سفر ملوك الثاني – الإصحاح ٢٠
الله يطيل عمر حزقيّا
أولًا. تعافي حزقيا
أ ) الآية (١): إعلان إشعياء لحزقيا
١فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا لِلْمَوْتِ، فَجَاءَ إِلَيْهِ إِشَعْيَا بْنُ آمُوصَ ٱلنَّبِيُّ وَقَالَ لَهُ: «هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: أَوْصِ بَيْتَكَ لِأَنَّكَ تَمُوتُ وَلَا تَعِيشُ.
١. فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ: حدث هذا في زمن الغزو الأشوري ليهوذا. ولم تكن يهوذا قد تحررت من التهديد الأشوري بعد (٢ ملوك ٢٠: ٦). وأحداث هذا الإصحاح مدونة أيضًا في إشعياء ٣٨.
• “يتفق المفسرون على أن الأحداث المذكورة في ٣٨ و٣٩ سبقت الغزو الأشوري في عام ٧٠١ قبل الميلاد. ويُرجِع كثيرون هذه الأحداث إلى ٧٠٣ قبل الميلاد، لكن الأدلة تشير بقوة أكبر إلى حوالي ٧١٢ قبل الميلاد.” وولف (Wolf) في تفسيره لسفر إشعياء.
٢. مَرِضَ حَزَقِيَّا لِلْمَوْتِ: لا يخبرنا النص كيف مرض حزقيا. فربما كان هذا من خلال شيء واضح للجميع، أو من خلال شيء لم يكن يعرفه إلا الله. غير أن من المؤكد أن هذا مرض سمح به الرب.
٣. أَوْصِ بَيْتَكَ لِأَنَّكَ تَمُوتُ وَلَا تَعِيشُ: كان هذا لطفًا مذهلًا من الله أن يخبر حزقيا بقرب موته. إذ لا يُمنح كل الناس الوقت لترتيب أمور بيوتهم قبل موتهم.
• نحن نعرف من مقارنة ٢ ملوك ١٨: ٢ مع ٢ ملوك ٢٠: ٦ أن حزقيا كان في التاسعة والثلاثين من عمره عندما عرف بقرب موته.
• “غالبًا ما يكون لهذه التهديدات التي يعَبَّر عنها بشكل صريح ظروفها السرية، والتي يحتفظ بها الله في صدره.” بوله (Poole)
ب) الآيات (٢-٣): صلاة حزقيا.
٢فَوَجَّهَ وَجْهَهُ إِلَى الْحَائِطِ وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ قَائِلاً: ٣«آهِ يَا رَبُّ، اذْكُرْ كَيْفَ سِرْتُ أَمَامَكَ بِالأَمَانَةِ وَبِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وَفَعَلْتُ الْحَسَنَ فِي عَيْنَيْكَ». وَبَكَى حَزَقِيَّا بُكَاءً عَظِيمًا.
١. فَوَجَّهَ وَجْهَهُ إِلَى ٱلْحَائِطِ: يبيّن هذا مدى جدية حزقيا في الصلاة. فقد وجّه صلاته سرًّا إلى الله، لا إلى إنسان.
• “عندما وجّه حزقيا وجهه إلى الحائط، متجاهلًا بهذا النبي إشعياء، وداخلًا في حبس انفرادي مع الله، سكب قلبه أمام الرب.” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
٢. آهِ يَا رَبُّ، ٱذْكُرْ: قد تبدو صلاة حزقيا غير تقية، حيث ركّز فيها على تبرير الذات واستحقاقاته. ويبدو الأمر وكأن حزقيا صلى: “يا رب، لقد كنتُ طيبًا معك، وأنت لستَ منصفًا معي. فتذكّر كيف أني كنت صالحًا، ولهذا أنقِذني.”
• لكن تحت نظام العهد الجديد، كان مبدأ مشروعًا يمكن بموجبه الاقتراب إلى الله. إذ تبيّن نصوص مثل لاويين ٢٦ وتثنية ٢٨ أنه تحت نظام العهد القديم، كان الله يرسل البركات واللعنات على أساس الطاعة أو العصيان. وعلى هذا الأساس، كان بمقدور داود أن يكتب في المزمور ١٥: “يَا رَبُّ، مَنْ يَنْزِلُ فِي مَسْكَنِكَ؟ مَنْ يَسْكُنُ فِي جَبَلِ قُدْسِكَ؟ ٱلسَّالِكُ بِٱلْكَمَالِ، وَٱلْعَامِلُ ٱلْحَقَّ، وَٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلصِّدْقِ فِي قَلْبِهِ” (مزمور ١٥: ١-٢).
• لكن بموجب العهد الجديد، فإننا مباركون حسب مبدأ الإيمان بيسوع (غلاطية ٣: ١٣-١٤). وليس مبدأ صلاة حزقيا ملائمًا للمؤمن بالمسيح اليوم. فنحن نصلي باسم يسوع (يوحنا ١٦: ٢٣-٢٤) لا باسمنا أو بناء على ما نفعله.
• “نصدف طلبات مماثلة كثيرة في صلوات أولاد الله القدماء. وتمتلئ المزامير بها. لكننا لا نجدها في العهد الجديد. فالكنيسة تؤسس طلباتها على بر المسيح.” بولتيما (Bultema)
٣. وَبَكَى حَزَقِيَّا بُكَاءً عَظِيمًا: لماذا انهار حزقيا عند توقُّع الموت؟ فكثيرون من المؤمنين بالمسيح اليوم يمكن أن يقولوا للرب: “’خذني إلى البيت، يا رب.‘ لكن حزقيا عاش تحت نظام العهد القديم. وفي ذلك الوقت، لم يكن هنالك توكيد ثابت للمجد في الحياة الأخرى. وبدلًا من ذلك، أنار يسوع الحياة والخلود بالإنجيل (٢ تيموثاوس ١: ١٠). وفضلًا عن ذلك، كان يمكن أن يَعُد موته هذا على أنه دليل على غضب الله عليه.
• “لكن ما الذي يدفع القديس إلى أن يكون مغرمًا بالحياة، أو إلى أن يهاب الموت، حيث إنه بالنسبة له حصان أبيه الذي يحمله إلى بيت أبيه.” تراب (Trapp)
ج) الآيات (٤-٧): إشعياء يجلب استجابة الله لصلاة حزقيا.
٤وَلَمْ يَخْرُجْ إِشَعْيَا إِلَى الْمَدِينَةِ الْوُسْطَى حَتَّى كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ قَائِلاً: ٥«ارْجعْ وَقُلْ لِحَزَقِيَّا رَئِيسِ شَعْبِي: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ دَاوُدَ أَبِيكَ: قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ. قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ. هأَنَذَا أَشْفِيكَ. فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَصْعَدُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ. ٦وَأَزِيدُ عَلَى أَيَّامِكَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً، وَأُنْقِذُكَ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ مَعَ هذِهِ الْمَدِينَةِ، وَأُحَامِي عَنْ هذِهِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي». ٧فَقَالَ إِشَعْيَا: «خُذُوا قُرْصَ تِينٍ». فَأَخَذُوهَا وَوَضَعُوهَا عَلَى الدَّبْلِ فَبَرِئَ.
١. أَزِيدُ عَلَى أَيَّامِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً: استجابة لصلاة حزقيا، أعطاه الله ١٥ سنة أخرى فوق عمره.
• “منح الله حزقيا ١٥ سنة أخرى إضافية إلى عمره. وبما أنه مات في حوالي ٦٨٦ ق. م. يمكن إرجاع هذا الوعد إلى زمن حصار أورشليم. فكان تعافي حزقيا رمزًا لتعافي أورشليم.” وايزمان (Wiseman)
• هل ثبت بتعافي حزقيا أن كلمة الله، ’لِأَنَّكَ تَمُوتُ وَلَا تَعِيشُ (٢ ملوك ٢٠: ١)‘ زائفة؟ كلا بكل تأكيد. أولًا، كان حزقيا في حُكم الموت فعلًا عندما أعلن الله له ذلك، لكنه لم يمت فور ذلك الإعلان. ثانيًا، عندما يعلن الله دينونة، فإنها تكون دائمًا تقريبًا دعوة إلى التوبة وإلى تلقّي الرحمة.
• “رغم أن حزقيا كان رئيسًا صغيرًا، وجد نفسه رجلًا ثريًّا ضمّت خزينته أكثر مما يمكن أن تضم خزينة أي إنسان آخر على الأرض… وأصدرت محكمة السماء أمرًا بأن يعيش ١٥ سنة أخرى… فكان هذا النجاح العظيم تجربة عظيمة. بل كانت أصعب من رسالة ربشاقى، وجميع المساوئ التي جلبها الغزو الأشوري، ليتحمّلها.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. قَدْ سَمِعْتُ صَلَاتَكَ: كانت صلاة حزقيا مهمة مؤثرة. فحسب كل الدلائل، لو لم يُصلِّ حزقيا بهذا الإخلاص القلبي، لما مدّ الله في عمره. فالصلاة تحدث فرقًا.
• في واقع الأمر، أعطى الله حزقيا هديتين. أولًا، مدَّ في عمره. ثانيًا، عرّفه أن لديه ١٥ سنة أخرى من الحياة. وإن كان حكيمًا، فإن من شأن هذا أن يعطيه الحافز على أن يسلك باستقامة أمام الله ويرتب أمور بيته.
٣. وَأُحَامِي عَنْ هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي: يأتي هذا الوعد في توافق مع النبوات السابقة عن الخلاص. ويؤرخ هذا الإصحاح على أنه كُتب قبل تدمير الله للجيش الأشوري (إشعياء ٣٧: ٣٦-٣٧).
• يشير الربط بين الوعدين إلى أن أحدهما سيؤكد الآخر. فعندما يتعافى حزقيا، يمكنه أن يتأكد من أن الرب سينقذه من الأشوريين أيضًا.
٤. خُذُوا قُرْصَ تِينٍ: على ما يبدو أن الله استخدم هذا العلاج الطبي، أو على الأقل استخدمه كعلامة تجلب شفاء لحزقيا. ويستطيع الله أن يجلب شفاء من خلال علاجات طبية – وغالبًا ما يفعل هذا. وبغضّ النظر عن التوجيه غير المعتاد من الله، لا ينبغي أن نرفض العلاج الطبي باسم ’الإيمان.‘
ج) الآيات (٨-١١): علامة الله لحزقيا – الظل المتراجع.
٨وَقَالَ حَزَقِيَّا لإِشَعْيَا: «مَا الْعَلاَمَةُ أَنَّ الرَّبَّ يَشْفِينِي فَأَصْعَدَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ؟» ٩فَقَالَ إِشَعْيَا: «هذِهِ لَكَ عَلاَمَةٌ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ يَفْعَلُ الأَمْرَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ: هَلْ يَسِيرُ الظِّلُّ عَشْرَ دَرَجَاتٍ أَوْ يَرْجعُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ؟». ١٠فَقَالَ حَزَقِيَّا: «إِنَّهُ يَسِيرٌ عَلَى الظِّلِّ أَنْ يَمْتَدَّ عَشْرَ دَرَجَاتٍ. لاَ! بَلْ يَرْجعُ الظِّلُّ إِلَى الْوَرَاءِ عَشْرَ دَرَجَاتٍ!». ١١فَدَعَا إِشَعْيَا النَّبِيُّ الرَّبَّ، فَأَرْجَعَ الظِّلَّ بِالدَّرَجَاتِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا بِدَرَجَاتِ آحَازَ عَشْرَ دَرَجَاتٍ إِلَى الْوَرَاءِ.
١. مَا ٱلْعَلَامَةُ أَنَّ ٱلرَّبَّ يَشْفِينِي؟: أراد حزقيا علامة، وعلامة تسمح له بالصعود إلى بيت الرب، لأنه سيبقى عاجزًا عن القيام بذلك إلى أن يُشفى. فالأمران مرتبطان.
• “طلب حزقيا بشكل لائق علامة ليطمئن على شفائه، بينما رفض أبوه المنافق، في تواضع زائف، أن يطلب علامة.” ناب (Knapp)
٢. هَذِهِ لَكَ عَلَامَةٌ مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ عَلَى أَنَّ ٱلرَّبَّ يَفْعَلُ ٱلْأَمْرَ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ: أظهر الله رحمة أكبر لحزقيا. إذ لم يكن ملزمًا بأن يعطي تلك العلامة. بل كان يمكن أن يكون الله مبرًّرًا لو قال: “لقد قلتُ ذلك، وعليك أن تصدّقه. فكيف تجرؤ على أن لا تأخذ كلامي على محمل الجد؟ لكن الله، في محبته الأصيلة، أعطى حزقيا أكثر مما يحتاج إليه أو يستحقه.
• يُظهر الله الرحمة نفسها لنا. إذ ينبغي أن يكون كافيًا أن يقول لنا: ’أنا أحبك.‘ لكن الله بيَّنَ محبته لنا بشكل عظيم (يوحنا ٣: ١٦؛ رومية ٥: ٨).
٣. بَلْ يَرْجِعُ ٱلظِّلُّ إِلَى ٱلْوَرَاءِ عَشَرَ دَرَجَاتٍ: وعد الله بأن يفعل شيئًا معجزيًّا تمامًا كعلامة توكيد. فقد وعد بأن يجعل الظل على الساعة الشمسية يتحرك إلى الخلف بدلًا من التحرك إلى الأمام.
• كانت هذه علامة ملائمة لحزقيا. فبتحريك ظل المزولة (الساعة الشمسية) إلى الخلف، فقد أضاف مزيدًا من الوقت إلى اليوم (أكثر من ٢٤ ساعة)، كما أعطى الله مزيدًا من السنوات فوق عمره.
• “كانت معجزة كيفما أخذناها. كان بإمكان الله أن يقلب دوران الأرض لو رأى ذلك ملائمًا، لأنه صانع ساعات سيئ من لا يستطيع أن يحرك عقربي الساعة التي صنعها إلى الوراء. أو ربما تَسبّب في هذه الظاهرة من خلال القانون العادي للانكسار.” ناب (Knapp)
• من المؤكد أنه لا حاجة إلى افتراض لدورة الأرض أو انحسار الشمس. فحقيقة أن هذه المعجزة لُمِست ’في الأرض،‘ أي أرض يهوذا (انظر ٢ أخبار الأيام ٣٢: ٣١) تجعل هذين الحلّين مشكوكًا فيهما). باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
• بغضِّ النظر عن كيفية حدوث المعجزة، تخبرنا ٢ أخبار الأيام ٣٢: ٢٤-٢٦ أن حزقيا لم يستجب استجابة سليمة لعطية الشفاء. “فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا إِلَى حَدِّ ٱلْمَوْتِ وَصَلَّى إِلَى ٱلرَّبِّ فَكَلَّمَهُ وَأَعْطَاهُ عَلَامَةً. وَلَكِنْ لَمْ يَرُدَّ حَزَقِيَّا حَسْبَمَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ قَلْبَهُ ٱرْتَفَعَ، فَكَانَ غَضَبٌ عَلَيْهِ وَعَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. ثُمَّ تَوَاضَعَ حَزَقِيَّا بِسَبَبِ ٱرْتِفَاعِ قَلْبِهِ هُوَ وَسُكَّانُ أُورُشَلِيمَ، فَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِمْ غَضَبُ ٱلرَّبِّ فِي أَيَّامِ حَزَقِيَّا.”
ثانيًا. استقبال حزقيا لمندوبي بابل
أ ) الآيات (١٢-١٣): حزقيا يعرض ثروات مملكته بدافع الكبرياء.
١٢فِي ذلِكَ الزَّمَانِ أَرْسَلَ بَرُودَخُ بَلاَدَانُ بْنُ بَلاَدَانَ مَلِكُ بَابِلَ رَسَائِلَ وَهَدِيَّةً إِلَى حَزَقِيَّا، لأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ حَزَقِيَّا قَدْ مَرِضَ. ١٣فَسَمِعَ لَهُمْ حَزَقِيَّا وَأَرَاهُمْ كُلَّ بَيْتِ ذَخَائِرِهِ، وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَالأَطْيَابَ وَالزَّيْتَ الطَّيِّبَ، وَكُلَّ بَيْتِ أَسْلِحَتِهِ وَكُلَّ مَا وُجِدَ فِي خَزَائِنِهِ. لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ لَمْ يُرِهِمْ إِيَّاهُ حَزَقِيَّا فِي بَيْتِهِ وَفِي كُلِّ سَلْطَنَتِهِ.
١. فِي ذَلِكَ ٱلزَّمَانِ: يشير هذا إلى شفاء حزقيا المعجزي. كان الرب صالحًا بما يكفي ليعطي حزقيا ١٥ سنة أخرى من عمره. لكن وقعت المسؤولية على حزقيا نفسه أن يعيش تلك السنوات الإضافية في حكمة ولمجد الرب.
٢. أَرْسَلَ بَرُودَخُ بَلَادَانُ بْنُ بَلَادَانَ مَلِكُ بَابِلَ رَسَائِلَ وَهَدِيَّةً إِلَى حَزَقِيَّا، لِأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ حَزَقِيَّا قَدْ مَرِضَ: من الواضح أن هذه كانت بادرة طيبة من ملك بابل الذي أظهر اهتمامه بحزقيا كملك نظير له.
• “سبق أن أكرمت الشمس – التي كانوا يعبدونها – الملك حزقيا، ولهذا أُرسِلوا لإكرامه أيضًا بزيارة وهدية.” تراب (Trapp)
• “كان إرسال الرسائل والهدايا مع المبعوثين إجراء دبلوماسيًّا بابليًّا عاديًّا.” وايزمان (Wiseman)
٣. بَرُودَخُ بَلَادَانُ بْنُ بَلَادَانَ: أظهر وجوده أن هذه الزيارة أكثر من مجرد زيارة مجاملة. إذ كانت محاولة لكسب مملكة يهوذا إلى جانب البابليين ضد الأشوريين.
• “يقول يوسيفوس إن الغرض من تلك الزيارة كانت تأمين حزقيا كحليف مع البابليين ضد أشور.” وايزمان (Wiseman)
• “كان السبب الحقيقي للزيارة سياسيًا في طبيعته. فقد أرادت بابل التخلص من نير أشور. فأيّة أمة من المرجح أن تساعدها أكثر من تلك التي هُزِمت على يد أشور بشكل ساحق؟ وهكذا، سعت بابل إلى التحالف مع يهوذا ضد أشور.” مورجان (Morgan)
٤. فَسَمِعَ لَهُمْ (أظهر اهتمامًا بهم): يمكننا أن نتخيل أن هذا كان إطراء للملك، وشيئًا أسعده. إذ كانت يهوذا أُمّة وضيعة ذات قوة قليلة بينما كانت بابل قوة عظمى تقريبًا. فجعل اعتراف ملك بابل يُشعِر حزقيا بأنه مهم.
٥. وَأَرَاهُمْ كُلَّ بَيْتِ ذَخَائِرِهِ: يمكننا أن نتخيل أن حزقيا أراد أن يرضي هؤلاء المندوبين ويريهم أن لديهم سببًا وجيهًا للإعجاب به وبمملكته. ولهذا فعل كل ما بوسعه ليثير إعجابهم، فأراهم أفضل ثروات البيت الملكي – أراهم كل شيء. لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ لَمْ يُرِهِمْ إِيَّاهُ حَزَقِيَّا فِي بَيْتِهِ وَفِي كُلِّ سَلْطَنَتِهِ.
• كما سيظهر من توبيخ إشعياء لحزقيا، لم يكن تصرف حزقيا غير حماقة وكبرياء. فكان في مكان أراد فيه أن يرضي الناس ويثير إعجابهم، ولا سيما الأشرار.
• “لم تكن كبرياء روحية، كما كانت الحال مع جده الأكبر، عُزّيا، بل كبرياء عالمية – غرور الحياة – كما يمكن أن نقول. وكانت هذه أشياءه الثمينة – سلاحه، وكنوزه، وبيته، وهيمنته، إلخ – هي التي أراها لسفراء بابل.” ناب (Knapp)
• في هذه الحالة، واجه حزقيا تجربة شائعة لدى كثيرين، ولاسيما أولئك الذين في الخدمة، وهي تجربة النجاح. وقد فشل فيها. فهنالك كثيرون يصمدون بقوة أمام تجارب الفشل والضعف، لكنهم يفشلون تحت تجارب النجاح والقوة. فكِّر في مدى نجاحه:
كان تقيًّا.
كان منتصرًا.
حصل على شفاء إلهي.
اختبر معجزة.
وُعِد بحياة طويلة.
ارتبط بنبي عظيم.
رأى علامة (آية) عظيمة.
كان ثريًّا.
كان مشهورًا.
امتُدِح وكُرِّم.
أكرمه الله.
• غير أنه أخطأ بشكل جسيم بعد حصوله على هذه العطية من ١٥ سنة من حياته وخلاص أورشليم. ويمكننا القول إن حزقيا أخطأ بخمس طرق على الأقل:
الكبرياء، إذ كان فخورًا بالتكريم الذي جلبه البابليون.
الجحود، لأنه أخذ لنفسه الكرامة التي تخص الله وحده.
إساءة استخدام الهبات المعطاة له، حيث أخذ الهبات والمكْرُمات لكرامته الشخصية ولإشباع شهواته (٢ أخبار الأيام ٣٢: ٢٥-٢٦).
الثقة الجسدية، حيث اتكل على التحالف مع ملك بابل.
إضاعة الفرص، حيث إنه سنحت له فرصة ليشهد لمندوبي بابل حول بركة الله على يهوذا، لكنه مجّد نفسه.
• “لماذا لم يُرِ لهؤلاء الوثنيين المتعلمين بيت الله، حيث تُظهر كل ذرة فيه مجده (وَفِي هَيْكَلِهِ ٱلْكُلُّ قَائِلٌ: مَجْدٌ). (مزمور ٢٩: ٩). وكان بإمكانه أن يشرح لهم معنى المذبح النحاسي والذبائح التي تقدَّم عليه. ومن يستطيع أن يتكهن أي تأثير يمكن أن يتركه ذلك في نفوس هؤلاء الوثنيين؟” ناب (Knapp)
ب) الآيات (١٤-١٨): إشعياء يجلب توبيخًا لحزقيا من الله.
١٤فَجَاءَ إِشَعْيَا النَّبِيُّ إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا وَقَالَ لَهُ: «مَاذَا قَالَ هؤُلاَءِ الرِّجَالُ؟ وَمِنْ أَيْنَ جَاءُوا إِلَيْكَ؟» فَقَالَ حَزَقِيَّا: «جَاءُوا مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ بَابِلَ» ١٥فَقَالَ: «مَاذَا رَأَوْا فِي بَيْتِكَ؟» فَقَالَ حَزَقِيَّا: «رَأَوْا كُلَّ مَا فِي بَيْتِي. لَيْسَ فِي خَزَائِنِي شَيْءٌ لَمْ أُرِهِمْ إِيَّاهُ». ١٦فَقَالَ إِشَعْيَا لِحَزَقِيَّا: «اسْمَعْ قَوْلَ الرَّبِّ: ١٧هُوَذَا تَأْتِي أَيَّامٌ يُحْمَلُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي بَيْتِكَ، وَمَا ذَخَرَهُ آبَاؤُكَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ إِلَى بَابِلَ. لاَ يُتْرَكُ شَيْءٌ، يَقُولُ الرَّبُّ. ١٨وَيُؤْخَذُ مِنْ بَنِيكَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْكَ، الَّذِينَ تَلِدُهُمْ، فَيَكُونُونَ خِصْيَانًا فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ».
١. مَاذَا قَالَ هَؤُلَاءِ ٱلرِّجَالُ؟ وَمِنْ أَيْنَ جَاءُوا إِلَيْكَ؟: يرجح أن إشعياء كان يعرف الأجوبة على أسئلته هذه. أو من المحتمل أن أسئلته كانت موجهة من الله لإتاحة الفرصة للإجابة بصدق – وهو أمر فعله بصدق – ورؤية الخطأ الذي ارتكبه – وهو أمر لم يره على ما يبدو.
٢. رَأَوْا كُلَّ مَا فِي بَيْتِي: ربما أحس حزقيا بالفخار وهو يخبر إشعياء بهذا. فهو مثل صبي من بلدة صغيرة يحس برهبة من انتباه رجل من مدينة كبيرة. فكأنه كان يقول: “ليتك رأيت، يا إشعياء، مدى إعجاب البابليين بما لديّ. وهم يعرفون الآن أننا مهمون في يهوذا!” لقد أعمته كبرياؤه وذاتُهُ المتضخمة.
٣. تَأْتِي أَيَّامٌ يُحْمَلُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي بَيْتِكَ… إِلَى بَابِلَ: ظن حزقيا أن عرض الثروة سيثير إعجاب البابليين. لكن كل ما فعله هو أنه أراهم كل ما حصل عليه كل ملوك يهوذا، وما يمكن للبابليين أن يحصلوا عليه منه. إذ سيأتي ملك بابل وسيأخذ كل شيء معه إلى مملكته. وقد تحقق هذا في ٢ ملوك ٢٤: ١٠-١٣ و٢ ملوك ٢٥: ١١-١٧ بقيادة الملك نبوخذنصّر.
• “فعل حزقيا هذا بافخر وحماقة. والآن صارت بابل المتعطشة للذهب تعرف من أين تجلب مواردها المالية والغنائم السمينة الملائمة.” تراب (Trapp)
• سيمر ما يزيد عن مئة عام قبل أن تجلب بابل كنوز يهوذا الملكية، لكنها جاءت كما تنبّأ إشعياء. وهذه النبوّة دقيقة للغاية لدرجة أن متشككين كثيرين يصرّون – من دون أي أساس غير عدم الإيمان – على أن إشعياء كتب نبوته بعد حصولها.
٤. وَيُؤْخَذُ مِنْ … فَيَكُونُونَ خِصْيَانًا فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ: سيكون هنالك ما هو أسوأ من أخذ ثروات ملوك يهوذا المادية. إذ سيأخذ ملك بابل أبناء حزقيا، الذين كانوا ثروته الحقيقية، إلى قصره.
• كان جانب واحد من تحقيق هذه النبوة هو أخذ دانيال ورفاقه إلى السبي. وكان دانيال أحد نسل الملك الذين أُخذوا إلى بابل (دانيال ١: ١-٤). وبسبب هذا الوعد الذي قدّمه الله على لسان إشعياء، يعتقد كثيرون أنه تمّ خصي دانيال ورفاقه عندما أُخذوا للخدمة في القصر.
• يعلّق كلارك (Clarke) على كلمة ’خصيان‘ قائلاً: “لعل هذا لا يعني أكثر من أنهم سيكونون خدامًا في بيت ملك بابل. انظر تحقيق النبوة في ٢ ملوك ٢٤: ١٣-١٥ ودانيال ١: ١-٣.”
ج) الآيات (١٩-٢١): رد فعل حزقيا الغريب، ونهاية حُكمه.
١٩فَقَالَ حَزَقِيَّا لإِشَعْيَا: «جَيِّدٌ هُوَ قَوْلُ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ». ثُمَّ قَالَ: «فَكَيْفَ لاَ، إِنْ يَكُنْ سَلاَمٌ وَأَمَانٌ فِي أَيَّامِي؟». ٢٠وَبَقِيَّةُ أُمُورِ حَزَقِيَّا وَكُلُّ جَبَرُوتِهِ، وَكَيْفَ عَمِلَ الْبِرْكَةَ وَالْقَنَاةَ وَأَدْخَلَ الْمَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا؟ ٢١ثُمَّ اضْطَجَعَ حَزَقِيَّا مَعَ آبَائِهِ، وَمَلَكَ مَنَسَّى ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.
١. جَيِّدٌ هُوَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ: كانت هذه حالة ملك المؤسفة. فقد أعلن الله الدينونة القادمة، وكل ما استطاع أن يرد به هو التعبير عن ارتياحه لأن هذا لن يحدث في حياته.
• يُظهر حزقيا نفسه نقيضًا تامًّا للشخص المتمحور على الآخرين. فهو متمحور حول ذاته بالكامل. وكل ما يهمه هو راحته الشخصية ونجاحه.
٢. وَكَيْفَ عَمِلَ ٱلْبِرْكَةَ وَٱلْقَنَاةَ وَأَدْخَلَ ٱلْمَاءَ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ: كان هذا النفق (القناة) عملًا هندسيًّا مذهلًا. إذ قام حزقيا ببناء قناة لتأمين وصول الماء العذب داخل أسوار المدينة أثناء الحصار. وكان طولها يزيد عن ٦٥٠ ياردًا عبر صخور صلبة، وكانت تبدأ من كلا الطرفين ويلتقيان في الوسط. وما زال من الممكن رؤيتها اليوم، وهي تصب في بركة سلوام.
• “تمّ اكتشاف هذا النفق في عام ١٨٨٠. وقد قُطِع لمسافة ٦٤٣ مترًا ليعطي مسافة مباشرة تبلغ ٣٣٤ مترًا لتمكين المدافعين من جلب الماء داخل الأسوار الحامية أثناء الحصار.” وايزمان (Wiseman)
• يُفَصِّل نقش مكتوب بالخط العبري المتّصل في أوائل القرن الثامن قبل الميلاد هذا العمل: “عندما كان يُشَقّ النفق، كان الحجّارون يضربون بالفؤوس كل واحد تجاه آخر، بينما كان ما يزال هنالك ثلاث أذرع لتُشَق، سُمع صوت رجل ينادي على زميله، لأنه كان هنالك شقٌّ على اليمين…. فعندما تمّ شقّ النفق أخيرًا، راح الحجارون يقطعون بعضهم مقابل بعض، وفؤوسهم متقابلة. ثم تدفقت المياه من النبع إلى البركة على طول ١٢٠٠ ذراعًا. وكان ارتفاع الصخور فوق رؤوس الحجارين ١٠٠ ذراع.” وايزمان (Wiseman)
٣. ثُمَّ ٱضْطَجَعَ حَزَقِيَّا مَعَ آبَائِهِ: لا شك أن حزقيا بدأ بداية تقية، وأن حكمه بشكل عام اتسم بالتقوى المتميزة. غير أن بدايته كانت أفضل بكثير من نهايته. فلم يُنهِ نهاية حسنة. لقد منح الله حزقيا ١٥ سنة أخرى إلى عمره (٢ ملوك ٢٠: ٦)، لكن هذه السنوات الإضافية لم تجعل منه رجلًا أفضل أو أكثر تقوى.
• لا يجعلنا الزمن أو الوقت أو تقدُّم العمر أفضل بالضرورة. فالشيء الوحيد الذي يفعله الزمن أو الوقت هو أنه يمر. ونقول أحيانًا: ’الزمن سيكشف الأمور،‘ أو ’الزمن سيشفي،‘ أو ’الزمن سيُخرج الإمكانات في داخلي.‘ لكن الزمن لا يفعل شيئًا من هذا القبيل. فالزمن يأتي ويمضي فحسب. وما يهُم هو كيفية استخدامنا له. وأما بالنسبة لحزقيا، فلم يستغل الوقت المضاف الذي منحه الرب له استغلالًا حسنًا.
• “دُفن حزقيا على التل المنحدر حيث قُطعت أضرحة نسل داود (٢ أخبار الأيام ٣٢: ٣٣)، لأن كهوف الدفن التي تعود إلى العصر الحديدي شمال المدينة امتلأت بحلول هذا الوقت. وبعد ذلك لم يُدفن أي ملك ليهوذا في كهوف محفورة في الصخر.” وايزمان (Wiseman)