سفر الخروج – الإصحاح ١٤
عُبورُ البحر الأحمَر
أولًا. مُطاردة الجيش المصريّ
أ ) الآيات (١-٤): يستدرِج الله فرعون لمطاردة إسرائيل.
١وَكَلَّمَ ٱلرَّبُ مُوسَى قَائِلًا: ٢«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْجِعُوا وَيَنْزِلُوا أَمَامَ فَمِ ٱلْحِيرُوثِ بَيْنَ مَجْدَلَ وَٱلْبَحْرِ، أَمَامَ بَعْلَ صَفُونَ. مُقَابِلَهُ تَنْزِلُونَ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ. ٣فَيَقُولُ فِرْعَوْنُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: هُمْ مُرْتَبِكُونَ فِي ٱلْأَرْضِ. قَدِ ٱسْتَغْلَقَ عَلَيْهِمِ ٱلْقَفْرُ. ٤وَأُشَدِّدُ قَلْبَ فِرْعَوْنَ حَتَّى يَسْعَى وَرَاءَهُمْ، فَأَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَبِجَمِيعِ جَيْشِهِ، وَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ». فَفَعَلُوا هَكَذَا.
- مُقَابِلَهُ تَنْزِلُونَ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ: يُمكِنُنا القَول بأنَّ الله قد نصَبَ فخًّا لِفرعون. حتَّى بعد الرُّعب الَّذي تسبَّب به موت الأبكارِ، فقد كان تغييرُ قلبِ فرعون آنيًّا (حَتَّى يَسْعَى وَرَاءَهُمْ). لقد كان سبَّاقًا في ضربِ إسرائيل لـمَّا كانت الفرصة سانِحة له.
- هُمْ مُرْتَبِكُونَ فِي ٱلْأَرْضِ: لقد كان هذا بالضبط ما أرادَه الله لِفرعون بأن يعتقِدَه. فقد وجَّه الله موسى إلى قيادة إسرائيل في طريقٍ تبدو وكأنَّها مُرتبِكَة. لقد طلب الله من موسى وإسرائيل بأن يقوموا بعملِ شيءٍ يبدو مُربِكًا، وذلك لأنَّه سيتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ من خلالِ ذلك.
ب) الآيات (٥-٩): يُصمِّم فرعون على إجبار إسرائيل على العودة إلى مصر.
٥فَلَمَّا أُخْبِرَ مَلِكُ مِصْرَ أَنَّ ٱلشَّعْبَ قَدْ هَرَبَ، تَغَيَّرَ قَلْبُ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدِهِ عَلَى ٱلشَّعْبِ. فَقَالُوا: «مَاذَا فَعَلْنَا حَتَّى أَطْلَقْنَا إِسْرَائِيلَ مِنْ خِدْمَتِنَا؟» ٦فَشَدَّ مَرْكَبَتَهُ وَأَخَذَ قَوْمَهُ مَعَهُ. ٧وَأَخَذَ سِتَّ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ مُنْتَخَبَةٍ وَسَائِرَ مَرْكَبَاتِ مِصْرَ وَجُنُودًا مَرْكَبِيَّةً عَلَى جَمِيعِهَا. ٨وَشَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ حَتَّى سَعَى وَرَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَنُو إِسْرَائِيلَ خَارِجُونَ بِيَدٍ رَفِيعَةٍ. ٩فَسَعَى ٱلْمِصْرِيُّونَ وَرَاءَهُمْ وَأَدْرَكُوهُمْ. جَمِيعُ خَيْلِ مَرْكَبَاتِ فِرْعَوْنَ وَفُرْسَانِهِ وَجَيْشِهِ، وَهُمْ نَازِلُونَ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ عِنْدَ فَمِ ٱلْحِيرُوثِ، أَمَامَ بَعْلَ صَفُونَ.
- مَاذَا فَعَلْنَا حَتَّى أَطْلَقْنَا إِسْرَائِيلَ مِنْ خِدْمَتِنَا: كان هذا سؤالًا غريبًا يسألُهُ فرعون. لَم يكُن صعبًا الإعتقاد بوجود عشرةِ أسبابٍ جيِّدة على الأقلِّ – بشكلٍ خاص، عشرُ ضرباتٍ قويَّة – قد جعلت فرعون يُطلِق إسرائيل. يُظهِرُ هذا مدى سُرعتنا في نسيان ما قام به الله وأظهرَهُ.
- لَرُبَّما ظنَّ فرعون بأنَّ الضَّربات قد كانت حدودًا لِقُوَّةِ الله؛ والآن، يُمكِنهُ توجيه ضربةٍ ناجحة ضدَّ إسرائيل.
- هُناك تشبيهٌ لذلك في الحياة الرُّوحيَّة. نعتقِدُ أحيانًا بأنَّ الشَّيطان سيتركُنا وشأننا بسهولةٍ، أو نظنُّ بأنَّه عندما نترك مملكَتَهُ، فسَيَنسى أمرَنا. رغمًا من ذلك، وكما فعل فرعون بملاحقتهِ لإسرائيل، يسعى الشَّيطان في إثرنا، مُحاوِلا بأن يُبقينا ولَو في حدودِ نطاقه، آمِلًا تدميرَنا لَو أمكَنَ ذلك.
- فَشَدَّ مَرْكَبَتَهُ: “لَم تكُن هذه مُجرَّد مركبتهِ الشَّخصيَّة. فالمقصود هُنا، لَرُبَّما، ’مركباتِهِ،‘ كمجموعة.” كُول (Cole)
- وَأَخَذَ سِتَّ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ مُنْتَخَبَةٍ وَسَائِرَ مَرْكَبَاتِ مِصْرَ: كانت لِفرعون أفضلُ المصادِر العسكريَّة. وكانت المَرْكَبَاتُ الأكثر تعقيدًا من النَّاحية العسكريَّة نظرًا لِتَوفُّرِ هذه التِّكنولوجيا في ذلك الوقت. لَم يكُن لإسرائيل أيُّ شيءٍ سوى أنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ (كانوا) خَارِجينَ بِيَدٍ رَفِيعَةٍ.
- إنَّ الفكرة وراءَ الكلِمات العبريَّة بِيَدٍ رَفِيعَةٍ (ruwn yad) تتضمَّن العصيان في وجه السُّلطة (١ ملوك ٢٦:١١-٢٧). لقد كانت طبيعة إسرائيل العصيَّة مُناسِبة لـمَّا كانت مُوجَّهة ضدَّ فرعون وكلُّ ما يمثِّلُهُ؛ كانت غير مُناسبة لـمَّا وُجِّهَت نحو الرَّبِّ وموسى وكُلُّ ما كانا يُمثِّلانِهِ. إنَّ الـمُشكِلَة الأساسيَّة مع معظم الثَّائرين لَهِيَ في ثورتهم ضدَّ تلك الأُمور غير الجيِّدة أو الـمُناسِبَة.
ج) الآيات (١٠-١٢): ردَّةُ فعلِ بَني إسرائيل.
١٠فَلَمَّا ٱقْتَرَبَ فِرْعَوْنُ رَفَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عُيُونَهُمْ، وَإِذَا ٱلْمِصْرِيُّونَ رَاحِلُونَ وَرَاءَهُمْ. فَفَزِعُوِا جِدًّا، وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلرَّبِّ. ١١وَقَالُوا لِمُوسَى: «هَلْ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ قُبُورٌ فِي مِصْرَ أَخَذْتَنَا لِنَمُوتَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ؟ مَاذَا صَنَعْتَ بِنَا حَتَّى أَخْرَجْتَنَا مِنْ مِصْرَ؟ ١٢أَلَيْسَ هَذَا هُوَ ٱلْكَلَامُ ٱلَّذِي كَلَّمْنَاكَ بِهِ فِي مِصْرَ قَائِلِينَ: كُفَّ عَنَّا فَنَخْدِمَ ٱلْمِصْرِيِّينَ؟ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ نَخْدِمَ ٱلْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَنْ نَمُوتَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ».
- فَفَزِعُوِا جِدًّا: لقد كان خوفُهُم مُبرَّرًا. فبإمكانهم أن يرَوا الجيوش المصريَّة من جانبِ واحِد، والبحر الأحمَر من جانِبٍ آخَر. فقد بدا لهم بأن لا مجال للهروب.
- لقد قاد الله إسرائيل إلى ما بدا وكأنَّه يُشبِه الفخ. لَم تكُن هُناك من طريقٍ للهروب باستثناء تلك التي جاءَوا منها، والتي كان يُقفِلها الجيش المصريّ.
- “إنسانيًّا، يُمكِنهم التَّغلُّب بسهولةٍ على الإسرائيليِّين العُزَّل والـمُثقَلين الَّذين من غير الـمُفترَض أن يقوموا بأيَّة مُقاوَمة في وجه الفرسان والمركبات الحربيَّة.” كلارك (Clarke)
- “كان هُناك خيَارَين يُمكِن اللُّجوء إلى أحَدِهما: لَم يكُن مُمكِنًا بأن يضلُّوا الطَّريق، ذلك لأنَّهم يحتاجون لأن يشقُّوا البحر. ولا مجال للتَّجوُّل بعد الآن: فطريقهم مسدودة ولا يُمكِن أن يفوتَهم ذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلرَّبِّ: لقد قام إسرائيل بفعل الصَّواب. عندما نجدُ أنفسنا في أماكِن صعبة من دونِ مَهرَبٍ سهلٍ، يجب أن نصرُخَ إلى الله، ذلك لأنَّ “ٱللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي ٱلضِّيْقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا” (مزمور ١:٤٦).
- “لا نتعجَّبُ بتاتًا من خوف الشَّعبِ عندما نُفكِّرُ في ظروفهم.” مورجان (Morgan)
- هَلْ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ قُبُورٌ فِي مِصْرَ أَخَذْتَنَا لِنَمُوتَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: لقد كان مفهومًا خوفهم وصراخهم إلى الرَّبِّ. رغمًا عن ذلك، فإنَّ كلماتهم إلى موسى أظهرت قلَّة الإيمان وفقدان الثِّقة بالله. فليس هُناك من عقلٍ منطقيّ يقبل فكرةَ أنَّ موسى خطَّط لكلِّ ذلك في قيادة شعبِ إسرائيل إلى حَتفهم في البرِّيَّة.
- لَم يقُل أو يقُم موسى بأيِّ شيءٍ يدعم هذا الإتِّهام، لكنَّ شعبَ إسرائيل استمرَّوا بالتَّفكير بهذه الطَّريقة.
- “لقد استخفُّوا به باستخدامهم أكثرَ لهجةٍ ساخِرة مُمكِنَة (ذلك لأنَّ مصرَ كانت مُتخصِّصَة في القبور ولها حوالي ثلاثة أرباع الأراضي الـمُتوافِرَة كأماكِن للقبور).” كايزر (Kaiser)
- كُفَّ عَنَّا فَنَخْدِمَ ٱلْمِصْرِيِّينَ: لَم يمضِ على خروج إسرائيل أُسبوعًا وها هُم يُحرِّفون الماضي، مُعتقدين بأنَّهم سيكونون في حالٍ أفضلَ ممَّا هُم عليهِ الآن.
د ) الآيات (١٣-١٤): يردُّ موسى بشجاعةٍ كبيرة.
١٣فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «لَا تَخَافُوا. قِفُوا وَٱنْظُرُوا خَلَاصَ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ. فَإِنَّهُ كَمَا رَأَيْتُمُ ٱلْمِصْرِيِّينَ ٱلْيَوْمَ، لَا تَعُودُونَ تَرَوْنَهُمْ أَيْضًا إِلَى ٱلْأَبَدِ. ١٤ٱلرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ».
- لَا تَخَافُوا: في هذه اللَّحظة بالذَّات، لَم يكُن موسى يمتلِكُ أيَّ أدنى فكرةٍ عن كيف سيساعدهم الله في هذا الوضع. فإنَّ جُلَّ ما كان يعرفهُ هو أنَّ الله سوف يساعدهم حتمًا. بمعنًى آخَر، فقد عَلِمَ موسى بوجودهِ في هذا الوضع السيِّئ، لذا كان على الله بأن يقومَ بعملِ شيءٍ ما.
- عندما نرى بأنَّ مُساعدتنا هي فقط من الله، فنحن أكثرَ احتمالًا بأن نثِقَ به. ففي بعض الأحيان نرى بأنَّ تلك الأشياء الصَّغيرة – الأُمور التي نعتقِد بأنَّنا نستطيع القيامَ بها بقوَّتنا الخاصَّة – هي التي تجذبنا إلى أسفَل، وليست تلك الأُمور الكبيرة التي نعلَم بأنَّ الله سيقوم بها.
- قِفُوا: طلب موسى من شعبِ إسرائيل بأن يتوقَّفوا. إنَّ هذا غالِبًا ما يكون إرشادًا إلهيًّا للمُؤمِن في أوقات الشدَّة. فاليأسُ يشدُّكَ إلى أسفَل، مُعيقًا الوقوف. والخوف يقول لك بأن تنسحِبَ. ونفاذُ الصَّبرِ يقول لك أن تفعلَ شيئًا الآن. والإفتراض يجعلك تقفِز إلى البحر الأحمَر قبل أن يُشَق. بالرغم من كلِّ هذا، فإنَّ ما قالَه الله لإسرائيل غالِبًا يقوله لنا ببساطةٍ بأن نقِف وننتظر حتَّى إعلان خُطَّته.
- وَٱنْظُرُوا خَلَاصَ ٱلرَّبِّ: لَم يكُن موسى يُدرك ما سيقوم به الله. بالرغم من ذلك، فقد عرف ماذا ستكون النَّتيجة. لقد عَلِمَ بأنَّ الله سَيُخلِّص شعبَهُ، وأعداءَ الرَّبِّ سَيُدمَّرون. يُمكنه أن يقول لإسرائيل: “ٱلرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ.”
- “الخلاص مُستخدَمٌ هُنا مجازيًّا بمعنى نجاة الحياة، أو الإنتصار بدلًا من الحرب. وكُلَّما تدرَّجنا في العهد القديم، سيأخذ مفهوم ’الخلاص‘ بُعدًا روحيًّا وأقلَّ معنًى مادِّيًّا (مزمور ١٢:٥١)، بالرغم من أنَّ اللُّغَّة العبريَّة لَم تكُن مُدرِكَة لأيِّ فرقٍ بين الإثنَين.” كُول (Cole)
- لَا تَعُودُونَ تَرَوْنَهُمْ أَيْضًا إِلَى ٱلْأَبَدِ: إنَّ الفكرة خلفَ هذه العبارة تتضمَّن أكثر ممَّا هو ظاهرٌ لأوَّلِ وهلَة. لَرُبَّما تكلَّم موسى نسبةً إلى الأبديَّة بالإضافةِ إلى وقتهم الحاضِر.
ثانيًا. يقود الله إسرائيل عبرَ البحر الأحمَر
أ ) الآيات (١٥-١٨): تعليماتُ الله لِمُوسى: توقَّف عن الصَّلاة وابدأ بالعمَل.
١٥فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «مَا لَكَ تَصْرُخُ إِلَيَّ؟ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْحَلُوا. ١٦وَٱرْفَعْ أَنْتَ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ عَلَى ٱلْبَحْرِ وَشُقَّهُ، فَيَدْخُلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ عَلَى ٱلْيَابِسَةِ. ١٧وَهَا أَنَا أُشَدِّدُ قُلُوبَ ٱلْمِصْرِيِّينَ حَتَّى يَدْخُلُوا وَرَاءَهُمْ، فَأَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَكُلِّ جَيْشِهِ، بِمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ. ١٨فَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ حِينَ أَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ».
- مَا لَكَ تَصْرُخُ إِلَيَّ: أمام النَّاس، كان موسى مليئًا بالإيمان؛ أمام الله، صرخَ في صلاةٍ يائسة. كان هذا الأمرُ جيِّدًا، ذلك لأنَّه كان على موسى بأن يُظهِرَ ثقةً أمام الأُمَّة من أجل تشجيع إيمانهم.
- مَا لَكَ تَصْرُخُ إِلَيَّ: كان هذا الوقتُ وقتَ صلاة، ووقتًا للعمل. من الـمُمكِن أن يكون الأمرُ مُعاكِسًا لإرادة الله إذا توقَّفنا عن العمل وصلَّينا فقط في وضعٍ خاص. لقد كان هذا وقتًا للعمل، ويُمكِن لِمُوسى بأن يُصلِّي طوال الطَّريق.
- “هُناك وقتٌ للصَّلاة، لكن هُناك أيضًا وقتٌ للعمل المقدَّس. تتأقلَم الصَّلاة مع جميع الفصول، بالرغم من ذلك، الصَّلاةُ لا تكفي وحدَها، لأنَّه تأتي أوقاتٌ بين الفينة والأُخرى ستأخذ فيها الصَّلاة مركزًا ثانويًّا.” سبيرجن (Spurgeon)
- “هُناك أمرٌ أكثر من مُجرَّد صلاة يجب أن يُعمَل. لا ينبغي أن نَحِنَّ فقط إلى مُساعدة الله، بل أن نمشي قُدُمًا إلى الأمام مُهَيِّئين الطَّريق أمام مُساعدة الله.” ترَاب (Trapp)
- “هُناك خطيَّةٌ مُحبَّبة عند أحدِهِم، وهو مُذنِبٌ بها منذ أمَدٍ بعيد؛ لا يتخلَّى عنها، لكنَّه يقول بأنَّه سيُصَلِّي من أجلِها. يقول الله لهذا الإنسان: “’مَا لَكَ تَصْرُخُ إِلَيَّ؟ تخلَّ عن خطيَّتك؛ فهذه ليست قضيَّةً للصَّلاة من أجلِها، بل التَّوبةُ عنه.‘ يُجيب ذلك الرَّجُل: “كنت أطلُبُ التَّوبة.” يُمكنك أن تسأل أو تطلُبَ التَّوبة، لكنَّك يجب أن تُمارِسها.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَٱرْفَعْ أَنْتَ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ: كانت هذه تعليماتٍ بسيطةً مُتَّصِلَة بعجيبةٍ قديرة. وبنفس الأُسلوب، فإنَّ عجيبة الخلاص العُظمَى تحصُلُ بواسطة أعمالٍ بسيطة من جهَّتنا. وكما أنَّ عَصَا موسى لَم تكُن هي بالفعل مَن قام بالعجيبة، كذلك نحن لا نُخلِّص نفوسنا بما نعمله، لكنَّنا نتَّصِلُ بعجيبة الله الـمُخلِّصَة.
- “لا يُمكِن لِمُوسى ولا لعصاهُ أن يكونا أداتَين فعَّالتَين للإنجاز إلَّا من خلالِ الله الكُلِّيِّ القُدرة؛ لكن، كان من الضَّروريِّ بمكانٍ ما بأن يظهر والعصا معه، ذلك من أجلِ أن يُعطَى نعمةً في عيون الإسرائيليِّين، ولكي يرَوا بأنَّ الله قد أقامَهُ لِيَكونَ أداةً للخلاص.” كلارك (Clarke)
- فَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ: لَم ينتهِ الله بعد من جوابهِ لفرعون في خروج ٢:٥، عندما سأل فرعون: “مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَأُطْلِقَ إِسْرَائِيلَ؟” لقد استخدَم الله عجيبة شَقِّ البحر الأحمَر لكي يتكلَّم إلى المصريِّين تمامًا كما يُكلِّم الإسرائيليِّين.
- لقد كان هذا جانِبًا من الحياة الرُّوحيَّة التي نادِرًا ما نُفكِّرُ فيها، بالرغم من أنَّ أفسس ١٠:٣-١١ يُخبِرنا بأنَّ الله يستخدِم شعبَهُ لِيُعلِّمَ كائناتٍ ملائكيَّة. عندما يُخلِّصنا الله من التَّجربة أو المحنة، فهذا شهادةٌ لأعدائنا غير المرئيِّين بنفس القدر ممَّا هي لنا أيضًا. يستخدِم الله كلَّ انتصارٍ في حياتنا لِيُعرِّف الأعداء غير المرئيِّين عن قوَّتهِ وقُدرتهِ على العمل حتَّى من خلالِ الضِّعف البشريّ.
ب) الآيات (١٩-٢٠): يُحيِّد الله الجيش المصريّ بالنَّار.
١٩فَٱنْتَقَلَ مَلَاكُ ٱللهِ ٱلسَّائِرُ أَمَامَ عَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ وَسَارَ وَرَاءَهُمْ، وَٱنْتَقَلَ عَمُودُ ٱلسَّحَابِ مِنْ أَمَامِهِمْ وَوَقَفَ وَرَاءَهُمْ. ٢٠فَدَخَلَ بَيْنَ عَسْكَرِ ٱلْمِصْرِيِّينَ وَعَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ، وَصَارَ ٱلسَّحَابُ وَٱلظَّلَامُ وَأَضَاءَ ٱللَّيْلَ. فَلَمْ يَقْتَرِبْ هَذَا إِلَى ذَاكَ كُلَّ ٱللَّيْلِ.
- فَٱنْتَقَلَ مَلَاكُ ٱللهِ … وَوَقَفَ وَرَاءَهُمْ: لقد أرسَل الله كُلًّا من ملاكٍ مُفوَّضٍ خاصٍّ وعَمُودِ ٱلسَّحَابِ (خروج ٢١:١٣-٢٢) كحاجزَين بين إسرائيل والجيش المصريّ السَّاعي في إثرهم. لقد حفظَ الله إسرائيل من الهجوم المصريّ لحين إيجاد الطَّريق في وسط البحر الأحمَر.
- نمتلِكُ غالِبًا فكرةً ضيِّقة عن كيفيَّة حماية الله لنا من الهجومات التي نتعرَّضُ لها من قِبَل الأعداء غير المرئيِّين. فنحنُ نشعرُ أحيانًا بأنَّنا مُربَكون في صراعنا الرُّوحيّ الحاليّ، لكنَّنا قد لا نُدرِكُ كيف يُمكِن أن يكون وضعنا لَو أنَّ الرَّبَّ سحب بساط حمايته من تحت أرجُلِنا.
- فَدَخَلَ بَيْنَ عَسْكَرِ ٱلْمِصْرِيِّينَ وَعَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ: لَم يعرفُهُ المصريُّون، ولكن نفس عمود السَّحابِ هذا منع اللِّحاق بإسرائيل وحفِظَ حياتهم، على الأقلِّ إلى حين. لَو أنَّ المصريِّين خضعوا للرَّبِّ الَّذي أغلقَ عليهم الطَّريق بحضورهِ، لكانوا تجنَّبوا دمارَهم القادِم.
- وَصَارَ ٱلسَّحَابُ وَٱلظَّلَامُ وَأَضَاءَ ٱللَّيْلَ: كان عمود السَّحابِ مصدرًا للظُّلمةِ للمصريِّين لكنَّه مصدَرَ نورٍ لإسرائيل. فهذا صورةٌ جليَّة عن كيف يُمكِن لِمجدِ الله أو عملِهِ بأن يكون نورًا لشخصٍ واحِدٍ، وبالرغم من ذلك يبدو وكأنَّه ظلامٌ لآخَر.
- “لذلك نرى بأنَّ الطَّبيعة الـمُزدوجَة لِمَجدِ الله تنعكِسُ في الخلاص كما في الدَّينونة، والتي تظهرُ بشكلٍ مُتكرِّر في الكُتُب الـمُقدَّسة، وهي تلك الصُّورة التي لا يُمكِن أن تُبرزَ بشكلٍ بيانيّ كهذا أكثر ممَّا ظهرت فيه.” كايزر (Kaiser)
- إنَّ لِكَلِمة الله جانِبٌ أسوَد بالنِّسبة إلى الخطاة؛ وكذا هي رسالة الإنجيل وحتَّى يسوع نفسَه.
ج) الآيات (٢١-٢٢): تُشَقُّ مياه البحر الأحمَر، وبَني إسرائيل يعبرون بأمانٍ على أرضٍ يابسة.
٢١وَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى ٱلْبَحْرِ، فَأَجْرَى ٱلرَّبُّ ٱلْبَحْرَ بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ شَدِيدَةٍ كُلَّ ٱللَّيْلِ، وَجَعَلَ ٱلْبَحْرَ يَابِسَةً وَٱنْشَقَّ ٱلْمَاءُ. ٢٢فَدَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ عَلَى ٱلْيَابِسَةِ، وَٱلْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ.
- وَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى ٱلْبَحْرِ: تصِفُ مقاطِعَ كتابيَّة أُخرى (مثل: خروج ١٨:١٣ و ١٤:١٥) هذا الجسم من المياه بالبحر الأحمَر. إنَّ العبارة العبريَّة الـمُستخدَمة للبحر الأحمَر هي: بَحْرُ سُوفٍ (yam suph) والتي تعني بشكلٍ واضِح ’البحر الأحمَر.‘ لقد حاول الدَّارِسون وعُلماءُ الآثار عبر السِّنين تحديد هويَّة هذا الجسم المائيّ.
- “إنَّ الكلِمات تُشيرُ بجدارة إلى بقعة البُحيرَة الواقعة إلى الشمال من خليج قناة السُّوَيس، وتتضمَّن البُحيرات الـمُرَّة وبُحَيرة التِّمساح. فَمن الـمُمكِن بمكانٍ ما أنَّ الإسرائيليِّين قد عبروا ذلك المضيق الضيِّق من الأرض في بَعْلَ صَفُونَ وبأنَّ البحر الأحمَر الكتابيّ يُشيرُ إلى مُستنقَع سربون. نحن واثقون بأنَّ العبور قد تمَّ في هذه البقعة بسبب أنَّ الإسرائيليِّين قد وجدوا أنفسهم في بريَّةِ شُورٍ بعد عبورهم للبحر الأحمَر (خروج ٢٢:١٥)” فايفر (Pfeiffer).
- لا ندري تحديدًا أين هو المكان، وكيفيَّة الجغرافيا الدَّقيقة. إنَّ هذا لَصَحيح، نظرًا للتَّغيُّر الجغرافي الَّذي يُصيب الأرض جرَّاء فصولِ الفيضانات والجفاف. لكنَّنا نعلَمُ بوجودِ كمِّيَّةٍ كافية من المياه لِحَجز الإسرائيليِّين، ولاحِقًا للتَّسبُّبِ بِغرَق المصريِّين. يُمكِنُنا الظَّنُّ بأنَّ عُمقَ المياهِ قد وصلَ إلى ١٠ أقدام أو أكثر. ويُمكِنُنا الظَّنُّ أيضًا، بوجودِ عرضٍ كافٍ للضِّفاف يسمَح لِعبور جميع الإسرائيليِّين في ليلَةٍ واحِدَة.
- يُشيرُ الكثير من البحث العلميّ إلى طَرح طريقٍ بديلَة لِخروج إسرائيل من مصرَ، طريقٌ تعبُر في جبل سيناء في الجزيرة العربيَّة بدلًا من جزيرة سيناء. تُحدِّدُ هذه الطَّريق البديلة العبور في البحر الأحمَر عند نقطة خليج العقَبَة، بدلًا من البُحيرات الـمُرَّة ومرفأ أو مَضيق السُّويس. ففي خليج العقَبَة، تمَّ اقتراح الجزء الشَّمالِيّ (عند عصيون جابِر)، في الوسط (عند شاطئ النُّوَيبع)، وفي الجزء الجنوبيّ (عند مضيق تيران).
- فَأَجْرَى ٱلرَّبُّ ٱلْبَحْرَ بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ شَدِيدَةٍ كُلَّ ٱللَّيْلِ، وَجَعَلَ ٱلْبَحْرَ يَابِسَةً وَٱنْشَقَّ ٱلْمَاءُ: يعتقِد البعضُ بأنَّ هذه هي خُرافةٌ قديمة لَم تحدُث أبدًا. بالرغم من ذلك، فإنَّ البحث الحديث قد أظهر إمكانيَّة حُدوثِه، بحسب ذلك المقال لِـ توماس ه. ماو (Thomas H. Maugh) المنشور في جريدة Los Angeles Times، بعنوان: “يدعمُ البحث العلميّ حادثة عبور البحر الأحمَر” (١٤ آذار، ١٩٩٢):
- “تُشيرُ عمليَّات الكمبيوتر الحسابيَّة الـمُعقَّدة إلى أنَّ عبور البحر الأحمَر، الَّذي يُقال بأنَّه سمح لِمُوسى والإسرائيليِّين الهروبَ من العبوديَّة في مصرَ، ومن الـمُمكِن حدوثَه تحديدًا كما يصفُهُ الكتاب المقدَّس. فَبِسبب الجغرافيا الغريبة للجزء الشَّمالِيّ من البحر الأحمَر، يُدوِّن الباحثون في نشرة مصلحة الأرصاد الجويَّة الأمريكيَّة بأنَّ ريحًا مُعتدِلَة تهبُّ بشكلٍ مُستمرٍ لحوالي عشرِ ساعاتٍ. ممَّا يتسبَّب بتراجُع البحر لِحوالي ميل، وبتناقص المياه بحدود ١٠ أقدام، مُخلِّفةً وراءها أرضًا ناشفة، حيث يعتقد الكثير من باحثي الكتاب الـمُقدَّس بأنَّها أرضَ العبور.”
- من الـمُهمِّ بمكانٍ ما، الإشارة إلى أنَّ البحث لا يُمكنه تأكيد العبور في أيَّة نُقطةٍ من البحر الأحمَر، قد تمَّ بحثها سابقًا؛ لكنَّ الظَّاهرة الطَّبيعيَّة موجودة، والتي يُمكِن أن يكون الله قد استخدمها لِشَقِّ المياه لكي يسمح للإسرائيليِّين بالعبور بعيدًا عن الجيش المصريّ. حتَّى ولَو استخدَم الله تلك العوامل الطَّبيعيَّة، فهي ما زالت عجيبةً عظيمة.
- “يُمكِن للجاهل بأن يُنكِرَ هذا الإعلان، ومن ذلك لا يُمكِنُنا توقُّع شيءٍ صالِح؛ لكن، أن نسمع أُولئك الَّذين يعترفون بالإيمان وبالإعلان الإلهيّ يجهدون لأن يُبَرهِنوا بأنَّ عبورَ البحر الأحمَر لا علاقة له بالعمل العجائبيّ، لَهُوَ أمرٌ غير مُحتمَلٍ البتَّة. فهذا الأُسلوب في التَّحليل يتطلَّب عجيبةً لِيجعَلَه موثوقًا. إنَّها عدمُ أمانةٍ وقِلَّةُ وفاء. كَم هي مُحزِنةٌ ومُقرِفةٌ هذه التَّحوُّلات!” كلارك (Clarke)
- وَٱلْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ: يُقدِّم مزمور ١٦:٧٧-٢٠ تفصيلًا للأحداث التي رافقت عبور البحر الأحمَر. فهو يصِف بأسلوبٍ شعريٍّ كيف أمطرت وأرعدَت وأبرقت خلال عبور البحر الأحمَر.
د ) الآيات (٢٣-٢٨): يُزعِج الله جيشَ فرعون، فأُغرِقوا.
٢٣وَتَبِعَهُمُ ٱلْمِصْرِيُّونَ وَدَخَلُوا وَرَاءَهُمْ. جَمِيعُ خَيْلِ فِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ إِلَى وَسَطِ ٱلْبَحْرِ. ٢٤وَكَانَ فِي هَزِيعِ ٱلصُّبْحِ أَنَّ ٱلرَّبَّ أَشْرَفَ عَلَى عَسْكَرِ ٱلْمِصْرِيِّينَ فِي عَمُودِ ٱلنَّارِ وَٱلسَّحَابِ، وَأَزْعَجَ عَسْكَرَ ٱلْمِصْرِيِّينَ، ٢٥وَخَلَعَ بَكَرَ مَرْكَبَاتِهِمْ حَتَّى سَاقُوهَا بِثَقْلَةٍ. فَقَالَ ٱلْمِصْرِيُّونَ: «نَهْرُبُ مِنْ إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ يُقَاتِلُ ٱلْمِصْرِيِّينَ عَنْهُمْ». ٢٦فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «مُدَّ يَدَكَ عَلَى ٱلْبَحْرِ لِيَرْجِعَ ٱلْمَاءُ عَلَى ٱلْمِصْرِيِّينَ، عَلَى مَرْكَبَاتِهِمْ وَفُرْسَانِهِمْ». ٢٧فَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى ٱلْبَحْرِ فَرَجَعَ ٱلْبَحْرُ عِنْدَ إِقْبَالِ ٱلصُّبْحِ إِلَى حَالِهِ ٱلدَّائِمَةِ، وَٱلْمِصْرِيُّونَ هَارِبُونَ إِلَى لِقَائِهِ. فَدَفَعَ ٱلرَّبُّ ٱلْمِصْرِيِّينَ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ. ٢٨فَرَجَعَ ٱلْمَاءُ وَغَطَّى مَرْكَبَاتِ وَفُرْسَانَ جَمِيعِ جَيْشِ فِرْعَوْنَ ٱلَّذِي دَخَلَ وَرَاءَهُمْ فِي ٱلْبَحْرِ. لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَلَا وَاحِدٌ.
- وَخَلَعَ بَكَرَ مَرْكَبَاتِهِمْ: لقد عَمِل الله بشكلٍ عجائبيٍّ إلى جانب إسرائيل في مواجهة المصريِّين. فقد أَزْعَجَ عَسْكَرَ ٱلْمِصْرِيِّينَ إلى حين عبورِ إسرائيل إلى الجهَّة الـمقابِلَة للبحر الأحمَر. عندها فقط، سمح الله للجيش المصريّ بالإستمرار في إثرِهم وسط المياه المفلوقة.
- فَدَفَعَ ٱلرَّبُّ ٱلْمِصْرِيِّينَ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ: بالرغم من أنَّ البعض ينظر إلى هذا كَمُجرَّد أُسطورةٍ قديمة، فالبحث الحديث يُظهِرُ مُجدَّدًا بأنَّهُ مُمكِنٌ بالكامِل.
- يُتابع توماس ماو (Thomas H. Maugh) القَول في جريدة لوس أنجيلوس تايمز (Los Angeles Times): “إنَّ التَّغيير المضطرب للرِّيح قد سمح للمياه بأن ترجِع إلى البحر في ثوانٍ معدودة، ظاهِرةٌ يقول فيها الكتاب الـمُقدَّس بأنَّها أدَّت إلى غَمرِ مُلاحقي الإسرائيليِّين.”
- مُدَّ يَدَكَ عَلَى ٱلْبَحْرِ لِيَرْجِعَ ٱلْمَاءُ عَلَى ٱلْمِصْرِيِّينَ: لقد طلب الله من موسى القيام بفعلِ شيءٍ، بواسطة يدِهِ، مُرتبطٍ بحركة البحر. نحنُ نعلَم يقينًا بأنَّ هذه لَم تكُن قوَّةَ يدِ موسى التي فلقَت البحر أو أرجعت المياه على الجيش المصريّ؛ لقد كانت قوَّةَ الله في العمل.
- كان من الـمُمكِن لله بأن يقومَ بهذه العجيبة من دون تعاونٍ من موسى. بالرغم من ذلك، فإنَّ الله يستخدِم غالِبًا النَّاس ليكونوا جزءًا من أعمالهِ العجائبيَّة. يُمكِنُنا القَول، بأنَّ الكثير من أعمالِ الله العجائبيَّة تنتظِر حدوثها ذلك لغيابِ الأشخاص الَّذين يتقدَّمون رافعين أياديهم لاستخدامها.
- بالإضافة إلى ذلك، فقد كان هذا نوعًا من التَّبرئة لِمُوسى. لقد اتَّهمَهُ الإسرائيليُّون في السَّابق بأقلِّ الدَّوافِع، وبأسوأِ حالَة قلْب (خروج ١٠:١٤-١٢). فمن خلالِ عملِ الله بواسطة موسى، تمَّ إظهاره لجميع الأُمَّة كقائدٍ مُختار.
- لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَلَا وَاحِدٌ: لقد أصبح الخلاصُ في البحر الأحمَر نُقطةَ تحوُّلٍ في تاريخ إسرائيل. ففي هذه الحقبة من تاريخ إسرائيل، مرَّ الشَّعبُ في الكثير من المتاعب، لكنَّ فرعون والمصريِّين لَم يعودوا يُزعجونهم أبدًا.
هـ) الآيات (٢٩-٣١): خُلاصَة: عملٌ آخَر للخلاص من أجل إسرائيل.
٢٩وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى ٱلْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ، وَٱلْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ. ٣٠فَخَلَّصَ ٱلرَّبُّ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ ٱلْمِصْرِيِّينَ. وَنَظَرَ إِسْرَائِيلُ ٱلْمِصْرِيِّينَ أَمْوَاتًا عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ. ٣١وَرَأَى إِسْرَائِيلُ ٱلْفِعْلَ ٱلْعَظِيمَ ٱلَّذِي صَنَعَهُ ٱلرَّبُّ بِٱلْمِصْرِيِّينَ، فَخَافَ ٱلشَّعْبُ ٱلرَّبَّ وَآمَنُوا بِٱلرَّبِّ وَبِعَبْدِهِ مُوسَى.
- وَنَظَرَ إِسْرَائِيلُ ٱلْمِصْرِيِّينَ أَمْوَاتًا عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ: لقد كان هذا تأكيدًا لإسرائيل بأنَّ خلاصَهُم من مصر كان حقيقيًّا وكامِلًا. فالشَّعب المقموع غالِبًا ما يكونُ بطيئًا في التَّصديق بأنَّه قد تمَّ خلاصُهُ من طُغاةٍ لا يزالون أحياء. لقد أراد الله من إسرائيل بأن يعرفَ أنَّ الطُّغاةَ قد ماتَوا.
- “لقد كانت هذه لمسةً صُوريَّة، وحدَثًا بالعيان. لقد كان الجنود المصريُّون الغرقَى يُمثِّلون أُسلوبَ حياةٍ قديمة في العبوديَّة، التي ولَّت الآن إلى غير رَجعَة. إلى حدِّ ما، كان منظرُ الجُثث القتلَى علامةً صَلبَة بأنَّ خلاص إسرائيل والحياة الجديدة لَهُما مُؤكَّدان الآن.” كُول (Cole)
- ينطَبِقُ هذا المبدأ على صراعات الحياة اليوميَّة. “بالرغم من أن ضغط التَّجربة الَّذي قد يكون غير مُحتَمَل، ففي يومٍ من الأيَّامِ سوف نرى المصريِّين أمواتًا.” ماير (Meyer)
- ينطَبِقُ هذا المبدأ أيضًا على انتصارنا الختاميّ. “لكن، عندما يبزغُ فجرُ الأبديَّة، سيقومون مع ترانيم الفرح لِيَرَوا الموتَ والقبرَ وكلَّ الشرِّ الَّذي هابوهُ، كالمصريِّين، مُلقَونَ على شواطئ البحر الزُّجاجيّ.” ماير (Meyer)
- يُخمِّن كلارك (Clarke) بأنَّ الإسرائيليِّين قد سلبوا أو نهبوا الجنودَ المصريِّين الموتَى، وبذلك غنِموا لأنفسهم أسلحةً يُمكِن استخدامها فيما بعد في حروبهم مع عماليق والأمُّوريِّين وغيرَهُم.
- فَخَلَّصَ ٱلرَّبُّ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ ٱلْمِصْرِيِّينَ: لقد خلَّص الله إسرائيل في ظروفٍ تبدو وكأنَّها مُستحيلَة. لقد أظهرَ أمانتَهُ لإسرائيل ولكُلِّ شعبه.
- أخبر سبيرجن (Spurgeon) ذاتَ مرَّةٍ قصَّةً تتعلَّقُ بقدِّيسةٍ طاعنةٍ في السنِّ كانت مُتمدِّدةً على فراش الموت، حيث أعلنت بأنَّ يسوع لَن يتركَها أبدًا؛ لأنَّه قد وعدَها بذلك. سألها أحدُهُم: “لَرُبَّما لَم يفِ بوعدهِ، وسوف تهلكين، فماذا تفعلين؟” أجابت: “عندها سيكون هو الخاسِر الأكثَر منِّي أنا. قد يكون صحيحًا أنَّني سأخسَر روحي، لكنَّ الله سيخسَرُ كرامتَهُ ومجدَهُ لَو لَم يكُن أمينًا.” إنَّ الدَّافع الَّذي حدا بالله بأن يُخلِّصنا ليس فقط محبَّتَهُ لنا، بل أيضًا شوقَهُ لحماية مجدهِ وكرامتهِ.
- “إخوتي، لَو وثِقنا بالله، وخرجنا من عالَمِ مصرَ بنعمتهِ، وتركنا وراءنا كلَّ خطايانا، ولَو تُرِكنا لِنَموتَ في البرِّيَّة، لَخَسِرَ الرَّبُّ يسوع المسيح مجدَه كَمُخلِّص. وكذلك لَخَسِرَ الآبُ السَّماويُّ اسمَه لِعَدَم الأمانة، وخَسِرَ الرُّوح القدس كرامَتَهُ في احتمالِ إكمال العمل الَّذي بدأَهُ.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَخَافَ ٱلشَّعْبُ ٱلرَّبَّ وَآمَنُوا بِٱلرَّبِّ وَبِعَبْدِهِ مُوسَى: كانت هذه النتَّيجة التي رجاها الله. للأسَف، بالنِّسبة لإسرائيل لَم يُحافِظوا على مقامهم في هذه المكانة من الإحترام والإيمان تجاه الرَّبِّ. لَرُبَّما كان هذا بسببِ ظروف مشاعرهم بدلًا من الإيمان الحقيقيّ، ذلك لأنَّهم تركوا هذه المكانة من الإحترام للرَّبِّ ولِمُوسى بسرعة.
- يُمكِنُنا القَول بأنَّ خلاصَ الفصحِ وعجيبةَ العبور في البحر الأحمَر يتماشيان معًا. لَولا الإنتصار في البحر الأحمَر، لكان فداء الفصح بدون معنًى. وكذلك أيضًا، لَم يكُن مُمكِنًا بأن يعبروا البحر الأحمَر لولا عجيبة الفداء في الفصح. وعلى نفس المنوال، فإنَّ فداء الصَّليب لا يعني أيَّ شيءٍ لولا عجيبة القيامَة. الإثنان يعملان الخلاص معًا، يدًا بيدٍ.
- “لقد مشت الأُمَّةُ الجديدة في وسط تهديد الموت نحو حياةٍ جديدة في الحضور الواعي لِوجودِ وقُدرة يهوه حيث لا هُروبَ أو اختفاءَ منهما.” مورجان (Morgan)