرَصُ نُعْمَانَ يَلْصَقُ بِكَ وَبِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ: كانت هذه دينونة صارمة. لكن جيحزي، كرجل في الخدمة، كان تحت دينونة أكثر صرامة. فعندما سمح لنفسه بأن يشتهي ما لدى نعمان، لم يفكر إلاّ من منظور الأموال التي امتلكها نعمان. فسمح له الله بأن يحتفظ بتلك الثروة، لكنه أعطاه أيضًا الشيء الآخر الذي كان لدى نعمان، وهو البرص الشديد.
• “لم يكن جيحزي آخر إنسان حصل على المال بطريقة غير مشروعة، فحصل معه على لعنة الله.” كلارك (Clarke)
• “نرى هنا وثنيًّا شُفي بعمل إيمان من البرص، وإسرائيليًّا يُلعن بهذا البرص بعملٍ مُشين.” ديلداي (Dilday)