خروج ٣٤
تجديدُ العهد
أولًا. يجتَمِع موسى مع الله مُجدَّدًا على الجبل.
أ ) الآيات (١-٤): يدعو الله موسى إلى الصُّعودِ إلى جبل سيناء مرَّةً أُخرى.
١ ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «ٱنْحَتْ لَكَ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ مِثْلَ ٱلْأَوَّلَيْنِ، فَأَكْتُبَ أَنَا عَلَى ٱللَّوْحَيْنِ ٱلْكَلِمَاتِ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَى ٱللَّوْحَيْنِ ٱلْأَوَّلَيْنِ ٱللَّذَيْنِ كَسَرْتَهُمَا .٢ وَكُنْ مُسْتَعِدًّا لِلصَّبَاحِ. وَٱصْعَدْ فِي ٱلصَّبَاحِ إِلَى جَبَلِ سِينَاءَ، وَقِفْ عِنْدِي هُنَاكَ عَلَى رَأْسِ ٱلْجَبَلِ .٣ وَلَا يَصْعَدْ أَحَدٌ مَعَكَ، وَأَيْضًا لَا يُرَ أَحَدٌ فِي كُلِّ ٱلْجَبَلِ. ٱلْغَنَمُ أَيْضًا وَٱلْبَقَرُ لَا تَرْعَ إِلَى جِهَةِ ذَلِكَ ٱلْجَبَلِ» .٤ فَنَحَتَ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ كَٱلْأَوَّلَيْنِ. وَبَكَّرَ مُوسَى فِي ٱلصَّبَاحِ وَصَعِدَ إِلَى جَبَلِ سِينَاءَ كَمَا أَمَرَهُ ٱلرَّبُّ، وَأَخَذَ فِي يَدِهِ لَوْحَيِ ٱلْحَجَرِ.
١. ٱنْحَتْ لَكَ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ مِثْلَ ٱلْأَوَّلَيْنِ: كسرَ موسى المجموعة الأُولَى من لَوحَي الحجر، اللَّذيَن كُتِبا بإصبع الله (١٩:٣٢). لقد كسرَ اللَّوحَيْن لأنَّ إسرائيل قد كسرَ العهد.
٢. فَأَكْتُبَ أَنَا عَلَى ٱللَّوْحَيْنِ ٱلْكَلِمَاتِ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَى ٱللَّوْحَيْنِ ٱلْأَوَّلَيْنِ ٱللَّذَيْنِ كَسَرْتَهُمَا: بعد خطيَّتهم العظيمة مع العجل الذَّهبيّ (خروج ٣٢)، تضرَّعَ موسى من أجلِ إسرائيل، وتابَ إسرائيل واستُعيدَ للرَّبِّ. لقد كان مُناسِبًا إعطاءُ لَوحَي حجرٍ جديدَين.
٣. وَلَا يَصْعَدْ أَحَدٌ مَعَكَ … ٱلْغَنَمُ أَيْضًا وَٱلْبَقَرُ لَا تَرْعَ إِلَى جِهَةِ ذَلِكَ ٱلْجَبَلِ: عندما تكلَّم الله أوَّلًا عن الوصايا العشر لإسرائيل على جبل سيناء، فقد أمرهم بعدم الإقتراب إلى الجبل (خروج ١٢:١٩-١٣). وفي هذا العطاء الثَّاني للوصايا، كان يجب عليهم أيضًا البقاءَ بعيدًا، جميعهم باستثناء موسى.
تصرَّف موسى أيضًا كَوَسيطٍ بين الله والنَّاس. لَم يستطِع الشَّعب بأن يتعامَل مع الله بشكلٍ مُباشر، ذلك بسببِ خطيَّتهم وعصيانهم. لذلك بنى موسى جسرًا لكي يردِمَ تلك الهُوَّة بين النَّاس والله.
ب) الآيات (٥-٦أ): إعلانُ حضورِ الله لِمُوسى.
٥ فَنَزَلَ ٱلرَّبُّ فِي ٱلسَّحَابِ، فَوَقَفَ عِنْدَهُ هُنَاكَ وَنَادَى بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ .٦ فَٱجْتَازَ ٱلرَّبُّ قُدَّامَهُ،
١. فَنَزَلَ ٱلرَّبُّ فِي ٱلسَّحَابِ، فَوَقَفَ عِنْدَهُ هُنَاكَ: إنَّ السَّحابةَ المذكورة كانت من دونِ شكٍّ سحابةَ المجدِ المعروفة باسمِ الشَّكينة. لقد ذُكِرَت هذه السَّحابة مرَّاتٍ عدَّة في الكتاب المقدَّس:
لقد غطَّت جبلَ سيناء (خروج ١٦:١٩).
لقد رافقت إسرائيل خلال النَّهار (خروج ٢١:١٣-٢٢).
لقد وقفت عند خيمة موسى (خروج ٩:٣٣-١٠).
لقد ملأت هيكلَ سُليمان بالمجد (٢ أخبار الأيَّام ٢:٧).
لقد طغَت على، أو غمرت، مريم عند حَبَلِها بيسوع (لوقا ٣٥:١).
لقد كانت موجودَة عندما تغيَّرت هيئَةُ يسوع على جبل التَّجلِّي (لوقا ٣٤:٩-٣٥).
سوف تكون موجودة عند عودَة يسوع ثانيةً (رؤيا ٧:١).
ü فَوَقَفَ عِنْدَهُ هُنَاكَ: بطريقةٍ ما، ظهر الله لِمُوسى فِي ٱلسَّحَابِ عند جبل سيناء. لقد كان هذا هو الأمر الَّذي سألَهُ موسى عندما قالَ: أَرِنِي مَجْدَكَ (خروج ١٨:٣٣).
٢. وَنَادَى بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ: يعني هذا الأمرُ بأنَّ الله أظهرَ شخصيَّتَهُ لِمُوسى. فالجوانب الخاصَّة لِشَخصيَّتهِ لَمَذكورة في هذا المقطَع، مع ذلك، فهي أكثر بكثيرٍ من مُحاضرةٍ عن طبيعة الله. لقد اختبرَ موسى شخصيَّة الله بشكلٍ مُؤثِّرٍ ودراماتيكيّ.
٣. فَٱجْتَازَ ٱلرَّبُّ قُدَّامَهُ: كما قامَ موسى بعمَلِ ما طلبَهُ الله في خروج ٢١:٣٣-٢٣، هكذا اختبَرَ ما قالَهُ لله. مَخفيٌّ في نُقرةٍ من الصَّخر، رأى موسى ’وراءَ‘ الرَّبِّ – لأكبرِ قدَرٍ مُمكنٍ من مجدِ الله.
في سفر
الخروج ١٨:٣٣، سألَ موسى بصلابة: أَرِنِي مَجْدَكَ. وبعد ذلك، وعد الله بإظهارِ حضورهِ لِمُوسى (خروج ١٩:٣٣-٢٣)، أو بقدَرِ ما يُمكن أن يتحمَّلَهُ موسى في اختبارِه.
ج) الآيات (٦ب-٧): إعلانُ شخصيَّة الله لِمُوسى.
وَنَادَى ٱلرَّبُّ: «ٱلرَّبُّ إِلَهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ ٱلْغَضَبِ وَكَثِيرُ ٱلْإِحْسَانِ وَٱلْوَفَاءِ .٧ حَافِظُ ٱلْإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ ٱلْإِثْمِ وَٱلْمَعْصِيَةِ وَٱلْخَطِيَّةِ. وَلَكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً. مُفْتَقِدٌ إِثْمَ ٱلْآبَاءِ فِي ٱلْأَبْنَاءِ، وَفِي أَبْنَاءِ ٱلْأَبْنَاءِ، فِي ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ وَٱلرَّابِعِ».
١. وَنَادَى: لقد قالَ الله هذا لِمُوسى، مُظهِرًا شخصيَّتهُ لهُ بالكلِمات؛ لقد نَادَى بها لِمُوسى. وعند حدوثِ هذا، كان لدى موسى خبرةٌ روحيَّةٌ قويَّة، غنيَّة بالمشاعر والعاطفة. ومع ذلك، فإنَّ الله لا يُريد أن يكون إعلانَهُ من خلالِ الشُّعور والعاطفة فقط، بل في التَّواصل مع الشخص بأكمَلِهِ من خلالِ كلمَتِهِ.
٢. ٱلرَّبُّ: ٱلرَّبُّ إِلَهٌ: إنَّ هذا الإسم – يهوه – كان نفس الإسم لله الَّذي عرَفَهُ إبراهيم وإسحاق ويعقوب؛ لَم يكُن هذا إعلانًا جديدًا عن الله. لقد قدَّم نفسَهُ كالإلَه الأبديّ الثَّابت وغير القابِل للتَّغيير.
“يُعبِّر الإسم يهوه عن كُلِّ ما هوَ وما يقومُ بفعلِهِ، وهذا هو إعلان الله الشخصيّ الَّذي يتضمَّن: إعلانًا عن الأعمال الـمُخلِّصَة لله، وإظهارًا لِمَن هو بالفعل لموسى.” كُول (Cole)
يجب أن تكون معرفة الله هي المصلحة النَّشِطة لكلِّ إنسانٍ، وخاصَّةً لكلِّ مسيحيّ. “لقد قالَ أحدُهُم بأنَّ ’الإنسان هو الدِّراسة الصَّحيحة للبشريَّة.‘ لَن أُعارِضَ هذه الفكرة، لكنَّني أعتقِدُ بأنَّه صحيحٌ أيضًا أن نقول بأنَّ الدِّراسة الصَّحيحة لمختاري الله هي الله؛ والدِّراسة الصَّحيحة للمسيحيّ هي اللَّاهوت. إنَّ العِلمَ السَّامي والتَّخمين أو التَّكهُّن الأعلَى والفلسفة الأقدَر التي يُمكنُها أن تجذبَ انتباهَ ابنِ الله، لَهِيَ جميعها في: اسمِ، طبيعةِ، شخصِ، عمل ووجودِ الله العظيم الَّذي يدعوه أباه.” سبيرجن (Spurgeon)
“إنَّ إعلان الرَّبِّ عن نفسهِ مُستهَلٌّ بتكرار اسمهِ: ’الرَّبُّ، الرَّبُّ،‘ مُكرَّرة لَرُبَّما لِتَوكيدِ عدم تغيُّرِهِ.” كايزر (Kaiser)
٢. رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ: من الأفضلِ ترجمة كلِمة رَحِيمٌ على الشَّكل التَّالي: مملوءٌ بالرَّحمة. ففي خمسٍ من أصلِ ١٣ مرَّة استُخدِمَت فيها، تُرجِمَت هذه الكلِمة: مملوءٌ بالرَّحمة في نسخة الكتاب الـمُقدَّس الجديدة للملِك جيمس (NKJV). كتبَ ف. ب. ماير (F.B. Meyer)، “إنَّ الكلِمة تعني: ’يرثي بحنان.‘”
لقد استُخدِمَت نفس الكلِمة بالنِّسبة إلى إسرائيل في مزمور ٣٨:٧٨، أَمَّا هُوَ فَرَؤُوفٌ، يَغْفِرُ ٱلْإِثْمَ وَلَا يُهْلِكُ. وَكَثِيرًا مَا رَدَّ غَضَبَهُ، وَلَمْ يُشْعِلْ كُلَّ سَخَطِهِ. هذه هي الرَّحمة في العمل.
إنَّ الكلِمة الـمُترجمَة رَؤُوفٌ ترجِع إلى الفكرة “للانحناءِ أو الانحدارِ بلُطفِ إلى مَن هو أدنى؛ لِتَفضيل، أو لِيَمنح” إروين (Erwin). إنَّها النِّعمة، العطاء لِمَن لا يستحقُّها.
يقول ف. ب. ماير (F.B. Meyer) عن الكلِمة رَؤُوفٌ: “خرجت هذه الكلمة عن الموضة. لقد جمَّدَ آباؤنا استخدامها؛ جعلوها حجر أساس لِهَيكلٍ من الجرانيت، حيث أرواح البشَر لا تجدُ راحة، ولذلك نحن نخشى هذه الكلمة بالأحرى – النِّعمة. ومع ذلك، لا توجد كلمة في اللُّغَّة أعظم من الكلمة التي تشير إلى غير المستحقِّين، للعطيَّة المجَّانيَّة لِمَحبَّة الله.”
٣. بَطِيءُ ٱلْغَضَبِ وَكَثِيرُ ٱلْإِحْسَانِ وَٱلْوَفَاءِ: إنَّ الفكرة وراءَ الكلِمتَين بَطِيءُ ٱلْغَضَبِ تعني بأنَّ الله هو طويلُ الأناة وبطيءُ الغضَب. ليس لديه فتيلٌ قصير وهو صبورٌ معنا.
نعلم جميعًا كيف يكون التَّعامل مع الأشخاص الَّذين لديهم فتيلٌ قصير، أي قليلو الصَّبر – الَّذين يُهانونَ وحتَّى يغضبون عند أدنى إهانةٍ، أو أقلَّ خطأٍ مُتصوَّر. ليس الله هكذا؛ فهو بَطِيءُ ٱلْغَضَبِ.
“إنَّ إلهَ المجد العظيم هذا ليس كافيًا فحسب، بل كثير الكَثرة والوِفرة. لديه حظائر وصوامع مليئة بالحبِّ والإخلاص؛ يقوم بتكديسها في الشوارع بحثًا عن نظام توزيع.” إروين (Erwin)
٤. حَافِظُ ٱلْإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ ٱلْإِثْمِ وَٱلْمَعْصِيَةِ وَٱلْخَطِيَّةِ: يُظهِر الله صلاحَهُ تجاهنا في صفاتهِ المتسامِحَة.
ذُكِرت كلِماتُ ٱلْإِثْمِ وَٱلْمَعْصِيَةِ وَٱلْخَطِيَّةِ كيلا يعتقِدَ أحدٌ ما بوجودِ بعض أنواع الخطايا التي لا يستطيع الله بأن يغفرها.
هذا الكشف عن شخصيَّة الله لموسى، يُزيل إلى الأبد فكرة أنَّ هناك إلهًا سيِّئًا في العهد القديم. الأمر الَّذي يتناقض مع الله الصَّالح في العهد الجديد. إنَّ طبيعة محبَّة الله ورحمتهِ ونعمتهِ موجودةٌ في العهد القديم وكذلك في العهد الجديد.
يُكرِّر مزمور ١٥:٨٦ نفس هذا الإعلان عن الله: أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَإِلَهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ ٱلرُّوحِ وَكَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ وَٱلْحَقِّ.
٥. وَلَكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً: إذا رُفِضَت محبَّةُ الله ورُفِضَ غُفرانُهُ، فهو سيُعاقِب. وسيكون لهذا العقاب تداعياتٌ على الأجيال التي تكرهه (خروج ٥:٢٠).
إنَّ شخصيَّتَهُ الـمُحِبَّة والكريمة والمعطاءة لا تُلغي بِرَّهُ. فبسبب عمل يسوع، قد تمَّ إرضاءُ بِرِّ الله، وستُعطَى بذلك نعمة الله ورحمتهِ بالحقِّ.
“فِي ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ وَٱلرَّابِعِ: مُصطلَحٌ سامي مُشترَك للتَّعبير عن الإستمراريَّة.” كُول (Cole)
ج) الآيات (٨-٩): تجاوبُ موسى مع إعلان الله.
٨فَأَسْرَعَ مُوسَى وَخَرَّ إِلَى ٱلْأَرْضِ وَسَجَدَ .٩ وَقَالَ: «إِنْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ فَلْيَسِرِ ٱلسَّيِّدُ فِي وَسَطِنَا، فَإِنَّهُ شَعْبٌ صُلْبُ ٱلرَّقَبَةِ. وَٱغْفِرْ إِثْمَنَا وَخَطِيَّتَنَا وَٱتَّخِذْنَا مُلْكًا».
١. فَأَسْرَعَ مُوسَى وَخَرَّ إِلَى ٱلْأَرْضِ وَسَجَدَ: لقد كان ردُّ فعل موسى الأوَّل والأساسيّ هو العبادة ببساطة. عندما نتعرَّف على مَن هو الله ونختبِر حبَّه الكبير لنا، فهذا يدفعُنا عمليًّا، لأن نعبده أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.
“إنَّ عناصر شخصيَّة الله لَمُدهِشة، وهي تُشير إلى كُلٍّ من النِّعمة والحقِّ. لقد كان التَّأثير على موسى هو في السجود والصَّلاة.” توماس (Thomas)
بالفعل، لقد أَسْرَعَ مُوسَى لِيَسجُد. لقد أُجبِرَ على عبادتهِ عندما رأى بوضوحٍ مَن هو الله. عندما لا يكون لدينا دافعٌ مُقنِعٌ لعبادة الله، فهذا دليلٌ واضحٌ على أنَّنا لا نُقدِّرُ حقًا مَن يكون هو.
٢. إِنْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ فَلْيَسِرِ ٱلسَّيِّدُ فِي وَسَطِنَا: لقد طلبَ موسى بأن يمتدَّ صلاحُ الله ونعمتِهِ ورحمتِهِ إليه وإلى الأُمَّة. عرف موسى بأنَّهم لا يستحقُّون ذلك (فَإِنَّهُ شَعْبٌ صُلْبُ ٱلرَّقَبَةِ. وَٱغْفِرْ إِثْمَنَا وَخَطِيَّتَنَا)، لكنَّه طلب نعمةَ الله وليس عدلَه.
عندما نرى صلاح الله على حقيقتهِ، لا ينبغي لنا أن نتردَّد في مُطالبتنا بتوسيعه لنا. إذا علمنا بأنَّ الله صالحٌ، فعلينا إذًا أن نسأله بأن يكون صالحًا لنا. وإذا علمنا بأنَّه يغفر، فعلينا أن نسأله بأن يغفر لنا. لذلك، فإنَّ معرفة الله ليست مُمارسة سلبيَّة. فعندما نعرفهُ، سيقودنا ذلك إلى أن ننالَ من لدُنِه ما نسأله.
لقد ذهب موسى إلى أبعد من ذلك، حينما ذهب إلى أبعد من مُجرَّد طلب هذه الأشياء لنفسه. لقد طلبها أيضًا من أجلهم، نيابةً عن إسرائيل.
ثانيًا. تجديدُ العهدِ.
أ ) الآيات (١٠-١١): ما الَّذي سيفعلهُ الله من أجلِ إسرائيل؟
١٠ فَقَالَ: «هَا أَنَا قَاطِعٌ عَهْدًا. قُدَّامَ جَمِيعِ شَعْبِكَ أَفْعَلُ عَجَائِبَ لَمْ تُخْلَقْ فِي كُلِّ ٱلْأَرْضِ وَفِي جَمِيعِ ٱلْأُمَمِ، فَيَرَى جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي أَنْتَ فِي وَسَطِهِ فِعْلَ ٱلرَّبِّ. إِنَّ ٱلَّذِي أَنَا فَاعِلُهُ مَعَكَ رَهِيبٌ. ١١ «اِحْفَظْ مَا أَنَا مُوصِيكَ ٱلْيَوْمَ. هَا أَنَا طَارِدٌ مِنْ قُدَّامِكَ ٱلْأَمُورِيِّينَ وَٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ.
١. هَا أَنَا قَاطِعٌ عَهْدًا: كان هذا عهد الله الَّذي دُعيَ إسرائيل للإنضمام إليه. لَم يتفاوض على الشُّروط مع إسرائيل. بدلًا من ذلك، فقد أملى الشُّروط على شعبِ إسرائيل من خلال موسى.
٢. أَفْعَلُ عَجَائِبَ … فَيَرَى جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي أَنْتَ فِي وَسَطِهِ فِعْلَ ٱلرَّبِّ: كانت خُطَّةُ الله بأن يُمجِّد نفسه لجميع الأُمم (جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ) من خلالِ إسرائيل، ويُظهرَ مجدَهُ من خلال الأشياء العظيمة التي صنعها فيما بينهم وفي وسطهم.
كان لإسرائيل خيارٌ ما فيما يتعلَّق بهذه الأُمور العظيمة. إمَّا أن تكون الأشياء العظيمة بركاتٍ مُثيرة للإعجاب لدرجة أنَّ كلَّ أُمَّةٍ ستعرف بأنَّ الله وحدَهُ قد باركَ إسرائيل (كما كان الحالُ مع سُليمان). أو أنَّ الأشياء العظيمة ستكون لعناتٍ فظيعة لدرجة أنَّ كلَّ أُمَّةٍ ستعرف أنَّ الله قد أدَّبَ إسرائيل ومع ذلك أبقاهُم أُمَّة (كما كان الحالُ خلال السَّبي). في كلتَي الحالتين، سوف يُمجِّد الله نفسَهُ من خلال إسرائيل بين الأُمم.
بالتَّأكيد، لقد كان هذا أمرًا رائعًا وعدَ الله بفعلهِ مع إسرائيل. فَلِمَصلحتهم، كان من الضَّروريّ بمكانٍ ما، أن يطيعوا الله (اِحْفَظْ مَا أَنَا مُوصِيكَ ٱلْيَوْمَ) ويتمتَّعوا ببركاتِ طاعةِ العهد.
أَفْعَلُ عَجَائِبَ: “يبدو أنَّ هذا يُشير إلى ما فعله الله بوضعهِ إيَّاهُم في مكانٍ يُمكِّنهم من تملُّكِ أرض كنعان، الأمر الَّذي أدَّى إلى سقوط أسوار أريحا؛ وجعل الشمس والقمر يقفان ساكنَيْن، ]وإلى ما هُنالِك[.” كلارك (Clarke)
٣. هَا أَنَا طَارِدٌ: لقد وعد الله بأن يفعل ما لا يستطيع إسرائيل بأن يفعلَهُ بمفرده – طَرْدَ أُمم كنعان، والسَّماح لإسرائيل بامتلاكِ ما وعدهم الله به.
ب) الآيات (١٢-١٦): يجبُ أن ينفصِلَ إسرائيل عن الكنعانيِّين في: العبادة، السِّياسة، الشَّركة والزَّواج.
١٢ اِحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تَقْطَعَ عَهْدًا مَعَ سُكَّانِ ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي أَنْتَ آتٍ إِلَيْهَا لِئَلَّا يَصِيرُوا فَخًّا فِي وَسَطِكَ، ١٣ بَلْ تَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ، وَتُكَسِّرُونَ أَنْصَابَهُمْ، وَتَقْطَعُونَ سَوَارِيَهُمْ .١٤ فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِإِلَهٍ آخَرَ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ ٱسْمُهُ غَيُورٌ. إِلَهٌ غَيُورٌ هُوَ .١٥ اِحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تَقْطَعَ عَهْدًا مَعَ سُكَّانِ ٱلْأَرْضِ، فَيَزْنُونَ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ وَيَذْبَحُونَ لِآلِهَتِهِمْ، فَتُدْعَى وَتَأْكُلُ مِنْ ذَبِيحَتِهِمْ، ١٦ وَتَأْخُذُ مِنْ بَنَاتِهِمْ لِبَنِيكَ، فَتَزْنِي بَنَاتُهُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ، وَيَجْعَلْنَ بَنِيكَ يَزْنُونَ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ.
١. بَلْ تَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ، وَتُكَسِّرُونَ أَنْصَابَهُمْ، وَتَقْطَعُونَ سَوَارِيَهُمْ: كما ذكرنا سابقًا في خروج ٢٤:٢٣، لقد تبيَّن بأنَّ ثقافة الكنعانيِّين كانت فاسدة لدرجة أنَّها كانت تتخطَّى الفداء. لم يُرِد الله بأن يتحمَّل إسرائيل أيًّا من الممارسات الخاطئة الموجودة في ثقافة الكنعانيِّين.
“أن يُعبَدَ تمثالٌ بينما يُسمَّونهُ يهوه، فهذا ليس بعبادةِ يهوه.” كُول (Cole)
٢. فَيَزْنُونَ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ وَيَذْبَحُونَ لِآلِهَتِهِمْ: كان هناك ارتباطٌ واضحٌ بين عبادة الآلهة الكنعانيَّة والزِّنا. كان العديد من الآلهة الكنعانيَّة آلهة للخصوبة وكانوا يُعبَدون بطقوسِ الدَّعارةِ والجنس.
ج) الآية (١٧): يجبُ على إسرائيل بأن يتخلَّى عن عبادة الأصنام.
١٧ «لَا تَصْنَعْ لِنَفْسِكَ آلِهَةً مَسْبُوكَةً.
١. لَا … آلِهَةً مَسْبُوكَةً: إنَّ تكرارَ هذه الوصيَّة (الفكرة موجودة في سفر الخروج ٤:٢٠، الوصيَّة الثَّانية) ذات مغزًى خاص في ضوء كارثة العجل الذهبيّ. لا يُمكن لصورةٍ مُقولَبَة أو مسبوكة بأن تقترب من إظهار مجد الله، حتَّى ولَو بالمعنى الجزئيّ لما رآه موسى على جبل سيناء.
د ) الآية (١٨): يجبُ على إسرائيل الإحتفاظ بعيدِ الفطير.
١٨ تَحْفَظُ عِيدَ ٱلْفَطِيرِ. سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَأْكُلُ فَطِيرًا كَمَا أَمَرْتُكَ فِي وَقْتِ شَهْرِ أَبِيبَ، لِأَنَّكَ فِي شَهْرِ أَبِيبَ خَرَجْتَ مِنْ مِصْرَ.
١. عِيدُ ٱلْفَطِيرِ: مذكورٌ أوَّلًا في سفر الخروج ١٤:١٢-٢٠. تحدَّث هذا العيد عن الطَّهارة التي أرادها الله من إسرائيل أمامَهُ. عندما تمَّ التَّخلُّص من كُلِّ الخميرة – رمز الخطيَّة – سار إسرائيل في نقاءٍ رمزيّ.
هـ) الآيات (١٩-٢٦): شرائع مُتعدِّدة، مُعظمها تتعلَّق بانفصالِ إسرائيل عن سائر الأُمم والتصاقهم بالرَّبِّ.
١٩ لِي كُلُّ فَاتِحِ رَحِمٍ، وَكُلُّ مَا يُولَدُ ذَكَرًا مِنْ مَوَاشِيكَ بِكْرًا مِنْ ثَوْرٍ وَشَاةٍ .٢٠ وَأَمَّا بِكْرُ ٱلْحِمَارِ فَتَفْدِيهِ بِشَاةٍ، وَإِنْ لَمْ تَفْدِهِ تَكْسِرُ عُنُقَهُ. كُلُّ بِكْرٍ مِنْ بَنِيكَ تَفْدِيهِ، وَلَا يَظْهَرُوا أَمَامِي فَارِغِينَ .٢١ سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ، وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَتَسْتَرِيحُ فِيهِ. فِي ٱلْفَلَاحَةِ وَفِي ٱلْحَصَادِ تَسْتَرِيحُ .٢٢ وَتَصْنَعُ لِنَفْسِكَ عِيدَ ٱلْأَسَابِيعِ أَبْكَارِ حِصَادِ ٱلْحِنْطَةِ. وَعِيدَ ٱلْجَمْعِ فِي آخِرِ ٱلسَّنَةِ .٢٣ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ٱلسَّنَةِ يَظْهَرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ ٱلسَّيِّدِ ٱلرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ .٢٤ فَإِنِّي أَطْرُدُ ٱلْأُمَمَ مِنْ قُدَّامِكَ وَأُوَسِّعُ تُخُومَكَ، وَلَا يَشْتَهِي أَحَدٌ أَرْضَكَ حِينَ تَصْعَدُ لِتَظْهَرَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ٱلسَّنَةِ .٢٥ لَا تَذْبَحْ عَلَى خَمِيرٍ دَمَ ذَبِيحَتِي، وَلَا تَبِتْ إِلَى ٱلْغَدِ ذَبِيحَةُ عِيدِ ٱلْفِصْحِ .٢٦ أَوَّلُ أَبْكَارِ أَرْضِكَ تُحْضِرُهُ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ. لَا تَطْبُخْ جَدْيًا بِلَبَنِ أُمِّهِ».
١. لِي كُلُّ فَاتِحِ رَحِمٍ: هُنا، لقد كرَّر الله القوانين المتعلِّقة بالأبكار وبتكريسهم له، كما حُدِّدت في سفر الخروج ١١:١٣-١٣ و٢٩:٢٢-٣٠.
٢. وَلَا يَظْهَرُوا أَمَامِي فَارِغِينَ: لقد أعطى الله هذه الوصيَّة في سياق العمل اليوميّ (سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ) واعتبار الإحتفال (وَتَصْنَعُ لِنَفْسِكَ عِيدَ). الفكرة هي أنَّ كلَّ شخصٍ يجب أن يُخصِّص وقتًا للعمل وآخرَ للرَّبِّ.
من المناسب ببساطةٍ للمخلوق بأن يُكرِمَ الخالق من خلال العطاءِ له. ومن الأنسب بمكانٍ ما، بأن يُكرِمَ المفديُّون مُخلِّصَهُم بهذه الطريقة.
٣. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ٱلسَّنَةِ يَظْهَرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ ٱلسَّيِّدِ ٱلرَّبِّ: لقد أمر الله بأنَّ ثلاثة أعيادٍ كلَّ عامٍ (الفصح ويوم الخمسين وعيد خيمة الإجتماع) يجتمع فيها كلُّ رجُلٍ اسرائيليٍّ أمام الرَّبِّ (خروج ١٤:٢٣-١٧). هنا، لقد وعد الله بحمايةٍ خارقة للطَّبيعة لِشَعبِ إسرائيل المطيع حتَّى عندما كانوا يذهبون إلى الأعياد (وَلَا يَشْتَهِي أَحَدٌ أَرْضَكَ حِينَ تَصْعَدُ لِتَظْهَرَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ٱلسَّنَةِ).
وَلَا يَشْتَهِي أَحَدٌ أَرْضَكَ حِينَ تَصْعَدُ: “يا له من دليلٍ واضح على قوَّة الله وعنايته الخاصَّة! كم كان من السَّهل بمكانٍ ما على الأُمم المجاورة بأن تستوليَ على كلِّ أرض إسرائيل، مع كلِّ مُدنهم المحاطة بالأسوار، حيث لم يكن هناك ما أو مَن يحميهم سوى النِّساء والأطفال! ألَم يكُن هذا دليلًا ثابتًا على الأصل الإلهيّ لِدِينهم؟” كلارك (Clarke)
٤. لَا تَذْبَحْ عَلَى خَمِيرٍ دَمَ ذَبِيحَتِي: غالبًا ما يكون الفطير (الخميرة) صورةً للخطيَّة في الكتاب المقدس. لذلك تمَّ حَرْمُ إدخال أيِّ نوعٍ من الخميرة في ذبيحة الدَّم (كما حُدِّدَ سابقًا في سفر الخروج ١٨:٢٣).
٥. أَوَّلُ أَبْكَارِ أَرْضِكَ تُحْضِرُهُ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ: عندما جاء إسرائيل إلى كنعان، كانت لديهم مسؤوليَّة خاصَّة في تقديمِ تقدمةِ باكورةٍ لله، بالإضافة إلى تقدمةِ باكورةٍ مُنتظَمة (خروج ١٦:٢٣). إنَّ إعطاء الله الأوَّل والأفضل يُكرِّمُهُ، باعتبارهِ الـمُعطي الصَّالح لكلِّ شيء.
٦. لَا تَطْبُخْ جَدْيًا بِلَبَنِ أُمِّهِ: لقد كُرِّرَت هذه الوصيَّة من سفر الخروج ١٩:٢٣. كانت وصية بعدم تقليد طقوس الخصوبة الوثنيَّة القاسية التي يُمارسها الكنعانيُّون.
و ) الآيات (٢٧-٢٨): يُؤمَر موسى بالكتابة وهو قد حُفِظَ بشكلٍ عجائبيّ على جبل سيناء.
٢٧ وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «ٱكْتُبْ لِنَفْسِكَ هَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ، لِأَنَّنِي بِحَسَبِ هَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَكَ وَمَعَ إِسْرَائِيلَ» .٢٨ وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ ٱلرَّبِّ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً. فَكَتَبَ عَلَى ٱللَّوْحَيْنِ كَلِمَاتِ ٱلْعَهْدِ، ٱلْكَلِمَاتِ ٱلْعَشَرَ.
١. ٱكْتُبْ لِنَفْسِكَ هَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ: بما أنَّ عهدَ الله مع إسرائيل كان قائمًا على أساسِ هذه الكلمات وغيرها، فقد كان من الـمُهمِّ بمكانٍ ما أن يكتبها موسى. لا ينبغي تركها للذَّاكرة فقط.
٢. وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ ٱلرَّبِّ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً: لقد كان هذا صومًا فريدًا وخارقًا للطَّبيعة تمامًا. من الممكِن بالتَّأكيد (بل الرَّائع) أن يعيش شخصٌ ما بدون طعام لمدة ٤٠ يومًا. ولكن بأيِّ شكلٍ من الأشكال، إنَّها لَمعجزةٌ البقاء بدون ماءٍ لهذه الفترة الطَّويلة. لَم يتكرَّر هذا النَّوع من الصِّيام ولَم يُنصح به في الكتاب المقدَّس.
“من الـمُستحيل المبالغة في الأشياء الهائلة الـمُقترَحة في هذا البيان البسيط.” مورجان (Morgan). لقد كان دليلًا قويًّا على الحقيقة القائلة بأنَّه: لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلْإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ ٱللهِ.
٣. فَكَتَبَ عَلَى ٱللَّوْحَيْنِ كَلِمَاتِ ٱلْعَهْدِ، ٱلْكَلِمَاتِ ٱلْعَشَرَ: لقد وُضِعَت هذه الألواح في النِّهاية في تابوت العهد (تثنية ٥:١٠).
ثالثًا. وجهُ موسى البرَّاق.
أ ) الآيات (٢٩-٣٠): يلمعُ وجهُ موسى عند نزولهِ من جبل سيناء.
٢٩ وَكَانَ لَمَّا نَزَلَ مُوسَى مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ وَلَوْحَا ٱلشَّهَادَةِ فِي يَدِ مُوسَى، عِنْدَ نُزُولِهِ مِنَ ٱلْجَبَلِ، أَنَّ مُوسَى لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ جِلْدَ وَجْهِهِ صَارَ يَلْمَعُ فِي كَلَامِهِ مَعَهُ .٣٠ فَنَظَرَ هَارُونُ وَجَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى وَإِذَا جِلْدُ وَجْهِهِ يَلْمَعُ، فَخَافُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ.
١. أَنَّ مُوسَى لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ جِلْدَ وَجْهِهِ صَارَ يَلْمَعُ فِي كَلَامِهِ مَعَهُ: لقد أثَّرت الشَّركة الوثيقة مع الله على موسى جسديًّا. كان لوجههِ مظهرٌ لامعٌ وملحوظٌ، لدرجة أنَّ قادة وشعب إسرائيل كانوا يخشون الإقتراب منه (فَخَافُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ).
بعد هذا الصِّيام الإستثنائيّ، كنَّا نتوقع بأن يبدو موسى شاحبًا ومريضًا. لكن لا، فالعكس هو الصحيح؛ وبدلًا من ذلك، فقد صَارَ وَجْهِهُ يَلْمَعُ بإشراقٍ ومجدٍ عظيمَين لدرجة أنَّه جعل الآخرين يتردَّدون في الإقتراب منه.
صحيح أنَّ الحياة مع الله تُؤثِّر على المظهر الجسديّ، وخاصَّةً الوجه. يجب أن يظهر سلامُ الله وفرَحُهُ ومحبَّتُهُ وصلاحُهُ على وجه مَن يتبع يسوع. ومع ذلك ، فإنَّ ما اختبرهُ موسى يبدو خارجًا عن هذا المبدأ العام، ونتيجةً مُباشرةً لِتَواصلهِ الرَّائع مع الله (جِلْدَ وَجْهِهِ صَارَ يَلْمَعُ فِي كَلَامِهِ مَعَهُ).
كان تألُّقُ وجهِ موسى وإشراقهِ اللَّامع تألُّقًا عاكِسًا، ومجدًا مأخوذًا. لقد كان المصدر وجهَ الله، وبينما كان موسى يتواصل بشكلٍ مُباشرٍ مع الله، تلقَّى وجهَهُ بعضًا من هذا المجد السَّاطع. “لقد أشرقَ وجهُ موسى بسببِ تطلُّعه الطَّويل إلى وجهِ الله.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ جِلْدَ وَجْهِهِ صَارَ يَلْمَعُ: يا للرَّوعةِ، لَمْ يَعْلَمْ موسى بذلك. لم يكُن مُدرِكًا لعظمةِ إشراقهِ الرُّوحيّ. هذا لأن موسى كان رجلًا أصيلًا ومُتواضعًا للغاية (عدد ٣:١٢).
“يُدرك الناس بشكلٍ مُباشِر تفوُّقَهُم على الآخرين، ويتفاخرون بذلك. فمن المؤكَّد بأنهم لم يروا أبدًا جمال قداسة الله، وليس لديهم معرفةٌ واضحةٌ بحالةِ قلوبهم.” ماير (Meyer)
نقرأ عن رجُلَين فقط في الكتاب المقدَّس كان وجهاهُما يلمعان هكذا: موسى واستفانوس (أعمال الرُّسُل ١٥:٦). كلاهما كانا رجُلَين مُتواضِعَين. “أخشى، أيُّها الإخوة، بأنَّ الله لا يستطيع بأن يجعل وجوهنا تلمع. فهذا الأمرُ بحاجةٍ إلى روحِ وداعةٍ مُتواضعةٍ وهادئةٍ لِكي نستطيع أن نتحمَّل إشراقات الله.” سبيرجن (Meyer)
“نحن نُصلِّي دائما: ’يا ربُّ اجعَل وجهي لامعًا!‘ لكنَّ موسى لَم يكُن لديهِ مثلُ هذه الرَّغبة؛ لذلك عندما أشرق وجههُ، لَم يكُن يعلم ذلك. لم يكُن قد وضع خُطَطَهُ لمثل هذا الشَّرف. دعونا لا ننصب فخاخًا للسُّمعة الشخصيَّة، أو حتى نلقي نظرةً على فكرةٍ ما بهذه الطريقة.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٣١-٣٢): يربطُ موسى عهد الله بقادةِ إسرائيل.
٣١ فَدَعَاهُمْ مُوسَى. فَرَجَعَ إِلَيْهِ هَارُونُ وَجَمِيعُ ٱلرُّؤَسَاءِ فِي ٱلْجَمَاعَةِ، فَكَلَّمَهُمْ مُوسَى .٣٢ وَبَعْدَ ذَلِكَ ٱقْتَرَبَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَوْصَاهُمْ بِكُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ مَعَهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ.
١. فَدَعَاهُمْ مُوسَى. فَرَجَعَ إِلَيْهِ هَارُونُ وَجَمِيعُ ٱلرُّؤَسَاءِ فِي ٱلْجَمَاعَةِ: لقد ابتعدوا جميعًا عن موسى لأنَّ إشراق وجههِ قد أرهبهم بشدَّة. كان عليه بأن يُقنِعَهُم بالعودة – أوَّلًا الرُّؤساء في الجماعة، ومن ثمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ٱقْتَرَبَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
٢. فَأَوْصَاهُمْ بِكُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ مَعَهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ: اختبر موسى مجدًا وشركةً مُغيِّرة مع الله في سيناء. ومع ذلك، عندما نزل إلى الشَّعب، تشارك مرَّة أُخرى بشكلٍ مُباشر في عمل الحُكم والقيادة.
“ومن تلك التَّجربة عاد، ليس ليكون حالِـمًا، يُفكِّر ويتحدَّث عن نشوةٍ سابقة؛ لكن ليكون كما لم يحدث من قبل، رجُلَ شؤونٍ، يُوجِّه ويُسيطر على كلِّ الحياة الأرضيَّة وفقًا للمعايير التي تلقَّاها في الجبل.” مورجان (Morgan)
ج) الآيات (٣٣-٣٥): البُرقُع على وجهِ موسى.
٣٣ وَلَمَّا فَرَغَ مُوسَى مِنَ ٱلْكَلَامِ مَعَهُمْ، جَعَلَ عَلَى وَجْهِهِ بُرْقُعًا .٣٤ وَكَانَ مُوسَى عِنْدَ دُخُولِهِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ يَنْزِعُ ٱلْبُرْقُعَ حَتَّى يَخْرُجَ، ثُمَّ يَخْرُجُ وَيُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا يُوصَى .٣٥ فَإِذَا رَأَى بَنُو إِسْرَائِيلَ وَجْهَ مُوسَى أَنَّ جِلْدَهُ يَلْمَعُ كَانَ مُوسَى يَرُدُّ ٱلْبُرْقُعَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى يَدْخُلَ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ.
١. جَعَلَ عَلَى وَجْهِهِ بُرْقُعًا … وَكَانَ مُوسَى عِنْدَ دُخُولِهِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ يَنْزِعُ ٱلْبُرْقُعَ: في حضور الله (على الأرجح في خيمته الخاصَّة، التي أصبحت خيمة الإجتماع بحسبِ خروج ٧:٣٣)، كان موسى يخلع الحجاب أو البُرقُع. مع ذلك، بين النَّاس، فقد جَعَلَ عَلَى وَجْهِهِ بُرْقُعًا.
٢. جَعَلَ عَلَى وَجْهِهِ بُرْقُعًا: من السَّهل التَّفكير في أنَّ موسى قد لَبِسَ البُرقُع حتَّى لا يخاف الناس من الإقتراب منه (خروج ٣٠:٣٤). أو أنَّ الغرض من الحجاب هو حماية الآخرين من إشراقِ وجه موسى المجيد. لكنَّ الرَّسُول بولس شرح الغرض الحقيقيّ من البُرقُع: لا لإخفاءِ وجه موسى اللَّامع، ولكن حتَّى لا يتمَّ ملاحظةُ المجد الـمُتضائل لوجههِ، ذلك لأنَّ المجد كان يتلاشى باستمرار.
وَلَيْسَ كَمَا كَانَ مُوسَى يَضَعُ بُرْقُعًا عَلَى وَجْهِهِ لِكَيْ لَا يَنْظُرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى نِهَايَةِ ٱلزَّائِلِ (٢ كورنثوس ١٣:٣). كان للعهد القديم مجدٌ، لكنَّه كان مجدًا يتلاشى. لَم يكُن الله يريد بأن يرى الناس مجدَ العهد القديم المتلاشي ويفقدوا الثِّقة في موسى.
كان العهد القديم عظيمًا ومجيدًا – لكنَّه كان يبدو شاحبًا جدًّا مُقارنةً بالعهد الجديد. قد يبدو قمرُ الخريف المشرق جميلًا ويعطي ضوءًا رائعًا، لكنَّه لا يُقارن بشمس الظَّهيرة.