سفر الخروج – الإصحاح ٣
موسى والعُلَّيَقَة الـمُشتَعِلَة
أولًا. يدعو الله موسى من وسط العُلَّيَقَة
أ ) الآيات (١-٣): موسى والعُلَّيَقَة الـمُشتَعِلَة على جبَلِ حُوريب.
١وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ، فَسَاقَ ٱلْغَنَمَ إِلَى وَرَاءِ ٱلْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ ٱللهِ حُورِيبَ. ٢وَظَهَرَ لَهُ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا ٱلْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِٱلنَّارِ، وَٱلْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ. ٣فَقَالَ مُوسَى: «أَمِيلُ ٱلْآنَ لِأَنْظُرَ هَذَا ٱلْمَنْظَرَ ٱلْعَظِيمَ. لِمَاذَا لَا تَحْتَرِقُ ٱلْعُلَّيْقَةُ؟».
- وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ: عاش موسى لأربعين سنةً كَرَاعٍ غامضٍ في صحراء مديان. ففي هذه اللَّحظة كانت حياتُهُ مُتواضِعَة لدرجة أنَّه لم يكُن يملِك حتَّى قطيعًا من الخراف يستطيع أن يقول أنَّه لهُ – فقد كانت تنتمي الخراف لِحَمِيهِ.
- فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ: “تقترِح اللُّغَّة العبريَّة بأنَّ هذا كان عمَلَهُ الـمُعتاد.” كُول (Cole)
- إِلَى وَرَاءِ ٱلْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ ٱللهِ حُورِيبَ: ساق موسى الغنَم إلى هذا الجبل الَّذي سُمِّيَ لاحِقًا بجبلِ سيناء. لَرُبَّما تعني كلِمة حُورِيب ’صحراء‘ أو ’خراب/خِربَة،‘ ويُعطي الإسمُ انطباعًا على وجود أرضٍ أو بُقعة.
- فَنَظَرَ وَإِذَا ٱلْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِٱلنَّارِ، وَٱلْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ: لَم يكُن الأمرُ فقط مُتعلِّقًا بِعُلَّيقةٍ لا تحترِق؛ على ما يبدو، لقد كان مألوفًا منظرُ اشتعالِ نبتةٍ كهذهِ بشكلٍ تلقائيٍّ في الصَّحراء. ومع ذلك، هُناك أمران مُميَّزان حولَ هذه العُلَّيقَة:
- وَظَهَرَ لَهُ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ … مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ.
- وَإِذَا ٱلْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِٱلنَّارِ، وَٱلْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ.
- “بالرغم من أنَّ العُلَّيقَة كانت تحترِق أو تتوقَّد بالنَّار، فهيَ لم تتفرقَع أو تتقلَّص، فلا ورقةٌ تغزَّلَت ولا غِصنٌ احترق. لقد احترقَت، لكنَّها لَم تفنى.” ماير (Meyer).
- كانت العُلَّيقة الـمُشتعِلَة بالنَّار والتي لَم تكُن تحترِق منظرًا جذَّابًا بالنِّسبة إلى موسى – لقد استدرجتهُ إلى إلقاءِ نظرَةٍ عن كثَب. يعتقد البعض بأنَّ العُلَّيقة الـمُشتعِلَة بالنَّار، لَهِيَ رمزٌ لإسرائيل، أو لِشعبِ الله بشكلٍ عامٍّ – منكوبٌ ومُبتلي لكنَّه غير مُدمَّر، ذلك بسبب أنَّ الله يتواجَدُ في وسطه.
- بالرغم من ذلك، يُمكِننا القَول بأنَّ العُلَّيقة الـمُشتعِلَة بالنَّار كانت صورةً عن الصَّليب. فإنَّ الكلِمة العبريَّة الـمُستخدَمَة لِوَصفِ هذه العُلَّيقَة ترجِع في جذورها إلى كلِمة ’يلتَصِق أو ينخَز،‘ ممَّا يعني أنَّها شُجَيرَة شوكيَّة أو نَبْتَةُ العُلَّيق. يُمكِننا التَّفكير في الصَّليب، حيث نرى يسوع مُكلَّلًا بالأشواكِ ومُحتمِلًا نارَ الدَّينونةِ، لكنَّهُ بالرغم من ذلك لَم يحترِق؛ ويجب أن نتذكَّرهُ عندما نأخذُ في الإعتبار العُلَّيقَة الـمُشتعِلَة.
- أَمِيلُ ٱلْآنَ لِأَنْظُرَ هَذَا ٱلْمَنْظَرَ ٱلْعَظِيمَ: بغضِّ النَّظَر عمَّا رآهُ موسى بالتَّحديد، فَهوَ لَم يكُن شيئًا طبيعيًّا. “كيما نستطيع شَرْحَ ما حدثَ هُنا، نُشيرُ إلى أنَّه سرابٌ مُؤقَّت لانعكاسِ الضَّوء على أوراقٍ حمراء أو نارُ مُعسكَرٍ من البدو، أو حتَّى ظاهرةُ نار القدِّيس ألمو ((Saint Elmo، يجب استبدال اختبارِنا بأربعين سنةً قضَاها موسى في تلك المنطقة وبتقدير أنَّ ما رآهُ قد كان بالفعلِ غير اعتياديّ.” كايزر (Kaiser)
- يقول كلارك عن مَلَاكِ ٱلرَّبِّ: “هو ليس ملاكًا مخلوقًا بكلِّ تأكيدٍ، ذلك لأنَّه أُسمِيَ يهوه، بحسبِ خروج ٤:٣. ويمتلِكُ مُعظَم الصِّفات الـمُعبِرَة في الله التي يُمكِن تطبيقَها … وبالرغم من ذلك، فهو ملاكٌ، أي رسُولٌ، أي الَّذي فيه اسمَ الله… ومن يكون هذا غيرُ يسوع القائد والفادي والـمُخلِّص لكلِّ البشريَّة؟”
ب) الآيات (٤-٦): يدعو الله موسى من وسطِ الـعُلَّيقَة الـمُشتعِلَة.
٤فَلَمَّا رَأَى ٱلرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ ٱللهُ مِنْ وَسَطِ ٱلْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى، مُوسَى!». فَقَالَ: «هَأَنَذَا». ٥فَقَالَ: «لَا تَقْتَرِبْ إِلَى هَهُنَا. ٱخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لِأَنَّ ٱلْمَوْضِعَ ٱلَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ». ٦ثُمَّ قَالَ: «أَنَا إِلَهُ أَبِيكَ، إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ». فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى ٱللهِ».
- فَلَمَّا رَأَى ٱلرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ: لَم يتكلَّم الرَّبُّ إلى موسى إلى حين استحواذهِ على اهتمامهِ. لا تمسُّ كلِمةُ الرَّبِّ قلوبنا غالبًا لأنَّنا لا نُعرِها الإهتمام اللَّازِم.
- كانت العُلَّيقة الـمُشتعِلَة بالنَّار ظاهِرةً مُذهِلَة استأسرَت انتباه موسى؛ لكنَّها لَم تُغيِّر أيَّ شيءٍ إلى أن أخذ موسى كلِمةَ الله التي أتت إليهِ هُناك.
- نَادَاهُ ٱللهُ مِنْ وَسَطِ ٱلْعُلَّيْقَةِ: لَم يرَ موسى أحدًا في العُلَّيقة الـمُشتعِلَة بالنَّار؛ بالرغم من ذلك، فقد كان الله، بحضورِ ملاكِ الرَّبِّ (خروج ٢:٣)، موجودًا هُناك، داعيًا موسى من وسط العُلَّيقة الـمُشتعِلَة.
- بدون أدنى شكٍّ، كان هذا الأمرُ (الظُّهور) حدثًا آخَر لِظُهورِ يسوع قبل تجسُّدِهِ في العهد القديم كملاكِ الرَّبِّ، كما قام بذلك مرَّاتٍ كثيرة (تكوين ٧:١٦-١٣، قُضاة ١:٢-٥، قُضاة ١١:٦-٢٤، قُضاة ٣:١٣-٢٢).
- نقول أنَّ هذا هو الله، في شخصِ يسوع المسيح، ذلك لأنَّه يقول عن الله الآب: “ٱللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلِٱبْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلْآبِ هُوَ خَبَّرَ” (يوحنَّا ١٨:١)، وأنَّ لا أحدًا قد رأى الله في شخصِ الآب (١ تيموثاوس ١٦:٦).
- مُوسَى، مُوسَى: كانت كلِمات الله الأُولَى لِمُوسى تردادًا لاسمِهِ. هذا يُظهِرُ بأنَّهُ وبالرغم من أنَّ موسى الآن هو راعٍ غامض وغير معروف على جانبِ الصَّحراء، لقد عرفَ الله مَن يكون، ذلك لأنَّ موسى كان مُهمًّا بنظَرِ الله.
- تضَمَّنَت هذه الدَّعوة الـمُزدَوِجَة (مُوسَى، مُوسَى) أهمِّيَّةً وإلحاحًا، كما عندما دعا الله إبراهيم، إبراهيم (تكوين ١١:٢٢)، صموئيل، صموئيل (١ صموئيل ١٠:٣)، سمعان، سمعان (لوقا ٣١:٢٢)، مرثا، مرثا (لوقا ٤١:١٠)، و شاول، شاول (أعمال الرُّسُل ٤:٩).
- ثُمَّ قَالَ: طلبَ الله من موسى القيامَ بأمرَين اثنَين لإظهارِ إكرامِهِ لهذا المكان، بسببِ الحضور الـمُباشِر لله.
- لقد أخبرَ موسى بضرورةِ الحفاظِ على مسافةٍ مُعيَّنة من العُلَّيقَة الـمُشتعِلَة (لَا تَقْتَرِبْ إِلَى هَهُنَا).
- لقد أمرَ موسى بإظهارِ وقارٍ في حضرةِ الله (ٱخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ).
- إنَّ عبارة لَا تَقْتَرِبْ إِلَى هَهُنَا تعني حرفيًّا “قِف ولا تقتَرِب”. كان موسى في طريقهِ إلى فَحصِ هذه العُلَّيقَة الـمُشتعِلَة عندما تدخَّل الله على التَّوِّ لإيقافِهِ.
- كان هذا مكانًا مُقدَّسًا؛ ولأنَّ الله قُدُّوس، سيكون هُناك دائمًا مسافةً بين الله والإنسان. حتَّى وفي حالَة الكمال، لا يُمكِن للإنسان أبدًا بأن يكون مُساوِيًا، بالرغم من إمكانيَّة اقترابهِ لِيَكون في شركةٍ معه أكثرَ من ذي قَبَل.
- ٱخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ: يُظهِرُ خَلْعَ الحذاءِ انسكابًا أو تواضُعًا لائِقًا، ذلك لأنَّ الـمُعوَزين والأشدَّ فَقرًا ليس لَهُم أحذِيَة، وكذلك الخُدَّام الـحُفاة. ويُظهِرُ أيضًا الحضور الـمُباشِر لله. في الكثير من الثَّقافات، يخلَع المرءُ حذاءَهُ عند دخولِ بيتِ أحدِهِم، والآن موسى لَهوَ في ’بيتِ‘ الله، ذلك المكان الَّذي يشهَد على حضورهِ الـمُباشِر.
- “وكما أنَّ النَّعلَ يمتزِجُ بالغُبارِ والرَّملِ، الأمر الَّذي يجعل القدَمَين تَتَّسِخان خلال التَّرحالِ فَيُسبِّبَ عدم الرَّاحة، هكذا تلك العادة في غَسْلِ الأرجُل بشكلٍ مُستمرٍّ في هذه البُلدان لَهيَ جزءٌ من اعتمار الحذاء. لذلك، نرى أنَّ خَلْعَ الحذاءِ يُمثِّلُ شعارًا أو رمزًا في وَضعِ التَّلوُّثِ النَّاتِج عن السُّلوك في طريق الخطيَّة، جانِبًا.” كلارك (Clarke)
- أَنَا إِلَهُ أَبِيكَ، إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ: أظهر وعرَّف الله عن نفسِهِ لِمُوسى بإعلانهِ علاقتهُ بالآباء. لقد ذكَّر هذا موسى بأنَّ الله هو إلهُ العهدِ وبأنَّ عهدَه مع إسرائيل لا يزالُ صالِحًا ومُهِمًّا. لَم يكُن هذا إلهًا جديدًا يلتقي بموسى، بل نفس الإله الَّذي تعامَلَ مع إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.
- لقد أظهرَ الله ذاتَهُ لِمُوسى بشكلٍ حميمٍ أكثر ممَّا أظهرَها لأيٍّ من الآباءِ؛ بالرغم من ذلك، لقد بدأ كلُّ هذا بتذكير الله لِمُوسى بجسر ذلك العهد حيث التقيَا.
- قد يعتقِد البعض في أيَّام موسى بأنَّ الله أهملَ أو نسِيَ عهدَهُ خلال ٤٠٠ سنةٍ من العبوديَّة والتَّسخير في مصر، أي منذ أيَّامِ الآباء. ومع ذلك، فقد كان الله يعمَل خلال هذا الوقت، حافِظًا ومُكثِّرًا الأُمَّة.
- فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى ٱللهِ: قال الله لِمُوسى بأن يقومَ بما يجب أن يقومَ به أيُّ مخلوقٍ تجاه خالِقهِ – بأن يخشَعَ وينتَبِه لقداستهِ. تَجاوَبَ موسى كإنسانٍ، بحيث كان يعرِف أنَّه ليس مَخلوقًا فحسب، بل مَخلوقًا خاطِئًا – فَغَطَّى وَجْهَهُ.
- في خلال سنواتِهِ التي أمضاها في الصَّحراءِ في مديان، تذكَّر موسى قَتْلَهُ لذلك المصريّ، وكَم كان آنذاك فخورًا بأنَّه سَيُحرِّر إسرائيل شخصيًّا. لَرُبَّما تذكَّر موسى آلاف الخطايا، الحقيقيَّة والوهميَّة – الآن، عندما ظهر الله، تجاوب بطريقةٍ مُختلِفة تمامًا عن طريقته منذ ما قبل أربعين سنة.
ثانيًا. مأموريَّة الله لِمُوسى
أ ) الآيات (٧-١٠): يشرَح الله لِمُوسى خُطَّته العامَّة ومكانتهُ في هذه الخُطَّة.
٧فَقَالَ ٱلرَّبُّ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي ٱلَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، ٨فَنَزَلْتُ لِأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي ٱلْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ ٱلْأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، إِلَى مَكَانِ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلْأَمُورِيِّينَ وَٱلْفِرِزَّيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ. ٩وَٱلْآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ أَيْضًا ٱلضِّيقَةَ ٱلَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا ٱلْمِصْرِيُّونَ، ١٠فَٱلْآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ».
- إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي ٱلَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لِأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي ٱلْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ ٱلْأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ: لَم يتَّخِذ الله قرارًا في تلك اللَّحظة بأن يُعطي إسرائيل أرضَ كنعان. لقد كانت هذه نفس الأرض التي وعدَ بها الآباء قبل ٤٠٠ سنة.
- وَٱلْآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ أَيْضًا ٱلضِّيقَةَ ٱلَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا ٱلْمِصْرِيُّونَ: أراد الله من موسى وإسرائيل بأن يعرِفا عطفَهُ الحنون نحوهُما.
- حتَّى هذه اللَّحظة، كان اختبارُ موسى يُؤكِّدُ ذلك الفاصِل بينَهُ وبين الله. لَم يكُن مُمكِنًا لِمُوسى بأن يشتعِل من دون أن يحترِق. لَم يكُن مُمكِنًا لِمُوسى بأن يتكلَّم من وسط النَّار. لَم يكُن مُمكِنًا لِمُوسى بأن يحتفِظَ بحذائهِ في الحضرَة الإلهيَّة. لَم يكُن موسى الإله الأبديُّ للآباء. لقد كان هذا الفاصِلُ بين موسى والله حقيقيًّا؛ بالرغم من ذلك، سَيُريه الله قريبًا عنايتَهُ وعطفَهُ، لهُ ولِشَعبِ إسرائيل. قد يكون الله مُنفصِلًا، لكنَّه ليس بالضَّروريِّ بعيدًا. قد يكون الله مُنفصِلًا؛ بالرغم من ذلك، فهو يهتمُّ ويتفاعَل مع حاجاتنا.
- فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: لقد قال الله في خروج ٨:٣، فَنَزَلْتُ لِأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي ٱلْمِصْرِيِّينَ … . ثمَّ في خروج ١٠:٣ قال: فَٱلْآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ. فإذا كان الله قد قال بأنَّهُ سَيُعتِقَهم من أسر العبوديَّة، فلماذا يستخدِم أو يحتاج إلى موسى إطلاقًا؟ يُظهِرُ هذا بأنَّ الله يستخدِمُ غالِبًا، ويختار الإعتماد على، أدواتٍ بشريَّة.
- بإمكان الله أن يقومَ بذلك بنفسِهِ، لكنَّ خُطَّةَ الله غالِبًا ما تعمَل مع ومن خلالِ الإنسان، لأنَّنا نَحْنُ عَامِلُونَ مَعَهُ (٢ كورنثوس ١:٦).
ب) الآيات (١١-١٢): يُجيبُ موسى، وجوابُ اللهِ على إجابتهِ.
١١فَقَالَ مُوسَى لِلهِ: «مَنْ أَنَا حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَحَتَّى أُخْرِجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ؟» ١٢فَقَالَ: «إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ، وَهَذِهِ تَكُونُ لَكَ ٱلْعَلَامَةُ أَنِّي أَرْسَلْتُكَ: حِينَمَا تُخْرِجُ ٱلشَّعْبَ مِنْ مِصْرَ، تَعْبُدُونَ ٱللهَ عَلَى هَذَا ٱلْجَبَلِ».
- مَنْ أَنَا: لقد فكَّر موسى قبلَ ٤٠ سنة بأنَّهُ يعرِف مَن كان هوَ: كان أميرًا في مصرَ وهو عبرانيّ، وهو أداةٌ قد اختارها الله لخلاصِ شعبهِ. وبعد أربعين سنةً وهْوَ يُطارِدُ الخراف حولَ الصَّحراء، لَم يَعُد موسى يمتلِك ذات الثِّقة بالنَّفس التي كانت عندَهُ قبلًا.
- إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ: كان المقصود من جوابِ الله تحويل انتباهَ وتركيزَ موسى عن نفسِهِ إلى حيث يجب أن يكون – إلى الله. فلم يجب الله أبدًا على السؤال: ’من أنا؟‘ لكنه ذكَّر موسى بهذ الكلمات: ’إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ.‘
- كانت هذه فرصةً عظيمة للتَّعامُل مع مُشكِلَة ’احترام الذَّات أو الثِّقة بالنَّفس‘ لدى موسى، لكنَّ الله تجاهل تلك الحُلول الـمُتعلِّقَة ’بالـمُشكِلَة‘ التي غالِبًا نستخدِمُها. كان موسى يُعاني من مُشكِلَة احترام الذَّات فقط عندما كان كثير الثِّقة بقدرتهِ على تحرير إسرائيل.
- مَنْ أَنَا: لَم يكُن هذا حقًّا سؤالًا في محلِّهِ؛ ’مَن هو الله؟‘ هو ذلك السُّؤال الصَّحيح. فقد كانت هويَّةُ الله أكثرَ أهمِّيَّةً مِمَّا كان عليه موسى. عندما نتعرَّف على الله الَّذي هو معنا، عندها نتقدَّمُ بثقةٍ كي نعملَ مشيئتَهُ.
- إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ: لا يملِكُ موسى أيَّ حقٍ في الإعتراض بعد هذا. فَمِن هُنا بالذَّات تتحوَّل اعتراضاتهُ من كَونها غيابًا تقويًّا للإعتمادِ على الله، إلى غيابٍ غير تقويٍّ للإيمان.
- حِينَمَا تُخْرِجُ ٱلشَّعْبَ مِنْ مِصْرَ، تَعْبُدُونَ ٱللهَ عَلَى هَذَا ٱلْجَبَلِ: بينما كان موسى يرعى القطعان في البريَّة، لَرُبَّما بدت إمكانيَّة قيادَة موسى لِثلاثةِ ملايين نسمة إلى هذا الجبل مُستحيلة – لكنَّ الله وعدَ بذلك.
- لَرُبَّما لَم تكُن العلامة بأنَّ الله قد أرسلَ موسى مجيئَهُم إلى جبل سيناء (الأمر الَّذي تمَّ بعد شهورٍ وشهورٍ طويلة). لَرُبَّما تعودُ العلامة إلى الوراء، إلى ذلك المشهَد في العُلَّيقَة الـمُشتعِلَة واللِّقاء مع الله هُناك.
ج) الآيات (١٣-١٤): الإفصاح عن اسمِ الله لِمُوسى.
١٣فَقَالَ مُوسَى لِلهِ: «هَا أَنَا آتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِلَهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا ٱسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟» ١٤فَقَالَ ٱللهُ لِمُوسَى: «أَهْيَهِ ٱلَّذِي أَهْيَهْ». وَقَالَ: «هَكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ».
- فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا ٱسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟: لقد كان موسى مُحِقًّا، فهو الـمُحتاج إلى شهادةٍ موثوقة أمام شعبِ إسرائيل. قبلًا، ظنَّ بأنَّ لديه أوراق اعتمادٍ شخصيَّة كَونَهُ أميرًا في مصر. لقد أخذَت أربعون سنةً من حياتهِ في رعاية القطعان، كلَّ شعورٍ بالإكتفاء والإعتماد الذَّاتيّ.
- عندما أظهر الله ذاتَهُ للإنسان في أيَّام الآباء الأوَّلين، كان هذا الظُّهور غالبًا مُرتبِطًا بإعلانِ اسمٍ جديد أو عنوانٍ.
- دعا إبراهيم، في مُقابَلتهِ مع مَلكي صادِق، باسمِ ٱلرَّبِّ ٱلْإِلَهِ ٱلْعَلِيِّ (تكوين ٢٢:١٤).
- قابَلَ إبراهيم ٱللهَ ٱلْقَدِيرَ في مرحلةٍ لاحِقَة (تكوين ١:١٧).
- تمكَّن إبراهيم من معرفة الرَّبِّ عن كثَب كٱلْإِلَهِ ٱلسَّرْمَدِيِّ (تكوين ٣٣:٢١)، وكَيَهْوَهْ يِرْأَهْ (تكوين ١٤:٢٢).
- قابَلَت هاجَر الرَّبَّ الَّذي تكلَّم معها، قائلةً: أَنْتَ إِيلُ رُئِي (تكوين ١٣:١٦).
- التقى يعقوب بِمَن أسماهُ، إِيلَ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ (تكوين ٢٠:٣٣) و إِيلَ بَيْتِ إِيلَ (تكوين ٧:٣٥).
- لذا، لَو كان موسى لِيأتيَ إلى شيوخِ إسرائيل كَمُمَثِّلٍ عن الله، فَمَن المنطقيِّ لهم بمكانٍ ما أن يتساءلوا: ’بأيِّ اسمٍ أعلَن ذاتَهُ لك؟‘
- عندما أظهر الله ذاتَهُ للإنسان في أيَّام الآباء الأوَّلين، كان هذا الظُّهور غالبًا مُرتبِطًا بإعلانِ اسمٍ جديد أو عنوانٍ.
- فَقَالَ ٱللهُ لِمُوسَى: أَهْيَهِ ٱلَّذِي أَهْيَهْ: قد يبدو هُرائيًّا بأن يُشيرَ أحدٌ ما إلى نفسهِ بهذه العبارة، ’أَهْيَهِ ٱلَّذِي أَهْيَهْ.‘ رغمًا من ذلك، فإنَّها تُظهِرُ جانِبًا مُهِمًّا عن الله – أن لا وجودَ لنظيرٍ مُساوٍ له.
- “لا يوجَد مُساوٍ لله إلَّا الله. فإذا وضعتَ الله إلى جانبٍ واحِدٍ من علامة الـمُعادَلَة (=)، فلا يُمكِن وَضْعُ أيِّ شيءٍ إلى الجهَّة الأُخرى إلَّا ذاتَهُ.” ماير (Meyer)
- إنَّ الأقرَبَ الَّذي من الـمُمكِن أن يكون مُعادِلًا لَهُوَ القَول: ’الله محبَّة‘ (١ يوحنَّا ٨:٤، ١٦:٤). رغمًا من ذلك، فهذا ليس مُساويًا بالضَّبط، ذلك بسببِ إمكانيَّة عَكسِها والقَول، ’المحبَّةُ هي الله.‘ وإن كان ’الله محبَّة،‘ فهوَ أعظم من المحبَّة.
- يرتبطُ هذا الإسم أَهْيَهِ ٱلَّذِي أَهْيَهْ باسمِ يهوه. “إنَّ هذه الجُملَة المصقولَة جيِّدًا لَهِيَ إشارةٌ واضِحَةٌ للإسم يهوه. فَمَن الـمُحتمَل بمكانٍ ما أن يُنظَرَ إلى كلِمة ’يهوه‘ كَتقصيرٍ للجُملة بأكمَلِها، ودَمجُ كلِماتها في كلِمةٍ واحِدَة.” كُول (Cole)
- لَم يكُن يهوه اسمًا جديدًا، أو اسمًا غير مَعلومٍ – فقد برزَ أكثر من ١٦٠ مرَّةً في كتاب سفر التَّكوين. كان اسمُ أُمِّ موسى يوكابد الَّذي يعني يهوه هو مجدي. لقد عرف موسى والإسرائيليُّون اسم يهوه. لَم يُعطِهِم الله اسمًا عنه غير معروفٍ من قَبْل، لكنَّهُ أعطاهُم اسمًا قد عرفوه قبلًا. لقد دعاهُم الله للعودَة إلى إيمان الآباء، وليس إلى شيءٍ ’جديد.‘
- في العالَم الَّذي يتكلَّم الإنكليزيَّة، كان النَّاس يلفظون كلِمة الرَّبِّ كَـ يهوه. فقد رفض اليهودُ التَّقيُّون في السَّنوات التي تلَت، بأن يتلفَّظوا باسمِ الله من بابِ المهابةِ والوقار، لذلك تركوا جانِبًا الحُروف الـمُتحرِّكة لاسمِهِ وقالوا ببساطةٍ كلِمة الرَّبُّ ( أدوناي) بدلًا من ذلك. فإذا وُضِعَت الحُروف الـمُتحرِّكة على الحُروف السَّاكِنة، يُمكِنك الحصول على اسمِ ’يهوه.‘ أتى كلُّ ذلك في مرحلةٍ لاحِقَة؛ لكن، في زمن الكتاب المقدَّس كان الإسمُ يُلفَظ يهوِه (أَهيَه) أو يهفِه.
- أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ: أخبرَ الله موسى بأنَّ اسمَهُ كان أَهْيَهْ، ذلك لأنَّ الله ببساطةٍ هو. فلَم يكُن هُناك وقتٌ لَم يكُن موجودًا فيه أبدًا، ولَن يأتيَ وقتٌ يتوقَّف فيه عن الوجود.
- كان لهذا الإسمِ أَهْيَهْ فكرةً مُرتبِطَة باستقلال يَّة الله؛ أي أنَّه لا يعتمِدُ على أيِّ شيءٍ للحياة أو الوجود (إشعياء ٢٨:٤٠-٢٩؛ يوحنَّا ٢٦:٥). يُسمِّي اللَّاهوتيوُّن هذه الخاصِّيَّة أحيانًّا ذاتيّ. فَهِيَ تعني أنَّ الله لا يحتاج إلى أيِّ شخصٍ أو شيءٍ – فالحياةُ فيه لَهِيَ ذاتيَّة.
- هذا الإسم لَهُوَ مُرتبِطٌ أيضًا بفكرة أنَّ الله هو أبديٌّ وغير مُتغيِّر. “مُتكلِّمين بصرامَة، نستطيع القَول بأنَّه لا وجودَ لِكَلِماتٍ في الماضي أو الـمُستقبَل في مُعجَمِ ومُفرداتِ اللُّغَّة الإلهيَّة. فإذا بدا الأمرُ وكأنَّ الله يَستخدِم هذه الكلِمات، فذلك يعودُ إلى أُسلوبِ احتوائهِ لِآفاقنا المحدودَة.” ماير (Meyer)
- هذا الإسم لَهُوَ مُرتبِطٌ أيضًا بفكرة أنَّ أَهْيَهْ هي تعريفٌ للهِ كذلك الشَّخص ’الَّذي يصيرُ؛‘ فالله يُصبِح كلَّ ما ينقصنا في وقت الحاجَة. إنَّ الإسمَ أَهْيَهْ يدعونا لِمَلءِ الفراغ سدًّا للحاجَة – عندما نكون في الظُّلمَة، يسوع يقول: أنا هو النُّور؛ وعندما نكون جائعين، فهو يقول: أنا هو خبزُ الحياة؛ وعندما نكون مُسالِمين، فهو يقول: أنا هو الرَّاعي الصَّالِح. فالله يُصبِح ’الَّذي يصير،‘ أي يُصبِح أو يصير ما نحتاجُ إليه.
- نرى في هذا أنَّ اسمَ الله هو إعلانٌ ومُقدِّمَة. فهو يُعلِن حضورَ الله ويدعو كلَّ مَن هو راغِبٌ لأن يعرِفَه بالإختبار، ذلك لِتَذوُّق ورؤية أنَّ الرَّبَّ صالِحٌ.
- أَهْيَهْ: ننظرُ إلى ذلك كَعُنوانٍ استخدَمَهُ يسوع على نفسِهِ غالِبًا، مُشيرًا بوضوحٍ إلى شخصِهِ الـمُتكلِّم من الـعُلَّيقَة الـمُشتعِلَة.
- فَقُلْتُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ، لِأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ ]أَهْيَهْ[ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ (يوحنَّا ٢٤:٨).
- فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: مَتَى رَفَعْتُمُ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ ]أَهْيَهْ[، وَلَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ نَفْسِي، بَلْ أَتَكَلَّمُ بِهَذَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي (يوحنَّا ٢٨:٨).
- قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ ]أَهْيَهْ[ (يوحنَّا ٥٨:٨).
- أَقُولُ لَكُمُ ٱلْآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ [أَهْيَهْ] (يوحنَّا ١٩:١٣).
- فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ تَطْلُبُونَ؟ .أَجَابُوهُ: يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ. وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضًا وَاقِفًا مَعَهُمْ .فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: إِنِّي أَنَا هُوَ، رَجَعُوا إِلَى ٱلْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى ٱلْأَرْضِ ]أَهْيَهْ[ (يوحنَّا ٤:١٨-٦).
د ) الآيات (١٥-١٨): يُعلِم الله موسى بما سيقوله لِشُيوخِ إسرائيل.
١٥وَقَالَ ٱللهُ أَيْضًا لِمُوسَى: «هَكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: يَهْوَهْ إِلَهُ آبَائِكُمْ، إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. هَذَا ٱسْمِي إِلَى ٱلْأَبَدِ وَهَذَا ذِكْرِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. ١٦اِذْهَبْ وَٱجْمَعْ شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمُ: ٱلرَّبُّ إِلَهُ آبَائِكُمْ، إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ظَهَرَ لِي قَائِلًا: إِنِّي قَدِ ٱفْتَقَدْتُكُمْ وَمَا صُنِعَ بِكُمْ فِي مِصْرَ. ١٧فَقُلْتُ أُصْعِدُكُمْ مِنْ مَذَلَّةِ مِصْرَ إِلَى أَرْضِ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلْأَمُورِيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا». ١٨فَإِذَا سَمِعُوا لِقَوْلِكَ، تَدْخُلُ أَنْتَ وَشُيُوخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى مَلِكِ مِصْرَ وَتَقُولُونَ لَهُ: ٱلرَّبُّ إِلَهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ ٱلْتَقَانَا، فَٱلْآنَ نَمْضِي سَفَرَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلَهِنَا.
- هَكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: بعد أربعمئة سنة في مصرَ، تخصَّصَ موسى بأداء مَهمَّة الإعلان عن أنَّ الآن هو وقتُ عودَة بَني إسرائيل إلى كنعان، ذلك لامتلاكِ الأرض التي وعد بها الله آباءهُم.
- لقد كان هذا رُبَّما مُعاكِسًا بشكلٍ كاملٍ لِما تمنَّاهُ شيوخُ وشعبُ إسرائيل. ففي مُدَّةِ أربعمائة سنة، يتجذَّر الإنسان حيث هو. لَرُبَّما لَم يكُن لديهم أيَّةُ نِيَّةٍ للعودَة إلى أرضِ الموعِد؛ فَجُلَّ ما أرادوه كان المزيد من الرَّاحَة في مصر.
- يجب أن تأتي الكلِمة الأُولَى إلى شعبِ الله (خروج ١٦:٣)، ومن ثمَّ إلى العالَم (خروج ١٨:٣). غالِبًا، لا يتكلَّم الله إلى العالَم الأوسَع قبل تكلُّمِهِ إلى شعبهِ كيما يستحوِذَ على اهتمامهم.
- هَذَا ٱسْمِي إِلَى ٱلْأَبَدِ: يُشيرُ الله هُنا إلى الإسم الـمَذكور آنِفًا في نفس العدد، الرَّبُّ الإله (يهوه ألوهيم). ’إِلَى ٱلْأَبَدِ‘ تُشدِّد على أمانة الله الأبديَّة بالنِّسبة إلى العهد.
- فَإِذَا سَمِعُوا لِقَوْلِكَ: كان هذا وعدًا ثمينًا لِمُوسى. فَقَبلَ أربعين سنةً عندما بدت الأُمور وكأنَّها كُلَّها على ما يُرام بالنِّسبةِ إليهِ، قد رفض شعبُ إسرائيل قَبولَه كَمُحرِّرٍ للأُمَّة. بكلِّ تأكيدٍ، لقد كان يتساءَلُ فيما إذا كانوا سَيُصغون إليه الآن، بينما لا يبدو بأنَّ شيئًا كان مُؤاتِيًا له.
- لكنَّ موسى كان لديه الله الَّذي يعمَل لأجلِه ومن خلالهِ الآن؛ سيسمعون لرسالَةِ موسى بكلِّ تأكيد.
- تَدْخُلُ أَنْتَ وَشُيُوخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى مَلِكِ مِصْرَ وَتَقُولُونَ لَهُ… فَٱلْآنَ نَمْضِي سَفَرَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلَهِنَا: قدَّم الله لِفِرعَون أوَّلًا طلبًا صغيرًا لكي يكونَ طلبًا جذَّابًا وسهلًا لاحتمالِ القَبول. لقد قام بذلك حتَّى لا يكون لِفِرعَون أيُّ عُذرٍ البتَّة في رَفضِ الله أو تقسيةِ قلبِهِ.
هـ) الآيات (١٩-٢٢): يُعلِم الله موسى بكيفيَّة تسيير الأُمور مع المصريِّين.
١٩وَلَكِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ لَا يَدَعُكُمْ تَمْضُونَ وَلَا بِيَدٍ قَوِيَّةٍ، ٢٠فَأَمُدُّ يَدِي وَأَضْرِبُ مِصْرَ بِكُلِّ عَجَائِبِي ٱلَّتِي أَصْنَعُ فِيهَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ يُطْلِقُكُم. ٢١وَأُعْطِي نِعْمَةً لِهَذَا ٱلشَّعْبِ فِي عُيُونِ ٱلْمِصْرِيِّينَ. فَيَكُونُ حِينَمَا تَمْضُونَ أَنَّكُمْ لَا تَمْضُونَ فَارِغِينَ. ٢٢بَلْ تَطْلُبُ كُلُّ ٱمْرَأَةٍ مِنْ جَارَتِهَا وَمِنْ نَزِيلَةِ بَيْتِهَا أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَابًا، وَتَضَعُونَهَا عَلَى بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ. فَتَسْلُبُونَ ٱلْمِصْرِيِّينَ».
- وَلَكِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ لَا يَدَعُكُمْ تَمْضُونَ: لقد عَلِمَ الله بهذا الأمرِ منذ البداية. لقد عَلِمَ ما هو المطلوب لتحريك قلبِ فرعون، لذلك نرى أنَّ الضَّربات والويلات قد هُندِسَت لقصدٍ مُحدَّد ولَم يُخطَّط لها بشكلٍ عشوائيّ.
- سأل موسى الله عن كيف سيتلقَّى إخوته الإسرائيليِّين الأخبار الـمُتعلِّقة بتحريرهم من أرضِ مصرَ، لكنَّ وقوفَ شعبِ إسرائيل وراءَ موسى كان يُشكِّلُ جزءًا صغيرًا في صراعهم الـمُقبِل – وماذا عن المصريِّين؟ كيف يُمكنهم أبدًا الـمُوافقة على إطلاق سراح هذه القوَّة العامِلَة من البلَد؟ وحتَّى لَو لَم يسأل موسى، فقد أعطى الله الجواب.
- يُصِرُّ كلارك (Clarke) بأنَّ هذه الكلِمات، وَلَكِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ لَا يَدَعُكُمْ تَمْضُونَ وَلَا بِيَدٍ قَوِيَّةٍ، يُمكِن فهمها على الشكل التَّالي: أنا لَمُتأكِّدٌ بأنَّ ملك مصر لَن يدعكم تُطلَقون، إلَّا بيدٍ قويَّة. فالفكرةُ لَوَاضِحَةٌ جدًّا – لَن يسمَح فرعون بإطلاقهم بشكلٍ سهلٍ، لذلك سيجلِب الله دينونةً عظيمة على مصرَ لإقناعِهِ.
- وَأُعْطِي نِعْمَةً لِهَذَا ٱلشَّعْبِ … فَيَكُونُ حِينَمَا تَمْضُونَ أَنَّكُمْ لَا تَمْضُونَ فَارِغِينَ: لقد وعدَ الله بترتيب الأُمور ليس فقط من أجل تحريك قلبِ فرعون فحسب، بل من أجل تحريك قلوب الشعب المصريّ، إذ عند خروج الإسرائيليِّين، يُمطَرون بأَمْتِعَةِ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةِ ذَهَبٍ وَثِيَابًا. لَم يكُن هذا سَرِقةً أو ابتزازًا، بل أجرًا مُناسِبًا لسنواتٍ من العمل القسريّ.
- يقول الله في تثنية ١٢:١٥-١٤، بأنَّه إذا كان لأحدٍ عبدٌ وحان وقتُ انتهاءِ خدمته، لَا تُطْلِقُهُ فَارِغًا. لَن يسمَحَ الله بإطلاق الإسرائيليِّين من العبوديَّة في مصر خاليِّ الوِفاض وأياديهم فارِغَة؛ على العكس من ذلك، سيَسْلُبُونَ ٱلْمِصْرِيِّين.