سفر ملوك الثاني – الإصحاح ٢١
حُكما آمون ومنسّى الشريرين
أولًا. حُكم منسى بن حزقيا
أ ) الآيات (١-٢): ملخّص لحكم منسّى – ٥٥ سنة من الحكم الشرير.
١كَانَ مَنَسَّى ابْنَ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ حَفْصِيبَةُ. ٢وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ رَجَاسَاتِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
١. كَانَ مَنَسَّى ٱبْنَ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ: يعني هذا أنه وُلد في الخمس عشرة سنة الأخيرة من حياة حزقيا، أي السنوات الخمس عشرة التي أضافها الله إلى عمره عندما صلّى (٢ ملوك ٢٠: ٦). وقد جلبت هذه السنوات المضافة هذه واحدًا من أسوأ ملوكها.
• “لو كان بمقدور هذا الملك الصالح أن يتنبّأ بشرور ابنه غير الجدير، لَما رغب على نحو مؤكد في التعافي من مرضه. فالموت أفضل من إنجاب ابن مثل منسّى.” ناب (Knapp)
٢. وَمَلَكَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ: كان هذا عهدًا طويلًا وشريرًا بشكل ملحوظ. فطول العمر أو المنصب ليس بالضرورة دليلًا على نعمة الله ورضاه.
• “كان منسّى نبتة برية منحطة من كرمة نبيلة.” تراب (Trapp)
• “يُذْكر اسم منسّى في الحوليّات الأشورية (مِنَسّي، أو مِنْسي ملك يودي) بين اثني عشر حاكمًا من فلسطين جلبوا الجزية العينية لسيّدهم.” وايزمان (Wiseman)
٣. حَسَبَ رَجَاسَاتِ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ طَرَدَهُمُ ٱلرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: قلد منسّى خطايا كل من الكنعانيين والإسرائيليين في المملكة الشمالية (ملوك الثاني ١٦: ٣). وبما أن الله حكم على هذه الجماعات بسبب خطاياهم، وطردهم من أرضهم، فينبغي أن يكون حكم مماثل ضد يهوذا العاصية مُتوقعًا.
ب) الآيات (٣-٩): خطايا منسّى المعيّنة.
٣وَعَادَ فَبَنَى الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي أَبَادَهَا حَزَقِيَّا أَبُوهُ، وَأَقَامَ مَذَابحَ لِلْبَعْلِ، وَعَمِلَ سَارِيَةً كَمَا عَمِلَ أَخْآبُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ، وَسَجَدَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ وَعَبَدَهَا. ٤ وَبَنَى مَذَابحَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي قَالَ الرَّبُّ عَنْهُ: «فِي أُورُشَلِيمَ أَضَعُ اسْمِي». ٥ وَبَنَى مَذَابحَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ فِي دَارَيْ بَيْتِ الرَّبِّ. ٦ وَعَبَّرَ ابْنَهُ فِي النَّارِ، وَعَافَ وَتَفَاءَلَ وَاسْتَخْدَمَ جَانًّا وَتَوَابعَ، وَأَكْثَرَ عَمَلَ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ لإِغَاظَتِهِ. ٧ وَوَضَعَ تِمْثَالَ السَّارِيَةِ الَّتِي عَمِلَ، فِي الْبَيْتِ الَّذِي قَالَ الرَّبُّ عَنْهُ لِدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ابْنِهِ: «فِي هذَا الْبَيْتِ وَفِي أُورُشَلِيمَ، الَّتِي اخْتَرْتُ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، أَضَعُ اسْمِي إِلَى الأَبَدِ. ٨ وَلاَ أَعُودُ أُزَحْزِحُ رِجْلَ إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ لآبَائِهِمْ، وَذلِكَ إِذَا حَفِظُوا وَعَمِلُوا حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ، وَكُلَّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِهَا عَبْدِي مُوسَى». ٩ فَلَمْ يَسْمَعُوا، بَلْ أَضَلَّهُمْ مَنَسَّى لِيَعْمَلُوا مَا هُوَ أَقْبَحُ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
١. وَعَادَ فَبَنَى ٱلْمُرْتَفَعَاتِ ٱلَّتِي أَبَادَهَا حَزَقِيَّا أَبُوهُ: عارض منسّى إصلاحات أبيه حزقيا، وأرجع يهوذا إلى عبادة الأوثان الفظيعة.
• يبيّن هذا أن التوبة، والإصلاح، والانتعاش ليست حالات دائمة. فما يمكن أن يُنجَز في وقت ما يمكن معارضته والرجوع عنه في وقت لاحق.
٢. وَأَقَامَ مَذَابِحَ لِلْبَعْلِ، وَعَمِلَ سَارِيَةً: لم يُرِد منسّى أن يتمثّل بأبيه التقي. بل تمثّل بواحد من أسوأ ملوك يهوذا على الإطلاق، وهو أخآب. إذ تبَنّى نفس عبادة البعل والسواري (عشيرة، التي كانت تُكرَم بتمثال منحوت) التي رعتها الدولة، والتي ميّزت حكم أخآب.
٣. وَسَجَدَ لِكُلِّ جُنْدِ ٱلسَّمَاءِ وَعَبَدَهَا (خدمها): لم يكتفِ منسّى بإرجاع أشكال عبادة الأوثان القديمة. إذ أدخل أشكالًا جديدة من عبادة الأوثان إلى يهوذا. وفي ذلك الوقت، كان النفوذ البابلي آخذًا في النمو. وكان البابليون مولعين بعبادة النجوم على نحو خاص. ويرجّح أن منسّى قلّد هذا الأمر.
٤. وَبَنَى مَذَابِحَ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ: كان من السوء بمكان أن يسمح منسّى بدخول عبادة الأوثان إلى يهوذا، لكنه فعل ما هو أسوأ، حيث أفسد عبادة الإله الحقيقي في الهيكل، وجعل هيكل الرب مكانً لمذابح الأوثان، بما في ذلك عبادة النجوم (وَبَنَى مَذَابِحَ لِكُلِّ جُنْدِ ٱلسَّمَاءِ).
٥. وَعَبَّرَ ٱبْنَهُ فِي ٱلنَّارِ: ضحّى منسى بأبنائه للإله الكنعاني مولك الذي كان يُعبَد بحرق الأطفال.
٦. وَعَافَ وَتَفَاءَلَ وَٱسْتَخْدَمَ جَانًّا وَتَوَابِعَ: دعا منسّى إلى التأثير الشيطاني المباشر من خلال مصادقته على فنون السحر والتنجيم وإدخالها إلى يهوذا.
٧. وَوَضَعَ تِمْثَالَ ٱلسَّارِيَةِ (عشيرة) ٱلَّتِي عَمِلَ، فِي ٱلْبَيْتِ: كانت عشيرة إِلَهة الخصب الكنعانية. وكانت هذه الإِلَهة تُعبَد من خلال طقوس الدعارة. ويعني هذا أن منسّى جعل هيكل الرب بيت دعارة وثنيًّا مكرَّسًا لعشيرة.
• من الواضح أن عشيرة (سواري) لم تكن إلا كوكب الزهرة، فينوس. وطبيعة عبادتها واضحة بما يكفي من خلال ذكر العاهرين والعاهرات في معبدها.” كلارك (Clarke)
٨. فَلَمْ يَسْمَعُوا (لم يأبهوا)، بَلْ أَضَلَّهُمْ مَنَسَّى: ويصف هذا النظرة الأساسية لشعب يهوذا أثناء الخمس والخمسين سنة لحكم منسّى. لم يهتموا لوعود الله السخية لشعبه في حالة طاعتهم له. وفضلًا عن ذلك، أغواهم شر منسّى عن طيب خاطر، فانجذبوا إلى فعل المزيد من الشر.
• كان ملكًا شريرًا حقًّا. لكن خطيئة الشعب الذين قبلوا إغواءه لهم عن طيب خاطر أكبر. تقول ٢ أخبار الأيام ٣٣: ١٠: ’وَكَلَّمَ الرَّبُّ مَنَسَّى وَشَعْبَهُ فَلَمْ يُصْغُوا.‘ لقد تكلم الله إلى كل من الشعب والقادة، لكنهم رفضوا كلامه.
• “فعل كل ما بوسعه لإفساد الطبيعة الأخلاقية لشعبه والقضاء التام على عبادة الإله الحقيقي. ونجح في ذلك.” كلارك (Clarke)
• “كان امتثال الأمّة لإصلاحات حزقيا سطحيًّا للغاية! فمن دون قائد روحي قوي، تحوَّل الشعب الآثمون بسرعة إلى مكائدهم الشريرة. ولا يمكن أن تكون دينونة الله بعيدة.” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
• كان هذا تحولًا من شيء يُكرم الله عمومًا إلى ثقافة تمجّد عبادة الأوثان والفجور. وبشكل عام، يمكننا القول إن هذا حدث لأن الشعب أراد حدوث ذلك. فلم يأبهوا لتحويل ثقافتهم.
ج) الآيات (١٠-١٥): الله يعد بإرسال دينونة على يهوذا.
١٠وَتَكَلَّمَ الرَّبُّ عَنْ يَدِ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ قَائِلاً: ١١«مِنْ أَجْلِ أَنَّ مَنَسَّى مَلِكَ يَهُوذَا قَدْ عَمِلَ هذِهِ الأَرْجَاسَ، وَأَسَاءَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِي عَمِلَهُ الأَمُورِيُّونَ الَّذِينَ قَبْلَهُ، وَجَعَلَ أَيْضًا يَهُوذَا يُخْطِئُ بِأَصْنَامِهِ، ١٢لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا جَالِبٌ شَرًّا عَلَى أُورُشَلِيمَ وَيَهُوذَا حَتَّى أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْمَعُ بِهِ تَطِنُّ أُذُنَاهُ. ١٣وَأَمُدُّ عَلَى أُورُشَلِيمَ خَيْطَ السَّامِرَةِ وَمِطْمَارَ بَيْتِ أَخْآبَ، وَأَمْسَحُ أُورُشَلِيمَ كَمَا يَمْسَحُ وَاحِدٌ الصَّحْنَ. يَمْسَحُهُ وَيَقْلِبُهُ عَلَى وَجْهِهِ. ١٤وَأَرْفُضُ بَقِيَّةَ مِيرَاثِي، وَأَدْفَعُهُمْ إِلَى أَيْدِي أَعْدَائِهِمْ، فَيَكُونُونَ غَنِيمَةً وَنَهْبًا لِجَمِيعِ أَعْدَائِهِمْ، ١٥لأَنَّهُمْ عَمِلُوا الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، وَصَارُوا يُغِيظُونَنِي مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ آبَاؤُهُمْ مِنْ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ».
١. وَتَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ عَنْ يَدِ عَبِيدِهِ ٱلْأَنْبِيَاءِ: عندما تخلى القادة والثقافة الشعبية عن الله، كان ما زال لدى الله صوت ليُسمِعه ليهوذا. فتكلّم إلى شعبه العُصاة عن طريق الأنبياء.
• كان الأنبياء هم هوشع، ويوئيل، وناحوم، وحبقوق، وإشعياء. وتضم هذه الآيات الخمس التالية مجموع ما قاله هؤلاء الأنبياء.” كلارك (Clarke)
٢. وَأَسَاءَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ ٱلَّذِي عَمِلَهُ ٱلْأَمُورِيُّونَ ٱلَّذِينَ قَبْلَهُ: كان هذا إنجازًا ملحوظًا. إذ كان الأموريون من بين القبائل الكنعانية التي سكنت أرض الموعد قبل استيلاء إسرائيل عليها. وكانوا مشهورين بثقافتهم العنيفة والمنحلة والفاسدة.
٣. تَطِنُّ أُذُنَاهُ: طنين الآذان في مواضع أخرى من العهد القديم علامة على مجيء دينونة قاسية للغاية (١ صموئيل ١١:٣، إرميا ٣:١٩).
٤. خَيْطَ ٱلسَّامِرَةِ: منطق الله بسيط. فإن أصرّت يهوذا على التمثل بخطايا المملكة الشمالية، فإن الله سيرد على خطاياها بدينونة مماثلة. وسينظّف أهل أُورُشَلِيمَ كَمَا يَمْسَحُ وَاحِدٌ ٱلصَّحْنَ. يَمْسَحُهُ وَيَقْلِبُهُ عَلَى وَجْهِهِ، ويعرّضهم لأعدائهم.
• “يدل مسح الصحن وقلبه على وجهه على إخلاء السكان من البلد (انظر إرميا ٥١: ٣٤). وايزمان (Wiseman)
• وَأَرْفُضُ: “الكلمة المستخدمة هنا قوية جدًّا، وهي تُستخدم للإشارة إلى سلخ حيوان. وتترجم أحيانًا إلى ’يُنبَذ‘ أو ’يُرمى.‘” ديلداي (Dilday)
د ) الآية (١٦): منسّى يضطهد شعب الله.
١٦وَسَفَكَ أَيْضًا مَنَسَّى دَمًا بَرِيًّا كَثِيرًا جِدًّا حَتَّى مَلَأَ أُورُشَلِيمَ مِنَ ٱلْجَانِبِ إِلَى ٱلْجَانِبِ، فَضْلًا عَنْ خَطِيَّتِهِ ٱلَّتِي بِهَا جَعَلَ يَهُوذَا يُخْطِئُ بِعَمَلِ ٱلشَّرِّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ.
١. وَسَفَكَ أَيْضًا مَنَسَّى دَمًا بَرِيًّا كَثِيرًا: يضع هذا منسّى، ملك يهوذا، في نفس العائلة الروحية لآخاب، ملك إسرائيل. ففي ظل حُكمي هذين الملكين، من بين ملوك آخرين، تعرّض شعب الله للاضطهاد من ديانة عبادة الأوثان المدعومة من الدولة. وكان مدى الاضطهاد كبيرًا بحيث يمكن القول مجازيًّا إنه مَلَأَ أُورُشَلِيمَ مِنَ ٱلْجَانِبِ إِلَى ٱلْجَانِبِ من دم ضحاياه.
• نرى التطور المأساوي في خطية منسّى:
أولًا، كان هنالك تسامح مع عبادة الأوثان بين شعب الله.
ثم كان هنالك ترويج لعبادة الأوثان.
ثم دُعمت عبادة الأوثان ومُوِّلت من الدولة.
ثم كان هنالك تقويض لعبادة الإله الحقيقي.
ثم كان هنالك اضطهاد وقتل لعابدي الإله الحقيقي.
ثم جاءت دينونة الله سريعًا.
٢. بِعَمَلِ ٱلشَّرِّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ: يقول التقليد إن أحد الشرور التي فعلها منسّى هو قتل النبي إشعياء. ويعتقد كثيرون أن عبرانيين ٣٧:١١ التي تتحدث عن الذين ’نُشِروا‘ تشير إلى استشهاد إشعياء.
• “يشير تعبير ’سفك دم بريء‘ إلى قمع الشباب والأبرياء والأتقياء (انظر ٢ ملوك ٢٤: ٣-٤). ويقول التقليد اليهودي غير المدعوم (صعود إشعياء) إن إشعياء نُشِر إلى نصفين في عهد منسّى (انظر عبرانيين ١١: ٣٧).” وايزمان (Wiseman)
هـ) الآيات (١٧-١٨): خاتمة حكم منسّى.
١٧وَبَقِيَّةُ أُمُورِ مَنَسَّى وَكُلُّ مَا عَمِلَ، وَخَطِيَّتُهُ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا؟ ١٨ثُمَّ اضْطَجَعَ مَنَسَّى مَعَ آبَائِهِ، وَدُفِنَ فِي بُسْتَانِ بَيْتِهِ فِي بُسْتَانِ عُزَّا، وَمَلَكَ آمُونُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.
١. وَكُلُّ مَا عَمِلَ، وَخَطِيَّتُهُ ٱلَّتِي أَخْطَأَ بِهَا: كان هذا هو الإرث الفظيع لمنسّى الذي وُلِد لواحد من أفضل ملوك يهوذا حزقيا (Hezekiah)
٢. أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ ٱلْأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا؟ تصف ٢ أخبار الأيام ٣٣: ١١-١٩ توبة مذهلة من جانب منسّى. ولأن منسّى وشعبه رفضوا أن يستمعوا إلى تحذيرات الله، سمح الرب للبابليين بتقييده وأخذه أسيرًا إلى بابل. وهناك ’وَلَمَّا تَضَايَقَ طَلَبَ وَجْهَ ٱلرَّبِّ إِلَهِهِ، وَتَوَاضَعَ جِدًّا أَمَامَ إِلَهِ آبَائِهِ‘ (٢ أخبار الأيام ٣٣: ١٢). وثبت أن توبته كانت صادقة، حيث أزال الأوثان الغريبة والآلهة الغريبة، ’وَأَمَرَ يَهُوذَا أَنْ يَعْبُدُوا ٱلرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ‘ (٢ أخبار الأيام ٣٣: ١٦).
• هذا مثلٌ رائع للمبدأ القائل: “رَبِّ ٱلْوَلَدَ فِي طَرِيقِهِ، فَمَتَى شَاخَ أَيْضًا لَا يَحِيدُ عَنْهُ” (أمثال ٢٢: ٦). لقد تربّى منسّى على يد أب تقي، لكنه عاش في تحدٍّ لإيمان أبيه مُعْظم حياته. ومع ذلك، تاب في نهاية أيامه وخدم الرب. وبهذا المعنى، يمكننا أن نقول حقًّا، ’ثُمَّ ٱضْطَجَعَ مَنَسَّى مَعَ آبَائِهِ.‘
• غير أن توبته كانت متأخرة جدًّا بحيث لم تستطع أن تغيّر الأمّة. “ربما وفّرت الثورات واسعة النطاق (٦٥٢-٦٤٨ ق.م.) في عهد أشورنابيبال مناسبة لاستدعاء منسّى إلى بابل وسجنه هناك. فإذا كان الأمر كذلك، فقد فات الأوان، على ما يبدو، على أن يؤثر إطلاق سراح منسّى وإصلاحه اللاحقان تأثيرًا كبيرًا في الأشخاص الذين ارتدوا بعناد.” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
• ولم يكن سريعًا بحيث يغيّر مصير المملكة. “وبعد سنوات، عندما سقطت أورشليم في أيدي البابليين، سيلقي كاتب أخبار الأيام اللوم على خطايا منسى في مسأـلة عقاب يهوذا (٢ ملوك ٢٤: ٣-٤).” ديلداي (Dilday)
ثانيًا. الحكم الشرير لآمون بن منسّى
أ ) الآيات (١٩-٢٢): سنتان من الحكم الشرير.
١٩كَانَ آمُونُ ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ سَنَتَيْنِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ مَشُلَّمَةُ بِنْتُ حَارُوصَ مِنْ يَطْبَةَ. ٢٠وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ كَمَا عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ. ٢١وَسَلَكَ فِي كُلِّ الطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكَ فِيهِ أَبُوهُ، وَعَبَدَ الأَصْنَامَ الَّتِي عَبَدَهَا أَبُوهُ وَسَجَدَ لَهَا. ٢٢وَتَرَكَ الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِ وَلَمْ يَسْلُكْ فِي طَرِيقِ الرَّبِّ.
١. وَمَلَكَ سَنَتَيْنِ فِي أُورُشَلِيمَ: هذا الحكم القصير على نحو غير عادي مؤشر على أن بركة الله لم تكن على عهد آمون.
٢. وَعَمِلَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ كَمَا عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ: أخطأ آمون كما سبق أن فعل أبوه منسّى من دون أن يتوب كما تاب أبوه. ومن المحتمل أن واحدًا من أحزان منسّى التائب هو أن أبناءه الذين تأثروا بخطاياه لم يتوبوا أيضًا.
• لا توجد بقعة مضيئة واحدة في المعدن الأخلاقي لهذا الملك لتخفف سواد سجل حياته القصيرة.” ناب (Knapp)
• تقول ٢ أخبار الأيام ٣٣: ٢٣: “وَلَمْ يَتَوَاضَعْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ كَمَا تَوَاضَعَ مَنَسَّى أَبُوهُ، بَلِ ٱزْدَادَ آمُونُ إِثْمًا.”
• يقول جليكاس إن آمون قسّى نفسه في الخطية بمثال أبيه الذي أخذ حريته في الخطية، مع أنه تاب في نهاية الأمر. ولذلك فكّر: “سأفعل كما فعل أبي. وسرعان ما أُخرِج من العالم من أجل تجاسره، فمات في خطاياه، كما تبيّن ٢ أخبار الأيام ٣٣: ٢٣.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (٢٣-٢٦): اغتيال آمون.
٢٣وَفَتَنَ عَبِيدُ آمُونَ عَلَيْهِ، فَقَتَلُوا الْمَلِكَ فِي بَيْتِهِ. ٢٤فَضَرَبَ كُلُّ شَعْبِ الأَرْضِ جَمِيعَ الْفَاتِنِينَ عَلَى الْمَلِكِ آمُونَ، وَمَلَّكَ شَعْبُ الأَرْضِ يُوشِيَّا ابْنَهُ عِوَضًا عَنْهُ. ٢٥وَبَقِيَّةُ أُمُورِ آمُونَ الَّتِي عَمِلَ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا؟ ٢٦وَدُفِنَ فِي قَبْرِهِ فِي بُسْتَانِ عُزَّا، وَمَلَكَ يُوشِيَّا ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.
١. وَفَتَنَ عَبِيدُ آمُونَ عَلَيْهِ: يبدو أن قصص التآمر والاغتيال تخص ملوك إسرائيل، لا يهوذا. لكن عندما ابتدأ ملوك يهوذا وشعبها بالاقتداء بخطايا جيرانهم الشماليين اللذين هُزِموا، انزلقوا إلى نفس الفوضى التي ميّزت فترة تاريخ إسرائيل.
• “رغم أن كلمة الله لا تعطي أي سبب لهذا التآمر، إلا أنه قد يكمن في شبكة الثورات المتشابكة التي قمعها أشوربانيبال من ٦٤٢ إلى ٦٣٩ قبل الميلاد، والتي دفعته إلى الاهتمام غربًا. وبالتالي، قد يعكس موت آمون صراعًا بين أولئك الذين رغبوا في البقاء مخْلِصين للتاج الأشوري، وأولئك الذين تطلّعوا إلى ربط مصير يهوذا بالنجم الصاعد، بسماتيك (٦٦٤-٦٠٩ ق. م.) من السلالة السادسة والعشرين في مصر.” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
٢. فَضَرَبَ كُلُّ شَعْبِ ٱلْأَرْضِ جَمِيعَ ٱلْفَاتِنِينَ عَلَى ٱلْمَلِكِ آمُونَ: كانت هذه علامة تبعث على الأمل. فحتى تلك اللحظة، كان شعب يهوذا قد تحمَّل إلى حد كبير حوالي ٥٧ سنة من الملوك الأشرار الذين قادوا الأمة في طريق الشر. ويبدو أنهم أرادوا الآن البر والعدالة بدلًا من الشر الذي عاشوا فيه فترة طويلة.
• بطريقة ما، يمكن القول إن شعب يهوذا حصلوا على مثل هؤلاء الملوك الأشرار لأنهم أرادوا ذلك. فقد أعطاهم الله الملوك الذين أرادوهم واستحقّوهم. والآن، عندما اتّجه شعب المملكة نحو التقوى، أعطاهم الله ملكًا أفضل.
٣. وَمَلَّكَ شَعْبُ ٱلْأَرْضِ يُوشِيَّا ٱبْنَهُ عِوَضًا عَنْهُ: رغم اغتيال آمون، لم يسمح الله بأن تنزلق يهوذا إلى نفس حفرة الفوضى التي غرقت فيها مملكة إسرائيل. وبسبب عمل شعب الأرض البار، لم يكن هنالك تغيير في السلالة الحاكمة. إذ اعتلى عرش يهوذا الابن الشرعي وريث داود.
• “كانت المساهمة الإيجابية الوحيدة التي قدّمها آمون في تاريخ يهوذا هي إنجاب واحد من أفضل الملوك الذين سيملكون على عرش أورشليم.” ديلداي (Dilday)