خروج ٢٥
مُؤَنٌ وتعليماتٌ تتعلَّقُ بخيمة الاجتماع
أولًا. مُؤَنٌ لِمَشروع البناء.
أ ) الآيات (١-٢): يُخبِر الله موسى ليسأل تقدِمةً.
١ وَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا :٢ «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَأْخُذُوا لِي تَقْدِمَةً. مِنْ كُلِّ مَنْ يَحِثُّهُ قَلْبُهُ تَأْخُذُونَ تَقْدِمَتِي.
١. كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَأْخُذُوا لِي تَقْدِمَةً: قبلَ أن يقول الله لِمُوسى ماذا كانت التَّقدمة، فقد طلب منه أن يأخذوا تقدِمةً. لقد أراد الله من إسرائيل بأن يكونَ مُتحفِّزًا بقلبٍ راضٍ أكثر منه بحاجةٍ مُحدَّدة.
لا يجب أن يكون عطاؤنا في المقام الأوَّل بسبب الحاجة. يجب أن نُعطي في المقام الأوَّل لأنَّ قلبَنا الَّذي يُريد يُلزِمنا ويُجبِرنا بذلك.
٢. أَنْ يَأْخُذُوا لِي تَقْدِمَةً: إنَّ الله لَهُوَ إلهٌ غنيٌّ ويُمكنهُ استخدامَ أيَّةِ وسيلةٍ للتَّوفير كما يُريد. بالرغم من ذلك، فهو يستخدِم عادةً قلوب شعبهِ الـمُريدين كطريقٍ في دَعمِ عملهِ.
“إنَّ كُلَّ المواد لِبناء خيمة الاجتماع قد قُدِّمَت بواسطة النَّاسِ أنفسهم. لَم يكُن ذلك بسبب أنَّ الله لا يستطيع تأمين كلِّ شيءٍ بطريقةٍ ما أُخرى.” مورجان (Morgan)
لقد كان هذا بسببِ أنَّ الله يُريد أن يُطوِّرَ فينا قلوبًا معطاءَة. عندما نصيرُ معطاءين، نُصبح أكثر كالله، الَّذي هو الـمُعطي الأعظَم: لِأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ ٱللهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ (يوحنَّا ١٦:٣).
لذلك يجبُ أن نكون معطاءين، ليس فقط بسبب أنَّ الله والكنيسة يحتاجان لأموالِنا، بل بسبب أنَّه يجب علينا أن نُشابِهَ صُورةَ ابنِ الله (رومية ٢٩:٨).
٣. مِنْ كُلِّ مَنْ يَحِثُّهُ قَلْبُهُ: لقد أراد الله تقدِماتٍ فقط من أُولئك الَّذين حثَّهُم قلبهم. فالله ليس مُهتمًّا بالعطاء الـمُكرَه أو الـمُتلاعَب به. ففي العهد الجديد، يتردَّدُ صدى هذه الفكرة في ٢ كورنثوس ٧:٩، كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا يَنْوِي بِقَلْبِهِ، لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ ٱضْطِرَارٍ. لِأَنَّ ٱلْمُعْطِيَ ٱلْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ ٱللهُ.
٤. تَأْخُذُونَ تَقْدِمَتِي: لَم تكن التَّقدِمات مُلكًا لِمُوسى، لَم تكن مُلكًا للشُّيوخ، ولَم تكن مُلكًا لإسرائيل نفسِه. لقد قال الله: تَأْخُذُونَ تَقْدِمَتِي. لقد كانت هذه التَّقدِمات مُلكًا لله، واحتفظَ بها موسى والأُمَّة بالنِّيابة عن الله.
ب) الآيات (٣-٧): المواد الخاصَّة التي يجبُ جَمعُها.
٣ وَهَذِهِ هِيَ ٱلتَّقْدِمَةُ ٱلَّتِي تَأْخُذُونَهَا مِنْهُمْ: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَنُحَاسٌ، ٤ وَأَسْمَانْجُونِيٌّ وَأُرْجُوَانٌ وَقِرْمِزٌ وَبُوصٌ وَشَعْرُ مِعْزَى، ٥ وَجُلُودُ كِبَاشٍ مُحَمَّرَةٌ وَجُلُودُ تُخَسٍ وَخَشَبُ سَنْطٍ، ٦ وَزَيْتٌ لِلْمَنَارَةِ وَأَطْيَابٌ لِدُهْنِ ٱلْمَسْحَةِ وَلِلْبَخُورِ ٱلْعَطِرِ، ٧ وَحِجَارَةُ جَزْعٍ وَحِجَارَةُ تَرْصِيعٍ لِلرِّدَاءِ وَٱلصُّدْرَةِ.
١. وَهَذِهِ هِيَ ٱلتَّقْدِمَةُ ٱلَّتِي تَأْخُذُونَهَا مِنْهُمْ: لقد استُخدِمَ كُلًّا من هذه التَّقدِمات في بناء شكلٍ أو تركيبةٍ أمر الله موسى بأن يبْنِيَها. فكلُّ واحدةٍ من هذه التَّقدِمات كانت رمزًا أو تشبيهًا روحيًّا مُرتبِطًا بالبِناء.
في نسبة خيمة الإجتماع الـمُنتَهِيَة، إنَّ قيمةَ هذه التَّقدِمات في يومنا هذا تتخطَّى ١٣ مليون $ ديويت (DeWitt). ووزنها الإجماليّ مُجتمعةً سيكون حوالَي ١٩،٠٠٠ باوند/رَطل (٨،٦٠٠ كلغ).
٢. أَسْمَانْجُونِيّ: لقد كانت صبغةُ هذا اللَّون تُستخرَج من الـمَحَار، بأشكالٍ مُختلِفة على ما يبدو.
٣. أُرْجُوَان: لقد كانت صبغةُ هذا اللَّون تُستخرَج من صدف أو حلَزون المرَّيق. كان لَونُهُ أُرجوانيًّا-أحمر أو قرمزيًّا.
٤. قِرْمِز: لقد كانت صبغةُ هذا اللَّون تُستخرَج من بيوضِ وأجسامِ دودةٍ خاصَّة جافَّة ومسحوقة (حشرة كرويَة / coccus ilicis) تلتصِقُ بِنَبتة البَهْشِيِّة أو الإيلكس.
٥. بُوص: تُتَرجِمُ هذه الكلِمة: كلِمةً مصريَّة. لقد عرفَ المصريُّون (ومن دون شكٍّ فقد نقلوا هذه المعرفة إلى اليهود) صناعة البُوص.
“لقد أبدعَت مصر في إنتاج البوص أو الكِتَّان، خصوصًا الكِتَّان الـمَبروم، حيث كان كلُّ خَيطٍ ملفوفًا من عدَّة خيوط.” كُول (Cole)
٦. شَعْرُ مِعْزَى: لقد كانت الأغطية المصنوعة من هذه المواد سوداءَ وخَشِنة، شبيهة بِمَلمَس مثيلاتها في أيَّامنا الـمُعاصِرة.
٧. جُلُودُ كِبَاشٍ مُحَمَّرَةٌ: كانت العادة تقضي بإزالَة الصُّوف لِيَصيرَ مثل الجِلْدِ ذي الـمَلْمَسِ النَّاعِم.
٨. جُلُودُ تُخَسٍ: قد تُشير هذه العبارة الصَّعبة التَّرجمَة أيضًا إلى جلودِ خنازير البحر أو خراف البحر (بقرة البحر).
٩. خَشَبُ سَنْطٍ: هو خشبٌ أقسى وأغمقُ لونًا من خشبِ البلُّوط أو السِّنديان. وهو أيضًا متينٌ بسبب مناعتهِ لأنَّ الحشرات الآكِلَة للخشب تتجنَّبُهُ.
“يُعرَف خشبُ السِّنطِ بوفرتهِ في مصر، وهو يكثُرُ في الصَّحراء العربيَّة، ذات المكان الَّذي بنى فيه موسى خيمة الاجتماع؛ بذلك، لَمَنطقيٌّ الإعتقاد بأنَّه قد بناهُ مُستخدِمًا هذا الخشب، الَّذي كان مُناسِبًا جدًّا لهذه الغاية.” كلارك (Clarke)
ج) الآيات (٨-٩): القصدُ من النَّموذَج لِخَيمة الإجتماع.
٨ فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِسًا لِأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ .٩ بِحَسَبِ جَمِيعِ مَا أَنَا أُرِيكَ مِنْ مِثَالِ ٱلْمَسْكَنِ، وَمِثَالِ جَمِيعِ آنِيَتِهِ هَكَذَا تَصْنَعُونَ.
١. فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِسًا لِأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ: لقد كان الهدَف من خيمة الاجتماع أن تكون مسكنًا لله. ليست الفكرة بأنَّ الله سوف يسكن في ذلك المكان حصريًّا، بل هي كانت مكانًا خاصًّا حيث يجتمع النَّاس ويلتقون بالله.
مَقْدِسًا: “يعني مكانٌ ’مُقدَّسٌ‘ أو ’المكان الـمُخصَّص/ الـمُفرَز.‘ لقد كان كُلُّ شيءٍ عن خيمة الاجتماع مُقدَّسًا. فنفسُ الكلِمة في ١ و ٢ أخبار الأيَّام تُشيرُ إلى الهيكَل.” كايزر (Kaiser)
٢. مِثَالِ ٱلْمَسْكَنِ: إنَّ التَّعبير الأوَّل لِمَسكن الله سوف يكون خيمةَ الاجتماع – خيمة – وليس مكانًا دائمًا.
“إنَّ الكلِمة ’خيمة الإجتماع‘ (مَسكَن / miskan) تظهر هُنا لأوَّلِ مرَّةٍ من أصلِ ١٣٩ تكراراتٍ في العهد القديم. هي مُشتقَّة من كلِمة ’يسكُن‘ (سَكَنَ / sakan) في إشارةٍ إلى مكان سُكنى الله مع شعبهِ.” كايزر (Kaiser)
“لقد قُدِّر للعبرانيِّين الشُّعورَ بأنَّ إلَهَ آبائهم كان زائرًا مُشابِهًا، بحيث أنَّه كان يُخيِّم حيث يُخيِّمون، وبأنَّ أعدائهم ومصاعبهم ومسيراتهم الطَّويلة الـمُنهِكة كانت جميعها له.” ماير (Meyer)
٣. بِحَسَبِ جَمِيعِ مَا أَنَا أُرِيكَ مِنْ مِثَالِ ٱلْمَسْكَنِ، وَمِثَالِ جَمِيعِ آنِيَتِهِ هَكَذَا تَصْنَعُونَ: من الواضحِ بمكانٍ ما بأنَّ الله لَم يصِف فقط خيمة الاجتماعِ وأثاثَهَا إلى موسى، بل أيضًا أراهُ شيئًا من شكلها وترتيبها. لقد كانت الرُّؤيا مُلازِمَة لإعطاء الكلِمات أو التَّعليمات.
لقد كان نمط أو نموذجُ خيمةِ الاجتماع، بحسبِ الواقع السَّماويّ. فقد كانت كَشبيهِ ومثال، ٱلَّذِينَ يَخْدِمُونَ شِبْهَ ٱلسَّمَاوِيَّاتِ وَظِلَّهَا، كَمَا أُوحِيَ إِلَى مُوسَى وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَصْنَعَ ٱلْمَسْكَنَ. لِأَنَّهُ قَالَ: ٱنْظُرْ أَنْ تَصْنَعَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ ٱلْمِثَالِ ٱلَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي ٱلْجَبَلِ (عبرانيِّين ٥:٨). لذلك، كان يجب أن تُصنَعَ بحسب الأبعاد الدَّقيقة، كونَها نوعًا من ’قياسٍ نموذجيّ‘ للمكان المحيط بعرشِ الله في السَّماء.
“يعني النَّموذج بشكلٍ تقريبيّ ’نموذجًا هندسيًّا.‘” كُول (Cole)
ثانيًا. تعليماتٌ لِبِناء تابوت العهد.
أ ) الآيات (١٠-١١): الشَّكل الأساسيّ لِتَابوت العهد.
١٠ «فَيَصْنَعُونَ تَابُوتًا مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ، طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ، وَٱرْتِفَاعُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ .١١ وَتُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ خَارِجٍ تُغَشِّيهِ، وَتَصْنَعُ عَلَيْهِ إِكْلِيلًا مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهِ.
١. فَيَصْنَعُونَ تَابُوتًا: لقد كانت المادَّة الأُولَى التي طلب الله من موسى بأن يبنيَها، التَّابوت، الَّذي أُسمِيَ في مرحلةٍ لاحِقة تابوتَ العهد. لقد كان هذا التَّابوت المادَّة الوحيدة الـمُرتبِطة بخيمة الاجتماع ذي الأهمِّيَّة القُصوى، والَّذي بُنِيَ بحسبِ عرش الله في السَّماء.
“إنَّ الميزة الأهمّ لَمَوصوفةٌ أوَّل كُلِّ الأشياء، ذلك لأنَّها رمزٌ يُشيرُ إلى الإقترابِ إلى الله.” توماس (Thomas)
٢. فَيَصْنَعُونَ تَابُوتًا مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ: لقد كان تابوتُ العهد، عمليًّا، صندوقًا (إنَّ التَّابوتَ لَهُوَ صندوقٌ، وليس فُلْكٌ). لقد كان مصنوعًا من خشبِ السِّنط، ومُغشًى بذَهَب، وطولُهُ ٣ أقدام و ٩ إنشاتٍ؛ وعرضُهُ ٢ قدَم و ٣ إنشاتٍ؛ وارتفاعُهُ ٢ قدَم و ٣ إنشات.
ب) الآيات (١٢-١٥): الحلقاتُ والقوائم لِتَابوت العهد.
١٢ وَتَسْبِكُ لَهُ أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَجْعَلُهَا عَلَى قَوَائِمِهِ ٱلْأَرْبَعِ. عَلَى جَانِبِهِ ٱلْوَاحِدِ حَلْقَتَانِ، وَعَلَى جَانِبِهِ ٱلثَّانِي حَلْقَتَانِ .١٣ وَتَصْنَعُ عَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِذَهَبٍ .١٤ وَتُدْخِلُ ٱلْعَصَوَيْنِ فِي ٱلْحَلَقَاتِ عَلَى جَانِبَيِ ٱلتَّابُوتِ لِيُحْمَلَ ٱلتَّابُوتُ بِهِمَا .١٥ تَبْقَى ٱلْعَصَوَانِ فِي حَلَقَاتِ ٱلتَّابُوتِ. لَا تُنْزَعَانِ مِنْهَا.
١. وَتَسْبِكُ لَهُ أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ: لَم يكُن لِتَابوت العهد مقابِض ولَم يكُن لِيُحمَلَ بشكلٍ مُباشرٍ باستخدام الأيدي. بدلًا من ذلك، فقد كان يجب أن يُحمَلَ بِغَرزِ العصَوَين في أربعِ قوائم مُغشَّاة بالذَّهَب داخل الحلقات الـمُذهَّبة عند كلِّ زاويةٍ من التَّابوت.
٢. تَبْقَى ٱلْعَصَوَانِ فِي حَلَقَاتِ ٱلتَّابُوتِ. لَا تُنْزَعَانِ مِنْهَا: كان يجب أن تبقى العصوان داخل الحلقات، وتكونَ المصدرَ الوحيد الـمُناسِب في لَمسِ التَّابوت. باستثناءِ لَمسِ العصَويَن، فقد كان يُمَنع منعًا باتًّا لَمسَ تابوت العهد.
في ٢ صموئيل ٦:٦-٧، لَمسَ عُزِّيَّا التَّابوت في مُحاولةٍ لِمَنعِ سقوطهِ عن العرَبَة، ولكنَّه لَم يمسَّهُ عند القوائم، فضربَهُ الله بالموت. لقد كان عُزِّيَّا مُخطئًا في اعتقاده بأنَّ الله قد يسمحَ بتخريب التَّابوت؛ في واقِع الأمر، لَم يقَع من عن العرَبَة، فلا شُكرَ واجبًا لِعُزِّيَّا. لقد كان عُزِّيَّا أيضًا مُخطئًا في تفكيرهِ بأنَّه هُناك أمرٌ ما أقلُّ طهارةً من الأرض ألا وهو عدم طاعتهِ غير النَّقيَّة.
ج) الآية (١٦): مُحتويات تَابوت العهد.
١٦ وَتَضَعُ فِي ٱلتَّابُوتِ ٱلشَّهَادَةَ ٱلَّتِي أُعْطِيكَ.
١. وَتَضَعُ فِي ٱلتَّابُوتِ ٱلشَّهَادَةَ: لقد وجَّه الله موسى لأن يضعَ ٱلشَّهَادَةَ – أي، نسخة عن النَّاموس – في تابوت العهد.
٢. ٱلَّتِي أُعْطِيكَ: طلبَ الله من موسى بأن يبنيَ تابوت العهد لكي يحفظَ النَّاموس حتَّى قبل أن أُعطِيَ. لاحقًا، يطلب الله من إسرائيل بأن يضعَ أشياءَ أُخرى أيضًا – فِيهِ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَابُوتُ ٱلْعَهْدِ مُغَشًّى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بِٱلذَّهَبِ، ٱلَّذِي فِيهِ قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ ٱلْمَنُّ، وَعَصَا هَارُونَ ٱلَّتِي أَفْرَخَتْ، وَلَوْحَا ٱلْعَهْدِ (عبرانيِّين ٤:٩).
د ) الآيات (١٧-٢٢): كُرسيُّ أو غِطاءُ الرَّحمة.
١٧ «وَتَصْنَعُ غِطَاءً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ، ١٨ وَتَصْنَعُ كَرُوبَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ. صَنْعَةَ خِرَاطَةٍ تَصْنَعُهُمَا عَلَى طَرَفَيِ ٱلْغِطَاءِ .١٩ فَٱصْنَعْ كَرُوبًا وَاحِدًا عَلَى ٱلطَّرَفِ مِنْ هُنَا، وَكَرُوبًا آخَرَ عَلَى ٱلطَّرَفِ مِنْ هُنَاكَ. مِنَ ٱلْغِطَاءِ تَصْنَعُونَ ٱلْكَرُوبَيْنِ عَلَى طَرَفَيْهِ .٢٠ وَيَكُونُ ٱلْكَرُوبَانِ بَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا إِلَى فَوْقُ، مُظَلِّلَيْنِ بِأَجْنِحَتِهِمَا عَلَى ٱلْغِطَاءِ، وَوَجْهَاهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى ٱلْآخَرِ. نَحْوَ ٱلْغِطَاءِ يَكُونُ وَجْهَا ٱلْكَرُوبَيْنِ .٢١ وَتَجْعَلُ ٱلْغِطَاءَ عَلَى ٱلتَّابُوتِ مِنْ فَوْقُ، وَفِي ٱلتَّابُوتِ تَضَعُ ٱلشَّهَادَةَ ٱلَّتِي أُعْطِيكَ .٢٢ وَأَنَا أَجْتَمِعُ بِكَ هُنَاكَ وَأَتَكَلَّمُ مَعَكَ، مِنْ عَلَى ٱلْغِطَاءِ مِنْ بَيْنِ ٱلْكَرُوبَيْنِ ٱللَّذَيْنِ عَلَى تَابُوتِ ٱلشَّهَادَةِ، بِكُلِّ مَا أُوصِيكَ بِهِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ.
١. وَتَصْنَعُ غِطَاءً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ: كانت كُرسيُّ الرَّحمة – عمليًّا، غطاء التَّابوت – مصنوعةً من ذَهَبٍ نقيٍّ مع صناعةٍ منحوتة للكَروبيم. ففي الصُّورة أو التَّشبيه الـمُقدَّم لِتَابوت العهد، بدا وكأنَّ الله ساكِنٌ بَيْنِ ٱلْكَرُوبَيْنِ حيث كان يجتمعُ مع إسرائيل هُناك.
“في إسرائيل، كان الكروبيم يرمزُ إلى الأرواح الخادِمَة والـمُرسَلَة (مزمور ٣:١٠٤-٤) ولذلك فهيَ لَم تكن تُعتبَرُ انتهاكًا للوصيَّة في خروج ٤:٢٠، ذلك لأنَّه لَم يعبدُها أيُّ إنسانٍ.” كُول (Cole)
يُترجِم كايزر الكلِمة العبريَّة القديمة ’كُرسيُّ الرَّحمة / kapporet‘ بهذه العبارة: ’غطاءُ التَّكفير.‘ “لقد كان التَّابوتُ مكانَ التَّكفير أو الإستعطاف، ومن هنا المكان الذي كان فيه الله مُؤاتيًا لشعبه.” كايزر (Kaiser)
٢. وَأَنَا أَجْتَمِعُ بِكَ هُنَاكَ: لقد كان الله يجتمع مع إسرائيل بمعنى أنَّه كان يجتمعُ مع مُمثِّل إسرائيل (رئيس الكهنة) في سلام بسبب دَمِ الكفَّارة في يوم التَّكفير (لاويِّين ١٤:١٦-١٥).
٣. وَأَتَكَلَّمُ مَعَكَ، مِنْ عَلَى ٱلْغِطَاءِ مِنْ بَيْنِ ٱلْكَرُوبَيْنِ: لقد كان وكأنَّ الله ينظرُ إلى أسفل من مكان سَكَنِهِ بين الكَروبَين، فيرى النَّاموس في التَّابوت – وعلِمَ بأنَّنا مُذنبين بِكَسر الشَّريعة، أي ناموسِه. لكنَّ دمَ الذَّبيحة كان يُرَشُّ على كُرسيِّ الرَّحمة، ذلك لكي يرى الله الدَّمَ يُغطِّي التَّعدي على النَّاموس – فَيُمنَحُ الغفران.
إنَّه لَمِنَ الـمُفيدِ بمكانٍ ما القَول بأنَّه حتَّى قبل أن يُعطي الله موسى لَوحَي الشَّهادة للوصايا العشر، فقد أمَّن الله تعويضًا عن فشل إسرائيل تحت النَّاموس.
في رومية ٢٥:٣، إنَّ الكلِمة اليونانيَّة لِـ كفَّارة (hilasterion) لَهِيَ أيضًا موجودةٌ في التَّرجمة السَّبعينيَّة (نسخةُ ترجمةِ العهد القديم من العبريَّة إلى اليونانيَّة، التي كانت تُقرَأ في أيَّام العهد الجديد) للعبارة، ’كُرسيُّ الرَّحمة.‘ لذلك، إنَّه لَعَينُ الصَّوابِ قَولُ أنَّ ’يسوع هو كرسيُّ الرَّحمة.‘ فهو المكان و الأداة من أجلِ فدائنا.
ثالثًا. تعليماتٌ لِبِناء مائدة خُبزِ الوجوه.
أ ) الآيات (٢٣-٢٩): قياسات ومواد لِبِناء طاولة خُبزِ الوجوه.
٢٣ «وَتَصْنَعُ مَائِدَةً مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ طُولُهَا ذِرَاعَانِ، وَعَرْضُهَا ذِرَاعٌ، وَٱرْتِفَاعُهَا ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ .٢٤ وَتُغَشِّيهَا بِذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَتَصْنَعُ لَهَا إِكْلِيلًا مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهَا. ٢٥ وَتَصْنَعُ لَهَا حَاجِبًا عَلَى شِبْرٍ حَوَالَيْهَا، وَتَصْنَعُ لِحَاجِبِهَا إِكْلِيلًا مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهَا .٢٦ وَتَصْنَعُ لَهَا أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَجْعَلُ ٱلْحَلَقَاتِ عَلَى ٱلزَّوَايَا ٱلْأَرْبَعِ ٱلَّتِي لِقَوَائِمِهَا ٱلْأَرْبَعِ .٢٧ عِنْدَ ٱلْحَاجِبِ تَكُونُ ٱلْحَلَقَاتُ بُيُوتًا لِعَصَوَيْنِ لِحَمْلِ ٱلْمَائِدَةِ .٢٨ وَتَصْنَعُ ٱلْعَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِذَهَبٍ، فَتُحْمَلُ بِهِمَا ٱلْمَائِدَةُ. ٢٩ وَتَصْنَعُ صِحَافَهَا وَصُحُونَهَا وَكَأْسَاتِهَا وَجَامَاتِهَا ٱلَّتِي يُسْكَبُ بِهَا. مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ تَصْنَعُهَا.
١. وَتَصْنَعُ مَائِدَةً مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ: لقد كانت هذه الطَّاولة مصنوعة من خشب السِّنط، مُغشَّاةٌ بالذَّهَب؛ وهي ٣ أقدام في الطُّول، ١ قدَم، ٦ إنشات في العرض، و ٢ قدَم، ٣ إنشات في الإرتفاع.
٢. عِنْدَ ٱلْحَاجِبِ تَكُونُ ٱلْحَلَقَاتُ بُيُوتًا لِعَصَوَيْنِ لِحَمْلِ ٱلْمَائِدَةِ: لقد كان لهذه المائدة أيضًا حلقاتٌ وقوائم من أجلِ حَملِها، بالإضافة إلى صِحَافِهَا وَصُحُونِهَا وَكَأْسَاتِهَا وَجَامَاتِهَا ٱلَّتِي يُسْكَبُ بِهَا، وجيعها مصنوعة من الذَّهَب النَّقيّ.
“نحن محظوظونَ لأن يكون لنا، عند قَوس تيطس أو تيتوس، تمثيلًا منحوتًا لهذه الطَّاولَة (كما المنارة الذَّهبيَّة). فالنَّموذج الـمُصوَّر إنَّما يعودُ إلى هيكل هيرودس، لكن، بالحُكمِ بناءً على الوصف في سفر الخروج، فقد كان يتبَع بدقَّةٍ النَّموذج في سفر الخروج.” كُول (Cole)
ب) الآية (٣٠): الهدَف من طاولَة خُبزِ الوجوه.
٣٠ وَتَجْعَلُ عَلَى ٱلْمَائِدَةِ خُبْزَ ٱلْوُجُوهِ أَمَامِي دَائِمًا.
١. وَتَجْعَلُ عَلَى ٱلْمَائِدَةِ خُبْزَ ٱلْوُجُوهِ أَمَامِي دَائِمًا: لقد تمَّ وضْعُ اثنَي عشر رغيفًا من الخُبزِ على الطَّاولة – حرفيًّا، ’خُبزُ الوجوهِ.‘ لقد كان هذا الخبزُ مُرتبِطًا بِـ، ويجب أن يُؤكَلَ أمامَ، وجهِ الله.
“في الشَّرق، كانت الطَّاولة تُمثِّلُ دائمًا رمزًا للشَّركة. لذلك تمَّ تذكير الناس بإمكانيَّة وجود شركةٍ ثابتة مع الله.” مورجان (Morgan)
يُسمِّي ماير Meyer خُبْزَ ٱلْوُجُوهِ ’خُبزَ الحضور.‘ إنَّ الخبزَ لَضَروريٌ للبقاء، والرَّابط كان تذكيرًا بأنَّ الشَّركة مع الله لَهِيَ ضروريَّة بالنِّسبة إلى الإنسان.
“تعني ’Lechem panim‘ حرفيًّا، خبزُ الوجوه؛ وهي أُسمِيَت كذلك إمَّا بسببِ أنَّه كان يُوضَع أمام حضورِ أو وجهِ الله في المكان الـمُقدَّس، أو بسبب أنَّه كان يُصنع على شكلِ مُكعَّباتٍ، كما اعتاد اليهود عليها.” كلارك (Clarke)
٢. خُبْزَ ٱلْوُجُوهِ: بحسبِ لاويِّين ٥:٢٤-٩، كان خُبْزُ ٱلْوُجُوهِ يُصنَع من الطَّحين الدَّقيق، حيث كانت اثنتا عشرة قطعةً من خُبزِ الوجوهِ – واحِدة لكلِّ سبطٍ – توضَع على الطَّاولة، ويُرشُّ عليها القليل من البخُّور. كان الخبزُ يُستبدَلُ مرَّة واحدة في الأُسبوع، وطبيعيًّا كان يحقُّ فقط للكهنة بتناول الخُبز القديم.
رابعًا. تعليماتٌ لِبِناء المنارَة.
أ ) الآيات (٣١-٣٦): المنارةُ بحدِّ ذاتها.
٣١ «وَتَصْنَعُ مَنَارَةً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. عَمَلَ ٱلْخِرَاطَةِ تُصْنَعُ ٱلْمَنَارَةُ، قَاعِدَتُهَا وَسَاقُهَا. تَكُونُ كَأْسَاتُهَا وَعُجَرُهَا وَأَزْهَارُهَا مِنْهَا .٣٢ وَسِتُّ شُعَبٍ خَارِجَةٌ مِنْ جَانِبَيْهَا. مِنْ جَانِبِهَا ٱلْوَاحِدِ ثَلَاثُ شُعَبِ مَنَارَةٍ، وَمِنْ جَانِبِهَا ٱلثَّانِي ثَلَاثُ شُعَبِ مَنَارَةٍ .٣٣ فِي ٱلشُّعْبَةِ ٱلْوَاحِدَةِ ثَلَاثُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجْرَةٍ وَزَهْرٍ، وَفِي ٱلشُّعْبَةِ ٱلثَّانِيَةِ ثَلَاثُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجْرَةٍ وَزَهْرٍ، وَهَكَذَا إِلَى ٱلسِّتِّ ٱلشُّعَبِ ٱلْخَارِجَةِ مِنَ ٱلْمَنَارَةِ .٣٤ وَفِي ٱلْمَنَارَةِ أَرْبَعُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجَرِهَا وَأَزْهَارِهَا .٣٥ وَتَحْتَ ٱلشُّعْبَتَيْنِ مِنْهَا عُجْرَةٌ، وَتَحْتَ ٱلشُّعْبَتَيْنِ مِنْهَا عُجْرَةٌ، وَتَحْتَ ٱلشُّعْبَتَيْنِ مِنْهَا عُجْرَةٌ إِلَى ٱلسِّتِّ ٱلشُّعَبِ ٱلْخَارِجَةِ مِنَ ٱلْمَنَارَةِ .٣٦ تَكُونُ عُجَرُهَا وَشُعَبُهَا مِنْهَا. جَمِيعُهَا خِرَاطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ.
١. وَتَصْنَعُ مَنَارَةً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ: كانت المنارة مطروقةً من ذَهَبٍ نقيٍّ، من دون تحديد قياساتٍ خاصَّة، ولكن على شبَه النَّموذج لِمنَارة يومنا الـمُعاصِر. فقد كان لها ساقٌ وسطيَّة مع ثلاثِ شُعَبٍ ناتئة من كلِّ جانب، حيث يصل مجموعها إلى سبعة أمكِنَة للعُجرة والسُّرج.
٢. فِي ٱلشُّعْبَةِ ٱلْوَاحِدَةِ ثَلَاثُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجْرَةٍ وَزَهْرٍ: إنَّ تكرار ما سُمِّيَ بِـ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ كان مُهمًّا بسبب أنَّها كانت الشَّجرة الأُولى التي تُخرِج براعيمها في بداية فصل الرَّبيع. لقد ذكَّرت كلَّ واحِدٍ بالحياة الجديدة والطَّبيعة النَّقيَّة لِعَمل الله الـمُستَمِر.
“إذا ألقينا نظرةً سريعة على إعادة تصوير قوس تيتوس، فستظهرُ الخطوط العريضة الأساسيَّة بوضوح، بالرغم من أنَّ المفهوم المجازيّ الـمُحدَّد لبعض العبارات التِّقنيَّة الـمُستخدمَة ليس واضِحًا.” كُول (Cole)
ب) الآيات (٣٧-٤٠): السُّرجُ للمنارة.
٣٧ وَتَصْنَعُ سُرُجَهَا سَبْعَةً، فَتُصْعَدُ سُرُجُهَا لِتُضِيءَ إِلَى مُقَابِلِهَا .٣٨ وَمَلَاقِطُهَا وَمَنَافِضُهَا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ .٣٩ مِنْ وَزْنَةِ ذَهَبٍ نَقِيٍّ تُصْنَعُ مَعَ جَمِيعِ هَذِهِ ٱلْأَوَانِي .٤٠ وَٱنْظُرْ فَٱصْنَعْهَا عَلَى مِثَالِهَا ٱلَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي ٱلْجَبَلِ.
١. وَتَصْنَعُ سُرُجَهَا سَبْعَةً: لقد مثَّلت خيمةُ الإجتماع مكان عرشِ الله، وسفرُ ٥:٤ يصِف التَّالي: وَأَمَامَ ٱلْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ. إنَّ السُّرجَ السَّبعة تُمثِّلُ حضورَ الرُّوح القدس في السَّماء.
٢. فَتُصْعَدُ سُرُجُهَا لِتُضِيءَ إِلَى مُقَابِلِهَا: بما أنَّ خيمة الاجتماع كانت خيمةً مُغطَّاةً بالكامِل، فقد كان مصدرُ النُّورِ الوحيد هو سُرُجُ المنارة.
“إنَّ هذا الرَّمز قد يكون إشارةً إلى النُّور الَّذي يأتي به حضورُ الله إلى شعبهِ (عدد ٦: ٢٥)، مُتذكِّرين بأنَّ الضَوء، بحسبِ العهد القديم، هو أيضًا رمزٌ للحياة والإنتصار (مزمور ١:٢٧).” كُول (Cole)
“كانت تُقدَّر ’وزنَةُ الذَّهَب النَّقيّ‘ بحوالي ٧٥ باوند/رطل.” كايزر (Kaiser)