إشعياء ١
لائحة الاتّهام والدعوة
أولًا. يطرح الله قضيته ويعرض علاجًا
أ ) الآية (١): المقدمة: رُؤْيَا إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ.
١رُؤْيَا إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ، الَّتِي رَآهَا عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ، فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا وَيُوثَامَ وَآحَازَ وَحِزْقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا.
١. رُؤْيَا إِشَعْيَاءَ: يتضمّن هذا السفر نبوّات إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ الذي خدم من حوالي ٧٤٠ إلى ٦٨٠ ق. م. وقد تكلم مدة حوالي عشرين سنة عن كل من مملكة إسرائيل الشمالية ومملكة يهوذا الجنوبية. وبعد سقوط إسرائيل بيد الأشوريين في عام ٧٢٢ ق. م. واصل إشعياء التنبؤ ليهوذا.
• تتحدث ٢ ملوك ١٥ حتى ٢١ و ٢ أخبار ٢٦ حتى ٣٣ عن هذه الفترة من تاريخ إسرائيل. كان إشعياء معاصرًا للنبيين هوشع وميخا. وقبل زمن إشعياء، كان الأنبياء إيليا، وأليشع، وعوبديا، ويوئيل، ويونان، وعاموس قد أكملوا خدمتهم.
• وبحلول هذا الوقت، بقيت إسرائيل في الأرض الموعودة مدة حوالي ٧٠٠ عام. وحكَم القضاة إسرائيل أول ٤٠٠ عام من تلك الفترة. وكان هؤلاء القضاة قادة روحيين وعسكريين وسياسيين أقامهم الله بمقتضى المناسبة والضرورة. وبعد ذلك، حكم ثلاثة ملوك إسرائيل مدة حوالي ١٢٠ عامًا. وهم شاول، وداود، وسليمان. لكن في عام ٩١٧ ق. م. دارت حرب أهلية، وبقيت الأمة مقسَّمة إلى أمّتين، هما إسرائيل في الشمال، ويهوذا في الجنوب حتى زمن إشعياء.
• حتى زمن إشعياء، حكم حوالي ١٨ ملكًا على مملكة إسرائيل أي الاسباط العشرة الشماليين، وقد تمردوا جميعًا على الرب. وحكم ١١ ملكًا على مملكة يهوذا – السبطين الجنوبيين قبل خدمة إشعياء، وكانوا بين صالحين وغير صالحين.
• كانت إسرائيل في زمن إشعياء أمّة صغيرة علِقت في الغالب في وسط حروب بين القوى العظمى الثلاث: مصر، وأشور، وبابل.
• مع بدء خدمة إشعياء، كانت هنالك أزمة وطنية في مملكة إسرائيل الشمالية. وكانت القوة العظمى، أشور، على وشك سحق مملكة إسرائيل. وأثناء خدمة إشعياء كنبي، واجهت مملكة يهوذا الجنوبية تهديدات متكررة من دول مجاورة أكبر منها.
• يعتقد باحثون حديثون أنه كان هنالك غير كاتب (كاتبان أو أكثر) لسفر إشعياء. ويستخدمون تعابير مثل “إشعياء التثنوي” أو “إشعياء البالي” (الإصحاحات ٥٦ – ٦٦)، أو “مدرسة إشعياء.” وهم يفترضون تعدُد المؤلفين لسفر إشعياء بسبب تغييرات في الأسلوب والنغمة. وهم يفعلون هذا أحيانًا كإنكار إشعياء كسفر نبوي توقُّعي.
• غير أن العهد الجديد يشير إلى أنه لا يوجد إلا كاتب واحد لسفر إشعياء. ففي يوحنا ١٢: ٣٧-٤١، يقتبس يوحنا من كل من الجزء “الأول” والقسم “الثاني” من سفر إشعياء، وهما الجزءان اللذان يُفترض أنهما كُتبا من شخصين مختلفين باسم إشعياء. ويخبرنا يوحنا على نحو محدد أنه إشعياء نفسه. ويقتبس العهد الجديد من سفر إشعياء بالاسم أكثر من كل الكُتّاب النبويين مجتمعين.
• سفر إشعياء زاخر بنبوّات كثيرة رائعة عن المسيّا. وهو يخبرنا عن شخص المسيح وعمله قبل حوالي ٧٠٠ عامًا من ولادة يسوع في بيت لحم، ولهذا يُدعى سفر إشعياء “الإنجيل الخامس.”
٢. إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ: يعني اسم إِشَعْيَاءَ ’الخلاص هو من الرب.‘ ويوجد في الكتاب المقدس ما لا يقل عن ٧ رجال باسم إِشَعْيَاءَ، لكن لا يوجد إلا واحد باسم إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ.
• اعتقد بعضهم أن آمُوص والنبي عاموس نفس الشخص، لكن هذا غير مرجح. لكن بعض التقاليد اليهودية القديمة تقول إن آمُوص كان أخا الملك أمصيّا. لكن لا توجد طريقة كتابية لبرهنة ذلك.
• نحن نعرف عن إشعياء أكثر مما نعرفه عن أنبياء كثيرين آخرين. كان هذا النبي متزوجًا وله ابنان على الأقل (إشعياء ٧: ٣؛ ٨: ٣)، وكان يعيش في أورشليم (إشعياء ٧: ٣؛ ٢٢: ١، ٣٧: ٢؛ ٣٨: ٥؛ ٣٩: ٣).
• “هنالك تقليد يهودي-مسيحي قوي يفيد أن إشعياء عاش بعد حزقيا، وأن خليفته نشره بمنشار خشبي بعد أن اختبأ النبي في شجرة جوفاء من الملك الغاضب.” (بولتيما) ويعتقد كثيرون أن عبرانيين ١١: ٣٧ “نُشِرُوا (إلى نصفين)” تمثل إشارة إلى استشهاد إشعياء.
• وأهم من هذا كله هو أن إشعياء كان رجلًا تقيًّا من رجال الله العظماء. إذ كانت لديه “شجاعة دانيال، وحساسية إرميا، وشفقة هوشع، وغضب عاموس المتأجج. وفضلًا عن ذلك، تفوّق عليهم جميعًا في فن الاستهزاء المقدس الفريد. وشجاعته ذات طبيعة لا تُظهر ولو للحظة واحدة أنه ضعيف أو مخلوع الفؤاد.” بولتيما (Bultema)
٣. فِي أَيَّامِ: يرجّح أن نبوّة هذا الإصحاح حدثت في زمن آحاز، ملك يهوذا (٢ ملوك ١٦؛ ٢ أخبار ٢٨). وكان آحاز ملكًا شريرًا، وقد غُزيت يهوذا في زمنه مرّات كثيرة من الأمم المجاورة.
ب) الآيات (٢-٤): شكوى الرب على يهوذا
٢اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ، لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ: «رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ. ٣اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيَهُ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ». ٤وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِي الشَّرِّ، أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ.
١. اِسْمَعِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا ٱلْأَرْضُ: استدعى الله السماوات والأرض كشهود على يهوذا. لقد قاوم قادة مملكة يهوذا وشعبها إرادة الرب. وهو الآن يطرح قضيته ضدهم. ويمكننا أن ننظر إلى السماوات والأرض كمحلّفين يعرض الرب قضيته أمامهم.
• تقول رومية ٢٨: ٢٢ “فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى ٱلْآنَ.” تنتظر الخليقة التحرير الذي سيأتي عندما يحكم المسيّا كل الخليقة بشكل مباشر. وعندما يعصي الشعب الله، يمكننا أن نقول إنه يوجد معنى بموجبه أنهم “يؤخرون” حل كل الأشياء. ولهذا فإن للسماء والأرض مصلحة في طاعتنا.
٢. رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ: كان القادة والشعب مثل أبناء متمردين لم يقدِّروا قط ما فعل آباؤهم وأمهاتهم من أجلهم.
• يمكننا كآباء وأمهات أن نقدّر كم هو محبط أن يتجاهلنا أبناؤنا ويعصونا. إذ يملأ هذا نفوسنا سخطًا بارًّا، ونفكّر في أنفسنا: “بعد كل هذا يعاملوننا هكذا؟” لكننا عاملنا الله بشكل أسوأ بكثير مما يعامل أي ابن أبويه.
٣. اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيَهُ وَٱلْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلَا يَعْرِفُ. شَعْبِي لَا يَفْهَمُ: لم يكن قادة يهوذا وشعبها كحيوانات غبية، مثل اَلثَّوْر أو ٱلْحِمَار. بل كانوا أغبى منها. فعلى الأقل، يعرف اَلثَّوْر مالكه (قَانِيَه)، لكن يهوذا لم تعرف مالكها. ويعرف ٱلْحِمَار من يعتني به، لكن يهوذا لا يعرفون من يهتم بهم ويقوتهم.
• لم يسبق لحيوان أن أساء إلى الله أو أن رفضه أو عصاه كما يفعل كل بشر. فالحيوان خادم أكثر وفاء لله من أفضل بشر.
٤. وَيْلٌ لِلْأُمَّةِ ٱلْخَاطِئَةِ: قاوم الله خطيتهم بوضوح وقوة. كانوا مثقلين بالإثم. كانوا نسل فاعلي الشر، وقد أغاظوا الرب.
ج) الآيات (٥-٩): حالة يهوذا اليائسة
٥عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْدُ؟ تَزْدَادُونَ زَيَغَانًا! كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. ٦مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ. ٧بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ. أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ، وَهِيَ خَرِبَةٌ كَانْقِلاَبِ الْغُرَبَاءِ. ٨فَبَقِيَتِ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ كَمِظَلَّةٍ فِي كَرْمٍ، كَخَيْمَةٍ فِي مَقْثَأَةٍ، كَمَدِينَةٍ مُحَاصَرَةٍ. ٩لَوْلاَ أَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ أَبْقَى لَنَا بَقِيَّةً صَغِيرَةً، لَصِرْنَا مِثْلَ سَدُومَ وَشَابَهْنَا عَمُورَةَ.
١. عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْد؟: رغم خطية يهوذا، إلا أن الرب لم يُرِد لها شرًّا. بل تاق إلى أن يتوبوا ويهوّنوا الأمور على أنفسهم. سبق أن أدّب الرب مملكة يهوذا، لكنها لم تتجاوب. وستظل تُضرَب ما دامت تتمرد.
٢. كُلُّ ٱلرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ ٱلْقَلْبِ سَقِيمٌ… جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ: بسبب تمرد يهوذا على الرب، كانت في مكان سيئ. وقد أوصلها عصيانها وعدم خضوعها له إلى هذه النقطة.
٣. بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ. أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ: أثناء حكم آحاز، تعرضت مملكة يهوذا لهجوم ونهب من إسرائيل، وآرام، وأدوم، والفلسطيين، وأشور (٢ أخبار ٢٨). وكُتب عن تلك الفترة: “لِأَنَّ ٱلرَّبَّ ذَلَّلَ يَهُوذَا بِسَبَبِ آحَازَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّهُ أَجْمَحَ يَهُوذَا وَخَانَ ٱلرَّبَّ خِيَانَةً” (٢ أخبار ٢٨: ١٩).
• رغم هذا كله، رفضت يهوذا أن تتوب. لقد سبّبت خطيتها في متاعب كثيرة لها. ومع هذا، فضّلوا خطيتهم مع كل متاعبها على الخضوع للرب الإله. وفي واقع الأمر، تقول ٢ أخبار ٢٨: ٢٢ “وَفِي ضِيقِهِ زَادَ خِيَانَةً بالرَّبِّ ٱلْمَلِكُ آحَازُ هَذَا.”
٤. لَوْلَا أَنَّ رَبَّ ٱلْجُنُودِ أَبْقَى لَنَا بَقِيَّةً صَغِيرَةً، لَصِرْنَا مِثْلَ سَدُومَ وَشَابَهْنَا عَمُورَةَ: رغم مدى سوء حالة يهوذا بسبب خطيتها، كان يمكن أن يكون الوضع أسوأ. فلم تبقَ على قيد الحياة إلا برحمة الرب. لقد دُمِّرت كل من سدوم وعمورة بشكل كلي من دون أن تبقى لها بقية لتستمر. وقد أظهر الله رحمة لها في وسط الدينونة.
د ) الآيات (١٠-١٥): يبغض الله طقوسهم الدينية الفارغة
١٠اِسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ يَا قُضَاةَ سَدُومَ! أَصْغُوا إِلَى شَرِيعَةِ إِلهِنَا يَا شَعْبَ عَمُورَةَ: ١١«لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. اتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُول وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. ١٢حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِي، مَنْ طَلَبَ هذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دُورِي؟ ١٣لاَ تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. الْبَخُورُ هُوَ مَكْرَهَةٌ لِي. رَأْسُ الشَّهْرِ وَالسَّبْتُ وَنِدَاءُ الْمَحْفَلِ. لَسْتُ أُطِيقُ الإِثْمَ وَالاعْتِكَافَ. ١٤رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي. صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلاً. مَلِلْتُ حَمْلَهَا. ١٥فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلاَةَ لاَ أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا.
١. ٱلرَّبِّ يَا قُضَاةَ سَدُومَ! يَا شَعْبَ عَمُورَةَ: من الواضح أن الله كان يحاول أن يلفت انتباه قادة يهوذا وشعبها. وقد فعل هذا بربطهم بمدينتين مرادفتين للخطية والدينونة.
٢. لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ: حتى في وسط تمرد قادة يهوذا وشعبها، واصلوا طقوسهم وشعائرهم الدينية. فواصلوا تقديم الذبائح، والمحرقات، وشحم الأبقار، وواصلوا إحراق البخور، وواصلوا اجتماعاتهم ولقاءاتهم المقدسة. وقد ملَّ الله هذا كله.
• انظر كيف يصف الرب رد فعله لشعائرهم الدينية: ٱتَّخَمْتُ… مَا أُسَرُّ… لَا تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ… مَكْرَهَةٌ… لَسْتُ أُطِيقُ… بَغَضَتْهَا نَفْسِي… صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلًا. مَلِلْتُ حَمْلَهَا.
• هذه فكرة مُصَحِّية. إذ يمكننا أن نقدم لله كل أنواع الطقوس والشعائر الدينية، وكل أنواع الخدمة الدينية، ومع ذلك، ربما يبغضها ويعُدّها الرب مكرهة. وربما اعتقد قادة يهوذا وشعبها في وسط بلائهم (الموصوف في إشعياء ١: ٥-٦) أن الحل يكمن في الشعائر الدينية، وفي نسختها القديمة من “حضور اجتماعات الكنيسة وتقديم العشور.” لكن، إذا لم تكن القلوب قد تغيّرت، وتواضعت، واستسلمت للرب، فإن هذا لا يُحْدث فرقًا. فمن دون قلب سليم، فإن الله يبغض طقوسهم وخدمتهم الدينية.
• “عندما يكون الخطاة تحت دينونة الله، فإنهم يميلون بسهولة أكبر إلى اللجوء إلى ممارساتهم الدينية من هجر خطاياهم وإصلاح حياتهم.” ماثيو هنري (Matthew Henry)
٣. فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ: كانت هذه حركة مصاحبة للصلاة في الثقافة القديمة. فبدلًا من أن يصلّوا برؤوس منحنية وأيد متشابكة، كانوا يرفعون رؤوسهم إلى السماء. وعندما كانوا يصلّون، كان الرب يقول: “أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ… لَا أَسْمَعُ.”
• من المؤكد أنه في وسط كل هذه الطقوس الدينية كانت تُرفع صلوات رائعة كثيرة. إذ كانت تقال صلوات بليغة مشبوبة بالعاطفة، لكنها كانت صلوات جوفاء، فارغة، بلا فائدة، لأن الله نظر إلى يهوذا قائلًا: “أَيْدِيكُمْ مَلْآنَةٌ دَمًا.”
هـ) الآيات (١٦-٢٠): الرب يعرض علاجًا.
١٦اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ. ١٧تَعَلَّمُوا فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الأَرْمَلَةِ. ١٨هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ. ١٩إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الأَرْضِ. ٢٠وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِالسَّيْفِ». لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ.
١. اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا… تَعَلَّمُوا فَعْلَ ٱلْخَيْرِ… ٱنْصِفُوا ٱلْمَظْلُومَ. ٱقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ ٱلْأَرْمَلَةِ: ظهر فساد قادة يهوذا في كيفية معاملتهم بعضهم لبعض.
• كرّر الرسول يوحنا بعد قرون كثيرة معنى نص إشعياء. “إِنْ قَالَ أَحَدٌ: «إِنِّي أُحِبُّ ٱللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لِأَنَّ مَنْ لَا يُحِبُّ أَخَاهُ ٱلَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ ٱللهَ ٱلَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟” (١ يوحنا ٤: ٢٠). أراد قادة يهوذا وشعبها أن يقولوا إنهم يحبون الله بطقوسهم الدينية، لكن الرب كان أكثر اهتمامًا بطريقة معاملتهم للآخرين، ولاسيما الضعفاء (اليتامى والأرامل).
٢. هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ: يدعوهم الرب الإله أن يتفاهموا معه بالعقل. ولا يرتكز ما يعرضه الرب عليهم على مجرد حقيقة أنه أعظم منا، وأن لديه الحق في إملاء أية شروط ترضيه. فتوجيه الله لنا معقول وذكي، وهو أفضل طريقة للحياة.
• إنه لجنون أن نرفض ونقاوم إله الحكمة اللانهائية، وإله المحبة اللانهائية، وإله النعمة اللانهائية، وإله القوة اللانهائية. ولا بد للتفكير المعقول الصحيح أن يدفع الإنسان الصادق إلى عبادة متواضعة لله.
• الملائكة المحيطون بعرش الله مغطّون بعيون، ما يدل على الإدراك والمعرفة (رؤيا ٤: ٦-٨). ولعلها أكثر الكائنات ذكاءً وعقلانية من خليقة الله. وهي تمضي كل لحظة من وجودها في تسبيح كلّيّ، وعبادة كلية، وتسليم كلّيّ.
• إنه لأمر منطقي تمامًا أن نتبع الله. هل سمعت يومًا أن مؤمنًا عجوزًا جمع أبناءه وأصحابه حول فراش الموت قائلًا: “والآن أيها الأحبة، احترسوا من هذه المسيحية! لقد اتّبعتُ يسوع طوال حياتي، وأنا نادم على هذا. كان وقتًا مهدورًا.” وعلى نقيض ذلك، نجد أن المؤمنين على فراش الموت يعبّرون عن ثقتهم بالله المحب أكثر من أي وقت مضى. وهذا أمر منطقي تمامًا.
٣. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَٱلْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَٱلثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَٱلدُّودِيِّ تَصِيرُ كَٱلصُّوفِ: يعرض الرب على قادة يهوذا وشعبها، إذا تابوا وتواضعوا، تطهيرًا كلّيًّا من خطيتهم. ويمكن أن تتحول حالتهم الآثمة من لطخة عميقة إلى بياض ناصع.
• وفي هذا النص، لا يقول إشعياء أي شيء حول كيفية حدوث هذا التطهير. لكننا نعرف أنه يحدث لأن يسوع أخذ على نفسه لطخة خطيتنا. وقد دان الله الخطية بشكل كامل وتامّ في يسوع، لكي نُحسَب طاهرين كالثلج والصوف.
• هنالك رجاء هائل في غفران الله! إذ يمكننا بالفعل أن نتطهر من لطخة الخطية. لا تستطيع أعمالنا الصالحة، أو نيّاتنا الصالحة، أو وعودنا، أو معاناتنا، أو آلامنا أن تزيل لطخة الخطية. كما لا يستطيع الزمن أو الموت أن يزيلها. فعمل المسيح وحده هو القادر على أن يجعل كل واحد منا أبيض كالثلج. ونستطيع بالفعل أن نقطع صِلاتنا بالماضي، ونحصل على بداية جديدة في يسوع المسيح. وستُنزع قوة الخطية، وعارها، وذنْبها، وسيطرتها، ورعبها، وألمها… كلها في يسوع.
• “لا ينكر الله حقيقة ما اعترف به الخاطئ، لكنه يقول له: ’رغم أن خطاياك مثل القرمز، إلا أنني سألتقيك على هذه الأرضية. فأنت لا تحتاج إلى محاولة التقليل من حجم خطيتك، أو جعْلها أقل مما هي عليه في الواقع. لا. كل ما يمكن أن تقول عنها وربما أكثر من ذلك بكثير. فلا يصل إحساسك العميق بإثمك إلى حقيقة حالتك الحقيقية. من المؤكد أنك لا تبالغ على الأقل. فخطاياك كالقرمز، وحمراء كالدودي. ويبدو كما لو أنك لبست رداء الخطية الإمبراطوري، وجعلت نفسك ملِكًا في عالم الشر.‘ هكذا يظهر ذنب الإنسان أمام عين الله الفاحصة.” سبيرجن (Spurgeon)
• وصف سبيرجن (Spurgeon) الأشخاص الملطّخين بعمق بالخطية: “عجوز شرير حقير حصل على شهاداته في كلية إبليس، وأصبح سيد بليعال، وأميرًا ورئيسًا على الخطاة. صار كجليات بين الفلسطيين – ومع ذلك، تُرسل هذه الكلمة إلى مثل هذا الرجل اليوم. يداك ملطختان بدم نفوس الشباب. أنت تدير بيتًا كالجحيم. لديك وسائل ترفيه عامة أوصلت الشباب إلى الفسوق والفساد. ولديك اليوم في جيبك ذهب اكتسبته من دم النفوس. لديك بنس (قرش) الأحمق، وشلنات السكّير، والتي جاءت إليك من قلوب النساء المسكينات. لقد سمعت صرخات الأولاد الجائعين، وأغريت الأزواج بتعاطي الخمر، ودمّرت أجسادهم ونفوسهم. أدرتَ مكان ترفيه متدنيًا حقيرًا بحيث أيقظت رغبات الشر القوية النائمة في عقول الشباب والكبار. ولهذا ستغرق في الجحيم ودم الآخرين على رأسك، إضافة إلى لعنة نفسك، لا بحجر رحى واحد، بل بحجارة رحى كثيرة.” يمكن أن ينطبق هذا عليك. غير أن الله يستطيع أن يغفر خطاياك ويجعلك أبيض كالثلج.
٤. هَلُمَّ: عندما نتأمل عظمة تطهير الله وغفرانه، نحصل على سبب آخر للمجيء إليه الآن. يريد الله أن يزيل الانفصال بينك وبينه الآن. فهو لا يريدك أن تواصل في طريقك الهدّام للحظة أخرى. فهو يريد لك الأحسن الآن.
• “هلمّ الآن، فلا يوجد موسم آخر أفضل. فإذا تأخرتَ إلى أن تصبح أفضل، فلن تأتي أبدًا. هلمّ الآن. فربما لا تحصل على تحذير آخر. وربما لا يكون قلبك رقيقًا كما هو الآن. هلمّ الآن، ولن تبكي عليك عيون أخرى أبدًا، ولن يتعذب قلب آخر من أجل خلاصك (الضائع). هلمّ الآن، فربما لن تعرف الغد في هذا العالم. فربما يكون الموت قد ختم مصيرك، وستبقى القذارة التي كانت ذات يوم قذارة دائمة. هلمّ الآن، فقد يصبح قلبك أصلب من الحجر، وربما ييأس منك الله. هلمّ الآن، لأن هذا هو وقت الله، وأما الغد فهو وقت إبليس. “ٱلْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ، فَلَا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي ٱلْإِسْخَاطِ.” “هلمّ الآن. فلماذا تتأخر عن أن تكون سعيدًا؟ هل يمكن أن تؤجل يوم زفافك؟ هل تؤجل الساعة التي يُغفر فيها لك وتُنقذ؟ هلمّ الآن. إذ تتوق إليك أحشاء الرب. فعين أبيك تراك عن بُعد، وهو يجري للقائك. هلمّ الآن. فالكنيسة تصلي من أجلك. هذه أوقات انتعاش. والخدام أكثر احتياجًا إلى هذا.” سبيرجن (Spurgeon)
٥. إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ ٱلْأَرْضِ. وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِٱلسَّيْفِ: هنا عرَضَ الله خيارًا على يهوذا. إذ يمكنهم أن يجدوا أملًا في وسط التأديب، وراحة من طقوسهم الدينية الفارغة. لكن كان عليهم أن يقدموا قلوبهم للرب. لا ينبغي أن يرفضوه أو يتمردوا عليه، بل كان عليهم أن يظهروا الرغبة والاستعداد (إِنْ شِئْتُمْ) والطاعة (وَسَمِعْتُمْ).
• لا يوجد أحد ينطبق عليه أي من العبارتين بشكل كامل، لكن السؤال هو: أيّ العبارتين يصف حياتك على نحو أفضل. فهل أنت مستعد ومطيع، أم أنك ترفض وتتمرد؟ وهنالك عاقبة لأي من المسارين: أكل خير الأرض أو الالتهام بالسيف. فلا عجب أن الرب قال: “هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ.”
ثانيًا. وعد بالفداء – مع العدالة
أ ) الآيات (٢١-٢٣): قادة يهوذا الظالمون.
٢١كَيْفَ صَارَتِ الْقَرْيَةُ الأَمِينَةُ زَانِيَةً! مَلآنَةً حَقًّا. كَانَ الْعَدْلُ يَبِيتُ فِيهَا، وَأَمَّا الآنَ فَالْقَاتِلُونَ. ٢٢صَارَتْ فِضَّتُكِ زَغَلاً وَخَمْرُكِ مَغْشُوشَةً بِمَاءٍ. ٢٣رُؤَسَاؤُكِ مُتَمَرِّدُونَ وَلُغَفَاءُ اللُّصُوصِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحِبُّ الرَّشْوَةَ وَيَتْبَعُ الْعَطَايَا. لاَ يَقْضُونَ لِلْيَتِيمِ، وَدَعْوَى الأَرْمَلَةِ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِمْ.
١. صَارَتِ ٱلْقَرْيَةُ ٱلْأَمِينَةُ زَانِيَةً: كانت أورشليم هي القرية الأمينة، حيث عُرِف عنها بأمانتها للرب. وهنا صارت زانية – من ناحية روحية. فقد تخلت عن زواجها بالرب، وهي تزني روحيًّا بعبادتها الوثنية.
٢. مَلآنَةً حَقًّا (عدلًا): لقد مضى زمن بعيد على أيام العدل والبر والحق في أورشليم. وهي الآن ممتلئة بالقتلة والفساد السياسي (رُؤَسَاؤُكِ مُتَمَرِّدُونَ وَلُغَفَاءُ ٱللُّصُوصِ). وهم محتالون (صَارَتْ فِضَّتُكِ زَغَلًا وَخَمْرُكِ مَغْشُوشَةً بِمَاءٍ)، ويُحِبُّون ٱلرَّشْوَةَ… لَا يَقْضُونَ لِلْيَتِيمِ، وَدَعْوَى ٱلْأَرْمَلَةِ لَا تَصِلُ إِلَيْهِمْ.
• وعلى نقيض ذلك، يُظهر اتهام الرب الموجه إلى أورشليم ما يثمّنه الله بين القادة السياسيين والمدنيين. فهو يتوقع منهم أن يحافظوا على السلام (من القتلة)، وأن يتمتعوا بالنزاهة (بدلًا من أن يكونوا متمردين ورفقاء للصوص)، وأن يدافعوا عن الضعفاء (اليتيم والأرملة).
• وَخَمْرُكِ مَغْشُوشَةً بِمَاءٍ: “حوّل الرب يسوع الماء خمرًا، بينما يحوّل الخطاة الخمر ماءً.” بولتيما (Bultema)
• أظهر الزنا الروحي ليهوذا نفسه في هذا النوع من الخطية. فبمعنى ما، فإن الفساد بين قادة يهوذا يمثل عرَضًا من أعراض مشكلة روحية أعمق.
ب) الآيات (٢٤-٣١): خطة الله للفداء بالعدل
٢٤لِذلِكَ يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ عَزِيزُ إِسْرَائِيلَ: «آهِ! إِنِّي أَسْتَرِيحُ مِنْ خُصَمَائِي وَأَنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِي، ٢٥وَأَرُدُّ يَدِي عَلَيْكِ، وَأُنَقِّي زَغَلَكِ كَأَنَّهُ بِالْبَوْرَقِ، وَأَنْزِعُ كُلَّ قَصْدِيرِكِ، ٢٦وَأُعِيدُ قُضَاتَكِ كَمَا فِي الأَوَّلِ، وَمُشِيرِيكِ كَمَا فِي الْبَدَاءَةِ. بَعْدَ ذلِكَ تُدْعَيْنَ مَدِينَةَ الْعَدْلِ، الْقَرْيَةَ الأَمِينَةَ». ٢٧صِهْيَوْنُ تُفْدَى بِالْحَقِّ، وَتَائِبُوهَا بِالْبِرِّ. ٢٨وَهَلاَكُ الْمُذْنِبِينَ وَالْخُطَاةِ يَكُونُ سَوَاءً، وَتَارِكُو الرَّبِّ يَفْنَوْنَ. ٢٩لأَنَّهُمْ يَخْجَلُونَ مِنْ أَشْجَارِ الْبُطْمِ الَّتِي اشْتَهَيْتُمُوهَا، وَتُخْزَوْنَ مِنَ الْجَنَّاتِ الَّتِي اخْتَرْتُمُوهَا. ٣٠لأَنَّكُمْ تَصِيرُونَ كَبُطْمَةٍ قَدْ ذَبُلَ وَرَقُهَا، وَكَجَنَّةٍ لَيْسَ لَهَا مَاءٌ. ٣١وَيَصِيرُ الْقَوِيُّ مَشَاقَةً وَعَمَلُهُ شَرَارًا، فَيَحْتَرِقَانِ كِلاَهُمَا مَعًا وَلَيْسَ مَنْ يُطْفِئُ.
١. رَبُّ ٱلْجُنُودِ عَزِيزُ إِسْرَائِيلَ: والآن يخاطب الله يهوذا، مقدّمًا نفسه بألقاب تُظهر قوته وجلاله. فهو رب الجنود، أي أنه رب جيوش السماء، وهو عزيز (قوي) إسرائيل الذي لا جدوى من مقاومته. فاللقب نفسه دعوة إلى الصحوة، أو جرس إنذار.
• يعلّق بولتيما (Bultema) على لقب رَبُّ ٱلْجُنُودِ: “يصف هذا اللقب الرب بصفته المحارب الذي لديه كل الملائكة كجنود أقوياء تحت تصرفه في معركته ضد الأشرار. هذا هو اسم الله في المعركة، وهو كقاعدة لا يحمل خيرًا كبيرًا عندما يُستخدم في ما يتعلق بشعبه (إذا حاربوه)، كما هو الحال هنا. وهو يشير عادة إلى أنه يَعُد شعبه أعداء، ويتعامل معهم هكذا.”
٢. أَسْتَرِيحُ مِنْ خُصَمَائِي: كانت مشكلة قادة يهوذا وشعبها أنهم نصّبوا من أنفسهم خصماء للرب، فكانوا يتصرفون كأعداء له. وكانوا يضعون أنفسهم في طريق الدينونة. وسيجدون يد الرب ضدهم، لا معهم.
٣. وَأُنَقِّي زَغَلَكِ … وَأَنْزِعُ كُلَّ قَصْدِيرِكِ: الزغل والقصدير هنا شوائب المعدن. لقد وعد الله بأن يرفع درجة الحرارة لينزع شوائب يهوذا. لم يكن هدفه التدمير، بل الاسترداد. وسيطهر الرب أورشليم إلى أن تسمّى ثانيةَ: مَدِينَةَ ٱلْعَدْلِ، ٱلْقَرْيَةَ ٱلْأَمِينَةَ.
٤. صِهْيَوْنُ تُفْدَى بِٱلْحَقِّ: يحقق الله الفداء والاسترداد بالعدل (الحق) والبر دائمًا. وهو لا يخلّص أو يفدي على حساب عدله وبرّه.
٥. لِأَنَّهُمْ يَخْجَلُونَ مِنْ أَشْجَارِ ٱلْبُطْمِ ٱلَّتِي ٱشْتَهَيْتُمُوهَا: كانت أشجار البطم هذه مواقع وثنية للعبادة احتفظت بها يهوذا المُحِبة للأوثان. وعندما تُفدى صهيون بالعدل، ستخجل من عبادتها الوثنية السابقة.
• إنه لأمر حسن أن نخجل ونحس بالإحراج من الخطية. وسيكون فينا خطأ أو عيب إن كنا وقحين بلا خجل أو تجاوزنا الإحراج. وقد وعد الله بأن يعطي يهوذا هبة الخجل والإحراج مرة أخرى بسبب خطيتها.
• “لعبت الأشجار المقدسة دورًا مهمًّا في عبادة الخصوبة الكنعانية… كانت الأشجار المُسّاقطة مثل البلوط والبطم ترمز إلى موت الإله وولادته ثانية. ويمكن أن تكون ’الجنّات‘ المشار إليها هنا أيكات من هذه الأشجار، أو مكان ينابيع أو آبار مقدسة.” جروجان (Grogan)
٦. لأَنَّكُمْ تَصِيرُونَ كَبُطْمَةٍ قَدْ ذَبُلَ وَرَقُهَا، وَكَجَنَّةٍ لَيْسَ لَهَا مَاءٌ. وَيَصِيرُ الْقَوِيُّ مَشَاقَةً وَعَمَلُهُ شَرَارًا، فَيَحْتَرِقَانِ كِلاَهُمَا مَعًا: تحدث الرب عن الجفاف الروحي في يهوذا. فرغم أنهم واصلوا طقوسهم الدينية، إلا أنهم كانوا ما يزالون جافين روحيًّا. وبما أن الأشجار الجافة والجنّات الجافية، فإنها على وشك الاحتراق. وكانت يهوذا غير التائبة توشك على الإحساس بنيران دينونة الله المنقّية.