سفر الخروج – الإصحاح ٨
ضرباتٌ على مصر
أولًا. الضَّربة الثَّانية: الضَّفادِع
أ ) الآيات (١-٤): تحذيرُ الضَّربة الثَّانية.
١قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «ٱدْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقُلْ لَهُ: هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي. ٢وَإِنْ كُنْتَ تَأْبَى أَنْ تُطْلِقَهُمْ فَهَا أَنَا أَضْرِبُ جَمِيعَ تُخُومِكَ بِٱلضَّفَادِعِ. ٣فَيَفِيضُ ٱلنَّهْرُ ضَفَادِعَ. فَتَصْعَدُ وَتَدْخُلُ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى مِخْدَعِ فِرَاشِكَ وَعَلَى سَرِيرِكَ وَإِلَى بُيُوتِ عَبِيدِكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَإِلَى تَنَانِيرِكَ وَإِلَى مَعَاجِنِكَ. ٤عَلَيْكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَبِيدِكَ تَصْعَدُ ٱلضَّفَادِعُ».
- ٱدْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ: لَن تنتهِيَ هذه السِّلسِلَة من الضَّربات حتَّى ويُصيب الموت تقريبًا كلَّ بيتٍ في مصر. لقد كان مُمكِّنًا أنَّ يأتيَ الله بهذه الضَّربة الأخيرة في هذه السِّلسِلَة، لكنَّه لَم يفعل ذلك – ذلك لِقَصدٍ مُعيَّن. لقد استخدم الله هذه السِّلسِلَة من الضَّربات لِيُعطيَ مجدًا لذاتهِ (خصوصًا فوق آلِهة المصريِّين) ويُعطي فرعون فرصةً للتَّوبة.
- يجب أن نرى رحمة الله الصَّالِحة في القيامِ بذلك. فقد كان مُمكِنًا الذَّهاب مُباشرةً إلى أقصى دينونةٍ مُمكِنَة، لكنَّ الله، بدلًا من ذلك، أعطى فرعون الكثير من الفُرَص للتَّوبة والتَّغيير.
- فَهَا أَنَا أَضْرِبُ جَمِيعَ تُخُومِكَ بِٱلضَّفَادِعِ: لقد هدَّد الله بضربة الضَّفادِع لسببٍ خاص. فقد كانت الإلهة المصريَّة هيكيت (Heqet / Heket) تُصوَّر دائمًا في رأس ضفدعة. لقد كانت الضفدعة بين المصريِّين القدماء مُقدَّسة ولا يجوز قتلها.
- لقد عبَدَ المصريُّون الضفدعة كإلهةٍ أُنثى، ذلك لِكثرة الضَّفادِع حول ضفاف النِّيل ولِتَكاثُرِهم السَّريع ولِكَونهم خلائقَ من فصيلَة البرمائيَّات التي تعيشُ بين اليابسة والمياه.
ب) الآيات (٥-٧): يجلِب الله الضَّفادِع على أرض مصرَ بواسطة موسى وهارون والسَّحرَة المصريُّون يقلِّدون ذلك.
٥فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «قُلْ لِهَارُونَ: مُدَّ يَدَكَ بِعَصَاكَ عَلَى ٱلْأَنْهَارِ وَٱلسَّوَاقِي وَٱلْآجَامِ، وَأَصْعِدِ ٱلضَّفَادِعَ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ». ٦فَمَدَّ هَارُونُ يَدَهُ عَلَى مِيَاهِ مِصْرَ، فَصَعِدَتِ ٱلضَّفَادِعُ وَغَطَّتْ أَرْضَ مِصْرَ. ٧وَفَعَلَ كَذَلِكَ ٱلْعَرَّافُونَ بِسِحْرِهِمْ وَأَصْعَدُوا ٱلضَّفَادِعَ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ.
- فَصَعِدَتِ ٱلضَّفَادِعُ وَغَطَّتْ أَرْضَ مِصْرَ: بما أنَّ المصريُّون قد عبدوا الضَّفادِع، فقد أعطاهم الله ضربةَ الضَّفادِع. نرى في هذا خُطَّة الله الـمُحدَّدَة وحِسًّا ظريفًا طبيعيًّا.
- “بالرغم من أنَّه ربُّ الجنود، فهو لا يحتاج إلى جيوشٍ قويَّة أو خدمة الملائكة أو صواعِق العدالَة للإقتصاصِ من الشرِّير أو الأُمَّة الشرِّيرة؛ إنَّ الضَّفادِع أو الذُّباب بين يديه لَهُوَ أدواتٌ كافية للإنتقام.” كلارك (Clarke)
- “لذلك نرى بأنَّ الضَّربَتَين الأُولَى والثَّانية مُتعلِّقتان بالمياه؛ أمَّا الضَّربتان الثَّالِثة والرَّابعة فمُتعلِّقتان بالأرض؛ والضَّربات الخمسة اللَّاحِقة فهي مُتعلِّقة بالهواء؛ والضَّربة الأخيرة فهيَ مُتعلِّقة بالإنسان.” ترَاب (Trapp)
- وَفَعَلَ كَذَلِكَ ٱلْعَرَّافُونَ بِسِحْرِهِمْ وَأَصْعَدُوا ٱلضَّفَادِعَ: إنَّ قُدرةَ العرَّافين على القيام بنفس الشَّيءِ بسحرهم تُشيرُ إلى حضورِ قوَّةٍ خارِقة للطَّبيعة؛ لَم يكُن هذا من صَنيع مُخادِعٍ مُحتَرِف، بل قوَّة عملٍ سحريٍّ غامِض.سخَّر السَّحرَة كلَّ طاقاتهم السِّحريَّة، ومع هذا فإنَّ جُلَّ ما يستطيعون فعلَهُ لَهُوَ الإتيان بالمزيد من الضَّفادِع! لكن هذا أدى إلى تفاقم المشكلة أكثر، وقسى قلب فرعون أكثر.
ج) الآيات (٨-١٥): يطلب فرعون الـمُساعدة من موسى.
٨فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ: «صَلِّيَا إِلَى ٱلرَّبِّ لِيَرْفَعَ ٱلضَّفَادِعَ عَنِّي وَعَنْ شَعْبِي فَأُطْلِقَ ٱلشَّعْبَ لِيَذْبَحُوا لِلرَّبِّ». ٩فَقَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ: «عَيِّنْ لِي مَتَى أُصَلِّي لِأَجْلِكَ وَلِأَجْلِ عَبِيدِكَ وَشَعْبِكَ لِقَطْعِ ٱلضَّفَادِعِ عَنْكَ وَعَنْ بُيُوتِكَ. وَلَكِنَّهَا تَبْقَى فِي ٱلنَّهْرِ». ١٠فَقَالَ: «غَدًا». فَقَالَ: «كَقَوْلِكَ. لِكَيْ تَعْرِفَ أَنْ لَيْسَ مِثْلُ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا. ١١فَتَرْتَفِعُ ٱلضَّفَادِعُ عَنْكَ وَعَنْ بُيُوتِكَ وَعَبِيدِكَ وَشَعْبِكَ، وَلَكِنَّهَا تَبْقَى فِي ٱلنَّهْرِ». ١٢ثُمَّ خَرَجَ مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ، وَصَرَخَ مُوسَى إِلَى ٱلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ ٱلضَّفَادِعِ ٱلَّتِي جَعَلَهَا عَلَى فِرْعَوْنَ، ١٣فَفَعَلَ ٱلرَّبُّ كَقَوْلِ مُوسَى. فَمَاتَتِ ٱلضَّفَادِعُ مِنَ ٱلْبُيُوتِ وَٱلدُّورِ وَٱلْحُقُولِ. ١٤وَجَمَعُوهَا كُوَمًا كَثِيرَةً حَتَّى أَنْتَنَتِ ٱلْأَرْضُ. ١٥فَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ ٱلْفَرَجُ أَغْلَظَ قَلْبَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ.
- صَلِّيَا إِلَى ٱلرَّبِّ لِيَرْفَعَ ٱلضَّفَادِعَ: نرى هُنا بأنَّ وعد الله السَّابق (خروج ١:٧) قد تحقَّق. كنبيٍّ لله، وقف موسى مكان الله أمام فرعون، حيث قدَّم فرعون طِلبَتَهُ أمام الله بواسطة موسى.
- صَلِّيَا: “كلِمةٌ غير اعتياديَّة، تعني ’توسَّطا أو تشفَّعا،‘ وهي تُشيرُ إلى المرَّة الأُولى التي يتحرَّك فيها فرعون ويُقدِّم وعدًا بإطلاق سراح الإسرائيليِّين، ذلك الوعد الَّذي طالَما أخلَّ به.” كُول (Cole)
- “لَم يكُن مُمكِنًا قَتْلُ الضَّفادِع لأنَّها مُقدَّسة، ولكن بالرغم من أعدادها الهائلة الـمُتمرِّغة في قذارتها، كان لا بُدَّ من قَتلها نظرًا لأنَّ النَّظافة كانت علامةً فارِقَة في حياة المصريِّين.” توماس (Thomas)
- فَفَعَلَ ٱلرَّبُّ كَقَوْلِ مُوسَى: عندما صلَّى موسى، استجاب الله – وماتت كلُّ الضَّفادِع. إنَّ الوصفَ الـمُخفَّف لهذا الوضع في هاتين الكلِمَتَين ’أَنْتَنَتِ ٱلْأَرْضُ‘ يُعطي انطباعًا كَم كان الأمرُ مُقرِفًا ومُغثيًا.
- أَغْلَظَ قَلْبَهُ: حتَّى وبعد أن أُعطيَ التماسَ فرعون، فإنَّ قلبَهُ لَم يتغيَّر – أَغْلَظَ قَلْبَهُ – بالرغم من ذلك، فقد قامَ فرعون بفعل ما قالَه الله بالتَّمام.
- “يُصبِحُ هذا نمطًا مألوفًا: فعندما لَم يحترِم وعدًا قطعَهُ في بادئ الأمر، فسَيُصبِحُ الأمرُ أكثرَ سهولَةً وسهولةً للقيام بذلك مرَّة أُخرَى.” كُول (Cole)
- “لقد ازداد إثمُ فرعون، ولقد كرَّست تعهُّداتُهُ الكثير من تعدِّياتِه. لقد نسيَ وعودَهُ؛ لكنَّ الله لَم ينسَ. فقد خُزِّنَت في مخزَنٍ ضدَّهُ.” سبيرجن (Spurgeon)
- “بالنِّسبة إلى فرعون، فإنَّها قصَّةُ إرادةٍ صَلْبَة، حُسِبَت غبيَّة طوال الوقت إلى أن أصبح الأمرُ ميؤوسًا منه، إلَّا أنَّ الله أعطاهُ الفرصة لاستخدامِ هذه الإرادَة للخضوع.” مورجان (Morgan)
ثانيًا. الضَّربة الثَّالِثة: البَعوض
أ ) الآيات (١٦-١٧): يطلب الله من موسى بِبَدءِ ضربة البَعوض.
١٦ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «قُلْ لِهَارُونَ: مُدَّ عَصَاكَ وَٱضْرِبْ تُرَابَ ٱلْأَرْضِ لِيَصِيرَ بَعُوضًا فِي جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ». ١٧فَفَعَلَا كَذَلِكَ. مَدَّ هَارُونُ يَدَهُ بِعَصَاهُ وَضَرَبَ تُرَابَ ٱلْأَرْضِ، فَصَارَ ٱلْبَعُوضُ عَلَى ٱلنَّاسِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ. كُلُّ تُرَابِ ٱلْأَرْضِ صَارَ بَعُوضًا فِي جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ.
- مُدَّ عَصَاكَ: لقد جاءَت هذه الضَّربة من دون إعلان. ففي هذه المرَّة، لَم يُظهِر الله لفرعون رحمة التَّحذير والدَّعوة إلى التَّوبة.
- لا يجب أبدًا الإعتقاد بأنَّ الله غير عادِلٍ إذا لَم يُظهِر الرَّحمة. فلَو كان أحدٌ ما عادلًا بشكلٍ كامل، لَما أظهر رحمةً البتَّة.
- مُدَّ عَصَاكَ وَٱضْرِبْ تُرَابَ ٱلْأَرْضِ لِيَصِيرَ بَعُوضًا … فَصَارَ ٱلْبَعُوضُ عَلَى ٱلنَّاسِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ: لقد ضرب هذا الوباء في عُقر دار العبادَة لدى المصريّين، حيث طال وبشكلٍ خاصٍّ كهنَتَهُم. كان الكهنوت المصريّ حريصًا إلى أبعد الحدود بالنَّظافة وطقوس التَّطهير؛ لذلك، فإنَّ الإصابة بالبَعوض جعلت الكهنة غير قادرين على عبادة آلِهَتِهم.
- كانت ضَربةُ البعوض أيضًا على ٱلْبَهَائِمِ. فآلِهَةُ مصرَ لَن يقبلوا بذبيحةٍ مُلوَّثة أو مُصابَة بالبَعوض، لذلك نرى أنَّ هذا الأمرَ قد ساهم في توقُّف نظام الذَّبائح لديهم.
ب) الآيات (١٨-١٩): لَم يكُن سحرَةُ مصرَ قادرين على تكرار هذه الضَّربة.
١٨وَفَعَلَ كَذَلِكَ ٱلْعَرَّافُونَ بِسِحْرِهِمْ لِيُخْرِجُوا ٱلْبَعُوضَ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا. وَكَانَ ٱلْبَعُوضُ عَلَى ٱلنَّاسِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ. ١٩فَقَالَ ٱلْعَرَّافُونَ لِفِرْعَوْنَ: «هَذَا إِصْبَعُ ٱللهِ». وَلَكِنِ ٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ.
- وَفَعَلَ كَذَلِكَ ٱلْعَرَّافُونَ بِسِحْرِهِمْ لِيُخْرِجُوا ٱلْبَعُوضَ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا: لقد كان بإمكان هؤلاء العرَّافين بأن يستخدموا قواهم السِّحريَّة لتحويل العصا إلى حيَّةٍ والمياه إلى دَمٍ وبتجميع الضَّفادِع – بالرغم من ذلك، لَم يتمكَّنوا من جلبِ البَعوض. فهذا يُظهِرُ أنَّه مهما كانت قوَّة إبليس عظيمة، فهيَ محدودَة – وستلتزِم بهذه الحدود في وقتٍ مُبكِّر.
- هَذَا إِصْبَعُ ٱللهِ: عندما قال السَّحرَة هذا إلى فرعون، فقد كانوا يعلمون بوجودِ قوَّةٍ أعظم من قوَّتهم، وبالرغم من ذلك، لَم يُقدِّموا لهذه القوَّة أيَّة كرامةٍ وخدمة.
- وَلَكِنِ ٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا: إنَّ قساوةَ قلبِ فرعون لَظَاهِرَةٌ في عدم استماعهِ حتَّى إلى تحليلِ مُستشاريهِ. لَم يكُن هُناك من أيِّ منطقٍ عقلانيّ وراء إصراره على مُقاومة ورفض الرَّبِّ الإله.
ثالثًا. الضَّربة الرَّابعة: الذُّبَّان
أ ) الآيات (٢٠-٢٣): يُحذِّر موسى فرعون من وباء الذُّبَّان.
٢٠ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «بَكِّرْ فِي ٱلصَّبَاحِ وَقِفْ أَمَامَ فِرْعَوْنَ. إِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى ٱلْمَاءِ. وَقُلْ لَهُ: هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي. ٢١فَإِنَّهُ إِنْ كُنْتَ لَا تُطْلِقُ شَعْبِي، هَا أَنَا أُرْسِلُ عَلَيْكَ وَعَلَى عَبِيدِكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى بُيُوتِكَ ٱلذُّبَّانَ، فَتَمْتَلِئُ بُيُوتُ ٱلْمِصْرِيِّينَ ذُبَّانًا. وَأَيْضًا ٱلْأَرْضُ ٱلَّتِي هُمْ عَلَيْهَا. ٢٢وَلَكِنْ أُمَيِّزُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ أَرْضَ جَاسَانَ حَيْثُ شَعْبِي مُقِيمٌ حَتَّى لَا يَكُونُ هُنَاكَ ذُبَّانٌ. لِكَيْ تَعْلَمَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ فِي ٱلْأَرْضِ. ٢٣وَأَجْعَلُ فَرْقًا بَيْنَ شَعْبِي وَشَعْبِكَ. غَدًا تَكُونُ هَذِهِ ٱلْآيَةُ».
- أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي: لا يوجَد أيُّ تدوينٍ لجوابٍ مُحدَّد من قِبَلِ فرعون ردًّا على هذا الطَّلَب، ولكن، بما أنَّ الوباء قد ضرب، فمن الواضح بمكانٍ ما أنَّ قلبَه لَم يَلِنْ تجاه الرَّبِّ الإله أو إسرائيل. لَرُبَّما ردَّةُ الفعل هذه لَم توصَف بسبب عدم وجودِها؛ ولَرُبَّما أيضًا قد تجاهَلَ رسالَة موسى.
- وَلَكِنْ أُمَيِّزُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ أَرْضَ جَاسَانَ: هذا هو الذِّكرُ الأوَّل لفكرة أنَّ أَرْضَ جَاسَان (حيث يعيش مُعظَم الإسرائيليِّين) سَتُسْتَثنى من الوباء. من الـمُحتمَل أنَّ شعبَ إسرائيل قد عانى من الضَّربات السَّابقة إلى حدٍّ ما. بشكلٍ كبيرٍ، سَيُستثنَون من هذه الضَّربة الرَّابعة.
- لِكَيْ تَعْلَمَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ فِي ٱلْأَرْضِ: أن تتجاهل أحدٌ ما لَهُوَ إظهارٌ للكراهيَّة تمامًا كَمَن يُهاجِمُ أحدَهُم. إذا اعتقدَ فرعون بأنَّهُ قادرٌ على تجاهُل الله ومُرسَلِهِ، فهو مُخطئٌ، والضَّربات سَتُستكمَلُ وتستمرُّ.
- وَأَجْعَلُ فَرْقًا بَيْنَ شَعْبِي وَشَعْبِكَ: أراد الله فرعون بأن يعرفَ بوجودِ أمرٍ خاصٍّ يتعلَّق بشعبِهِ إسرائيل. لقد رفض فرعون أن يُلاحِظَ ذلك، الأمر الَّذي أدَّى إلى استمرار الأوبئة والضَّربات.
- “لَو أنَّنا نسمح فقط لِروحِ الله بأن يعمل من دون مُعوِّقات، فهذا يُجري في دواخلنا تغييرًا جذريًّا. فأذواقُنا وشهواتُنا وآمالُنا وأهدافُنا ستتغيَّر وسننمو في تلك المعرفة التي تُشير إلى عُمقِ الإختلافِ بين أنفسنا والعالَم.” ماير (Meyer)
ب) الآية (٢٤): الذُّبَّان يضرِب.
٢٤فَفَعَلَ ٱلرَّبُّ هَكَذَا، فَدَخَلَتْ ذُبَّانٌ كَثِيرَةٌ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ وَبُيُوتِ عَبِيدِهِ. وَفِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ خَرِبَتِ ٱلْأَرْضُ مِنَ ٱلذُّبَّانِ.
- فَدَخَلَتْ ذُبَّانٌ كَثِيرَةٌ: حرفيًّا، تقول هذه الكلِمات بما معناه أنَّ الله أرسل سربًا أو حشدًا (من الأصل العبريّ، awrob) من الذُّبَّان على مصر؛ لا تُحدِّد هذه الكلِمة نوعيَّة أو طبيعة هذا السَّرب. قد يكون تشكيلة من الحشرات (من الأصل العربيّ، الذُّبَّان). يقول سفر المزامير ٤٥:٧٨ بأنَّ هذه الحشرات أكلَتهُم، الأمر الَّذي يُشيرُ إلى وجودِ حشراتٍ لادِغَة.
- ذُبَّانٌ كَثِيرَةٌ: “تَرِد هذه الكلِمة هُنا فقط وفي فقراتٍ مبنيَّة على هذا السِّياق، ومعناها بالضبط هو حَدسيٌّ، أو حَزريٌّ. ’البراغيث‘ أو ’ذُباب الرَّمل‘ هُما احتمالان آخَران: لكنَّ كلِمة ’البَعوض‘ هي التَّرجمة الأفضل.” كُول (Cole)
- فَدَخَلَتْ … إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ وَبُيُوتِ عَبِيدِهِ. وَفِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ: لم تستثنِ أحدًا هذه الضَّربة – إلَّا شعبَ إسرائيل الَّذين عاشوا بمعظمهم في أرضِ جاسان (خروج ٢٢:٨).
- خَرِبَتِ ٱلْأَرْضُ مِنَ ٱلذُّبَّانِ: يُظهرُ هذا بأنَّ الفكرة الـمُتعلِّقة بالبَعوض هي نفسها الـمُتعلِّقة بالذُّبَّان. لا يُمكِن عبادَة الآلِهة المصريَّة وسط هذه القذارة.
ج) الآيات (٢٥-٢٧): يُحاوِل فرعون الـمُساومة مع موسى.
٢٥فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ: «ٱذْهَبُوا ٱذْبَحُوا لِإِلَهِكُمْ فِي هَذِهِ ٱلْأَرْضِ». ٢٦فَقَالَ مُوسَى: «لَا يَصْلَحُ أَنْ نَفْعَلَ هَكَذَا، لِأَنَّنَا إِنَّمَا نَذْبَحُ رِجْسَ ٱلْمِصْرِيِّينَ لِلرَّبِّ إِلَهِنَا. إِنْ ذَبَحْنَا رِجْسَ ٱلْمِصْرِيِّينَ أَمَامَ عُيُونِهِمْ أَفَلَا يَرْجُمُونَنَا؟ ٢٧نَذْهَبُ سَفَرَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلَهِنَا كَمَا يَقُولُ لَنَا».
- ٱذْهَبُوا ٱذْبَحُوا لِإِلَهِكُمْ فِي هَذِهِ ٱلْأَرْضِ: نرى في هذا اقتراح فرعون للمُساوَمة ممَّا يسمَح لإسرائيل بإقامة عيدٍ لإلههم، مُشترِطًا بقاءهم في أرض مصر خلال مُمارسة العبادة. لقد أرادَ فرعون التَّفاوُض مع موسى (ومع الرَّبِّ) لكي يتوصَّل إلى أرضيَّة مُشترَكة في مُساومتهِ.
- “لقد كان هذا موقِفًا حقيقيًّا لِرَجُل الإيمان. يقترِح الشرِّير غالِبًا بعض الـمُساوَمة. فالإصغاءُ إليها يعني البقاءَ في العبوديَّة. إنَّ الطَّريق الوحيد الَّذي يُؤدِّي إلى الحُرِّيَّة هو بالخروج من أرضِ الشرِّ؛ ذلك برفقة النِّساء والأولاد؛ وبأخذ كلِّ الـمُمتلكات أيضًا. فعند تحقيق هذا الموقِف، يعبُر الإنسان من الأسرِ ويجِدُ الحُرِّيَّة التي هي في قصد الله لهُم.” مورجان (Morgan)
- إِنْ ذَبَحْنَا رِجْسَ ٱلْمِصْرِيِّينَ أَمَامَ عُيُونِهِمْ أَفَلَا يَرْجُمُونَنَا: ذكَّر موسى فرعون بالصَّخَبِ والجلبَة الإجتماعيَّة التي تترتَّب جرَّاء هذا التَّدبير، وتمسَّك بطَلَبِهِ الأساسيّ، رافضًا الـمُساوَمة. لقد نمَت شخصيَّةُ موسى بقوَّةٍ أمام فرعون.
- “يرفض موسى مَقُولَةَ أنَّ تقديم الذَّبيحة في مصرَ يُشبِهُ قَتْلَ خنزيرٍ في جامعٍ إسلاميّ، أو ذَبحَ بقرَة في معبدٍ هنديّ … بمعنًى ما، وكأنَّ المصريِّين يعتبرون ذبيحة الحيوان الـمُقدَّس تجديفًا.” كُول (Cole)
د ) الآيات (٢٨-٣٢): تَوبَةُ فرعون الـمُخادِعَة.
٢٨فَقَالَ فِرْعَوْنُ: «أَنَا أُطْلِقُكُمْ لِتَذْبَحُوا لِلرَّبِّ إِلَهِكُمْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ، وَلَكِنْ لَا تَذْهَبُوا بَعِيدًا. صَلِّيَا لِأَجْلِي». ٢٩فَقَالَ مُوسَى: «هَا أَنَا أَخْرُجُ مِنْ لَدُنْكَ وَأُصَلِّي إِلَى ٱلرَّبِّ، فَتَرْتَفِعُ ٱلذُّبَّانُ عَنْ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدِهِ وَشَعْبِهِ غَدًا. وَلَكِنْ لَا يَعُدْ فِرْعَوْنُ يُخَاتِلُ حَتَّى لَا يُطْلِقَ ٱلشَّعْبَ لِيَذْبَحَ لِلرَّبِّ». ٣٠فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ وَصَلَّى إِلَى ٱلرَّبِّ. ٣١فَفَعَلَ ٱلرَّبُّ كَقَوْلِ مُوسَى، فَٱرْتَفَعَ ٱلذُّبَّانُ عَنْ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدِهِ وَشَعْبِهِ. لَمْ تَبْقَ وَاحِدَةٌ. ٣٢وَلَكِنْ أَغْلَظَ فِرْعَوْنُ قَلْبَهُ هَذِهِ ٱلْمَرَّةَ أَيْضًا فَلَمْ يُطْلِقِ ٱلشَّعْبَ.
- أَنَا أُطْلِقُكُمْ لِتَذْبَحُوا لِلرَّبِّ إِلَهِكُمْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: كان هذا وعدًا واضِحًا، وعدٌ لَم يلتزِم فرعون به. لا يُمكِننا القَول بأنَّ فرعون قد كذبَ عن عَمْدٍ على موسى أو أنَّه غيَّر رأيَهُ ببساطة حينما رُفِعت ضَربةُ الذُّبَّان.
- يرجِع الكثير من النَّاس إلى الله في وقت الشدَّة، وعندما تعود الأُمور إلى مجاريها الطَّبيعيَّة، تراهُم على الفورِ يعودون بقلوبهم إلى القساوة في وجه الله. لَم يكُن فرعون أُنموذجًا غير اعتياديٍّ للإنسانيَّة؛ فقد كان كالكثيرين منَّا، بل كَمُعظَمِنا، قُدماءَ وجُدُدًا.
- أَنَا أُطْلِقُكُمْ: تحمِلُ هذه الكلِمات بين طيَّاتها نبرةً صوتيَّة اعتمدها فرعون كتعبيرٍ عن مُلكيَّتهِ أو سيطرتهِ على إسرائيل. “لَم يكونوا شعبَ فرعون؛ لَم يتمَّ اختيارُهُم من قِبَلِ فرعون أبدًا، وهو لَم يشترِيَهُم حيثما كانوا. لَم يُحاربُهُم ويتغلَّب عليهم. لّم يكونوا أسرى الحرب، ولا كانوا قاطنين في منطقةٍ كانت غنيمةً عادِلَة في النِّزاعات.” سبيرجن (Spurgeon)
- صَلِّيَا لِأَجْلِي: تُظهِرُ هذه الطِّلبة بأنَّ فرعون كان على عِلمٍ مُحدَّد بِمَن كان وراءَ هذه الضَّربات، وكيف بالإمكان إيقافَها (بالدُّعاء الـمُتواضِع أمام الرَّبِّ الإله).
- وَلَكِنْ أَغْلَظَ فِرْعَوْنُ قَلْبَهُ هَذِهِ ٱلْمَرَّةَ أَيْضًا: بالرغم من لُطفِ الله تجاهَهُ وتجاه مصرَ، فقد استمرَّ فرعون بتقسِيَة قلبهِ. هذا إثباتٌ لِمدى عُمقِ وفداحةِ القساوة القلبيَّة الـمُتدرِّجة.
- كُلَّما استمرَّينا في الخطيَّة وفي رفضِ الفُرَص الإلهيَّة لنا للتَّوبة والرُّجوع، كُلَّما استمرَّت القساوة. نرى هذا أمرًا شائِعًا. لا يبدأ الإنسان بالـمُقامرة بكلِّ ما يملِك؛ بل يبدأ تدريجيًّا بوضع الرِّهان، فيتقسَّى قلبه مع الوقت. لا يبدأ الإنسان بالشُّذوذِ الـمُخجِل؛ بل يبدأ من صفحاتِ بضعِ مجلَّاتٍ أو فيديوهاتٍ، فيتقسَّى قلبه مع الوقت. لا تبدأ المرأة بالإدمان على الكحول؛ بل تبدأ بنوعٍ ما من الإختلاط الإجتماعيّ، فيتقسَّى قلبها مع الوقت.
- “إنَّ المخمورَ أو السِّكِّيرَ، والمجرِمَ القاتِلَ، لَهُم أُناسٌ مارسوا الرَّذيلةَ والشرَّ بحدود ما تسمحُ به جُرأتهم، ثمَّ بعد ذلك تجرَّأوا على القيام بفعلِ الشرِّ الَّذي كان مِن الـمُمكِن أن يرتاعوا له قبلًا.” تشادويك (Chadwick)