سفر ملوك الثاني – الإصحاح ١٦
مساومة آحاز
أولًا. ملخّص لحكم آحاز
أ ) الآيات (١-٢): عصيان آحاز.
١فِي السَّنَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ لِفَقْحَ بْنِ رَمَلْيَا، مَلَكَ آحَازُ بْنُ يُوثَامَ مَلِكِ يَهُوذَا. ٢كَانَ آحَازُ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. وَلَمْ يَعْمَلِ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِهِ كَدَاوُدَ أَبِيهِ.
١. وَلَمْ يَعْمَلِ ٱلْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ إِلَهِهِ: يصف هذا بإيجاز فترة حاكم ربما كان أسوأ ملوك يهوذا على الإطلاق. ففي حين أن ملوكًا كثيرين قصّروا في ناحية أو أخرى (عادة ما كانوا يسمحون بتقديم الذبائح على المرتفعات)، يقال عن آحاز هذا إنه ’لَمْ يَفْعَلِ ٱلْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ.‘
٢. كَدَاوُدَ أَبِيهِ: عرف آحاز عن أمثلة صالحة كثيرة، سواء أكان ذلك بشكل مباشر في أبيه، يوثام، أم من التاريخ في سلفه داود. لكنه رفض هذه الأمثلة الصالحة، وسار في طريقه الخاص.
ب) الآيات (٣-٤): عبادة آحاز الوثنية.
٣بَلْ سَارَ فِي طَرِيقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، حَتَّى إِنَّهُ عَبَّرَ ابْنَهُ فِي النَّارِ حَسَبَ أَرْجَاسِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ٤وَذَبَحَ وَأَوْقَدَ عَلَى الْمُرْتَفَعَاتِ وَعَلَى التِّلاَلِ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ.
١. سَارَ فِي طَرِيقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ: لم يرفض آحاز تراث داود التقي فحسب، لكنه تبنّى أيضًا الطرق التي سار فيها ملوك إسرائيل الشمالية. وكان في يهوذا خليط من الملوك الأتقياء والأشرار. وقد اتّبع آحاز نموذج الملوك الأشرار.
• “هذه هي أول حالة تتمثل فيها يهوذا بارتداد إسرائيل.” وايزمان (Wiseman)
• تتضمن ميخا ٧: ٢-٧ وصفًا جيدًا لفساد زمن آحاز ورد فعل البقية التقية لذلك.
٢. عَبَّرَ ٱبْنَهُ فِي ٱلنَّارِ: يصف هذا مشاركة آحاز في عبادة مولك. كان الإله الوثني (أو الروح الشرير، على نحو أدق) يُعبَد بتسخين معدن يمثّل هذا الإله إلى أن يصبح أحمر من الحرارة. ثم كان يوضع رضيع حي على يدي التمثال الممدودتين بينما كانت طرقات الطبول تُغرق صرخات الطفل حتى الموت.
• أعلن الله في لاويين ٢٠: ١-٥ حكم الموت على كل الذين يعبدون مولك: “وَأَجْعَلُ أَنَا وَجْهِي ضِدَّ ذَلِكَ ٱلْإِنْسَانِ، وَأَقْطَعُهُ مِنْ شَعْبِهِ، لِأَنَّهُ أَعْطَى مِنْ زَرْعِهِ لِمُولَكَ لِكَيْ يُنَجِّسَ مَقْدِسِي، وَيُدَنِّسَ ٱسْمِيَ ٱلْقُدُّوسَ” (لاويين ٢٠: ٣)
• من المؤسف أن رجلًا عظيمًا مثل سليمان أجاز عبادة مولك، وبنى معبدًا لهذا الوثن (١ ملوك ١١: ٧). وكانت إحدى أعظم جرائم الأسباط الشمالية عبادتها لمولك، ما أدّى إلى السبي الأشوري (٢ ملوك ١٧: ١٧). وقدّم منسّى، ملك يهوذا، ابنه لمولك (٢ ملوك ٢١: ٦). واستمرت عبادة مولك حتى أيام يوشيا، ملك يهوذا، إلى أن دمّر مكانَ عبادةٍ لذلك الوثن (٢ ملوك ٢٣: ١٠).
٣. حَسَبَ أَرْجَاسِ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ طَرَدَهُمُ ٱلرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: مارست الشعوب الكنعانية التي احتلت كنعان قبل يشوع هذا الشكل الفظيع من التضحية بالبشر والأطفال على نحو خاص. وسيجلب الله دينونة على يهوذا بسبب ممارستها المستمرة لهذه الخطايا.
• يذكّرنا هذا بأن الحرب على الكنعانيين في سفر يشوع، رغم أنها كانت رهيبة وتامّة، لم تكن حربًا عنصرية. فلم تأتِ دينونة الله على الكنعانيين من خلال جيوش إسرائيل بسبب جنسهم، لكن بسبب إثمهم. وإذا أصرت إسرائيل على السير في نفس الخطايا، فستلقى نفس الدينونة.
ثانيًا. آحاز يجعل يهوذا أمة خاضعة لأشور.
أ ) الآيات (٥-٦): هجوم اتحادي من إسرائيل وآرام على يهوذا
٥حِينَئِذٍ صَعِدَ رَصِينُ مَلِكُ أَرَامَ وَفَقْحُ بْنُ رَمَلْيَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِلْمُحَارَبَةِ، فَحَاصَرُوا آحَازَ وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَغْلِبُوهُ. ٦فِي ذلِكَ الْوَقْتِ أَرْجَعَ رَصِينُ مَلِكُ أَرَامَ أَيْلَةَ لِلأَرَامِيِّينَ، وَطَرَدَ الْيَهُودَ مِنْ أَيْلَةَ. وَجَاءَ الأَرَامِيُّونَ إِلَى أَيْلَةَ وَأَقَامُوا هُنَاكَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ.
١. صَعِدَ رَصِينُ مَلِكُ أَرَامَ وَفَقْحُ بْنُ رَمَلْيَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِلْمُحَارَبَةِ: كان هذا جزءًا من سياسة فقح، ملك إسرائيل، في مقاومة أشور. إذ اعتقد أنه بهزيمة يهوذا، ستكون إسرائيل وآرام أكثر فاعلية في مقاومة اندفاع الإمبراطورية الأشورية.
• يوضح إشعياء ٧ أن الهدف من هذا الهجوم كان إطاحة آحاز وتنصيب رجل آرامي (ابن طابيل) ملكًا على يهوذا (إشعياء ٧: ٦).
• بشكل عام، تكبدت يهوذا خسائر فادحة نتيجة لهذا الهجوم. فقد خسر الملك آحاز ١٢٠.٠٠٠ جندي و١٢٠.٠٠٠ رهين مدني في هذه المعارك مع إسرائيل وآرام (٢ أخبار الأيام ٢٨: ٥-٨). فكان هذا وقتًا مظلمًا بالنسبة ليهوذا، وبدا كما لو أن سلالة داود ستنقرض قريبًا، حيث انتهت سلالات كثيرة في إسرائيل الشمالية.
• عندما أُخذ هذا العدد الكبير من الأسرى إلى السامرة، عاصمة مملكة إسرائيل الشمالية، حدث شيء غريب ورائع. إذ قام نبي اسمه عوبيد بتوبيخ الجيش الذي يدير الأسرى، وناشد القادة أن يعيدوهم إلى يهوذا. فتجاوب قادة جيش إسرائيل معه، مدركين أنهم أهانوا الرب بالفعل، وأنهم يخاطرون بمزيد من الإهانة. ولهذا ألبسوا وأطعموا الأسرى الذين سبق أن أساءوا معاملتهم، وأرجعوهم إلى يهوذا (٢ أخبار الأيام ٢٨: ٨-١٥)
٢. فَحَاصَرُوا آحَازَ وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَغْلِبُوهُ: كانت جيوش آرام وإسرائيل مجتمعة قوية بما يكفي للاستيلاء على مدن يهوذا الكثيرة، لكنها لم تكن قوية بما يكفي لهزيمة أورشليم وإطاحة حكومة آحاز.
• جاءت نبوة إشعياء ٧، بما في ذلك آية عمانوئيل، من إشعياء إلى الملك آحاز أثناء هذا الغزو الآرامي الإسرائيلي المشترك (وبمساعدة الأدوميين والفلسطيين على ما يبدو)، لكن الله، من أجل داود، لم يسمح لهذا الهجوم الكارثي على يهوذا بأن يدمرها. إذ لم يكن ليسمح لهذه المؤامرة الشيطانية ضد سلالة داود بالنجاح.
• عدَّ ملِكا آرام وإسرائيل نفسيهما مِشْعَلين مشتعلين قادمين لتدمير سلالة داود. وقال الله إنهما مثل العصي المحترقة المدخنة التي لا تسبب ضررًا كبيرًا في نهاية الأمر (إشعياء ٧: ٤).
• طمأن إشعياء الملك الشرير، آحاز، من خلال رسالته إليه “أنه ستبقى بقية ستعود إلى الأرض، وأن العذراء ستلد ابنًا حتى لا ينقطع ملك على كرسي داود. فلا يمكن أن يُقضَى على هذه السلالة أبدًا، لأن مملكة عمانوئيل لا نهاية لها.” ناب (Knapp)
ب) الآيات (٧-٩): آحاز يتكل على آشور.
٧وَأَرْسَلَ آحَازُ رُسُلاً إِلَى تَغْلَثَ فَلاَسِرَ مَلِكِ أَشُّورَ قَائِلاً: «أَنَا عَبْدُكَ وَابْنُكَ. اصْعَدْ وَخَلِّصْنِي مِنْ يَدِ مَلِكِ أَرَامَ وَمِنْ يَدِ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ الْقَائِمَيْنِ عَلَيَّ». ٨فَأَخَذَ آحَازُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ الْمَوْجُودَةَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي خَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ وَأَرْسَلَهَا إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ هَدِيَّةً. ٩فَسَمِعَ لَهُ مَلِكُ أَشُّورَ، وَصَعِدَ مَلِكُ أَشُّورَ إِلَى دِمَشْقَ وَأَخَذَهَا وَسَبَاهَا إِلَى قِيرَ، وَقَتَلَ رَصِينَ.
١. وَأَرْسَلَ آحَازُ رُسُلًا إِلَى تَغْلَثَ فَلَاسِرَ مَلِكِ أَشُّورَ: قبل أن يفعل آحاز هذا، قدّم إشعياء له آية لمساعدة الله له في صراعه مع تحالف جيشي آرام وإسرائيل (إشعياء ٧: ١-٢). “فكان هذا عرضًا منصفًا لخاطئ قذر.” تراب (Trapp). لكن آحاز رفض هذا العرض بحجّة أنه لم يكن يريد أن يجرّب الرب. غير أنه في الواقع أراد أن يتكل على ملك أشور.
٢. أَنَا عَبْدُكَ وَٱبْنُكَ. ٱصْعَدْ وَخَلِّصْنِي: استسلم آحاز لعدو لكي يهزم عدوًّا آخر. وأبى أن يتكل على إله إسرائيل، وأخضع نفسه ومملكته لعدوٍ لإسرائيل.
• “يضع آحاز نفسه في مخاطبته لملك أشور في مناشدته له: ’أَنَا عَبْدُكَ وَٱبْنُكَ‘ كتابع ملتمس. ويبيّن هذا أنه اتكل على أشور بدلًا من الله، على خلاف مشورة إشعياء (إشعياء ٧: ١٠-١٦؛ انظر خروج ٢٣: ٢٢.” وايزمان (Wiseman)
٣. فَأَخَذَ آحَازُ ٱلْفِضَّةَ وَٱلذَّهَبَ ٱلْمَوْجُودَةَ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ وَفِي خَزَائِنِ بَيْتِ ٱلْمَلِكِ وَأَرْسَلَهَا إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ هَدِيَّةً: جعل آحاز يهوذا عمليًّا مملكة خاضعة لأشور. وصار الآن يتلقى الأوامر من ملك أشور، مضحيًّا باستقلال مملكته.
• لا يسعنا إلا أن نتساءل ما هي البركة التي كان يمكن أن يحصل عليها لو أنه خضع لله مضحيًّا له بنفس القوة والقلب المخلص اللذين خضع بهما لملك أشور.
• عندما يتضرع المرء إلى الله بكل قلبه قائلًا، ’أَنَا عَبْدُكَ وَٱبْنُكَ. ٱصْعَدْ وَخَلِّصْنِي‘ فإن الله يستجيب. صحيح أن الملك الأشوري استجاب له وخلّص آحاز، إلا أنه كان خلاصًا قصير الأمد. وكان بإمكانه حقًّا أن يؤمّن مملكته بالتسليم لله والتضحية له بنفس الطريقة.
• “يا لَهذا الاختلاف الكبير بينه وبين سلفه داود! ’فِي ضِيقِي دَعَوْتُ ٱلرَّبَّ، وَإِلَى إِلَهِي صَرَخْتُ‘ (مزمور ١٨: ٦). حتى حفيده الشرير منسّى طلب الرب في ضيقه. لكن آحاز بدا مصممًا على أن يملأ مكيال خطاياه.” ناب (Knapp)
ثالثًا. آحاز ينجس العبادة في الهيكل
أ ) الآيات (١٠-١١): آحاز ينصب مذبحًا وثنيًّا في ساحة الهيكل.
١٠وَسَارَ الْمَلِكُ آحَازُ لِلِقَاءِ تَغْلَثَ فَلاَسِرَ مَلِكِ أَشُّورَ، إِلَى دِمَشْقَ. وَرَأَى الْمَذْبَحَ الَّذِي فِي دِمَشْقَ. وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ آحَازُ إِلَى أُورِيَّا الْكَاهِنِ شِبْهَ الْمَذْبَحِ وَشَكْلَهُ حَسَبَ كُلِّ صِنَاعَتِهِ. ١١فَبَنَى أُورِيَّا الْكَاهِنُ مَذْبَحًا. حَسَبَ كُلِّ مَا أَرْسَلَ الْمَلِكُ آحَازُ مِنْ دِمَشْقَ كَذلِكَ عَمِلَ أُورِيَّا الْكَاهِنُ، رَيْثَمَا جَاءَ الْمَلِكُ آحَازُ مِنْ دِمَشْقَ.
١. سَارَ ٱلْمَلِكُ آحَازُ … إِلَى دِمَشْقَ: كان من غير المعتاد أن يقوم ملوك يهوذا بزيارات رسمية إلى ممالك أخرى. فكانوا بشكل عام يبقون ضمن حدود الأرض الموعودة. لكن هذه كانت أكثر من زيارة. إذ كانت فعلًا رسميًّا من أفعال الخضوع من آحاز لتَغْلَث فَلاَسِر ملك أشور.
٢. وَأَرْسَلَ ٱلْمَلِكُ آحَازُ إِلَى أُورِيَّا ٱلْكَاهِنِ شِبْهَ ٱلْمَذْبَحِ وَشَكْلَهُ (ونمطه): استخدم أوريا الخطط والتصاميم المرسلة من آحاز، ليبني مذبحًا على غرار المذبح الوثني في دمشق. وأتمّ العمل فيه قبل رجوع آحاز من دمشق، عاصمة آرام. وقد فعل آحاز ذلك ليرضي سيده الجديد، تلغث فلاسر، وليدمج أحدث الاتجاهات في تصاميم المذابح في عبادة يهوذا الوطنية.
• تخبرنا ٢ أخبار الأيام ٢٨: ٢٣ عن سبب انجذاب آحاز إلى العبادة التي رآها في دمشق: “وَذَبَحَ لِآلِهَةِ دِمَشْقَ ٱلَّذِينَ ضَارَبُوهُ وَقَالَ: ’لِأَنَّ آلِهَةَ مُلُوكِ أَرَامَ تُسَاعِدُهُمْ أَنَا أَذْبَحُ لَهُمْ فَيُسَاعِدُونَنِي.‘” لكنها كانت خرابًا له ولجميع إسرائيل.
• يفسّر هذا سبب إدخال كنائس كثيرة أدوات النجاح الدنيوي وتقنياته ومبادئه. وهي تعتقد أن آلهة دمشق ستخلّصهم. “يذكّرنا إدخال مذبح المَقْدِس الوثني هذا في هيكل أورشليم بالشعائر الدينية الحديثة التي استُعيرت من الوثنية. وهو يحذّرنا من أنه ليس للكنيسة حق للذهاب إلى العالم بأساليبها ومبادئها هذه.” ماير (Meyer)
٣. فَبَنَى أُورِيَّا ٱلْكَاهِنُ مَذْبَحًا: بطبيعة الحال، يتحمل آحاز لومًا أعظم في هذه المسألة، لكن رئيس الكهنة، أوريا، يتحمل مسؤولية كبيرة أيضًا في استبدال مذبح الرب بهذا التصميم الوثني.
• من المحتمل أن هذا هو نفس أوريا المذكور في إشعياء ٨: ١-٢، والموصوف بأنه شاهد أمين. وعلى ما يبدو أنه كان رجلًا صالحًا وأمينًا، لكنه لجأ إلى المساومة لاحقًا. إذ امتد فساد الملك آحاز إلى قادة آخرين في يهوذا.
ب) الآيات (١٢-٢٠): آحاز يوعز بتجديد ساحة الهيكل معطيًا الأفضلية للمذبح الجديد.
١٢فَلَمَّا قَدِمَ الْمَلِكُ مِنْ دِمَشْقَ رَأَى الْمَلِكُ الْمَذْبَحَ، فَتَقَدَّمَ الْمَلِكُ إِلَى الْمَذْبَحِ وَأَصْعَدَ عَلَيْهِ، ١٣وَأَوْقَدَ مُحْرَقَتَهُ وَتَقْدِمَتَهُ وَسَكَبَ سَكِيبَهُ، وَرَشَّ دَمَ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ الَّتِي لَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ. ١٤وَمَذْبَحُ النُّحَاسِ الَّذِي أَمَامَ الرَّبِّ قَدَّمَهُ مِنْ أَمَامِ الْبَيْتِ مِنْ بَيْنِ الْمَذْبَحِ وَبَيْتِ الرَّبِّ، وَجَعَلَهُ عَلَى جَانِبِ الْمَذْبَحِ الشِّمَالِيِّ. ١٥وَأَمَرَ الْمَلِكُ آحَازُ أُورِيَّا الْكَاهِنَ قَائِلاً: «عَلَى الْمَذْبَحِ الْعَظِيمِ أَوْقِدْ مُحْرَقَةَ الصَّبَاحِ وَتَقْدِمَةَ الْمَسَاءِ، وَمُحْرَقَةَ الْمَلِكِ وَتَقْدِمَتَهُ، مَعَ مُحْرَقَةِ كُلِّ شَعْبِ الأَرْضِ وَتَقْدِمَتِهِمْ وَسَكَائِبِهِمْ، وَرُشَّ عَلَيْهِ كُلَّ دَمِ مُحْرَقَةٍ وَكُلَّ دَمِ ذَبِيحَةٍ. وَمَذْبَحُ النُّحَاسِ يَكُونُ لِي لِلسُّؤَالِ». ١٦فَعَمِلَ أُورِيَّا الْكَاهِنُ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ آحَازُ. ١٧وَقَطَعَ الْمَلِكُ آحَازُ أَتْرَاسَ الْقَوَاعِدِ وَرَفَعَ عَنْهَا الْمِرْحَضَةَ، وَأَنْزَلَ الْبَحْرَ عَنْ ثِيرَانِ النُّحَاسِ الَّتِي تَحْتَهُ وَجَعَلَهُ عَلَى رَصِيفٍ مِنْ حِجَارَةٍ. ١٨وَرِوَاقَ السَّبْتِ الَّذِي بَنَوْهُ فِي الْبَيْتِ، وَمَدْخَلَ الْمَلِكِ مِنْ خَارِجٍ، غَيَّرَهُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ مِنْ أَجْلِ مَلِكِ أَشُّورَ. ١٩وَبَقِيَّةُ أُمُورِ آحَازَ الَّتِي عَمِلَ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا؟ ٢٠ثُمَّ اضْطَجَعَ آحَازُ مَعَ آبَائِهِ، وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَمَلَكَ حَزَقِيَّا ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.
١. وَأَوْقَدَ مُحْرَقَتَهُ وَتَقْدِمَتَهُ وَسَكَبَ سَكِيبَهُ، وَرَشَّ دَمَ ذَبِيحَةِ ٱلسَّلَامَةِ ٱلَّتِي لَهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ: خدم الملك آحاز ككاهن عند المذبح الذي بناه. وبما أنه خلق مكانه الخاص للعبادة، كان منطقيًّا أن يتجاهل أمر الرب بمنع الملك من ممارسة وظائف الكاهن (عدد ١٨: ٧).
• تجاسر جده عزريا (عُزيّا) على دخول الهيكل ليخدم الله ككاهن (٢ أخبار الأيام ٢٦)، غير أن عزريا على الأقل عبد الإله الحقيقي، لكن بشكل زائف. وأما آحاز عبد بشكل زائف إلهًا زائفًا من صُنعه. “وضُرِب عُزيا بالبرص على فِعلته هذه، لكن مرض آحاز كان أسوأ بكثير، وهو قساوة قلب لا شفاء منها.” تراب (Trapp)
• “جرّب آحاز بشكل طائش أن يحقن ديانة يهوذا بحياة جديدة. وبدا منجذبًا إلى العناصر الأكثر توهُّجًا في الديانات الوثنية من حوله. وقد أدمن، شأنه شأن أهل أثينا في أعمال الرسل ١٧ الذين ’لَا يَتَفَرَّغُونَ لِشَيْءٍ آخَرَ، إِلَّا لِأَنْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَسْمَعُوا شَيْئًا حَديثًا،‘ إغراء كل ما هو مثير وحسّي.” ديلداي (Dilday)
٢. فَعَمِلَ أُورِيَّا ٱلْكَاهِنُ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ ٱلْمَلِكُ آحَازُ: لم يكتفِ أوريا بالسماح للملك آحاز بالقيام بذلك فحسب، بل شاركه في خططه الشريرة والوثنية. فكان هذا تناقضًا صارخًا مع الكهنة في أيام الملك عُزيا الذين فعلوا كل ما بوسعهم لكبح جنون الملك (٢ أخبار الأيام ٢٦: ١٧-١٨).
• كان القادة السياسيون الفاسدون قادرين تمامًا على إيجاد قادة دينيين فاسدين لمساعدتهم.
• يعلّق وايزمان على عبارة ’مِنْ أَجْلِ مَلِكِ أَشُّورَ‘ قائلاً: “يقال إن هذه التغييرات اُجريت ’من أمام وجه ملك أشور‘ (حسب الترجمة العبرية المازورية)، أو ربما ’بسبب‘ نصب تمثال ملكي غريب. ويفسّر معظم المفسرين هذه الأعمال على أنها تمت من قبل ملك تابع إذعانًا (أو مراعاةً) لملك أشور. لكن هذا ليس التفسير الممكن الوحيد.”
٣. وَقَطَعَ ٱلْمَلِكُ آحَازُ أَتْرَاسَ ٱلْقَوَاعِدِ وَرَفَعَ عَنْهَا ٱلْمِرْحَضَةَ، وَأَنْزَلَ ٱلْبَحْرَ عَنْ ثِيرَانِ ٱلنُّحَاسِ … وَرِوَاقَ ٱلسَّبْتِ … وَمَدْخَلَ ٱلْمَلِكِ مِنْ خَارِجٍ: لم يستطع آحاز أن يأتي بهذه البِدع الوثنية من دون أن يزيل ما كان قائمًا في الهيكل من قبل. فكان هذا تبادلًا شريرًا، حيث انتزع ما هو صالح ليضع بدلًا منه ما هو سيئ، بما في ذلك المدخل الخارجي الذي تم بناؤه في أيام أبيه يوثام. وتعمل هذه الأشياء مجتمعة على تثبيط عبادة الإله الحقيقي في هيكل الله.
• أثناء إجراء هذه التغييرات، قام آحاز بإغلاق عمل الهيكل، وإقامة مذابح وثنية صغيرة في جميع أنحاء يهوذا (٢ أخبار الأيام ٢٨: ٢٤-٢٥).
• “لا يبدو أن نزع آحاز لأتراس القواعد والمرحضة وغيرها كان بقصد إرسالها كهدية لتغلث فلاسر، بل بهدف تقليل أهميتها في في خدمات العبادة. وربما فكّر في إعادة استخدامها بطريقة زخرفية أخرى. وعلى أية حال، عاجله الموت قبل أن يحوّل انتباهه إليها. وهي تُذْكَر بين عدة أشياء حُملت إلى بابل في السلب البابلي اللاحق لأورشليم (٢ ملوك ٢٥: ١٣-١٤؛ إرميا ٢٧: ١٩-٢٠؛ ٥٢: ١٧-٢٣.” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
• “يبدو أن المذبح النحاسي البسيط آذى عينه الجمالية، ولذلك أُنزل إلى درجة أدنى بوضعه في مكان مغمور نسبيًّا على الجانب الشمالي من بديله الأجنبي الخاص به.” ناب (Knapp)
• نتذكر أن هذا كله في الهيكل الذي بناه سليمان للرب. فالموقع في حد ذاته لا يجعل العبادة حقيقية. ففي بعض الأحيان، تُعبد الأوثان في بيت كان ذات يوم مكرّسًا للإله الحقيقي.
• “يبدو كما لو أن نور الحقيقة قد انطفأ تمامًا، لكن الأمر لم يكن كذلك، لأن من المحتمل أن إشعياء كان ينقل رسائله طوال فترتي حكم يوثام وآحاز. ومن المحتمل أيَضًا أن ميخا كان ينقل كلمة الله أيضًا في عهد آحاز.” مورجان (Morgan)
٤. وَبَقِيَّةُ أُمُورِ آحَازَ ٱلَّتِي عَمِلَ: وهكذا انتهى حكم أسوأ ملك في يهوذا. وقد تحدّث ميخا الذي تنبّأ في عهد آحاز عن رجل يعمل الشر بنجاح بيديه: “اليدان إلى الشر مجتهدتان” (ميخا ٧: ٣). وربما خطر بباله آحاز عندما قال هذا.
• غير أن آحاز يمثل، من عدة نواحٍ، تحذيرًا لجيلنا. ويمكن أن يكون قائدًا كنسيًّا من القرن الحادي والعشرين بطرق كثيرة.
بناءً على إعجاب آحاز بمذبح دمشق، يمكننا القول إنه كان رجلًا يتمتع بحس فنّي في الأسلوب.
بدا أن آحاز كان معجبًا بالتقنية، حيث أدخل الابتكار البابلي للمزولة (الساعة الشمسية) إلى أورشليم (٢ ملوك ٢٠: ١١).
كان مولعًا بالابتكار والتجديد. فلم يتردد في إدخال هذه الابتكارات في العبادة.
وفي الوقت نفسه، كان شخصًا لطيفًا، فلم تكن لديه الروح المضطهِدة التي كانت لدى حفيده منسّى الذي اضطهد الأنبياء وشعب الله (٢ ملوك ٢١: ١٦).
كانت لدى آحاز ميزة وجود أنبياء ورسل عظماء، مثل إشعياء وميخا.
نال آحاز بركة من خلاص الله. فقد أنقذ الرب أورشليم ويهوذا من هزيمة تامة عندما هاجمت جيوش آرام وإسرائيل على مملكته وعاصمته.
كان لآحاز تأثير أب تقي وإرث تقي من سلالة داود.
• كان المفتاح لهذا كله هو أنه لم تكن لدى آحاز علاقة بالله. لقد كان مهتمًّا بأمور روحية، بل كان مستعدًّا أن يقدم تضحيات عظيمة (مثل تقديم أبنائه لمولك)، غير أنه قطع الصلة بين القصر والهيكل. فكان هذا إظهارًا لعلاقته المدمَّرة بالله. فلم يكن كافيًا أن يكون لديه اهتمام روحي، إضافة إلى الميزات المذكورة سابقًا.
• رغم هذا كله، وضع ثقته في نفسه وفي الإنسان، بدلًا من أن يضعها في الإله الحي الذي يملك من السماء. ولهذا كان حُكمه كارثة، ولعلها كانت أسوأ كارثة بين ملوك يهوذا. “كان آحاز يمتلك الكثير مما يعجب به الناس ويعظّمونه اليوم. لكن هذا كله، من دون تقوى، لا قيمة له.” ناب (Knapp)