سفر الخروج – الإصحاح ١٠
الضَّرباتُ تستمرُّ
أولًا. الضَّربة الثَّامِنَة: الجراد
أ ) الآيات (١-٦): يطلُب الله من موسى تقديمَ تحذيرٍ آخَر لِفرعون.
١ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «ٱدْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَإِنِّي أَغْلَظْتُ قَلْبَهُ وَقُلُوبَ عَبِيدِهِ لِكَيْ أَصْنَعَ آيَاتِي هَذِهِ بَيْنَهُمْ. ٢وَلِكَيْ تُخْبِرَ فِي مَسَامِعِ ٱبْنِكَ وَٱبْنِ ٱبْنِكَ بِمَا فَعَلْتُهُ فِي مِصْرَ، وَبِآيَاتِي ٱلَّتِي صَنَعْتُهَا بَيْنَهُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ». ٣فَدَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَالَا لَهُ: «هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلَهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ: إِلَى مَتَى تَأْبَى أَنْ تَخْضَعَ لِي؟ أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي. ٤فَإِنَّهُ إِنْ كُنْتَ تَأْبَى أَنْ تُطْلِقَ شَعْبِي هَا أَنَا أَجِيءُ غَدًا بِجَرَادٍ عَلَى تُخُومِكَ، ٥فَيُغَطِّي وَجْهَ ٱلْأَرْضِ حَتَّى لَا يُسْتَطَاعَ نَظَرُ ٱلْأَرْضِ. وَيَأْكُلُ ٱلْفَضْلَةَ ٱلسَّالِمَةَ ٱلْبَاقِيَةَ لَكُمْ مِنَ ٱلْبَرَدِ. وَيَأْكُلُ جَمِيعَ ٱلشَّجَرِ ٱلنَّابِتِ لَكُمْ مِنَ ٱلْحَقْلِ. ٦وَيَمْلَأُ بُيُوتَكَ وَبُيُوتَ جَمِيعِ عَبِيدِكَ وَبُيُوتَ جَمِيعِ ٱلْمِصْرِيِّينَ، ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِي لَمْ يَرَهُ آبَاؤُكَ وَلَا آبَاءُ آبَائِكَ مُنْذُ يَوْمَ وُجِدُوا عَلَى ٱلْأَرْضِ إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ». ثُمَّ تَحَوَّلَ وَخَرَجَ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ.
- فَإِنِّي أَغْلَظْتُ قَلْبَهُ: يقول الرَّبُّ هُنا بأنَّه قد أَغْلَظَ قلبَ فرعون، بالرغم من أنَّ خروج ٣٤:٩ يقول بأنَّه ]فرعون[ قد أغلظَ قلبَه. إنَّ كلتا العبارتان صحيحتان، والواحِدَة لا تنفي الأُخرى. فبإغلاظِ قلبِ فرعون، سمحَ الله له بأن يأخُذَ ما اشتهاهُ في شرِّهِ – قلبًا قاسيًا ومُتشدِّدًا ضدَّ الله وشعبِهِ.
- وَلِكَيْ تُخْبِرَ فِي مَسَامِعِ ٱبْنِكَ وَٱبْنِ ٱبْنِكَ بِمَا فَعَلْتُهُ فِي مِصْرَ: لَم يكُن عملُ الله فقط من أجلِ جيلِ موسى وفرعون؛ فقد كان أيضًا من أجلِ ٱبْنِكَ وَٱبْنِ ٱبْنِكَ. يقوم الله بفعل العظائم بيننا لكي نُشجِّعَ الأجيال القادِمَة.
- إِلَى مَتَى تَأْبَى أَنْ تَخْضَعَ لِي: بالدُّخول مُباشرةً إلى صُلبِ الموضوع، نرى أنَّ الله حذَّر فرعون من أجلِ تواضعهِ وإلَّا فإنَّ أسوأ الضَّرباتِ من الجراد قد رآها الإنسان ستأتي على مصر. لقد كان الكبرياءُ في قلبِ مُشكِلَةِ فرعون؛ فبكلِّ بساطةٍ، لَم يكُن يُرِد بأن يخضع لله.
- إنَّه لَسؤالٌ مُهمٌّ سيسألُهُ الله لأيِّ واحِدٍ منَّا: إِلَى مَتَى تَأْبَى أَنْ تَخْضَعَ لِي؟
ب) الآيات (٧-١١): يبدو بأنَّ فرعون يرجِع عن قرارِه – مع بعضِ الشُّروط.
٧فَقَالَ عَبِيدُ فِرْعَوْنَ لَهُ: «إِلَى مَتَى يَكُونُ هَذَا لَنَا فَخًّا؟ أَطْلِقِ ٱلرِّجَالَ لِيَعْبُدُوا ٱلرَّبَّ إِلَهَهُمْ. أَلَمْ تَعْلَمْ بَعْدُ أَنَّ مِصْرَ قَدْ خَرِبَتْ؟». ٨فَرُدَّ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَقَالَ لَهُمَا: «ٱذْهَبُوا ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ إِلَهَكُمْ. وَلَكِنْ مَنْ وَمَنْ هُمُ ٱلَّذِينَ يَذْهَبُونَ؟» ٩فَقَالَ مُوسَى: «نَذْهَبُ بِفِتْيَانِنَا وَشُيُوخِنَا. نَذْهَبُ بِبَنِينَا وَبَنَاتِنَا، بِغَنَمِنَا وَبَقَرِنَا، لِأَنَّ لَنَا عِيدًا لِلرَّبِّ». ١٠فَقَالَ لَهُمَا: «يَكُونُ ٱلرَّبُّ مَعَكُمْ هَكَذَا كَمَا أُطْلِقُكُمْ وَأَوْلَادَكُمُ. ٱنْظُرُوا، إِنَّ قُدَّامَ وُجُوهِكُمْ شَرًّا. ١١لَيْسَ هَكَذَا. اِذْهَبُوا أَنْتُمُ ٱلرِّجَالَ وَٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ. لِأَنَّكُمْ لِهَذَا طَالِبُونَ». فَطُرِدَا مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ.
- إِلَى مَتَى يَكُونُ هَذَا لَنَا فَخًّا: لقد قسَّى هؤلاء الرَّجال، المعروفين بعَبِيدِ فِرْعَوْن، قلوبهم قبلًا (خروج ٣٤:٩). بالرغم من ذلك، فقد بدأوا بالتَّراجُع في ضوءِ الدَّمار الَّذي لَحِقَ بمصرَ؛ لكنَّ قلبَ فرعون ما زال قاسيًا!
- وَلَكِنْ مَنْ وَمَنْ هُمُ ٱلَّذِينَ يَذْهَبُونَ: لقد أرادَ فرعون مرَّةً أُخرى التَّفاوض مع الله وموسى. فهو أراد بأن يسمح للبعضِ بالذَّهابِ إلى البريَّة للعبادَة، لكن مع الإحتفاظِ بالنِّساءِ والأولاد في بيوتهم كرهائن.
- عرضَ فرعون أمرًا للـمُساوَمَة في خروج ٢٥:٨-٢٦، مُقترِحًا إمكانيَّة أن يأخذوا يومًا لتقديم الذَّبائح للرَّبِ بينما هُم في مصرَ. لَن يقبلَ الله بهذه الصَّفقة، ذلك لِعَدَم حاجتهِ لذلك. في هذا الوقت، وفي كلِّ وقتٍ، يُمسِك الله بزمام الـمُبادَرَة في التَّفاوُض.
- إنَّ ما أرادَهُ فرعون لَهُوَ ما يُريدُهُ الكثيرون في الجسد: طريقةً ما ’للتَّسليمِ‘ لله من دون عناء الخضوع الكامِل له. أحيانًا نُفتِّشُ عن طريقةٍ لِعَقدِ صفقة مع الله كمُساوين له، بدلًا من الخضوعِ له كخالِقِنا وكَرَبِّنا.
- عندما أتى موسى لأوَّلِ مرَّةٍ إلى فرعون، قال له فرعون: “مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَأُطْلِقَ إِسْرَائِيلَ؟ لَا أَعْرِفُ ٱلرَّبَّ، وَإِسْرَائِيلَ لَا أُطْلِقُهُ؟” (خروج ٢:٥). إنَّ حقيقةَ رفضِ فرعون للخضوع للرَّبِّ تُظهِرُ بأنَّه لَم يكُن يعرِف الرَّبَّ بعد. ذلك بالرغم من أنَّ الرَّبَّ الإله كان واضِحًا في أنَّه:
- أعظَم من الإله خنوم (حارِسُ النِّيل).
- أعظَم من الإله هابي (روحُ النِّيلِ).
- أعظَم من الإله أُوزيريس (الحامِل النِّيل في دمائهِ).
- أعظَم من الإلهة هيكيت (الإلهةُ-الضِّفدَعة للخصوبة).
- أعظَم من الإلهة حَتحور (الإلهة الأُمُّ الشَّبيهة بالبقرة).
- أعظَم من الإله أمحوتب (إلهُ الطِّبِّ).
- أعظَم من الإلهة نوت (إلهةُ السَّماء).
- قادِرٌ على وَقْفِ كلِّ عبادةٍ للآلهة المصريَّة باستخدامهِ بعوضًا مُقرِفًا وأسرابًا من الحشرات.
- بالرغم من كلِّ هذا، فقد أظهرَ فرعون بأنَّه ما زال لا يعرِف الرَّبَّ الإله. لذلك، سَيُريهِ الله مَن يكون أكثر.
ج) الآيات (١٢-١٥): ضربةُ الجراد تأتي.
١٢ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «مُدَّ يَدَكَ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ لِأَجْلِ ٱلْجَرَادِ، لِيَصْعَدَ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ وَيَأْكُلَ كُلَّ عُشْبِ ٱلْأَرْضِ، كُلَّ مَا تَرَكَهُ ٱلْبَرَدُ». ١٣فَمَدَّ مُوسَى عَصَاهُ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ، فَجَلَبَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلْأَرْضِ رِيحًا شَرْقِيَّةً كُلَّ ذَلِكَ ٱلنَّهَارِ وَكُلَّ ٱللَّيْلِ. وَلَمَّا كَانَ ٱلصَّبَاحُ، حَمَلَتِ ٱلرِّيحُ ٱلشَّرْقِيَّةُ ٱلْجَرَادَ، ١٤فَصَعِدَ ٱلْجَرَادُ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ، وَحَلَّ فِي جَمِيعِ تُخُومِ مِصْرَ. شَيْءٌ ثَقِيلٌ جِدًّا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ جَرَادٌ هَكَذَا مِثْلَهُ، وَلَا يَكُونُ بَعْدَهُ كَذَلِكَ، ١٥وَغَطَّى وَجْهَ كُلِّ ٱلْأَرْضِ حَتَّى أَظْلَمَتِ ٱلْأَرْضُ. وَأَكَلَ جَمِيعَ عُشْبِ ٱلْأَرْضِ وَجَمِيعَ ثَمَرِ ٱلشَّجَرِ ٱلَّذِي تَرَكَهُ ٱلْبَرَدُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ أَخْضَرُ فِي ٱلشَّجَرِ وَلَا فِي عُشْبِ ٱلْحَقْلِ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ».
- وَأَكَلَ جَمِيعَ عُشْبِ ٱلْأَرْضِ وَجَمِيعَ ثَمَرِ ٱلشَّجَرِ ٱلَّذِي تَرَكَهُ ٱلْبَرَدُ: لقد أظهر يهوه نفسَهُ أعظَمَ من مجموعة الآلِهة المصريَّة التي كان يُعتقَد بأنَّها حاميةٌ للمزروعات.
- حَتَّى لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ أَخْضَرُ فِي ٱلشَّجَرِ وَلَا فِي عُشْبِ ٱلْحَقْلِ: لقد قام الله بِعَمَلِ أشياءَ مع فرعون يستطيع أن يعملها في حياتنا أيضًا – فهو يُظهِرُ ويَقلِبُ كلَّ إلهٍ كاذبٍ. عندما نثِق بهذه الآلِهَة، فمن الصَّعب بمكانٍ ما أن نجدها تقع، لكن من الـمُفيدِ جدًّا كَشفَهُم.
د ) الآيات (١٦-٢٠): توبةٌ كاذِبَة أُخرى لِفرعون.
١٦فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ مُسْرِعًا وَقَالَ: «أَخْطَأْتُ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِكُمَا وَإِلَيْكُمَا. ١٧وَٱلْآنَ ٱصْفَحَا عَنْ خَطِيَّتِي هَذِهِ ٱلْمَرَّةَ فَقَطْ، وَصَلِّيَا إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِكُمَا لِيَرْفَعَ عَنِّي هَذَا ٱلْمَوْتَ فَقَطْ». ١٨فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ وَصَلَّى إِلَى ٱلرَّبِّ. ١٩فَرَدَّ ٱلرَّبُّ رِيحًا غَرْبِيَّةً شَدِيدَةً جِدًّا، فَحَمَلَتِ ٱلْجَرَادَ وَطَرَحَتْهُ إِلَى بَحْرِ سُوفَ. لَمْ تَبْقَ جَرَادَةٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ تُخُومِ مِصْرَ. ٢٠وَلَكِنْ شَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يُطْلِقْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
- أَخْطَأْتُ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِكُمَا وَإِلَيْكُمَا: لقد قام فرعون بذات الشَّيء في خروج ٢٧:٩-٢٨. فهوَ تفوَّه بكلِمات التَّوبة، لكنَّهُ لَم يُدعِّم توبتهُ بالأفعال. لقد تشدَّدَ قلبُ فرعون أكثر بعد سماحٍ من الله الَّذي أظهر رحمةً.
- “مرَّةً ثانية يأتي الإعترافُ السَّهل بالخطيَّة والتَّوبة السَّطحيَّة النَّابعة من تلك الرَّغبة في تجنُّب النَّتائج.” كُول (Cole)
ثانيًا. الضَّربة التَّاسِعَة: الظلام
أ ) الآيات (٢١-٢٣): تأتي ضربةُ الظَّلام من دون إنذارٍ.
٢١ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «مُدَّ يَدَكَ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ لِيَكُونَ ظَلَامٌ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ، حَتَّى يُلْمَسُ ٱلظَّلَامُ». ٢٢فَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ فَكَانَ ظَلَامٌ دَامِسٌ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. ٢٣لَمْ يُبْصِرْ أَحَدٌ أَخَاهُ، وَلَا قَامَ أَحَدٌ مِنْ مَكَانِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَلَكِنْ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ لَهُمْ نُورٌ فِي مَسَاكِنِهِمْ.
- مُدَّ يَدَكَ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ لِيَكُونَ ظَلَامٌ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ: كما كان النَّمَطُ في الضَّرباتِ السَّابقة، فالضَّربةُ الثَّالِثة في هذه المجموعة الثَّالِثَة أتت من دون إنذار.
- حَتَّى يُلْمَسُ ٱلظَّلَامُ: لَم يكُن هذا ظلامًا اعتياديًّا، فقد كان له عاملٌ خارِقٌ للطَّبيعة يُمكِّنهُ من أن يُلمَس. إنَّ الضَّوءَ ليس بِمُجرَّدِ مادَّة؛ إنَّه جانِبٌ من شخصيَّة الله، “وَهَذَا هُوَ ٱلْخَبَرُ ٱلَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ ٱللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ ٱلْبَتَّةَ” (١ يوحنَّا ٥:١). ففي الدَّينونة، قد يسحَب الله حضورَهُ بشكلٍ أساسيٍّ إلى درجةِ أنَّ الفراغ النَّاتِج عن ذلك سيتحوَّل إلى ظلامٍ يُمكِن لَمسَهُ.
- بحسبِ الظَّاهِر، لَم يسمح الله حتَّى لِمصادِر الضوءِ الصِّناعيّ بأن تعمَل. لقد حاولَ المصريُّون استخدام الشُّموع والمصابيح لكنَّها لَم تستطِع إنتاج الضَّوء. فقد كان هذا مظهرًا من مظاهِر التَّفوُّق على الإله البارِز رَع (Ra) الَّذي يُظنُّ بأنَّه إلهُ الشَّمسِ.
- وَلَكِنْ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ لَهُمْ نُورٌ فِي مَسَاكِنِهِمْ: لا ندري بالتَّحديد فيما إذا كان ذلك بسبب أنَّ الله جنَّبَهُم الضَّربة أو بسببِ أنَّ الله منحَهُم حضورَه الخاص، جالِبًا معه ضوءًا خارِقًا للطَّبيعة.
ب) الآيات (٢٤-٢٩): مُحاولَةُ فرعون الأخيرة للـمُساوَمَة مع موسى.
٢٤فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَقَالَ: «ٱذْهَبُوا ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ. غَيْرَ أَنَّ غَنَمَكُمْ وَبَقَرَكُمْ تَبْقَى. أَوْلَادُكُمْ أَيْضًا تَذْهَبُ مَعَكُمْ». ٢٥فَقَالَ مُوسَى: «أَنْتَ تُعْطِي أَيْضًا فِي أَيْدِينَا ذَبَائِحَ وَمُحْرَقَاتٍ لِنَصْنَعَهَا لِلرَّبِّ إِلَهِنَا، ٢٦فَتَذْهَبُ مَوَاشِينَا أَيْضًا مَعَنَا. لَا يَبْقَى ظِلْفٌ. لِأَنَّنَا مِنْهَا نَأْخُذُ لِعِبَادَةِ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا. وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ بِمَاذَا نَعْبُدُ ٱلرَّبَّ حَتَّى نَأْتِيَ إِلَى هُنَاكَ». ٢٧وَلَكِنْ شَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُطْلِقَهُمْ. ٢٨وَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: «ٱذْهَبْ عَنِّي. اِحْتَرِزْ. لَا تَرَ وَجْهِي أَيْضًا. إِنَّكَ يَوْمَ تَرَى وَجْهِي تَمُوتُ». ٢٩فَقَالَ مُوسَى: «نِعِمَّا قُلْتَ. أَنَا لَا أَعُودُ أَرَى وَجْهَكَ أَيْضًا».
- ٱذْهَبُوا ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ. غَيْرَ أَنَّ غَنَمَكُمْ وَبَقَرَكُمْ تَبْقَى: بهذا الأمر، قدَّم فرعون عرضَهُ الأخير لِمُوسى. يستطيع جميعُ بَني إسرائيل بأن يذهبوا إلى البريَّة لِمُدَّةِ ثلاثةِ أيَّامٍ لِتقديم الذَّبائح إلى الرَّبِّ الإله، لكنَّه يجبُ عليهم تركَ ماشيتهم وراءهُم.
- بدون أدنى شكٍّ، لقد أحسَّ فرعون بأنَّ الله مُفَاوِضٌ صعبٌ، لذا حاوَلَ إبرامَ أفضلِ اتِّفاقٍ مُمكِنٍ. لا يزال فرعون ينظرُ إلى الأُمور وكأنَّه يستطيع التَّفاوُض مع خالِقِهِ. يُظهِرُ هذا بأنَّه ما زال يجهَل مَن هو الرَّبُّ الإله، ذلك بسبب أنَّه لَم يستسلِم له بعدُ.
- لَا يَبْقَى ظِلْفٌ: لقد كان الرَّبُّ الإله، ونبيُّهِ موسى مُمَثِّلَهُ، رافضًا بشكلٍ كاملٍ فكرة الـمُساوَمَة على هذه النِّقاط. أرادَ الله الحُرِّيَّة الكامِلَة لِكُلِّ إسرائيل ومن أجلِ كلِّ الَّذين ينتمون إلى إسرائيل، وهو لَم يكُن يُريدُ التَّفاوُض حولَ هذه النُّقطة.
- يعكِسُ هذا جواب الله لكلِّ مُحاوَلَة نقومُ بها لِتَسليمِ الأقلَّ من كلِّ شيءٍ له، أو أن نترُك بعض الأُمور في العبوديَّة، إراديًّا. فهو يقول: ’لَا يَبْقَى ظِلْفٌ.‘
- ٱذْهَبْ عَنِّي. اِحْتَرِزْ. لَا تَرَ وَجْهِي أَيْضًا: في سخَطِهِ، أمر فرعون موسى أن يخرج خارجًا وألَّا يعودَ أبدًا. فقد طمأن موسى فرعون، ’نِعِمَّا قُلْتَ. أَنَا لَا أَعُودُ أَرَى وَجْهَكَ أَيْضًا‘ – لكنَّ هذه لَم تكُن أخبارًا جيِّدَة بالنِّسبة إلى فرعون.
- “أصبحَ فرعون الآن بعيدًا عن المنطِق، والله لا يُريد أن يتعامَل بشكلٍ منطقيٍّ معه.” مورجان (Morgan)
- يُنهي هذا سجلَّ الضَّرباتِ التِسع، وبالرغم من وجودِ واحِدَةٍ ستأتي – ضربةُ الأبكارِ – فهي بحدِّ ذاتها مُهمَّةٌ جدًّا ويجب مراعاتُها على حِدًى وبِحَدِّ ذاتها.
- يقول لنا الكتاب المقدَّس بأنَّهُ يوجَد عدَّةُ أسبابٍ لإرسال الله هذه الضَّربات على فرعون ومصرَ.
- للإجابةِ عن سؤالِ فرعون، مَن هو الرَّبُّ؟ (خروج ٢:٥)، نقول أنَّه في هذه الضَّربات، أظهرَ الله نفسَه أعظَم من أيٍّ من الآلِهة الكاذِبة لِمصرَ.
- لإظهارِ قُدرةِ الله وقوَّتِهِ بواسطة موسى (خروج ١٦:٩).
- لإعطاءِ شهادة لِبَني إسرائيل للأجيال القادِمَة (خروج ٢:١٠).
- لإدانة الآلِهَة الكاذِبَة – أرواح شرِّيرة، بالفعل – في مصرَ (خروج ١٢:١٢، عدد ٤:٣٣).
- لإنذارِ الأُمَم – فَبَعدَ أكثرِ من ٤٠٠ سنةٍ لاحِقًا، تذكَّر الفلسطينيُّون الرَّبَّ إلهَ إسرائيل كالإله الَّذي ضربَ المصريِّين (١ صموئيل ٨:٤).
- كَشَهادةٍ لِعظَمةِ إله إسرائيل (خروج ١١:١٥، تثنية ٣٤:٤).