سفر الخروج – الإصحاح ٧
عجائبٌ وضرباتٌ أمام فرعون
أولًا. يشرَح الله خُطَّته لِمُوسى مرَّةً أُخرَى
أ ) الآيات (١-٢): إعادةُ تأكيد عمَل موسى وهارون مرَّةً أُخرَى.
١فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «ٱنْظُرْ! أَنَا جَعَلْتُكَ إِلَهًا لِفِرْعَوْنَ. وَهَارُونُ أَخُوكَ يَكُونُ نَبِيَّكَ. ٢أَنْتَ تَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ، وَهَارُونُ أَخُوكَ يُكَلِّمُ فِرْعَوْنَ لِيُطْلِقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِهِ.
- فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: لقد أظهرَ الله صبرًا رائعًا في تعامُلِهِ مع عبدِهِ موسى. فبعد الفَورَة في نهاية الأصحاح السَّابِق، نتوقَّع أن يكون الله قد اكتفى مع موسى. بالرغم من ذلك، فالله لَم يُؤنِّب موسى حتَّى؛ بل ببساطةٍ قال له ماذا ينبغي أن يفعَل وحضَّره للقيام بذلك. هذا مثَلٌ آخَر عن غنى رحمةِ الله.
- ٱنْظُرْ! أَنَا جَعَلْتُكَ إِلَهًا لِفِرْعَوْنَ: رفض فرعون أيَّ تعامُلٍ مُباشِر مع يهوه، كما قال في سفر الخروج ٢:٥، مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَأُطْلِقَ إِسْرَائِيلَ؟ لذلك، سيتعامَل الله مع فرعون بواسطة موسى.
- “يجب أن يقِفَ أمام فرعون بالنِّيابة عن الله، ليس لإيصالِ رسائلِهِ فحسب، بل لِمُرافقتهم بأعمالِ قوَّةٍ لإظهارِ سُلطان هذه الرَّسائل.” مورجان (Morgan)
- تُحمَلُ هذه الفكرة إلى العهد الجديد وخصوصًا عندما كتب بولس بأنَّ المؤمنين يُشبِهون تلك الأحرُف المكتوبة بواسطة يسوع حتَّى يقرأها كلُّ العالَم (٢ كورنثوس ٢:٣-٣). أُولئك الَّذين لا يُريدون النَّظَر إلى الله، سوفَ ينظرون إلينا؛ والَّذين لا يريدون قراءة الكتاب المقدَّس، سيقرؤون حياتنا.
- “النبيُّ هو ذلك الشَّخص الَّذي يُمثِّلُ الله بالنِّسبة إلى الإنسان، وبذلك كلُّ شعبِ الله هُم أنبياء. هل نُقدِّمُ إلى مَن هُم حولَنا فكرةً صحيحة عن الله؟” توماس (Thomas)
- وَهَارُونُ أَخُوكَ يَكُونُ نَبِيَّكَ: إذا قُدِّر لِمُوسى بأن يكونَ ’مثلَ الله‘ بالنِّسبةِ إلى فرعون، عندها سيكون هارون ’نبيُّ‘ موسى – الـمُتكلِّم باسمهِ أمام فرعون.
- وكما أنَّ موسى لَم يكُن لِيَتصرَّف بمبادرةٍ شخصيَّةٍ منه، بل بانتظارِ إرشادِ الله، هكذا أيضًا هارون لَم يكُن لِيَتصرَّف بمبادرةٍ شخصيَّةٍ منه، بل بانتظارٍ لإرشادِ موسى.
- أَنْتَ تَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ: لَم يكُن الله لِيَسمحَ لِمُوسى بأن يكون فشلُهُ الظَّاهريّ في لقائه الأوَّل مع فرعون سببَ إحباطٍ له. بكلِّ بساطةٍ، لقد أُمِرَ موسى بالذَّهاب.
ب) الآية (٣): يعِدُ الله بتقسيَةِ قلبِ فرعون.
٣وَلَكِنِّي أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَأُكَثِّرُ آيَاتِي وَعَجَائِبِي فِي أَرْضِ مِصْرَ.
- وَلَكِنِّي أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ: كما في الفقرة السَّابقة التي تحدَّثت عن تقسيَةِ الله لِقَلبِ فرعون (خروج ٢١:٤)، نتذكَّر أنَّ الله لَم يُقسِّ قلبَ فرعون عكسَ رغبتهِ. لقد أكَّدَ الله بأنَّ فرعون له ميلُ شرِّير ضدَّ إسرائيل.
- أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ: أظهرَ فرعون قلبَهُ عندما رفض طلَبَ موسى البسيط سابِقًا في خروج ١:٥-٤. الآن، سيُقَسِّي الله فرعون في ذلك الشرِّ الَّذي اختارَهُ.
- يستطيع الله بأن يقومَ بذلك اليوم. ففي عصياننا، يُمكِنُنا الوصول إلى ذلك المكان حيث يُقسِّي الله قلوبنا في ذلك الشرِّ الَّذي نبتغيه: “لِذَلِكَ أَسْلَمَهُمُ ٱللهُ أَيْضًا فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى ٱلنَّجَاسَةِ، لِإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ. وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا ٱللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ ٱللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لَا يَلِيقُ” (رومية ٢٤:١، ٢٨).
- وَأُكَثِّرُ آيَاتِي وَعَجَائِبِي فِي أَرْضِ مِصْرَ: حتَّى ولَو قسَّى الله قلبَ فرعون، فقد أعطاهُ الأسباب التي تجعله يُؤمِن ويستسلِم لله – لَو أراد ذلك.
ج) الآيات (٤-٧): لماذا يُقسِّي الله قلبَ فرعون؟
٤وَلَا يَسْمَعُ لَكُمَا فِرْعَوْنُ حَتَّى أَجْعَلَ يَدِي عَلَى مِصْرَ، فَأُخْرِجَ أَجْنَادِي، شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِأَحْكَامٍ عَظِيمَةٍ. ٥فَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ حِينَمَا أَمُدُّ يَدِي عَلَى مِصْرَ وَأُخْرِجُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَيْنِهِمْ». ٦فَفَعَلَ مُوسَى وَهَارُونُ كَمَا أَمَرَهُمَا ٱلرَّبُّ. هَكَذَا فَعَلَا. ٧وَكَانَ مُوسَى ٱبْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَهَارُونُ ٱبْنَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً حِينَ كَلَّمَا فِرْعَوْنَ.
- وَلَا يَسْمَعُ لَكُمَا فِرْعَوْنُ: لقد عَلِمَ الله منذ البداية بأنَّ فرعون لَن يقبلَ بِطلَبِ موسى. لَم يكُن الأمرُ مُفاجئًا بالنِّسبة إلى الله عندما رفض فرعون أن ينصاعَ لِمُوسى.
- حَتَّى أَجْعَلَ يَدِي عَلَى مِصْرَ … فَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ: تشرَح هذه الكلِمات لماذا قسَّى الله قلبَ فرعون – بشكلٍ أساسيٍّ، لكي يجلِبَ دينونةً عادِلَة على مصرَ. وبقيامهِ بفعلِ ذلك، فقد أظهر الله ذاتَهُ حتَّى لأُولئك الَّذين رفضوهُ.
- لقد ادَّعى فرعون بأنَّه لَم يعرِف مَن كان الرَّبُّ (خروج ٢:٥). لقد وعدَ الله بأن يُرِيَ فرعون من يكون هو، ولكن بطريقةٍ لَن تَرِقَ لِفرعون أو مصر.
- لقد خطَّط الله ونفَّذَ عملَهُ لكي يرى المصريُّون بأنَّه الرَّبَّ. هو يقوم بنفس العمَل في وسطِ كنيستهِ، مُظهِرًا حكمَتَهُ لخلائقَ ملائكيَّة، أُمناءَ وساقطين (أفسس ١٠:٣-١١). وهو يقومُ بفعلِ نفس الشَّيء في وسط الأفراد، مُظهِرًا صلاحَهُ وقُدرَتَهُ للعالَم الَّذي يتفرَّج. “إنَّ المؤمنين هُم كُتُبٌ مُقدَّسة في العالَم، وذلك لدراسة أيٍّ من البشَر لَرُبَّما يأتون لكي يتعرَّفوا على الرَّبِّ نفسِهِ.” ماير (Meyer)
- “ستكونُ هذه العجائب بمثابة دعوةٍ للمصريِّين لكي يُؤمِنوا شخصيًّا بالرَّبِّ. لذلك نرى بأنَّ الدَّعوةَ قد فُرِضَت بتكرارٍ … والبعض آمَن بحسب الظَّاهِر، ذلك لِوجودِ ’خليطٍ جماعيّ‘ (خروج ٣٨:١٢). قد تركَ مصرَ مع إسرائيل” كايزر (Kaiser)
- وَكَانَ مُوسَى ٱبْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً: يُعتبَر هذا العُمر عُمرًا للتَّقاعُد بالنِّسبة إلى الكثيرين، لكنَّ موسى عرفَ بأنَّ مشيئةَ الله كانت أهمُّ بكثيرٍ من التَّقاعُد. كما أنَّنا نرى من ذلك أنَّ هارون كان الأخَ الأكبَر لِمُوسى، مع ذلك لقد قام الله، بخلافِ العادات التَّقليديَّة، بجَعلِ الأخ الأصغَر أكثر بروزًا.
ثانيًا. يمثُلُ موسى وهارون أمام فرعون
أ ) الآيات (٨-١٠): يمثُلُ موسى وهارون أمام فرعون مرَّةً أُخرَى.
٨وَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلًا: ٩«إِذَا كَلَّمَكُمَا فِرْعَوْنُ قَائِلًا: هَاتِيَا عَجِيبَةً، تَقُولُ لِهَارُونَ: خُذْ عَصَاكَ وَٱطْرَحْهَا أَمَامَ فِرْعَوْنَ فَتَصِيرَ ثُعْبَانًا». ١٠فَدَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَفَعَلَا هَكَذَا كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ. طَرَحَ هَارُونُ عَصَاهُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ وَأَمَامَ عَبِيدِهِ فَصَارَتْ ثُعْبَانًا.
- خُذْ عَصَاكَ وَٱطْرَحْهَا أَمَامَ فِرْعَوْنَ: عندما أعطى الله موسى أوَّلًا علامةً مُماثِلَة في خروج ١:٤-٩، بدَت هذه العلامات وكأنَّها مُوجَّهة بشكلٍ رئيسيٍّ نحو قادَة إسرائيل. أمَّا الآن، فقد أتى موسى وهارون بهذه العلامة أمام فرعون.
- فَدَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ: في المرَّة الأُولَى التي مَثُلَ فيها موسى وهارون أمامَ فرعون، بدا كلُّ شيءٍ وكأنَّه يسيرُ باتِّجاهٍ خاطئ (خروج ١٥:٥-١٩). لقد تطلَّبَ الأمرُ شجاعةً لكي يذهبَا إلى فرعون مرَّةً ثانية، لكنَّ موسى أطاعَ الله ببساطة.
- طَرَحَ هَارُونُ عَصَاهُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ وَأَمَامَ عَبِيدِهِ فَصَارَتْ ثُعْبَانًا: لَم تكُن هذه تمامًا كتلك العجيبة التي اختبرها موسى على جبل سيناء والتي قام بها أمام شيوخِ إسرائيل (خروج ٢:٤-٥ و٢٩:٤-٣٠). استُخدِمَت عصا موسى في تلك العجيبة، لكن هُنا نرى استخدامَ كلِمةٍ عبريَّة مُختلِفَة – شيئًا مثل تمساح، الأمر الَّذي كان علامةً أو شعارًا في مصرَ نفسِها.
- “عندما هبط إلى أسفَل، أصبحَ تنِّينًا (’الحيَّة العظيمة،‘ ’التَّنين أو الوحش،‘ أو ’التِّمساح‘) … إنَّ علاقة الإسم تنِّين بالعلامة في مصرَ لَواضِحَة من سفر المزامير ١٣:٧٤ وحزقيال ٣:٢٩.” كايزر (Kaiser)
ب) الآيات (١١-١٣): يُقلِّد سحَرَةُ فرعون عجيبةَ عصا هارون.
١١فَدَعَا فِرْعَوْنُ أَيْضًا ٱلْحُكَمَاءَ وَٱلسَّحَرَةَ، فَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ أَيْضًا بِسِحْرِهِمْ كَذَلِكَ. ١٢طَرَحُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ فَصَارَتِ ٱلْعِصِيُّ ثَعَابِينَ. وَلَكِنْ عَصَا هَارُونَ ٱبْتَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ. ١٣فَٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ.
- فَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ أَيْضًا بِسِحْرِهِمْ كَذَلِكَ: في خِضمِّ عجيبةٍ جليَّة، قدَّم إبليس لِفرعون سببًا للشكِّ – واقتنصَ فرعون هذا الشكَّ لِيُقسِّيَ قلبَهُ.
- “كان السِّحرُ سائدًا في مصرَ، وهُناك العديد من أوراق البرديّ تتعامَل مع الموضوع.” كُول (Cole)
- طَرَحُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ فَصَارَتِ ٱلْعِصِيُّ ثَعَابِينَ: بحسب الظَّاهِر، لَم يكُن هذا مُجرَّدَ سحرٍ؛ فقد كان سِحرُ وشعوذيَّات السَّحرة المصريِّين أمثِلَةً على قِوًى شيطانيَّة مُظلِمَة تُظهِرُ نفسَها من خلالِ ما يبدو على الأقلِّ كعجائب.
- كانت العجائب – أو على الأقلِّ العجائب الظَّاهريَّة – جزءًا من ترسانة إبليس. لقد كتب الرَّسول بولس فيما بعد عن هذه الفكرة: “ٱلَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ ٱلْإِثْمِ، فِي ٱلْهَالِكِينَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ ٱلْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا” (٢ تسالونيكي ٩:٢-١٠).
- يعني هذا بأنَّ العجائب تُقدِّمُ دليلًا على أنَّ أمرًا ما لَهُوَ خارِقٌ للطَّبيعة، لكنَّها لا تُقدِّم دليلًا على أنَّ هذا الأمر لَهُوَ صحيح.
- كان هؤلاء السَّحرَة المصريُّون رجالًا أذكياء ومُثقَّفين؛ لكنَّه كانت تُعوِزُهُم حكمةُ الله، كما لاحظَ بولس بعض الأُمور الـمُرتبِطَة بِهم في ٢ تيموثاوس ٧:٣-٩: “يَتَعَلَّمْنَ فِي كُلِّ حِينٍ، وَلَا يَسْتَطِعْنَ أَنْ يُقْبِلْنَ إِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ أَبَدًا .وَكَمَا قَاوَمَ يَنِّيسُ وَيَمْبِرِيسُ مُوسَى، كَذَلِكَ هَؤُلَاءِ أَيْضًا يُقَاوِمُونَ ٱلْحَقَّ. أُنَاسٌ فَاسِدَةٌ أَذْهَانُهُمْ، وَمِنْ جِهَةِ ٱلْإِيمَانِ مَرْفُوضُونَ .لَكِنَّهُمْ لَا يَتَقَدَّمُونَ أَكْثَرَ، لِأَنَّ حُمْقَهُمْ سَيَكُونُ وَاضِحًا لِلْجَمِيعِ، كَمَا كَانَ حُمْقُ ذَيْنِكَ أَيْضًا.”
- وَلَكِنْ عَصَا هَارُونَ ٱبْتَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ .فَٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ: بإظهارِ قوَّة الله الـمُتفوِّقَة فيما يتعلَّق برمز مصرَ (التِّمساح أو كائنٍ مُشابِه)، فقد كانت رسالةً واضِحَة لِفرعون ولكلِّ واحِدٍ آخَر. كانت رسالةً تجاهلها فرعون بتقسيَةِ قلبِهِ.
- ألقى شارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) عظةً رائعة بعنوان: قوَّة عصا هارون، حيث تناول العصا كمثالٍ عن الحقِّ الـمُتمثِّلِ بقوَّة الله التي هي أعظَم من أيِّ شيءٍ آخَر بحيث يُمكِنها أن ’تبتَلِعَ‘ أوثاننا وخطايانا وأمثال ذلك.
ج) الآيات (١٤-١٨): يُرسِل الله موسى لِيُحذِّرَ فرعون من مجيء الضَّربة الأُولَى.
١٤ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «قَلْبُ فِرْعَوْنَ غَلِيظٌ. قَدْ أَبَى أَنْ يُطْلِقَ ٱلشَّعْبَ. ١٥اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ فِي ٱلصَّبَاحِ. إِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى ٱلْمَاءِ، وَقِفْ لِلِقَائِهِ عَلَى حَافَةِ ٱلنَّهْرِ. وَٱلْعَصَا ٱلَّتِي تَحَوَّلَتْ حَيَّةً تَأْخُذُهَا فِي يَدِكَ. ١٦وَتَقُولُ لَهُ: ٱلرَّبُّ إِلَهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ قَائِلًا: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. وَهُوَذَا حَتَّى ٱلْآنَ لَمْ تَسْمَعْ. ١٧هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: بِهَذَا تَعْرِفُ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ: هَا أَنَا أَضْرِبُ بِٱلْعَصَا ٱلَّتِي فِي يَدِي عَلَى ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ فَيَتَحَوَّلُ دَمًا. ١٨وَيَمُوتُ ٱلسَّمَكُ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ وَيَنْتِنُ ٱلنَّهْرُ. فَيَعَافُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنَ ٱلنَّهْرِ».
- قَلْبُ فِرْعَوْنَ غَلِيظٌ. قَدْ أَبَى أَنْ يُطْلِقَ ٱلشَّعْبَ: لقد أتت الضَّربة الأُولَى – كما كلِّ الضَّربات الأُخرَى – بسبب قساوة قلبِ فرعون ضدَّ الله وشعبِهِ. ففي رحمتهِ، حذَّرَ الله فرعون، لكنَّه تجاهل هذا التَّحذير.
- بِهَذَا تَعْرِفُ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ: لَو لاحَظَ فرعون بالفعل وأكرَمَ إلهَ إسرائيل، لكان أطلقَ بَني إسرائيل إلى الحُرِّيَّة. لقد أخطأ فرعون تجاه إسرائيل وتجاه الرَّبِّ أيضًا.
د ) الآيات (١٩-٢١): تأتي الضَّربةُ الأُولَى على مصرَ: يتحوَّل النِّيل إلى دَمٍ.
١٩ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «قُلْ لِهَارُونَ: خُذْ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ عَلَى مِيَاهِ ٱلْمِصْرِيِّينَ، عَلَى أَنْهَارِهِمْ وَعَلَى سَوَاقِيهِمْ، وَعَلَى آجَامِهِمْ، وَعَلَى كُلِّ مُجْتَمَعَاتِ مِيَاهِهِمْ لِتَصِيرَ دَمًا. فَيَكُونَ دَمٌ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ فِي ٱلْأَخْشَابِ وَفِي ٱلْأَحْجَارِ». ٢٠فَفَعَلَ هَكَذَا مُوسَى وَهَارُونُ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ. رَفَعَ ٱلْعَصَا وَضَرَبَ ٱلْمَاءَ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ أَمَامَ عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَأَمَامَ عُيُونِ عَبِيدِهِ، فَتَحَوَّلَ كُلُّ ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ دَمًا. ٢١وَمَاتَ ٱلسَّمَكُ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ وَأَنْتَنَ ٱلنَّهْرُ، فَلَمْ يَقْدِرِ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنَ ٱلنَّهْرِ. وَكَانَ ٱلدَّمُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ.
- مِيَاهِهِمْ لِتَصِيرَ دَمًا: كانت هذه الضَّربَةُ الأُولَى. هُناك تسعُ ضرباتٍ بالـمُجمَل (كانت الضَّربةُ العاشرة قَتْلَ الأبكار والتي نعتبرها في تصنيفٍ مُنفصِل بذاتها)، وهي مجموعةٌ في وحدَاتٍ من ثلاث. ففي هذا التَّركيب من ثلاث، جاءَت الضَّرباتُ الإثنان الأُوَل بعد التَّحذير والدَّعوة للتَّوبة؛ أمَّا الضَّربة الثَّالِثة في كلِّ مجموعة فتأتي بدون إنذارٍ أو تحذير.
- فَتَحَوَّلَ كُلُّ ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ دَمًا: يقول البعض بأنَّه يوجَد تفسيرٌ طبيعيٌّ لكلٍّ من هذه الضَّربات. ففي حالة الضَّربة الأُولَى، عندما يفيض نهر النِّيل، تتجمَّع رمالٌ حمراءٌ ناعِمةٌ حاملةٌ للجراثيم التي تُسبِّب هذا اللَّون، الأمرُ الَّذي يقتلُ الأسماك. لكن، إذا صحَّ هذا الأمر، فسيصعُبُ عندها تفسير احتمال تأثُّر فرعون.
- قد يستخدِم الله، أو لا يستخدِم، العوامل الطَّبيعيَّة لإنجازِ الضَّربات؛ حتَّى ولَو قام بذلك، فتوقيت ونمَط الضَّربات لَهُما آتيان من يدَي الله وحدَهُ.
- من الـمُهمِّ بمكانٍ ما فَهمَ أنَّ جميع هذه الضَّربات كانت ضرباتٍ فعليَّة؛ لَم يكُن هُناك من أيِّ إشارةٍ رمزيَّة فيها. كلُّ ضربةٍ أشارَت إلى معنًى أعظَم من الحدَث بحدِّ ذاتهِ، لكنَّها حدثت بالفعل. يُرشِدنا هذا إلى تعميق فَهمِنا عن الضَّربات في كتاب سفر الرُّؤيا؛ لذلك لا نرى أيَّ مجالٍ لرؤيتهم من مُجرَّدِ منظورٍ رمزيّ فحسب.
- كانت الضَّربات التي جاء بها الله إلى أرضِ مصرَ مُحدَّدةَ الإستراتيجيَّة والقصد. تواجِه كلُّ واحِدَةٍ منها إلهًا مصريًّا ثمينًا. لَم تأتِ الضَّرباتُ إلى مصر بالدَّينونةِ فحسب، بل قدَّمت أجوبةً لِسؤالِ فرعون الأساسيّ: “مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَأُطْلِقَ إِسْرَائِيلَ؟ لَا أَعْرِفُ ٱلرَّبَّ” (خروج ٢:٥). تُظهِرُ هذه الضَّربات أنَّ الرَّبَّ الإله هو أعظَم من جميع آلِهَةِ مصرَ.
- وَكَانَ ٱلدَّمُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ: تحديدًا، كانت الضَّربةُ الأُولَى مُوجَّهة ضدَّ آلِهَة النَّهر المصريَّة العديدة. لقد كان نهرُ النِّيل بذاته يُعبَد كإله من قِبَل المصريِّين، لذلك أظهرَ الله أنَّه يمتلِكُ قوَّةَ كامِلَة على النِّيل وليس على إله النَّهر المزعوم.
- “لقد وُصِفَت ’الضَّربات‘ بكلِماتٍ عبريَّة من ذاتِ الأصل، وجميعها كانت تعني ’ضَربة‘ أو ’خَبطَة.‘” كُول (Cole). كانت كلُّ ضربةٍ وكأنَّ الله يضرِب أو يخبط إلهًا يعبدهُ المصريُّون.
- يُقال عن الإله المصريّ خنوم أو غنوم (Khnum) بأنَّه كان حارِسًا للنِّيل، وقد أظهرت هذه الضَّربة بأنَّه غير قادِر على حماية منطقتهِ. يُقالُ عن الإله هابِّي بأنَّه روحُ النِّيل التي حُطِّمت بسبب هذه الضَّربة. بالنِّسبة إلى الإله العظيم أوزيريس، فقد كان يُعتقَد بأنَّ النِّيلَ يجري في دمائهِ؛ وفي هذه الضَّربة بالذَّات، لقد نزف بالفعل. كان النِّيلُ بحدِّ ذاته يُعبَدُ كإله، فهُناك أوراق البرديّ تُسجِّلُ أغاني رُدِّدَت تسبيحًا للنَّهر.
- هُناكَ ذكرٌ مُهِمٌّ لشيءٍ شبيه بأوراق البرديّ هذه، من تلك الحقبة العامَّة، المعروف بِـ ’برديَّة إيبوير.‘ تقول هذه البرديَّة بأنَّ النِّيلَ كان دمًا وغيرَ صالِحٍ للشُّربِ.. هذا وردَّدت ذات البرديَّة بأنَّ الكثير من الخدَم كانوا يتركون سادَتَهُم.
هـ) الآيات (٢٢-٢٥): يستَنسِخ السَّحرَة المصريُّون العجيبة.
٢٢وَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ كَذَلِكَ بِسِحْرِهِمْ. فَٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ. ٢٣ثُمَّ ٱنْصَرَفَ فِرْعَوْنُ وَدَخَلَ بَيْتَهُ وَلَمْ يُوَجِّهْ قَلْبَهُ إِلَى هَذَا أَيْضًا. ٢٤وَحَفَرَ جَمِيعُ ٱلْمِصْرِيِّينَ حَوَالَيِ ٱلنَّهْرِ لِأَجْلِ مَاءٍ لِيَشْرَبُوا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ مَاءِ ٱلنَّهْرِ. ٢٥وَكَمُلَتْ سَبْعَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ مَا ضَرَبَ ٱلرَّبُّ ٱلنَّهْرَ.
- وَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ كَذَلِكَ بِسِحْرِهِمْ: بحَفرِهم للآبار، استخرجَ عرَّافو مصرَ المياه الحُلوَة وذلك لاستنساخ ضربة الرَّبِّ على النِّيل. فقد حوَّل العرَّافون مياه البئر النقيَّة إلى دماء.
- وَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ كَذَلِكَ بِسِحْرِهِمْ: يُجادِل باحثو الكتاب الـمُقدَّس حول ما إذا كانت هذه خدعةً سحريَّة أو أنَّ سحرَهم هذا كان عجائب من يدَي الشَّيطان. يبدو أنَّ الدَّليل يميلُ لِصالِحِ أنَّ هذه العجائب لَهِيَ من يدَي الشَّيطان.
- لَو أرادَ العرَّافون المصريُّون فعلًا بالقيام بعجيبةِ ما، لَتَرتَّبَ عليهم إعادَةُ مياه النِّيل إلى سابق عهدها. لَم يقوما بذلك بسبب أنَّ إبليس لا يُمكِنه إجراء عجيبةٍ بنَّاءَة ومُطهِّرَة. يُمكِنهُ جلبَ دمارٍ خارِقٍ للطَّبيعة، ولكن ليس صلاحًا أو جَودَةً. إنَّ جُلَّ ما قامَوا به كان تحويل المزيد من المياه إلى دَمٍ!
- “إنَّ التَّخفيفَ من عذاب الإنسان ليس جزءًا من برنامَج الشَّيطان أو أعوانِهِ. ذلك يُمكِنه فقط أن يأتيَ من يهوه، بواسطة صرخة الإيمان لِخُدَّامهِ.” ماير (Meyer)
- فَٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ … وَلَمْ يُوَجِّهْ قَلْبَهُ إِلَى هَذَا أَيْضًا : بطريقةٍ أو بأُخرَى، كانت النَّتيجَة ذاتها في قلبِ فرعون. لقد استنفَذَ فرعون فُرصةً أُخرَى لِرَفضِ واحتقارِ الرَّبِّ الإله.