إشعياء ٦٤
البقية تصلي
أولًا. طلب أعمال الله العظيمة وتذكُّرها
أ ) الآيات (١-٤): شعب الله يتوسل إليه لينزل في قوة ومجد.
١لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ! مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ الْجِبَالُ. ٢كَمَا تُشْعِلُ النَّارُ الْهَشِيمَ، وَتَجْعَلُ النَّارُ الْمِيَاهَ تَغْلِي، لِتُعَرِّفَ أَعْدَاءَكَ اسْمَكَ، لِتَرْتَعِدَ الأُمَمُ مِنْ حَضْرَتِكَ. ٣حِينَ صَنَعْتَ مَخَاوِفَ لَمْ نَنْتَظِرْهَا، نَزَلْتَ، تَزَلْزَلَتِ الْجِبَالُ مِنْ حَضْرَتِكَ. ٤وَمُنْذُ الأَزَلِ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَصْغَوْا. لَمْ تَرَ عَيْنٌ إِلهًا غَيْرَكَ يَصْنَعُ لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ.
١. لَيْتَكَ تَشُقُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ: تستمر صلاة البقية من إشعياء ٦٣. والطِّلْبة هنا هي أن يتدخل الله من السماء.
٢. مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ ٱلْجِبَالُ: في مرحلة سابقة من هذه الصلاة (إشعياء ٦٣: ١١-١٣)، تذكَّر المصلي عمل الله العظيم لأجل إسرائيل في أيام الخروج. وهو يتذكر هنا كيف أن الرب زلزلَ جبل سيناء عندما عسكرت إسرائيل هناك في طريقها إلى أرض الموعد (خروج ١٩: ١٧-١٨).
٣. لَمْ تَرَ عَيْنٌ إِلَهًا غَيْرَكَ يَصْنَعُ لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ: وبما أن المصلي ينتظر الرب، فإنه يعبّر عن ثقته بأنه سيرى عمل الله من أجله أيضًا.
• لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ: “غير أن هنالك بركة خاصة مرتبطة بانتظار الرب. لكن مرتادي الكنائس في هذه الأيام يفضّلون أن يعملوا على أن ينتظروا. وهم يحبون الناموسية أكثر من قداسة الانتظار. ويعتقد قادة الكنيسة أن انتظار الرب حلم أحمق.” بولتيما (Bultema)
ب) الآيات (٥-٧): عوائق أمام عمل الله العظيم: إثمنا العظيم.
٥تُلاَقِي الْفَرِحَ الصَّانِعَ الْبِرَّ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَكَ فِي طُرُقِكَ. هَا أَنْتَ سَخِطْتَ إِذْ أَخْطَأْنَا. هِيَ إِلَى الأَبَدِ فَنَخْلُصُ. ٦وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا، وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ، وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا. ٧وَلَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِكَ أَوْ يَنْتَبِهُ لِيَتَمَسَّكَ بِكَ، لأَنَّكَ حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنَّا، وَأَذَبْتَنَا بِسَبَبِ آثَامِنَا.
١. تُلَاقِي ٱلْفَرِحَ ٱلصَّانِعَ ٱلْبِرَّ: يطرح المصلّي السؤال: “أي نوع من البشر يستجيب له الرب في الصلاة؟” وتجيب إشعياء ٦٤: ٤ أنه ذاك الذي ينتظر الرب. ثمّ يوسّع المصلّي الفكرة ملاحظًا أن الرب يستجيب صلاة من يفرح بالبر ويفعله. فالله يلاقيه (تُلَاقِي). ويستجيب الرب صلاة من يتذكر الرب في طرقه.
٢. إِذْ أَخْطَأْنَا. هِيَ إِلَى ٱلْأَبَدِ فَنَخْلُصُ (نحن نستمر في طرقنا، ونحن نحتاج إلى الخلاص): يشرح هذا المشكلة. إذ تعرف البقية أن الله لا يستجيب إلا لصلوات الإنسان البار. ومع ذلك، ليس الإنسان البار هو من يحتاج إلى خلاص من الكارثة التي جلبها على نفسه. ونحن نحتاج إلى أن نخلَّص هنا (حسب الترجمة الدولية الجديدة)، فكيف يمكننا أن نخلص؟ ثم يمضي المصلّي ليصف ببلاغة حالة خطيّتنا.
• أولًا، تجعلنا خطايانا كشيء نجس (كَنَجِسٍ). إذ تجعلنا غير مقبولين وغير مستحقين أمام الله. “بموجب الشريعة اليهودية، أنت تعلم متى يكون الشخص نجسًا. يكون كذلك عندما لا يستطيع أن يذهب إلى بيت الرب، ولا يقدم أية ذبيحة له، ولا يقبل الله أي شيء من يده. يبقى منبوذًا وغريبًا ما دام نجسًا.” سبيرجن (Spurgeon)
• وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا: الخير الذي نحاول فِعله غير مقبول ونجس أمام الرب. ولأننا كلنا كنجس، فإن الخير الذي نفعله ملوّث. “أيها الإخوة، إن كانت أعمال برّنا بهذا السوء، فماذا تكون حال أعمال إثمنا؟” سبيرجن (Spurgeon)
• وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ: جعلتنا حالتنا الآثمة ضعفاء، ومزعزعين، ومن دون قوة أمام الله.
• وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا: يعني هذا أنه لا توجد لدينا قوة للصمود أمام التجربة. إذ تحملنا خطايانا مثل رياح الأعاصير.
• وَلَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِٱسْمِكَ أَوْ يَنْتَبِهُ لِيَتَمَسَّكَ بِكَ: وحتى في حالتنا النجسة المتزعزعة، لم نطلب الرب كما ينبغي. إذ كنا كُسالى وراضين عن أنفسنا أمام الرب.
• “يأتي الفعلان ’سخِط‘ و’أخطأ‘ في ’هَا أَنْتَ سَخِطْتَ إِذْ أَخْطَأْنَا‘ في الصيغة التامة. ويدل هذا على أن ذهنك (الله) كان مثبّتًا على أن يغضب، وأن أذهاننا مثبّتة على أن نستمر في الخطية.” موتير (Motyer)
• إذا أُخِذت هذه مجتمعة، فإنها تشكل وصفًا مخيفًا لسقوطنا. “يتوجب أن تعرف أنك لستَ هالكًا فحسب، بل يتوجب عليك أن تشعر بهذا أيضًا. لا تكتفِ بمجرد الشعور بأن الوضع هو كذلك، لكن احزن أمام الرب على حالتك هذه، وأبغِضْ نفسك بسببها. ولا تنظر إلى الأمر على أنه سوء حظ، بل على أنه خطية متعمدة. وبالتالي، انظر إلى نفسك على أنك خاطئ مذنب.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ: “ثوب العُدّة هو ثوب الحيض. وكانت الإفرازات الجسمية تُعَد أمرًا دنسًا لأنها تدفُّق من طبيعة بشرية شريرة ساقطة. ولهذا، فإن ما يمكن أن نعده في مصلحتنا – أعمال برنا – يشترك في دنس السقوط.” موتير (Motyer)
• اعتقد الوعاظ من أجيال سابقة أن هذا النص متطرف في وصفه التصويري لشبه الخطية بحيث لا ينبغي الكرازة به بأمانة، أي كما هو. “إن كان الوعاظ يعرفون بشكل صحيح معنى هذه الكلمة، فهل سيستخدمونها بشكل متحرر في خدمتهم الجهارية؟” كلارك (Clarke). “تعبير ثوب عُدّة بالعبرية تعبير لا يمكننا أن نشرحه على نحو ملائم في اجتماعنا الحالي. فبما أن الاعتراف يجب أن يكون سرّيًّا وأمام الله وحده، فإن المعنى الكامل للتشبيه غير مقصود للأذن البشرية.” سبيرجن (Spurgeon)
• مهما كانت الصياغة متطرفة، فإن النقطة مهمة. فحتى الأعمال التي تبدو من الخارج مقدسة جدًّا يمكن أن تكون فاسدة وغير بارة. “أيها السادة، هنالك خطية في صلواتنا، ولهذا ينبغي أن تصلَّى من جديد. وهنالك نجاسة في الدموع التي نذرفها في التوبة. وهنالك خطية في قداستنا نفسها. وهنالك عدم إيمان في إيماننا. وهنالك كراهية في محبتنا نفسها. وهنالك وحل الحيّة على أجمل زهرة في حديقتنا.” سبيرجن (Spurgeon)
• “يسمّي لوثر بحق أولئك الساعين إلى الخلاص بأعمالهم ’شهداء إبليس.‘ فهم يعانون كثيرًا ويتكبدون العناء ليذهبوا إلى الجحيم… يتوجب علينا أن نفعل كل بر، ولا ينبغي أن نرتاح إلا في بر المسيح، منكرين أفضل ما لدينا على أنه معيب وناقص.” تراب (Trapp)
٤. حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنَّا: هذا هو أول رد فعل من رَدَّي فعل لله تجاه حالة الإنسان الآثمة. هنالك أولًا الشركة المكسورة، أو على الأقل الشركة المتضررة. ثانيًا، يلتهمنا الله بسبب آثامنا – وَأَذَبْتَنَا بِسَبَبِ آثَامِنَا. فقد استدعت حالتنا الخاطئة دينونة الله البارة، بل طالبت بها.
ثانيًا. التماس رحمة الرب
أ ) الآيات (٨-٩): طلب إلى الله أن يتذكر من هو شعبه.
٨وَالآنَ يَا رَبُّ أَنْتَ أَبُونَا. نَحْنُ الطِّينُ وَأَنْتَ جَابِلُنَا، وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ. ٩لاَ تَسْخَطْ كُلَّ السَّخْطِ يَا رَبُّ، وَلاَ تَذْكُرِ الإِثْمَ إِلَى الأَبَدِ. هَا انْظُرْ. شَعْبُكَ كُلُّنَا.
١. وَٱلْآنَ يَا رَبُّ أَنْتَ أَبُونَا: المصلّي في مكان يائس. وهو يحتاج إلى رحمة الله، لأن عدالة الله تدينه. وهو في احتكامه إلى الرحمة يذكّر الله أولًا: “أَنْتَ أَبُونَا. فارحمنا كأب محب.”
٢. نَحْنُ ٱلطِّينُ وَأَنْتَ جَابِلُنَا: وبعد ذلك، يحتكم المصلّي إلى رحمة الله بسبب قوّته السيادية على كل حياة إنسان. فكأنه يقول: “يا رب، نحن كالطين بين يديك. فتعاملْ معنا برفق، وشَكِّلْنا حسب رحمتك.”
• الأب هو دائمًا أب، فلا يمكنه أن يتبرأ من أبنائه. ولا يستطيع الخزاف أن يتبرأ من الآنية. فهي موجودة لأنه خلقها. وهذه طريقة إشعياء في القول، “يا رب، أنت عالق معنا.”
٣. لَا تَسْخَطْ كُلَّ ٱلسَّخْطِ يَا رَبُّ، وَلَا تَذْكُرِ ٱلْإِثْمَ إِلَى ٱلْأَبَدِ: يطلب المصلي الرحمة بسبب ’الوقت الذي قضوه‘ (في التأديب). وكأنه يصلي: “يا رب، كان لديك الحق في أن تسخط علينا لبعض الوقت. وكان لك الحق في أن تتذكر إثمنا لفترة من الزمن. لكن أرجوك ألا تذكر إثمنا في ما بعد.”
٤. هَا ٱنْظُرْ. شَعْبُكَ كُلُّنَا: يقدّم المصلّي آخر التماس للرحمة على أساس ’نحن كلنا شعبك، يا رب. نحن خطاة ونستحق دينونتك. لكننا ما زلنا شعبك. وبمعنى ما، فإنك عالق معنا.‘
ب) الآيات (١٠-١١): الطلب إلى الله أن يتذكر حالة صهيون.
١٠مُدُنُ قُدْسِكَ صَارَتْ بَرِّيَّةً. صِهْيَوْنُ صَارَتْ بَرِّيَّةً، وَأُورُشَلِيمُ مُوحَشَةً. ١١بَيْتُ قُدْسِنَا وَجَمَالِنَا حَيْثُ سَبَّحَكَ آبَاؤُنَا، قَدْ صَارَ حَرِيقَ نَارٍ، وَكُلُّ مُشْتَهَيَاتِنَا صَارَتْ خَرَابًا.
١. صِهْيَوْنُ صَارَتْ بَرِّيَّةً، وَأُورُشَلِيمُ مُوحَشَةً: يطلب المصلي في احتكامه إلى الرحمة من الله أن ينظر عن قرب إلى الحالة الرهيبة لمدنه المقدسة – مُدُنِ قُدْسِكَ. وهو يلفت النظر إلى هيكله المقدس الجميل – بَيْتِ قُدْسِنَا وَجَمَالِنَا، ملاحظًا أنه احترق – صَارَ حَرِيقَ نَارٍ. وهذه طريقة بليغة وقوية لمناشدة الله أن يعمل.
ج) الآية (١٢): الطلب إلى الله أن يعمل.
١٢أَلِأَجْلِ هَذِهِ تَتَجَلَّدُ يَا رَبُّ؟ أَتَسْكُتُ وَتُذِلُّنَا كُلَّ ٱلذِّلِّ؟
١. أَلِأَجْلِ هَذِهِ تَتَجَلَّدُ يَا رَبُّ: يختتم المصلّي صلاته بسؤال عظيم. تشير جملة ’أَلِأَجْلِ هَذِهِ‘ إلى الحالة البائسة لأورشليم والهيكل (إشعياء ٦٤: ١٠-١١). إنها أوصاف حالتنا الآثمة (إشعياء ٦٤: ٥ب-٧). ويسأل المصلي: “يا رب، أنت تعرف حالتنا الآثمة. لكن هل يمكن أن تكبح نفسك (تَتَجَلَّد) بسبب هذه الأمور؟”
٢. أَتَسْكُتُ وَتُذِلُّنَا كُلَّ ٱلذِّلّ: المعنى هنا: “يا رب، ارحمنا. فهل ستتعامل معنا دائمًا حسب عدالتك فلا تعطينا إلا ما نستحقه؟”
• في هذه الصلاة، يتعامل المصلّي مع ما يبدو مشكلة مستحيلة. فبسبب خطيتنا (إشعياء ٦٤: ٥ب-٧)، نحن في حالة بائسة يائسة، ونحن محتاجون إلى خلاص الرب. لكن الرب لا يستجيب إلا لصلاة الرجل الصالح (إشعياء ٦٤: ٤-٥أ). ولن يكون الرجل الصالح في هذا الوضع الذي نحن فيه! وفي نهاية الأمر، فإن الجواب موجود في العهد الجديد، حيث يقف رجل بار (يسوع) في مكاننا ويصلّي من أجلنا. ولهذا دعانا يسوع إلى أن نصلي باسمه (يوحنا ١٤: ١٣-١٤). فعندما نصلي باسم يسوع، فإن الرجل البار (يسوع) هو الذي يناشد الله من أجلنا.