سفر ملوك الثاني – الإصحاح ٤
معجزات الله من خلال أليشع
أولًا. معجزات مرتبطة بأرملة وبعاقر
أ ) الآيات (١-٧): معونة الأرملة.
١وَصَرَخَتْ إِلَى أَلِيشَعَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي الأَنْبِيَاءِ قَائِلَةً: «إِنَّ عَبْدَكَ زَوْجِي قَدْ مَاتَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَكَ كَانَ يَخَافُ الرَّبَّ. فَأَتَى الْمُرَابِي لِيَأْخُذَ وَلَدَيَّ لَهُ عَبْدَيْنِ». ٢فَقَالَ لَهَا أَلِيشَعُ: «مَاذَا أَصْنَعُ لَكِ؟ أَخْبِرِينِي مَاذَا لَكِ فِي الْبَيْتِ؟.” فَقَالَتْ: «لَيْسَ لِجَارِيَتِكَ شَيْءٌ فِي الْبَيْتِ إِلاَّ دُهْنَةَ زَيْتٍ». ٣فَقَالَ: «اذْهَبِي اسْتَعِيرِي لِنَفْسِكِ أَوْعِيَةً مِنْ خَارِجٍ، مِنْ عِنْدِ جَمِيعِ جِيرَانِكِ، أَوْعِيَةً فَارِغَةً. لاَ تُقَلِّلِي. ٤ثُمَّ ادْخُلِي وَأَغْلِقِي الْبَابَ عَلَى نَفْسِكِ وَعَلَى بَنِيكِ، وَصُبِّي فِي جَمِيعِ هذِهِ الأَوْعِيَةِ، وَمَا امْتَلأَ انْقُلِيهِ». ٥فَذَهَبَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَأَغْلَقَتِ الْبَابَ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى بَنِيهَا. فَكَانُوا هُمْ يُقَدِّمُونَ لَهَا الأَوْعِيَةَ وَهِيَ تَصُبُّ. ٦وَلَمَّا امْتَلأَتِ الأَوْعِيَةُ قَالَتْ لابْنِهَا: «قَدِّمْ لِي أَيْضًا وِعَاءً». فَقَالَ لَهَا: «لاَ يُوجَدُ بَعْدُ وِعَاءٌ». فَوَقَفَ الزَّيْتُ. ٧فَأَتَتْ وَأَخْبَرَتْ رَجُلَ اللهِ فَقَالَ: «اذْهَبِي بِيعِي الزَّيْتَ وَأَوْفِي دَيْنَكِ، وَعِيشِي أَنْتِ وَبَنُوكِ بِمَا بَقِيَ».
١. فَأَتَى الْمُرَابِي (الدائن) لِيَأْخُذَ وَلَدَيَّ لَهُ عَبْدَيْنِ: هذه المرأة، وهي زوجة لأحد بَنِي الأَنْبِيَاءِ، عليها ديون ولا وسيلة لدفعها. ولن يسمح لها النظام القانوني في إسرائيل بإعلان إفلاسها. فكان عليها أن تعطي أبناءها كخدم بعقود إلى دائنها كدفعة للديون.
• “مهما بدا هذا أمرًا غير إنساني؛ كان الدائن يمارس حقة القانوني؛ فالشريعة الموسوية سمحت له بأن يستعبد المدين وأولاده حتى سنة اليوبيل لكي يسدد دينه.” باترسون (Patterson) وأوستل (Austel).
٢. لَيْسَ لِجَارِيَتِكَ شَيْءٌ فِي الْبَيْتِ إِلاَّ دُهْنَةَ زَيْتٍ: هناك بعض الأدلة على أن إناء (جرة) الزيت هذا لم يكن مخزونًا كبيرًا للطهي، ولكنه وعاء صغير لحفظ الزيت فقط للمسحة.
• “نجد هنا كلمة فريدة، وعلى الأرجح تستخدم لوصف قارورة صغيرة للمسحة.” وايزمان (Wiseman)
٣. اذْهَبِي اسْتَعِيرِي لِنَفْسِكِ أَوْعِيَةً مِنْ خَارِجٍ، مِنْ عِنْدِ جَمِيعِ جِيرَانِكِ: جعل أليشع هذه المرأة تلتزم بالإيمان بتدبير الله. جلبت استعارة الأوعية بهذه الطريقة أسئلة محرجة، لكنها فعلت ما أمرتها به كلمة الله من خلال نبيه.
• “لقد فعلت ما أمُرت بفعله: لقد فعلت ذلك بإيمان، وأوضحت النتيجة الغاية من ذلك. إذ يهتم الله بإنقاذ خدامهُ بطرق فيها تدريب وتمرين لإيمانهم. فلن يبقيهم صغارًا في الإيمان، لأن الإيمان هو ثروة الحياة السماوية.” سبيرجن (Spurgeon)
• “لديك الله في المقدار الذي ترغب فيه. تذكر فقط أن الرغبة التي تجلب الله يجب أن تكون أكثر من رغبة واهية وعابرة. فالتمني شيء ولكن الرغبة شيء آخر تمامًا. التمني المتراخي والرغبة المجتهدة والنشطة هما وضعان مختلفان تمامًا للعقل؛ فالأول لا يحصل على شيء، والثاني يحصل على كل شيء، يحصل على الله، وكل ما يمكن أن يأتي الله به.” ماكلارين (Maclaren)
٤. وَصُبِّي فِي جَمِيعِ هذِهِ الأَوْعِيَةِ، وَمَا امْتَلأَ انْقُلِيهِ: طلب أَلِيشَعَ من المرأة أن تأخذ ما لديها – جرة زيت واحدة (كل ما لديها) – وتسكبها بإيمان في الأواني المستعارة. وأثناء قيامها بذلك، ظل الزيت يتدفق بأعجوبة من الوعاء الأصلي حتى امتلأت جميع الأوعية المستعارة. وفي نهاية الأمر، كان لديها الكثير من الزيت.
• نلاحظ أن أَلِيشَعَ جعلها تفعل هذا. لربما جُرِّب أَلِيشَعَ بفعل ذلك بنفسهِ، بجمع الأواني وصب الزيت فيها، لكنه كان يعلم أنها هي من كان عليها هي أن تثق في الله.
• كان إناء الزيت الأصلي – الذي كانت تملكه المرأة في منزلها – عبارة عن إناء صغير يحتوي على دُهْنَةَ زَيْتٍ. ويعني هذا أن توزيع الزيت في الأوعية الأخرى يتطلب سكبًا مستمرًا من وعائها الصغير والسماح للزيت بملء الوعاء الصغير مرة أخرى بشكل خارق للطبيعة.
• وكان على الأوعية الفارغة ان تكون فارغة قبل ملئها بالزيت. فلا ينفع جلب أوعية ممتلئة للأرملة. “المسيح الكامل هو للخطاة الذين لا يملكون شيئًا، وللخاوين فقط، وطالما أن هناك روحًا خاوية وجوفاء حقًا في الجماعة، ستحل البركة من خلال الكلمة من دون تأخر. ليس خواؤنا، بل امتلاؤنا هو الذي يمكن أن يعيق صرف النعمة المجانية.” سبيرجن (Spurgeon)
٥. فَوَقَفَ الزَّيْتُ: أعطيت المعجزة للمرأة حسب مقدار إيمانها السابق باستعارتها للأواني. لقد اقترضت ما يكفي حتى تم بيع فائض الزيت ولتقديم المال لتسديد دينها للدائن ولتوفير الأموال للمستقبل. لو اقترضت أكثر، لدبّرت أكثر لاحتياجها؛ لو أنها اقترضت أقل، لقلَّ ما دبّرته لاحتياجها.
• “لو استعارت أوعية قليلة، لما كان لديها سوى القليل من الزيت؛ والعكس صحيح. فلو استعارت أوعية كثيرة، لامتلأت جميعها، وسيكون لديها الكثير من الزيت. فكان الأمر بيدها أن تقيس ما يجب أن تحصل عليه؛ وأنا أعتقد أن هذا الأمر ينطبق علينا بالنسبة لبركات الله الروحية. فالأمر يتعلق بمقياس مراحمنا أكثر مما نعتقد. فنحن نجعل بركاتنا قليلة لأن صلواتنا قليلة.” سبيرجن (Spurgeon)
• لم ينسكب الزيت على الأرض أو يتدفق ببساطة. كان القصد أن يكون الوعاء جاهز. كان لا بد أن يُعَد كل إناء من خلال التجميع، وان يكون مفرغًا، وموضوعًا في الوضع المناسب وأن يظل في الوضعية المناسبة. وعندما لم يعد هناك وعاء مجهز، توقف الزيت.
• يشبه مبدأ هذه المعجزة مبدأ الخنادق التي تم حفرها في الفصل السابق. فمقدار حجم عمل الإنسان مع المعجزة يحددان مقدار البركة والتدبير الذي يتم تلقيهما بالفعل. إذ يدعونا تدبير الله القوي إلى العمل الجاد ولا يبرر الكسل أبدًا.
• “يجب على الرجال أيضًا أن يتأكدوا من أن أرامل وأطفال رعاتهم وخدامهم يتمتعون بمعيشة مريحة.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (٨-١٧): ابن الامرأة العاقر.
٨وَفِي ذَاتِ يَوْمٍ عَبَرَ أَلِيشَعُ إِلَى شُونَمَ. وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرَأَةٌ عَظِيمَةٌ، فَأَمْسَكَتْهُ لِيَأْكُلَ خُبْزًا. وَكَانَ كُلَّمَا عَبَرَ يَمِيلُ إِلَى هُنَاكَ لِيَأْكُلَ خُبْزًا. ٩فَقَالَتْ لِرَجُلِهَا: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلَ اللهِ، مُقَدَّسٌ الَّذِي يَمُرُّ عَلَيْنَا دَائِمًا. ١٠فَلْنَعْمَلْ عُلِّيَّةً عَلَى الْحَائِطِ صَغِيرَةً وَنَضَعْ لَهُ هُنَاكَ سَرِيرًا وَخِوَانًا وَكُرْسِيًّا وَمَنَارَةً، حَتَّى إِذَا جَاءَ إِلَيْنَا يَمِيلُ إِلَيْهَا». ١١وَفِي ذَاتِ يَوْمٍ جَاءَ إِلَى هُنَاكَ وَمَالَ إِلَى الْعُلِّيَّةِ وَاضْطَجَعَ فِيهَا. ١٢فَقَالَ لِجِيحْزِي غُلاَمِهِ: «ادْعُ هذِهِ الشُّونَمِيَّةَ». فَدَعَاهَا، فَوَقَفَتْ أَمَامَهُ. ١٣فَقَالَ لَهُ: «قُلْ لَهَا: هُوَذَا قَدِ انْزَعَجْتِ بِسَبَبِنَا كُلَّ هذَا الانْزِعَاجِ، فَمَاذَا يُصْنَعُ لَكِ؟ هَلْ لَكِ مَا يُتَكَلَّمُ بِهِ إِلَى الْمَلِكِ أَوْ إِلَى رَئِيسِ الْجَيْشِ؟» فَقَالَتْ: «إِنَّمَا أَنَا سَاكِنَةٌ فِي وَسْطِ شَعْبِي.” ١٤ثُمَّ قَالَ: «فَمَاذَا يُصْنَعُ لَهَا؟» فَقَالَ جِيحْزِي: «إِنَّهُ لَيْسَ لَهَا ابْنٌ، وَرَجُلُهَا قَدْ شَاخَ». ١٥فَقَالَ: «ادْعُهَا». فَدَعَاهَا، فَوَقَفَتْ فِي الْبَابِ. ١٦فَقَالَ: «فِي هذَا الْمِيعَادِ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ تَحْتَضِنِينَ ابْنًا». فَقَالَتْ: «لاَ يَا سَيِّدِي رَجُلَ اللهِ. لاَ تَكْذِبْ عَلَى جَارِيَتِكَ». ١٧فَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ وَوَلَدَتِ ابْنًا فِي ذلِكَ الْمِيعَادِ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ، كَمَا قَالَ لَهَا أَلِيشَعُ.
١. امْرَأَةٌ عَظِيمَةٌ، فَأَمْسَكَتْهُ لِيَأْكُلَ خُبْزًا: بدأت هذه العلاقة الرائعة والمميزة بين أليشع والمرأة الشونمية عندما سعت المرأة إلى عمل شيء من أجل النبي. لم يطلب أليشع من هذه المرأة شيئًا. أقنعته في النهاية وأَمْسَكَتْهُ لِيَأْكُلَ خُبْزًا، تعبيرًا عن حُسْن ضيافتها له.
٢. فَلْنَعْمَلْ عُلِّيَّةً عَلَى الْحَائِطِ صَغِيرَةً: ثم سعت المرأة الشونمية إلى خدمة النبي بصورة أكثر فعالية. وبموافقة زوجها، وفّرا لهُ غرفة للبقاء فيها في رحلاته المتكررة عبر المنطقة.
٣. فِي هذَا الْمِيعَادِ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ تَحْتَضِنِينَ ابْنًا: بالنسبة لهذه المرأة العاقر، بدا هذا الوعد أروع من أن يصدَّق. كانت وصمة العار المرتبطة بالعقم قاسية في العالم القديم، وهذا الابن الموعود سيُشبع أشواق قلبها ويزيل وصمة العقم عنها.
٤. فَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ وَوَلَدَتِ ابْنًا فِي ذلِكَ الْمِيعَادِ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ، كَمَا قَالَ لَهَا أَلِيشَعُ: والآن بارك إله النبي المرأة التي قدمت بسخاء أشياء مادية للنبي. باركها بأمور تتجاوز الأشياء المادية.
ج) الآيات (١٨-٣٧): إقامة ابن الشونمية من بين الأموات.
١٨وَكَبِرَ الْوَلَدُ. وَفِي ذَاتِ يَوْمٍ خَرَجَ إِلَى أَبِيهِ إِلَى الْحَصَّادِينَ، ١٩وَقَالَ لأَبِيهِ: «رَأْسِي، رَأْسِي.” فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: «احْمِلْهُ إِلَى أُمِّهِ». ٢٠فَحَمَلَهُ وَأَتَى بِهِ إِلَى أُمِّهِ، فَجَلَسَ عَلَى رُكْبَتَيْهَا إِلَى الظُّهْرِ وَمَاتَ. ٢١فَصَعِدَتْ وَأَضْجَعَتْهُ عَلَى سَرِيرِ رَجُلِ اللهِ، وَأَغْلَقَتْ عَلَيْهِ وَخَرَجَتْ. ٢٢وَنَادَتْ رَجُلَهَا وَقَالَتْ: «أَرْسِلْ لِي وَاحِدًا مِنَ الْغِلْمَانِ وَإِحْدَى الأُتُنِ فَأَجْرِيَ إِلَى رَجُلِ اللهِ وَأَرْجعَ». ٢٣فَقَالَ: «لِمَاذَا تَذْهَبِينَ إِلَيْهِ الْيَوْمَ؟ لاَ رَأْسُ شَهْرٍ وَلاَ سَبْتٌ». فَقَالَتْ: «سَلاَمٌ». ٢٤وَشَدَّتْ عَلَى الأَتَانِ، وَقَالَتْ لِغُلاَمِهَا: «سُقْ وَسِرْ وَلاَ تَتَعَوَّقْ لأَجْلِي فِي الرُّكُوبِ إِنْ لَمْ أَقُلْ لَكَ». ٢٥وَانْطَلَقَتْ حَتَّى جَاءَتْ إِلَى رَجُلِ اللهِ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ. فَلَمَّا رَآهَا رَجُلُ اللهِ مِنْ بَعِيدٍ قَالَ لِجِيحْزِي غُلاَمِهِ: «هُوَذَا تِلْكَ الشُّونَمِيَّةُ. ٢٦اُرْكُضِ الآنَ لِلِقَائِهَا وَقُلْ لَهَا: أَسَلاَمٌ لَكِ؟ أَسَلاَمٌ لِزَوْجِكِ؟ أَسَلاَمٌ لِلْوَلَدِ؟» فَقَالَتْ: «سَلاَمٌ». ٢٧فَلَمَّا جَاءَتْ إِلَى رَجُلِ اللهِ إِلَى الْجَبَلِ أَمْسَكَتْ رِجْلَيْهِ. فَتَقَدَّمَ جِيحْزِي لِيَدْفَعَهَا، فَقَالَ رَجُلُ اللهِ: «دَعْهَا لأَنَّ نَفْسَهَا مُرَّةٌ فِيهَا وَالرَّبُّ كَتَمَ الأَمْرَ عَنِّي وَلَمْ يُخْبِرْنِي.” ٢٨فَقَالَتْ: «هَلْ طَلَبْتُ ابْنًا مِنْ سَيِّدِي؟ أَلَمْ أَقُلْ لاَ تَخْدَعْنِي؟» ٢٩فَقَالَ لِجِيحْزِي: «أُشْدُدْ حَقَوَيْكَ وَخُذْ عُكَّازِي بِيَدِكَ وَانْطَلِقْ، وَإِذَا صَادَفْتَ أَحَدًا فَلاَ تُبَارِكْهُ، وَإِنْ بَارَكَكَ أَحَدٌ فَلاَ تُجِبْهُ. وَضَعْ عُكَّازِي عَلَى وَجْهِ الصَّبِيِّ». ٣٠فَقَالَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ، إِنِّي لاَ أَتْرُكُكَ». فَقَامَ وَتَبِعَهَا. ٣١وَجَازَ جِيحْزِي قُدَّامَهُمَا وَوَضَعَ الْعُكَّازَ عَلَى وَجْهِ الصَّبِيِّ، فَلَمْ يَكُنْ صَوْتٌ وَلاَ مُصْغٍ. فَرَجَعَ لِلِقَائِهِ وَأَخْبَرَهُ قَائِلًا: «لَمْ يَنْتَبِهِ الصَّبِيُّ». ٣٢وَدَخَلَ أَلِيشَعُ الْبَيْتَ وَإِذَا بِالصَّبِيِّ مَيْتٌ وَمُضْطَجعٌ عَلَى سَرِيرِهِ. ٣٣فَدَخَلَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ عَلَى نَفْسَيْهِمَا كِلَيْهِمَا، وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ. ٣٤ثُمَّ صَعِدَ وَاضْطَجَعَ فَوْقَ الصَّبِيِّ وَوَضَعَ فَمَهُ عَلَى فَمِهِ، وَعَيْنَيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَيَدَيْهِ عَلَى يَدَيْهِ، وَتَمَدَّدَ عَلَيْهِ فَسَخُنَ جَسَدُ الْوَلَدِ. ٣٥ثُمَّ عَادَ وَتَمَشَّى فِي الْبَيْتِ تَارَةً إِلَى هُنَا وَتَارَةً إِلَى هُنَاكَ، وَصَعِدَ وَتَمَدَّدَ عَلَيْهِ فَعَطَسَ الصَّبِيُّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ فَتَحَ الصَّبِيُّ عَيْنَيْهِ. ٣٦فَدَعَا جِيحْزِي وَقَالَ: «اُدْعُ هذِهِ الشُّونَمِيَّةَ» فَدَعَاهَا. وَلَمَّا دَخَلَتْ إِلَيْهِ قَالَ: «احْمِلِي ابْنَكِ». ٣٧فَأَتَتْ وَسَقَطَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَتْ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ حَمَلَتِ ابْنَهَا وَخَرَجَتْ.
١. فَجَلَسَ عَلَى رُكْبَتَيْهَا إِلَى الظُّهْرِ وَمَاتَ: كان هذا الابن قد مُنح بوعد معجزي، كمكافأة على الخدمة المخلصة للمرأة الشونمية. مات الصبي بشكل مأساوي في حضن أمه بعد معاناة قصيرة ولكنها شديدة.
• “كان رأسه يؤلمه بشدة؛ وربما كان بسبب حرارة موسم الحصاد التي تعرض لها في الحقل.” بوله (Poole)
• “من المحتمل أنه تأثر بسفعة شمس، أو ضربة الشمس، والتي قد تتسبب بالموت لمن هم في عمر صغير، خاصة في ذلك البلد الحار.” كلارك (Clarke)
٢. فَصَعِدَتْ وَأَضْجَعَتْهُ عَلَى سَرِيرِ رَجُلِ اللهِ، وَأَغْلَقَتْ عَلَيْهِ وَخَرَجَتْ: يدل هذا على إيمان المرأة. هيّأت لقيامة الغلام لا لدفنه.
• “من المؤكد أنها سمعت في الماضي أن إيليا قد أحيا ابن أرملة صرفه؛ وآمنت بأن من أعطاها هذه الهبة (ابنها) من الله، يمكنه أن يستعيده للحياة.” كلارك (Clarke)
٣. فَقَالَتْ: «سَلاَمٌ»: لم تكن المرأة الشونمية تريد أن يعلم أليشع بحزنها من خلال مساعده جيحزي. بل أرادت أن يسمعها رجل الله بنفسه ويشعر بحزنها.
• من المؤكد أنه لا شيء يمكنهُ أن يجعل الحزن يبدو سخيفًا مثل الأشخاص المتطفلين وغير المبالين. كانت هناك حاجة إلى يد أكثر رقة من يد جيحزي لكشف ذلك السر المحزن لهذه الأم الثكلى.” ماكلارين (Maclaren)
٤. «دَعْهَا لأَنَّ نَفْسَهَا مُرَّةٌ فِيهَا وَالرَّبُّ كَتَمَ الأَمْرَ عَنِّي وَلَمْ يُخْبِرْنِي»: بدا أليشع في حيرة من أمره لأن هذه المرأة (التي غالبًا كان يصلي من أجلها) كانت في أزمة أخفيت عنهُ. وفي هذا الظرف، فوجئ أليشع بأن الله لم يكلمه عن الأمر أكثر مما كان سيفاجأ لو أنه كلّمه.
• “كم كانت ستكون كنائسنا أفضل لو كان معلموها وخدامها أكثر استعدادًا للتمثل بتواضعه، وقالوا عن أشياء كثيرة: ’َالرَّبُّ كَتَمَ الأَمْرَ عَنِّي وَلَمْ يُخْبِرْنِي!‘” ماكلارين (Maclaren)
٥. وَضَعْ عُكَّازِي عَلَى وَجْهِ الصَّبِيِّ: بدلًا من أن يذهب أليشع مباشرة بنفسه، أرسل خادمه جيحزي مع عُكَّازه. ويبدو أن هذا يتبع النمط السابق في خدمة أليشع: لم يفعل أشياء للناس بشكل مباشر ولكنه أعطاهم الفرصة للعمل مع الله والثقة به لأنفسهم. طلب الله من الملوك الثلاثة المتحالفين أن يحفروا خنادق (ملوك الثاني ١٦:٣). وقال الله للأرملة أن تجمع الأواني وتسكب الزيت بنفسها (ملوك الثاني ٤: ١-٧).
• ربما تكون المرأة الشونمية قد فشلت في هذا الاختبار لأنها اعتقدت أن القدرة على الشفاء كانت مرتبطة بإليشع نفسه، ورفضت ترك محضره (إِنِّي لاَ أَتْرُكُكَ). لم يتم شفاء الطفل من خلال العكاز، رغم أنه (افتراضيًا) ربما كان يمكنه الحصول على الشفاء بواسطة العكاز فقط لو أن الشونمية قبلت وصدقت هذا الوعد بإيمان كامل.
٦. فَدَخَلَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ عَلَى نَفْسَيْهِمَا كِلَيْهِمَا، وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ: لقد شفى الله ابن المرأة الشونمية استجابةً لصلاة أليشع. صلى بنفس النمط الذي أظهره معلمه إيليا (ملوك الأول ١٧: ٢٠-٢٣).
• صلى إليشع بإيمان عظيم لأنه عرف أن الله عمل بهذه الطريقة في حياة معلمه إيليا. كما صلى أيضًا بإيمان عظيم لأنه شعر بأن الله يريد أن يقيم هذا الصبي من بين الأموات.
• “رغم أنه قد يبدو أن النبي يلتقط نجاسة من خلال الشعائر بلمس هذا الجسد الميت، إلا أن ذلك كان مبررًا ليعطي مكانًا لواجب أخلاقي، ولعمل عظيم من أعمال التقوى والإحسان، وبشكل خاص عندما يقوم به نبي وبغريزة وإرشاد من روح الله القادر على الاستغناء عن شرائعه.” بوله (Poole)
• هناك تناقض كبير بين عمل التمدد المطول لكلِ من إيليا وإليشع على الصبي وأمر الرب يسوع كُلي السلطة في إقامة الموتى (كما في يوحنا ٤٣:١١). توسل إيليا وأليشع إلى الله بحق ليقيم الموتى. وأما يسوع فأمر الأموات بأن يقوموا.
• “هذه العصا الخاصة به – ولا نعرف ماذا حدث بالأخرى – عرف أنها كانت طويلة بما يكفي للوصول إلى السماء، إلى تلك البوابات لتفتحها عنوة.” تراب (Trapp)
٧. فَسَخُنَ جَسَدُ الْوَلَدِ… فَعَطَسَ الصَّبِيُّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ فَتَحَ الصَّبِيُّ عَيْنَيْهِ: “رغم أن معظم المعجزات كانت تتحقق في لحظة، إلا أنها في بعض الأحيان قد تحدث على عدة مراحل، كما هو الحال هنا، وملوك الأول ١٨: ٤٤-٤٥؛ مرقس ٨: ٢٤-٢٥.” بوله (Poole)
• “وبطبيعة الحال، هناك استخدام عميق وجميل لعمل النبي في وضع نفسه على الطفل الميت، من الفم إلى الفم، واليد لليد، إذا عددناه رمزًا لهذا الاقتراب من طبيعتنا الميتة في الخطايا، التي يصنعها رب الحياة بتجسده وفي اقترابه الدائم.” ماكلارين (Maclaren)
ثانيًا. معجزات مرتبطة بتدبير الطعام
أ ) الآيات (٣٨-٤١): تنقية الحساء.
٣٨وَرَجَعَ أَلِيشَعُ إِلَى الْجِلْجَالِ. وَكَانَ جُوعٌ فِي الأَرْضِ وَكَانَ بَنُو الأَنْبِيَاءِ جُلُوسًا أَمَامَهُ. فَقَالَ لِغُلاَمِهِ: «ضَعِ الْقِدْرَ الْكَبِيرَةَ، وَاسْلُقْ سَلِيقَةً لِبَنِي الأَنْبِيَاءِ». ٣٩وَخَرَجَ وَاحِدٌ إِلَى الْحَقْلِ لِيَلْتَقِطَ بُقُولًا، فَوَجَدَ يَقْطِينًا بَرِّيًّا، فَالْتَقَطَ مِنْهُ قُثَّاءً بَرِّيًّا مِلْءَ ثَوْبِهِ، وَأَتَى وَقَطَّعَهُ فِي قِدْرِ السَّلِيقَةِ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا. ٤٠وَصَبُّوا لِلْقَوْمِ لِيَأْكُلُوا. وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ مِنَ السَّلِيقَةِ صَرَخُوا وَقَالُوا: «فِي الْقِدْرِ مَوْتٌ يَا رَجُلَ اللهِ!.” وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَأْكُلُوا. ٤١فَقَالَ: «هَاتُوا دَقِيقًا». فَأَلْقَاهُ فِي الْقِدْرِ وَقَالَ: «صُبَّ لِلْقَوْمِ فَيَأْكُلُوا». فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ رَدِيءٌ فِي الْقِدْرِ.
١. جُوعٌ فِي الأَرْضِ: “قد تكون المجاعة المذكورة في الآية ٣٨ هي المجاعة التي دامت سبع سنوات والتي تم التلميح إليها في ٢ ملوك ٨: ١-٣.” ديلداي (Dilday)
٢. «فِي الْقِدْرِ مَوْتٌ يَا رَجُلَ اللهِ!»: شعر أليشع بمسؤولية خاصة للمساعدة في هذا الموقف لأنه طلب من الرجال جمع مكونات الحساء، وقاموا بجمع يَقْطِين بَرِّيّ سمّم القدر.
• “كان القرع على الأرجح هو العلقم. وكان يعرف بالخيار البري، ولا يزال القرع ينمو بالقرب من البحر الميت. فعندما يتم تقطيع القرع، يفتح اللب بسرعة ويجف ويشكل مسحوقًا. وهو لا يزال يستخدم في هذا الجزء من العالم كدواء مسهل. وله طعم مر جدًا. وإذا تم تناوله بكميات كافية، فإنه يسبب المغص ويمكن أن يكون قاتلًا.” ديلداي (Dilday)
• “كنت تحاول أن تجد متعة في العالم، فوجدت يقطينًا بريًا… وجمعت قرعًا بريًّا، وحضنًا ممتلئًا، وقلب ممتلئًا تقريبًا. نثرت الموت في القدر، والآن لا يمكنك أن تشعر كما كنت تشعر سابقًا. فالسم يخدّر روحك. بينما كنا نغني الآن، قلت: ’أريد أن أرنم كما يفعل القديسون، لكن لا يوجد تسبيح بداخلي.‘ … إذا كنت تعيش في العالم ولست من أبناء الله، يمكنك أن تعيش على ما قد يسمم المؤمن المسيحي. ولكن إذا كنت من أبناء الله، فسوف تصرخ، ’يا رجل الله، يوجد موت في القدر!‘” سبيرجن (Spurgeon)
٣. فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ رَدِيءٌ فِي الْقِدْرِ: لم يكن الدقيق الذي وضعهُ أليشع في القدر مطهِّرًا بطبيعته. إذ كان التطهير الحقيقي عملًا معجزيًا من أعمال الله.
• “يوجد موت في القدر. كيف تواجه الكنيسة الأمر؟ أعتقد أنه عليها تقليد أليشع. لا نحتاج إلى محاولة إخراج القرع البري من القدر؛ فلقد تم تقطيعهُ قطع صغيرة جدًا واختلطت بدهاء شديد معًا؛ لقد دخلوا بعمق في كل كمية التعليم بحيث لا يمكن إزالتها. فمن سيزيل الخميرة من الرغيف المختمر؟ وماذا بعد؟ علينا أن نسأل الله للمساعدة، ونستخدم الوسائل الموضحة هنا. ’أحضر وجبة.‘ كان الطعام الصحي الجيد يُلقى في المواد السامة. ومن رأفة الله تم القضاء على السم؛ ويتوجب على الكنيسة أن تضع الإنجيل المبارك لنعمة الله في الأواني المسمومة، والعقيدة الكاذبة لن تتمكن من تدمير أرواح الناس كما تفعل الآن.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٤٢-٤٤): تضاعف الأرغفة
٤٢وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَعْلِ شَلِيشَةَ وَأَحْضَرَ لِرَجُلِ اللهِ خُبْزَ بَاكُورَةٍ عِشْرِينَ رَغِيفًا مِنْ شَعِيرٍ، وَسَوِيقًا فِي جِرَابِهِ. فَقَالَ: «أَعْطِ الشَّعْبَ لِيَأْكُلُوا». ٤٣فَقَالَ خَادِمُهُ: «مَاذَا؟ هَلْ أَجْعَلُ هذَا أَمَامَ مِئَةِ رَجُل؟» فَقَالَ: «أَعْطِ الشَّعْبَ فَيَأْكُلُوا، لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: يَأْكُلُونَ وَيَفْضُلُ عَنْهُمْ». ٤٤فَجَعَلَ أَمَامَهُمْ فَأَكَلُوا، وَفَضَلَ عَنْهُمْ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ.
١. خُبْزَ بَاكُورَةٍ عِشْرِينَ رَغِيفًا مِنْ شَعِيرٍ: “هؤلاء قد أحضروا إلى أليشع باكورة (الآية ٤٢). عادةً ما كانت هذه الحصص مخصصة لله (لاويين ٢٣: ٢٠) والكهنة اللاويين (عدد ١٨: ١٣؛ تثنية ١٨: ٤-٥). ولأن المملكة الشمالية كانت فاسقة مرتدة جدًا، تم إحضار الأرغفة من صانعها إلى الشخص الذي عدّه حاضنًا حقيقيًّا للديانة الصحيحة في إسرائيل.” باترسون (Patterson) وأوستل (Austel)
٢. «أَعْطِ الشَّعْبَ لِيَأْكُلُوا»: في معجزة استبقت معجزة يسوع في إشباع خمسة آلاف رجل، قام أليشع بتقديم كمية صغيرة من الخبز لإشباع مئة رجل.
• “هذا شيء مثل إشباع ربنا للجمهور بأعجوبة. ففي الواقع، هناك أشياء كثيرة في هذا الفصل مشابهة للحقائق في تاريخ ربنا؛ ويمكن اعتبار هذا النبي رمزًا للرب يسوع، أكثر من معظم الأشخاص الآخرين في الكتاب المقدس الذين تم تكريمهم بهذه الطريقة.” كلارك (Clarke)
٣. لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: يَأْكُلُونَ وَيَفْضُلُ عَنْهُمْ: لم يعد الله بتدبير الاحتياج فقط، ولكن بما يفوق الحاجة الفورية أيضًا. لقد وثق أليشع بوعد الله، وعمل وفقًا لذلك، ورأى التحقق المعجزي للوعد.
• “ما الذي يمكن أن تفعله هذه الكعكات القليلة لإطعام مائة رجل؟ إنهم ينسون أن الله قادر على أن يضاعفها. أنتم تحدّون قدوس إسرائيل. هل تعتقدون أنه يحتاج إلى أعدادنا؟ هل تعتقدون أنه يعتمد على القوة البشرية؟ أقول لكم إن ضعفنا بالنسبة لله هو سلاح أفضل من قوتنا.” سبيرجن (Spurgeon)