سفر الخروج – الإصحاح ١٥
ترنيمةُ موسى
أولًا. تسبيحةُ موسى
أ ) الآيات (١-٥): المقطَعُ الأوَّل: ٱلرَّبُّ رَجُلُ ٱلْحَرْبِ.
١حِينَئِذٍ رَنَّمَ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ هَذِهِ ٱلتَّسْبِيحَةَ لِلرَّبِّ وَقَالُوا: «أُرَنِّمُ لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. ٱلْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي ٱلْبَحْرِ. ٢ٱلرَّبُّ قُوَّتِي وَنَشِيدِي، وَقَدْ صَارَ خَلَاصِي. هَذَا إِلَهِي فَأُمَجِّدُهُ، إِلَهُ أَبِي فَأُرَفِّعُهُ. ٣ٱلرَّبُّ رَجُلُ ٱلْحَرْبِ. ٱلرَّبُّ ٱسْمُهُ. ٤مَرْكَبَاتُ فِرْعَوْنَ وَجَيْشُهُ أَلْقَاهُمَا فِي ٱلْبَحْرِ، فَغَرِقَ أَفْضَلُ جُنُودِهِ ٱلْمَرْكَبِيَّةِ فِي بَحْرِ سُوفَ، ٥تُغَطِّيهِمُ ٱللُّجَجُ. قَدْ هَبَطُوا فِي ٱلْأَعْمَاقِ كَحَجَرٍ.
- حِينَئِذٍ رَنَّمَ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ هَذِهِ ٱلتَّسْبِيحَةَ لِلرَّبِّ: من الـمُفترَض أنَّ هذه التَّسبيحة، أو التَّرنيمة الرَّائعة، كانت تلقائيَّة بينما كان موسى يقودُ شعبَهُ إلى البرِّيَّة على المقلَب الآخَر للبحر الأحمَر. لقد رنَّموا هذه التَّرنيمة عندما أدركَوا حقيقة خلاصهم ورأَوْها بأُمِّ أعيُنِهِم. لقد رنَّموها عندما اختبروا حقيقةَ قُدرةِ وحضورِ الله.
- يُثمِّن الله هذه التَّعبيرات العفويَّة في التَّسبيح والعبادة. كانت هذه أُغنيةً جديدة رُنِّمَت للرَّبِّ (كما في مزمور ٣:٤٠). “هُناك أَمزِجَةٌ للرُّوحِ لا يُمكِن التَّعبيرُ عنها إلَّا بالشِّعرِ والموسيقى.” مورجان (Morgan)
- “تُعتبَر هذه التَّرنيمة الأُولَى في سلسلةٍ من التَّرانيم الـمُقدَّسة المحفوظة في الكُتُب الـمُقدَّسة، وفي بعضِ النَّواحي، يُمكِنُها أن تكون الأُولَى في الميزَة وفي التَّوقيت أيضًا.” سبيرجن (Spurgeon)
- أُرَنِّمُ لِلرَّبِّ: من أبرزِ مبادئ العبادة أنَّها مُوجَّهة إلى الرَّبِّ، وليس إلى الإنسان. عندما نُقدِّم العبادَة للهِ في التَّسبيح، فالحضورُ هو الله نفسهُ وليس النَّاس الَّذين هُم حولَنا.
- “إنَّ العدد الأوَّل لهذه التَّرنيمة قد تمَّ اقتباسُهُ من قِبَل داود. أعتقِدُ بأنَّه بالإمكان إيجادُها بنفس الكلِمات ثلاث مرَّاتٍ في سفر المزامير.” سبيرجن (Spurgeon)
- ٱلْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي ٱلْبَحْرِ: لقد سبَّحوا الله بقيامِهِ بما لا يُمكِن لإسرائيل القيامُ به.
- ٱلرَّبُّ قُوَّتِي وَنَشِيدِي: عندما نسمح للهِ بأن يكونَ قُوَّتَنا، فهو سيكون أيضًا نشيدَنا. سَنُرنِّم لأنَّ الإنتصار قد تمَّ بقوَّةِ الرَّبِّ العظيمة. سيكون لنا فرح التَّرنيم في حياتنا لأنَّ قوَّة الله لَن تخذُلَنا.
- “لاحِظ، إنَّ التَّرنيمة هي عن الله؛ لا يوجَد أيُّ كلِمةٍ عن موسى. اقرأ هذه التَّرنيمة بتَمعُّنٍ، فلَن تجِد لا موسى ولا هارون ولا مريم فيها: فالله هو الكلُّ في الكُلِّ.” سبيرجن (Spurgeon)
- “لاحِظ: فإنَّ الكلِمة ليست ’الرَّبُّ يُعطيني القوَّة،‘ بل ’الرَّبُّ هو قوَّتي!‘ كم قويٌ هو المؤمِن؟ أقولُها بخشوعٍ، إنَّه قويٌّ بحجم قوَّةِ الله – ’الرَّبُّ قوَّتي.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- وَقَدْ صَارَ خَلَاصِي: هذه عبارةٌ مجيدة. فهيَ تلْحَظ أنَّنا لا نستطيع بأن نُخلِّص أنفَسَنا، لكنَّ الله سيصيرُ خلاصَنا.
- “إنَّ ذلك الَّذي له الله بقوَّتهِ، سيكون له الله في ترنيمته؛ ولذلك الَّذي صارَ يهوه خلاصَه، سَيُسبِّح ويُعظِّم اسمَهُ.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٦-١٠): المقطَعُ الثَّاني: بِكَثْرَةِ عَظَمَتِكَ تَهْدِمُ مُقَاوِمِيكَ.
٦يَمِينُكَ يَا رَبُّ مُعْتَزَّةٌ بِٱلْقُدْرَةِ. يَمِينُكَ يَا رَبُّ تُحَطِّمُ ٱلْعَدُوَّ. ٧وَبِكَثْرَةِ عَظَمَتِكَ تَهْدِمُ مُقَاوِمِيكَ. تُرْسِلُ سُخْطَكَ فَيَأْكُلُهُمْ كَٱلْقَشِّ، ٨وَبِرِيحِ أَنْفِكَ تَرَاكَمَتِ ٱلْمِيَاهُ. ٱنْتَصَبَتِ ٱلْمَجَارِيَ كَرَابِيَةٍ. تَجَمَّدَتِ ٱللُّجَجُ فِي قَلْبِ ٱلْبَحْرِ. ٩قَالَ ٱلْعَدُوُّ: أَتْبَعُ، أُدْرِكُ، أُقَسِّمُ غَنِيمَةً. تَمْتَلِئُ مِنْهُمْ نَفْسِي. أُجَرِّدُ سَيْفِي. تُفْنِيهِمْ يَدِي. ١٠نَفَخْتَ بِرِيحِكَ فَغَطَّاهُمُ ٱلْبَحْرُ. غَاصُوا كَٱلرَّصَاصِ فِي مِيَاهٍ غَامِرَةٍ.
- يَمِينُكَ يَا رَبُّ تُحَطِّمُ ٱلْعَدُوَّ: وصفَ موسى والشَّعب ما فعلَ الله بالمصريِّين، ولقد تمجَّدوا في هزيمة الله لأعدائهم. إذا كُنَّا فعلًا نُحبُّ الرَّبَّ، يجب أن نعتزَّ بهزيمة أعداء الله.
- يَمِينُكَ: كانت اليد الـيُمنَى تُعتبَر بأنَّها يدُ الحِرَفيَّةِ والقوَّة. عندما يعمل الله بيمينِهِ، فعمَلُهُ هو عملُ الحِرَفيَّةِ والقوَّة.
- من الواضحِ بمكانٍ ما بأنَّ هذا تجسيمًا، أي فَهمَ شيءٍ عن الله باستخدام لُغَّةِ بشريَّة مجازيَّة، حتَّى ولَو لَم تُطبَّق حرفيًّا.
- إنَّ هذه الفكرة عن اليدِ اليـُمنَى لَمُستخدَمَة في الكُتُب الـمُقدَّسة أكثر من خمسين مرَّةً، بما فيها هذه الفقرات:
- مزمور ٤:٤٥، يمينُ الله تُرينا مخاوِف.
- مزمور ١٠:٤٨، يمينُ الله مَلآنةٌ برًّا.
- مزمور ١٠:٧٧، نتَذكَّرُ ’ تَغَيُّرُ يَمِينِ ٱلْعَلِيِّ.‘
- مزمور ١:١١٠، يدعو الآب ابنَه إلى الجلوسِ عن يمينِهِ.
- حبقوق ١٦:٢، كأسُ غضبِ الله ممسوكة بيَمِينِ ٱلرَّبِّ.
- أفسس ٢٠:١، يسوع جالِسٌ عن يمينِ الآب.
ج) الآيات (١١-١٣): المقطَعُ الثَّالِث: مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ ٱلْآلِهَةِ يَا رَبُّ؟
١١مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ ٱلْآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزًّا فِي ٱلْقَدَاسَةِ، مَخُوفًا بِٱلتَّسَابِيحِ، صَانِعًا عَجَائِبَ؟ ١٢تَمُدُّ يَمِينَكَ فَتَبْتَلِعُهُمُ ٱلْأَرْضُ. ١٣تُرْشِدُ بِرَأْفَتِكَ ٱلشَّعْبَ ٱلَّذِي فَدَيْتَهُ. تَهْدِيهِ بِقُوَّتِكَ إِلَى مَسْكَنِ قُدْسِكَ.
- مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ ٱلْآلِهَةِ يَا رَبُّ: إذا كان شعبُ مصرَ لا يزال يجهل مَن هو الرَّبَّ، فَشعبُ إسرائيل يعرفُهُ. لقد عرفوا أنَّ الرَّبَّ ليس كأيٍّ من هذه الآلِهَة الكاذبة للمصريِّين والكنعانيِّين.
- مَنْ مِثْلُكَ: يجب على العبادَة بأن تُعلِن تفوُّق الرَّبِّ الإله على كُلِّ شيءٍ يدَّعي بأنَّه إلهًا. سينسى إسرائيل سريعًا هذا، لكن يُمكِنُنا نحن أن نتذكَّره.
د ) الآيات (١٤-١٨): المقطَعَان الرَّابِع والخامِس: يَسْمَعُ ٱلشُّعُوبُ فَيَرْتَعِدُونَ.
١٤يَسْمَعُ ٱلشُّعُوبُ فَيَرْتَعِدُونَ. تَأْخُذُ ٱلرَّعْدَةُ سُكَّانَ فِلِسْطِينَ. ١٥حِينَئِذٍ يَنْدَهِشُ أُمَرَاءُ أَدُومَ. أَقْوِيَاءُ مُوآبَ تَأْخُذُهُمُ ٱلرَّجْفَةُ. يَذُوبُ جَمِيعُ سُكَّانِ كَنْعَانَ. ١٦تَقَعُ عَلَيْهِمِ ٱلْهَيْبَةُ وَٱلرُّعْبُ. بِعَظَمَةِ ذِرَاعِكَ يَصْمُتُونَ كَٱلْحَجَرِ حَتَّى يَعْبُرَ شَعْبُكَ يَا رَبُّ. حَتَّى يَعْبُرَ ٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي ٱقْتَنَيْتَهُ. ١٧تَجِيءُ بِهِمْ وَتَغْرِسُهُمْ فِي جَبَلِ مِيرَاثِكَ، ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي صَنَعْتَهُ يَا رَبُّ لِسَكَنِكَ ٱلْمَقْدِسِ ٱلَّذِي هَيَّأَتْهُ يَدَاكَ يَا رَبُّ. ١٨ٱلرَّبُّ يَمْلِكُ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ».
- تَأْخُذُ ٱلرَّعْدَةُ سُكَّانَ فِلِسْطِينَ: لقد عرفَ موسى وبَني إسرائيل بأنَّ هذا الإنتصار قد تكلَّم إلى أعداءِ إسرائيل. فسيرتَعِدون عندما يسمعون عن تلك الأعمال العظيمة التي قام بها الله من أجلِ إسرائيل.
- تَقَعُ عَلَيْهِمِ ٱلْهَيْبَةُ وَٱلرُّعْبُ: بعد حوالي أربعين سنةً، تكلَّمت راحاب الزَّانية التي من مدينة أريحا إلى الجواسيس الإسرائيليِّين: لِأَنَّنَا قَدْ سَمِعْنَا كَيْفَ يَبَّسَ ٱلرَّبُّ مِيَاهَ بَحْرِ سُوفَ قُدَّامَكُمْ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَمَا عَمِلْتُمُوهُ بِمَلِكَيِ ٱلْأَمُورِيِّينَ ٱللَّذَيْنِ فِي عَبْرِ ٱلْأُرْدُنِّ: سِيحُونَ وَعُوجَ، ٱللَّذَيْنِ حَرَّمْتُمُوهُمَا (يشوع ١٠:٢). لقد سمعَ شعبُ كنعان بالفعل عن ما عَمِلَه الله من أجلِ إسرائيل وتفاعلوا بخوفٍ إلهيّ.
- ٱلرَّبُّ يَمْلِكُ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ: بعد هذا الإنتصار العظيم يُمكِنُنا الإستشعار بأنَّ إسرائيل قد آمَن بذلك، وبأنَّهم مُستعدُّون لأن يسمحوا للرَّبِّ بأن يَمْلِكَ عليهم. هذه الحالَة من الإنتصار والخضوع لَم تدُم طويلًا.
- بالرغم من ذلك، ستبقى الحقيقة الثَّابتة راسِخَة – ٱلرَّبُّ يَمْلِكُ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ. يتردَّدُ صدى ترنيمةِ موسى كلَّ الطَّريق وصولًا إلى سفر الرُّؤيا، حيث نرى جماهيرَ غفيرة آتية من الضِّيقة العظيمة، والتي اختبرَت انتصارًا عظيمًا، وتقِفُ على شواطئ البحر الكبير، وتُرنِّمُ هذه التَّرنيمة: وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ ٱللهِ، وَتَرْنِيمَةَ ٱلْخَرُوفِ قَائِلِينَ: «عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ، أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ، ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! عَادِلَةٌ وَحَقٌّ هِيَ طُرُقُكَ، يَا مَلِكَ ٱلْقِدِّيسِينَ !مَنْ لَا يَخَافُكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُ ٱسْمَكَ؟ لِأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ، لِأَنَّ جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ سَيَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ، لِأَنَّ أَحْكَامَكَ قَدْ أُظْهِرَتْ».إنَّ قلبَ وروحَ هذه التَّرنيمة، ترنيمةُ موسى، يتردَّدُ صداها بالحقِّ وسط شعبِ الله، الَّذي يُريد أن يُسبَّحَ ويُشكَرَ من أجلِ كُلِّ الصَّلاح والإحسان الَّذي قدَّمَهُ لِشَعبهِ. لقد رنَّموا ونُصبَ أعيُنهم خلاصَهم وانتصارَهُم ودفاعَهُم وثِقتَهُم.
- “إنَّه لَواضِحٌ، آنذاك، من التَّلميحات الوفيرة لهذه التَّرنيمة في الكُتُب الـمُقدَّسة، بأنَّها مليئة بالمعاني الرُّوحيَّة الـمُهمَّة. فهي تُعلِّمُنا لا أن نُسبِّحَ الله فقط نسبةً إلى الخروج الحرفيّ من مصرَ، بل أيضًا من أجلِ إزاحتهِ كُلَّ قوَّاتِ الشرِّ، ومن أجلِ الخلاص النِّهائيّ لِكُلِّ الـمُختارين.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (١٩-٢١): تقودُ مريم، أُختُ موسى، النِّساءَ في العبادَة.
١٩فَإِنَّ خَيْلَ فِرْعَوْنَ دَخَلَتْ بِمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ إِلَى ٱلْبَحْرِ، وَرَدَّ ٱلرَّبُّ عَلَيْهِمْ مَاءَ ٱلْبَحْرِ. وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى ٱلْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ. ٢٠فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ ٱلنَّبِيَّةُ أُخْتُ هَارُونَ ٱلدُّفَّ بِيَدِهَا، وَخَرَجَتْ جَمِيعُ ٱلنِّسَاءِ وَرَاءَهَا بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ. ٢١وَأَجَابَتْهُمْ مَرْيَمُ: «رَنِّمُوا لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. ٱلْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي ٱلْبَحْرِ».
- مَرْيَمُ ٱلنَّبِيَّةُ أُخْتُ هَارُونَ: إنَّ هذا هو الذِّكر الأوَّل لِـ مَريم بالإسم، وهي تُوصَف بِـ أُختِ هارون، لذلك فهيَ أيضًا أُختُ موسى (خروج ١٤:٤).
- يبدو بأنَّ عدد ٥٩:٢٦ يُشيرُ إلى أنَّ موسى كان له أُختًا واحِدَة. نحنُ نعلَم بأنَّها أُختُهُ التي كانت تُراقِب سلَّة السِّفطِ حيث كان موسى موضوعًا فيها على ضفافِ نهر النِّيل من أجلِ الحفاظِ على حياتهِ (خروج ٤:٢). وهي التي رتَّبت استئجار أُمِّ موسى البيولوجيَّة لِتعتَنيَ به. بالإعتمادِ على سفر العدد ٥٩:٢٦، يُمكِنُنا القَول بأنَّ هذه هي لَرُبَّما – أو بشكلٍ شبه مُؤكَّد – مريم؛ الأُخت الكُبرى لِمُوسى.
- مَرْيَمُ ٱلنَّبِيَّةُ: نرى أيضًا بأنَّ مريم كان لها نوعٌ من الهبَة النَّبويَّة. ولاحِقًا، استخدَمت هذه الموهِبَة في موقعها القياديّ بشكلٍ غير حكيمٍ أو تقَويّ – ذلك من أجلِ تحدِّي سُلطَة موسى (سفر العدد ١٢).
- وَخَرَجَتْ جَمِيعُ ٱلنِّسَاءِ وَرَاءَهَا بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ: في هذه المناسبة، قادَت مريم النِّساء اللَّواتي خرجنَ وراءها في جوقةٍ راقِصَة وبِدُفوف.
ثانيًا. تحوَّلت المياه الـمُرَّة إلى مياهٍ عَذبَة
أ ) الآية (٢٢): ثلاثةُ أيَّامٍ في البرِّيَّة.
٢٢ثُمَّ ٱرْتَحَلَ مُوسَى بِإِسْرَائِيلَ مِنْ بَحْرِ سُوفَ وَخَرَجُوا إِلَى بَرِّيَّةِ شُورٍ. فَسَارُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً.
- ثُمَّ ٱرْتَحَلَ مُوسَى بِإِسْرَائِيلَ … وَخَرَجُوا إِلَى بَرِّيَّةِ شُورٍ: لقد قادَهُم رَجُلُ الله، لكنَّه قادَهُم بطريقةٍ غير اعتياديَّة. كانت بَرِّيَّةُ شُورٍ خارجَ نطاق الطَّريق الرَّئيسيَّة للتِجارَة الـمُجاوِرَة للبحر.
- فَسَارُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً: ثلاثةُ أيَّامٍ ليست بذلك الوقت الطَّويل. لكنَّها كافية لِنِسيان الإنتصارِ العظيم وقوَّةِ الله. والآن، يُواجِه إسرائيل رحلةً طويلَة في وسطِ صحراءٍ صعبة وقاحِلة.
- “ثلاثةُ أيَّامٍ هي أقصى ما يُمكِن أن يتحمَّلَهُ جسمُ الإنسان بدونِ ماءٍ في الصَّحراء.” باكنغهام (Buckingham).
- “لقد اكتشفَ المصريُّون مياهًا كافية، مياهًا فائضَة، ذلك لأنَّهم غرِقوا في مياهِ البحرِ، لكنَّ الإسرائيليِّين المحبوبينَ لَم يكُن لهُم أيُّ ماءٍ. وهكذا هو الأمرُ بالنِّسبة إلى الرَّجُل الشرِّير؛ فهو غالِبًا يمتلِكُ الكثير من الغنى، والكثير الكثير منه، لِدَرجةِ غَرَقِهِ في الملذَّات الجسديَّة واختفائهِ في فيضان البحبوحَة.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٢٣-٢٥أ): تحوَّلت المياه الـمُرَّة إلى عَذبَة في مارَّة.
٢٣فَجَاءُوا إِلَى مَارَّةَ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنْ مَارَّةَ لِأَنَّهُ مُرٌّ. لِذَلِكَ دُعِيَ ٱسْمُهَا «مَارَّةَ». ٢٤فَتَذَمَّرَ ٱلشَّعْبُ عَلَى مُوسَى قَائِلِينَ: «مَاذَا نَشْرَبُ؟» ٢٥فَصَرَخَ إِلَى ٱلرَّبِّ. فَأَرَاهُ ٱلرَّبُّ شَجَرَةً فَطَرَحَهَا فِي ٱلْمَاءِ فَصَارَ ٱلْمَاءُ عَذْبًا. هُنَاكَ وَضَعَ لَهُ فَرِيضَةً وَحُكْمًا.
- وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنْ مَارَّةَ لِأَنَّهُ مُرٌّ: لقد بدَت وكأنَّها مَزحَةٌ ثقيلَة – فبعدَ ثلاثةِ أيَّامٍ بدونِ ماء، أتوا أخيرًا إلى مياهٍ – ووجدوا أنَّ المياه غير صالِحة للشُّربِ.
- فَصَرَخَ إِلَى ٱلرَّبِّ. فَأَرَاهُ ٱلرَّبُّ شَجَرَةً: باتِّباعهِ إرشادَ الله، حوَّلَ موسى المياه الـمُرَّة إلى عَذبَة وهكذا وجدَ إسرائيل ماءً في البرِّيَّة.
- “أعتقِد، لَو كنتُ هُناك، بأنَّني كنتُ سأقترِحُ على موسى أن يستخدِمَ العصا التي لهُ. أليسَ بواسطتها قد شُقَّ البحر الأحمَر؟ لِما لا تُوضَعُ هذه العصا في الماء، وتُحرَّك، وتتحوَّل إلى عَذبَة؟ وأوَّاه، نعم، أنت تعرِف، إنَّنا دائمًا ميَّالون لاستخدامِ الوسائل القديمة! لكنَّ الله، وهو الـمُتسلِّط، يعمَل بما يُسرُّ به.” سبيرجن (Spurgeon)
- في عَمَلِهِ الـمُتعلِّق برحلةِ الخروج، يشرَح باكنغهام كيفيَّة حدوثِ ذلك. إنَّ الكيميائيَّات الموجودَة في السَّائل السَّاري من الغُصنِ المكسور، قد جذبَت الـمُحتوى من المعادِن إلى أسفَل البُرَك تارِكةً وراءَها المياه العَذبَة إلى فوق.
- يُعتقَدُ أيضًا بأنَّه على الرغمِ من أنَّ المياه الآن هي صالِحَة للشُّرب، فقد كانت لا تزال تحتوي على كمِّيَّة عالِيَة من المغنيزيوم والكالسيوم. فتأثيرُها الـمُليِّن سَيُساهِمُ في تنظيف الجهاز الـمَعويّ لأولادِ إسرائيل، مُطهِّرًا إيَّاهُم من الأمراض المصريَّة الشَّائِعة مثل الزُّحار الأميبيّ ومرَض البلهارسيا، الَّذي هو مرَضٌ مُضعِف شائعٌ بين الفلَّاحين. بالإضافةِ إلى ذلك، فإنَّ الكالسيوم والمغنيزيوم يُشكِّلانِ معًا أساس عقَارٍ أو دواءٍ اسمهُ الدُّولوميت – وهو دواءٌ أو معدَنٌ يُستخدَم من قِبَل الرِّياضيِّين كَمُحسِّنٍ للأداء في الأجواء الحارَّة. ففي مارَّة، لقد وفَّر الله العلاج الطبِّيَّ الـمُناسِب لِتَطهير أجهِزَتهم ولِتحضيرهم إلى رحلةٍ طويلة وحامية.
- يُمكِنُنا القَول، بأنَّ الله لَم يكُن فقط مُهتَمًّا في إصعادِ بَني إسرائيل من أرضِ مصرَ، بل كان مُهتمًّا أيضًا بإصعادِ أو إخراجِ مصرَ من بَني إسرائيل – مادِّيًّا وروحيًّا في آنٍ معًا.
- شَجَرَة: “سَعِدَ الـمُفسِّرون في القرون الوسطى لِرؤيةِ مَرجَعٍ هُنا عن الصَّليب، حيث أكثرُ مياهِ الحياة مرارةً تتحوَّل إلى مياهٍ عَذبَة.” كُول (Cole)
ج) الآيات (٢٥ب-٢٧): امتحانُ إسرائيل.
٢٥… وَهُنَاكَ ٱمْتَحَنَهُ. ٢٦فَقَالَ: «إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ، وَتَصْنَعُ ٱلْحَقَّ فِي عَيْنَيْهِ، وَتَصْغَى إِلَى وَصَايَاهُ وَتَحْفَظُ جَمِيعَ فَرَائِضِهِ، فَمَرَضًا مَا مِمَّا وَضَعْتُهُ عَلَى ٱلْمِصْرِيِّينَ لَا أَضَعُ عَلَيْكَ. فَإِنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ شَافِيكَ». ٢٧ثُمَّ جَاءُوا إِلَى إِيلِيمَ وَهُنَاكَ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَ مَاءٍ وَسَبْعُونَ نَخْلَةً. فَنَزَلُوا هُنَاكَ عِنْدَ ٱلْمَاءِ.
- وَهُنَاكَ ٱمْتَحَنَهُ: لقد امتَحَنَ الله إسرائيل بإعطائهم وصيَّةً للطَّاعة. عندما يطلُبُ الله منَّا القيامَ بأمرٍ ما، فهو يمتحِنُنا فعلًا. فطاعتُنا تُحدِّد نجاحَنا أو فشَلَنا.
- بالإمتحانِ يجبُ تحديدُ ما إذا كان بَنُو إسرائيل شعبًا عابِدًا يتذمَّر بين الفِينة والأُخرَى، أو أنَّهم شعبٌ مُتذمِّر يعبُدُ بين الفِينة والأُخرَى. ستتكشَّف طبيعتهم الحقيقيَّة في أوقات الإمتحان.
- فَمَرَضًا مَا مِمَّا وَضَعْتُهُ عَلَى ٱلْمِصْرِيِّينَ لَا أَضَعُ عَلَيْكَ: كان هذا وعدَ الله لأُمَّة إسرائيل الـمُطيعة. ففي طرُقٍ عدَّة، كانت صحَّةُ أجسادهم مُرتبِطَة بشكلٍ وثيق بطاعتهم.
- لاحَظَ الدُّكتور س. ع. ماكميلين (S.I. McMillen) في كتابِهِ: ’لا شيءَ من هذه الأمراض‘ بأنَّ الكثير من شرائع الله لإسرائيل كان لها الأثرُ الـمُباشِر على النَّظافةِ والصحَّة. فالعديد من الـمُمارسات مثل الختان والعَزل والغَسل في مياهٍ جارية وتناول الطَّعام الـمُباح أكلُهُ، جميعها ساهمت في إحداثِ تغيير طبِّيٍّ فعليّ في حفظِ إسرائيل وخُلوِّهِم من أيِّ مرَض.
- إذا نظرنا إلى ما هو أبعَد من الآثار الطبِّيَّة، فالطَّاعةُ تعني أيضًا أنَّنا في سلامٍ مع الله – وخالينَ من كَمٍّ هائلٍ من الضَّغط والقلَق في الحياة. هذا لهُ منافِعُ واضِحةٌ على الصِّحَّةِ لأيِّ إنسان.
- “كانت هذه العجيبة مُرتبِطَة بوَعد؛ بمعنًى ما، من الآن فصاعِدًا، إنَّ الطَّاعةَ للوصايا والقوانين سَتجلِب الشِّفاء، جسديًّا وأخلاقيًّا في آنٍ معًا.” كايزر (Kaiser)
- كانت مارَّة مكانًا للمرارةِ والإمتحان، لكن بسبب أنَّ إسرائيل قد تحمَّلَ وأخذَ وِفرًا من الله، فالصَّادِقون الحقيقيُّون غَنِموا من وقتهم فيها. فقد تعلَّموا الصَّلاة وعدم الثِّقة بالنَّفس والإعتماد اليوميّ والطَّاعة وحتَّى اسمًا جديدًا لله.
- لقد رَبِحَ إسرائيل بواسطة امتحانهم في مارَّة.
- لقد رَبِحَ إسرائيل بواسطة اختبارهم في مارَّة.
- لقد رَبِحَ إسرائيل بواسطة تعَلُّمهم في مارَّة.
- ثُمَّ جَاءُوا إِلَى إِيلِيمَ وَهُنَاكَ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَ مَاءٍ وَسَبْعُونَ نَخْلَةً: بعدَ وقتِ امتحانهم، كان للهِ وقتٌ مُنعِشُ لأجلِ شعبِهِ إسرائيل. لقد عَلِمَ بالضَّبط ما يحتاجونَهُ، وعَلِمَ أيضًا متى يمتحِنُهُم ومتى يُريحُهُم.
- كانت إيليم رائعة – مكانًا للوِفرَة حيث يتواجَد ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَ مَاءٍ وَسَبْعُونَ نَخْلَةً. رغمًا من ذلك، فقد كان هُناك إعلانٌ جديدٌ من الله في إيليم كما في مارَّة، حيث أظهر الله نفسَهُ كَيهوه الشَّافي.
- “لَم يشهَد إسرائيل أيَّة عجيبةٍ في إيليم. فقد كانت هُناك أعيُن ماءٍ وأشجار نخيل؛ لكن، لَم يكُن هُناك من عجيبة، ولا أيُّ تغييرٍ عجائبيّ من الـمُرِّ إلى العَذبِ؛ ولَم يكُن هُناك أيضًا من شريعةٍ أو طقسٍ أو وعدٍ ولا حتَّى أيَّ إعلانٍ عن الله، ولا اسمًا جديدًا لِيَهوه هُناك.” سبيرجن (Spurgeon)