خروج ٣٢
العِجلُ الذَّهبيّ
أولًا. يخطو إسرائيل باتِّجاهِ عبادة الأصنام.
أ ) الآية (١): يقوم النَّاس بِطَلَبِ شيءٍ ما.
١ وَلَمَّا رَأَى ٱلشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي ٱلنُّزُولِ مِنَ ٱلْجَبَلِ، ٱجْتَمَعَ ٱلشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: «قُمِ ٱصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لِأَنَّ هَذَا مُوسَى ٱلرَّجُلَ ٱلَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لَا نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ».
١. مُوسَى أَبْطَأَ فِي ٱلنُّزُولِ مِنَ ٱلْجَبَلِ: لقد أقلقَ هذا الأمرُ شعبَ إسرائيل. لقد كان صحيحًا أنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي ٱلنُّزُولِ، لكنَّ الله كان له قصدٌ رائعٌ من وراء إبطاءِ موسى، فالأمرُ سينتهي قريبًا. بالرغم من ذلك، وبسببِ أنَّ النَّاس لَم يستطيعوا رؤية السَّبب وراءَ هذه التَّأخير، فقد سمحوا له بِعَثرَتهِم.
لقد غابَ موسى لِمُدَّة أربعينَ يومًا (خروج ١٨:٢٤). لَرُبَّما بدا ذلك وكأنَّه وقتٌ طويل بالنِّسبة إلى النَّاس، لكنَّه كان قصيرًا بالنِّسبة إلى موسى. بكلِّ تأكيد، لقد كان وقتًا قصيرًا مُتعلِّقًا بالعمل الخارجيّ لِخُطَّة الله بالنِّسبة لإسرائيل.
إنَّ كيفيَّة تعامُلِنا مع التَّأخيرات المرسومة من الله، لَهِيَ مقياسٌ جيِّد لِنُموِّنا ونضوجنا الرُّوحيّ. فإذا سمحنا لهذه التَّأخيرات بأن تجنَحَ بنا نحو الإنغماس في الخطيَّة أو ننحو باتِّجاه الإستسلام لِلقَدَر، عندها نتفاعَلُ بتَوعُّكٍ مع تأخيراتهِ المرسومة. وإذا سمحنا لهذه الأوقات بأن تُعمِّق صبرنا واحتمالَنا في اتِّباع الله، فهي من ثمَّ نافعةٌ للإستخدام.
٢. ٱجْتَمَعَ ٱلشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: لقد جاءَ هذا النَّبَض الخاطئ من الشَّعبِ أوَّلًا، وليس من هارون. إنَّ حادثة الخطيَّة الموصوفة في هذا الأصحاح قد بدأت تحت وطأةِ نبَض الرَّأي الشَّائع. وهذا يصلُحُ لأن يكون مثالًا عندما لا تكون مشيئة النَّاس هي دائمًا مشيئة الله.
هذا الأمرُ لَصَحيحٌ في المجتمع بشكلٍ عام، لكنَّه صحيحٌ أيضًا بين شعبِ الله. فعندما يتعلَّق الأمرُ بتمثيل الله في العالَم وبخدمة البشريَّة، هُناك خطرٌ كامِن في بَدءِ ما يُريده النَّاس أو ما يشعرون بأنَّه حاجَتُهُم.
٣. قُمِ ٱصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا: لقد أراد النَّاس من الآلِهَة بأن تسيرَ أمامَهُم، مُرشِدَةً إيَّاهُم إلى أرضِ الموعد. لقد عرفوا بأنَّ الرَّبَّ قد أصعدَهُم من مصرَ، وعرفوا أيضًا بأنَّ الرَّبَّ الإله قد أظهرَ ذاتَهُ عند جبل سيناء. مع ذلك، فقد كانوا مُستعدِّين لأن يثقوا بإلَهٍ يُمكِنُهُم صُنعُه من أجل تكميل ما ابتدأه الرَّبُّ.
“وكما أراد إسرائيل لاحِقًا مَلِكًا بشريًّا، وليس مَلِكًا إلهيًّا غير منظور (١ صموئيل ٤:٨-٨)، هكذا هُم الآن يريدون إلهًا ’له وجهٌ،‘ مثل أيِّ شخصٍ آخَر.” كُول (Cole)
بعد قرونٍ عديدة، تعاملَ الرَّسُول بولس مع نفس الخطأ مع الغلاطيِّين: أَهَكَذَا أَنْتُمْ أَغْبِيَاءُ! أَبَعْدَمَا ٱبْتَدَأْتُمْ بِٱلرُّوحِ تُكَمَّلُونَ ٱلْآنَ بِٱلْجَسَدِ؟ (غلاطية ٣:٣). من الـمُمكِن أن نبدأ حياةً مسيحيَّة واثِقة بيسوع، ومن ثمَّ في وقتٍ لاحِق نثق بأنفسنا أو بروحيَّاتنا. ففي اتِّباعنا لِآلهتنا، لَن يكون الأمرُ جيِّدا بالنِّسبة إلينا أكثر ممَّا كان لإسرائيل القديمة.
٤. لَا نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ: لا نعلَم … هو موقِفٌ قادَ إسرائيل إلى ارتكاب الخطيَّة. خائبُ الأمل بسبب عدم يقينيَّة الأُمور، تحوَّل إسرائيل إلى عبادة الأصنام والخطيَّة.
“من الـمُحتمَل بمكانٍ ما، لَرُبَّما، أنَّهم ظنُّوا بأنَّ موسى قد هلَكَ بالنَّار، التي رأوها تقتحِمُ قِمَّة الجبل الَّذي دخلَ إليه.” كلارك (Clarke)
“إنَّ العبارة، ’لِأَنَّ هَذَا مُوسَى ٱلرَّجُلَ ٱلَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ‘ لَهِيَ مكتوبة بِلُغَّةٍ خشِنة عن عمدٍ، وهكذا تُظهِرُ موقف النَّاس الَّذين همَّشوا أعمال الله إلى حدِّ اعتبارها مُجرَّد مَيِّتة.” كايزر (Kaiser)
ب) الآيات (٢-٤): يتجاوَب هارون مع طلَب النَّاس.
٢ فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ: «ٱنْزِعُوا أَقْرَاطَ ٱلذَّهَبِ ٱلَّتِي فِي آذَانِ نِسَائِكُمْ وَبَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَآتُونِي بِهَا». ٣ فَنَزَعَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ أَقْرَاطَ ٱلذَّهَبِ ٱلَّتِي فِي آذَانِهِمْ وَأَتَوْا بِهَا إِلَى هَارُونَ. ٤ فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَصَوَّرَهُ بِٱلْإِزْمِيلِ، وَصَنَعَهُ عِجْلًا مَسْبُوكًا. فَقَالُوا: «هَذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ ٱلَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ».
١. ٱنْزِعُوا أَقْرَاطَ ٱلذَّهَبِ … وَآتُونِي بِهَا: طلبَ الله من موسى بأن يأخذَ تقدمةً إراديَّة، وذلك بحثِّ القلب من أجلِ جمعِ المواد لِخَيمة الإجتماع (خروج ١:٢٥-٧). فَقَبْل نزول موسى من جبل سيناء لأخذ هذه التَّقدمة التي أمرَ الله بها، أخذَ هارون تقدمة الذَّهَب لِيَصنعَ صنمًا.
كان النَّاسُ كُرَماء في تجاوبهم – فَنَزَعَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ أَقْرَاطَ ٱلذَّهَبِ … وَأَتَوْا بِهَا إِلَى هَارُونَ. بالطَّبيعة، إنَّ النَّاس لَكُرَماء فيما يُقدِّمونه لأصنامهم. يجب علينا أن نكون أكثرَ كرَمًا فيما نُقدِّمهُ إلى الإله الحي.
“وجَّه هارون النَّاس لأن ’ينزِعوا‘ (paraq، التي تعني حرفيًّا ’يخلَعوا؛‘ بالـمُقارَنة مع ] laqah’يأخُذُ‘[ في خروج ٥:٣٥) ’أقراط الذَّهَب.‘” كايزر (Kaiser)
٢. فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَصَوَّرَهُ بِٱلْإِزْمِيلِ: لَم تكُن هذه الحِرَفيَّة المستوحاة من الرُّوح، هي لكلٍّ من بَصَلْئيل وأهوليآب الـمَذكورَين في خروج ١:٣١-٦. لقد كان هذا الأمرُ عملَ هارون الـمُستوحَى من الخطيَّة. لقد فكَّر مليًّا في الموضوع وأذابَ الذَّهَب وصبَّهُ وصوَّرهُ بعناية بالإزميل.
عِجْلًا مَسْبُوكًا: “كلِمةُ عجل هي ليست بترجمةٍ جيِّدة للكلِمة العبريَّة egel. بل الثَّور الصَّغير في بكرِ قوَّتهِ هو المعني هُنا، مثلًا: من الـمُمكِن أن تصِف الكلِمة حيوانًا عمره ثلاثُ سنين (تكوين ٩:١٥).”
٣. فَقَالُوا: هَذِهِ آلِهَتُكَ: لَم يمسَح هارون هذا الشَّيء كإلههم؛ فهو ببساطةٍ سايرَ النَّاس بينما هُم أعلنوه إلهَهُم. لَرُبَّما سُرَّ بالإطراء لإعجابهم بِصُنعتهِ.
لَو كانت هذه قيادةً حقيقيَّة، لَصَرَخت: “هذه عبادة أوثان! يجب أن نُدمِّرَ هذا العجل الذَّهبيّ. أنتم أيُّها البشَر لَمُخطئون بتسمية هذه الصُّنعة البشريَّة إلهًا لكُم.” لكنَّ هارون لَم يكُن قائدًا حقيقيًّا. لقد كان مثالًا لِمَن يقود باتِّباعه الرَّأي الشَّائع.
“لقد استعار يرُبعام هذه العبارة عندما عَمِلَ عِجْلَي ذَهَبٍ عند انقسام المملكة في سنة ٩٣١ قبل الميلاد (١ ملوك ٢٨:١٢).” كايزر (Kaiser)
٤. ٱلَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ: يُظهِرُ هذا غباءَ عبادة الأصنام. لَم يكُن تمثالُ هذا العجل موجودًا قبل يومٍ واحِدٍ، مع ذلك، فقد عبدوهُ كالإلَه الَّذي أخرَجَهُم من أرضِ مصرَ.
ج) الآيات (٥-٦): عبادةٌ زائفة وغير أخلاقيَّة عند العجل الذَّهبيّ.
٥ فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ بَنَى مَذْبَحًا أَمَامَهُ، وَنَادَى هَارُونُ وَقَالَ: «غَدًا عِيدٌ لِلرَّبِّ» .٦ فَبَكَّرُوا فِي ٱلْغَدِ وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ سَلَامَةٍ. وَجَلَسَ ٱلشَّعْبُ لِلْأَكْلِ وَٱلشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ.
١. فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ: سُرَّ هارون بالإطراء بسبب حماسة جواب الشَّعب. فعندما رأى التزامهم لهذا الصَّنم، بَنَى مَذْبَحًا أَمَامَهُ. لقد بدأ بتنظيم العبادة للصَّنم الَّذي صنعهُ.
لقد كان الوضعُ سيِّئًا للغاية بالنِّسبة إلى وجودِ عجلٍ ذهبيٍّ؛ كان الشَّعب يُسبِّحُهُ لإخراجهِ لهُم من مصر. فقد كانت هذه الخطوة الثَّانية لِهَارون أسوأ بكثير من سابقتها. فهو اعتبرَ و قدَّس الصَّنم بذبيحةٍ حيوانيَّة. لقد صنعَ العجل ومن ثمَّ صنع المذبَح لعبادتهِ.
٢. غَدًا عِيدٌ لِلرَّبِّ: يكشِف هذا الأمر النِّقابَ عن أنَّ صُنع وعبادة العجل الذَّهبيّ، لَم يكونا رفضًا واعيًا للرَّبِّ. لقد ظنَّ هارون وباقي إسرائيل، لَرُبَّما، بأنَّه يُمكِنهم إعطاء الكرامة للرَّبِّ من خلال العجل الذَّهبيّ.
لَم يكُن هارون شديدًا بما فيه الكفاية للقَول: ’دعونا نتخلَّص من الرَّبِّ الإله.‘ عندما رأى شعبُ إسرائيل العجل الذَّهبيّ، لَم يطلبوا من هارون بأن يتخلَّص من الرَّبِّ الإله؛ فهو – أي هارون – ببساطةٍ أضافَ إلى عبادة الرَّبِّ الإله ذلك العجل الذَّهبيّ.
٣. فَبَكَّرُوا فِي ٱلْغَدِ: لقد خدموا صنَمَهُم بِتَوقٍ وطاقة وتضحيَةٍ شخصيَّة. يجدُ النَّاس عادةً طريقةً للنُّهوضِ باكِرًا من أجل الأشياء التي هي حقيقةً مُهمَّة بالنِّسبة إليهم. لقد أظهرَ هذا بأنَّ شعبَ إسرائيل كانوا مُستعدِّين لأن يُعطوا وقتهم ونومهم ومالَهم في خدمة الصَّنَم.
وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ سَلَامَةٍ: “لقد كان مُمكِنًا لِهارون بأن يصنع العجل، لكنَّ النَّاس جعلوهُ إلهًا، بعبادتهم له.” ترَاب
٤. ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ: إنَّها لَطريقة مُلطَّفة للتَّحدُّث عن فجورٍ أو فسوقٍ جسيم بين شعبِ إسرائيل. فقد تضمَّنت عبادتهم الأكل والشُّرب (بمعنى السُّكر) واللَّاأخلاقيَّة الجنسيَّة.
“إنَّ الفعل الـمُترجَم لَعِبَ، يقترح لَعِبًا جنسيًّا في العبريَّة … وبذلك من الـمُحتمَل الفَهم بأنَّ هذا اللَّعِبَ كان الفحشاء النَّاتجة عن السُّكر.” كُول (Cole)
“إنَّ الفعل sahaq يُشيرُ إلى السُّكر والعربدة الجنسيَّة واللَّعِب الجنسي.” كايزر (Kaiser). يستخدِم أحدُ القواميس العبريَّة العبارة ’مُداعباتٍ زوجيَّة جنسيَّة،‘ كما وُجِدَت في
تكوين ٨:٢٦،
١٤:٣٩ و
١٧:٣٩.
قبلَ أقلِّ من شهرَين، سمعَ إسرائيل صوتَ الله نفسَه كَرَعدٍ من السَّماء، مُتفوِّهًا بصوتٍ مسموع بالوصايا العشر إلى الأُمَّة. فهذا الحدَث الدراماتيكيّ، بحدِّ ذاتهِ، لَم يُغيِّر من قلوبهم: بل جعل الكثيرين منهم يتوقون إلى إلهٍ أقلَّ تطلُّبًا.
“يبدو مُستحيلًا، بعد فترةٍ وجيزة من تلقِّي مثل هذا الوحي السَّامي، بأن يَصِلَ أحدٌ ما إلى هذا الدِّرْك من الإنحطاط، لكنَّ الإختبار المسيحيّ اليوم هو غالِبًا نفس الشَّيء.” كُول (Cole)
ثانيًا. طبيعة ونتائج شفاعة موسى.
أ ) الآيات (٧-٨) يُعلِم الله موسى بما يجري في الـمُخيَّم.
٧ فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «ٱذْهَبِ ٱنْزِلْ. لِأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ شَعْبُكَ ٱلَّذِي أَصْعَدْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ .٨ زَاغُوا سَرِيعًا عَنِ ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ. صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلًا مَسْبُوكًا، وَسَجَدُوا لَهُ وَذَبَحُوا لَهُ وَقَالُوا: هَذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ ٱلَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ».
١. لِأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ شَعْبُكَ ٱلَّذِي أَصْعَدْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ: أسمَى الله إسرائيل: شَعْبُكَ، بمعنى أنَّهم انتمَوا إلى موسى، وليس الله. ففي هذا، يقترِح الله لِمُوسى بأنَّه قد، أو على وشَكِ أن، يتبرَّأَ من إسرائيل.
٢. زَاغُوا سَرِيعًا عَنِ ٱلطَّرِيقِ: إنَّ هذا لَتصريحٌ مكبوح تقريبًا. فَهُم لَم يتوانوا عن الذَّهابِ سريعًا وراء طُرُقهم الخاطئة.
٣. صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلًا مَسْبُوكًا، وَسَجَدُوا لَهُ وَذَبَحُوا لَهُ: وصف الله لِمُوسى كلَّ ما حصل، حتَّى أنَّه اقتبس كلمات الشَّعب في عبادتهم للأصنام. لقد علِم الله بالضبط ماذا حدَث. لقد تجاهل الشَّعبُ الله، لكنَّه لَم يتجاهلهم.
ب) الآيات (٩-١٠) عرضُ الله الرَّائع لِمُوسى.
٩ وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «رَأَيْتُ هَذَا ٱلشَّعْبَ وَإِذَا هُوَ شَعْبٌ صُلْبُ ٱلرَّقَبَةِ .١٠ فَٱلْآنَ ٱتْرُكْنِي لِيَحْمَى غَضَبِي عَلَيْهِمْ وَأُفْنِيَهُمْ، فَأُصَيِّرَكَ شَعْبًا عَظِيمًا».
١. رَأَيْتُ هَذَا ٱلشَّعْبَ وَإِذَا هُوَ شَعْبٌ صُلْبُ ٱلرَّقَبَةِ: لقد تحدَّث الله وكأنَّه عاين بما فيه الكفاية، وقدَّم عرضًا رائعًا إلى موسى. حبَّذا لَو كان موسى لِيُوافق عل ذلك، لَأفناهُم الله وبدأ من جديد معهُ (فَأُصَيِّرَكَ شَعْبًا عَظِيمًا).
نظريًّا، كان مُمكِنًا أن يقوم الله بذلك ويستمرَّ في تحقيق كلِّ وعدٍ قدَّمه لإبراهيم وإسحاق ويعقوب. فسيُغيِّر هذا الأمر مكانة موسى؛ جاعلًا إيَّاهُ ’إبراهيم‘ الجديد في خُطَّة الله لإسرائيل. كان موسى يمتلِكُ الفرصة السَّانحة لِيُهابَ كما كان إبراهيم، ويُكرَّم من كلِّ جيلٍ آتٍ.
صُلْبُ ٱلرَّقَبَةِ: “إنَّ هذه العبارة، والتي هي شائعة في الكتاب المقدَّس، لَهِيَ استعارة الـمُزارِع المجازيَّة لِثَورٍ أو حصانٍ لا يُريد الإنصياع للحَبلِ المربوط.” كُول (Cole)
٢. فَٱلْآنَ ٱتْرُكْنِي لِيَحْمَى غَضَبِي عَلَيْهِمْ: لَم يستشِر الله رأيَ موسى ولا طالَبَ بمُشاركتهِ في هذه القضيَّة. فقد قال لِمُوسى ببساطة: ’ٱتْرُكْنِي لكي أقومَ بذلك.‘ إنَّ الإنطباع الواضح هو: إن لَم يقُم موسى بفعلِ أيِّ شيءٍ، فستستمرُّ الخُطَّة قُدُمًا إلى الأمام.
ج) الآيات (١١-١٣): يتضرَّعُ موسى من أجلِ إسرائيل.
١١ فَتَضَرَّعَ مُوسَى أَمَامَ ٱلرَّبِّ إِلَهِهِ، وَقَالَ: «لِمَاذَا يَا رَبُّ يَحْمَى غَضَبُكَ عَلَى شَعْبِكَ ٱلَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ؟ ١٢ لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ ٱلْمِصْرِيُّونَ قَائِلِينَ: أَخْرَجَهُمْ بِخُبْثٍ لِيَقْتُلَهُمْ فِي ٱلْجِبَالِ، وَيُفْنِيَهُمْ عَنْ وَجْهِ ٱلْأَرْضِ؟ اِرْجِعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِكَ، وَٱنْدَمْ عَلَى ٱلشَّرِّ بِشَعْبِكَ .١٣ اُذْكُرْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ عَبِيدَكَ ٱلَّذِينَ حَلَفْتَ لَهُمْ بِنَفْسِكَ وَقُلْتَ لَهُمْ: أُكَثِّرُ نَسْلَكُمْ كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ، وَأُعْطِي نَسْلَكُمْ كُلَّ هَذِهِ ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي تَكَلَّمْتُ عَنْهَا فَيَمْلِكُونَهَا إِلَى ٱلْأَبَدِ».
١. فَتَضَرَّعَ مُوسَى أَمَامَ ٱلرَّبِّ إِلَهِهِ: رفض موسى ألَّا يفعل أيَّ شيءٍ. فهو لَم يقُل بشكلٍ مُنمَّق: ’حسنٌ، مهما سيفعله الله، سيفعله.‘ فَتَضَرَّعَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وذلك ما اعتقدَ أنَّه بحسبِ قلبِ الله.
لَم تكُن صلاةُ موسى طويلة لكنَّها قويَّة. “إنَّها القوَّة، وليس طول الصَّلاة التي تُناشِد السَّماء.” ماير (Meyer)
“بذلك، قاد يهوه خادِمَهُ للشَّركة مع مكنوناتِ أعماقِ قلبهِ. من أجل ذلك سادَ تضرُّعُهُ.” مورجان (Morgan)
٢. شَعْبِكَ ٱلَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ: في صلاتهِ، أعاد موسى بدايةً، إعطاءَ الشَّعب لله. “أيُّها الرَّبُّ، هُم ينتمون إليك وليس إليَّ. لا أُريدُ أن أكونَ إلهًا على هذا الشَّعب؛ أنت وحدَك فقط تقوم بذلك.”
٣. شَعْبِكَ ٱلَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ: من ثمَّ تضرَّع موسى إلى الله على أساس النِّعمة. “أيُّها الرَّبُّ، لَم نستحقَّ بأن تُخرِجنا من مصرَ لكي نبدأ معك. لقد قُمتَ بذلك بنعمتك، ليس لأنَّنا استحقَّينا ذلك. رجاءً، لا تتوقَّف عن التَّعامُلِ معنا بنعمتك.”
٤. لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ ٱلْمِصْرِيُّونَ قَائِلِينَ: من ثمَّ تضرَّع موسى إلى الله على أساس المجد. “أيُّها الرَّبُّ، سيجلِب هذا عارًا على اسمِكَ في عيون الشُّعوب. سيفتكِر عنك المصريُّون بأنَّك إلهٌ قاسٍ قادَ شعبَهُ إلى البرِّيَّة لِيُميتهم. لا تسمح لأيٍّ كان بأن يعتقِدَ هذا عنك، يا الله.”
“بدون شكٍ، لقد امتلأَ موسى بالحنان من أجل شعبهِ، لكنَّ قلقَهُ الأساسيّ كان من أجلِ كرامة اسمِ الله.” مورجان (Morgan)
٥. اُذْكُرْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ عَبِيدَكَ ٱلَّذِينَ حَلَفْتَ لَهُمْ بِنَفْسِكَ: أخيرًا، تضرَّع موسى إلى الله على أساسِ صلاحِهِ. “أيُّها الرَّبُّ، حافِظْ على وعودِك. فأنت إلهٌ صالِحٌ تبقى أمينًا دائمًا. لا تنكُث بوعودِكَ لإبراهيم وإسحاق ويعقوب.”
“في سَعيهم في إثرِ البلاغة، دَعِ المسيحيِّين في صلواتهم يتضرَّعون بتكرارٍ. أيُّها الرَّبُّ، ها أنت قد وعدت، قد وعدت. ضَع المواعيد في قالَبٍ ما، وسيكون لك ما تشاء. لا يُمكِن أن ينكر الله ذاتَهُ.” ترَاب (Trapp)
د ) الآية (١٤): يرجعُ الله عن غضَبِهِ.
١٤ فَنَدِمَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُهُ بِشَعْبِهِ.
١. فَنَدِمَ ٱلرَّبُّ: لقد استجابَ الله لِصَلاة موسى. فقد كان الله سَيُدمِّر الأُمَّة – فَجُلَّ ما كان على موسى أن يفعلهُ، هو أن يترك الله وحدَهُ ويسمَح له بالقيام بذلك. لكنَّ موسى لَم يترُك الله وحدَهُ؛ فقد جاهَدَ في تضرُّعهِ بحسبِ إدراكه لِقَلبِ الله.
٢. فَنَدِمَ ٱلرَّبُّ: في نسخة الملِك جيمز، تُرجِمَت هذه العبارة كالتَّالي: لقد تابَ الرَّبُّ عن الشَّرِّ الَّذي تفكَّر به لِيَفعله بشعبه. بناءً على هذا الأساس، يعتقِد البعض بأنَّه يجب أن يندَم الله على الشَّرِّ، أو أن يُغيِّر رأيَهُ.
إنَّه لَمِنَ الـمُفيد بمكانٍ ما أن نقرأ ترجماتٍ أُخرى لهذه العبارة:
ü ثمَّ نَدِمَ الرَّبُّ.
ü لقد غيَّر الرَّبُّ رأيَهُ بشأن الأذيَّة التي قال بأنَّه سيضربُ بها شعبَهُ.
ü رجِعَ الرَّبُّ عن الشَّرِّ الَّذي فكَّرَ بأن يعمَلَهُ.
ü لقد تأثَّر الرَّبُّ بالحنان لِيُخلِّصَ شعبَهُ.
يقول سفرُ العدد ١٩:٢٣، لَيْسَ ٱللهُ إِنْسَانًا فَيَكْذِبَ، وَلَا ٱبْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ. هَلْ يَقُولُ وَلَا يَفْعَلُ؟ أَوْ يَتَكَلَّمُ وَلَا يَفِي؟ يقول البعض بأنَّ هاتَين الفقرتَين تُعارِضان أحدَهُما الآخَر، وبأنَّ خروج ٣٢ يُظهِر ندَم الله وتغيُّرِهِ، بينما عدد ٢٣ هُنا يقول: إنَّ الله لا يتغيَّر أبدًا ولا يندَم. يُمكِنُنا أن نفهم هذه المقاطِع بفَهمِنا للحقيقة بأنَّ موسى قد كتب ما نُسمِّيهِ تشبيهًا، أو لُغَّةً ’محورها الإنسان.‘ فقد وصفَ أفعالَ الله كما بدَت لهُ. لَم تُغيِّر صلاة موسى الله، بل غيَّرت بالفعل موقف الشَّعب في نظَرَ الله – ذلك الشَّعب الَّذي هو الآن في مكان الرَّحمة، بعدما كان في مكان الدَّينونة.
بالإضافةِ إلى ذلك، يُمكِنُنا القَول، بأنَّ الله لَم يتراجَع عن كلامهِ لِكُلٍّ من موسى وإسرائيل. نحن نستوعِب المبدأ بأنَّ مواعيدَ الله للدَّينونة مُتأصِّلة في معناها بدعوة الإنسان للتَّوبة والصَّلاة، وبالتَّالي تجنُّب الدَّينونة (حزقيال ١٣:٣٣-١٦).
يُحبَط البعض لأنَّ الكتاب المقدَّس يصِف أعمال الله بكلِماتٍ بشريَّة، لكن في الحقيقة لا يُمكِن وصفها بأيِّ طريقةٍ أُخرى. “أعتقِد بأنَّني لا أحتاج القولَ بأنَّ هذا العدد يتحدَّث بحسب الإنسان. لا أدري على أيِّ أساسٍ آخَر يُمكِنُنا الكلام. أن نتكلَّم عن الله بحسبِ الله، لَهُوَ أمرٌ محفوظٌ للهِ وحدَهُ؛ فلا يُمكِن للبشَر الفانين بأن يستوعبوا هذا الخطاب. فبهذا المعنى، يتكلَّم الله غالِبًا، ليس بحسبِ حقيقةٍ حَرفيَّة، بل بحسبِ بروز الأشياء لنا، لكي نفهمَ حدود مَقدِرَة الإنسان لأن يفهم اللَّاهوت.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. فَنَدِمَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُهُ: لَم يُدمِّر الله إسرائيل، وهو قد عِلِمَ بأنَّه لَن يفني إسرائيل. مع ذلك، لقد وضعَ موسى في موقع التَّضرُّع والشَّفاعة الحسَّاس، لكي يُظهِرَ ويُطوِّر قلبَ الله نحو شعبهِ، قلبَ محبَّةٍ وحنان. لقد صلَّى موسى تمامًا كما أرادَه الله – وكأنَّ الأرض والسَّماء، الخلاص والفناء، جميعها يعتمِد على صلاتهِ. فهكذا، يتوقَّع الله منَّا بأن نُصلِّي.
“لا يجب أن نُفكِّر بموسى وكأنَّه قد غيَّر قصد الله تجاه شعبِهِ إسرائيل بالصَّلاة، بل بتنفيذهِ. لَم يكُن موسى مثل الله أكثر ممَّا كان عليه في مثل هذه اللَّحظات، ذلك لأنَّهُ تشارك في فكرِ الله وقصدهِ الـمُحِب.” كُول (Cole)
بعيشِنا في ظلِّ العهد الجديد، لا نمتلِكُ امتيازًا أقل في صلاتنا ممَّا كان لِمُوسى. لا نمتلِكُ وصولًا أقل إلى الله ممَّا كان لِمُوسى. إنَّ الشَّيءَ الوحيد الَّذي يُمكِن أن نمتلِكَ منه أقل من موسى، لَهُوَ قلبه على شعبهِ.
ثالثًا. يُواجِهُ موسى هارون.
أ ) الآيات (١٥-١٨): يسمع موسى ويشوع صوتَ الشَّعب في الـمُخيَّم.
١٥ فَٱنْصَرَفَ مُوسَى وَنَزَلَ مِنَ ٱلْجَبَلِ وَلَوْحَا ٱلشَّهَادَةِ فِي يَدِهِ: لَوْحَانِ مَكْتُوبَانِ عَلَى جَانِبَيْهِمَا. مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا كَانَا مَكْتُوبَيْنِ .١٦ وَٱللَّوْحَانِ هُمَا صَنْعَةُ ٱللهِ، وَٱلْكِتَابَةُ كِتَابَةُ ٱللهِ مَنْقُوشَةٌ عَلَى ٱللَّوْحَيْنِ .١٧ وَسَمِعَ يَشُوعُ صَوْتَ ٱلشَّعْبِ فِي هُتَافِهِ فَقَالَ لِمُوسَى: «صَوْتُ قِتَالٍ فِي ٱلْمَحَلَّةِ» .١٨ فَقَالَ: «لَيْسَ صَوْتَ صِيَاحِ ٱلنُّصْرَةِ وَلَا صَوْتَ صِيَاحِ ٱلْكَسْرَةِ، بَلْ صَوْتَ غِنَاءٍ أَنَا سَامِعٌ».
١. فَٱنْصَرَفَ مُوسَى وَنَزَلَ مِنَ ٱلْجَبَلِ: في خِضمِّ عبادة الأصنام الكبيرة هذه، نزَلَ موسى ويشوع بعد وقتهما الطَّويل من جبل سيناء. فقد كان حاملًا لَوْحَي ٱلشَّهَادَةِ، تعليماتٌ مكتوبة بإصبَع الله.
٢. وَٱللَّوْحَانِ هُمَا صَنْعَةُ ٱللهِ، وَٱلْكِتَابَةُ كِتَابَةُ ٱللهِ: لقد كان مُهمًّا جدًّا بأن يكون لَوحا الشَّهادة مكتوبَيْن مُباشرةً بإصبَع الله. فكُلُّ شريعةٍ وفضيلة يجب أن تأتي من مقياس الله وشخصيَّته أو تكون، خلافًا لذلك، مَبنيَّة على رأي وقِيَم الإنسان الـمُتغيِّرة.
“لأنَّهُ هو الكاتب الوحيد لِـ الشَّريعة و العدالَة، فهو وحدُهُ يُمكِنُه أن يكتُبَها على قلبِ الإنسان.” كلارك (Clarke)
في ظلِّ العهد الجديد، لقد وعد الله أيضًا بأن يكتُبَ ناموسَه: بَلْ هَذَا هُوَ ٱلْعَهْدُ ٱلَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا (إرميا ٣٣:٣١).
٣. صَوْتُ قِتَالٍ فِي ٱلْمَحَلَّةِ: يُمكِنُنا القَول، بأنَّ يشوع كان مُحِقًّا عندما قالَ هذا. بالرغم من ذلك، فقد عكسَ الصَّوت حربًا روحيَّة بدلًا من الحرب المادِّيَّة.
ب) الآيات (١٩-٢١): يضعُ موسى حدًّا لهذا العار ويُواجِه هارون.
١٩ وَكَانَ عِنْدَمَا ٱقْتَرَبَ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ أَنَّهُ أَبْصَرَ ٱلْعِجْلَ وَٱلرَّقْصَ، فَحَمِيَ غَضَبُ مُوسَى، وَطَرَحَ ٱللَّوْحَيْنِ مِنْ يَدَيْهِ وَكَسَّرَهُمَا فِي أَسْفَلِ ٱلْجَبَلِ .٢٠ ثُمَّ أَخَذَ ٱلْعِجْلَ ٱلَّذِي صَنَعُوا وَأَحْرَقَهُ بِٱلنَّارِ، وَطَحَنَهُ حَتَّى صَارَ نَاعِمًا، وَذَرَّاهُ عَلَى وَجْهِ ٱلْمَاءِ، وَسَقَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. ٢١ وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «مَاذَا صَنَعَ بِكَ هَذَا ٱلشَّعْبُ حَتَّى جَلَبْتَ عَلَيْهِ خَطِيَّةً عَظِيمَةً؟»
١. فَحَمِيَ غَضَبُ مُوسَى، وَطَرَحَ ٱللَّوْحَيْنِ مِنْ يَدَيْهِ وَكَسَّرَهُمَا: كسرَ إسرائيل العهد بعبادتهم للأصنام وفجورهم مع العجل الذَّهبيّ. كان هناك شيءٌ مُناسب حول كَسْرِ موسى لَوحَي العهد عند كَسْرِ إسرائيل للعهد.
سمَّى كُول (Cole) كَسْرَ لَوحَي الشَّهادة: “عملًا احتفاليًّا مُهمًّا، وليس مُجرَّد تعبيرٍ عن الغضب.” لقد أعادَ موسى تمثيلَ كَسْرِ الشَّريعة والعهد.
بالرغم من ذلك، كان على موسى التَّعامُل مع الغضَب معظم حياته. ففي غضبهِ قتل مصريًّا (خروج ١١:٢-١٢). وفي غضبهِ كسرَ لَوحَي الشَّهادة المكتوبَيْن بإصبع الله. وفي غضبهِ ضربَ الصَّخرة التي أمره الله بأن يتكلَّم إليها (عدد ١٠:٢٠-١١). وفي عرضٍ أخير، نُشيرُ إلى ذلك الغضب الَّذي حرَمَ موسى الدُّخولَ إلى أرضِ الموعِد.
٢. ثُمَّ أَخَذَ ٱلْعِجْلَ ٱلَّذِي صَنَعُوا وَأَحْرَقَهُ بِٱلنَّارِ، وَطَحَنَهُ حَتَّى صَارَ نَاعِمًا، وَذَرَّاهُ عَلَى وَجْهِ ٱلْمَاءِ: لقد كان هذا الصَّنم موضوعَ عبادةٍ وطقوسٍ غير أخلاقيَّة؛ مع ذلك، لا يبدو أنَّ أحدًا قد تحدَّى موسى بما فعلَهُ. لقد نزل موسى من جبل سيناء بسلطان وقوَّة الرَّجُل الَّذي كان مع الله – وعرفَ كلُّ إسرائيل ذلك.
٣. وَسَقَى بَنِي إِسْرَائِيلَ: طحنَ موسى العجلَ ناعِمًا وجعل الشَّعب يشربُهُ لِعدَّة أسبابٍ:
لإظهارِ هذا الإله المزعوم بأنَّه ليس شيئًا ويُمكِن تدميره بسهولةٍ.
للقضاء الكامِل على هذا الصَّنم.
لكي يدفع النَّاس ثمنًا فوريًّا للخطيَّة.
لِجَعلِ الَّذهب النَّاتج عن الصَّنم غير صالح للإستعمالِ قَطْعًا، ذلك لِفَسادهِ بالنِّفايات الجسديَّة.
ü “رُشَّ غُبارُ الذَّهب في مياه الوادي، النَّابعة من الجبل إلى أسفَل. هذه المياه التي يجب على إسرائيل أن يشربها، تُذكِّرنا أيضًا بتلك ’المياه الـمُرَّة‘ التي ستشربها تلك المرأة التي يُظَنُّ بأنها غير أمينة (عدد ١٨:٥-٢٢).” كُول (Cole)
٤. مَاذَا صَنَعَ بِكَ هَذَا ٱلشَّعْبُ حَتَّى جَلَبْتَ عَلَيْهِ خَطِيَّةً عَظِيمَةً: لقد كان هذا سؤالًا حادَّ الإدراك. لقد فَهِمَ موسى بأنَّ الخُطَّة لَم تبدأ من هارون، بل قد سمحَ بها وطبَّقها.
ج) الآيات (٢٢-٢٤): عُذرُ هارون.
٢٢ فَقَالَ هَارُونُ: «لَا يَحْمَ غَضَبُ سَيِّدِي. أَنْتَ تَعْرِفُ ٱلشَّعْبَ أَنَّهُ فِي شَرٍّ .٢٣ فَقَالُوا لِيَ: ٱصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لِأَنَّ هَذَا مُوسَى ٱلرَّجُلَ ٱلَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لَا نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ .٢٤ فَقُلْتُ لَهُمْ: مَنْ لَهُ ذَهَبٌ فَلْيَنْزِعْهُ وَيُعْطِنِي. فَطَرَحْتُهُ فِي ٱلنَّارِ فَخَرَجَ هَذَا ٱلْعِجْلُ.»
١. لَا يَحْمَ غَضَبُ سَيِّدِي: طلبَ هارون من موسى بشكلٍ أساسيّ بأن يُهدِّئَ من رَوعِهِ، وألَّا يكون حادَّ الغضَب. لَم يعِ هارون عِظَمَ خطيَّتِهِ، ولَم يكُن عندَهُ فَهمٌ هامٌّ لِمَخافة الرَّبِّ.
٢. أَنْتَ تَعْرِفُ ٱلشَّعْبَ أَنَّهُ فِي شَرٍّ: عرفَ موسى هذا أيضًا كما هارون. مع ذلك، فقد كان لِمُوسى شعورٌ بالحاجة إلى كَبْحِ شرِّ الشَّعب، بينما هارون في هذه الحالَة قد شجَّعَ ودَعمَ خطيَّة النَّاس.
٣. ٱصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا: لقد اقتبسَ هارون كلِماتِ الشَّعب بحذافيرها. لكنَّه كذَبَ عندما وصفَ أفعالَهُ (فَطَرَحْتُهُ فِي ٱلنَّارِ فَخَرَجَ هَذَا ٱلْعِجْلُ).
لقد كان هارون يعني بدونِ شكٍّ بأنَّ هذا العجل قد صُنِع بأُعجوبةٍ – لقد حصل الأمرُ ببساطة. لكنَّ موسى – وكلُّ واحدٍ آخَر – يُمكِنُهُ رؤية العلامات البشريَّة المحفورة عليه (خروج ٤:٣٢). لقد ادَّعى هارون بأنَّه كان عملًا عجائبيًّا، لكنَّ دليل حِرَفيَّة يديهِ كان ظاهِرًا.
قدَّم هارون ذلك العُذر الكلاسيكيّ، ’لقد حصل الأمر.‘ لكنَّ هذا لم يحدُث للتَّو. فقد تفكَّر هارون بالأمر وأذابَ الذَّهب وسبكَهُ وصنعَهُ بعنايةٍ بالإزميل (خروج ٤:٣٢).
لقد أقدَمَ هارون على فعل هذا الأمر الشرِّير وقدَّم عُذرًا لَهُ. لأنَّه في تلك اللَّحظة بالذَّات، بدا الأمرُ صعبًا في الوقوف للرَّبِّ مُقارنةً مع مُجاراة الشَّعب. وهكذا اتَّخذَ هارون الطَّريق الأقلَّ صعوبةً، لأنَّه كان كَسُولًا. يجدُ النَّاس الكسالى دائمًا عيوبًا في أدواتهم، وأُولئك الَّذين لا ينوون العمَل، يجدون دائمًا بعض الأعذار أو غيرها؛ ومن ثمَّ يُعوِّضونَ عن كسَلِهم بِحُلمٍ روحيٍّ شهيّ. لِيحلُمَ المسيحيُّون الإسميُّون عنَّا؛ فبهذا، هُم يعتقدون بأنَّهم يعملون عمل الرَّبِّ. فَهُم يعملون ذلك بخداعٍ، واضعين الأحلام مكان الخدمة الحقيقيَّة. سبيرجن (Spurgeon)
“يا لها من حيلَةٍ سخيفة وتافِهَة! … تمامًا كالأُسطورة البابويَّة الـمُتعلِّقة بكاتدرائيَّة البيت المقدس في لوريتا في إيطاليا! تأتي هذه الأساطير من نفس المصدَر. يُمكِن لإبليس بأن يُوفِّر أكثر من الضَّروريّ لغاياته الخاصَّة.” كلارك (Clarke)
كانت خطيَّةُ هارون عظيمةً جدًّا لِدَرجة أنَّ تضرُّع موسى فقط قد أنقذَ حياتَهُ. وَعَلَى هَارُونَ غَضِبَ ٱلرَّبُّ جِدًّا لِيُبِيدَهُ. فَصَلَّيْتُ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ هَارُونَ فِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ (تثنية ٢٠:٩).
رابعًا. الدَّعوة للوقوفِ إمَّا مع الله أو مع عبادة الأصنام.
أ ) الآيات (٢٥-٢٦): وقفةُ موسى في التَّحدِّي.
٢٥ وَلَمَّا رَأَى مُوسَى ٱلشَّعْبَ أَنَّهُ مُعَرًّى لِأَنَّ هَارُونَ كَانَ قَدْ عَرَّاهُ لِلْهُزْءِ بَيْنَ مُقَاوِمِيهِ، ٢٦ وَقَفَ مُوسَى فِي بَابِ ٱلْمَحَلَّةِ، وَقَالَ: «مَنْ لِلرَّبِّ فَإِلَيَّ». فَٱجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمِيعُ بَنِي لَاوِي.
١. ٱلشَّعْبَ أَنَّهُ مُعَرًّى: يُظهِرُ هذا كَم كانت الـمُشكِلَة كبيرة. لا يوجَد خطرٌ أعظَم من التَّخلِّي عن كلِّ الضَّوابط والقيام بما يبدو وكأنَّه الصَّواب في أعينهم. إنَّ أحلك الأيَّام في التَّاريخ الإسرائيليّ الوطنيّ لَمَوصوفة بهذه العبارة: وَفِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ. كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ (قُضاة ٦:١٧).
“إنَّ العبارة: ’ٱلشَّعْبَ أَنَّهُ مُعَرًّى،‘ لَهِيَ مُرتبطة بالرَّخاوة أو الكَشف. يبدو وكأنَّ نوعًا من الفسوق الدِّينيّ كان موجودًا مع الشَّعب العابد للعجل الذَّهبيّ.” كايزر (Kaiser)
في مُجتمعنا الـمُعاصِر، نحن نعتبِر أنَّ التَّخلِّي عن الضَّوابط سماءٌ على الأرض. لكنَّ الكتاب المقدَّس والحسَّ الـمُشترَك يقولان لنا بأن هذا لَهُوَ نوعٌ من الفوضى الأخلاقيَّة والرُّوحيَّة والإجتماعيَّة التي لَن تأتي إلَّا بالدَّمار.
تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلْإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ ٱلْمَوْتِ (أمثال ١٢:١٤). عندما يتبَع الإنسان غرائزَهُ وميولَهُ، فسيُؤدِّي به هذا إلى الخراب. نحتاج لأن نتَّبِعَ طريق الله، وليس طريقنا.
مُعَرًّى … غير مُعَرًّى: “إنَّ الكلِمة التي استُخدِمَت بالتَّحديد مرَّتَيْن في هذا العدد، لَمَوجودة في سفر الأمثال ١٨:٢٩، ’بِلَا رُؤْيَا ]أي، بالرِّسالة من أو التَّنبُّه إلى كلِمة الله[ يَجْمَحُ ٱلشَّعْبُ ]أي، يصيروا بدون حُكم[، أَمَّا حَافِظُ ٱلشَّرِيعَةِ فَطُوبَاهُ.‘” كايزر (Kaiser)
لقد أعطى الله الكثير من الضَّوابط لنا: قيود مخافة الله، العائلة والبيئة، الضَّمير والقانون، وحتَّى الضَّرورة. إلَّا أنَّ هذه الضَّوابط يُمكِن أن – وهيَ بالفعل – تُكسَر.
٢. مَنْ لِلرَّبِّ فَإِلَيَّ: أعطى موسى شعبَ إسرائيل الفُرصة للوقوفِ إلى جانب الرَّبِّ. فاللَّاويُّون، لِشَرَفهم، وقفوا مع الرَّبِّ ومع موسى. للأسَف، فقد كانوا المجموعة الـمُهمَّة الوحيدة التي أعلنت موقفها بوضوحٍ تجاه الله في حادثة العجل الذَّهبيّ.
من المنطقيِّ، أن نكون فقط إلى جانب الرَّبِّ. فهو خالِقُنا وفادينا وحافِظُنا وصديقُنا الألزَق من الأخ. مع ذلك، يتطلَّب الوقوف إلى جانب الرَّبِّ عدَّة أُمور:
ü الوقوف إلى جانب الرَّبِّ يتطلَّب قرارًا.
ü الوقوف إلى جانب الرَّبِّ يتطلَّب فعلًا.
ü الوقوف إلى جانب الرَّبِّ يتطلَّب انفصالًا.
ب) الآيات (٢٧-٢٩): إعدامُ الـ ٣٠٠٠ شخص.
٢٧ فَقَالَ لَهُمْ: «هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: ضَعُوا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ عَلَى فَخْذِهِ وَمُرُّوا وَٱرْجِعُوا مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ فِي ٱلْمَحَلَّةِ، وَٱقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ» .٢٨ فَفَعَلَ بَنُو لَاوِي بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. وَوَقَعَ مِنَ ٱلشَّعْبِ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ آلَافِ رَجُلٍ. ٢٩ وَقَالَ مُوسَى: «ٱمْلَأُوا أَيْدِيَكُمُ ٱلْيَوْمَ لِلرَّبِّ، حَتَّى كُلُّ وَاحِدٍ بِٱبْنِهِ وَبِأَخِيهِ، فَيُعْطِيَكُمُ ٱلْيَوْمَ بَرَكَةً».
١. وَٱقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ: في هذه الحالَة، إنَّ الوقوفَ إلى جانب الرَّبِّ قد يعني الوقوفَ ضدَّ بعض النَّاس. فأُولئك الَّذين كانوا مُهتمِّين أكثر بالوقوفِ إلى جانبِ كلِّ النَّاس، لا يُمكنهم أبدًا القيام بما قام به هؤلاء اللَّاويُّون.
“إنَّ هَمِّيَ الوحيد هو ذلك الإنفصال بين أُولئك الَّذين هُم إلى ’جانبِ الرَّبِّ،‘ وأُولئك الَّذين يعبدون آلِهَتَهُم وآراءَهُم وأفكارَهُم.” لويد جونز (Lloyd-Jones).
٢. وَوَقَعَ مِنَ ٱلشَّعْبِ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ آلَافِ رَجُلٍ: يبدو بأنَّ خطيَّة إسرائيل مع العجل الذَّهبيّ قد تورَّط فيها أكثرُ من هؤلاء الـ ٣٠٠٠ شخص. مع ذلك، فقد كان هؤلاء من دونِ شكٍّ الأكثرَ فضاحةً في زناهم وعبادتهم للأصنام، أو لَرُبَّما كانوا قُوَّادًا لهذا السُّلوك الخاطئ.
خامسًا. تضرُّع موسى الثَّاني.
أ ) الآية (٣٠): يعودُ موسى للتَّضرُّع من أجل الشَّعب.
٣٠ وَكَانَ فِي ٱلْغَدِ أَنَّ مُوسَى قَالَ لِلشَّعْبِ: «أَنْتُمْ قَدْ أَخْطَأْتُمْ خَطِيَّةً عَظِيمَةً، فَأَصْعَدُ ٱلْآنَ إِلَى ٱلرَّبِّ لَعَلِّي أُكَفِّرُ خَطِيَّتَكُمْ».
١. فَأَصْعَدُ ٱلْآنَ إِلَى ٱلرَّبِّ لَعَلِّي أُكَفِّرُ خَطِيَّتَكُمْ: لقد تضرَّع موسى بالفعل من أجل الشَّعب في خروج ١١:٣٢-١٤. لكنَّه صلَّى من أجلهم الآن بسببِ رؤيتهِ للخطيَّة بِأُمِّ عينيهِ، فَذُهِلَ لِشدَّة وعمق خطيَّة الشَّعب.
٢. لَعَلِّي أُكَفِّرُ خَطِيَّتَكُمْ: لقد عَلِمَ موسى أيضًا على جبل سيناء بأنَّ جزاء الله لعبادة الأصنام هو الموت. مَنْ ذَبَحَ لِآلِهَةٍ غَيْرِ ٱلرَّبِّ وَحْدَهُ، يُهْلَكُ (خروج ٢٠:٢٢). لقد كان في حالةِ إدراكٍ واسعة لهذه الهُوَّة بين الشَّعبِ والله، وشعَرَ في قرارةِ نفسه بضرورة الشَّفاعة.
ب) الآيات (٣١-٣٢): طلَب موسى الجريء من أجل الشَّعب.
٣١ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى ٱلرَّبِّ، وَقَالَ: «آهِ، قَدْ أَخْطَأَ هَذَا ٱلشَّعْبُ خَطِيَّةً عَظِيمَةً وَصَنَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ آلِهَةً مِنْ ذَهَبٍ .٣٢ وَٱلْآنَ إِنْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ، وَإِلَّا فَٱمْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ ٱلَّذِي كَتَبْتَ».
١. آهِ، قَدْ أَخْطَأَ هَذَا ٱلشَّعْبُ خَطِيَّةً عَظِيمَةً: لَم يُسخِّف موسى من قَدْرِ خطيَّة الشَّعب ولَم يصِفها بكلِماتٍ رقيقة. لقد كانوا مُذنبين بعبادةِ آلِهَةٍ مِنْ ذَهَبٍ.
لا يزال النَّاس يعبدون آلِهَةً من ذَهَبٍ. في شهر أُوغسطس/آب من عام ١٩٩٠، تعثَّر رجلٌ عند أدراجِ مكتبهِ في مدينة لوس أنجلس، بعد أن أُصيب بطلقٍ ناريّ ٍفي صدره. فقَبْلَ موته مُتأثِّرًا بِجُرحهِ، بدأ يُردِّد أسماء أولادهِ الثَّلاثة. لكنَّه كان ما زال يحتفِظُ بساعتهِ الرُّولكس الفارِهة الـمُقدَّر ثمنها بحوالي ١٠،٠٠٠ دولار. لقد دفعَ حياتَه ثمنَ إلهِ من ذَهَب!
٢. وَٱلْآنَ إِنْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ: أدرك موسى فداحة خطيَّة الشَّعب، مع ذلك فقد طلبَ الغفران لهم. لقد كان هذا الأمرُ بمثابة تضرُّعٍ لِرَحمةِ ونعمة الله.
٣. وَإِلَّا فَٱمْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ ٱلَّذِي كَتَبْتَ: طلب موسى من الله بأن يغفِرَ لإسرائيل على أساس تحديد الذَّبيحة للخَطأة. فإذا لَم يغفِر الله، نرى موسى يطلبُ مَحوَهُ، أي لعنَتَهُ، على أساس تحديد الذَّبيحة لِشَعبه الخاطئ.
شعر موسى بأنَّ إسرائيل قد أخطأ بفظاعة لِدَرجةِ أنَّ دَمَ جَديِ المعزى أو الثَّور لا يُمكنه بأن يُغطِّي هذه الخطيَّة؛ كان لا بُدَّ من وجودِ رجُلٍ يتألَّم من أجلهم. لذلك، قدَّم نفسَهَ لِيُمحَ من كتاب الله إذا كان هذا مُمكِنًا من أجلِ نجاة النَّاس. فقال الله ’لا‘ لِطَلَبِ موسى هذا. مع ذلك، يُمكِنُنا القَول بأنَّ الله تطلَّع نحو الذَّبيحة، لذلك الأعظَم من موسى والَّذي سَيُعطي نفسَه فداءً من أجلِ شعبهِ، فيجيءَ بتكفيرٍ كافٍ وكامِل.
“يقفُ موسى بين النَّاس وغضبِ الله ويقول: ’عاقِبني.‘ قد لا يُمكِنه تحمُّلَ ذلك، بالطَّبع، فقد كان الأمرُ كبيرًا جدًّا. ومع ذلك، فإنَّ روحَ موسى النَّبيلة تشِعُّ بوضوح في هذا الحدَث الكبير.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
بالطَّبع، إنَّ هذا القلب الـمُضحِّي، لَهُوَ نفس قلب يسوع الَّذي كان له في موته من أجل خطايانا (١ بطرس ١٨:٣ و٢ كورنثوس ٢١:٥). كان للرَّسُولِ بولس بعضًا من هذا القلب الَّذي لِيَسوع (رومية ٣:٩).
ج) الآيات (٣٣-٣٥): جوابُ الرَّبِّ لِتضرُّع موسى.
٣٣ فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «مَنْ أَخْطَأَ إِلَيَّ أَمْحُوهُ مِنْ كِتَابِي .٣٤ وَٱلْآنَ ٱذْهَبِ ٱهْدِ ٱلشَّعْبَ إِلَى حَيْثُ كَلَّمْتُكَ. هُوَذَا مَلَاكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ. وَلَكِنْ فِي يَوْمِ ٱفْتِقَادِي أَفْتَقِدُ فِيهِمْ خَطِيَّتَهُمْ» .٣٥ فَضَرَبَ ٱلرَّبُّ ٱلشَّعْبَ، لِأَنَّهُمْ صَنَعُوا ٱلْعِجْلَ ٱلَّذِي صَنَعَهُ هَارُونُ.
١. مَنْ أَخْطَأَ إِلَيَّ أَمْحُوهُ مِنْ كِتَابِي: وافق الله على تجنيب الأُمَّة بأكملها، لكنَّهُ احتفظَ بلا ريبٍ بِحَقِّه في عقاب الأفراد الخُطاة.
٢. وَٱلْآنَ ٱذْهَبِ ٱهْدِ ٱلشَّعْبَ إِلَى حَيْثُ كَلَّمْتُكَ: لقد كان هذا وعدَ الله بالبقاءِ أمينًا لإسرائيل وبأن يستمرَّ بحضورهِ معهم (هُوَذَا مَلَاكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ).
٣. وَلَكِنْ فِي يَوْمِ ٱفْتِقَادِي أَفْتَقِدُ فِيهِمْ خَطِيَّتَهُمْ: لَم يكُن لهذا الجيل من الإسرائيليِّين النَّاضجين أن يرى أبدًا أرضَ الموعِد. فتلك الدَّينونة الخاصَّة لَم تصدُر بعد، لكنَّ الله عرفَ بأنَّها سوف تحدُث.