سفر الخروج – الإصحاح ١٦
المنُّ لِبَني إسرائيل
أولًا. وعدُ الله بسدِّ الحاجة
أ ) الآية (١): من إيليم إلى برِّيَّة سين.
١ثُمَّ ٱرْتَحَلُوا مِنْ إِيلِيمَ. وَأَتَى كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى بَرِّيَّةِ سِينٍ، ٱلَّتِي بَيْنَ إِيلِيمَ وَسِينَاءَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ ٱلشَّهْرِ ٱلثَّانِي بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ.
- فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ ٱلشَّهْرِ ٱلثَّانِي: لقد سجَّل هذا شهرًا كاملًا منذ خروجهم من أرضِ مصر، ذلك لأنَّهم خرجوا في الخامِس عشر من الشَّهر الـمُنصرِم (خروج ١٨:١٢).
- إِلَى بَرِّيَّةِ سِينٍ، ٱلَّتِي بَيْنَ إِيلِيمَ وَسِينَاءَ: لقد أتوا من إِيلِيم، واحةَ راحةٍ واستجمام (خروج ٢٧:١٥). ومن ثمَّ توجَّهوا إلى سِينَاء، مكانٌ للقاء الله والحصول على شريعته. وما بين إِيلِيمَ وَسِينَاءَ كانت تقعُ بَرِّيَّةُ سِينٍ.
- في اللُّغَّة الأصليَّة، إنَّ الإسمَ ’بَرِّيَّةُ سِينٍ‘ لا علاقة له بِـ الخطيَّة، ومن السُّهولة بمكانٍ ما ترجمَتُها إلى برِّيَّة زين. بالرغم من كيفيَّة تكشُّف القصَّة، فإنَّنا نرى أنَّ تلك البرِّيَّة مُرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالخطيَّة.
ب) الآيات (٢-٣): يتذمَّر إسرائيل على موسى وهارون.
٢فَتَذَمَّرَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. ٣وَقَالَ لَهُمَا بَنُو إِسْرَائِيلَ: «لَيْتَنَا مُتْنَا بِيَدِ ٱلرَّبِّ فِي أَرْضِ مِصْرَ، إِذْ كُنَّا جَالِسِينَ عِنْدَ قُدُورِ ٱللَّحْمِ نَأْكُلُ خُبْزًا لِلشَّبَعِ. فَإِنَّكُمَا أَخْرَجْتُمَانَا إِلَى هَذَا ٱلْقَفْرِ لِكَيْ تُمِيتَا كُلَّ هَذَا ٱلْجُمْهُورِ بِٱلْجُوعِ».
- فَتَذَمَّرَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: لقد تذمَّروا بسبب نقصٍ في الغذاء غير الكافي. فالـمُؤَن التي حملوها معهم من مصر بدأت تنضُب، لذلك وجَبَ عليهم إيجادَ مصادِرَ أُخرى لكفايتهم وإعالتهم في البرِّيَّة.
- يبدو وكأنَّ الجوع كان مُتوقَّعًا أكثر ممَّا هو مُختبَرٌ. وفي كلِماتٍ أُخرى، لَم يمرُّوا حتَّى في أسابيعَ وأسابيعَ من المجاعة، ولا رأَوا بالفعلِ عائلاتهم وأصدقاءهم يموتون بسبب سوءِ التَّغذية، أو اضطرُّوا إلى ذبح الماشية كمصدرٍ للطَّعام. بدلًا من ذلك، بدأوا بالشُّعورِ بالجوع وتوقَّعوا المجاعة.
- لقد انتقلوا سريعًا من الغناءِ والتَّسبيح إلى التَّذمُّر.
- إِذْ كُنَّا جَالِسِينَ عِنْدَ قُدُورِ ٱللَّحْمِ نَأْكُلُ خُبْزًا لِلشَّبَعِ: لقد تذكَّر إسرائيل الماضي انتقائيًّا، وافتكروا في تلك الأيَّام في مصرَ وكأنَّها أيَّامٌ جيِّدة. لقد فقدوا البوصَلَة وأُعمِيَت عيونهم عن رؤية مُستقبلِ الله من أجلهم، وحرَّفوا الماضي لتدعيم موقفهم في التَّذمُّر. فهذا النَّمَط من التَّفكير لَشائِعٌ بين الـمُتذمِّرين.
- فَإِنَّكُمَا أَخْرَجْتُمَانَا إِلَى هَذَا ٱلْقَفْرِ لِكَيْ تُمِيتَا كُلَّ هَذَا ٱلْجُمْهُورِ: هذا أيضًا مثلٌ آخَر على مُمارسةٍ شائعة بين الـمُتذمِّرين. لقد أصرَّوا بأنَّ لِمُوسى وهارون نوايا سيِّئة. بالطَّبع، لَم يكُن موسى وهارون مُهتمَّيَن بِقَتلِ شعبِ إسرائيل، وقد كانت تلك تُهمةً مُرعِبَة يقومون بها. وبالرغم من ذلك، فإنَّ القلبَ الـمُتذمِّر يجدُ غالِبًا سهولةً في اتِّهام الآخَرين الَّذين يتذمَّرون عليهم باستخدامهِ أسوأ النَّوايا.
- “من الـمُستحيلِ بمكانٍ ما تصغير الطَّبيعة البشريَّة إلى أدنى من مُستوى بائسٍ حقير في هذا العالَم، وأكثر من استعباد الجسد بواسطة العبوديَّة السِّياسيَّة، والرُّوحُ مُنحطَّة بسببِ تأثُّرِها بِـ الخطيَّة. لقد كان هؤلاء العبرانيُّون الفقراء عبيدًا و خُطاةً في آنٍ معًا، فلذلك كانوا قادرين على القيام بأكثر الأعمالِ لُؤمًا وخِزيًا.” كلارك (Clarke)
ج) الآيات (٤-٥): يُعلِن الله لِمُوسى مجيءَ الخبزِ من السَّماء.
٤فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «هَا أَنَا أُمْطِرُ لَكُمْ خُبْزًا مِنَ ٱلسَّمَاءِ. فَيَخْرُجُ ٱلشَّعْبُ وَيَلْتَقِطُونَ حَاجَةَ ٱلْيَوْمِ بِيَوْمِهَا. لِكَيْ أَمْتَحِنَهُمْ، أَيَسْلُكُونَ فِي نَامُوسِي أَمْ لَا. ٥وَيَكُونُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّادِسِ أَنَّهُمْ يُهَيِّئُونَ مَا يَجِيئُونَ بِهِ فَيَكُونُ ضِعْفَ مَا يَلْتَقِطُونَهُ يَوْمًا فَيَوْمًا».
- هَا أَنَا أُمْطِرُ لَكُمْ خُبْزًا مِنَ ٱلسَّمَاءِ: لقد كان هذا وعدًا مُميَّزًا. فليست العادَة الطَّبيعيَّة بأن يُمطِرَ الخبزُ من السَّماء. رغمًا من ذلك، فقد وعد الله بأنَّه سَيُوفِّرُ الخُبزَ لإسرائيل بهذه الطَّريقة غير الـمُتوقَّعَة.
- يُذكِّرنا هذا بأنَّ الله قد يُوفِّرُ من مصادِرَ لَم نكُن نعتقِد بأنَّها موجودَة أصلًا. ففي بعض الأحيان، هو يُؤمِّن الإحتياجات من مصادِر مألوفة، وأحيانًا أُخرى من مصادِرَ غير مُتوقَّعَة.
- لقد أسمى الإسرائيليُّون الـمُتذمِّرون هذا الخُبزَ النَّازِل من السَّماء ’منًّا‘ (خروج ٣١:١٦). لقد سمَّاهُ الله دائمًا الخُبزَ النَّازِل من السَّماء (نحميا ١٥:٩، مزمور ٢٤:٧٨ ومزمور ٤٠:١٠٥)، أو أحيانًا أُخرَى فقد سُمِّيَ بِـ خُبزِ الملائكة (مزمور ٢٥:٧٨).
- فَيَخْرُجُ ٱلشَّعْبُ وَيَلْتَقِطُونَ حَاجَةَ ٱلْيَوْمِ بِيَوْمِهَا: لقد وعدَ الله بإرسال الخُبزِ النَّازِل من السَّماء، لكنَّه لَم يَعِد بإطعامهِ في أفواههم. فقد كان عليهم أن يخرجوا ويلتقِطوا حاجةَ كُلَّ يومٍ.
- لِكَيْ أَمْتَحِنَهُمْ: لقد أتت بركةُ الخُبزِ النَّازِل من السَّماء مع مسؤوليَّة الطَّاعة. فهذه المسؤوليَّة سَتَمْتَحِن إسرائيل وتقيس طاعتَهُ. فقد أتى الإمتحانُ في اليوم السَّادِس، عندما كان يتوجَّبُ عليهم جَمْعَ ضِعفَين، وذلك من أجلِ اعتبارِ اليوم السَّابِع يومًا للرَّاحَة.
د ) الآيات (٦-٨): يُطلِع موسى الشَّعبَ على وفرَة الله الآتية.
٦فَقَالَ مُوسَى وَهَارُونُ لِجَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: «فِي ٱلْمَسَاءِ تَعْلَمُونَ أَنَّ ٱلرَّبَّ أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. ٧وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَرَوْنَ مَجْدَ ٱلرَّبِّ لِٱسْتِمَاعِهِ تَذَمُّرَكُمْ عَلَى ٱلرَّبِّ. وَأَمَّا نَحْنُ فَمَاذَا حَتَّى تَتَذَمَّرُوا عَلَيْنَا؟». ٨وَقَالَ مُوسَى: «ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلرَّبَّ يُعْطِيكُمْ فِي ٱلْمَسَاءِ لَحْمًا لِتَأْكُلُوا، وَفِي ٱلصَّبَاحِ خُبْزًا لِتَشْبَعُوا، لِٱسْتِمَاعِ ٱلرَّبِّ تَذَمُّرَكُمُ ٱلَّذِي تَتَذَمَّرُونَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَمَاذَا؟ لَيْسَ عَلَيْنَا تَذَمُّرُكُمْ بَلْ عَلَى ٱلرَّبِّ».
- فِي ٱلْمَسَاءِ تَعْلَمُونَ أَنَّ ٱلرَّبَّ أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ: من الـمُمكِن الإعتقادُ بأنَّه مع كلِّ هذه الإختبارات من الضَّربات والفصح وعبور البحر الأحمَر، ينبغي على إسرائيل أن يعرِف بالفعل أنَّ الرَّبَّ قد أخرجَهُم من مصرَ. بالرغم من هذا، فإنَّ الإختبارات، لا بل الإختبارات العظيمة، لَم تُغيِّر القلب بالشكل الَّذي نتصوَّره.
- وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَرَوْنَ مَجْدَ ٱلرَّبِّ: لَن يرَوا مجد الله كما في بهاءِ تتويجه؛ بل في عظمة محبَّته التي تُؤمِّن الإحتياجات لِشَعبِهِ. فهذا هو الإظهار الفعليّ لِمَجدِ الله.
- مَجْدَ ٱلرَّبِّ: “إنَّ الثِّقل الـمُطلَق ( kabed، ’ثِقل،’ثمَّ ’مجد‘) لَهُوَ في جاذبيَّةِ حضورهِ الإلهيّ.” كايزر (Kaiser)
- إنَّ إحدى الطُّرُق التي من خلالها أظهر الله مجدَهُ كانت في عرَاضَةِ رحمتهِ وصلاحه. لَم يُرسِل الله نارًا من السّماء؛ لكنَّه أرسلَ خبزًا بدلًا من ذلك. ولَم يطلُب منهم حتَّى التَّوقُّف عن التَّذمُّر قبل أن يأكلوا. تمامًا كما كان يسوع في مأموريَّته لنا فيما بعد، فهكذا هي محبَّةُ الله في تأمين حاجات حتَّى أُولئك الَّذين تصرَّفوا كأعدائهِ.
- لِٱسْتِمَاعِهِ تَذَمُّرَكُمْ عَلَى ٱلرَّبِّ … وَأَمَّا نَحْنُ فَمَاذَا حَتَّى تَتَذَمَّرُوا عَلَيْنَا؟ … لِٱسْتِمَاعِ ٱلرَّبِّ تَذَمُّرَكُمُ ٱلَّذِي تَتَذَمَّرُونَ عَلَيْهِ … لَيْسَ عَلَيْنَا تَذَمُّرُكُمْ بَلْ عَلَى ٱلرَّبِّ: لقد ظنَّ النَّاس بأنَّهم يتذمَّرون على موسى وهارون (خروج ٢:١٦). في الواقِع، فقد كانوا يتذمَّرون على الرَّبِّ.
- ٱلرَّبَّ يُعْطِيكُمْ فِي ٱلْمَسَاءِ لَحْمًا لِتَأْكُلُوا: في سفر الخروج ٤:١٦، يَعِد الله بأن يُعطي خُبزًا من السَّماء في الصَّباح. وهُنا أيضًا فهو يَعِد بأن يُعطي فِي ٱلْمَسَاءِ لَحْمًا لِيَأْكُلُوا.
ثانيًا. تأمين الله للمَنِّ
أ ) الآيات (٩-١٢): يُظهِر الله مجدَهُ ووعودَهُ في تأمين الإحتياجات.
٩وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «قُلْ لِكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ٱقْتَرِبُوا إِلَى أَمَامِ ٱلرَّبِّ لِأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ تَذَمُّرَكُمْ». ١٠فَحَدَثَ إِذْ كَانَ هَارُونُ يُكَلِّمُ كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُمُ ٱلْتَفَتُوا نَحْوَ ٱلْبَرِّيَّةِ، وَإِذَا مَجْدُ ٱلرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي ٱلسَّحَابِ. ١١فَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: ١٢«سَمِعْتُ تَذَمُّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. كَلِّمْهُمْ قَائِلًا: فِي ٱلْعَشِيَّةِ تَأْكُلُونَ لَحْمًا، وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَشْبَعُونَ خُبْزًا، وَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ».
- وَإِذَا مَجْدُ ٱلرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي ٱلسَّحَابِ .فَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: من الصَّعب معرفة إذا كان الجميع قد سَمِعَ الرَّبَّ يتكلَّم مع موسى، أو أنَّ موسى وحدَهُ سَمِعَ ذلك. بكلِّ تأكيد، فقد عرفَ الجميع أنَّ الله تكلَّم مع موسى بسبب عَرضِ المجد، لكنَّنا لا نعرِف إذا سمعوا ما قالَه الرَّبُّ له.
- سَمِعْتُ تَذَمُّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ: بما أنَّ موسى قد عرفَ ذلك بالفعل (بناءً على خروج ٤:١٦-٥)، فإنَّ هذه الكلِمات تُعطي ثقلًا للفكرة القائلة بأنَّ الله قد قال ذلك بشكلٍ علَنيٍّ، وذلك من أجلِ منفعة إسرائيل، أكثر منها منفعةً لِمُوسى.
ب) الآيات (١٣-١٤): يُؤمِّن الله السَّلوى كَمصدَرٍ لِلَّحمِ والخبزِ من السَّماء.
١٣فَكَانَ فِي ٱلْمَسَاءِ أَنَّ ٱلسَّلْوَى صَعِدَتْ وَغَطَّتِ ٱلْمَحَلَّةَ. وَفِي ٱلصَّبَاحِ كَانَ سَقِيطُ ٱلنَّدَى حَوَالَيِ ٱلْمَحَلَّةِ. ١٤وَلَمَّا ٱرْتَفَعَ سَقِيطُ ٱلنَّدَى إِذَا عَلَى وَجْهِ ٱلْبَرِّيَّةِ شَيْءٌ دَقِيقٌ مِثْلُ قُشُورٍ. دَقِيقٌ كَٱلْجَلِيدِ عَلَى ٱلْأَرْضِ.
- فَكَانَ فِي ٱلْمَسَاءِ أَنَّ ٱلسَّلْوَى صَعِدَتْ وَغَطَّتِ ٱلْمَحَلَّةَ: بطريقةٍ عجائبيَّة ما، أمَّن الله لإسرائيل كثرة اللَّحمِ في البرِّيَّة. لقد كان هذا الأمرُ عَرضًا مُهمًّا لِرَحمةِ الله. عندما تذمَّر إسرائيل، كان مُمكِنًا بأن يُجيب الله بدينونة أو تأديب، لكنَّه أعطاهُم لحمًا بدلًا من ذلك.
- “إنَّ السَّلوى المذكورة هُنا، ’تُهاجِرُ بشكلٍ دوريٍّ بين جنوبِ أُوروبَّا والعربيَّة وفي وسط شبه جزيرة سيناء.‘ إنَّه طائرٌ صغير ذو رأسٍ مُروَّس ويستطيع الطَّيران بثباتٍ على عُلوٍّ مُنخفِض، وغالِبًا يجثُمُ على الأرضِ أو في عُلَّيقٍ مُنخفِض خلال اللَّيل. فإذا تعِبَت هذه الطُّيور، لا يُمكنها الطَّيرانُ مُجدَّدًا. تُعتبَرُ هذه الطُّيور جيِّدةُ المذاق، وكانت طعامًا شهيًّا مُفضَّلًا لدى المصريِّين.” كُول (Cole)
- دَقِيقٌ مِثْلُ قُشُورٍ. دَقِيقٌ كَٱلْجَلِيدِ عَلَى ٱلْأَرْضِ: نزَلَ الخبزُ من السَّماء مع النَّدى كلَّ صباح، كَنوعٍ من بقايا النَّدى. لقد كان مثل قشورٍ، دَقِيقٌ كَٱلْجَلِيدِ. لهذا السَّبب بالذَّات لَم يكُن سهلًا تجميعهُ. فقد كان يجب تكنيسه كَنْسًا من الأرض.
- يُشيرُ خروج ٣١:١٦ بأكثرِ تفصيلٍ إلى أنَّ هذا الخبز النَّازِل من السَّماء قد كان كَبِزْرِ ٱلْكُزْبَرَةِ (تقريبًا بحجم حبَّة السُّمسُم)، وطَعمُهُ حُلوٌ مثل رِقَاقٍ بِعَسَلٍ. يقول في عدد ٧:١١ بأنَّ لونَهُ كان كَلَونِ ٱلْمُقْلِ (لونٌ شبيهٌ باللُّؤلؤ). وكان الـمَنُّ يُخبَز أو يُطبَخ (خروج ٢٣:١٦).
- تقول الآية في سفر العدد ٨:١١ التَّالي: كَانَ ٱلشَّعْبُ يَطُوفُونَ لِيَلْتَقِطُوهُ، ثُمَّ يَطْحَنُونَهُ بِٱلرَّحَى أَوْ يَدُقُّونَهُ فِي ٱلْهَاوَنِ وَيَطْبُخُونَهُ فِي ٱلْقُدُورِ وَيَعْمَلُونَهُ مَلَّاتٍ. وَكَانَ طَعْمُهُ كَطَعْمِ قَطَائِفَ بِزَيْتٍ.
- يُظَنُّ بأنَّ الأُسطورة اليهوديَّة تُشير إلى مذاق هذا الخُبز النَّازِل من السَّماء. “لَم يكُن ينقُص إلَّا وأن يتمنَّى أحدُهُم طَبَقًا مُحدَّدًا، وفي بُرهة من الزَّمن، يظهر طَبَقٌ مُطعَّمٌ بالمنِّ. كان مذاقُهُ مُختلِفًا لِكُلِّ مَن شارك في الأكلِ، ذلك بحسب العمر؛ فبالنِّسبة إلى الأولاد، لقد كان مذاقُهُ كالحليب، وبالنِّسبة إلى الشَّبيبة كان مذاقهُ كالخبز، وبالنِّسبة إلى الرِّجال الطَّاعنين في السنِّ كان مذاقهُ كالعسَل، وبالنِّسبة إلى المرضى كان مذاقهُ كَشعيرٍ ملتوتٍ بزيتٍ وعسل.” لكنَّ الأساطير كتبت أيضًا بأنَّ مذاقَهُ كان مُرًّا في فَمِ الأُمَم. جينزبرج (Ginzberg)
- يُظَنُّ أيضًا بأنَّ الأُسطورة اليهوديَّة تقول لنا بأنَّه قد كان بإمكانهم جَمعَهُ من الأرض بدون أن يكونَ مُتّسِخًا. وتقول هذه الأساطير، أنَّه عندما أرسل الله المنَّ، أرسل أوَّلًا ريحًا شماليًّةً لِتَنظيف أرضِ الصَّحراء ومن ثمَّ أمطرَ عليها لِتنظيفها. ثمَّ نزلَ المنُّ على أرضٍ نظيفة.
- دَقِيقٌ مِثْلُ قُشُورٍ: من الصَّعبِ بمكانٍ ما تحديد طبيعة هذه المادَّة بدقَّة. يُعرِّف بعض الباحثين هذه المادَّة في ضَوءِ ما يُسمَّونه العرَب اليوم المن. وهو الَّذي يتكوَّن عندما “تنخرُ حشرةٌ دقيقة قشرةَ الطرفاء (شجرة نحيلة الأغصان)، وتمتصُّ النَّسغ أو الرَّحيق، وتُفرِزُ مادَّةً صافية تتجمَّدُ في شكلٍ كُرويّ ينزِل على الأرض. وعندما تُشرِق الشَّمسُ، يذوبُ المنُّ بسرعةٍ ويختفي.” بكنغهام (Buckingham)
- بالرغم من أنَّ المنَّ النَّازِلَ من السَّماءِ كان شبيهًا بالمنِّ الـمُعاصِر في شبه جزيرة سيناء، فالإثنان مُختلِفان وليسا نفس الشَّيء أبدًا. فالمنُّ في أيَّامنا الحاليَّة لا يظهرُ أبدًا بكمِّيَّاتٍ كبيرة، ولا يدوم على مدى عامٍ من الزَّمان، وهو محصورٌ في منطقةٍ جغرافيَّة صغيرة وضيِّقة.
- دَقِيقٌ كَٱلْجَلِيدِ عَلَى ٱلْأَرْضِ: كان الهدفُ من إعطاءِ الخبز النَّازِل من السَّماء ليس فقط من أجلِ الحاجات المادِيَّة لإسرائيل، بل أيضًا لتعليمهم دروسًا أبديَّة في الإعتمادِ على الله. نرى هذا مُجسَّدًا وظاهِرًا في عدَّة فقَرَاتٍ مثل تثنية ٣:٨، فَأَذَلَّكَ وَأَجَاعَكَ وَأَطْعَمَكَ ٱلْمَنَّ ٱلَّذِي لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُ وَلَا عَرَفَهُ آبَاؤُكَ، لِكَيْ يُعَلِّمَكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلْإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ ٱلرَّبِّ يَحْيَا ٱلْإِنْسَانُ. عندما يضعنا الله في مكان الحاجة، فهو يُريد القيام بأكثر من سدِّ هذه الحاجة. فهو يُريد تعليمَنا دروسًا أبديَّة.
- كان إطعامُ إسرائيل من المنِّ النَّازل من السَّماء، مثالًا على طريقة الله في التَّعاون من الإنسان. فإسرائيل لَم يكُن قادِرًا على الإتيان بالمنِّ، والله لَن يجمعَهُ من أجلهم. كان على كلٍّ منهم أن يقومَ بِدَورهِ.
- “تتعلَّم الحيوانات غالِبًا من خلالِ طعامها. عندما لا يُمكِن الوصول إليها بأيَّةِ طريقة مُمكِنة، فَهُم موجَّهون غريزيًّا بجوعهم وعطشهم وبإطعامهم.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآية (١٥): يُسمِّي الشَّعب الخبز النَّازِل من السَّماء منًّا.
١٥فَلَمَّا رَأَى بَنُو إِسْرَائِيلَ قَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَنْ هُوَ؟» لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مَا هُوَ. فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: «هُوَ ٱلْخُبْزُ ٱلَّذِي أَعْطَاكُمُ ٱلرَّبُّ لِتَأْكُلُوا.
- قَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنْ هُوَ: إنَّ الإسمَ مَنَّ (أُعطِيَ لاحِقًا في خروج ٣١:١٦) يعني: ’مَنْ هُوَ‘ والإسم يجيءُ من السُّؤال الَّذي سُئِلَ في هذا العدد.
- لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مَا هُوَ: لقد أمَّن الله احتياجاتهم، لكنَّهم لَم يلحَظوا ذلك. عندما تأتي الوفرة الإلهيَّة، غالبًا لا نُلاحظها. لقد أمَّن الله احتياجات شعبِ إسرائيل، ولكن ليس بطريقةٍ يتوقَّعها.
د ) الآيات (١٦-١٩): تعليماتٌ لِجَمعِ الخبزِ النَّازِل من السَّماء.
١٦هَذَا هُوَ ٱلشَّيْءُ ٱلَّذِي أَمَرَ بِهِ ٱلرَّبُّ. اِلْتَقِطُوا مِنْهُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أُكْلِهِ. عُمِرًا لِلرَّأْسِ عَلَى عَدَدِ نُفُوسِكُمْ تَأْخُذُونَ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلَّذِينَ فِي خَيْمَتِهِ». ١٧فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ هَكَذَا، وَٱلْتَقَطُوا بَيْنَ مُكَثِّرٍ وَمُقَلِّلٍ. ١٨وَلَمَّا كَالُوا بِٱلْعُمِرِ، لَمْ يُفْضِلِ ٱلْمُكَثِّرُ وَٱلْمُقَلِّلُ لَمْ يُنْقِصْ. كَانُوا قَدِ ٱلْتَقَطُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أُكْلِهِ. ١٩وَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: «لَا يُبْقِ أَحَدٌ مِنْهُ إِلَى ٱلصَّبَاحِ».
- اِلْتَقِطُوا مِنْهُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أُكْلِهِ: كان على المنِّ النَّازِل من السَّماء أن يُجمَع على صعيدٍ شخصيٍّ أو عائليّ. لَم يُصرِّح الله بإقامةِ مركزٍ عشائريّ لِتَجميع وتوزيع المن. فكُلُّ بيتٍ كان مسؤولًا عن تأمين احتياجاتهم لأنفسهم، ولَم يكُن مُمكِنًا لعائلةٍ غنيَّة بأن تستأجِرَ عائلةً فقيرة للعمل من أجلهم.
- وَلَمَّا كَالُوا بِٱلْعُمِرِ: يُمكِن لِلْعُمِرِ بأن يكون قياسًا للوزن شبيهًا بوحدَة الغالون (≈ ٤ ليتر)، ولا سيَّما في تاريخ إسرائيل اللَّاحِق. ولكن، في تاريخهم الحاليّ هذا، قد يكون العُمِرِ موازيًا لكمِّيَّة فُنجانٍ. إنَّه قياسٌ غير دقيق.
هـ) الآيات (٢٠-٢١): يسقُط بعضُ النَّاس في امتحان الله.
٢٠لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى، بَلْ أَبْقَى مِنْهُ أُنَاسٌ إِلَى ٱلصَّبَاحِ، فَتَوَلَّدَ فِيهِ دُودٌ وَأَنْتَنَ. فَسَخَطَ عَلَيْهِمْ مُوسَى. ٢١وَكَانُوا يَلْتَقِطُونَهُ صَبَاحًا فَصَبَاحًا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أُكْلِهِ. وَإِذَا حَمِيَتِ ٱلشَّمْسُ كَانَ يَذُوبُ.
- لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى: لقد سمعوا وعرفوا بكلِّ وضوحٍ وصيَّة الله. بالرغم من ذلك، ولسببٍ ما، شعروا في قرارةِ نفوسهم بعدم الضَّرورة لإطاعَتِها. كان لِعَدم طاعتهم جزاءً قاسيًا – فالَّذي جمعوهُ في عدَم طاعةٍ، تَوَلَّدَ فِيهِ دُودٌ وَأَنْتَنَ.
- وَكَانُوا يَلْتَقِطُونَهُ صَبَاحًا فَصَبَاحًا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أُكْلِهِ: إنَّ اختبار عدم طاعتهم السِّيء قادَهم بِتَردُّدٍ نحو الطَّاعة.
- وَإِذَا حَمِيَتِ ٱلشَّمْسُ كَانَ يَذُوبُ: على ما يبدو، كان على الخبز النَّازِل من السَّماء أن يُجمَعَ ويُحضَّرَ في الصَّباح الباكِر. لقد كانت هذه طريقة الله الـمُنعِمَة في تحديد مبدأ أخلاقيّ في العمل بالنِّسبة إلى أُمَّة إسرائيل.
و ) الآيات (٢٢-٢٦): يُؤمِّن الله ضِعفَي الحاجة لليوم السَّابِق للسَّبت.
٢٢ثُمَّ كَانَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّادِسِ أَنَّهُمُ ٱلْتَقَطُوا خُبْزًا مُضَاعَفًا، عُمِرَيْنِ لِلْوَاحِدِ. فَجَاءَ كُلُّ رُؤَسَاءِ ٱلْجَمَاعَةِ وَأَخْبَرُوا مُوسَى. ٢٣فَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا مَا قَالَ ٱلرَّبُّ: غَدًا عُطْلَةٌ، سَبْتٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ. ٱخْبِزُوا مَا تَخْبِزُونَ وَٱطْبُخُوا مَا تَطْبُخُونَ. وَكُلُّ مَا فَضِلَ ضَعُوهُ عِنْدَكُمْ لِيُحْفَظَ إِلَى ٱلْغَدِ». ٢٤فَوَضَعُوهُ إِلَى ٱلْغَدِ كَمَا أَمَرَ مُوسَى، فَلَمْ يُنْتِنْ وَلَا صَارَ فِيهِ دُودٌ. ٢٥فَقَالَ مُوسَى: «كُلُوهُ ٱلْيَوْمَ، لِأَنَّ لِلرَّبِّ ٱلْيَوْمَ سَبْتًا. ٱلْيَوْمَ لَا تَجِدُونَهُ فِي ٱلْحَقْلِ. ٢٦سِتَّةَ أَيَّامٍ تَلْتَقِطُونَهُ، وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ، لَا يُوجَدُ فِيهِ».
- ثُمَّ كَانَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّادِسِ أَنَّهُمُ ٱلْتَقَطُوا خُبْزًا مُضَاعَفًا: لقد وعد الله بتأمين ضِعفَي الحاجة في اليوم السَّادِس، وهو قام بالوفاء بوعدهِ. لَرُبَّما أتى هذا، نوعًا ما، بشكلٍ مُفاجِئ بالنِّسبة إلى شعبِ إسرائيل، ذلك لأنَّهم شعروا في قرارة نفوسهم بأنَّه يجب عليهم إبلاغ موسى بالأمر (وَأَخْبَرُوا مُوسَى).
- غَدًا عُطْلَةٌ، سَبْتٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ: كانت هذه هي المرَّة الوحيدة التي تكلَّم فيها الله عن يوم السَّبتِ إلى إسرائيل. عمليًّا، لقد أجبرَهُم الله على احترام يوم السَّبت بعدم توفير الخبز النَّازل من السَّماء لَهُم في ذلك اليوم (ٱلْيَوْمَ لَا تَجِدُونَهُ فِي ٱلْحَقْلِ).
ز ) الآيات (٢٧-٣٠): لا وجودَ للمنِّ في يومِ السَّبت.
٢٧وَحَدَثَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ أَنَّ بَعْضَ ٱلشَّعْبِ خَرَجُوا لِيَلْتَقِطُوا فَلَمْ يَجِدُوا. ٢٨فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «إِلَى مَتَى تَأْبَوْنَ أَنْ تَحْفَظُوا وَصَايَايَ وَشَرَائِعِي؟ ٢٩اُنْظُرُوا! إِنَّ ٱلرَّبَّ أَعْطَاكُمُ ٱلسَّبْتَ. لِذَلِكَ هُوَ يُعْطِيكُمْ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّادِسِ خُبْزَ يَوْمَيْنِ. ٱجْلِسُوا كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ. لَا يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْ مَكَانِهِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ». ٣٠فَٱسْتَرَاحَ ٱلشَّعْبُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ.
- وَحَدَثَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ أَنَّ بَعْضَ ٱلشَّعْبِ خَرَجُوا لِيَلْتَقِطُوا: بالرغم ممَّا قالَهُ الله، خرج البعضُ لِيَلتقِطَ الخبز النَّازِل من السَّماء في الوقت الَّذي قيل لهم فيه بأنَّهم لَن يجدوهُ البتَّة. يبدو بأنَّ البعض يتعلَّم فقط من خلال الإختبار الشخصيّ.
- فَلَمْ يَجِدُوا: لقد كانت كلِمةُ الله صادِقَة، فَهُم لَم يجدوا أيَّ شيءٍ. كان هذا درسًا قويًّا، فقد تعلَّم إسرائيل الثِّقةَ بالله قبل تأكُّدهم من صحَّتهِا بالإختبار.
- لا يزال النَّاس يتطلَّعون اليوم لإيجاد الحياة والإكتفاء في أماكِن قد قال الله بأنَّها فارغة ولا تحتوي شيئًا.
ح) الآيات (٣١-٣٦): طلب الرب من الشعب أن يحتفظوا ببعض الخبز كتذكار.
٣١وَدَعَا بَيْتُ إِسْرَائِيلَ ٱسْمَهُ «مَنًّا». وَهُوَ كَبِزْرِ ٱلْكُزْبَرَةِ، أَبْيَضُ، وَطَعْمُهُ كَرِقَاقٍ بِعَسَلٍ. ٣٢وَقَالَ مُوسَى: «هَذَا هُوَ ٱلشَّيْءُ ٱلَّذِي أَمَرَ بِهِ ٱلرَّبُّ. مِلْءُ ٱلْعُمِرِ مِنْهُ يَكُونُ لِلْحِفْظِ فِي أَجْيَالِكُمْ. لِكَيْ يَرَوْا ٱلْخُبْزَ ٱلَّذِي أَطْعَمْتُكُمْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ حِينَ أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ». ٣٣وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «خُذْ قِسْطًا وَاحِدًا وَٱجْعَلْ فِيهِ مِلْءَ ٱلْعُمِرِ مَنًّا، وَضَعْهُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ لِلْحِفْظِ فِي أَجْيَالِكُمْ». ٣٤كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى وَضَعَهُ هَارُونُ أَمَامَ ٱلشَّهَادَةِ لِلْحِفْظِ. ٣٥وَأَكَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱلْمَنَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى جَاءُوا إِلَى أَرْضٍ عَامِرَةٍ. أَكَلُوا ٱلْمَنَّ حَتَّى جَاءُوا إِلَى طَرَفِ أَرْضِ كَنْعَانَ. ٣٦وَأَمَّا ٱلْعُمِرُ فَهُوَ عُشْرُ ٱلْإِيفَةِ.
- وَدَعَا بَيْتُ إِسْرَائِيلَ ٱسْمَهُ مَنًّا: هذا الإسمُ يعنِي: ما هو؟. وهو مَبنيٌّ على السُّؤال الأساسيّ الَّذي سُئِلَ في خروج ١٥:١٦.
- وَهُوَ كَبِزْرِ ٱلْكُزْبَرَةِ: يُشيرُ هذا إلى حُبَيباتٍ صغيرة الحجمِ من الخبز النَّازِل من السَّماء. وتعني بأنَّها يجب أن تُجمَع بتواضُعٍ وبعناية شديدة.
- وَطَعْمُهُ كَرِقَاقٍ بِعَسَلٍ: لقد أعطى الله إسرائيل مذاقًا طيِّبًا للطَّعام. فهو لَم يُعطِهم عصيدة رَخوة ولا فطيرة بدون طَعمةٍ. وبما أنَّه يُمكِن شَويَهُ مثل الخبز أو الكعك (خروج ٢٣:١٦)، فأكْلُ المنِّ كان بمثابة أكلِ خبزٍ حُلوِ المذاق في كلِّ يوم.
- خُذْ قِسْطًا وَاحِدًا وَٱجْعَلْ فِيهِ مِلْءَ ٱلْعُمِرِ مَنًّا، وَضَعْهُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ لِلْحِفْظِ فِي أَجْيَالِكُمْ: لقد وُضِعَ هذا القِدْرُ المليء بالخبز النَّازِل من السَّماء في تابوت العهد في مرحلةٍ لاحِقَة، وذلك بحسب ما جاء هُنا لِلْحِفْظِ فِي أَجْيَالِهِمْ (عبرانيِّين ٤:٩).
- أَكَلُوا ٱلْمَنَّ حَتَّى جَاءُوا إِلَى طَرَفِ أَرْضِ كَنْعَانَ: وكما كان مُهمًّا بالنِّسبة إلى الله تأمين هذا الخبز النَّازِل من السَّماء، فقد كان مُهمًّا أيضًا بالنِّسبة له بأن يتوقَّف عن ذلك. كان من الضَّروريِّ، بأن يُوضَعَ إسرائيل في مكانٍ يتلقَّى بواسطته وفرة الله الطَّبيعيَّة، أي من خلال العمل الجاد الَّذي بحدِّ ذاتهِ لَهُوَ بركةٌ من الله.
- “كان أُولئك الَّذين تَبِعوا السَّحابة مُتأكِّدين من إعالَتهم. فأينما حلَّت السَّحابة، نزَلَ المنُّ.” ماير (Meyer)
- هذا المنُّ، ذلك الخبز النَّازِل من السَّماء، هو بمثابة صورةٍ قويَّة عن يسوع نفسَه. فبعد إشباع الخمسة آلاف، كان ليسوع حديثًا مع النَّاس الَّذين أرادوهُ بأن يستمرَّ في إطعامهم بقوَّته العجيبة. لقد لأرادَوا من يسوع بأن يُؤمِّنَ لهم فقط ما تأمَّن لإسرائيل من المنِّ في البرِّيَّة. وهذا ما قالَه يسوع في جوابه: فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ مُوسَى أَعْطَاكُمُ ٱلْخُبْزَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، بَلْ أَبِي يُعْطِيكُمُ ٱلْخُبْزَ ٱلْحَقِيقِيَّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، لِأَنَّ خُبْزَ ٱللهِ هُوَ ٱلنَّازِلُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ ٱلْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ (يوحنَّا ٣٢:٦-٣٣).
- يسوعُ هو الخبز النَّازِل من السَّماء، وعلينا أن نأخُذَهُ تمامًا كما أخذَ إسرائيل المن.
- عالِمٌ بحاجتنا، جوعِنا.
- كلٌّ لِنفسه، عائلةٌ بعائلةٍ.
- كُلَّ يومٍ.
- بتواضُع – لَرُبَّما حتَّى على رُكَبِنا.
- بروح التَّقدير، عالِمين بأنَّنا لا نستحقُّهُ.
- أكلَهُ، أخذَهُ كَهِبةٍ إلى داخلنا، إلى أعماقِ كياننا.