إشعياء ٥
كَرْم الرب
أولًا. مَثَل الكرْم
“هذا المثل – في جمال لغته، وإتقانها، وبراعتها التامة في التوصيل الفعّال – بلا نظير تقريبًا. وتتمثل إحدى الصعوبات التي تواجهها أية تحفة أدبية في أن المترجم المحتمل ربما لا يصل إلى المستوى الأدبي للكاتب، ولهذا قد تكون مهمته مستحيلة. وفي واقع الأمر، فإن هذا مثل بارز للطريقة التي وظّف بها الروح القدس الملهِم اللغة البشرية لإيصال الرسالة الإلهية.” ج. و. جروجان (G.W. Grogan)
أ ) الآيات (١-٢): الكَرْم غير المثمر
١لأُنْشِدَنَّ عَنْ حَبِيبِي نَشِيدَ مُحِبِّي لِكَرْمِهِ: كَانَ لِحَبِيبِي كَرْمٌ عَلَى أَكَمَةٍ خَصِبَةٍ، ٢فَنَقَبَهُ وَنَقَّى حِجَارَتَهُ وَغَرَسَهُ كَرْمَ سَوْرَقَ، وَبَنَى بُرْجًا فِي وَسَطِهِ، وَنَقَرَ فِيهِ أَيْضًا مِعْصَرَةً، فَانْتَظَرَ أَنْ يَصْنَعَ عِنَبًا فَصَنَعَ عِنَبًا رَدِيئًا.
١. لَأُنْشِدَنَّ: تدور القصة حول كَرْم تَمَيَّز بمزايا كثيرة. إذ كان يخص رجلًا مُحِبًّا (حَبِيبِي). وقد بُني على تلّة مثمرة كَرْمٌ (عَلَى أَكَمَةٍ خَصِبَةٍ). وتمّت تهيئة الأرض بعناية (فَنَقَبَهُ وَنَقَّى حِجَارَتَهُ). وزُرع بمخزون جيد (كَرْمَ سَوْرَقَ). وكان محميًّا (بُرْجًا فِي وَسَطِهِ). وتم توفير وسيلة لمعالجة عنبه (وَنَقَرَ فِيهِ أَيْضًا مِعْصَرَةً).
• “ما من مقتنىً أعزّ على الإنسان من كرْم. ولا يوجد مقتنى يتطلب عملًا وكدًّا أكبر منه. ولهذا، لا يعلن الرب أننا ميراثه الحبيب فحسب، بل يوضح أيضًا اهتمامه بنا وقلقه علينا.” كالفن (Calvin)
• “كنت أتأمل في مزايا موقعي تجاه الرب، وتحسّرت بخجل كبير لأني لا أجلب الثمار التي يتطلبها موقعي. وبالنظر إلى امتيازاتنا، ومزايانا، وفُرصنا، أخشى أن كثيرين منا عليهم أن يقوموا بفحص عميق للقلب.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. فَٱنْتَظَرَ أَنْ يَصْنَعَ عِنَبًا: ليس هذا أمرًا مفاجئًا بالنظر إلى جميع المزايا التي تمتَّع بها الكرَم. فما الذي يمكنك أن تتوقع غير ذلك؟ لكن، بدلًا من ذلك، صَنَعَ عِنَبًا رَدِيئًا.
• عِنَبًا رَدِيئًا (برّيًا): “نتعامل هنا مع مشكلة أسوأ من عدم الإثمار. يتحدث العهد الجديد أيضًا عن إيمان يُثمر أعمالًا ميّتة تلوّث الهواء مثل الجِيف. ولا يحمل القثاء البرّي (الكرْم البري)، كما في ٢ ملوك ٤: ٣٩، ثمارًا جميلة، بل مُرّة، كريهة الرائحة، وسامّة بطبيعتها. وهذا وصف للإصرار على العناد والدين الزائف لشعب العهد غير الوفي.” بولتيما (Bultema)
• يعلّق كلارك (Clarke) على العنب البري: “إنه توت سام، لا مجرد أنه عديم الفائدة أو العنب غير المفيد مثل العنب البري، لكنه عنب ذو رائحة كريهة، عنب ضار وسامّ.”
• يعني العنب البري أن الكرْم أنتج ما يمكن أن تتوقع منه أن ينتج إذا لم يُفعل له أي شيء. فلم تكن لكل هذا الحب والرعاية والوقت والعمل والاستثمار نتيجة.
ب) الآيات (٣-٤): يطلب الله من أورشليم ويهوذا أن تتأملا قصة الكرم
٣وَالآنَ يَا سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ وَرِجَالَ يَهُوذَا، احْكُمُوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَرْمِي. ٤مَاذَا يُصْنَعُ أَيْضًا لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْهُ لَهُ؟ لِمَاذَا إِذِ انْتَظَرْتُ أَنْ يَصْنَعَ عِنَبًا، صَنَعَ عِنَبًا رَدِيئًا؟
١. ٱحْكُمُوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَرْمِي: السؤال بسيط. من الملوم على حصاد العنب البرّيّ؟ أهو خطأ صاحب الكرْم أم أنه خطأ الكرْم نفسه؟
• نحن نعلم، كما علموا هم، أن الزراعة مسألة سبب ونتيجة. ومن ناحية حرفية، لا يستطيع أحد أن يلوم كرْمًا على الإطلاق على عدم إنتاجه. لكن في كرْم الرب، تظل إرادة الإنسان عاملًا.
٢. مَاذَا يُصْنَعُ أَيْضًا لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْهُ لَهُ: في هذه القصة، لم يترك صاحب الكرْم شيئًا لم يفعله لأجل كرْمه. إذ فعل كل ما بوسعه. وبنفس الطريقة، لا يمكن أن يلام الله على كل العنب البري الذي أنتجته إسرائيل. إذ فعل كل ما بوسعه، باستثناء جعل الناس روبوتات (أشخاصًا آليين)، والعمل بمعزل عن إرادتهم أو ضدها.
• الذنب هو ذنب الإنسان، لا ذنب الله. “سيتبيّن بعد ذلك أنه كان لكل إنسان الفرصة ليكون كرمًا مثمرًا. ولو كان الأمر عكس ذلك، فسيكون هذا فشلًا في حكمة الله أو نعمته.” ماير (Meyer)
• “يا من تجاهرون بأنكم شعب الله، ماذا كان يمكن للمسيح أن يفعل أكثر من أجلكم؟ وماذا كان يمكن للروح القدس أن يفعل أكثر؟ أية وعود أغنى، أو أية وصايا أحكم، أو أية رعاية أفضل، وأي صبر أكثر نعمة كان يمكن أن يقدمه؟” سبيرجن (Spurgeon)
٣. لِمَاذَا إِذِ ٱنْتَظَرْتُ أَنْ يَصْنَعَ عِنَبًا، صَنَعَ عِنَبًا رَدِيئًا؟ من الممكن أن يقوم الله بعمل في شعبه، لكن من الممكن أن يتلقى شعبه هذا العمل عبثًا. وقد نبّه بولس إلى هذا الأمر: فَإِذْ نَحْنُ عَامِلُونَ مَعَهُ نَطْلُبُ أَنْ لَا تَقْبَلُوا نِعْمَةَ ٱللهِ بَاطِلًا” (٢ كورنثوس ٦: ١).
• وبطبيعة الحال، فإن الكرْم الحرفي لا ’يفعل‘ شيئًا. لكننا، ككرْم للرب، مدعوون إلى العمل مع نعمة الله لئلا تُقبل تلك النعمة باطلًا وعبثًا. ولا تعطى النعمة بسبب أعمال سابقة أو حاضرة أو موعودة. غير أنها تعطى للتشجيع على العمل، لأن العمل ضروري. لا يريدنا الله أن نتلقى نعمته ونصبح سلبيين. لقد عرف بولس أنه عندما يعطي الرب نعمته، فإن علينا أن نعمل بجد حتى يتم عمل الله.
• استخدم يسوع نفس الصورة في نفس المثل حول الكرّامين الأشرار والكرْم (متى ٢١: ٣٣-٤٦).
• “هل حدث هذا الأمر معنا؟ هل كافأْنا الحبيب بجحود على كل آلامه؟ هل أظهرنا له قساوة القلب بدلًا من التوبة؟ عدم إيمان بدلًا من الإيمان؟ لامبالاة بدلًا من المحبة؟ كسلًا بدلًا من الجِد المقدس؟ النجاسة بدلًا من القداسة؟” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٥- ٧): دينونة الله على الكرْم غير المثمر
٥فَالآنَ أُعَرِّفُكُمْ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَرْمِي: أَنْزِعُ سِيَاجَهُ فَيَصِيرُ لِلرَّعْيِ. أَهْدِمُ جُدْرَانَهُ فَيَصِيرُ لِلدَّوْسِ. ٦وَأَجْعَلُهُ خَرَابًا لاَ يُقْضَبُ وَلاَ يُنْقَبُ، فَيَطْلَعُ شَوْكٌ وَحَسَكٌ. وَأُوصِي الْغَيْمَ أَنْ لاَ يُمْطِرَ عَلَيْهِ مَطَرًا». ٧إِنَّ كَرْمَ رَبِّ الْجُنُودِ هُوَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ، وَغَرْسَ لَذَّتِهِ رِجَالُ يَهُوذَا. فَانْتَظَرَ حَقًّا فَإِذَا سَفْكُ دَمٍ، وَعَدْلاً فَإِذَا صُرَاخٌ.
١. أَنْزِعُ سِيَاجَهُ: كل ما يتوجب على صاحب الكرْم أن يفعله هو أن يتوقف عن توفير الحماية الخاصة للكرم (فَيَصِيرُ لِلرَّعْيِ… فَيَصِيرُ لِلدَّوْسِ).
• وبمعنى ما، أعطى الله مسؤولية “نزع السياج” للكنيسة. فعندما يكون المؤمن عنيدًا في عدم التوبة، يمكن أن تكون مهمة الكنيسة هي أن تسلمه إلى إبليس، لكي يحس بألم خطيته ويتوب (١ تيموثاوس ١: ٢٠؛ ١ كورنثوس ٥: ٤-٥). وتفعل الكنيسة هذا خارج الحماية الروحية الموجودة بين شعب الله.
٢. وَأَجْعَلُهُ خَرَابًا لَا يُقْضَبُ (يشَذّب) وَلَا يُنْقَبُ: لن ينال الكرْم شيئًا من الرب. فقد قاوم باحتجاج التقليم، والحفر، والرّيّ التي قام بها صاحب الكرم. والآن، يقول صاحب الكرم: “حسنًا، لا مزيد من التقليم، والحفر، والرّيّ. وسترى بنفسك إن كان هذا أفضل.”
• يتمنى كثيرون من أبناء الله أن يتوقف الرب عن التقليم، والحفر، والرّيّ. قد تكون هذه الأمور صعبة، لكنها ستكون أسوأ عندما يتوقف الرب عن فعلها.
٣. فَٱنْتَظَرَ حَقًّا فَإِذَا سَفْكُ دَمٍ، وَعَدْلًا فَإِذَا صُرَاخٌ: هنا يلعب النبي على الكلمات. إذ يقول النص العبري: فَٱنْتَظَرَ (Misphat) فَٱنْتَظَرَ (mispat) و(tsedaqua) فَٱنْتَظَرَ (tseaqua).
ثانيًا. ويل للأمة الناضجة للدينونة
أ ) الآيات (٨-١٠): ويل لأسياد الأرض
٨وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَصِلُونَ بَيْتًا بِبَيْتٍ، وَيَقْرِنُونَ حَقْلاً بِحَقْل، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ. فَصِرْتُمْ تَسْكُنُونَ وَحْدَكُمْ فِي وَسَطِ الأَرْضِ. ٩فِي أُذُنَيَّ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: «أَلاَ إِنَّ بُيُوتًا كَثِيرَةً تَصِيرُ خَرَابًا. بُيُوتًا كَبِيرَةً وَحَسَنَةً بِلاَ سَاكِنٍ. ١٠لأَنَّ عَشْرَةَ فَدَادِينِ كَرْمٍ تَصْنَعُ بَثًّا وَاحِدًا، وَحُومَرَ بِذَارٍ يَصْنَعُ إِيفَةً».
١. وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَصِلُونَ بَيْتًا بِبَيْتٍ: الصورة هي للجشع في شراء العقارات وتطويرها.
• “لأنه لا يمكن إدانة هذا كشيء خطأ في حد ذاته إذا أضاف إنسان حقلًا إلى حقل وبيتًا إلى بيت. لكنه نظر إلى مزاج العقل الذي لا يمكن إشباعه عندما يلتهب برغبة الكسب. وبناءً على ذلك، يصف مشاعر الذين لا يكتفون أبدًا، ولا يمكن لأية ثروة أن ترضيهم.” كالفن (Calvin)
• “الأشخاص الطمّاعون هم من مزاج التنين الموصوف بأنه عطشان جدًّا بحيث لا يمكن لأي ماء أن يروي ظمأه. يقول أحدهم إن الطمع سُكْرٌ جاف، استقساء لا يشبع، مثل الجحيم نفسه.” تراب (Trapp)
٢. أَلاَ إِنَّ بُيُوتًا كَثِيرَةً تَصِيرُ خَرَابًا. بُيُوتًا كَبِيرَةً وَحَسَنَةً بِلاَ سَاكِنٍ: وبسبب الدينونة، فإن صفقاتهم التجارية لا تنجح، وستكون لديهم بيوت كثيرة شاغرة وغير مباعة.
• “عندما يطمع الناس في أشياء هذا العالم، فإن لدى الله طريقة ليجعلهم ممتلئين بخيبة الأمل والمرارة.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (١١-١٧): ويل للذين يحتفلون بكل شيء إلى ما لا نهاية، ويحتفلون بكل شيء ما عدا الرب.
١١وَيْلٌ لِلْمُبَكِّرِينَ صَبَاحًا يَتْبَعُونَ الْمُسْكِرَ، لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْعَتَمَةِ تُلْهِبُهُمُ الْخَمْرُ. ١٢وَصَارَ الْعُودُ وَالرَّبَابُ وَالدُّفُّ وَالنَّايُ وَالْخَمْرُ وَلاَئِمَهُمْ، وَإِلَى فَعْلِ الرَّبِّ لاَ يَنْظُرُونَ، وَعَمَلَ يَدَيْهِ لاَ يَرَوْنَ. ١٣لِذلِكَ سُبِيَ شَعْبِي لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ، وَتَصِيرُ شُرَفَاؤُهُ رِجَالَ جُوعٍ، وَعَامَّتُهُ يَابِسِينَ مِنَ الْعَطَشِ. ١٤لِذلِكَ وَسَّعَتِ الْهَاوِيَةُ نَفْسَهَا، وَفَغَرَتْ فَاهَا بِلاَ حَدٍّ، فَيَنْزِلُ بَهَاؤُهَا وَجُمْهُورُهَا وَضَجِيجُهَا وَالْمُبْتَهِجُ فِيهَا! ١٥وَيُذَلُّ الإِنْسَانُ وَيُحَطُّ الرَّجُلُ، وَعُيُونُ الْمُسْتَعْلِينَ تُوضَعُ. ١٦وَيَتَعَالَى رَبُّ الْجُنُودِ بِالْعَدْلِ، وَيَتَقَدَّسُ الإِلهُ الْقُدُّوسُ بِالْبِرِّ. ١٧وَتَرْعَى الْخِرْفَانُ حَيْثُمَا تُسَاقُ، وَخِرَبُ السِّمَانِ تَأْكُلُهَا الْغُرَبَاءُ.
١. وَيْلٌ لِلْمُبَكِّرِينَ صَبَاحًا يَتْبَعُونَ ٱلْمُسْكِرَ: الصورة هي لأولئك الذين ’يعملون بجِد‘ على إمتاع أنفسهم والاحتفال بلا نهاية. وحياتهم ممتلئة بتعاطي المخدرات والخمر والموسيقى وَإِلَى فَعْلِ ٱلرَّبِّ لَا يَنْظُرُونَ، وَعَمَلَ يَدَيْهِ لَا يَرَوْنَ.
• ما الخطأ في التمتع بالحياة وإدمان الترفيه؟ تكمن المشكلة ببساطة في نسيان الله. فرغم أن الناس يزعمون أنهم يتذكرون الله بطريقة ما، إلا أنهم إِلَى فَعْلِ ٱلرَّبِّ لَا يَنْظُرُونَ، وَعَمَلَ يَدَيْهِ لَا يَرَوْنَ. وأما الذين إِلَى فَعْلِ ٱلرَّبِّ يَنْظُرُونَ، وَعَمَلَ يَدَيْهِ يَرَوْنَ، فإنهم يعيشون مقرّين بأن الله حقيقي، وأن الحياة أكثر بكثير من إمتاع النفس والترفيه.
٢. لِذَلِكَ سُبِيَ شَعْبِي: سيُدان أولئك الذين يمتّعون أنفسهم بوضع نهاية للضحك (فَيَنْزِلُ بَهَاؤُهَا)، وسيتمجد الرب (وَيَتَعَالَى رَبُّ ٱلْجُنُودِ بِٱلْعَدْلِ)، وسيكافِئ الودعاء (وَتَرْعَى ٱلْخِرْفَانُ حَيْثُمَا تُسَاقُ).
ج) الآيات (١٨-٢١): ويل للذين يخلطون الأمور الأخلاقية ويظنون أنهم يعرفون أفضل من الله.
١٨وَيْلٌ لِلْجَاذِبِينَ الإِثْمَ بِحِبَالِ الْبُطْلِ، وَالْخَطِيَّةَ كَأَنَّهُ بِرُبُطِ الْعَجَلَةِ، ١٩الْقَائِلِينَ: «لِيُسْرِعْ، لِيُعَجِّلْ عَمَلَهُ لِكَيْ نَرَى، وَلْيَقْرُبْ وَيَأْتِ مَقْصَدُ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لِنَعْلَمَ». ٢٠وَيْلٌ لِلْقَائِلِينَ لِلشَّرِّ خَيْرًا وَلِلْخَيْرِ شَرًّا، الْجَاعِلِينَ الظَّلاَمَ نُورًا وَالنُّورَ ظَلاَمًا، الْجَاعِلِينَ الْمُرَّ حُلْوًا وَالْحُلْوَ مُرًّا. ٢١وَيْلٌ لِلْحُكَمَاءِ فِي أَعْيُنِ أَنْفُسِهِمْ، وَالْفُهَمَاءِ عِنْدَ ذَوَاتِهِمْ.
١. وَيْلٌ لِلْجَاذِبِينَ ٱلْإِثْمَ بِحِبَالِ ٱلْبُطْلِ: إنهم يجذبون خطيتهم بحبال الفراغ!
• “يخدعون أنفسهم بالتخيل أن ما هو خطية ليس خطية، أو بعُذر ما أو ادعاء تافه ليقللوا من ضخامتها. هذه إذًا حبال… حبال شريرة يجذبون بها الإثم.” كالفن (Calvin)
• “إنهم لا ينجذبون إلى الخطية بسبب مغريات العالم فحسب، أو من خلال إقناع الأشرار الآخرين المتفوّقين عليهم في الشر، كما يحدث أحيانًا مع الأشخاص الطيّبين، لكنهم نشطون ومُجِدّون في جذب الخطية إلى أنفسهم، أو جذب أنفسهم إلى الخطية أيضًا. إنهم يسعون بنَهَم وثبات وراء الخطية ومناسباتها، ولا يرتاحون إلا بعد أن يدركوها. فهم يخطئون عمدًا وبإصرار وباجتهاد.” بوله (Poole)
• “بحجج وادعاءات باطلة ومخادعة، حيث يجر الخطاة بشكل عام أنفسهم إلى الخطية.” بوله (Poole)
٢. وَلْيَقْرُبْ وَيَأْتِ مَقْصَدُ (مشورة) قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لِنَعْلَمَ: بقولهم هذه الكلمات الفارغة، أظهروا في غطرستهم احتقارهم للرب، فكما لو أنهم قالوا: “هيّا، يا رب. نحن مستعدون لدينونتك.”
• “فهو إما لا يستطيع أن يؤذينا وإما أنه لا يريد ذلك. ونحن لا نخشاه. فليفعل أسوأ ما لديه. وليبدأ حالما يشاء.” لا يعني هذا أن أيًّا من الإسرائيليين كان وقحًا بما يكفي لقول هذه الكلمات، لكن هذه هي لغة أفعالهم الواضحة. فقد عاشوا كما لو أنهم من هذه النظرة. فقد بيّن تجاسرهم، ووقاحتهم، وإحساسهم بالأمان ازدراءهم البالغ لله وكل دينوناته.” بوله (Poole)
٣. وَيْلٌ لِلْقَائِلِينَ لِلشَّرِّ خَيْرًا وَلِلْخَيْرِ شَرًّا: كانوا يستخدمون كلمات ذكية مخادعة يطمسون بها القضايا الأخلاقية ويبررون خطاياهم. كانوا ينظرون إلى شرّهم ويسمّونه خيرًا، وكانوا ينظرون إلى خير الآخرين ويسمّونه شرًّا. وهنا يصف إشعياء حالة عميقة من التشويش الأخلاقي.
• “كانوا من أنصار فلسفة نيتشه في عصرهم من خلال ’إعادة تقييم القيم،‘ وتخفيض قيمة كل القيم، وقلب قيم المفاهيم الأساسية.” بولتيما (Bultema)
٤. وَيْلٌ لِلْحُكَمَاءِ فِي أَعْيُنِ أَنْفُسِهِمْ: كانوا منتفخين بالكبرياء، رافضين حكمة الله ومعاييره: “الكتاب المقدس انتقادي جدًّا. لا تدينوا لئلا تدانوا. ويعتمد الأمر على كيفية تفسيره. فلديك تفسيرك، ولديّ تفسيري.” ويمجّد كل هذا التفكير حكمة الإنسان فوق كلمة الله.
د ) الآيات (٢٢-٢٣): ويل للفاسدين للذين يثمّنون تعاطي الخمر فوق الإنصاف والعدل.
٢٢وَيْلٌ لِلأَبْطَالِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَلِذَوِي الْقُدْرَةِ عَلَى مَزْجِ الْمُسْكِرِ. ٢٣الَّذِينَ يُبَرِّرُونَ الشِّرِّيرَ مِنْ أَجْلِ الرُّشْوَةِ، وَأَمَّا حَقُّ الصِّدِّيقِينَ فَيَنْزِعُونَهُ مِنْهُمْ.
١. وَيْلٌ لِلْأَبْطَالِ عَلَى شُرْبِ ٱلْخَمْرِ: كان هؤلاء رجال إنجازات عالية… في الخطية.
• “يحكم النبي على هذه الخطية مرة ثانية، لأنها كانت قد انتشرت وصارت شائعة. والسكارى نوع من المخلوقات الدنيئة، ولهذا كان من الضروري بشكل مضاعف. ويفتخر كثيرون من هؤلاء افتخارًا كبيرًا بقدرتهم على تعاطي الخمر.” تراب (Trapp)
• “عندما امتُدح الملك ألفونسوس على كونه شاربًا عظيمًا وعلى قدرته على احتمال ذلك، أجاب أن هذا ثناء جدير بإسفنجة، لا برئيس.” تراب (Trapp)
• “ليس ما هو أكثر مدعاة للخزي من أن يختبر رجل قوته في ابتلاع الطعام أو الإسراف في شرب الخمر. وهو يجاهد مع نفسه لكي يحشو بطنه قدر ما يمكن أن تحتمل. ولا يحافظ مثل هؤلاء الرجال على أية قاعدة في الحياة، ولا يعرفون لماذا أعطاهم الله الغذاء. فنحن نأكل ونشرب لندعم جسدنا، لا لندمره.” كالفن (Calvin)
٢. ٱلَّذِينَ يُبَرِّرُونَ ٱلشِّرِّيرَ مِنْ أَجْلِ ٱلرُّشْوَةِ: لا هَمَّ لهؤلاء إلا أن يمتّعوا أنفسهم ويرفّهوا عنها، ولا يهتمون بالآخرين.
هـ) الآيات (٢٤-٣٠): يَعِد الله بدينونة أكيدة وتامّة.
٢٤لِذلِكَ كَمَا يَأْكُلُ لَهِيبُ النَّارِ الْقَشَّ، وَيَهْبِطُ الْحَشِيشُ الْمُلْتَهِبُ، يَكُونُ أَصْلُهُمْ كَالْعُفُونَةِ، وَيَصْعَدُ زَهْرُهُمْ كَالْغُبَارِ، لأَنَّهُمْ رَذَلُوا شَرِيعَةَ رَبِّ الْجُنُودِ، وَاسْتَهَانُوا بِكَلاَمِ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ. ٢٥مِنْ أَجْلِ ذلِكَ حَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى شَعْبِهِ، وَمَدَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ، حَتَّى ارْتَعَدَتِ الْجِبَالُ وَصَارَتْ جُثَثُهُمْ كَالزِّبْلِ فِي الأَزِقَّةِ. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ. ٢٦فَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ مِنْ بَعِيدٍ، وَيَصْفِرُ لَهُمْ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ، فَإِذَا هُمْ بِالْعَجَلَةِ يَأْتُونَ سَرِيعًا. ٢٧لَيْسَ فِيهِمْ رَازِحٌ وَلاَ عَاثِرٌ. لاَ يَنْعَسُونَ وَلاَ يَنَامُونَ، وَلاَ تَنْحَلُّ حُزُمُ أَحْقَائِهِمْ، وَلاَ تَنْقَطِعُ سُيُورُ أَحْذِيَتِهِمِ. ٢٨الَّذِينَ سِهَامُهُمْ مَسْنُونَةٌ، وَجَمِيعُ قِسِيِّهِمْ مَمْدُودَةٌ. حَوَافِرُ خَيْلِهِمْ تُحْسَبُ كَالصَّوَّانِ، وَبَكَرَاتُهُمْ كَالزَّوْبَعَةِ. ٢٩لَهُمْ زَمْجَرَةٌ كَاللَّبْوَةِ، وَيُزَمْجِرُونَ كَالشِّبْلِ، وَيَهِرُّونَ وَيُمْسِكُونَ الْفَرِيسَةَ وَيَسْتَخْلِصُونَهَا وَلاَ مُنْقِذَ. ٣٠يَهِرُّونَ عَلَيْهِمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ كَهَدِيرِ الْبَحْرِ. فَإِنْ نُظِرَ إِلَى الأَرْضِ فَهُوَذَا ظَلاَمُ الضِّيقِ، وَالنُّورُ قَدْ أَظْلَمَ بِسُحُبِهَا.
١. لِذَلِكَ كَمَا يَأْكُلُ لَهِيبُ ٱلنَّارِ ٱلْقَشَّ، وَيَهْبِطُ ٱلْحَشِيشُ ٱلْمُلْتَهِبُ: القش والحشيش سريعا الاشتعال. وهنا يحذّر الله من دينونة مفاجئة كاملة وشديدة.
٢. لِأَنَّهُمْ رَذَلُوا شَرِيعَةَ رَبِّ ٱلْجُنُودِ، وَٱسْتَهَانُوا بِكَلَامِ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ: يمكن إرجاع كل خطايا يهوذا إلى زمن رفضهم لما يقوله الرب واحتقارهم له. إذ كان رأي الإنسان أكثر أهمية لهم من كلمة الله.
٣. فَيَرْفَعُ رَايَةً لِلْأُمَمِ مِنْ بَعِيدٍ، وَيَصْفِرُ لَهُمْ مِنْ أَقْصَى ٱلْأَرْضِ: سيدعو الله أممًا أجنبية لتأتي وتغزو يهوذا، جاعلًا إياهم أدوات دينونة عليهم.
٤. فَإِذَا هُمْ بِٱلْعَجَلَةِ يَأْتُونَ سَرِيعًا. لَيْسَ فِيهِمْ رَازِحٌ وَلَا عَاثِرٌ. لَا يَنْعَسُونَ وَلَا يَنَامُونَ، وَلَا تَنْحَلُّ حُزُمُ أَحْقَائِهِمْ… ٱلَّذِينَ سِهَامُهُمْ مَسْنُونَةٌ، وَجَمِيعُ قِسِيِّهِمْ مَمْدُودَةٌ: ستعمل الجيوش التي سيدعوها الرب ضد يهوذا بكل جدية وكفاءة. إذ ستكون مُرَكِّزة على مهمتها، ومستعدة، وجاهزة، بينما يستخدم رجال يهوذا الأقوياء قوّتهم في مسابقات تعاطي الخمر. ولن تكون القوتان متشابهتين. فمن المؤكد أن يهوذا الرخوة المخمورة المترهلة ستسقط أمام هؤلاء الأعداء المتفانين في واجبهم.
• إن لم نكن أقوياء من أجل أنفسنا، أو من أجل الرب، أفلا ينبغي أن نكون أقوياء على الأقل من أجل أعدائنا؟ فإن كانوا أقوياء ويركزون قوّتهم ضدنا، ألا ينبغي أن نتقوّى في الرب، ونركز على الرب للتغلب على مثل هؤلاء الأعداء الأقوياء؟
٥. فَهُوَذَا ظَلَامُ ٱلضِّيقِ، وَٱلنُّورُ قَدْ أَظْلَمَ بِسُحُبِهَا: هذا وضع محزن. فلماذا يمكن للرب أن يضع يهوذا في مثل هذا المكان؟ لأنه يحبهم. هذه كلمات قاسية، لكن رحيمة. غير أنها كانت صفعة على الوجه لمنع الدمار الشامل والأبدي. والسؤال الوحيد هو: “هل نصغي إلى تحذير الرب؟”
• “تهديدات الله بالويلات أفضل من ترحاب إبليس.” سبيرجن (Spurgeon)